كتاب الصداق من المحرر في الحديث - 06

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

"بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله-:

باب الخلع والتخيير والتمليك

 عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة»، رواه البخاري. وعنه -رضي الله عنه- أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عدتها حيضة، رواه أبو داود وقال: رواه عبد الرزاق مرسلاً، والترمذ،ي وحسنه والحاكم وقال: صحيح الإسناد.

 وعن مسروق قال: سألت عائشة عن الخيرة فقالت: خيرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفكان طلاقًا؟ قال مسروق: لا أبالي أخيرتها واحدة أو مائة بعد أن تختارني، متفق عليه، واللفظ للبخاري.

 وعن حماد بن زيد قال: قلت لأيوب: هل علمتَ أحدًا قال في أمركَ بيدك إنها ثلاث.."

أمركِ..

أحسن الله إليك.

"هل علمتَ أحدًا قال في أمركِ بيدك إنها ثلاث غير الحسن؟ فقال: لا، ثم قال: اللهم غفرا إلا ما حدثني قتادة عن كثير مولى بن سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاث، فلقيت كثيرًا فسألته فلم يعرفه، فرجعت إلى قتادة فأخبرته فقال: نسي، رواه أبو داود والنسائي، وهذا لفظه وقال: هذا حديث منكر، والترمذي، وحكي عن البخاري أنه قال: هو موقوف، والحاكم وقال: هذا حديث غريب صحيح، وكثير وثقه العجلي وغيره وقال ابن حزم، هو مجهول.

 وعن زرارة بن ربيعة عن أبيه عن عثمان في أمرك بيدك القضاء ما قضت، رواه البخاري في التاريخ."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- "باب الخلع والتخيير والتمليك" باب الخلع، الخلع بضم الخاء المعجمة مفارقة الزوجة على عِوَض، مفارقة الزوجة على عِوَض، تبذل الزوجة أو وليها أو من يتبرع لها إذا تضررت من البقاء مع زوجها، إذا تضررت من البقاء مع زوجها، تبذل له عوضًا يرضى به بقدر ما دفع إليها، ولا يزيد على ذلك عند بعض أهل العلم، ولا مانع من الزيادة على ذلك عند قوم آخرين على ما سيأتي، فتبذل هي إذا لم تطق البقاء معه أو كرهته أو غير ذلك من المبررات التي تبيح لها طلب الفراق وإلا فطلب الطلاق من غير ما بأس محرَّم، كما جاء في الحديث: لم ترَح رائحة الجنة، «أيما امرأة طلبت طلاقها من غير ما بأس لم ترَح رائحة الجنة»، يعني من غير حاجة، أما إذا وجدت الحاجة، وصعبت المعيشة مع هذا الرجل فإن لها أن تفتدي تفدي نفسها، {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [سورة البقرة:229]، لا حرج أن تدفع مالاً ليفارقها ويخلعها.

 والخلع كما ذكرنا بضم الخاء المعجمة، مأخوذ من الأصل، وهو خلع الثوب؛ لأن المرأة لباس تلبس وتخلع، وضمت الخاء وإلا فالأصل بالفتح في خلع الثوب يقال: خلع ثوبه خلعًا، وهذا في المحسوسات، أما في المعنويات كخلع المرأة فإنه تضم فيه الخاء؛ للتفريق بين الخلعين، للتفريق بين الخلعين فالمرأة لباس، {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [سورة البقرة:187]، واللباس كما يلبس ويكون ذلك في هذا الباب بعقد النكاح يخلع كما يخلع الثوب إذا تضررت منه فإنها تطلب الفراق، وتفدي نفسها على ما سيأتي.

 والتخيير أن يقول لها الزوج: هل تختارين، هل تختارين البقاء معي أو تختارين الفراق؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- خير نساءه على ما سيأتي في حديث عائشة.

 والتمليك إذا قال: أمركِ بيدكِ ملَّكها أمر الطلاق، وجعله في يدها، وأمر الطلاق يجوز بعد تمليك المرأة أمر الطلاق، وأن يجعل الأمر بيدها، يجوز بعد العقد إذا ملك، أما قبل العقد وأن يشترط عليه ذلك، تشترط عليه المرأة قبل العقد أن يجعل أمرها بيدها، هذا لا يجوز، شرط باطل؛ لأنه ينافي مقتضى العقد، ينافي مقتضى العقد، أجازه بعضهم، لكنه قول شاذ.

 قال -رحمه الله-: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة ثابت ابن قيس" سماها في صحيح البخاري جميلة، جميلة، وهي أخت عبد الله بن أُبَيّ بن سلول.

 "أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس".

 خطيب الأنصار، وخطب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وشهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- بالجنة في قصة معروفة في الصحيح وغيره أنه لما نزل قوله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [سورة الحجرات:2]، وهو خطيب ومقتضى الخطابة أن يرتفع الصوت، لما نزلت هذه الآية ذهب إلى بيته وربط نفسه في سارية كما هو معروف وقال: إنه لا يحله إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ففقده النبي -عليه الصلاة والسلام- فسأل عنه فقيل له: هذا وضعه، ذهب إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وبشره بالجنة، وأن مثل الخطابة لا تدخل في مثل هذا، الخطابة من لازمها ومقتضاها أن يرفع الصوت. كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا خطب احمرَّ وجهه، وعلا صوته، احمرَّ وجهه وعلا صوته، فكان كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم.

 وما يوجد أو ما يفعله بعض الخطباء من هدوء وسكينة في الخطبة تبعث على النوم وعدم التفاعل مع الخطيب خلاف السنة، النبي -عليه الصلاة والسلام- يرتفع صوته ويحذر وينذر كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، جهوري الصوت، ثابت بن قيس بن شماس، لكنه لا يدخل في قوله -جل وعلا- في سورة الحجرات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [سورة الحجرات:2]، هذا غير داخل، ولذلك بشره النبي -عليه الصلاة والسلام- بالجنة.

 ثابت بن قيس على ما جاء في وصفه من قبل زوجته أنها رفعت الخباء خباء البيت، فأقبل في عدة ثابت بن قيس، أقبل في عدة مع جمع من الرجال، فكان -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- دميمًا، دميمًا، في خلْقه دمامة، وفي لونه سواد، وفي طوله قِصَر بيِّن إلى غير ذلك مما ذكرت، وذكرت أنها لولا أنها تخاف الله -جل وعلا- لبصقت في وجهه، كرهته، وما المخرج إذا كرهت المرأة زوجها ورفض أن يطلقها؟ ما فيه إلا أن تفتدي، لا يجوز للزوج من غير ما بأس أن يعضل المرأة حتى تفتدي، {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} [سورة النساء:19]، فإذا زنت أو نشزت جاز له أن يعضلها حتى تدفع إليه ما دفع.

 امرأة ثابت قالت: إنها ما تعتب عليه، تعتب، "قالت: ما أعتب عليه" بالتاء المثناة من فوق هذه رواية الصحيح، وفي السنن: ما أعيب بالياء بالمثناة من تحت.

 "ما أعيب عليه من خلُق ولا دين" خلُقه رفيع طيب الخلُق، كريم النفس، ولا دِين ما انتقدت عليه شيء في دينه، لكن إذا كان الزوج عليه ملاحظات في دينه يتساهل في الأوامر، ويرتكب المحظورات، لاسيما ما يتعلق بالعفاف، وهذا الشكوى منه كبيرة من النساء أنها تسمعه في الجوال يكلم النساء، وقد يربط مواعيد معهن، مثل هذا نسأل الله العافية، هذا معيب في دينه، لها أن تفتدي منه، وإذا ثبت منه الزنى فالأمر أشد، نسأل الله العافية.

 تقول: "ما أعتب عليه في خلق ولا دين" الرجل ما فيه كلام إلا أن المرأة لها مطلب في الرجل في شكله وفي جماله، وأحيانًا في ملبسه، كما أن له ذلك، كما أنه يطلب الجمال هي أيضًا تطلب أن يكون الرجل على أقل الأحوال مقبولاً ما يعاب في خلْقه، وابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي، هذا أمر مطلوب.

 "ولكني أكره الكفر في الإسلام، ولكني أكره الكفر في الإسلام"، وهل المراد به الكفر الحقيقي، الخروج من الملة، أو المراد به كفران العشير والنشوز والعصيان؟

الأكثر على أن المراد به كفران العشير، وهذا هو الظاهر؛ لأن امرأة مسلمة لا يمكن أن ترتد بسبب دمامة زوجها، هذا الأصل في المسلم، لكن إذا أعيتها المسالك، وعجزت أن تفارقه لا بطلاق ولا بخلع ولا.. فقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- في إغاثة اللهفان أن امرأة من هذا النوع حاولت مع زوجها، وحاول غيرها أن يطلقها، فرفض، وجاؤوها من كل باب ومن كل وسيلة وأعطوه من الأموال إلى أن عجزوا فرفض، فذهبت إلى شخص، فأفتاها أن ترتد عن الإسلام! نسأل الله العافية! يقول ابن المبارك -رحمه الله-، عبد الله بن المبارك: من أفتاها بهذه الفتوى فقد كفر، نسأل الله العافية.

 هذه من حيل الشيطان، من حيل الشيطان، نسأل الله العافية، ماذا أعظم من الكفر؟! نسأل الله العافية، يقول ابن القيم: إن الشيطان لا يعرف مثل هذه الحيلة، وهذه مبالغة منه -رحمه الله- حتى جاء هؤلاء فلقنوه إياها تكفر من أجل تفارق زوجها، نسأل الله العافية.

 يصل الأمر ببعض الأزواج إلى أن تتمنى أو تفكر المرأة بهذا التفكير؟! نسأل الله العافية، والمطلوب المعاشرة بالمعروف، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، يُضيِّق على المرأة، ويشدد عليها، ويؤذيها، وهذا موجود، والشكاوى كثيرة من هذا النوع حتى تتمنى أو تفكر في أن تكفر فتتخلص منه، نسأل الله العافية. وبعض النساء ينتحر، وبعضهن -نسأل الله العافية- أمور مهولة- نسأل الله العافية-، وهذا كله ليس من دين الإسلام في شيء، المطلوب المعاشرة بالمعروف إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

 «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».

 "ولكني أكره الكفر في الإسلام" بأن أعصيه أو أتخلى عن بعض حقوقه، فيكون من كفران العشير الذي جاء به الحديث الصحيح أن كثيرًا من النساء يكفرن العشير، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أتردين عليه حديقته؟»" كان قد أمهرها حديقة، مهرها حديقة، "«أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم، قالت: نعم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة، وطلقها تطليقة»اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة، وهل هذا الأمر أمر وجوب أو أمر إرشاد؟

كثير من أهل العلم يرى أنه أمر إرشاد، وأن الحاكم لا يفرض على الزوج أن يفارق زوجته لا بخلع ولا بطلاق ولا بغيره، ولكن الأصل في الأمر الوجوب، «اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة»، ويتجه الوجوب إذا ذكرت مبررًا شرعيًّا يحملها على الخلع، فإن الحاكم يأمره بذلك، فإن أبى طلَّق عليه، فإن أبى طلق عليه، والله المستعان.

 "رواه البخاري.

 وعنه" عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، وهو مخرج في السنن، وعنه -رضي الله عنه- "أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه" يعني من زوجها ثابت بن قيس، "فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عدتها حيضة، رواه أبو داود، رواه أبو داود وقال: رواه عبد الرزاق مرسلاً، والترمذي، وحسنه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد".

 في الحديث أو في الحديث السابق قال: «طلِّقها تطليقة» مفاده أن الخلع طلاق، ومقتضى هذه الرواية، وهي مختلف في وصلها وإرسالها.

 وعلى كل حال حسنها الترمذي، والحديث الذي قبله، الحديث الأول أرجح بلا شك في البخاري طلقها تطليقة، مقتضى الرواية الأولى أنه طلاق؛ لأن القصة واحدة، وطلقها تطليقة، ومقتضى الرواية أنه فسخ وليس بطلاق، أنه فسخ وليس بطلاق، فعلى الرواية الأولى تعتد بثلاثة قروء، تعتد عدة طلاق، والرواية الثانية  يقول: عدتها حيضة، فهي فسخ وليس بطلاق، فسخ وليس بطلاق، وتكون عدتها حيضة واحدة، وبهذا يقول جمع من أهل العلم أنه فسخ وليس بطلاق، وأن العدة حيضة واحدة، ويرجحه شيخ الإسلام ما لم يكن حيلة ما معنى حيلة؟ ما لم يكن حيلة.

 حيلة قد يحتاج بعض الناس الوقت؛ ليتزوج سريعًا، تكون هذه المرأة الرابعة، ويريد أن تخرج من العدة بسرعة، ويتفق معها على شيء يسير؛ ليكون من باب الخلع، ولا يكون من باب الطلاق، أعطيني مبلغ كذا، عشرة ريالات، مائة ريـال، وأخلعك وأعوضك فيما بعد بأكثر من ذلك؛ من أجل أن يكون خلعًا، وليس بطلاق، فتعتد بحيضة؛ لأنه محتاج للوقت، يريد أن يتزوج بسرعة، هذه حيلة لا تجوز، وهذا من حيل اليهود التي يتوصل بها إلى إسقاط الواجب، هذا شيخ الإسلام يقول: لا بد أن تعتد بثلاث حيض إذا كان حيلة وإلا فالأصل أن تعتد بحيضة كما في هذا الحديث، والخلاف بين أهل العلم هل الخلع طلاق يحسب من الثلاث، أو لا يحسب، وهو مجرد فسخ، معروف.

 وسبب الخلاف في ذلك في قوله -جل وعلا-: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [سورة البقرة:229]، ثم ذكر الخلع، ذكر الخلع، ثم ذكر الطلقة الثالثة: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [سورة البقرة:230]، فجعل الخلع بين الثانية والثالثة، ولو كان طلاقًا ما احتاج إلى طلقة ثالثة، خلاص، بانت منه، هذا على القول بأن الخلع فسخ وليس بطلاق، وهو ظاهر من الآية، ظاهر، {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} [سورة البقرة:229]، ثم بعد ذلك يقول: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [سورة البقرة:229]، ثم ذكر الطلقة الثالثة: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [سورة البقرة:230]، الطلقة الثالثة، فوجود الخلع بين الطلقتين الثانية والثالثة يدل على أنه ليس بطلاق، ولو كان طلاقًا ما احتاجت إلى طلقة ثالثة، خلاص بانت منه.

 والقول الثاني: أن الخلع طلاق، «خذ الحديقة، وطلقها تطليقة، خذ الحديقة، وطلقها تطليقة»، يعني هل تطلق المرأة وتبين منه بينونة صغرى من دون خلع من دون أن يلفظ بالطلاق بمجرد ما يقبض العِوَض تبين منه، أو أنه لا بد أن يطلق لتحل للزوج الثاني إذا أرادت أن تتزوج، وإذا تم الخلع لا يستطيع مراجعتها إلا بإذنها، ويكون كغيره من الخطاب؟

 القول الثاني: أنه طلاق، والخلع حينئذ في الآية يكون هو الطلقة الثالثة أو تسريح بإحسان، هذه الطلقة الثالثة، ثم بعد ذلك ذكر الخلع استئنافًا ليبين حكمه، ليبين حكمه، ثم عاد إلى الطلقة الثالثة التي هي التسريح بإحسان فقال: {فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [سورة البقرة:230]، وهذا قول معروف عند أهل العلم، ويرجحه كثير من أهل العلم.

 المقصود أن المسألة خلافية، لكن ظاهر الآية أنه فسخ وليس بطلاق، أنه فسخ وليس.. معاوضة كما عقد عليها بالمال فورقت بالمال.

 "رواه أبو داود وقال: رواه عبد الرزاق مرسلاً، والترمذي، وحسنه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد".

 وعلى كل حال الترمذي حسنه، وحسنه غيره من أهل العلم، فكيف نجيب عن قوله: «طلقها تطليقة»؟ صريح بالطلاق إذا طلق حسبت عليه بلا شك، إذا طلق حسبت عليه، أما إذا أخذ العوض ونوى الفراق بهذا العوض فإنه حينئذ يكون من باب الفسخ، لا من باب الطلاق.

 قد يقول قائل: كيف يأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يطلقها مع أن فيه مندوحة ألا يطلق بحيث يكون هناك فرصة إذا أراد الرجعة برضاها كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الله بن عمر على ما سيأتي في كتاب الطلاق: «مره فليراجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم يطلقها طاهرًا»، إلى آخر الحديث على ما سيأتي.

 قال -رحمه الله-: "وعن مسروق قال: سألت عائشة عن الخيرة" يعني تخيير المرأة، تخيير المرأة، النبي -صلى الله عليه وسلم- خيَّر نساءه، خيَّر نساءه كما في سورة: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [سورة الأحزاب:28] خيرهن {إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ} [سورة الأحزاب:29].

ماذا بعد؟

طالب: ............

نعم، المقصود أنه حصل التخيير منه -عليه الصلاة والسلام-، بعضهم يقول: إذا خيَّر زوجته دليل على أنه راغب عنها، وجاعل أمرها بيدها، فيكون طلاقًا بمجرد اختيارها لنفسها، ومنهم من يقول: لا بد أن يطلِّق إذا اختارت نفسها، {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [سورة الأحزاب:28]، تقول عائشة -رضي الله عنها- وهو في الصحيحين "قالت: خيرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفكان طلاقا؟" لما اخترن الله ورسوله هل كان طلاقًا؟ ما كان طلاقًا. "قال مسروق: لا أبالي أخيرتها واحدة أو مائة" يعني كل يوم يخيرها، كلما أصبح قال: تختارينني أم تختارين أهلك؟ تخترينني أم تختارين أهلك؟ كل يوم يقول لها ذلك، إذا اختارته، "لا يبالي أخيرها واحدة أو مائة" مرة يقول: "بعد أن تختارني"، لكن إن اختارت أهلها، إن اختارت أهلها واختارت نفسها فإنها حينئذ: {فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلاً}، هل يحتاج إلى طلاق أو ما يحتاج إذا اختارت نفسها بعد أن خيرها؟

 مقتضى الآية أسرحكن: أطلقكن أنه يحتاج، ومنهم من يقول: إن مجرد التخيير واختيارها لنفسها يقع الطلاق من غير تطليق، كأنه جعل أمرها بيدها، كأنه قال: أمرك بيدك، واختارت نفسها، لكن ظاهر الآية يحتاج إلى تطليق.

 قال -رحمه الله-: "وعن حماد بن زيد قال: قلت لأيوب، وعن حماد بن زيد قال: قلت لأيوب السختياني: هل علمتَ أحدًا، هل علمت أحدًا قال في أمرك بيدك أنها ثلاث غير الحسن؟" الحسن يقول: إذا قال الزوج لزوجته: أمرك بيدك تكون ثلاث تطليقات؛ لأنه لا يتم أمرها ويكون بيدها إلا إذا ملكت نفسها، ومادامت رجعية فإنه هو الذي يملك لا هي مادامت رجعية، إلا إذا خرجت من العدة، هذه وجهة النظر عند من قال بأن أمرك بيدك ثلاث.

 "فقال: لا، ثم قال: اللهم غفرًا" يعني اغفر لي نسياني وسهوي، "إلا ما حدثني قتادة عن كثير" في بعض النسخ، وهذا من الطريف: "إلا ما حدثني قتادة" في بعض النسخ حدثتني، حدثتني قتادة، وهذا كأنه ظنه اسمه امرأة، ورأيت في بعض الفهارس من وضع واثلة الصحابي المعروف واثلة بن الأسقع مع النساء، جهل مركَّب، يعني صحابة، من أئمة التابعين، قتادة بن دعامة من أئمة التابعين يقول: حدثتني، هذا جهل، ولعل الناسخ عامي مستأجر لينسخ هذا الكتاب ولا يعرف، فتبادر إلى ذهنه أنه اسم امرأة، في فهرس من الفهارس وضع واثلة بن الأسقع مع النساء، فقلت: يقينًا أنه سيضع جويرية بن أسماء مع النساء قطعًا، مادام وضع واثلة بن الأسقع لا بد، يعني جويرية بن أسماء اسمه واسم أبيه مشترك بين الرجال والنساء، واستعماله في النساء أكثر، جويرية أم المؤمنين، وأسماء بنت أبي بكر، فوجدت الأمر كذلك، يقول في كتاب الحمقى والمغفلين: كان لي جارٌ شيعي أسمعه كل صباح يلعن طلحة بن عبيد الله، قلت له: أتعرف طلحة بن عبيد الله هذا الذي تلعنه كل صباح قال: أليس هو زوجة الزبير بن العوَّام؟!

من هذا النوع يقول: حدثتني قتادة! الله المستعان!

يقول: "اللهم غفرًا إلا ما حدثني قتادة" وهو ابن دعامة السدوسي، "عن كثير مولى ابن سمرة عن أبي سلمة" بن عبد الرحمن، "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاث" يعني بدلاً من أن يكون منسوبًا إلى الحسن يكون مرفوعًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، "فلقيت كثيرًا" مولى ابن سمرة "فسألته فلم يعرفه، فسألته فلم يعرفه" يعني ما عرف الحديث، "فرجعت إلى قتادة فأخبرته قال: فقال: نسي"، نسي كثير هذا الحديث.

 وعلى كل حال الحديث لا يصح مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، "رواه  أبو داود والنسائي وهذا لفظه، رواه أبو داود والنسائي وهذا لفظه، وقال: هذا حديث منكَر"، يقول النسائي: هذا حديث منكر ولا شك في نكارته، "والترمذي وحكى عن البخاري" عندنا وحُكِي، لكن هل الذي حَكى الترمذي كما هو الغالب في نقله عن البخاري، عندنا يقول: وحُكِيَ، لكن الظاهر أنه حَكَى عن الترمذي "عن البخاري أنه قال: هو موقوف" يعني من قول أبي هريرة، وليس مرفوعًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، "والحاكم" يعني ورواه الحاكم، "وقال: هذا حديث غريب صحيح، وكثير وثقه العجلي وغيره"، وضعفه آخرون، وحُكم على حديثه بالنكارة كما هو معروف.

 "وقال ابن حزم: هو مجهول، وقال ابن حزم: هو مجهول"، نرجع إلى أصل المسألة، يعني التخيير عرفناه، ثم إذا قال: أمركِ بيدكِ الترجمة، ترجمة المؤلف: باب الخلع، وفيه قصة ثابت والتخيير، وفيه حديث عائشة والتمليك الذي هو أمرك بيدك، وفيه الحديث الأخير وهو ضعيف إذا قال لزوجته: أمركِ بيدكِ فهل تملك الطلاق كله، يعني الثلاث أو لا تملك إلا واحدة؟ إن صرح لها بالثلاث بالبينونة فالأمر لا يعدوه، وإن لم يصرح فالأكثر على أنها لا تملك إلا واحدة، وقال بعضهم: إنها تملك الثلاث؛ لأنها لا يكون أمرها بيدها إلا إذا بانت منه، ولم يكن له سلطان عليها، وهذا لا يكون إلا في الثلاث.

 "وعن زرارة بن ربيعة عن أبيه، وعن زرارة بن ربيعة عن أبيه، عن عثمان -رضي الله عنه- في أمركِ بيدكِ القضاء ما قضت، القضاء ما قضت" يعني لا يُحكَم بواحدة ولا بثلاث، لكن هي التي تحدد مادام وكل إليها الأمر وفوضها فيه، ونقل كما في التعبير المعاصر نقل صلاحيته في هذا الأمر إليها فالقضاء ما قضت، إن طلقت واحدة فواحدة، وإن طلقت ثنتين فثنتان، وإن طلقت ثلاثًا فثلاث، وهذا أثر ثابت عن عثمان -رضي الله عنه وأرضاه- "وقد رواه الإمام البخاري في التاريخ."