التعليق على تفسير القرطبي - سورة الزمر (01)

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-: "سورة الزمر، وَيُقَالُ سُورَةُ الْغُرَفِ. قَالَ: وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْرِفَ قَضَاءَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي خَلْقِهِ، فَلْيَقْرَأْ سُورَةَ الْغُرَف.

 وَهِيَ مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْد، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِلَّا آيَتَيْنِ نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ إِحْدَاهُمَا {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}، وَالْأُخْرَى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الْآيَةَ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِلَّا سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} إِلَى آخِرِ سَبْعِ آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي وَحْشِيٍّ وَأَصْحَابِهِ عَلَى مَا يَأْتِي. رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:» كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الزُّمَرَ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ.

خرَّجه؟

طالب: أخرجه الترمذي من حديث عائشة، ورجاله كلهم ثقات، وأورد من وجه آخر. انظر تفسير الشوكاني......

غيره؟

طالب:.......

 كأنه يقويه.

"وَهِيَ خَمْسٌ، وَسَبْعُونَ آيَةً، وَقِيلَ: اثْنَتَانِ، وَسَبْعُونَ آيَةً.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}. 

قَوْلُهُ تَعَالَى: }تَنْزِيلُ الْكِتَاب} رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُه {مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِمَعْنَى: هَذَا تَنْزِيلٌ، قَالَه الْفَرَّاء، وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ، وَالْفَرَّاءُ أَيْضًا "تَنْزِيلَ" بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ أَيِ: اتَّبِعُوا، وَاقْرَءُوا "تَنْزِيلَ الْكِتَابِ"، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ عَلَى الْإِغْرَاءِ مِثْلَ قَوْلِهِ: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أَيِ الْزَمُوا، وَالْكِتَابُ الْقُرْآنُ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ" .

التجويز في النصب تنزيلاً مؤولة على ثبوت القراءة، يعني إن ثبتت بُحِث عن وجهها لغةً، وإن لم تثبت، فلا يكفي صحتها بالعربية لإثباتها؛ لأنه قال: قرأ فلان، وفلان، وفلان بالنصب على أنه مفعول به، أو على الإغراء، أو كذا لا بأس، أما التجويز اللغوي، أو النحوي فلا يكفي فيه إثبات القراءة؛ لأنه قال: وأجاز الكسائي، والفراء فلعل بعض الناس يمكن أن يقرأ بها؛ لأن الكسائي، والفراء أجازا ذلك، أجازاه من حيث العربية لا من حيث ثبوت القراءة، وإن كان الكسائي من القراء.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} أَيْ هَذَا تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ، وَقَدْ أَنْزَلْنَاهُ بِالْحَقِّ، أَيْ؛ بِالصِّدْقِ، وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ، وَهَزْلٍ.

 {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا} فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: "مُخْلِصًا" نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَيْ؛ مُوَحِّدًا لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا "لَهُ الدِّينَ" أَيِ الطَّاعَةُ، وَقِيلَ: الْعِبَادَةُ، وَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ. {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} أَيِ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ شَيْءٌ. وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ» أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَتَصَدَّقُ بِالشَّيْءِ، وَأَصْنَعُ الشَّيْءَ أُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، وَثَنَاءَ النَّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ شَيْئًا شُورِكَ فِيهِ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}»، وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي [الْبَقَرَةِ]، وَ[النِّسَاءِ]، وَ[الْكَهْفِ] مُسْتَوْفًى".

الحديث من رواية الحسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، والخلاف معروف عند أهل العلم في سماع الحسن من أبي هريرة، والأكثر على أنه لم يسمع منه، فيكون خبره منقطعًا، وأما معناه، فهو صحيح، وجاء فيه أحاديث، منها «من عمل عملاً أشرك فيه مع غيره تركه تركته وشركه». خرَّجه؟ من رواه؟

طالب:........

نعم.

"الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي كُلِّ عَمَلٍ، وَأَعْظَمُهُ الْوُضُوءُ الَّذِي هُوَ شَطْرُ الْإِيمَانِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ اللَّذَيْنِ يَقُولَانِ: «إِنَّ الْوُضُوءَ يَكْفِي مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَمَا كَانَ لِيَكُونَ مِنَ الْإِيمَانِ شَطْرًا، وَلَا لِيُخْرِجَ الْخَطَايَا مِنْ بَيْنِ الْأَظَافِرِ، وَالشَّعْرِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ».

عامة أهل العلم على أن جميع الأعمال الشرعية لا تصح إلا بالنية، والغايات يتفقون عليها، ويختلفون في الوسائل، وأبو حنيفة يجعل الوضوء من الوسائل، فلا يشترط لصحته نية، بينما يشترط للتيمم النية، لا يصح التيمم عند أبي حنيفة إلا بنية، وإن صح الوضوء، ولا شك أن هذا التفريق لا وجه له، وإن كان الوضوء من القوة بحيث لا يحتاج فيه إلى شيء من القصد بخلاف التيمم كما يقولون، لكن هو باب واحد، كلاهما وسيلة للصلاة، ولذا الأوزاعي عنده أن النية لا تُشترط لا للوضوء، ولا للتيمم، وأبو حنيفة يفرِّق بينهما، والجمهور على أن النية شرطٌ للوضوء، والتيمم معًا.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} يَعْنِي الْأَصْنَامَ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ. أَيْ قَالُوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} قَالَ قَتَادَةُ:  كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ مَنْ رَبُّكُمْ وَخَالِقُكُمْ؟ وَمَنْ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ، وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً؟ قَالُوا: اللَّهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا مَعْنَى عِبَادَتِكُمُ الْأَصْنَامَ؟ قَالُوا: لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، وَيَشْفَعُوا لَنَا عِنْدَهُ، قَالَ الْكَلْبِيُّ:  جَوَابُ هَذَا الْكَلَامِ فِي الْأَحْقَافِ {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً}[الأحقاف:28]، وَالزُّلْفَى الْقُرْبَةُ، أَيْ: لِيُقَرِّبُونَا إِلَيْهِ تَقْرِيبًا، فَوَضعُ الزُلْفَى فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ".

مصدر معنوي مُؤكِد للفعل بالمعنى ليقربونا زلفى؛ يعني قربة، نعم، كما تقول: جلست قعودًا، جلست قعودًا.

"وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَالُوا مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، وَفِي حَرْفِ أُبَي: "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُكمْ إِلَّا لِتقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى"، ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. قَالَ: وَالْحِكَايَةُ فِي هَذَا بَيِّنَةٌ. }إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} أَيْ بَيْنَ أَهْلِ الْأَدْيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

يعني الحكاية على لسان المشركين أنهم قيل لهم، ثم قالوا.

"أَيْ بَيْنَ أَهْلِ الْأَدْيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجَازِي كُلًّا بِمَا يَسْتَحِقُّ. {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} أَيْ مَنْ سَبَقَ لَهُ الْقَضَاءُ بِالْكُفْرِ لَمْ يَهْتَدِ، أَيْ: لِلدِّينِ الَّذِي ارْتَضَاهُ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة:3]، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّة، وَغَيْرِهِمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا}".

ردٌّ على القدرية {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}، فالهداية بيده، الهداية بيده، ومع ذلك جعل للعبد شيئًا من حرية الاختيار، وركَّب فيه ذلك، فليس بمجبور كما تقوله الجبرية، وليس بمستقل بالنظر في الطريقين من غير هداية الله له، أو إضلاله كما تقوله القدرية النفاة.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} أَيْ؛ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ بِهَذَا مَا جَعَلَهُ –عَزَّ وَجَلَّ- إِلَيْهِمْ. "سُبْحَانَهُ" أَيْ تَنْزِيهًا لَهُ عَنِ الْوَلَدِ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ".

ما جعله -جلَّ وعلا- إليهم حيث اختاروا له البنات، ولهم البنين، وجعلوا الملائكة بنات الله، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.

طالب: ..........إذا اجتمعت فيها نية صيام الست، ونية أيام البيض.....

تتداخل، تتداخل.

طالب:..........

وإن كانت مقصودة لذاتها، لكن تتداخل.

طالب: بخلاف في أمور الدنيا هل قضى بشهر؟

ما لم يُقصد الشيء لذاته، يعني لو قال: أقضي ما فاتني من رمضان في أيام البيض قلنا: تتداخل، لكن لو قال: أقضي ما فاتني من رمضان في أيام الست قلنا: لا؛ لأن الست مُكملة لرمضان، ومأمورٌ بإتباعها لرمضان.

طالب: طيب يا شيخ بالنسبة للأمور الدنيوية........طالب أخد شهادة شرعية سيترتب عليها أمور دنيوية كوظيفة.........

لكن لا تكون هي الباعث الأصلي له، لا تكون هي الباعث، وما يأتي تبعًا لها فما فيف إشكال، نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَىَ: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} أَيْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى الْكَمَالِ الْمُسْتَغْنِي عَنِ الصَّاحِبَةِ، وَالْوَلَدِ، وَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَحَقُّهُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعِبَادَةِ لَا أَن يُشْرَكُ بِهِ، وَنَبَّهَ بِهَذَا عَلَى أَنْ لَهُ أَنْ يَتَعَبَّدَ الْعِبَادَ بِمَا شَاءَ، وَقَدْ فَعَلَ".

إن الخالق الرازق هو المُستحق للعبادة، هم خلقه، وعبيده، يأمرهم بما شاء، وينهاهم عما شاء، نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} قَالَ الضَّحَّاكُ: أَيْ: يُلْقِي هَذَا عَلَى هَذَا، وَهَذَا عَلَى هَذَا، وَهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّكْوِيرِ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ طَرْحُ الشَّيْءِ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، يُقَالُ: كَوَّرَ الْمَتَاعَ أَيْ: أَلْقَى بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَمِنْهُ كَوْرُ الْعِمَامَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ".

لأنه يلف بعضها على بعض.

طالب: ما يؤخذ منه يكور الليل على النهار بالنهار........

لا لا، ما لها علاقة.

طالب:................

لا لا، ما يلزم، الجهة منفكة، الأرض غير الليل والنهار.

"وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا فِي مَعْنَى الْآيَةِ. قَالَ: «مَا نَقَصَ مِنَ اللَّيْلِ دَخَلَ فِي النَّهَار، وَمَا نَقَصَ مِنَ النَّهَارِ دَخَلَ فِي اللَّيْلِ». وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:} يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}، وَقِيلَ: تَكْوِيرُ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَارِ تَغْشِيَتُهُ إِيَّاهُ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْءُهُ، وَيَغْشَيَ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ فَيُذْهِبُ ظُلْمَتَهُ، وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا}".  

يعني يغطيه، الليل يغطي النهار، والنهار يغطي الليل، وهكذا، هذا يغطي النهار بظلمته، وذاك يغطي الليل بنوره وضيائه.

"{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَر} أَيْ بِالطُّلُوعِ، وَالْغُرُوبِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ. {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} أَيْ     فِي فَلَكِهِ إِلَى أَنْ تَنْصَرِمَ الدُّنْيَا، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ حِينَ تَنْفَطِرُ السَّمَاءُ، وَتَنْتَثِرُ الْكَوَاكِبُ، وَقِيلَ: الْأَجَلُ الْمُسَمَّى هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَنْتَهِي فِيهِ سَيْرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِلَى الْمَنَازِلِ الْمُرَتَّبَةِ لِغُرُوبِهَا، وَطُلُوعِهَا، قَالَ الْكَلْبِيُّ :يَسِيرَانِ إِلَى أَقْصَى مَنَازِلِهِمَا، ثُمَّ يَرْجِعَانِ إِلَى أَدْنَى مَنَازِلِهِمَا لَا يُجَاوِزَانِهِ،  وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي سُورَةِ [يس].

 {أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ {أَلَا} تَنْبِيهٌ أَيْ: تَنَبَّهُوا، فَإِنِّي أَنَا"الْعَزِيزُ"،"الْغَالِبُ" {الْغَفَّارُ} "السَّاتِرُ" لِذُنُوبِ خَلْقِهِ بِرَحْمَتِهِ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} يَعْنِي آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، ثُمَّ {جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يَعْنِي لِيَحْصُلَ التَّنَاسُلُ، وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي [ الْأَعْرَافِ ] وَغَيْرِهَا. }وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}[الأعراف:189]. {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاج {أَخْبَرَ عَنِ الْأَزْوَاجِ بِالنُّزُولِ؛ لِأَنَّهَا تَكَوَّنَتْ بِالنَّبَاتِ، وَالنَّبَاتُ بِالْمَاءِ الْمُنْزَلِ، وَهَذَا يُسَمَّى التَّدْرِيجُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا}[الأعراف:26] وَقِيلَ: أَنْزَلَ أَنْشَأَ، وَجَعَلَ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر: خَلَقَ، وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ هَذِهِ الْأَنْعَامَ فِي الْجَنَّةِ ثُمَّ أَنْزَلَهَا إِلَى الْأَرْضِ، كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:  }وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ}، فَإِنَّ آدَمَ لَمَّا هَبَطَ إِلَى الْأَرْضِ أُنْزِلَ مَعَهُ الْحَدِيدُ، وَقِيل:} وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَام} أَيْ: أَعْطَاكُمْ، وَقِيلَ: جَعَلَ الْخَلْقَ إِنْزَالًا؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ إِنَّمَا يَكُونُ بِأَمْرٍ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، فَالْمَعْنَى؛ خَلَقَ لَكُمْ كَذَا بِأَمْرِهِ النَّازِلِ. قَالَ قَتَادَةُ: مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ، كُلُّ وَاحِدٍ زَوْجٌ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا.} يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} قَالَ قَتَادَة وَالسُّدِّيُّ: نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ عَظْمًا، ثُمَّ لَحْمًا. قال ابْنُ زَيْدٍ:} خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ{: خَلْقًا فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ مِنْ بَعْدِ خَلْقِكُمْ فِي ظَهْرِ آدَمَ، وَقِيلَ: »فِي ظَهْرِ الْأَبِ، ثُمَّ خَلْقًا فِي بَطْنِ الْأُمِّ، ثُمَّ خَلْقًا بَعْدَ الْوَضْعِ«، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. 

وكل خلق، وكل طور يختلف عن الذي قبله يختلف، فهذا المخلوق في صُلب أبيه يختلف عن وضعه وهو في بطن أمه، ووضعه في بطن أمه يختلف عن وضعه إذا خرج في أطوار متعددة؛ طفل، ثم شاب، ثم كهل، ثم شيخ، ثم الهرم، ثم الموت، والله المستعان.

 "{فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ}  ظُلْمَةُ الْبَطْنِ، وَظُلْمَةُ الرَّحِمِ، وَظُلْمَةُ الْمَشِيمَةِ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَالَ ابْنُ جُبَيْر: ظُلْمَةُ الْمَشِيمَةِ، وَظُلْمَةُ الرَّحِمِ، وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَقِيلَ: ظُلْمَةُ صُلْبِ الرَّجُلِ".

لأن معنى الآية ينتهي بالنهار، فيكون لها وقع بالنهار إذا علقناه بالليل.

"وَقِيلَ: ظُلْمَةُ صُلْبِ الرَّجُلِ، وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْمَرْأَةِ، وَظُلْمَةُ الرَّحِمِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي عُبَيْدَةَ، أَيْ: لَا تَمْنَعُهُ الظُّلْمَةُ كَمَا تَمْنَعُ الْمَخْلُوقِينَ {ذَلِكُمُ اللَّهُ} أَيِ الَّذِي خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ".

نعم الله –جل وعلا- إذا أراد خلق شيء لا يحول دونه شيء، فهو يخلق في هذه الظلمات، والمخلوق إذا أراد أن يصنع شيء فلا بد أن يراه ليتصرف فيه.  

"{ذَلِكُمُ اللَّهُ} أَيِ الَّذِي خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ }رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُون} أَيْ؛ كَيْفَ تَنْقَلِبُونَ، وَتَنْصَرِفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِهِ، وقرأ حمزة: "إمهاتكم" بكسر الهمزة، والميم، والكسائي بكسر الهمزة، وفتح الميم، والباقون بضم الهمزة، وفتح الميم".

نعم جمع أم، وهذا في بني آدم، وتُجمع الأم من غير بني آدم على أمات بدون هاء. 

طالب:............

يوم كسنة، يوم كسنة هذا الأصل.

طالب: .........

وهذا الأصل، يعني يطول ليله، ويطول نهاره.

}"إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ{  شَرْطٌ، وَجَوَابُهُ، }وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ{  أَيْ: إِنْ يَكْفُرُوا أَيْ: لَا يُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالسُّدِّيّ: مَعْنَاهُ؛ لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْكُفْرَ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِم: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الحجر:42]، وَكَقَوْلِه:{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ}[الإنسان:6] أَيِ: الْمُؤْمِنُونَ. وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الرِّضَى، وَالْإِرَادَةِ". 

يعني على من يلتبس عليه الأمر في الإرادة الكونية، والإرادة الشرعية، الإرادة الكونية يقع مقتضاها، ولو لم يكن مرادًا لله –جل وعلا- إرادة شرعية، من ذلك: كفر الكافر أراده كونًا قدره عليه، لكنه لا يحبه ولا يرضاه، {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}[الزمر:7]، وتجتمع الإرادتان في إيمان المؤمن أراده كونًا، وأراده شرعًا.

"وَقِيلَ: لَا يَرْضَى الْكُفْرَ وَإِنْ أَرَادَهُ، فَاللَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ الْكُفْرَ مِنَ الْكَافِرِ، وَبِإِرَادَتِهِ كَفَرَ، لَا يَرْضَاهُ، وَلَا يُحِبُّهُ، فَهُوَ يُرِيدُ كَوْنُ مَا لَا يَرْضَاهُ، وَقَدْ أَرَادَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- خَلْقَ إِبْلِيسَ، وَهُوَ لَا يَرْضَاهُ فَالْإِرَادَةُ غَيْرُ الرِّضَا. وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّة.

 قَوْلُهُ تَعَالَى:} وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ {أَيْ يَرْضَى الشُّكْرَ لَكُمْ؛ لِأَنَّ }تَشْكُرُوا{ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي الشُّكْرِ فِي [ الْبَقَرَةِ ]، وَغَيْرِهَا، وَيَرْضَى بِمَعْنَى يُثِيبُ، وَيُثْنِي، فَالرِّضَا عَلَى هَذَا إِمَّا ثَوَابُهُ، فَيَكُونُ صِفَةَ فِعْلِ }لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ{، وَإِمَّا ثَنَاؤُهُ فَهُوَ صِفَةُ ذَاتٍ، وَ"يَرْضَهْ" بِالْإِسْكَانِ فِي الْهَاءِ قَرَأَ أَبُو جَعْفَر،ٍ وَأَبُو عَمْرٍو، وَشَيْبَةُ، وَهُبَيْرَةُ عَنْ عَاصِمٍ، وَأَشْبَعَ الضَّمَّةَ ابْنُ ذَكْوَانَ، وَابْنُ كَثِير،ٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَالْكِسَائِيّ، وَوَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ وَاخْتَلَسَ الْبَاقُونَ".   

{يَرْضَهُ لَكُمْ} بدون إشباع.                     

}"وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور}  تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، قوله تعالى:} وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ {يَعْنِي؛ الْكَافِرَ".

}وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} يعني كل إنسان مُحاسب على عمله، ولا يحاسب بجريرة غيره اللهم إلا إذا كان سببًا في ذلك، إذا كان سببًا في ذلك، وهو محاسب على عمله، ومن سن سنة سيئة، فعليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

طالب: يرضى بمعنى يثيب؟ ما دخل في تأويل الصفة؟

صفة الرضى ثابتة لله -جل وعلا-، الأدلة قطعية من نصوص الكتاب والسنة على ما يليق بجلاله، وعظمته، وأما الإثابة، فهي لازم الصفة، لازم الصفة، وليس معناها.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ} يَعْنِي الْكَافِرَ {ضُرٌّ} أَيْ شِدَّةٌ مِنَ الْفَقْرِ، وَالْبَلَاءِ { دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ } أَيْ رَاجِعًا إِلَيْهِ مُخْبِتًا مُطِيعًا لَهُ، مُسْتَغِيثًا بِهِ فِي إِزَالَةِ تِلْكَ الشِّدَّةِ عَنْهُ. { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ } أَيْ أَعْطَاهُ، وَمَلَّكَهُ، يُقَالُ: خَوَّلَكَ اللَّهُ الشَّيْءَ أَيْ: مَلَّكَكَ إِيَّاهُ، وَكَانَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ يُنْشِدُ: 

هُنَالِكَ إِنْ يُسْتَخْوَلُوا الْمَالَ يُخْوِلُوا

وَإِنْ يَسْأَلُوا يُعْطَوْا وَإِنْ يَيْسِرُوا يُغْلُوا"
 

ييسروا يعني يقامرون بالميسر، يغلوا يعني يأخذون عِوَض القمار الغالي.

"وَخَوَلُ الرَّجُلِ: حَشَمُهُ، الْوَاحِدُ خَائِلٌ. قَالَ أَبُو النَّجْمِ: 

أَعْطَى فَلَمْ يَبْخَلْ وَلَمْ يُبَخَّلِ
 

كُومَ الذُّرَى مِنْ خَوَلِ الْمُخَوَّلِ
  

{نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ {".

كُومَ الذُّرَى يعني كبار الأسنام من الإبل المراد بذلك الكريمات عند أهلها.

}"نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ {أَيْ نَسِيَ رَبَّهُ الَّذِي كَانَ يَدْعُوهُ مِنْ قَبْلُ فِي كَشْفِ الضُّرِّ عَنْهُ. فَ"مَا" عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَهِيَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَقِيلَ: بِمَعْنَى مَنْ كَقَوْلِهِ: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون:3]، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ".

يعني الأصل في "ما" أنها لغير العاقل، و"من" للعاقل، لكن تأتي هذه بمعنى هذه، وتأتي هذه بمعنى هذه، كأنهم لما نسوه، وعبدوا غيره تنقصوه، لما عبدوا غيره، وصرفوا العبادة لغيره كأنهم تنقصوه، فجعلوه بمنزلة من لا يعقل تعالى الله.

"وَقِيلَ: نَسِيَ الدُّعَاءَ الَّذِي كَانَ يَتَضَرَّعُ بِهِ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-. أَيْ: تَرَكَ كَوْنَ الدُّعَاءِ مِنْهُ إِلَى اللَّهِ ، فَمَا، وَالْفِعْلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَصْدَر.وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا{ أَيْ أَوْثَانًا، وَأَصْنَامًا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي أَنْدَادًا مِنَ الرِّجَالِ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِمْ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمْ. }لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ{  أَيْ لِيَقْتَدِيَ بِهِ الْجُهَّالُ.} قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا {أَيْ قُلْ لِهَذَا الْإِنْسَانِ }تَمَتَّعْ{، وَهُوَ أَمْرُ تَهْدِيدٍ، فَمَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ. }إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ{ أَيْ مَصِيرُكَ إِلَى النَّارِ".

لأن الأمر يأتي للوجوب، ويأتي للاستحباب، ويأتي للتكوين، ويأتي للتسخير، ويأتي للتهديد اصنعوا ما شئتم {تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا}[الزمر:8] يعني افعل ما شئت حتى إذا أتاك يومك الموعود يوم القيامة رأيت غِبَّ تمتعك هذا.

"قَوْلُهُ تَعَالَى:} أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ{ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ كَالْكَافِرِ الَّذِي مَضَى ذِكْرُهُ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَعَاصِمٌ، وَالْكِسَائِيُّ أَمَّنْ بِالتَّشْدِيدِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَيَحْيَى بْنُ، وَثَّابٍ، وَالْأَعْمَشُ، وَحَمْزَةُ: "أَمَنْ هُوَ" بِالتَّخْفِيفِ عَلَى مَعْنَى النِّدَاءِ، كَأَنَّهُ قَالَ: يَا مَنْ هُوَ قَانِتٌ. قَالَ الْفَرَّاء :الْأَلِفُ بِمَنْزِلَةِ يَا، تَقُولُ: يَا زَيْدُ أَقْبِلْ، وَأَزَيْدُ أَقْبِلْ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ سِيبَوَيْهِ وَجَمِيعِ النَّحْوِيِّينَ، كَمَا قَالَ أَوْسُ بْنُ حُجْر:ٍ  

أَبَنِي لُبَيْنَى لَسْتُمُ بِيَدٍ
 

إِلَّا يَدًا لَيْسَتْ لَهَا عَضُدُ
  

وَقَالَ آخَرُ وهُوَ ذُو الرُّمَّةِ: 

أَدَارًا بِحُزْوَى هِجْتِ لِلْعَيْنِ عَبْرَةً
 

فَمَاءُ الْهَوَى يَرْفَضُّ أَوْ يَتَرَقْرَقُ
  

والتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا: }قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ{  يَا مَنْ هُوَ قَانِتٌ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ".

يعني لتتم المقابلة بين الفريقين.

"كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: فُلَانٌ لَا يُصَلِّي، وَلَا يَصُومُ، فَيَا مَنْ يُصَلِّي، وَيَصُومُ أَبْشِرْ، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْأَلِفَ فِي {أَمَّن} أَلِفُ اسْتِفْهَامٍ أَيْ: }أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ{ أَفْضَلُ؟ أَمْ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا؟ وَالتَّقْدِيرُ: الَّذِي هُو قَانِتٌ خَيْرٌ. وَمَنْ شَدَّدَ }أَمَّنْ{،  فَالْمَعْنَى: الْعَاصُونَ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُمْ خَيْرٌأَمَّنْ هُوَ قَانِت{، فَالْجُمْلَةُ الَّتِي عَادَلَتْ }أَمْ{ مَحْذُوفَةٌ، وَالْأَصْلُ أَمْ مَنْ، فَأُدْغِمَتْ فِي الْمِيم. قال النَّحَّاسُ: وَأَمْ بِمَعْنَى بَلْ، وَمَنْ بِمَعْنَى الَّذِي، وَالتَّقْدِيرُ: أَمِ الَّذِي هُوَ قَانِتٌ أَفْضَلُ مِمَّنْ ذُكِرَ، وَفِي قَانِتٍ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ الْمُطِيع، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، الثَّانِي: أَنَّهُ الْخَاشِعُ فِي صَلَاتِهِ، قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ".

 طالب: .........

نعم، الأول أنه مطيع قاله: ابن مسعود، يعني في معاني القنوت ذكر بعده وجوهًا، وذكر غيره أكثر من ذلك.

طالب: ابن مسعود الأول؟

قاله ابن مسعود.

"وَفِي قَانِتٍ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: »أَنَّهُ الْمُطِيع«، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، الثَّانِي: »أَنَّهُ الْخَاشِعُ فِي صَلَاتِهِ«، قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ، الثَّالِثُ: »أَنَّهُ الْقَائِمُ فِي صَلَاتِهِ«، قَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ، الرَّابِعُ: »أَنَّهُ الدَّاعِي لِرَبِّهِ«، وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ يَجْمَعُ ذَلِكَ".

المطيع يجمع الداعي والقائم، يجمع الجميع جميع أنواع ما قيل في القنوت، والذي منه طول القيام، جاء تفسيره بأنه طول القيام.

"وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:» أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ قُنُوتٍ فِي الْقُرْآنِ، فَهُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ-»".

ما يثبت هذا، ماذا قال؟

طالب:..........

نعم واضح واضح.

"وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:» أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: طُولُ الْقُنُوتِ»، وَتَأَوَّلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ طُولُ الْقِيَامِ. وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ سُئِلَ عَنِ الْقُنُوتِ، فَقَالَ: »مَا أَعْرِفُ الْقُنُوتَ إِلَّا طُولَ الْقِيَامِ، وَقِرَاءَةَ الْقُرْآن«، وقال مُجَاهِدٌ:» مِنَ الْقُنُوتِ طُولُ الرُّكُوعِ وَغَضُّ الْبَصَرِ«. وَكَانَ الْعُلَمَاءُ إِذَا وَقَفُوا فِي الصَّلَاةِ غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ".

يعني عما يشغلهم ويلهيهم.

"وَخَضَعُوا، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا فِي صَلَاتِهِمْ، وَلَمْ يَعْبَثُوا، وَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِلَّا نَاسِينَ. قَالَ النَّحَّاسُ :أَصْلُ هَذَا أَنَّ الْقُنُوتَ الطَّاعَةُ، فَكُلُّ مَا قِيلَ فِيهِ فَهُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي الطَّاعَةِ، وَمَا هُوَ أَكْثَرَ مِنْهَا كَمَا قَالَ نَافِعٌ :قَالَ لِيَ ابْنُ عُمَرَ:» قُمْ فَصَلِّ، فَقُمْتُ أُصَلِّي، وَكَانَ عَلَيَّ ثَوْبٌ خَلِقٌ، فَدَعَانِي فَقَالَ لِي: أَرَأَيْتَ لَوْ وَجَّهْتُكَ فِي حَاجَةٍ أَكُنْتَ تَمْضِي هَكَذَا؟ فَقُلْتُ: كُنْتُ أَتَزَيَّنُ، قَالَ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لَه، وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الْقَانِتِ هَا هُنَا فَذَكَرَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ". 

لاحظ في كثير من الناس أنه يأتي لصلاة الفجر بثياب النوم، وإذا أراد أن يذهب إلى عمله، أو إلى وظيفته تغير وضعه تزيَّن، والله –جل وعلا- يقول: }خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف:31] يعني عند كل صلاة.

"وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الْقَانِتِ هَاهُنَا، فَذَكَرَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ عَنْهُ: هُوَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هُوَ عُثْمَانُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ،وقال الْكَلْبِيُّ،صُهَيْبٌ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَنِ الْكَلْبِيِّ أَيْضًا أَنَّهُ مُرْسَلٌ فِيمَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ.آنَاءَ اللَّيْلِ} قَالَ الْحَسَنُ: سَاعَاتُهُ، أَوَّلُهُ، وَأَوْسَطُهُ، وَآخِرُهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: }آنَاءَ اللَّيْلِ{جَوْفُ اللَّيْلِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:» مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهَوِّنَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْوُقُوفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلْيَرَهُ اللَّهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ سَاجِدًا، وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ، وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ «وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ، وَقَوْلُ الْحَسَنِ عَامٌّ". 

وهو الأقرب، آناء الليل ساعاته من أوله، وأوسطه، وآخره، والله المستعان.

" }يَحْذَرُ الْآخِرَةَ{ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَيْ عَذَابَ الْآخِرَةِ،وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ{ أَيْ نَعِيمَ الْجَنَّةِ وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ» أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَتَمَادَى فِي الْمَعَاصِي، وَيَرْجُو، فَقَالَ: هَذَا مُتَمَنٍّ وَلَا يَقِفُ« ".

الرجا، الرجاء الذي ينفع صاحبه هو الذي يبعثه على العمل، هو الذي يبعثه على العمل، وأما الرجاء من دون عمل، فهو أمن من مكر الله، والخوف الذي ينفع صاحبه هو الذي يحضُّه، ويحثُّه على العمل، يبعثه على العمل، أما الخوف المجرد من العمل، فهذا الذي يؤدي به إلى القنوط من رحمة الله، واليأس.   

"وَلَا يَقِفُ عَلَى قَوْلِهِ: }رَحْمَةَ رَبِّهِ{  مَنْ خَفَّفَ }أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ{  عَلَى مَعْنَى النِّدَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ{ مُتَّصِلٌ إِلَّا أَنْ يُقَدَّرَ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَهُوَ أَيْسَرُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. قَالَ الزَّجَّاج :أَيْ: كَمَا لَا يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ، وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ كَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْمُطِيعُ، وَالْعَاصِي. وَقَالَ غَيْرُهُ: الَّذِينَ يَعْلَمُونَ هُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِعِلْمِهِمْ، وَيَعْمَلُونَ بِهِ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِعِلْمِهِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَعْلَم} إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ{ أَيْ؛ أَصْحَابُ الْعُقُولِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ".

لما العلم إذا لم ينفع صاحبه فهو وبال عليه، وجدير أن يسمى جهلًا مُركبًا، وليس بعلم في الحقيقة؛ لأن العلم ما نفع، العلم ما نفع، وأما الذي يضر فليس بعلم، فماذا عمن يعلم أن هذا حرام، فيرتكب أو هذا واجب فيترك؟ هذا ليس بعلم، هذا عمله مُكذب لقوله، وإن أفتى الناس، وإن قال: إن هذا حلال، وهذا حرام، العبرة بما يُصدِّقه العمل، ولذا ما يحمله الفساق من العلم، وإن سُمي علمًا، وإن كان مبنيًا على أصول، وقواعد، وضوابط، ولديه القدرة أن يشارك في كثير من العلوم هذا ليس بعالم، {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ}[النساء:17]، هل يلزم منه أن لا يعرف الحكم؟ يعني التوبة خاصة لمن ارتكب المعصية، وهو لا يعرف حكمها؟ لا، من عصى الله فهو جاهل، من عصى الله، فهو جاهل.

طالب:................بالنسبة لمن.

 في هذا إشارة إلى أن أهل العلم هم أهل العمل، وهم أهل القيام قيام الليل، وأما الذي لا يعمل، ولا يقوم الليل، ولا يترك المحرمات فهذا ليس بعالم بل هو جاهل.

طالب: بما يختص يا شيخ بالتعليم.................الجهة الوظيفية ما تبرأ الذمة يبلغ العلم.

يعني ليأخذ عليها أجرًا؟

طالب: نعم...، أو أبرأ الذمة يا شيخ، أو قال يزيد على هذا.

هو منه ما هو واجب يتعين عليه بذله، وهو ما يأخذ عليه أجرًا، وما عدا ذلك ينظر، هل قام به من يكفي، فيكون في حقه سنة؟ وإذا لم يقم به من يكفي، فهو كغيره من فروض الكفايات، يأثم إذا تركه، يأثم إذا تركه، لكن يلاحظ على كثير من المشاركين في البذل أنهم بعضهم يخل بما أوجب الله عليه، تجده يخل بالواجب الذي هو الوظيفة، ويكثر من البذل في غيرها مما قد يقوم الواجب بغيره، وقد يسقط الواجب به، يعني يُعرف أناس من أهل العلم، والفضل، والبذل، تجد في عمله شيئًا من الخلل، وإذا نظرت إليه في الأمور الأخرى تجده من خيار الناس، ومن أكثرهم بذلاً، وعطاءً، وتجد بعض الناس حريصًا على أداء ما أوجب الله عليه مما يأخذ عليه أجرًا، وإذا بحثت عنه في المواطن الأخرى لم تجده ألبتة، فأيهما أفضل؟ يعني إذا كان بذله غير الواجب علية أضعاف، أضعاف ما أخلَّ به من عمله الوظيفي، ونفعه العام المتعدي أكثر بكثير مما، وُكل إليه مما يؤخذ عليه أجر. يعني إذا نظرنا أن أهم ما على الإنسان أن تبرأ ذمته مما وجب عليه «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ أحد بِأَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ»، هذا من جهة.

 الجهة الثانية: أن النوافل تكمل نقص الفرائض، النوافل تسدّد الخلل الواقع في الفرائض، ولذا شرعت الرواتب، النوافل بعد الصلاة لتكميل ما فيها من نقص، وعلى الإنسان أن يسعى على تكميل الجميع، يحرص على أداء ما أوجب الله عليه، ويحرص على النفع فيما عدا ذلك، لكن إذا لم يستطع التوفيق؟ إذا لم يستطع التوفيق؟

يعني تجد بعض الناس وهو في مكتبه لا شك أنه موجود في المكتب، لكن تجده يتصل على فلان، ويكتب خطابًا لفلان، والجهة الفلانية، كلها أمور خير، ونافعة، ويتصل لفلان ينسق محاضرة، وهذا ينسق له، وهذا زيارة، وكذا للنفع، وآخر لا يصنع شيئًا من ذلك، لكنه على الكرسي من أول الدوام إلى آخره يستقبل المراجعين، ولا يخلّ بشيء من الدوام.

 على كل حال كلها مطلوبة شرعًا، ما شُرعت النوافل إلا لتكميل الفرائض، وتسديد الخلل الواقع فيها، وأما الموازنة فتحتاج إلى نظر الإنسان بعينه.

طالب:........بعضهم يرى أنه يعني للحق أصل.........أنه يأخذ الراتب ليس من أجل الوظيفة من أجل.......

لا، لا، هي مقاضاة، هي إجارة، راتب في مقابل عمل، وأما كونه له نصيب من بيت المال، أو مما يأخذه بالطرق المشروعة، يأخذه بالطرق المشروعة، إلا إذا لو كُتب له مثلاً جاءه وُجد اسمه في المُسَيَّر خارج الدوام، أو في الانتدابات، وهو ما راح ما يجوز أن يأخذ، ولو كان له نصيب من بيت المال، ولو كان ما يجوز أن يأخذ؛ لأنه كالمشروط، يعني كأنه قيل له: إن كنت ممن عمل خارج الدوام، فهذا لك.

طالب:........ فتقول جاز على الوقت نفسه وقت العمل، أو على العمل بعينه يعني أحيانًا يكون وقت العمل.

لا، هو عليهما معًا، عليهما معًا.

طالب:..................

هذا إذا جلس تبرأ ذمته، هو مؤجر من سبعة ونصف لثنتين ونصف، مقتطع هذا من وقته، نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} أَيْ؛ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِعِبَادِيَ الْمُؤْمِنِينَ {اتَّقُوا رَبَّكُمْ} أَيِ اتَّقُوا مَعَاصِيهِ، وَالتَّاءُ مُبْدَلَةٌ مِنْ وَاوٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ".

لأن الأصل المادة وقى، وقى.

"وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِب، وَالَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ إِلَى الْحَبَشَةِ، ثُمَّ قَالَ:} لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} يَعْنِي بِالْحَسَنَةِ الْأُولَى الطَّاعَةَ، وَبِالثَّانِيَةِ الثَّوَابَ فِي الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةٌ، فِي الدُّنْيَا حَسَنَةٌ فِي الدُّنْيَا يَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى ثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَالْحَسَنَةُ الزَّائِدَةُ فِي الدُّنْيَا الصِّحَّةُ، وَالْعَافِيَةُ، وَالظَّفَرُ، وَالْغَنِيمَةُ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ قَدْ نَالَ نِعَمَ الدُّنْيَا".

بل قد ينال منها أكثر مما يناله المطيع، المؤمن المطيع، ولذلك تجد الكافر يُنعَّم في الدنيا، وقد يُضيِّق على المسلم، ويُبتلى بالمصائب، كل هذا من أجل أن يوفَّى له نصيبٌ في الآخرة، ويكافأ الكافر على ما يصنعه من معروف في دنياه بحيث لا يجد شيئًا منها في الآخرة.

"قُلْتُ: وَيَنَالُهَا مَعَهُ الْمُؤْمِنُ، وَيُزَادُ الْجَنَّةَ إِذَا شَكَرَ تِلْكَ النِّعَمَ، وَقَدْ تَكُونُ الْحَسَنَةُ فِي الدُّنْيَا الثَّنَاءَ الْحَسَنَ، وَفِي الْآخِرَةِ الْجَزَاءَ. {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ{، فَهَاجِرُوا فِيهَا، وَلَا تُقِيمُوا مَعَ مَنْ يَعْمَلُ بِالْمَعَاصِي، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى فِي [النِّسَاءِ]، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَرْضُ الْجَنَّةِ، رَغَّبَهُمْ فِي سَعَتِهَا وَسَعَةِ نَعِيمِهَا، كَمَا قَال: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ}[آل عمران:133]، وَالْجَنَّةُ قَدْ تُسَمَّى أَرْضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ}[الزمر:74]، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، فَهُوَ أَمْرٌ بِالْهِجْرَةِ. أَيِ: ارْحَلُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى حَيْثُ تَأْمَنُوا، قال الْمَاوَرْدِيُّ:  يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِسَعَةِ الْأَرْضِ سَعَةَ الرِّزْقِ؛ لِأَنَّهُ يَرْزُقُهُمْ مِنَ الْأَرْضِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَرِزْقُ اللَّهِ وَاسِعٌ، وَهُوَ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ سَعَتَهَا مَخْرَجَ الِامْتِنَانِ. 

قُلْتُ: فَتَكُونُ الْآيَةُ دَلِيلًا عَلَى الِانْتِقَالِ مِنَ الْأَرْضِ الْغَالِيَةِ، إِلَى الْأَرْضِ الرَّاخِيَةِ، كَمَا قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كُنْ فِي مَوْضِعٍ تَمْلَأُ فِيهِ جِرَابَكَ خُبْزًا بِدِرْهَمٍ. {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أَيْ؛ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَقِيلَ: يُزَادُ عَلَى الثَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُعْطِيَ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ لَكَانَ بِحِسَابٍ، وَقِيلَ: }بِغَيْرِ حِسَابٍ{ أَيْ: بِغَيْرِ مُتَابَعَةٍ، وَلَا مُطَالَبَةٍ، كَمَا تَقَعُ الْمُطَالَبَةُ بِنَعِيمِ الدُّنْيَا، وَ}الصَّابِرُونَ{ هُنَا الصَّائِمُونَ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مُخْبِرًا عَنِ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ-» الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ « قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ".

هذا تفسير بالمثال، وإلا فالصبر أعظم، وأوسع، وأشمل من مجرد الصيام، والصوم باب من أبوابه، والصبر على عبادة الله –جل وعلا-، وطاعته باب من أبواب الصبر، والصبر عن معاصيه أيضًا باب، والصبر على أقداره أيضًا باب، ويعم هذه الأبواب كلها.

"قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: كُلُّ أَجْرٍ يُكَالُ كَيْلًا، وَيُوزَنُ وَزْنًا إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ يُحْثَى حَثْوًا، وَيُغْرَفُ غَرْفًا، وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} قَالَ: »هُو فيَ الصَّبْرُ عَلَى فَجَائِعِ الدُّنْيَا وَأَحْزَانِهَا«، وَلَا شَكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ سَلَّمَ فِيمَا أَصَابَهُ، وَتَرَكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ، فَلَا مِقْدَارَ لِأَجْرِهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا وَاللَّهِ مَا هُنَاكَ مِكْيَالٌ وَلَا مِيزَانٌ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ: »تُنْصَبُ الْمَوَازِينُ فَيُؤْتَى بِأَهْلِ الصَّدَقَةِ فَيُوَفَّوْنَ أُجُورَهُمْ بِالْمَوَازِينِ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ وَالْحَجِّ، وَيُؤْتَى بِأَهْلِ الْبَلَاءِ فَلَا يُنْصَبُ لَهُمْ مِيزَانٌ، وَلَا يُنْشَرُ لَهُمْ دِيوَانٌ، وَيُصَبُّ عَلَيْهِمُ الْأَجْرُ بِغَيْرِ حِسَابٍ« قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} حَتَّى يَتَمَنَّى أَهْلُ الْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا أَنَّ أَجْسَادَهُمْ تُقْرَضُ بِالْمَقَارِيضِ مِمَّا يَذْهَبُ بِهِ أَهْلُ الْبَلَاءِ مِنَ الْفَضْلِ". 

مخرج؟

طالب: قال: أخرجه ابن مردويه والثعلبي كما في تخريج الكشاف من حديث أنس، وقال الحافظ: إسناده ضعيف جدًّا، وذكره البغوي في تفسيره بدون إسناد، وبصيغة التمريض.

نعم. 

"وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-  يَقُولُ: «أَدِّ الْفَرَائِضَ تَكُنْ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ، وَعَلَيْكَ بِالْقُنُوعِ تَكُنْ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ، يَا بُنَيَّ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يُقَالُ لَهَا شَجَرَةُ الْبَلْوَى، يُؤْتَى بِأَهْلِ الْبَلَاءِ، فَلَا يُنْصَبُ لَهُمْ مِيزَانٌ، وَلَا يُنْشَرُ لَهُمْ دِيوَانٌ، يُصَبُّ عَلَيْهِمُ الْأَجْرُ صَبًّا، ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب«{  وَلَفْظُ صَابِرٍ يُمْدَحُ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ صَبَرَ عَنِ الْمَعَاصِي، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنَّهُ صَبَرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ قُلْتَ: صَابِرٌ عَلَى كَذَا، قَالَه النَّحَّاسُ، وَقَدْ مَضَى فِي [الْبَقَرَةِ] مُسْتَوْفًى".

يعني يفرق بين صبر عن كذا، وصبر على كذا، إذا صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية لأنه قال: وإذا أردت أنه صبر، وإنما هو لمن صبر عن المعاصي، وإذا أردت أنه صبر على المصيبة، أو على الطاعة قلت: صابر على كذا، صابر على الصيام، صابر على القيام، أو صابر على الأقدار، أما عن المعاصي فكأنه يقصر دونها، كأنه يقصر دونها.

"قَوْلُهُ تَعَالَى:} قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ {تَقَدَّمَ أَوَّلَ السُّورَةِ.} وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَكَذَلِكَ كَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ خَالَفَ دِينَ آبَائِهِ، وَخَلَعَ الْأَصْنَامَ، وَحَطَّمَهَا، وَأَسْلَمَ لِلَّهِ وَآمَنَ بِهِ، وَدَعَا إِلَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: }لِأَنْ أَكُونَ{  صِلَةٌ زَائِدَةٌ. قَالَه الْجُرْجَانِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَامُ أَجْلٍ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ: أُمِرْتُ بِالْعِبَادَةِ؛ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ تَعَالَى:} قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ{".

قوله: لأن أكون (لام صلة زائدة)؛ لأنه يستقيم الكلام بدونها، أمرت أن أكون كما قال: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ{، وزيدت (اللام) هنا للتأكيد؛ لأنه لا يوجد زائد من حيث اللفظ والمعنى، القرآن مصون من الزيادة والنقصان، لكن من حيث استقامة الكلام يستقيم، فإذا أضيف إليه هذا الحرف زاده تأكيدًا.

"وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ: أُمِرْتُ بِالْعِبَادَةِ؛ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ{ يُرِيدُ عَذَابَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَه حِينَ دَعَاهُ قَوْمُهُ إِلَى دِينِ آبَائِهِ، قَالَه أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَقَال َأَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:} لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّر{ [الفتح:2]، فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُغْفَرَ ذَنْبُ النَّبِيِّ -عليه الصلاة والسلام-، }مُخْلِصًا لَهُ دِينِي}".

يعني مفعول مقدم منصوب على أنه معمول لأعبد مقدم.

"}مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} طَاعَتِي وَعِبَادَتِي.} فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} أَمْرُ تَهْدِيدٍ، وَوَعِيدٍ، وَتَوْبِيخٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:} اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ{ وَقِيلَ: مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:} قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ{ قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:» لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ لَهُ زَوْجَةً فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا دَخَلَ النَّارَ خَسِرَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ  «فِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:» فَمَنْ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ الْمَنْزِلُ، وَالْأَهْلُ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ«، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ}[المؤمنون:10]".

يعني يرث ما أُعد لغيره ممن لم يؤمن، كل مخلوق على ما ذَكَر خلق الله له زوجة في الجنة، فإن آمن وأسلم، وعمل صالحًا استحقها، وإلا فإنها تورث من قِبل غيره.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: }لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} سَمَّى مَا تَحْتَهُمْ ظُلَلًا؛ لِأَنَّهَا تَظِلُّ".

تُظِلٌ من تحتهم.

"تُظِلُّ مَنْ تَحْتَهُمْ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَاد،ٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ}[الأعراف:41]، وَقَوْلِهِ: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}[العنكبوت:55].

ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ}  قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْلِيَاءَهُ }يَا عِبَادِ{ أَيْ؛ يَا أَوْلِيَائِي، {فَخَافُونِ}، وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ فِي الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَقِيلَ: خَاصٌّ بِالْكُفَّار".ِ

نعم هو العموم، هو الأصل؛ لأن التخويف للجميع، فمن وُفِّق وخاف، فله جزاؤه، ومن لم يُوفق، ولم يتلفت، ولم يرعوي فهذا له –نسأل الله العافية- في عذابه.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: }وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا}  قَالَ الْأَخْفَشُ: الطَّاغُوتُ جَمْعٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً مُؤَنَّثَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ. أَيْ: تَبَاعَدُوا مِنَ الطَّاغُوتِ، وَكَانُوا مِنْهَا عَلَى جَانِبٍ، فَلَمْ يَعْبُدُوهَا. وقَالَ مُجَاهِد،ٌ وَابْنُ زَيْد: هُوَ الشَّيْطَانُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيّ: هُوَ الْأَوْثَانُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ الْكَاهِنُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ مِثْلَ طَالُوتَ، وَجَالُوتَ، وَهَارُوتَ، وَمَارُوتَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ اسْمٌ عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنَ الطُّغْيَانِ، وَ}أَنْ{ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بَدَلًا مِنَ الطَّاغُوتِ، تَقْدِيرُهُ: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا عِبَادَةَ الطَّاغُوتِ.

} وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ} أَيْ؛ رَجَعُوا إِلَى عِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ.} لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بِالْجَنَّةِ فِي الْعُقْبَى، رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدٍ، وَسَعِيدٍ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-، سَأَلُوا أَبَا بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَأَخْبَرَهُمْ بِإِيمَانِهِ، فَآمَنُوا. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي زَيْدِ بْنِ عَمْرِو، بْنِ نُفَيْلٍ ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ وَحَّدَ اللَّهَ تَعَالَى قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 وَقَوْلُهُ:فَبِشَرِّ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاس: هُوَ الرَّجُلُ يَسْمَعُ الْحَسَنَ وَالْقَبِيحَ فَيَتَحَدَّثُ بِالْحَسَنِ وَيَنْكَفُّ عَنِ الْقَبِيحِ فَلَا يَتَحَدَّثُ بِهِ. وَقِيلَ: يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن، وَغَيْرَهُ فَيَتَّبِعُونَ الْقُرْآنَ. وَقِيلَ: يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ، وَأَقْوَالَ الرَّسُولِ، {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} أَيْ: مُحْكَمَهُ، فَيَعْمَلُونَ بِهِ، وَقِيلَ: يَسْتَمِعُونَ عَزْمًا، وَتَرْخِيصًا، فَيَأْخُذُونَ بِالْعَزْمِ دُونَ التَّرْخِيصِ، وَقِيلَ: يَسْتَمِعُونَ الْعُقُوبَةَ الْوَاجِبَةَ لَهُمْ، وَالْعَفْوَ، فَيَأْخُذُونَ بِالْعَفْوِ، وَقِيلَ: إِنَّ أَحْسَنَ الْقَوْلِ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْآيَةَ فِيمَنْ وَحَّدَ اللَّهَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي زَيْدِ بْن عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيّ ِوَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، }اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ{ أَنْ يَعْبُدُوهَا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، وَاتَّبَعُوا أَحْسَنَ مَا صَارَ مِنَ الْقَوْلِ إِلَيْهِمْ.} أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} لِمَا يَرْضَاهُ.} وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} أَيِ الَّذِينَ انْتَفَعُوا بِعُقُولِهِمْ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى:} أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ} ".

يعني هؤلاء الثلاثة، وأمثالهم ممن لزم الحنيفية قبل أن تبلغهم الرسالة، رسالة النبي –عليه الصلاة والسلام- تنقلوا من مكان إلى مكان؛ بحثًا عن الدين الصحيح، لا شك أن لهم شأنًا عند الله –جل وعلا-، هؤلاء استمعوا القول، استمعوا لقول الموحدين، واستمعوا لقول المشركين، فاتبعوا القول الحسن، ولاتباعهم، وباتباعهم القول الحسن، وإيثارهم إياه على القول القبيح وُصفوا بأنهم الذين هداهم الله، ووفَّقهم لما اختاروه، وأولئك هم أولو الألباب، يعني انتفعوا بعقولهم. كثيرٌ من الناس سمع ما سمعوا، ولكنهم لم ينتفعوا، لم يهدهم الله -جل وعلا– إلى اتباع القول الحسن، فلم ينتفعوا بما رُكِّب فيهم ممن عقول، وإلا فالشرك خلاف الفطرة، توجهه الفطرة السليمة والعقول المستقيمة.

وعجب من الواحد أنه يعبد التمر، فإذا جاع أكلها، أين العقول؟ أين العقول؟ الذين مالوا عن عبادة الأصنام، وحادوا عنها، وتركوها، واجتنبوها هؤلاء في الحقيقة هم العقول، ويستمر الأمر إلى قيام الساعة، من أطاع الله –جل وعلا-، واتبع رسوله هو صاحب العقل، ومن حاد عن صراطه المستقيم، فإن هذا مسلوب العقل، يقرِّر أهل العلم أنه لو وُقف على أعقل الناس، على أعقل الناس لانصرفت غلته إلا العُبَّاد؛ لأنهم أدركوا براجح عقولهم أن الدنيا ليست بشيء بالنسبة للآخرة، وإلا فمن يُفضِّل الحُطام الفاني على ما أعدَّه الله –جل وعلا- في جناته مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؟

تجد الإنسان يذهب إلى السوق للبيع والشراء، ويزاول بعض المحظورات، ويأكل الشبهات، ويغش الناس، وينجش، ويفعل، ويترك، وفي الأخير كم كسب؟ قد يكسب، وقد لا يكسب، إذا كسب، كسب شيئًا يسيرًا، لا تقوم له معصية من هذه المعاصي التي ارتكبها، بينما أصحاب العقول، الزهاد في هذه الدنيا عليهم ألا ينسوا نصيبهم من الدنيا التي تقوم به حياتهم، وأما بقية الوقت فيُصرف فيما ينفعهم في الدار الباقية، لو أن إنسانًا جلس في متجره كسب، أو لم يكسب، أضاع وقته، وإن كان مأمورًا به، لكنه في مقابل العبادات المحضة لا شيء، فضل الله واسع، يضاعف لمن يشاء إلى سبعمائة ضعف/ إلى أضعاف كثيرة، على أمورٍ يسيرة، أمورٍ يسيرة، على من يسَّرها الله عليه.

قَوْلُهُ تَعَالَى:} أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْرِصُ عَلَى إِيمَانِ قَوْمٍ، وَقَدْ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الشَّقَاوَةَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:» يُرِيدُ أَبَا لَهَبٍ وَوَلَدَهُ وَمَنْ تَخَلَّفَ مِنْ عَشِيرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْإِيمَانِ«، وَكَرَّرَ الِاسْتِفْهَامَ فِي قَوْلِهِ: }أَفَأَنْتَ{؛ تَأْكِيدًا لِطُولِ الْكَلَامِ، وَكَذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:} أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالْمَعْنَى: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُهُ؟ وَالْكَلَامُ شَرْطٌ وَجَوَابُهُ، وَجِيءَ بِالِاسْتِفْهَامِ؛ لِيَدُلَّ عَلَى التَّوْقِيفِ، وَالتَّقْرِيرِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ :الْمَعْنَى أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَقِيلَ: إِنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا وَالتَّقْدِير".

المعنى واحد؛ لأن الذين هم في النار هم الذين حقَّت عليهم كلمة العذاب.

"وَالتَّقْدِيرُ: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ يَنْجُو مِنْهُ، وَمَا بَعْدَهُ مُسْتَأْنَفٌ، وَقَالَ:} أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ}،  وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: }حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ{؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إِذَا تَقَدَّمَ، وَوَقَعَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمَوْصُوفِ بِهِ حَائِلٌ جَازَ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ، عَلَى أَنَّ التَّأْنِيثَ هُنَا لَيْسَ بِحَقِيقِيٍّ، بَلِ الْكَلِمَةُ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ، وَالْقَوْلِ، أَيْ: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْعَذَابِ".

نعم، مطابقة الفعل مع الفاعل بالتذكير والتأنيث، لابد منها، فيُذكَّر الفعل للفاعل المُذكر ما لم يقبل التأويل كالجمع، قد يؤنث له الفعل، تقول: قالت الرجال، نظرًا إلى الجماعة، وأما بالنسبة لتأنيث الفعل مع الفاعل المؤنث، يعني على سبيل الشذوذ قال سيبويه، حكى سيبويه، قال: فلانة هذا ما فيه إشكال هذا، يعني شاذ هذا، وإذا كان الفاعل مؤنثًا حقيقيًّا لم يُفصل بينه وبين فاعله بفاصل، أو كان الفاعل ضميرًا يعود إلى مؤنث مُطلقًا سواءً كان حقيقيًّا، أو مجازيًّا، فإنه حينئذٍ يجب تأنيث الفعل، قالت فاطمة، لا بد من تأنيثها، والشمس طلعت، لا بد من تأنيثها، لكن إذا كان الفاعل مؤنثًا غير حقيقي، أو فُصل بينه، وبين فعله، فإنه يجوز تذكيره وتأنيثه.

طالب: الشمس طلعت.................

طلعت الشمس، الشمس طلعت، لكنه ضمير يعود إلى مؤنث.

طالب:................

تقول: لو قلت طلعت الشمس يجوز طلعت الشمس، وطلع الشمس؛ لأنه غير حقيقي، لكن إذا كان ضميرًا يعود إلى مؤنث، حقيقيًّا أو مجازيًّا وجب تأنيثه، تقول الشمس طلعت.

"قَوْلُهُ تَعَالَى:} لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ} لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ لِلْكُفَّارِ ظُلَلًا مِنَ النَّارِ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَمِنْ تَحْتِهِمْ بَيَّنَ أَنَّ لِلْمُتَّقِينَ غُرَفًا فَوْقَهَا غُرَفٌ؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ دَرَجَاتٌ يَعْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا، وَ}لَكِنْ{ لَيْسَ لِلِاسْتِدْرَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَفْيٌ كَقَوْلِهِ: مَا رَأَيْتُ زَيْدًا لَكِنْ عَمْرًا، بَلْ هُوَ لِتَرْكِ قِصَّةٍ إِلَى قِصَّةٍ مُخَالِفَةٍ لِلْأُولَى، كَقَوْلِكَ: جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو لَمْ يَأْتِ. غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:» مِنْ زَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ«. }تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ{ أَيْ هِيَ جَامِعَةٌ لِأَسْبَابِ النُّزْهَةِ. }وَعْدَ اللَّهِ{ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى لَهُمْ غُرَفٌ: وَعَدَهُمُ اللَّهُ ذَلِكَ وَعْدًا. وَيَجُوزُ الرَّفْعُ بِمَعْنَى: ذَلِكَ وَعْدُ اللَّهِ. }لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ{ أَيْ؛ مَا وَعَدَ الْفَرِيقَيْنِ".

ولهذا سُميت السورة على ما تقدم سورة الغرف، نعم.

" قَوْلُهُ تَعَالَى:} أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً{ أَيْ إِنَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ فِي إِحْيَاءِ الْخَلْقِ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِنْزَالِ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ. }أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ{ أَيْ: مِنَ السَّحَابِ }مَاءً{ أَيِ: الْمَطَرُ، }فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ{  أَيْ؛ فَأَدْخَلَهُ فِي الْأَرْضِ، وَأَسْكَنَهُ فِيهَا، كَمَا قَالَ: }فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ}[المؤمنون:18]. {يَنَابِيعَ} جَمْعُ يَنْبُوعٍ، وَهُوَ يَفْعُولٌ مِنْ نَبَعَ يَنْبُعُ، وَيَنْبَعُ، وَيَنْبِعَ بِالرَّفْعِ، وَالنَّصْبِ، وَالْخَفْض. قال النَّحَّاسُ :وَحَكَى لَنَا ابْنُ كَيْسَانَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ

أي مَعْنَاهُ يَنْبُعُ، فَأَشْبَعَ الْفَتْحَةَ، فَصَارَتْ أَلِفًا نُبُوعًا خَرَجَ". 

نَبَعَ يَنْبُعُ نُبُوعًا خرج، نعم.

"وَالْيَنْبُوعُ عَيْنُ الْمَاءِ".

يعني نُبُوعًا ثالث تصاريف الكلمة، ثالث تصاريف الكلمة الذي هو المصدر، المصدر يقولون: ثالث تصاريف الكلمة عندك نَبَعَ يَنْبُعُ نُبُوعًا يعني خرج.    

"وَالْيَنْبُوعُ عَيْنُ الْمَاءِ، وَالْجَمْعُ الْيَنَابِيعُ، وَقَدْ مَضَى فِي [سُبْحَانَ}ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ {أَيْ: بِذَلِكَ الْمَاءِ الْخَارِجِ }مِنْ يَنَابِيعِ الْأَرْضِ زَرْعًا{ هُوَ لِلْجِنْسِ أَيْ: زُرُوعًا شَتَّى لَهَا أَلْوَانٌ مُخْتَلِفَةٌ، حُمْرَةً، وَصُفْرَةً، وَزُرْقَةً، وَخُضْرَةً، وَنُورًا".

إرادة الجنس كما في قوله –جل وعلا-: }ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}[غافر:67] المراد الجنس نعم.

"قَالَ الشَّعْبِيّ، وَالضَّحَّاكُ :كُلُّ مَاءٍ فِي الْأَرْضِ، فَمِنَ السَّمَاءِ نَزَلَ، إِنَّمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الصَّخْرَةِ، ثُمَّ تُقْسَمُ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَالرَّكَايَا.} ثُمَّ يَهِيجُ{ أَيْ: يَيْبَسُ، {فَتَرَاهُ} أَيْ: بَعْدَ خُضْرَتِهِ مُصْفَرًّا، قَالَ الْمُبَرِّدُ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : يُقَالُ هَاجَتِ الْأَرْضُ تَهِيجُ إِذَا أَدْبَرَ نَبْتُهَا وَوَلَّى. قَالَ: وكَذَلِكَ هَاجَ النَّبْتُ".

وبعد هذا يُرعى الهشيم

ولكن البلاد إذا اقشعرت وصوح نبتها رئي الهشيم

 إذا اصفرت، وذرته الرياح ما بقي شيء.   

"قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُ الْأَصْمَعِيّ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ: هَاجَ النَّبْتُ هِيَاجًا أَيْ: يَبِسَ. وَأَرْضٌ هَائِجَةٌ يَبِسَ بَقْلُهَا، أَوِ اصْفَرَّ، وَأَهَاجَتِ الرِّيحُ النَّبْتَ أَيْبَسَتْهُ، وَأَهْيَجْنَا الْأَرْضَ أَيْ: وَجَدْنَاهَا هَائِجَةَ النَّبَاتِ، وَهَاجَ هَائِجُهُ أَيْ: ثَارَ غَضَبُهُ، وَهَدَأَ هَائِجُهُ أَيْ: سَكَنَتْ فَوْرَتُهُ.ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا} أَي فُتَاتًا مُكَسَّرًا، مِنْ تَحَطَّمَ الْعُودُ إِذَا تَفَتَّتَ مِنَ الْيُبْسِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا قَدَرَ عَلَى الْإِعَادَةِ، وَقِيلَ: هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْقُرْآنِ، وَلِصُدُورِ مَنْ فِي الْأَرْضِ، أَيْ: أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ قُرْآنًا، فَسَلَكَهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ. }ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا{ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ أَيْ: دِينًا مُخْتَلِفًا، بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَزْدَادُ إِيمَانًا وَيَقِينًا، وَأَمَّا الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، فَإِنَّهُ يَهِيجُ كَمَا يَهِيجُ الزَّرْعُ، وَقِيلَ: هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلدُّنْيَا، أَيْ: كَمَا يَتَغَيَّرُ النَّبْتُ الْأَخْضَرُ، فَيَصْفَرُّ كَذَلِكَ الدُّنْيَا بَعْدَ بَهْجَتِهَا.

}إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ"{.

اللهم صلِّ على محمد.

 الكلام في الآية طويل.

طالب:........

ماذا؟

طالب: الإسرائيليات التي... ينشر القصص.

نعم.

طالب: يبنى كأن المؤلف مثل قصة داود في التصور، والانحدار.... كتب القصة، وفي رواية قصة مثل هذه، وفي عشر مسائل.  

على كل حال هو اشترط في أول الكتاب أن يُجرِّده من الإسرائيليات، ومشى على هذا في أول الكتاب، وفيه أشياء قبل، ثم نسي شرطه، فصار مثل غيره يذكر هذه القصص، ويكررها، وقد يبني عليها ما يبني، وعلى كل حال طالب العلم ينبغي أن تكون لديه بصيرة، لا يبني أحكامه إلا على أصول شرعية متينة.

طالب:........

كما يبنون على الضعيف.

طالب:.......عشرة مسائل.

مثلما يوردون الأحاديث الضعيفة، ويستنبطون منها.

طالب: .........

 لا، والمسائل على الآيات وليس على القصص.

طالب: الإيجار على العمل يا شيخ، أو على الوقت؟ إذا قلنا: الإيجار على مجرد العمل.

الإجارة على العمل جعالة، والإجارة على الوقت إجارة.

طالب: يعني هل نقول للموظف: لا تنشغل إلا بالعمل؟

نعم، إلا شيء لا يشغلك عنه.

طالب: ما يشغل عن عملي يا شيخ.

إذا ما يشغله يقرأ، حفظًا؟

طالب: حفظا، ومراجعة، ودراسة.

ما فيه شيء إذا كان ما يشغله فما فيه شيء؛ لأن هذا مستثنى.