التعليق على تفسير القرطبي - سورة غافر (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى والله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60].

 قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} الآية[غافر:60]. روى النعمان بن بشير قال:  سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الدعاء هو العبادة ثم قرأ وقال ربكم {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60]» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. فدل هذا على أن الدعاء هو العبادة . وكذا قال أكثر المفسرين، وأن المعنى: وحدوني واعبدوني أتقبل عبادتكم وأغفر لكم. وقيل: هو الذكر والدعاء والسؤال. قال أنس: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع»".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسولنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد، فالدعاء يُطلق ويراد به المسألة، سؤال الله -جل وعلا- ما يحتاجه المسلم، وهو الأظهر من معانيه، كما أنه يطلق ويراد به التوحيد، كما هنا ويطلق ويراد به الإيمان، كما يقول الله -جل وعلا-: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}[الفرقان:77]، ففي البخاري «دعاؤكم إيمانكم»، «دعاؤكم إيمانكم»، يطلق على معاني عديدة، لكن هذه أظهرها، والدعاء، هو العبادة، وجاء في لفظ: مخ العبادة، إذا قلنا: إن «الدعاء هو العبادة»، قلنا: هذا من إطلاق هذا الدعاء، وأن ما يُراد به العبادة بجميع أنواعها، وحينئذ يراد به دعاء العبادة لا دعاء المسألة، كما أنه يُطلق، وهو الأظهر في إطلاقاته أنه دعاء المسألة.

 ويأتي بلفظ الأمر، اغفر لي، ويأتي بلفظ الخبر، غفر الله لك، رضي الله عنك، وهكذا، والأمر هذا لا يُراد به حقيقة الأمر؛ لأن الأمر يختلف به المراد به بحسب اختلاف الآمر والمأمور، فإن كان الأمر من أعلى إلى أدنى فيراد به حقيقة الأمر، كقول الوالد لولده: افعل كذا، وإذا كان بالعكس يقولون: المراد به الدعاء كما تقول: رب اغفر لي، ومن المساوي التماس، كما تقول لزميلك: أعطني كذا، فهو مجرد التماس، لا أمر ولا دعاء.

" ويقال الدعاء: هو ترك الذنوب. وحكى قتادة أن كعب الأحبار قال: أعطيت هذه الأمة ثلاثًا لم تعطهن أمة قبلهم إلا نبي: كان إذا أرسل نبي قيل له: أنت شاهد على أمتك، وقال تعالى لهذه الأمة: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[البقرة:143] وكان يقال للنبي: ليس عليك في الدين من حرج، وقال لهذه الأمة: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:78]، وكان يقال للنبي: ادعني أستجب لك، وقال لهذه الأمة: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:60].

قلت: مثل هذا لا يقال من جهة الرأي. وقد جاء مرفوعًا، رواه ليث عن شهر بن حوشب عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أعطيت أمتي ثلاثًا لم تعط إلا للأنبياء، كان الله تعالى إذا بعث النبي قال: ادعني أستجب لك، وقال لهذه الأمة: ادعوني أستجب لكم وكان الله إذا بعث النبي قال: ما جعل عليك في الدين من حرج، وقال لهذه الأمة: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيدًا على قومه، وجعل هذه الأمة شهداء على الناس»، ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول".

أما بالنسبة للمرفوع الذي عزاه إلى الترمذي صاحب نوادر الأصول، فما يتفرد به صاحب نوادر الأصول فهو ضعيف عند أهل العلم، وأما ما ذكره عن كعب، وقال: إنه لا يُدرك بالرأي، ولا يُقال من جهة الرأي، وكان يقرر أن له حكم الرفع، وليس الأمر كذلك؛ لأن ما لا يُدرك بالرأي يُشترط فيه ألا يكون القائل ممن عُرف بالأخذ عن أهل الكتاب، وكعب مصدر من مصادر هذا الباب. الذين يأخذون عن أهل الكتاب من الصحابة والتابعين، كعب من مصادرهم، فهو أصله من أهل الكتاب، مثل هذا لا ينطبق عليه القاعدة أن ما لا يدرك بالرأي من جهة الرأي أنه حكم الرفع.

 وعلى كل حال الخبر لا يثبت سواء أكان موقوفًا أو مرفوعًا.

طالب: ................

معروف حتى على أصل التخريج، العزو لجامع لنوادر الأصول كافٍ، يعني لو لم يذكر سنده فهو كافٍ للحكم عليه، ليث بن أبي سليم، وشهر بن حوشب معروفان بالضعف.

طالب: ................

لا لشهرتهما ما ذكرتهما، وسبق الكلام فيهما مرارًا، لكن مع ذلك هناك قاعدة عند أهل العلم أن نوادر الأصول ما يتفرد به ضعيف.

طالب: .................

أين؟

طالب: ................

ماذا قال؟

طالب: ................

خرج غير هذا؟

طالب: ...............

بعيد، تقدم، ما قال: في موضع كذا؟

طالب: ................

نعم، في البقرة.

"وكان خالد الربعي يقول: عجيب لهذه الأمة، قيل لها: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] أمرهم بالدعاء، ووعدهم الاستجابة، وليس بينهما شرط. قال له قائل".

كون الآية تخلو من الشرط لا يعني أنه لا شرط للدعاء، بل هناك شروط جاءت في السنة مبينة، منها ألا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم، ومنها أن تنتفي الموانع، موانع القبول، كأكل الحرام ونحوه، فالشرط لا بد منه للاستجابة، والله -جل وعلا- قد يستجيب الدعاء بمثله بما طلب، وقد يُدفع عنه من الشر أعظم مما طلب، وقد يُدخر له في الآخرة نظير ما طلب وأعظم منه.

"قال له قائل: مثل ماذا؟ قال: مثل قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[البقرة:25] فها هنا شرط".

شرط العمل عمل الصالحات.

"وقوله: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ}[يونس:2] فليس فيه شرط العمل".

هو شرط العمل وإن كان مطويًّا هنا إلا أنه منوي؛ لوروده في أدلة أخرى.

"ومثل قوله: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[غافر:14] فها هنا شرط".

شرط الإخلاص، نعم.

"وقوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:60] ليس فيه شرط. وكانت الأمة تفزع إلى أنبيائها في حوائجها حتى تسأل الأنبياء لهم ذلك. وقد قيل: إن هذا من باب المطلق والمقيد على ما تقدم في البقرة بيانه. أي: أستجب لكم إن شئت، كقوله: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ}[الأنعام:41]".

فالله -جل وعلا- لا مكره له، كل الأمور مربوطة بمشيئته وإرادته.

"وقد تكون الاستجابة في غير عين المطلوب على حديث أبي سعيد الخدري على ما تقدم في  البقرة بيانه، فتأمله هناك.

وقرأ ابن كثير وابن محيصن ورويس عن يعقوب وعياش عن أبي عمرو وأبو بكر والمفضل عن عاصم: {سيُدْخَلُونَ} بضم الياء وفتح الخاء على ما لم يُسمَّ فاعله. والباقون: " يدخلون " بفتح الياء وضم الخاء. ومعنى {دَاخِرِينَ} صاغرين أذلاء، وقد تقدم".

طالب: .................

ماذا؟ عياش؟ وقد بدأ..

طالب: .................

نعم.

طالب: ................

بدل عياش عباس.

طالب: .................

نعم.

"قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ}[غافر:61] جعل هنا بمعنى خلق، والعرب تفرِّق بين جعل إذا كانت بمعنى خلق، وبين جعل إذا لم تكن بمعنى خلق، فإذا كانت بمعنى خلق فلا تعديها إلا إلى مفعول واحد، وإذا لم تكن بمعنى خلق عدتها إلى مفعولين، نحو قوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[الزخرف:3] وقد مضى هذا المعنى في غير موضع".

بهذا يُعرف بطلان استدلال المعتزلة بهذه الآية على خلق القرآن، إنا جعلناه، قالوا: خلقناه، وإذا تعدّى الفعل جعل إلى مفعولين، فليس المراد به الخلق، وإذا تعدى إلى مفعول واحد فمعناه خلق، جعل الليل والنهار، خلق الليل والنهار، {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} لا يدخل في هذا؛ لأنه يتعدى في مفعولين، ويُذكر عن الزمخشري، صاحب الكشاف، وهو معروف بالاعتزال أنه افتتح كتابه بقوله: الحمد لله الذي خلق القرآن، فقيل له: إن كتابك ما يروج يهجر، فغير خلق بجعل، قال: جعل مكان خلق، والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} بمعنى خلق، وهذا الاستدلال باطل، ليس بصحيح.

"وقد مضى هذا المعنى في غير موضع. {وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} أي مضيئًا لتبصروا فيه حوائجكم وتتصرفوا في طلب معائشكم. {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} فضله وإنعامه عليهم.

قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[غافر:62] بيّن الدلالة على وحدانيته وقدرته. {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} أي كيف تنقلبون وتنصرفون عن الإيمان بعد أن تبينت لكم دلائله كذلك، أي: كما صرفتم عن الحق مع قيام الدليل عليه {كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[غافر:63].

قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا}[غافر:64] زاد في تأكيد التعريف والدليل، أي: جعل لكم الأرض مستقرًا لكم في حياتكم وبعد الموت. {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} تقدم {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}[غافر:64] أي خلقكم في أحسن صورة.

وقرأ أبو رزين والأشهب العقيلي "صوركم " بكسر الصاد، قال الجوهري: والصور بكسر الصاد لغة في الصور جمع صورة، ويُنشد هذا البيت على هذه اللغة يصف الجواري :

أشبهن من بقر الخلصاء أعينها
  

وهن أحسن من صيرانها صورًا
  

والصيران جمع صوار وهو القطيع من البقر، والصوار أيضًا وعاء المسك، وقد جمعهما الشاعر بقوله :

إذا لاح الصوار ذكرت ليلى
  

وأذكرها إذا نفح الصوار
  

والصيار لغة فيه .

الله الذي جعل لكم الأرض قرارًا ثابتة راسية؛ ليتمكن المخلوق من العيش على ظاهرها، بحيث لو كانت مهتزة، أو مرتجة، أو دائرة، أو مستديرة، أو شيئًا من هذا لا يمكن القرار عليها، وهذه من الأدلة التي يستدل بها أهل العلم على أنها ثابتة وراسية، والجبال أرساها، خلافًا لمن يقول: إنها تدور حول الشمس، وإن أطبق عليها علماء الهيئة، ولكن عندنا أدلة علينا أن نأخذ ونكتفي بها، وما عاد ذلك فلسنا بمكلفين في بحثه، علينا أن نستدل بما جاء عن ربنا، وما جاء عن المعصوم -عليه الصلاة والسلام-، وما عدا ذلك لسنا متعبدين بتصديقه، أو تكذيبه إلا إذا جاء الإشارة بما يدل على صدقه أو كذبه.

 منهم من يقول: إنها كونها قرارًا، وكونها راسية ومرساة لا يمنع من أن تدور كما يقال عن بعض المراكب إنها راسية، منها البواخر الكبيرة، راسية في البحر ومع ذلك تسير، بعض السيارات راسية في البر ومع ذلك هي تسير.

على كل حال الأمر بالنسبة للأرض احتمال قائم، وإن كان ضعيفًا إلا أنه قائم، أما بالنسبة للأمر الذي لا يقبل الاحتمال فقولهم بثبوت الشمس، والله -جل وعلا- قال: {الشَّمْسُ تَجْرِي}[يس:38] هذا لا احتمال فيه، ومن قرَّره معارضًا بذلك الآية فهو على خطر من الكفر نسأل الله العافية.

"{وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[غافر:64] تقدم . هو الحي أي الباقي الذي لا يموت {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[غافر:65] أي الطاعة والعبادة. {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الفراء: هو خبر وفيه إضمار أمر أي: ادعوه واحمدوه. وقد مضى هذا كله مستوفى في " البقرة " وغيرها. وقال ابن عباس: «من قال: "إله إلا الله " فليقل: الحمد لله رب العالمين»" .

يعني على ما جاء في هذه الآية.

قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ}[غافر:66] أي قل يا محمد: نهاني الله الذي هو الحي القيوم ولا إله غيره أن أعبد غيره. {لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي} أي دلائل توحيده وأمرت أن أسلم أذل وأخضع لرب العالمين وكانوا دعوه إلى دين آبائه، فأمر أن يقول هذا".

لأن الإسلام هو الاستسلام لله -جل وعلا-، الذل والخضوع هذان غاية العبادة لله -جل وعلا-. نعم

"قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} أي أطفالاً وقد تقدم هذا {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ}[غافر:67] وهي حالة اجتماع القوة وتمام العقل. وقد مضى في الأنعام بيانه .ثم {لِتَكُونُوا شُيُوخًا} بضم الشين قراءة نافع وابن محيصن وحفص وهشام ويعقوب وأبي عمرو على الأصل; لأنه جمع فعل، نحو قلب وقلوب".

يعني شيخ فعل، في الآية الإشارة إلى مراحل العمر، بدءًا من الطفولة مرورًا بالشباب، ثم بلوغ الأشد، ثم الشيخوخة.

"لأنه جمع فعل نحو: قلب وقلوب ورأس ورءوس. وقرأ الباقون بكسر الشين؛ لمراعاة الياء، وكلاهما جمع كثرة، وفي العدد القليل أشياخ والأصل أشيخ، مثل فَلس وأفلس إلا أن الحركة في الياء ثقيلة. وقرئ " :شيخًا " على التوحيد، كقوله: {طِفْلًا} والمعنى كل واحد منكم، واقتصر على الواحد؛ لأن الغرض بيان الجنس".

فيشمل الواحد والمثنى والمجموع، فهذا طفل، وهؤلاء طفل، {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} فيشمل الواحد والمثنى والمجموع؛ لأن الغرض منه بيان جنس الطفل لا فرضه.

"وفي الصحاح: جمع الشيخ شيوخ، وأشياخ، وشيخة، وشيخان، ومشيخة، ومشايخ، ومشيوخاء، والمرأة شيخة. قال عبيد: كأنها شيخة رقوب، وقد شاخ الرجل يشيخ شيخًا بالتحريك على أصله وشيخوخة، وأصل الياء متحركة فسكنت؛ لأنه ليس في الكلام فعلول. وشيخ تشييخًا أي: شاخ. وشيخته دعوته شيخًا للتبجيل. وتصغير الشيخ شييخ وشييخ أيضًا بكسر الشين، ولا تقل: شويخ النحاس: وإن اضطر شاعر جاز أن يقول: أشيخ مثل عين وأعين إلا أنه حسن في عين؛ لأنها مؤنثة. والشيخ من جاوز أربعين سنة ."

منهم من يقول: من جاوز الثالثة والثلاثين، يدخل في الشيخوخة، ولكن الأكثر على الأربعين وما قبل ذلك منهم من يقول: إن الشباب يمتد إلى الأربعين، ومنهم من يقول: إنه ينتهي بالثلاثة والثلاثين، وما بعده الكهولة إلى الأربعين.

"{وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ} قال مجاهد: أي: من قبل أن يكون شيخًا، أو من قبل هذه الأحوال إذا خرج سقطا: {وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى}".

{وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ} أي قبل آخر مذكور أي قبل الشيخوخة، أو قبل المراحل كلها، ثم ذكر الطفولة، ثم بلوغ الأشد، ثم الشيخوخة، {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ} قبل هذه المراحل يُراد به السقط، يسقط من بطن أمه قبل أن يصير طفلاً، أو يُتوفى قبل أن يكون شيخًا في مرحلة الشباب، وما أكثر من يموت من الشباب، إذا استعرضنا الوفيات التي تُنشر في وسائل الإعلام في الجرائد وغيرها وجدنا أن المنايا في هذه الأوقات في الشباب أكثر من الشيوخ، لو تتبَّعت هذا لوجدته أكثر، وجدته أكثر بسبب حوادث السيارات، لكن الأمراض العادية في الأحوال العادية، وموت الفجأة كثير في جميع المراحل، نسأل الله حسن الختام.

قيل لشخص: نراك شبت، قال: بشَّركم الله بالخير، لماذا؟ قال: لأن أبي مات قبل أن يشيب. نعم، الشيب نذير للإنسان، وهذا فرح به؛ لأن أباه ما أدرك الشيخوخة، ما أدرك الشيب، الله المستعان.

"{وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى} قال مجاهد: الموت للكل. واللام لام العاقبة".

على كل حال هذه السنون والأعوام كلها ظروف لا عبرة فيها، وإنما العبرة بما يوضع فيها، كالأواني، لو تملأ بيوت الدنيا أواني ما استفدت منها، إلا إذا وضع فيها شيء يُستفاد منه، والله المستعان.

طالب: ...............

يختلف البدن عن غيره من القوى، الضعف العام يبدأ من الأربعين، يعني يصعد الإنسان في اكتمال القوى والأشد إلى الأربعين، ثم يبدأ بالنزول، هذا في الغالب، بعض الناس يُمتع إلى الخمسين، ويزيد على ذلك، ولكن العبرة بكل شيء بما يخصه، يعني لو خطب امرأة مثلاً هل تفضل أنه بلغ الأشد واكتملت قواه في الأربعين والخمسين؟ ما يلزم أن ينضج في هذا، لكن في مسائل العلم والدين والرأي والحكمة لا شك أنه كلما تقدم به السن ينضج أكثر، ما لم يصل لحد يخشى عليه من الخرف.

"{وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ولعلكم تعقلون ذلك فتعلموا أن لا إله غيره.

  قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}[غافر:68] زاد في التنبيه أي: هو الذي يقدر على الإحياء والإماتة. {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[غافر:68] ف{إِذَا قَضَى أَمْرًا} أي أراد فعله قال: {لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}".

لأن قضى فعل ماضٍ، فعل ماضٍ، والفعل الماضي يُطلق ويُراد به الفراغ منه، كما هو الأصل؛ لأن الحدث وقع في الزمان الماضي، فنقول: جاء زيد، بالفعل جاء، قام عمر بعد أن استتم القيام، وانتهى الحدث. كما أنه يُطلق الفعل الماضي ويراد به الشروع في الشيء، الشروع في الشيء، فإذا ركع فاركعوا، يعني بدأ في الركوع، لا يعني أننا لا نوافقه في هويه إلى الركوع، أو السجود، لا، وإنما نوافقه في السجود والركوع، ونشاركه فيه، وليس معناه فرغ من الركوع، ولا أراد الركوع؛ لأن الفعل كما قلنا: يُطلق ويُراد به الفراغ من الشيء، ويُطلق ويُراد به الفراغ من الشيء، إرادة فعله.

 إذا دخل أحدكم الخلاء، يعني إذا أراد أن يدخل، إذا قرأت القرءان فاستعذ بالله، إذا أردت القراءة، إذا قمتم إلى الصلاة يعني إذا أردتم القيام، وهنا {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} لأن مقولة {كُنْ فَيَكُونُ} قبل وقوعه.

"ونصب "فيكون" ابن عامر على جواب الأمر. وقد مضى في [ البقرة ] القول فيه".

فيكون منصوبًا بأن المضمرة بعد فاء السببية في جواب الأمر.

"قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ}[غافر:69] قال ابن زيد: هم المشركون بدليل قوله: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا}[غافر:70] وقال أكثر المفسرين: نزلت في القدرية. قال ابن سيرين: إن لم تكن هذه الآية نزلت في القدرية فلا أدري فيمن نزلت. قال أبو قبيل: لا أحسب المكذبين بالقدر إلا الذين يجادلون الذين آمنوا. وقال عقبة بن عامر: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نزلت هذه الآية في القدرية»، ذكره المهدوي."

هذا القول فيه غرابة؛ لأن القدرية إنما نشأت بعد نزول الآية، وبعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، الخوارج أصولهم في عهده -عليه الصلاة والسلام-، لكن غيرهم من الفرق وُجِدوا بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- في عصر الصحابة، والقول بالقدر قديم في عصر الصحابة، ولكن يلزم أن يكون نازلًا بسببهم مباشرة إلا أن من المشركين من يحتجّ للقدر، {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام:148]، إن كان المراد به احتجاج المشركين بالقدر، وأنهم يُطلق عليهم قدرية، خلاف المعنى، والاصطلاح المعروف عند هذه التسمية، فالتسمية حادثة، في عصر الصحابة، فلا يمكن أن ينزل القرآن بسببها؛ لأن السبب متقدِّم على النازل، إذا قلنا: إن المراد من يحتج بالقدر على فعله الشرك، والذنوب، والمعاصي: {ولو شاء الله ما أشركنا}، قلنا: كلام صحيح؛ لأن هؤلاء وجدوا حال التنزيل وقبل التنزيل.

طالب: ...............

نعم.

طالب: ................

 قال عقبة بن عامر: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نزلت هذه الآية في القدرية» ذكره المهدوي هذا ما يصح.

والمسألة كما ذكرنا إذا كان المراد بالقدرية الفرقة الضالة المعروفة من فرق هذه الأمة، لا يمكن أن يكون؛ لأن السبب لا بد أن يكون متقدمًا على النازل، وإن كان المراد به الأعم من ذلك، من يتمسك بالقدر، ويستدل به، ويحتج على شركه، فهؤلاء وجدوا وقت التنزيل، وقبل التنزيل.

طالب: ............

نعم؛ للتنفير منها، ولأنهم فرد من أفرادها، لا لأنها نزلت بسببهم، هم فرد من أفرادها، فالقرآن نزل إلى هذه الأمة إلى قيام الساعة، فيستدل على طوائف البدع من القرآن.

طالب: ..........

لا، ما يمكن، لاسيما إذا كان السبب متأخرًا عن النازل لا يمكن.

"قوله تعالى: {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ}[غافر:71] أي عن قريب يعلمون بطلان ما هم فيه إذا دخلوا النار وغلت أيديهم إلى أعناقهم. قال التيمي: لو أن غلا من أغلال جهنم وضع على جبل لوهصه حتى يبلغ الماء الأسود، والسلاسل بالرفع قراءة العامة عطفًا على الأغلال. قال أبو حاتم: يسحبون مستأنف على هذه القراءة. وقال غيره: هو في موضع نصب على الحال، والتقدير: إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل مسحوبين. وقرأ ابن عباس وأبو الجوزاء وعكرمة وابن مسعود "والسلاسل" بالنصب "يسحبون" بفتح الياء، والتقدير في هذه القراءة: ويسحبون السلاسل. قال ابن عباس: إذا كانوا يجرونها فهو أشد عليهم: .

يعني إذا صُفدوا بهذه السلاسل العظيمة الثقيلة العظيمة صاروا يجرونها هذا لا شك أنه أشد في تعذيبهم.

"وحكي عن بعضهم "والسلاسل" بالجر، ووجهه أنه محمول على المعنى; لأن المعنى: أعناقهم في الأغلال والسلاسل، قاله الفراء. وقال الزجاج: ومن قرأ {وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ} بالخفض فالمعنى عنده وفي {وَالسَّلاسِلِ يُسْحَبُونَ}. قال ابن الأنباري: والخفض على هذا المعنى غير جائز، لأنك إذا قلت: زيد في الدار، لم يحسن أن تضمر "في" فتقول: زيد الدار، ولكن الخفض جائز. على معنى: إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل".

فيكون معطوفًا على مخفوض دون أن يضمر خافض، والخافض موجود، ويكون السلاسل معطوفًا على الأغلال وهي مخفوضة.

"فتخفض السلاسل على النسق على تأويل الأغلال؛ لأن الأغلال في تأويل الخفض، كما تقول: خاصم عبد الله زيدًا العاقلين، فتنصب العاقلين. ويجوز رفعهما؛ لأن أحدهما إذا خاصم صاحبه فقد خاصمه صاحبه".

يعني إما أن تجري اللفظ على الأخير، خاصم عبد الله زيدًا منصوب العاقلين إتباعًا للأخير، أو ترفع باعتبار أن كلًّا منهما مرفوع من وجه، وباعتبار أن كلًّا منهما منصوب من وجه، فكل واحد خاصم اسم فاعل، وكل منهما مخاصَم اسم مفعول، فإذا أردت الوصف باعتبارهما مخاصمين رفعت، وإذا أردت الوصف باعتبارهما اسمي مفعولين نصبت.

 "أنشد الفراء:

قد سالم الحيات منه القدما    الأفعوان والشجاع الشجعما
  

فنصب الأفعوان على الإتباع للحيات إذا سالمت القدم فقد سالمتها القدم. فمن نصب السلاسل أو خفضها لم يقف عليها".

والأصل أنه بدل من الحيات، الحيات قد سالم الحيات منه القدما، قدمًا، قد سالم الحيات منه القدما، القدما موقعه من الإعراب؟

طالب: ...........

نعم والفاعل؟

طالب: .............

ماذا عندك؟

طالب:...............

الأصل أن سالم فاعل مفاعلة مسالمة، يعني تقتضي وقوع الحدث من طرفين، فالمضاربة من طرفين، والمقاتلة من طرفين، وكل واحد منهما يصلح أن يكون فاعلاً، ويصلح أن يكون مفعولاً، يقال: سالم الحيات منه؟

طالب: القدما.

جعلنا الحيات مفعولًا، وجعلنا القدم فاعلًا، والعكس، قد سالم الحيات منه القدما، ما معنى سالم الحيات منه القدما؟

طالب: .........

نعم، يمشي في الفيافي والقفار، يمر على الحيات ولا تلدغه في الأودية والشعاب، ولا تلدغه، ولعله لكثرة مشيه حافيًا لا تؤثر فيه هذه الهوام، وهذه الحشرات.

 الأفعوان والشجاعا، الشجعما، إذا قلنا: بدل من الحيات، والقدم هو الفاعل انتهى الإشكال، ما فيه إشكال، وإذا قلنا: سالم الحيات منه القدما الأفعوان هنا يأتي الشاهد، نقول: قد سالم الحيات منه القدما استقام الكلام، الأفعوان يكون نصب الأفعوان على سائر الحيات إذا سالمت القدم، وهذا يدل على أنها هي الفاعل، فقد سالمتها القدم، فهي باعتبار فاعلًا، وهي باعتبار آخر مفعولًا، والذي يظهر لفظ البيت: قد سالم الحيات، منه القدم، الأفعوان، لينطبق الاستشهاد، ينطبق الاستشهاد، الأصل أن الأفعوان الشجاع أنهما بدل من الحيات، لكن لما نصب، وأتبع القدم، نظر إلى موقع الحيات، بالاعتبار الثاني، هي في السياق فاعل، لكن هي بمعنى آخر مفعول؛ لأنها كما أنها مسالِمة هي أيضًا مسالَمة.

"والحميم المتناهي في الحر. وقيل: الصديد المغلي. {ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ}[غافر:72] أي يطرحون فيها فيكونون وقودًا لها، قال مجاهد. يقال: سجرت التنور أي:  أوقدته، وسجرته ملأته، ومنه والبحر المسجور أي: المملوء. فالمعنى على هذا: تملأ بهم النار، وقال الشاعر يصف وعلا:

إذا شاء طالع مسجورة ترى حولها النبع والسمسما
 

أي: عينا مملوءة .

{ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}[غافر:73] وهذا تقريع وتوبيخ .{قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا}[غافر:74] {ضَلُّوا عَنَّا} أي هلكوا وذهبوا عنا وتركونا في العذاب، من ضل الماء في اللبن أي: خفي. وقيل: أي: صاروا بحيث لا نجدهم. {بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئًا} أي شيئًا لا يبصر، ولا يسمع، ولا يضر، ولا ينفع. وليس هذا إنكارًا لعبادة الأصنام، بل هو اعتراف بأن عبادتهم الأصنام كانت باطلة، قال الله تعالى: {يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ}[غافر:74] كذلك يضل الله الكافرين أي كما فعل بهؤلاء من الإضلال يفعل بكل كافر.

قوله تعالى: ذلكم أي ذلكم العذاب {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ}[غافر:75] بما كنتم تفرحون بالمعاصي يقال لهم ذلك توبيخًا. أي: إنما نالكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعصية وكثرة المال والأتباع والصحة. وقيل: إن فرحهم بها عندهم أنهم قالوا للرسل: نحن نعلم أنا لا نبعث ولا نعذب. وكذا قال مجاهد في قوله -جل وعز:- {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}[غافر:83]".

فرحوا بما عندهم من العلم الذي لا ينفع؛ لأن العلم الذي لا ينفع، يتكبر صاحبه، ويتجبر على غيره، ويترفع عليه، ويفرح بهذا العلم، وهو في الحقيقة ليس علم، بل وبال على صاحبه؛ لأن في الحقيقة العلم هو ما نفع، وهو الذي جاءت بمدحه النصوص، أما مجرد وجود المعلومات في ذهن الإنسان من غير عمل بها، ولو عرف الأحكام ولو عرف الأدلة، لكنه لا بد أن يكون هذا العلم متوجًا بالعمل الخالص لله -جل وعلا-؛ ليكون علمًا، وأما ما يحمله الفساق الذين لا ينتفعون بعلمهم فهو في الحقيقة ليس بعلم، {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ}[النساء:17] ليس معنى هذا أنهم لا يعرفون الحكم. يشرب الخمر، ويعرف أنه حرام، فهو جاهل في الحقيقة؛ لأن من عصى الله فهو جاهل، ولو عرف الحكم، ولهذا الذي يعصي ليس بعالم، ولو عرف الأحكام بأدلتها.

"{وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ}[غافر:75] قال مجاهد وغيره: أي: تبطرون وتأشرون. وقد مضى في  سبحان  بيانه. وقال الضحاك: الفرح السرور، والمرح العدوان. وروى خالد عن ثور عن معاذ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يبغض البذخين الفرحين، ويحب كل قلب حزين، ويبغض أهل بيت لحمين، ويبغض كل حبر سمين»".

مخرج؟

طالب: ...........

فيه تخريج غير هذا؟

طالب: ................

نعم.

"فأما أهل بيت لحمين: فالذين يأكلون لحوم الناس بالغيبة. وأما الحبر السمين: فالمتحبر بعلمه، ولا يخبر بعلمه الناس، يعني المستكثر من علمه ولا ينتفع به الناس. ذكره الماوردي".

السِمَن في أهل العلم يدل على شيء من عدم الاكتراث، وعدم الاهتمام، وعدم حمل الهمّ، حمل الدين، وحلم العلم، وتبليغ العلم، والأمانة العظيمة الملقاة على العاتق غالبًا، كان الشافعي يقول: ما رأيت عاقلاً سمينًا إلا محمد بن الحسن، يعني هذا في الغالب، لكن قد يوجد السمن في أهل العلم، ويوجد في أهل الفضل، ويوجد، لكن الأصل يعني الذي ينبغي أن يكون خلاف هذا، لأن السمن في الغالب ينشأ عن ارتياح القلب، مع كثرة الأكل، وهذان الوصفان لا يليقان بطالب العلم.

"وقد قيل في اللحمين: إنهم الذين يكثرون أكل اللحم، ومنه قول عمر: اتقوا هذه المجازر، فإن لها ضراوة كضراوة الخمر، ذكره المهدوي. والأول قول سفيان الثوري. {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ}[النحل:29] أي يقال لهم ذلك اليوم، وقد قال الله تعالى: لها سبعة أبواب، {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}[النحل:29] تقدم جميعه.

 قوله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}[غافر:55] هذا تسلية للنبي -عليه السلام- أي:  إنا لننتقم لك منهم إما في حياتك أو في الآخرة. فإما نرينك في موضع جزم بالشرط، وما زائدة للتوكيد وكذا النون، وزال الجزم وبُني الفعل على الفتح".

لاتصاله بنون التوكيد، لاتصاله بنون التوكيد، يُبنى على الفتح.

 وأعربوا مضارعًا إن عري            من نون توكيد مباشر ومن

نون إناث كيرعن من فتن

 نعم اتصلت به نون التوكيد، فبُني على الفتح.

"{أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} عطف عليه {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} الجواب. قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ}[غافر:78]".

يعني جواب الشرط المقترن بالفاء فإلينا يرجعون.

"عزاه أيضًا بما لقيت الرسل من قبله {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ}[غافر:78] أي أنبأناك بأخبارهم وما لقوا من قومهم.  {وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[غافر:78] أي من قبل نفسه إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله أي إذا جاء الوقت المسمى لعذابهم أهلكهم الله، وإنما التأخير لإسلام من علم الله إسلامه منهم، ولمن في أصلابهم من المؤمنين. وقيل: أشار بهذا إلى القتل ببدر. {قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ}[غافر:78] أي الذين يتبعون الباطل والشرك.

 قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ }[غافر:79] قال أبو إسحاق الزجاج: الأنعام هاهنا الإبل. {لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}[غافر:79] فاحتج من منع من أكل الخيل، وأباح أكل الجمال بأن الله -عز وجل- قال في الأنعام: ومنها تأكلون، وقال في الخيل: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا}[النحل:8]، ولم يذكر إباحة أكلها. وقد مضى هذا في [النحل] مستوفى".

ذكرنا هناك أنه لا دليل في هذه الآية على عدم أكل لحوم الخيل الذي جاءت فيه السنة، وهنا التنصيص على الركوب؛ لأنه أعظم وجوه الانتفاع، أعظم وجوه الانتفاع بالنسبة للخيل والبغال والحمير هو الركوب، وإذا كان الاستدلال على عدم أكلها لاقتران الخيل بالبغال والحمير، فإن دلالة الاقتران عند أهل العلم ضعيفة، دلالة الاقتران ضعيفة، وأما التنصيص على الركوب، فلأنه أعظم وجوه الانتفاع، بخلاف بهيمة الأنعام فإن أعظم وجوه الانتفاع بها هو الأكل، والأكل أعظم وجوه الانتفاع بجميع الأموال، ولذا جاء النهي عن أكل أموال اليتامى، أكل مال اليتيم، ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم.

 المقصود أن الأكل أعظم وجوه الانتفاع، ولذلك نص عليه.

 لو تولى شخص على مال يتيم وقال: أنا آخذ من ماله؛ لأشتري سيارة، أنا ما أكلت، يجوز؟ لا؛ لأن التنصيص على الأكل؛ لأنه أعظم وجوه الانتفاع، وأما بالنسبة للخيل والبغال والحمير فأعظم وجوه الانتفاع بها الركوب، فهل يعقل أن يشتري شخص فرسًا ليأكله مع وجود بهيمة الأنعام؟ لا يمكن، إنما يشتري الفرس ليركب، وإن احتاج إليه واضطر إليه ليأكله، فأكله جائز، كما جاءت به السنة.

"قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ}[غافر:80] في الوبر والصوف والشعر واللبن والزبد والسمن والجبن وغير ذلك. {وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ}[غافر:80]".

لكم فيها منافع أخرى غير الركوب والأكل.

"أي تحمل الأثقال والأسفار. وقد مضى في [النحل] بيان هذا كله فلا معنى لإعادته.

 ثم قال: {وَعَلَيْهَا} يعني الأنعام في البر {وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ}[غافر:80] وعلى الفلك في البحر تحملون ويريكم آياته أي آياته الدالة على وحدانيته وقدرته فيما ذكر. {فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ}[غافر:81] نصب" أي "ب" تنكرون"؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام، فلا يعمل فيه ما قبله، ولو كان مع الفعل هاء لكان الاختيار في "أي" الرفع".

لأنه لا يمكن أن يعمل يريكم بالاستفهام؛ لأن له صدر الكلام، فلا يعمل فيه ما قبله، إنما يعمل فيه ما بعده، وهو منصوب بتنكرون.

"ولو كان الاستفهام بألف أو هل، وكان بعدهما اسم بعده فعل معه هاء، لكان الاختيار النصب".

يعني لو قال:  {فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ}[غافر:81] كما قال هنا، اقترن الفعل بالهاء لاشتغل به الفعل عن نصب أي، فارتفعت أي، فأي آيات الله تنكرونه، إلا إذا نصب بفعل مضمر يفسره المذكور، فلا مانع حينئذ.

"أي: إذا كنتم لا تنكرون أن هذه الأشياء من الله فلم تنكرون قدرته على البعث والنشر.

قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ}[غافر:82] حتى يشاهدوا آثار الأمم السالفة كانوا أكثر منهم عددًا وأشد قوة وآثارًا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون من الأبنية والأموال وما أدلوا به من الأولاد والأتباع، يقال: دلوت بفلان، إليك أي: استشفعت به إليك".

أن يكون هو الواسطة بين من يدلي وبين من يحتاج إليه، كما أن الورثة من ذوي الأرحام ينزلون منزلة من أدلوا به، يعني أنهم هم الواسطة بينهم وبين الميت. هؤلاء الوسائط لا ينفعون، {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[غافر:82] من الأبنية، مهما كانت الأبنية من القوة فإنها لا تغني شيئًا إذا جاء أمر الله، فالإنسان وما يملكه ضعيف أمام قدرة الخالق، والأموال كذلك، لا تدفع عنه ما كُتِب عليه، ولو ملك الدنيا بحذافيرها، وكذلك الأولاد والأتباع لا يمكن أن يغنوا عنه شيئًا، إذا جاء أمر الله وقدره.

"وعلى هذا "ما" للجحد".

أي نافية.

"أي: فلم يغن عنهم ذلك شيئًا. وقيل: "ما" للاستفهام أي: أي شيء أغنى عنهم كسبهم حين هلكوا".

هو استفهام إنكاري، ليعود الأمر إلى الجحد.

"ولم ينصرف "أكثر"؛ لأنه على وزن أفعل. وزعم الكوفيون أن كل ما لا ينصرف فإنه يجوز أن ينصرف إلا أفعل من كذا".

يجوز أن ينصرف؛ لضرورة شعر وشبهه، أما أفعل فلا، لا في الضرورة ولا في غيرها.

"فإنه لا يجوز صرفه بوجه في شعر ولا غيره إذا كانت معه من. قال أبو العباس: ولو كانت "من" المانعة من صرفه، لوجب ألا يقال: مررت بخير منك وشر منك ومن عمرو".

من أبو العباس؟

الطالب: المبرد.

المبرد نعم.

"ولو كانت "من" المانعة من صرفه لوجب ألا يقال: مررت بخير منك وشر منك ومن عمرو".

المانع من الصرف على وزن أفعل، أكثر وزن أفعل، ولو كان المانع له من الصرف مِن، لمنع من الصرف خير وشر؛ لأنها معناها التفضيل، لكن الصيغة اختلفت، ليست أخير ولا أشر، يمتنع من الصرف، فلو كانت المانعة "من" لوجب ألا يقال: مررت بخير منك وشر منك، وإنما لزم الصرف لاقترانه بمن، لكن المانع له من الصرف هو أفعل.

"قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}[غافر:83] أي بالآيات الواضحات. "فرحوا بما عندهم من العلم" في معناه ثلاثة أقوال. قال مجاهد: إن الكفار الذين فرحوا بما عندهم من العلم قالوا: نحن أعلم منهم، لن نعذب ولن نبعث. وقيل: فرح الكفار بما عندهم من علم الدنيا نحو: "يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا".

حتى في أمور دنياهم لا يعلمون حقائقها وبواطنها، كما قال الله -جل وعلا-: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الروم:7] حتى في أمورهم التي اختصوا بها، وسبقوا إليها، وبرعوا فيها، لا يعلمون حقيقتها، بل يعلمون الأمر الظاهر فيها، لماذا؟ لأنهم لو علموا حقائق الأمور لأسلموا، لقادهم هذ العلم بالحقائق إلى الإيمان، لكنه علم ظاهر، لا يقود إلى الانتفاع التام بهذا العلم، إنما يستمتعون بظاهرها في الدنيا، وأما حقائقها وبواطنها فحُرِموا من ذلك.

"وقيل: الذين فرحوا الرسل لما كذبهم قومهم أعلمهم الله -عز وجل- أنه مهلك الكافرين ومنجِّيهم والمؤمنين".

منجيهم يعني منجي الرسل، منجي المؤمنين.

"ففرحوا بما عندهم من العلم بنجاة المؤمنين، وحاق بهم أي بالكفار ما كانوا به يستهزئون أي عقاب استهزائهم بما جاء به الرسل صلوات الله عليهم.

قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} أي عاينوا العذاب {قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ}[غافر:84]. أي آمنا بالله وكفرنا بالأوثان التي أشركناهم في العبادة فلم يك ينفعهم إيمانهم بالله عند معاينة العذاب وحين رأوا البأس. سنة الله مصدر".

يعني إذا جاء الأمر، ورأوا العذاب بأعينهم، وارتفع الإيمان بالغيب صار مشاهدًا، فإنه حينئذ لا ينفع، لا ينفع الإيمان حينئذ، كما إذا جاءت العلامات الثلاث، الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها خلاص لا ينفع نفسًا إيمانها؛ لأن الأمور صارت عيانًا، بدلاً من أن يحذروا منها قبل وقوعها؛ ليكون إيمانهم بالغيب، إذا كان إيمانهم بالمشاهدة فهذا لا ينفع، وإذا وصل الأمر إلى الغرغرة لا ينفع الإيمان؛ لأنه صار عيانًا، كما حصل من فرعون لما أدركه الغرق قال: آمنت، ما ينفع الإيمان في هذه الحالة.

"لأن العرب تقول: سن يسن سنًا وسنة، أي: سن الله -عز وجل- في الكفار أنه لا ينفعهم الإيمان إذا رأوا العذاب. وقد مضى هذا مبينًا في  [النساء]  و[يونس]، وأن التوبة لا تقبل بعد رؤية العذاب وحصول العلم الضروري".

العلم الضروري الذي يجد الإنسان نفسه مضطرًا إلى تصديقه، مضطرًّا إلى تصديقه وما يدرك بالحواس غالبًا وما يقوم من مقامه من تواتر الخبر القطعي.

"وقيل: أي:  احذروا يا أهل مكة سنة الله في إهلاك الكفرة فسنة الله منصوب على التحذير والإغراء. وخسر هنالك الكافرون".

قوله: منصوب على التحذير والإغراء هما لفظان متنافيان، فإما أن تُنصب على التحذير أو تُنصب على الإغراء، تحذير احذروا سنة الله قبل أن تقع بكم، أما إغراؤهم بسنة الله فلا وجه له. نعم.

"وقد كانوا خاسرين من قبل ذلك".

يعني قد يقول القائل: إن المراد: الزموا سنة الله، لكن ليس المراد به السنة التي تتطلب العمل، وإنما هي السنة التي هي متعلقة بالتقدير الإلهي.

"{وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}[غافر:85] قال الزجاج: وقد كانوا خاسرين من قبل ذلك إلا أنه بين لنا الخسران لما رأوا العذاب. وقيل: فيه تقديم وتأخير".

يعني خسر هنالك الكافرون، كانوا يزعمون أنهم غير خاسرين، ثم تكشفت الأمور فأذعنوا واعترفوا بأنهم خاسرون.

"فيه تقديم وتأخير، أي: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}[غافر:85] كسنتنا في جميع الكافرين ف " سنة " نُصب بنزع الخافض أي: كسنة الله في الأمم كلها، والله أعلم".

"سورة فصلت مكية في قول الجميع وهي أربع وخمسون وقيل: ثلاث وخمسون آية".

نبدأ بها؟

طالب: .............

اللهم صلِّ على سيدنا محمد.