كتاب الجامع من سبل السلام (13)

نعم.

أحسن الله إليك.

"الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وأصحابه ومتبعيهم بإحسان.

اللهم اغفر لشيخنا وللمستمعين.

أما بعد،

فمازال الكلام في حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- من باب الزهد والورع من كتاب الجامع من البلوغ وشرحه:

قال: وقسم الغزالي الورع أقسامًا؛ ورع الصديقين: وهو ترك ما لم يكن بينته واضحة على حله، ورع الصديقين: وهو ترك ما لم يكن بينته واضحة على حله، وورع المتقين: وهو ما لا شبهة فيه، ولكن يخاف أن يجر إلى الحرام، وورع الصالحين: وهو ترك ما لم يتطرق إليه احتمال التحريم بشرط أن يكون لذلك الاحتمال موقع وإلا فهو ورع الموسوسين، وقد بوَّب له البخاري فقال: باب من لم يرَ الوسواس في الشبهات."

يعني بوب لحديث النعمان.

أحسن الله إليك.

"كمن يمتنع من أكل الصيد؛ خشية أن يكون فلت من إنسان، وكمن ترك شراء ما يحتاج إليه من مجهول لا يدري أماله حرام أم حلال، ولا علامة تدل على ذلك التحريم، وكمن ترك تناول شيء؛ لخبر ورد فيه متفق على ضعفه، ويكون دليل إباحته قويًّا، وتأويله ممتنع أو مستبعَد، والكلام في الحديث متسع، والكلام في الحديث مُتَّسِع، وفي هذا كفاية.

 قوله: «لكل ملك حمى»."

النووي -رحمه الله- ما كان يأكل من فاكهة الشام.

طالب: .........

لا لا، يقول: إن أكثر هذه المزارع أوقاف، وبعضها لأيتام، والأوصياء يظلمون هؤلاء الأيتام ويفعلون ويتركون.

طالب: .........

نعم؟

طالب: .........

لا، هذا من النوع الذي أشار إليه.

لكن على الإنسان إذا أراد أن يحمل نفسه على عزيمة ألا يمنع الناس منها إلا بدليل ظاهر.

أحسن الله إليك.

"قوله: "لكل ملك حمى" إخبار عما كانت عليه ملوك العرب وغيرهم، فإنه كان لكل واحد حمى يحميه من الناس، ويمنعهم عن دخوله، ويمنعهم عن دخوله، فمن دخله أوقع به العقوبة، ومن أراد نجاة نفسه من العقوبة لم يقربه؛ خوفًا من الوقوع فيه، وذكر هذا وذكر هذا كضرب المثل للمخاطبَين، ثم أعلمهم أن حمى الله تعالى الذي حرمه على العباد.

 وقوله: «ومن وقع في الشبهات» إلى آخره أي من وقع فيها فقد حام حول الحمى، فيقرب ويشرع أن يقع فيه.

 وفيه إرشاد إلى البعد عن ذرائع الحرام وإن كانت غير محرمة، فإنه يخاف من الوقوع فيها الوقوع في الحرام، فمن احتاط لنفسه لا يقرب الشبهات، فمن احتاط لنفسه لا يقرب الشبهات؛ لئلا يدخل في المعاصي، ثم أخبر -صلى الله عليه وسلم- منبِّهًا مؤكِّدًا أن في الجسد مضغة، وهي القطعة من اللحم.."

من هذا ما يُذكَر عن بعض السلف أنهم كانوا يتركون تسعة أعشار الحلال؛ خشية أن يقعوا في الحرام، ولا شك أن الذي يسترسل في الحلال المباح، وتستمرئه نفسه، ويعتاده جسمه أنه لا بد أن يطلبه إذا فقده، قد لا يجده من وجه مباح من كل وجه، وإنما يجده من وجه فيه شبهة، أو من وجه فيه نوع كراهة، فتجده يقول: مادامت المسألة في حيِّز المكروه، والمكروه لا عقاب عليه يتناوله، ثم بعد ذلك يسترسل، فلا يجد هذا المباح إلا من وجه فيه خلاف قوي لأهل العلم، واحد يقول: محرم بأدلته، وواحد يقول: لا، مباح، والأصل في الأشياء الإباحة، وهكذا، ثم يتناوله ويقول: فيه خلاف، ثم بعد ذلك يستدرج إلى ارتكاب المحرم الصريح، ثم يستدرج إلى ما هو أعظم من ذلك.

أحسن الله إليك.

"ثم أخبر -صلى الله عليه وسلم- منبِّهًا مؤكِّدًا أن في الجسد مضغة، وهي القطعة من اللحم، سميت بذلك؛ لأنها تُمضَغ في الفم؛ لصغرها، وأنها مع صغرها عليها مدار صلاح الجسد وفساده، فإن صلحت صلح، وإن فسدت فسد، ثم قال: ألا وهي القلب.

 وفي كلام الغزالي أنه لا يراد بالقلب هذه المضغة؛ إذ هي موجودة للبهائم مدرَكة بحاسة البصر، بل المراد من القلب لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلُّق، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان، وهي المدرِكة العارفة من الإنسان، وهو المخاطَب والمعاقَب والمطالَب، ولهذه اللطيفة علاقة مع القلب الجسماني، وذكر أن جميع الحواس والأعضاء أجناد مسخَّرة للقلب، وكذلك الحواس الباطنة في حكم الخدم والأعوان، وهو المتصرِّف فيها، والمرد لها."

المتردد.

أحسن الله إليك.. المتردية؟

والمتردد لها.. هكذا عندنا.. هو المتصرف فيها..

أنا عندي: والمرد لها.

ماذا عندكم؟

طالب: .........

والمردد لها يمكن؟

أحسن الله إليك.

"وقد خُلقت مجبولة على طاعة القلب، لا تستطيع له خلافًا ولا تمردًا، فإذا أمر العين بالانفتاح انفتحت، وإذا أمر الرجل بالحركة تحركت، وإذا أمر اللسان بالكلام وجزم به تكلَّم، وكذا سائر الأعضاء، وتسخير الأعضاء والحواس للقلب يشبه من وجه تسخير الملائكة لله تعالى، فإنهم جُبلوا على طاعته، لا يستطيعون له خلافًا، وإنما يفترقان في شيء، وهو أن الملائكة عاملة بطاعتها.."

عالمة.

نعم.

عالمة بطاعتها.. يعني عالمة عند الاختيار.

"وإنما يفترقان في شيء، وهو أن الملائكة عالمة بطاعتها الله تعالى، والأجفان تطيع القلب بالانفتاح والانطباق على سبيل التسخير، ولا خير لها من نفسها، ومن طاعتها للقلب.."

ولا خِيرة.. هي ليست عندي، لكن هذا الأصل ما تختار.

"ولا خِيرة لها من نفسها ومن طاعتها للقلب، وإنما افتقر القلب إلى الجنود من حيث افتقاره إلى المركب والزاد، من حيث افتقاره إلى المركب والزاد لسفره إلى الله تعالى، وقطع المنازل إلى لقائه، فلأجله تعالى خلقت القلوب، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات:56]، وإنما مركبه البدن، وزاده العلم، وإنما الأسباب التي توصله إلى الزاد وتمكنه من التزود منه هو العمل الصالح، ثم أطال في هذا المعنى بما يحتمل مجلدة لطيفة، وإنما أشرنا إلى كلامه؛ ليُعلَم مقدار الكلام النبوي، وأنه بحر قطراته لا تنزف.

 وأما كون القلب محل العقل أو محله الدماغ فليست من مسائل علم الآثار حتى يُشتَغَل بذكرها وذكر الخلاف فيها."

لكنه إشكال لا بد من حله، إشكال قائم لا بد من الخوض فيه، يعني محل العقل خطاب الشرع كله متوجِّه إلى القلب {لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [سورة الحـج:46]، خطاب الشرع متوجِّه إلى العقل، والتكليف مناطه العقل، مع أن الأطباء يقولون: إن العقل محله الدماغ، والشرع يخاطب القلب، لذا يقولون: قد يكون الإنسان من أسلم الناس قلبًا من الناحية الطبية وفي عقله خلل، وقد يكون من أضعفهم قلبًا وعقله تام، فلا ترابط بين العقل والقلب. إذًا كيف يخاطب الشرع القلب، مع أن الأصل أن مناط التكليف هو العقل؟ {لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بها} [سورة الحـج:46]، فهل المراد بهذه النصوص القلب الذي هو المضغة المحسوسة أو غيره كما قال الغزالي؟

طالب: المضغة.

هذا هو الأصل، يعني حقيقة اللفظ اللغوية والشرعية والعرفية أن القلب هو هذه المضغة، لكن يبقى أن هذا الإشكال، الأطباء يقولون: إن العقل محله الدماغ؛ لأنه لو تأثَّر أدنى تأثُّر زال العقل، والإمام أحمد له رأي يجمع بين هذا وذاك، يقول: إن محله القلب، وله اتصال بالدماغ، له اتصال بالدماغ، يعني أقرب ما يكون التمثيل إلى الكهرباء، لا بد من سلكين موجَب وسالب، لا بد من خطين، لا بد من اتصاله بالقلب، ولا يمكن إغفال القلب الذي جميع خطابات الشرع تتجه إليه، والدماغ لا شك أن له أثرًا يؤثِّر على العقل، فلا بد من هذا وذاك، الغزالي يقول: القلب المذكور في النص هذا لا علاقة بهذه المضغة، ويبقى أنه يسمى القلب، وهو محل العقل، لكن المشكلة أنه سماه..

طالب: .........

لطيفة روحانية، يعني مثل الروح، مثل الروح تبحث عنها في بدن الإنسان ما تجد شيئًا اسمه روح، وليكن القلب مثله هذا الذي يخاطبه الشرع.

طالب: .........

لا، هو يقول: إن القلب؛ لأن القلب والعقل متلازمان في نصوص الشرع.

طالب: لكن هل العقل عضو؟ هل العقل أصلًا عضو موجود؟

هو ما يريده عضوًا ولا يريد القلب عضوًا الذي يخاطبه الشرع، ما يريده عضوًا، يريده جسمًا لطيفًا أو شيئًا لطيفًا مثل الروح. شيء معنوي.

طالب: .........

التي في الصدور، {تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [سورة الحـج:46]، {لِهِمْ قُلُوبُ} [سورة النساء:155]، لا شك أن عندنا المضغة، «ألا وإن في الجسد مضغة» ماذا أوضح من هذا؟

طالب: .........

لا، مفهوم {لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [سورة الحـج:46] أن المؤمنين لهم قلوب يعقلون بها.

طالب: .........

نحن ملزَمون بكلام الأطباء أم ملزَمون بكلام الشرع؟ حتى لو لم تظهر لنا حقيقة الحال فعلينا أن نؤمن بما جاء عن الله وعن الرسول.

طالب: .........

كيف؟

طالب: .........

إذا أنكر إنكارًا من غير تأويل فهذا شيء، وإذا أنكره متأولاً أو أوَّله بشيء تسنده اللغة أو يسنده فهم مقبول ومعقول فهذا شيء ثانٍ يكون متأوِّلًا.

طالب: .........

لا لا لا، هم يقولون: إن العقل كله في الدماغ، بمعنى أن.. ولو لم نراه، المقصود أنه لو تأثر الدماغ تأثر العقل.

طالب: .........

نعم، مردود؛ لأن النص «ألا وإن في الجسد مضغة».

طالب: .........

هو ما فيه شك أن الدماغ يؤثر على العقل، يؤثر على العقل، يعني لو أصيب بارتجاج مثلاً في مخه أثر حادث أو أثر ضربه أو شيء لا شك أن العقل يغطَّى، يأخذ مدة إلى أن يرجع إلى وضعه الطبيعي، فكلامه له أصل، لكن يبقى أنه إشكال في النهاية عجزنا عن تحرير الموضوع، علينا أن نؤمن بما جاءنا عن الله وعن رسوله، ولو لم ندرك حقيقة الحال.

 سجود الشمس، سجود الشمس تحت العرش كل ليلة وهي في فلكها تغرب من قطر، وتطلع على القطر الآخر، ما تُفقَد خلال الأربع والعشرين ساعة على هذا، إذًا ننفي السجودات وهو في صحيح مسلم؟ نقول: لا، تسجد تحت العرش على كيفية الله أعلم بها، لا ندركها. طيب حينما يقرر شيخ الإسلام أن الله ينزل في آخر كل ليلة، ولا يخلو منه العرش فهذا ما يدركه العقل البشري، لكن جاءت به النصوص، لا بد من التسليم.

أحسن الله إليك.

"وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال.."

ولذلك من استرسل مع عقله في مثل هذه الإشكالات فلا بد أن يضل، لا بد أن يضل، ولذلك من نعم الله على الإنسان أن تكون عنده هيبة للنصوص، وتعظيم للنصوص، فيقف حين حينما يقف عقله ما يمكن أن يتجاوز شيئًا ما أُقدر عليه {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [سورة الإسراء:85].

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تعس» في القاموس أنه كسمع ومنع، وإذا خاطبت قلت: تعس كمنع، تعَس كمَنع، وإذا حكيت قلت: تعِس كفرِح، وهو الهلاك والعثار والسقوط والشر والبعد والانحطاط، «عبد الدينار والدرهم عبد الدينار والدرهم والقطيفة» الثوب الذي له خَمل."

خِمل.

أحسن الله إليك.

"الثوب الذي له خِمل. «إن أُعطي رضي وإن لم يُعطَ لم يرضَ». أخرجه البخاري. المراد بعبد الدينار والدرهم من استعبدته الدنيا بطلبها، وصار كالعبد لها، تتصرف فيه تصرف المالك لينالها وينغمس في شهواتها ومطالبها. وذكر.."

نعم هذا موجود.. في الساحة على ما يقولون، وجود كثرة في آخر الزمان، الزمن الذي نعيشه تجد الذي يتصرف فيه ويدير جميع تصرفاته وأحواله تجارته الدرهم والدينار، تجده لا يهتم بصلاة، ولا يهتم بأي عبادة من العبادات في جراء كسب المال، تجده يغش ويرابي ويتحايل على الناس، ويفرِّط في الواجبات، ويرتكب محرمات من أجل المال، هذا عبد الدرهم والدينار، نسأل الله العافية.

"وذكر الدينار والقطيفة مجرد مثال، وإلا فكل من استعبدته الدنيا في أي أمر، وشغلته عما أمر الله تعالى، وجعل رضاه وسخطه متعلقًا بنيل ما يريد، أو عدم نيله، فمن الناس من يستعبده حب الإمارات.."

فهو عبده أو عدم نيله فهو عبده.

"وشغلته عما أمر الله تعالى، وجعل رضاه وسخطه متعلقًا بنيل ما يريد أو عدم نيله فهو عبد.."

عبده.

"فهو عبده."

أحسن الله إليك.

"فمن الناس من يستعبده حب الإمارات، ومنهم من يستعبده حب الصور، ومنهم من يستعبده حب الأوطان."

نعم من الناس من يستعبده حب المال، ومنهم من يستعبده حب الشرف والرئاسة، وهما أضر على العباد من كل ضار؛ «ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأضر من حب الشرف والمال لدين العبد»، بعض الناس يميل إلى الشرف؛ ليشتغل رئيسًا أو مديرًا يأمر وينهى، ولو بدون راتب، وبعضهم زد له في الراتب وخله فراشًا، ما يهمه.

طالب: .........

 صحيح، موجود هذا وهذا في الناس.

طالب: .........

الأطيان، المحروثات، الزراعة.

طالب: حبس الصور أحسن الله إليك.

حب الصور التي هي أشكال النساء، أشكال ما هي الصور المتداولة الآن، ولذا تكلم ابن القيم على الموضوع بكثرة، وأن هذا سبب لضلال كثير من الناس، نسأل الله العافية.

أحسن الله إليك.

"ومنهم من يستعبده حب الأطيان.

 واعلم أن المذموم من الدنيا كل ما يعبد العبد، كل ما يعبد العبد عن الله تعالى، كل ما يبعد العبد عن الله تعالى، ويشغله عن واجب طاعته وعبادته، لا ما يعينه على الأعمال الصالحة فإنه غير مذموم، وقد يتعين طلبه، ويجب عليه تحصيله.."

نعرف جميعًا أن الهدف الذي من أجله خلق الجن والإنس هو تحقيق العبودية لله- جل وعلا-، لكن هذا تحقيق العبودية يحتاج إلى شيء من أمر الدنيا يمشيه، وإلا ما يمكن أن يمشي بدون إلا إن رضي أن يكون عالة على الناس يتكففهم، وهذا مذموم، بلا شك، ولذلك جاء الأمر أو النهي عن نسيان نصيبه من الدنيا، يعني الذي يقيم به الهدف الذي من أجله خلق لا أن يكون العكس، بعض الناس الهدف عنده الدنيا، ثم قد يستعمل شيئًا من الدين؛ ليحقق به هذا الهدف، نسأل الله العافية.

أحسن الله إليك.

"وقوله: «رضي» أي عن الله تعالى بما ناله من حطامه، «وإن لم يُعطَ لم يرضَ» أي عن الله تعالى ولا عن نفسه، فصار ساخطًا، فهذا هو الذي تعس؛ لأنه أدار رضاه على مولاه وسخطه على نيل الدنيا وعدمه. والحديث نظير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} [سورة الحـج:11]."

 

اللهم صل على محمد...