كتاب النكاح من المحرر في الحديث - 06

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه - قال: رخّص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام، ثم نهى عنها، رواه مسلم".

 رخص، الرخصة يعرفها العلماء بأنها ما جاءت على خلاف دليل شرعي؛ لمعارِض أو لمصلحة راجحة. مما يدل على أن الأصل تحريم المتعة، فرُخِّص فيها؛ للحاجة، ثم قدرت هذه الحاجة بثلاثة أيام، فنهي عنها إلى قيام الساعة، والأحاديث في هذا المعنى وهو الترخيص في المتعة وهي: إنكاح المرأة إلى أمد محدد معروف بين الأطراف، كأن ينكح المرأة لمدة شهر أو أسبوع أو أكثر أو أقل، بأجرة، هذه هي المتعة التي رُخِّص فيها عام أوطاس، أو عام الفتح كما جاء في بعض الأحاديث، أو عام خيبر؛ للحاجة والضرورة، ثم بعد ذلك حرمت إلى قيام الساعة، حتى قال عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-: لا أوتى برجل نكح المتعة إلا جلدته الحد، فهي في حكم الزنى؛ لأنها محرمة، ومجمع على تحريمها بين جميع من يُعتد بقوله من أهل العلم.

 ويذكر عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه لا يرى بأسًا فيها، وأنها رخصة، كلما وجدت الحاجة إليها، ثم صح عنه -رضي الله عنه وأرضاه- أنه رجع عن هذا القول، وكل من ذكر عنه الترخيص فيها ذكر عنه أيضًا الرجوع عنها، ثم بعد ذلك انعقد الإجماع على تحريمها، ولا عبرة بمن يقول بها من طوائف البدع كالشيعة، بل يرون فضلها، ويرتبون عليها الأجور الطائلة العظيمة، وهذا من مخالفتهم السنة، وقد عرفوا بذلك.

 "رخَّص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام، ثم نهى عنها، رواه مسلم"، والأحاديث في هذا الباب كثيرة متضافرة على أن الأمر استقر على تحريمها إلى قيام الساعة، وقد أجمع أهل العلم على ذلك، خلافًا لمن أشرنا إليهم، مع أنهم لا يُعتد بهم في مواطن الإجماع ولا في مواطن الخلاف؛ لأن أصولهم وقواعدهم تختلف اختلافًا جذريًّا عما عليه أهل الإسلام من جميع الفرق، وهم لا يرون السنة، ويزعمون أن القرآن ناقص، فلا قرآنهم قرآننا، ولا سنتهم سنتنا، وينتسبون زورًا وبهتانًا إلى أهل البيت، وهم منهم براء، والله المستعان.

 "وعن ابن مسعود -رضي الله عنه – قال: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المحلِّل والمحلَّل له".

 لعن اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، فهذا دعاء من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على من فعل هذا الفعل بأن يطرد من رحمة الله -جل وعلا-، ومعلوم مآل من طرد من الرحمة، معروف مآله؛ لأنه إما في نعيم إن دخل وشملته الرحمة، أو عذاب، ولا واسطة بينهما، ولا شك أن اللعن مما ذكر في ضابط الكبيرة، في ضابط الكبيرة عند أهل العلم، فالتحليل من الكبائر، والمقصود به جعْل المرأة المحرَّمة ببينونتها من زوجها بطلاقها ثلاثًا جعلها حلالاً، هذا هو التحليل.

 يأتي إلى امرأة طلقت ثلاثًا، وبانت من زوجها، فينكحها؛ من أجل أن تحل لزوجها الأول الذي أبانها، هذا هو المحلِّل، فينكحها بهذا القصد، لا نكاح رغبة في الزواج بها والسكون إليها، وطلب الولد، والمودة والرحمة المشتملة المرتبة على النكاح الصحيح، هو يريد أن تحل هذه المرأة لزوجها، فهذا ملعون، نسأل الله العافية؛ لأنه لم يحقق الأهداف التي من أجلها شرع الزواج، وكذلك المحلَّل له يدخل في اللعن إذا اشترك معه في هذه النية بأن عرف أن هذه نية هذا الزوج الذي يريد نكاح زوجته البائنة، ورضي بذلك، أو اشترك معه في أصل الرغبة بأن دعاه إلى ذلك، فكلاهما ملعون، وجاء تسمية المحلِّل بالتيس المستعار، التيس المستعار الذي يُستعار من صاحبه؛ لقضاء حاجة، لقضاء الحاجة في هذه المرأة؛ لأنه معروف إذا نزا التيس على العنز فإنه ينتهي بمجرد التلقيح بمرة أو مرتين ينتهي، وهذا مثله، هذا ينتهي بوطء مرة واحدة؛ لتحل لزوجها، فهو مشبه لهذا التيس المستعار، وجاءت تسميته بذلك.

 والتحليل لا شك أنه حيلة؛ للتوصل إلى المحرم، وما كان من هذا النوع فهو من حيل اليهود التي يتوصلون بها إلى تحليل المحرمات، أو ترك الواجبات، هذه حيل اليهود التي عُرِفوا بها؛ «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل»، فهم أهل الحيل، وأهل المكر والخديعة والخيانة والغدر، ومشابهتهم في ذلك من عظائم الأمور، فهذا المحلِّل قد يزعم أنه محسِن؛ من أجل أن يرد هذه المرأة إلى زوجها، هذه نهاية في الخسة والدناءة من المحلِّل، ومن المحلَّل له إذا علم بذلك ورضي؛ لأنه كيف يرضى أن يأتي بشخص، أو يأتيه شخص يريد أن يجامع امرأته مرة ثم يتركها له؛ لأن النفوس الأبية ولو لم يكن ثم نص في تحريم ذلك تأباه، الناس الباقون على فطرهم يغارون من مثل هذا، والتحليل حرام بهذا النص وبغيره، من النصوص التي اشتملت على اللعن والنهي عنه، ولا تحل به المرأة، تبقى حرامًا على زوجها؛ لأنه عقد باطل، عقد باطل؛ لأنه متعة، وزيادة التحليل فيه متعة؛ لأنه مؤقت، ما هو بدائم، وإذا كانت المتعة لمدة أسبوع أو شهر أو أكثر أو أقل فالتحليل يحصل بوطء مرة واحدة، فهو أخس من المتعة.

 وعلى كل حال كلاهما حرام بالنص الصحيح الصريح.

 يقول: "رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه"، وعلى كل حال هو مصحَّح حتى ذكر الحافظ ابن حجر عن ابن القطان وابن دقيق العيد أنهما صححاه على شرط البخاري.

 ثم قال -رحمه الله-: "وعن عمرو بن شعيب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يَنكِح الزاني المجلود إلا مثله»، رواه أحمد وأبو داود، وإسناده صحيح إلى عمرو، وهو ثقة محتج به عند الجمهور".

 الكلام في عمرو بن شعيب وفي روايته عن أبيه عن جده تكرر مرارًا في هذا الكتاب، وإذا كانت الرواية عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فقد اختلف فيها أهل العلم؛ منهم من يصحح مطلقًا، ومنهم من يضعف، ومنهم من يتوسط، وذكرنا أن سبب الخلاف في الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الخلاف في عود الضمير في جده هل يعود إلى عمرو، فيكون السند هكذا عمرو بن شعيب بن محمد عن أبيه عن جده محمد؛ لأن محمدًا تابعي، فيكون الخبر مرسلاً، أو يعود الضمير في جده إلى أبيه أقرب مذكور، فتكون الرواية إلى الجد عبد الله بن عمرو، وجاء التصريح به عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، وحينئذ يكون الحديث متصلاً؟

 على خلاف بين أهل العلم في سماع محمد من أبيه عبد الله بن عمرو، ولوجود هذا الخلاف توسط جمع من أهل العلم فرأوا أنه لا يصل إلى درجة الصحيح، ولا ينزل عن درجة الحسن إلى الضعف، فهو محتج به إذا صح السند إلى عمرو، هذا إذا كانت رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

 لكنه هنا الخلاف في عود الضمير لا يتأتى هنا، لا يتأتى هنا؛ لأنه ليس موجودًا، ليست الضمائر موجودة ليوجد الخلاف، إنما أسماء صريحة عمرو بن شعيب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، لا يرد الخلاف الوارد هناك، فالحديث صحيح، ولذا قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "رواه أحمد وأبو داود، وإسناده صحيح إلى عمرو"، هناك يقولون: إذا صح السند إلى عمرو فالمرجح أنه من قبيل الحسن، وهنا صح السند إلى عمرو، وسبب الخلاف هناك لا يوجد هنا، فالحديث صحيح؛ لأن عمرًا ثقة محتج به عند الجمهور.

 يقول أبو هريرة -رضي الله عنه - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله» لا يجوز للرجل العفيف أن ينكح زانية، كما أنه لا يجوز للمرأة العفيفة أن تزوَّج بزانٍ، لا ينكح الزاني المجلود، وهذا وصف كاشف؛ لأن من حق الزاني أن يُجلَد أو من وصفه أنه يجلد، في الحد إذا كان بكرًا، ويرجم إذا كان ثيبًا على خلاف بين أهل العلم في الثيب هل يجمع له بين الجلد والرجم كما هو المعروف عند الحنابلة وجمع من أهل العلم أو يقتصر على الرجم.

 في حديث عبادة بن الصامت «الثيب بالثيب جلد مائة والرجم، جلد مائة والرجم» فالجلد للجميع، للزناة كلهم سواء كانوا أبكارًا أم غير ذلك، وجلد علي -رضي الله عنه - شراحة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة؛ لأنها ثيب، جمع بين الجلد والرجم، وهذا مقتضى حديث عبادة بن الصامت من أهل العلم من يرى أنه لا يجمع بين الجلد والرجم، ويكتفى بالعقوبة الكبرى، وأنه بصدد أن يقتل بهذه الطريقة وهذه الكيفية التي هي الرجم، فلا داعي للجلد، ويذكرون أنه لم يذكر في واقعة من الوقائع الخمس التي حصلت في عهده -عليه الصلاة والسلام- أنه جمع بين الجلد والرجم، لكن لا شك أن الفعل لا عموم له، ويكفينا من قوله -عليه الصلاة والسلام- «الثيب بالثيب جلد مائة»، فالزاني المجلود يشمل البكر والثيب على هذا، أو يختص بالبكر، وأما بالنسبة للزاني الذي يحكم عليه بالرجم فهذا لن ينكح ولا يُنكَح؛ لأنه إذا حكم عليه بذلك نفذ الحكم وانتهى.

 «لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله» لا ينكح لا نافية، والمراد بذلك النهي، فنكاح الزاني للعفيفة أو العكس حرام {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [سورة النــور:3]، {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [سورة النــور:3] حرم ذلك النكاح، حرم على المؤمنين، واقتران الزانية بالمشركة والزاني بالمشرك في هذه الآية من باب تبشيع الصورة والتنفير منها، وإلا معلوم أن الزاني لا يخرج عن دائرة الإسلام، وهو مسلم داخل في المنع من نكاح المشركات وإنكاح المشركين، لكن من باب التنفير أن مثل هذا أن المسلم العفيف كما أنه لا ينكح مشركة كذلك لا ينكح الزانية، وقل مثل هذا في المرأة العفيفة.

 {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [سورة النــور:3] أهل العفة والنزاهة هذا حرام عليهم؛ لأن من أقدم على نكاح زانية وعقد عليها، والمراد بذلك العقد عند جماهير أهل العلم المراد بذلك العقد عند جماهير أهل العلم، لا شك أن فيه نوع ديوثة وذهاب للغيرة، والمؤمن يجب أن يكون غيورًا على نفسه وعلى أهله.

 {وَحُرِّمَ ذَلِكَ} [سورة النــور:3] أي النكاح، منهم من حمل الآية على الكراهة مع أن التحريم نص، وأرجع الضمير للزنى {وَحُرِّمَ ذَلِكَ} [سورة النــور:3] يعني الزنى على المؤمنين، وهذا لا شك أنه يسلب الآية الفائدة المأخوذة منها؛ لأن الزنى محرم بنصوص كثيرة غير هذا، وعلى القول الأول حرم ذلك أي النكاح بين العفيفة والزانية أو العكس، وتكون الآية مؤسِّسة لحكم جديد، أما إذا قيل: إن الضمير يعود إلى الزنى قلنا: الآية مؤكِّدة وليست مؤسِّسة؛ لأنها ما جاءت بحكم جديد، ما جاءت بفائدة جديدة، ولا شك أن التأسيس أولى من التأكيد هذا إذا قلنا: إن الاحتمالين على حد سواء، لكن المرجَّح حتى من حيث السياق، ومن حيث قواعد العربية أن الضمير يعود على النكاح الذي هو الحديث عنه، الكلام في الآية عن النكاح، وليس الكلام عن الزنى، الزاني لا ينكح، الخبر المتمم الفائدة هو في النكاح، فعلى هذا النكاح محرم بين العفيف مع الزانية والعكس.

طالب: .............

إذا تابت الزانية من تاب تاب الله عليه، إذا تابت أو تاب الزاني تاب الله عليه، حصلت التوبة بشروطها المعروفة عند أهل العلم فلا أثر لهذه، وإن كانت النفوس تأباها، وإن تابت، لكن الكلام في المسألة شرعًا إذا تابت، وتوبتها تعرف باستقامة حالها، وعدم تكرر ذلك منها، وقال بعض أهل العلم: توبتها بأن يراودها ثقة، يراودها عن نفسها، فإن امتنعت فهي تائبة، وإن استجابت فغير تائبة، لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأنه لا يؤمَن أن تستجيب وإن تابت، ولا يؤمن أن يلين لو استجابت، ولو كان ثقة؛ لأن هذا تعريض للطرفين للفتنة، تعريض للطرفين للفتنة، والله المستعان.

 قالوا: لا ينكح المراد به لا يعقد النكاح، يراد به العقد، ابتداء العقد، وأما بالنسبة لاستمراره فإذا حصل الزنى- نسأل الله العافية- فإنهم يقولون، يقول أهل العلم: إنه لا يلزم طلاق المرأة بسببه، ويستدلون بحديث: «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد، ولا يثرِّب عليها، ثم إذا زنت فليجلدها الحد، ولا يثرِّب عليها، ثم إذا زنت» قال في الثالثة أو في الرابعة: «فليبعها ولو بضفير»، هذا من حيث الحكم، أما كون الإنسان يأبى ويغار، وتزيد غيرته إلى حد أن يوجد من يقتل مع أن هذا لا يجوز بالإجماع، إذا قَتل قُتل، لكن يبقى أنه قد يغار عليها، وهذا هو كثير، كثير من الناس أنه إذا حصل منها هذه الفاحشة أنه يفارقها، لكن من حيث الحكم لا يلزمه ذلك، عليه أن يستبرأها، ولا يلزمه ذلك، نسأل الله السلامة والعافية.

 وعلى كل حال المسألة معروفة عند أهل العلم، هذا في الاستمرار، وأما بالنسبة للابتداء فحكمه ما ذكر، لا يجوز بحال، حرم ذلك على المؤمنين.

 قال -رحمه الله- "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: طلق رجل امرأته ثلاثًا، طلق رجل امرأته ثلاثًا" الحديث يحتمل أنها بلفظ واحد أو بألفاظ متكررة، ويحتمل أن تكون هذه الألفاظ تتابعت من غير رجعة، ويحتمل أن يكون قد تخللها رجعة، وجاء في الصحيحين من حديث رفاعة القرظي أنه طلق امرأته الطلقة الثالثة التي أبانتها، فدل على أنها طلقات متفرقة ومعتبرة ومبينة لزوجته منه، فإن كانت القصة واحدة فتفسَّر بأنها ثلاثا متفرقة ومعتد بها.

 "فتزوجها رجل" في الحديث الآنف الذكر اسمه عبد الرحمن بن الزبير عبد الرحمن بن الزبير، "ثم طلقها" ذلك الرجل "قبل أن يدخل بها"، عقد عليها، تزوجها، يعني عقد عليها، "ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فأراد زوجها الأول أن يتزوجها"؛ لأن قوله -جل وعلا-: {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [سورة البقرة:230] يحتمل أن يراد بالنكاح العقد، وأن يراد به الوطء والعقد قد حصل، فهل تحل للأول؟

 يعني قبل أن يرد هذا الحديث الاحتمال وارد؛ لأن النكاح كما يطلق على الوطء يطلق على العقد، بل هو الأكثر، حتى قال بعضهم: إنه حقيقة بالعقد تزوجها يعني عقد عليها، "فأراد زوجها الأول أن يتزوجها" ظنًّا منه أنها حلت له بنكاح غيره، "فسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: «لا»"، ليس الأمر كما ظننت، الحكم لم يرتب على العقد، وإنما رتب على الوطء؛ «لا، حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول، حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول»، وهذا كناية عن تحقق الجماع، تحقق الجماع، والجماع يكون بالإيلاج، والعسيلة كناية عن اللذة التي تحصل بالجماع، ومنهم من يقول: إن المراد بالعسيلة الماء.

 على كل حال إذا حصل الإيلاج المعتبَر ترتبت عليه الأحكام التي قال بعضهم: إنها اثنا عشر حكمًا ترتب على الإيلاج، وبعضهم أوصلها إلى أكثر من ذلك، المقصود أن من الأحكام المرتبة على الجماع الذي هو الإيلاج الذي يجب به الغسل ولو لم ينزل، وإن كان بعضهم يرى أنه لا يمكن أن يتحقق الوصف الذي هو ذوق العسيلة إلا بالإنزال، ولا شك أن هذا أحوط وأكمل، النكاح كما تقدم في تعريفه أنه حقيقة في العقد، كما أنه حقيقة في الوطء، قال بعض أهل العلم: إن المراد به العقد في جميع النصوص، نصوص الكتاب والسنة إلا ففي قوله- جل وعلا-: {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [سورة البقرة:230] أنه ليس المراد به هنا العقد، وإن كان لا يتم النكاح المراد به الوطء إلا بعد أن يتم العقد، وعلى هذا فإذا نكحت المرأة، كما في هذا الحديث، ثم لم يدخل بها، إن طلقها قبل أن يدخل بها، والدخول عند أهل العلم مختلف فيه، مختلف فيه، فهل يتم بمجرد الخلوة، أو بفعل ما لا يفعله إلا الرجل مع امرأته مع الخلوة، أو بتحقق الوطء؟

 خلاف بين أهل العلم، لكن هنا إن طلقها قبل أن يدخل بها فالمراد بالدخول هنا عدم الوطء؛ لأنه لو دخل بها، وأسدل الستار، ونام معها مدة طويلة، ثم لم يحصل وطء، فإنها لا تحل للأول، «حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول» قال: "متفق عليه، واللفظ لمسلم".

اقرأ.

"أحسن الله إليك.

بسم الله، والحمد لله، وصلى الله على نبينا محمد.

قال ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى-:

باب الخيار في النكاح وذكر نكاح الكفار.

 وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان في بريرة ثلاث سنن: خيرت على زوجها حين عتقت، وأهدي لها لحم، فدخل عَلَيَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فدخل عَلَيَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والبرمة على النار، فدعا بطعام، وأتي بخبز وأدم من أدم البيت فقال: «ألم أر برمة على النار فيها لحم؟» فقالوا: بلى يا رسول الله، ذلك لحم تصدق به على بريرة، فكرهنا أن نطعمك منه، فقال: «هو عليها صدقة، وهو منها لنا هدية».

 وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها: «إنما الولاء لمن أعتق»، متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 وله عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان زوج بريرة عبدًا، وعن الأسود عن عائشة قالت: كان زوج بريرة حرًّا، فخيرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وهذا لفظه، وقال: حديث حسن صحيح، قال إبراهيم بن أبي طالب: خالف الأسود بن يزيدٍ.."

يزيدَ، ممنوع من الصرف، يزيدَ.

"خالف الأسود بن يزيدَ الناس في زوج بريرة قال: إنه حر، وقال الناس: إنه كان عبدًا. وروى الإمام أحمد بإسناد جيد عن القاسم عن عائشة -رضي الله عنها- أن بريرة كانت تحت هذا العبد، فلما أعتقتها قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اختاري، فإن شئت أن تمكثي تحت هذا العبد، وإن شئت أن تفارقيه».

 وعن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتخير منهن أربعًا، رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وابن حبان والحاكم، وقال البخاري: هو حديث غير محفوظ، وتكلم فيه أبو زرعة وأبو حاتم وغيرِهما."

وغيرُهما.

"وغيرُهما.

 وعن الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، إني أسلمت وتحتي أختان، فقال رسول الله: «طلق أيتهما شئت»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه، وابن حبان والدارقطني، وصححه البيهقي، وتكلم فيه البخاري، وفي لفظ الترمذي: «اختر أيتهما شئت».

 وعن ابن عباس قال: رد النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول، ولم يحدث نكاحًا، رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وهذا لفظه وقال: ليس بإسناده بأس، والحاكم وصححه، وكذلك صححه الإمام أحمد وغيره."

وغيره! وغير واحد.

"وغير واحد.

 وعنه قال: أسلمت امرأة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتزوجت، فجاء زوجها إلى النبي -صلى الله عليه وسل- فقال: يا رسول الله، إني كنت أسلمت وعلمت بإسلامي، فانتزعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من زوجها الآخر، وردها إلى زوجها الأول، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه."

يقول المؤلف -رحمة الله عليه-: "باب الخيار في النكاح، باب الخيار في النكاح" وأورد تحت هذا الجزء من الترجمة حديث بريرة، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- خيرها لما عتقت، "وذكر نكاح الكفار" وذكر فيه حديث من أسلم وتحته أكثر من أربعة من النسوة، ومن تحته أختان، ومن أسلمت قبل زوجها، وكان زواجهما في الجاهلية.

 في الشق الأول باب الخيار يقول: "عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كانت في بريرة ثلاث سنن، ثلاث سنن" يعني المسائل الكبار في حديث بريرة وإلا فحديث بريرة استنبط منه أهل العلم مسائل كثيرة جدًّا، ومنهم من صنَّف فيه على سبيل الاستقلال، يعني في شرحه وبيان فوائده، وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أكثر من مائة وعشرين فائدة مستنبطة من حديث بريرة.

 "كانت في بريرة ثلاث سنن" يعني ما فيه فوائد إلا هذه الثلاث؟ فيه فوائد كثيرة، لكن القضايا الكبرى في هذا الحديث ثلاث، أولى هذه الثلاث "خُيِّرت على زوجها حين عَتقت"، هذه السنة الأولى من السنن الثلاث، وهي المناسبة للترجمة، كان زوجها عبد يقال له: مُغِيْث، هكذا ذكر الرواة الحفاظ الأثبات عن عائشة أنه كان عبدًا، وخُيِّرت لما عتقت؛ لانعدام الكفاءة، كانت أمة تحت عبد، الكفاءة موجودة، أمة تباع وتشترى، تحت عبد كذلك، الكفاءة موجودة، لكن لما عتقت، وصارت حرة، وزوجها لا يزال رقيقًا، الكفاءة مفقودة، الكفاءة مفقودة؛ لأن الحرية تعني تصرُّف الإنسان في نفسه، هذا معنى الحرية أن يتصرف في نفسه وفي منافعه، بينما العبد لا يتصرف، والمرأة لا ترضى أن يكون زوجها يُتَصرف فيه، فإذا عتقت خيرت؛ لأن الأمر لا يعدوها، الأمر لا يعدوها، إذا رضيت بالبقاء معه وتنازلت عن هذا الوصف فإن الأمر لها، لا تلزمه، وليس يعني هذا حصول الفرقة بمجرد عتق أحد الطرفين، إذا تنازلت استمر النكاح، وندم مغيث على فراقها، وصار يتابعها في سكك المدينة يبكي يريدها، وهي لا تريده، حتى شفع له النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت بريرة: تأمرني؟ فقال: «لا، أنا شافع»، فقالت: لا حاجة لي به.

 الحرية كل ينشدها، شخص يباع ويشترى ويتصرف فيه، ومنافعه لغيره، هذا المرأة معذورة إذا رفضته، المرأة معذورة مادام الوصف الذي هو الرق موجودًا فيه، ولو عتق معها لكانت الكفاءة موجودة، ولا خيار لها، وكذلك لو كان حرًّا فليس لها خيار؛ لأنها لما عتقت الكفاءة مازالت موجودة، لو كانت حرة ورضيت به، أو كان مملوكًا ثم عتق وصار مولى لفلان أو لآل فلان، وخطب حرة قرشية مثلاً، وهو في الأصل مسه الرق ثم عتق فالكفاءة موجودة أم غير موجودة؟

موجودة خلافًا لما اعتاد الناس وجرت عليه أعرافهم، والمراد بذلك بعض الناس، يعني في بعض المجتمعات من ليس له أصل عربي أو مسه الرق ولو مدة يسيرة، يرون أن الكفاءة لا توجد، وهذا الكلام ليس بصحيح، وفي حديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب عم النبي -عليه الصلاة والسلام- في الاشتراط في الحج أرادت أن تحج وهي شاكية فقال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: «حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيت، وكانت تحت المقداد، وكانت تحت المقداد» ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام- تحت المقداد، وهو مولى، ولذا البخاري ما ذكر الحديث في كتاب الحج، حتى جزم بعضهم أن البخاري لم يخرج هذا الحديث، إنما ذكره في كتاب النكاح في باب الأكفاء في الدين، يعني لا في النسب، الكفاءة إنما تكون في الدين لا في النسب.

 "خُيِّرت على زوجها حين عتقت" خيرت؛ لانعدام الكفاءة، فهي حرة، وهو عبد، وما جاء من في بعض الروايات أنه كان حرًّا فهو من قول الأسود بن يزيد، وخالف فيه جميع الرواة الثقات الأثبات الحفاظ، فهو مرجوح، والراجح أنه كان عبدًا، والحنفية يرجحون رواية الأسود ويقولون بها، وأن الأمة إذا عتقت تحت حر تخير، ولو كان حرًّا؛ لأنه رضي بها وهي أمة، رضي بها وهي أمة، ثم بعد ذلك ارتفع الوصف الذي اتصفت به فعلا شأنها، هذا كلامهم، يعني ارتفعت عن المستوى الذي يطلبه، فهي تخير على زعمهم، وعند جمهور أهل العلم لا تخير؛ لأنه لا يوجد ما يدعو إلى التخيير، ما يوجد ما يدعو إلى التخيير.

 ونظير ذلك من تزوج امرأة عامية لا تقرأ ولا تكتب، فثابرت وواصلت ودرست، وحصلت على الشهادات صارت فوق الشرط الذي يريده، هل نقول: إنها تخير؟! لا، وإن اتصفت بوصف فوق ما يريد.

 على كل حال قول الجمهور هو المرجَّح، والمرجح رواية الأكثر من كونه عبدًا، ولا داعي إلى التخيير إذا كان حرًّا؛ لوجود الكفاءة.

 "وأهدي لها لحم" أهدي لبريرة لحم وهي في بيت عائشة تخدم عائشة -رضي الله عنها-؛ لأنها هي التي اشترتها وأعتقتها، "وأهدي لها لحم، فدخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، تقوله عائشة، "والبرمة على النار" البرمة نوع من الأواني موجودة إلى الآن ولازالت في بعض المطابخ، على النار.

 "فدعا بطعام" النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل ورأى البرمة وفتح غطاءها ورأى اللحم، بدليل ما سيأتي هذا في بيته -عليه الصلاة والسلام-، "فدعا بطعام فأتي بخبز وأدم من أدم البيت" إما خل أو مرق أو شيء يؤتدم به بالخبز، "فقال -عليه الصلاة والسلام-: «ألم أرَ البرمة أو ألم أرَ برمة على النار فيها لحم؟»" كأنه يشير إلى أنه يريد من اللحم، هو أفضل من الخبز وأفضل من الأدم، يريد لحمًا -عليه الصلاة والسلام-، «ألم أرَ برمة على النار فيها لحم؟» "فقالوا: بلى يا رسول الله"، فيه البرمة على النار، وفيها لحم، طيب هاتوه، قالوا:
هذا لحم تصدق به على بريرة، ومن المتقرِّر عندهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا تحل له الصدقة، فالصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد؛ لأنها أوساخ الناس، فظنوا أن هذا صدقة، فلا تحل للرسول -عليه الصلاة والسلام-.

 "فقالوا: بلى يا رسول الله، ذلك لحم تصدق به على بريرة، فكرهنا أن نطعمك منه"؛ لأن الصدقة لا تحل لك، فلما رأى تمرة سقطت فقال: «لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها»، فهو لا يأكل الصدقة، ورفعها الحسن؛ ليأكلها فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «كخ كخ» يعني اتركها؛ لأنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد -عليه الصلاة والسلام-، "ذلك لحم تُصُدِّق به على بريرة، فكرهنا أن نطعمك منه، قال: «هو عليها صدقة، وهو منها لنا هدية، وهو منها لنا هدية»"، تغيرت الحال، تغير الحكم، فالفقير الذي يأخذ من الصدقة وتحل له الزكاة، من حقه أن يُهدِي ما زاد على حاجته، أو يطعم منه شيئًا يسيرًا، لا يجمع الزكوات ثم يتصدق ويهدي تكون هذه عادة عنده يُعرَف بذلك، لا، لكن ما فيه ما يمنع أنه إذا تصدق به عليه أو أعطي من الزكاة ما يكفيه، ثم زاد شيء عنده تصدَّق به، منهم من يقول: لا، القدر الزائد عن حاجته لا يجوز أن يأخذه، يأخذ الزكوات ويتصدق ويهدي؟ لا، لكن الحديث أصل في هذه المسألة، في الشيء اليسير لاسيما في الشيء الذي لو تُرِك تلف مثل الطعام، ولذلك قال شيخ الإسلام: إن الفقير له أن يتصدق بشيء مما تُصُدِّق به عليه، بشيء يسير، فقير ومحتاج، وله عائلة، جاء إلى غني وأعطاه خمسة آلاف، ينفقها على أهله في هذا الشهر، فرأى فقيرًا عند باب المسجد، ورثى له، وأخرج عشرة ريالات وأعطاه إياه نقول: ما يجوز، رجع هذه العشرة إلى صاحبها؟ أو اشترى شيئًا وأهداه إلى شخص يجله ويحبه، شيئًا يسيرًا بحيث لا يؤثر في المبلغ الأصلي، وإلا فالأصل أنه لا يجوز أن يأخذ إلا بقدر الحاجة، لكن لا يلزم أن تكون الحاجة مضبوطة متقنة بالدقة بحيث تكون مائة بالمائة، لا تزيد هللة، ولا تنقص هللة، هذا ليس بصحيح، هذا ما يمكن ضبطه، لكن لو زاد شيء يسير أو جاد بشيء يسير، ولو كان بحاجته فالحديث أصل في ذلك، وبعض الناس يكون غنيًّا ومنفقًا وباذلًا ومتصدقًا ويزكي من أمواله، ويكون أصهاره فقراء، أهل زوجته فقراء، وزوجته مع أولاده يذهبون إلى أهلها في نهاية الأسبوع، كما اعتاد الناس اليوم، وأصهاره يأخذون من الزكاة؛ لأنهم فقراء ويأكلون منها، هل يقول لزوجته: لا تأكلي من طعامهم؛ لأنهم يأخذون من الزكاة، أو هو لهم صدقة، ولزوجته وأولاده هدية، أخذًا من هذا الحديث؟

 نعم، الثاني، لكن لا يكون هذا هدفًا ومقصدًا كل ما جاء سنحت فرصة قال: روحوا لأهلكم تأكلون هناك، يكون الهدف الأكل، لا، يكون هدف الزيارة الأكل إذا قدم يأتي تبعًاا هو لأهلها صدقة، ولها ولأولادها هدية، كما حصل للنبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث.

 "ذلك لحم تُصُدق به على بريرة، فكرهنا أن نطعمك منه، فقال: «هو عليها صدقة، وهو منها لنا هدية»"؛ لأن عين المال تغيَّر، وصفته تتغير بالتقليب، شخص يتعامل بمعاملات محرمة وجمع الأموال الطائلة ثم مات، وانتقل المال إلى ورثته، هو بالنسبة له خبيث، وبالنسبة لهم طيب ملكوه بالإرث بطريق شرعي.

طالب: ...............

ماذا فيه؟

طالب: ...............

لا لا، إذا كان مسروقًا من فلان أو له صاحب له مالك ظلم وعدوان، لا، لكن مجموع المعاملات يعرف أن هذا الشخص يخلِّط في معاملاته، ولا يعرف لهذا المال مالك معيَّن، هذا غير.

طالب: ...............

ماذا يقول؟

طالب: ...............

إذا مات ولم يتب فإثمه عليه، وإن تاب فليس له إلا رأس ماله.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها-: «إنما الولاء لمن أعتق، إنما الولاء لمن أعتق»؛ لأن بريرة كوتبت على تسع أواقٍ، واشترط أهلها الولاء، كاتبوها وولاؤها لهم، فجاءت إلى عائشة -رضي الله عنها- تطلب منها العَون على سداد هذه الأقساط التسعة أواقٍ على تسع سنين فقالت: إن أراد أهلك أن أعدها لهم، يعني نقدًا، ويكون ولاؤك لي فعلت، قالت لهم، قالوا: لا، الولاء لنا، بشرط أن يكون الولاء لنا، حاولوا، ما فيه فائدة، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «اشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق»، هذا الشاهد، إنما الولاء لمن أعتق، البائع ليس له ولاء، فصار ولاؤها لعائشة -رضي الله عنها-.

"متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 وله عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت كان زوج بريرة عبدًا" وهذا الذي اتفق عليه أكثر الرواة.

 "وعن الأسود بن يزيد النخعي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان زوج بريرة حرًّا، كان زوج بريرة حرًّا فخيرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذه رواية الأسود، وخالف فيها رواية الأكثر، وكان هذا من كلامه "كان زوج بريرة حرًّا فخيرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وهذا لفظه، وقال: حديث حسن صحيح، حديث حسن صحيح" يراد بذلك أصل الحديث، وهو التخيير، أما وصف الزوج بأنه حر فهذا شاذ؛ لأنه وإن كان الأسود بن يزيد ثقة إلا أنه خالف الثقات، فوهم في ذلك.

 "قال إبراهيم بن أبي طالب" وهو إمام من حفاظ الحديث من أقران الإمام مسلم "قال إبراهيم بن أبي طالب: خالف الأسود بن يزيد الناس" خالف الأكثر من الثقات الحفاظ الأثبات "في زوج بريرة فقال: إنه حر، وقال الناس: إنه كان عبدًا" على هذا فالراجح أنه عبد، وأنه يثبت لها الخيار، إذا كان زوجها عبدًا ولا خيار لها إذا كان حرًّا.

 "وروى الإمام أحمد بإسناد جيد عن القاسم عن عائشة -رضي الله عنها- أن بريرة كانت تحت هذا العبد" ويشيرون إليه ويسمونه مغيثًا، ويذكرون من حاله أنه كان يتابعها في سكك المدينة ويبكي، يبكي، البكاء لا شك أنه إذا لم يكن من خشية الله فهو عيب بالنسبة للرجال، بالنسبة للرجال نقص إذا لم يكن من خشية الله أو لمصيبة في دين أو في دنيا مما لا يستطيع أن يحتمله الرجل، فإذا مات له حبيب أو قريب كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع»، إلى هذا الحد لا بأس به، لكن يجري وراءها في سكك المدينة ويبكي، ليس هذا من مروءة الرجال.

 لكن استنبط منه بعض الصوفية أن الشخص إذا فقد محبوبه فلا يلام على شيء يتصرف فيه، ولذا يبررون لأنفسهم في مثل هذه الحالة الرقص والأغاني والسماع وغير ذلك يقولون: إن الإنسان يفقد السيطرة على نفسه إذا فني في محبوبه، هذا فني في محبوبته، وصار في سكك المدينة يبكي وكأنه لم يكن حوله أحد، كأن المدينة ليس فيها أحد؛ لأنه فني في محبوبته وقالوا: إن الشخص إذا فني حصلت له حالة الفناء، فإنه لا يلام على ما يتصرف به، ويبررون لأنفسهم ما يزاولونه في زواياهم وغيره.

طالب: ...............

ماذا؟

طالب: ...............

خلاص محبوبه غطى عليه أمر الدنيا كلها، كأنه فقد عقله، وعندهم مرحلة يصلون إليها يسمونها الفناء، الفناء عن السوى، يعني عما سوى الله -جل وعلا-، وهذه حالة لم تحصل للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا حصلت لخيار الأمة، والله المستعان، وهذا كلام ليس بصحيح، كما هو معلوم ومقرر في مكانه.

 "أن بريرة كانت تحت هذا العبد، فلما أعتقتها، فلما أعتقتها قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اختاري»" خيرها «فإن شئت أن تمكثي تحت هذا العبد، وإن شئت أن تفارقيه»، ليس هذا من التنابز بالألقاب، العبد نعم إذا عتق وارتفعت عنه العبودية لا يجوز أن يقال: عبد؛ لأنه وصف ارتفع، لكن مادام موجودًا، كما تقول: هذا الرجل، هذه المرأة، هذا الولد، هذا الكبير، هذا الصغير، هذا العبد، هذا قدره، وهذا ما كتب الله له، هذا وصف حقيقي، وإن كان يتضمن شيئًا من النقص إلا أنه لا يجوز على سبيل التنقص «فإن شئت أن تمكثي تحت هذا العبد، وإن شئت أن تفارقيه» وهذا معنى التخيير السابق.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.