شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (192)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طابت أوقاتكم بكل خير، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، ونشكر له تفضله بالمشاركة في هذا البرنامج فأهلًا بكم الشيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: أنهينا الحديث عن ألفاظ حديث أبي شريح-رضي الله عنه-، وكنا توقفنا في الحلقة الماضية عند بعض المسائل، ووعدنا الإخوة باستكمال الموضوع وأطراف الحديث أيضًا يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وقفنا عند مسألة فتح مكة، وهل كانت عنوة أو صلحًا؟ وبدأنا بقول الكرماني قول: احتج بالحديث من يقول: فتحت مكة عنوة أي قهرًا.

المقدم: عُنوة يا شيخ، أم عَنوة؟

ضبطها في المصباح بفتح العين، قال: عَنى، يعَنو، عَنوة إذا أخذ الشيء قهرًا.

المقدم: تمام.

يقول الكرماني: والجواب عنه، وهو ينصر مذهبه الشافعي الذي يقول: إنها فتحت صلحًا، الجواب عنه أنه لا يدل على أنه قاتل فيها وأخذها قهرًا، وحِل الشيء لا يستلزم وقوعه، أو أن الفتح عنوة يقتضي نصب الحرب عليهم والطعن بالرمح، والرمي بالسهم والضرب بالسيف ولم يقع ذلك. ويقول: لا يدل على أنه قاتل فيها وأخذها قهرًا، وعنده أن الحرب يقتضي نصب الحرب عليهم، أو الفتح عنوة يقتضي نصب الحرب والطعن والرمي والضرب بالسيف ولم يقع ذلك. وتأويله عند من يقول: فتحت صلحًا تأويل الحديث، يقول الكرماني: تأويل الحديث عندهم -عند من يقول فتحت صلحًا يعنى عند الشافعية- أن معناه ترخص جواز القتال لرسول الله-صلى الله عليه وسلم- فإنه دخلها متأهبًا للقتال لو احتاج إليه. الآن هو يبحث عن واقع ما حصل، الواقع الحاصل في فتح مكة، يقول: إنها فتحت صلحًا وليست عنوة، وهذا مذهبهم، لكن ما الذي حصل؟ فإن أحد ترخص لقتال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.

المقدم: نص على القتال.

نص على القتال، يقول: إن القتال ما حصل، لكنه دخلها متأهبًا للقتال لو احتاج إليه، لكنه ما حصل. الآن هم لا ينازعون في القتال وجوازه؛ لأنه أحلت له في هذه الساعة ليقاتل، لكن الواقع هل حصل أو ما حصل؟ عندهم ما حصل.

المقدم: وبالتالي كانت صلحًا وليس عنوة.

صلحًا وليس عنوة، يقول العيني: مذهب الأكثرين أن مكة فتحت عنوة، قال القاضي عياض: هو مذهب مالك وأبي حنيفة والأوزاعي لكن من رآها عنوة يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- منّ على أهلها وسوغهم أموالهم ودورهم ولم يقسمها، ولم يجعلها فيئًا. الذي يتعلق به الشافعي ومن يقول بقوله: أنها فتحت صلحًا؛ لأن أرضها لم تقسم بين الغانمين دورها وأراضيها ما قسمت وليسوا بأهلها. إذا هي فتحت صلحًا، إذ لو فتحت عنوة لحصل ذلك وهذه هي حجتهم. الذين يقولون: إنها فتحت عنوة، يقولون: إن النبي-عليه الصلاة والسلام- منّ على أهلها وسوغهم أموالهم ودورهم ولم يقسمها، ولم يجعلها فيئًا، النبي -عليه الصلاة والسلام- قسم غنائم حنين، ثم بعد ذلك ردَّها على أهلها بعد أن استأذن الصحابة، فله أن يفعل ذلك -عليه الصلاة والسلام-، وليس بكثير أن يمنَّ على أهل مكة، أهل هذا البلد المبارك المعظم. قال أبو عبيد: ولا يعلم مكة يشبهها شيء من البلاد، يعنى ما فيه بلد تفتح إلا وتقسم، لكن مكة لها هذه الخصيصية. قال الشافعي وغيره: فتحت صلحًا وتأولوا الحديث بأن القتال كان جائزًا له -عليه الصلاة والسلام- لو احتاج إليه، وهذا تقدم في كلام الكرماني، لكن يضعف هذا التأويل قوله في الحديث: «فإن أحد ترخص لقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»  فإنه يدل على وجود القتال، والقتل، وقوله: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ، يدل على أن من لم يدخل فإنه ليس بآمن. يقول الماوردي: عنده تفصيل، الماوردي وهو من أئمة الشافعية.

المقدم: لكن يا  شيخنا، ألا يمكن أن يرد عليهم بشيء أيضًا أصرح من هذا بكثير؟ لما اجتمع كفار قريش ثم طلب منهم بعض الصحابة أن يذهبوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويعرضوا عليه، فإن به من الرحمة والكرم والشفقة حتى قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، مما يدل على أن هذا نص في إذنه -عليه الصلاة والسلام- لهم بألا يعتبروا أسرى؟

المنُّ عليهم واضح، لكن شبهة الشافعية ما هي؟ أن الأرض ما قُسمت، ولا سُبي أهلها.

المقدم: ما دام منّ عليهم فخلاص هذا نص بأنها كانت فتحًا، ولكنه عفا عنهم وعن أراضيهم.

هم عندهم أن الأرض التي تُفتح عنوة لا بد من قسمها، ولا يملك أحد التنازل عنه؛ لأنها ملك للغانمين، وكل ما يأتي مما يخالف فهذا يتأول، كونهم اجتمعوا وتشاوروا في أن يذهبوا للنبي-عليه الصلاة والسلام-، قد يقول الشافعي: أنهم خافوا من أن يسبيهم، أو أن يحصل قتال يترتب عليه السبي، المقصود أن هذه المسألة فيها الخلاف المذكور.

يقول الماوردي: عندي أن أسفل مكة، يريد الماوردي وهو من أئمة الشافعية أن يسوغ مذهب الشافعي من وجه وإن كان الواقع خلافه، يقول: عندي أن أسفل مكة دخلها خالد بن الوليد -رضي الله عنه- عنوة، وأعلاها دخلها الزبير بن العوام صلحًا، ودخلها الشارع من جهته فصار حكم جهته الأغلب، يعني القتال حصل من جهة خالد بن الوليد فقط، ومن جهته -عليه الصلاة والسلام- ما حصل قتال، من جهة الزبير بن العوام ما حصل قتال.

المقدم: فحكم للأغلب.

نعم، وجود القتال وتصريح النبي -عليه الصلاة والسلام- به لا يمكن أن ينكره لا الماوردي ولا غيره، وهو نص في الحديث، لكن لما تعارض مثل هذا الفعل على ما عندهم من أن الأراضي التي تدخل عنوة لابد من قسمها أخذوا يوجهون الحديث، وقول الجمهور هو الراجح أنها فتحت عنوة، وتأويلهم للحديث أيضًا صحيح أن النبي-عليه الصلاة والسلام- منَّ على أهلها، والأدلة تدل على ذلك، وللإمام أن يمن {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [سورة محمد 4]، له أن يمن، وله أن ينظر في المصلحة، وأما ما يملكه الغانمون من الغنيمة، فإذا أصروا على نصيبهم منها يعوضون، كما استأذنهم النبي-عليه الصلاة والسلام- في غنائم حنين. يقول ابن حجر في الحديث: شرف مكة؛ إذ لا توجد هذه الخصيصة إلا لها، وتقديم الحمد والثناء على القول المقصود، وإثبات خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم-، والخصائص النبوية أُلفت فيها الكتب، الخصائص النبوية للسيوطي في مجلدين، في طبعته الأولى، وفي ثلاث في طبعته الثانية، وهناك كتب في الخصائص كثيرة.

المقدم: يا شيخ هذه القاضي عياض مثلها؟

لا، ما هو في الخصائص، في الشمائل، كتب الخصائص كثيرة منها المطولات، ومنها المختصرات، لكن كثيرًا منها لا يسلم من نقض، إذ بعضها ادُعى فيه الخصوصية من جهة، وفي بعضها شيء من المبالغة والغلو والإطراء الذي نهى عنه النبي-عليه الصلاة والسلام-.

المقصود أن له خصائص، وأهل العلم يبحثون الخصائص في كتاب النكاح كما سبقت الإشارة إليه لكثرة ما اختص به -عليه الصلاة والسلام- في هذا الباب، واستواء المسلمين معه في الحكم إلا ما ثبت تخصيصه به، هذه الخصيصة له -عليه الصلاة والسلام- حل القتال بمكة خصيصة؛ لأن الله أذن له ولم يأذن لغيره. الفائدة التي تليها: استواء المسلمين معه في الحكم إلا ما ثبت تخصيصه به؛ لأن الأصل الاقتداء، فهو الأسوة، وهو القدوة، ولذا نبه -عليه الصلاة والسلام- أنه قد يأتي من يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- قاتل بمكة، ونحن نقاتل؛ لأنه هو الأسوة، وهو القدوة، وهذا هو الأصل، ولذا نص على قوله فقولوا: «أن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لغيره»  فهذل خاص به.

أيضًا من فوائد الحديث كما يقول الحافظ: وقوع النسخ، أبيح القتال ثم نسخ، أبيح ثم نسخ، عند الشافعية الذين يقولون: لم يحصل قتال، يمكن هذا أم ما يمكن؟

المقدم: لا يمكن.

لا يمكن، أليس هناك ما يبحثه أهل العلم من النسخ قبل التمكن من الفعل؟ كقصة الذبيح؟

المقدم: صحيح.

النسخ قبل التمكن من الفعل، وهذا منه عندهم، المقصود أن النسخ ظاهر حتى على مذهب الشافعية ظاهر، وأما على مذهب الجمهور فلا إشكال، وفضل أبي شريح لاتباعه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالتبليغ عنه، ليبلغ الشاهد الغائب، مر بنا أنه بلغ، وقال: نحن حضرنا وأنت غائب، والنبي-عليه الصلاة والسلام- قال: «ليبلغ الشاهد الغائب». هذه الفضيلة لأبي شريح؛ لأن التبليغ في وقت الرخاء والسلم يملكه كثير من الناس، إذا كان بعض الناس يتقاعس عن مثل هذا الموقف لمجرد الإحراج المتوقع، فأبو شريح بلغ في هذا الظرف في مواجهة أمير ليس على الهدي النبوي، وعرفت مخالفته، وليس من التابعين بإحسان وقال ما قال، الذي يخشى شره ومع ذلك تحمل هذه العزيمة وبلغ، فهذا يدل على فضله -رضي الله عنه وأرضاه-.

وهذا الحديث خرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في ثلاثة مواضع: الأول هنا في كتاب العلم باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، ومضى إعراب هذه الكلمات. قال الإمام-رحمه الله تعالى-: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدثني الليث -من طلاب يوسف التنيسي- قال: حدثني الليث، الليث ابن من؟

المقدم: إذا أطلق الليث، الليث بن سعد، أم اللغوي؟

لا ما يجيء اللغوي هنا، هنا الليث بن سعد، أما الليث بن المظفر فهذا يأتي في كتب اللغة. قال: حدثني الليث، حدثني سعيد بن أبي سعيد-يعنى بن أبي سعيد المقبري- عن أبي شريح الخزاعي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولًا قام به النبي -صلى الله عليه وسلم- الغد من يوم الفتح فذكره، وسبق ذكر مناسبته.

الموضع الثاني: في كتاب جزاء الصيد باب لا يعضد شجر الحرم، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لا يعضد شوكه» قال -رحمه الله تعالى-: حدثنا قتيبة ، قال: حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: أيها الأمير فذكره. المناسبة ظاهرة في حديث التنصيص على عضد الشجر، ولا يعضد بها شجرة فالمناسبة ظاهرة؛ لأن الترجمة باب لا يعضد شجر الحرم. والباب في كتاب جزاء الصيد، مناسبة الباب للكتاب.

المقدم: الباب للكتاب ظاهر.

الحديث للباب، الحديث للباب ظاهر، لكن هذا الباب باب لا يعضد شجر الحرم في كتاب جزاء الصيد، شجر الحرم عضده لا يستحق أن يُفرض له كتاب، فلما اجتمع مع جزاء الصيد في كثير من النصوص وفي الحكم أيضًا أدرج معه.

الموضع الثالث: في كتاب المغازي في باب بدون ترجمة، وهو عقب باب منزل النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح، ننتبه لهذا. باب بدون ترجمة، والذي قبله باب منزل النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح، تقدم مرارًا أن الباب غير المترجم بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله، قال: حدثنا سعيد بن شرحبيل، قال: حدثنا عن الليث عن المقبري عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة، ائذن لي أيها الأمير أحدثك فذكره. نقول: تقدم مرارًا أن الباب إذا كان بغير ترجمة فإنه كالفصل من الباب قبله، ما ارتباط هذا الحديث بمنزل النبي-عليه الصلاة والسلام- يوم الفتح، هل فيه تنصيص على منزله -عليه الصلاة والسلام-؟

المقدم: المكان ذاته ما فيه.

ما فيه. أين؟

المقدم: يعنى النص على ذات المكان لا.

ما فيه، إذًا كيف أن أربط بين هذا الحديث وبين الترجمة التي قبل الباب غير المترجم؟ لأنه إذا قلنا: إنه بمنزلة الفصل من الباب قبله فلا بد أن يكون هناك ارتباط بين الفصل والباب.

المقدم: ما دام يا شيخ حرم مكة أو حرم الحرم ومكانها أساسًا كان في جزء من هذا الحرم، فيكون هناك ارتباط.

باب منزل النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الفتح، هذه أشكلت على كثير من الشراح، حتى قال الحافظ: باب كذا في الأصول بغير ترجمة، وكأنه بيَّض له فلم يتفق له وقوع ما يناسبه. واضح كلام الحافظ؟ كيف واضح؟

المقدم: يقول: إنه وضعه هنا، لكن ما اتضح له ترجمة معينة له.

يعنى الحديث بطوله ما يمكن أن يُستفاد منه حكم في هذا الموضع؟ يترجم.

المقدم: يترجم أكيد، لو أراد البخاري ترجمة معينة لها لاستطاع.

نعم. يقول: كذا في الأصول بغير ترجمة وكأنه بيَّض له فلم يتفق له وقوع ما يناسبه، هذه يفعلونها متى؟ مثل هذا الكلام يقال؟ إذا وضع ترجمة، البخاري، بحكم شرعي باب حكم كذا، ولم يجد حديثًا على شرطه يدل على هذه الترجمة يبيّض للموضع، ولا يذكر فيه حديثًا، يبيض له عله يجد حديثًا يناسب هذه الترجمة فلم يجد. لكن يذكر حديثًا في موضع ويقول: باب، وليس له ترجمة بعيد.

المقدم: بعيدة عن البخاري.

بعيد، إلا إن كان قصد الحافظ أنه أراد وجمع الأحاديث في هذا الباب، وأراد ترجمة تناسب جميع الأحاديث التي ذكرها في هذا الباب فتركها بياضًا، ترك الترجمة ليعود إليها، أما كأنه لم يتفق له وقوع ما يناسبه؛ لأن عندنا الترجمة والحديث، نقول: كلام الحافظ فيه خفاء، وفيه بعد؛ لأن الأصل أن الحديث موجود، ومنه يستنبط الحكم، فما نقول إن البخاري ذكر الحديث وتأخر استنباطه عنه، قد يهجم الاستنباط قبل وجود الخبر، قد يدون حكم من أدلة عامة أو قواعد، أو من القرآن مثلًا ويريد أن يورد له ما يدل عليه من السنة، ثم يذكر الحكم ويترك مكان الحديث بياضًا يبيض له عله يجد حديثًا يؤيد ما قال، لكن يذكر الحديث، وليس له ترجمة بعيد، والذي قرره ابن حجر أنه كالفصل من الباب الذي قبله، وليس هذا ترجمة، أو ترجمتين، أو عشرة، أو مائة بدون ترجمة، هذه تكررت في البخاري كثيرًا، ويمكن الربط بينه وبين ما قبله وإلا فلماذا يقرر أنه كالفصل من الذي قبله إلا أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين هذه الترجمة والتي قبلها.

في عمدة القاري يقول: مطابقته للترجمة في قوله: يوم الفتح، باب منزل النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الفتح.

المقدم: والحديث «سمعته يوم الفتح».

وسمعته يوم الفتح، وكل الأحاديث التي أوردها البخاري في هذا الباب تشترك في هذه الكلمة، في المتضايفة في يوم الفتح. البخاري يورد الحديث لأدنى مناسبة، البخاري -رحمه الله- يورد الحديث لأدنى مناسبة، وقد يذكر الترجمة ويذكر الحديث الذي ترجم عليه ويكون في الربط بينهما بُعد، حتى يقول كثير من الشراح: يعجز عن إظهار المناسبة، ومنهم من يقول في موضع يصعب فيه الربط بين الحديث والمناسبة يقول: المناسبة ظاهرة.

المقدم: ظاهرة أم غير ظاهرة؟

ظاهرة ويتركها، لا أدري هل يظن أن هذا هروب، يعني تجد بعض الشراح ما يعرجون عليها؛ لأنهم لم يستطيعوا أن يبينوها، مثلًا باب القسامة في الجاهلية، وأورد خبر عمرو بن ميمون في قصة القردة التي زنت فاجتمع عليها مجموعة من الكلاب فرجموها، ما المناسبة بين القصة وبين القسامة في الجاهلية؟ ما فيه إلا أن هذه وقعت في الجاهلية، وهم يقولون: المناسبة ظاهرة إن كانت من هذه الحيثية فهي ظاهرة، القسامة في الجاهلية وهذه القصة في الجاهلية، لكن ما علاقة هذه القصة بالقسامة؟

لا شك أنها غير ظاهرة.

المقدم: نقرأ الحديث يا شيخ؟

تفضل.

المقدم: عن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا تكذبوا عليًّ، فإنه من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار».

راوي الحديث هو الخليفة الراشد علي بن أبي طالب ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وزوجه فاطمة مر ذكره، ومناقبه وفضائله أشهر من أن تُعدد، بل لو قيل إنه لا يمكن تعدادها لما بعد؛ لانتشارها وكثرتها، والعامة والخاصة يعرفون من فضائله ومن مناقبه ما يزيد على ما يمكن تسطيره في مثل هذا المختصر.

المقدم: رضي الله عنه.

رضي الله عنه وأرضاه.

 والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب إثم من كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن حجر: ليس في الأحاديث التي في الباب تصريح بالإثم، وإنما هو مستفاد من الوعيد بالنار على ذلك؛ لأنه لازم، إذ لا عذاب إلا على إثم، وكونه يلج النار ويتبوأ مقعده من النار هذا وعيد؛ لأنه ارتكب إثمًا عظيمًا وجرمًا خطيرًا.

يقول العيني: وجه المناسبة بين البابين من حيث إن المذكور في الباب الأول باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، المذكور في الباب الأول وجوب تبليغ العلم إلى من لا يعلم، والمذكور في هذا الباب التحذير عن الكذب في التبليغ، وذكر هذا الباب عقيب الباب المذكور من أنسب الأشياء، لماذا؟ لأنه لما يسمع الإنسان الأمر بالتبليغ خشية من أن يأثم؛ لأنه لم يبلغ لا يتثبت فيما بلغه؛ لئلا يأثم في الكتمان وعدم التبليغ، ولذا جاء التحذير من الكذب، والكذب على ما سيأتي يشمل من تعمد الكذب ومن لم يتثبت، فحدث بالكذب وإن كان مخطئًا أو ساهيًا غير متعمد.

وقال العيني: مطابقة الحديث للترجمة من حيث إن الحديث في النهي عن الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- المستلزم للإثم، المستلزم لدخوله النار والترجمة ببيان إثم من كذب عليه -عليه الصلاة والسلام- يعنى قريب من كلام الحافظ من حيث إن الحديث في النهي عن الكذب عن النبي -عليه الصلاة والسلام- المستلزم للإثم «لا تكذبوا علي»، هذا نهي عن الكذب، والكذب مستلزم للإثم، والإثم مستلزم لدخول النار إذًا صحت الترجمة بقوله: باب إثم من كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-. والترجمة ظاهرة في بيان إثم من كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وسيأتي بيان ذلك، والحديث في المختصر بهذا اللفظ: «لا تكذبوا عليَّ، فإن من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار».

المقدم: المختصر؟

المؤلف الزبيدي بهذا اللفظ «فإنه من كذب علي» لكن هل هو في الأصل.

المقدم: فإنه.

ما هي مسألة فإنه، للمسألة بُعد كبير في اللفظ، هو في الأصل بلفظ: «لا تكذبوا عليَّ، فإنه من كذب علي فليلج النار».

المقدم: في أصل البخاري أم في أصل التجريد؟

في البخاري، يعنى الطبعات كلها بهذا اللفظ «لا تكذبوا علي، فإن من كذب علي فليتبوأ» المختصر، والذي في الأصل: «لا تكذبوا علي، فإنه من كذب علي فليلج النار».

المقدم: طيب يا شيخ، ما رأيك أن نجعل هذه المسألة هي بداية الحلقة القادمة، لعل أيضًا الإخوة والأخوات يتابعونها من خلال ما يكون عندهم النسخ الصحيحة وغيرها؛ ليتابعوا معكم أحسن الله إليكم ما تتفضلون به بإذن الله.

أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة، على أن نستكمل في الحلقة القادمة ما تبقى من الحديث، وأنتم على خير شكرًا لطيب متابعتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.