كتاب الطلاق من المحرر في الحديث - 02

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

ففي كتاب الخلع في درس الأمس الخلاف في مسألة أخذ أكثر مما دفع أكثر من المهر في حديث «خذ الحديقة وطلقها تطليقة»، أنه لا يستحق أكثر مما دفع، وفي قوله- جل وعلا-: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [سورة البقرة:229]، ما من صيغ العموم في أي مبلغ افتدت به لا جناح عليهما، مع أنه يقول: إن الآية مقيدة بما جاء في الحديث أو مخصَّصة، بما جاء في الحديث فيما افتدت به مما دفع لها.

 وعلى كل حال أخذ أكثر مما دفع ليس من المروءة، وإن كان أكثر أهل العلم على جوازه، ولكنه خلاف المروءة في كتاب الطلاق.

 قال- رحمه الله-: "عن محارب بن دثار عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبراني، وقد روي مرسلاً، وهو أشبه، قاله الدارقطني، وقال أبو حاتم: إنما هو محارب عن النبي -صلى الله عليه وسلم"- يعني بدون ذكر ابن عمر، فهو "مرسل، وقال ابن أبي داود: هذه سنة تفرد بها أهل الكوفة".

 وهذا كله تقدم في درس الأمس، والخلاف بين أهل العلم فيما إذا روي الحديث مرسلاً، وروي موصولاً، تكرر الكلام فيه، وأن فيه لأهل العلم مذاهب؛ منهم من يقول: الحكم لمن وصل؛ لأن معه زيادة علم خفيت على المرسِل، ومنهم من يقول: الحكم لمن أرسل؛ لأنه هو المتيقَّن، ومنهم من يقول: العبرة بالأكثر، ومنهم من يقول: العبرة بالأحفظ.

 وعلى كل حال صنيع الأئمة وجادتهم على ألا قاعدة مطردة في ذلك، فهم يحكمون على كل حديث بما يليق به، وهذا الحديث حكم عليه أبو حاتم والدارقطني بأنه مرسل، ونفس هذين الإمامين في هذه القضية غالبه على الإرسال دون الوصل، أعني الدارقطني وأبا حاتم.

 وعلى كل حال هذا الحديث لا يثبت وفيه ما ذكرنا، ومتنه أيضًا قال: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»، الحلال معلوم أنه ما يحل الله إلا الطيبات، {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [سورة الأعراف:157]، فكيف يكون مبغَضًا وقد أحله الله وأباحه؟

 نعم الإسلام يتشوَّف إلى الاجتماع، ويكره الفرقة، ومنها الطلاق والاجتماع في بقاء الزوجية، فهو من هذه الحيثية لا مانع من أن يطلق عليه هذا اللفظ، كما أن في الحلال الذي قال الله فيه: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [سورة الأعراف:157]، أن في الحلال ما يمكن أن يطلق عليه أنه خبيث، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «كسب الحجام خبيث»، مع أنه احتجم وأعطى الحجام، فليس بحرام، لو كان حرامًا ما أعطاه أجرته، فهو رديء، بمعنى رديء خبيث، بمعنى رديء، كما قال- جل وعلا-: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [سورة البقرة:267].

لو كان لك دين سلم تمر أم بر يعطيك شيئًا رديئًا ما قبلته إلا أن تغمض فيه باعتبار أنه أحسن من لا شيء، وكذلك لو كان عندك تمر رديء، وعندك جيد، فالرديء يمكن أن يطلق عليه خبيث من هذه الحيثية، مع أنه حلال يجوز أكله، والصدقة به لا شك أنها يترتب عليها أجرها، إذا كان عندك أنواع من التمور وقصدت أقلها شأنًا وسعرًا فتصدقت به لا تلام على ذلك، لكنك لو أنفقت من الطيب لكان أفضل وأولى، {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [سورة آل عمران:92].

 ثم قال- رحمه الله تعالى-: "وعن مالك عن نافع عن ابن عمر" مالك عن نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما- وهذا هو أصح الأسانيد عند الإمام البخاري، هذا أصح الأسانيد عند الإمام البخاري، يقول:

..................فقيل مالك

 

عن نافع بما رواه الناسك

مولاه واختر حيث عنه يسنده

 

الشافعي قلت وعنه أحمد

يعني إذا روي الحديث عن أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر هذا سلسلة الذهب كما هو معروف.

 قال: "وعن مالك عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-" مالك نجم السنن، ونافع مولى ابن عمر، وابن عمر الصحابي الناسك الزاهد المتبع المقتفي المعروف- رضي الله عنهما- "أنه طلق امرأته وهي حائض، طلق امرأته وهي حائض"، والحال أنها حائض، جملة وهي حائض جملة حالية، "في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسأل عمرُ بن الخطاب" والد عبد الله، "رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك".

 يعني عن حكمه، عن حكم الطلاق في الحيض، "فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مره فليراجعها، مره فليراجعها»"، هذا أمر لعمر بن الخطاب أن يأمر ابنه عبد الله، أمر لعمر أن يأمر ابنه عبد الله أن يراجع زوجته التي طلقها وهي حائض، والأمر بالأمرِ مسألة أصولية معروفة، هل يلزم منها الأمر أم ما يلزم؟ الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به أم لا؟

في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع»، هذا أمر للآباء أن يأمروا الأولاد بالصلاة لسبع سنين، لكن هل هو أمر للآباء بالصلاة؟ وهل يتفق ما في هذا الحديث مع الحديث الذي معنا «مره فليراجعها»؟ هل هذا ينطبق على عمر بالمراجعة أو على الابن؟

في حديث الباب ليس الأمر بالأمر أمرًا به، ليس الأمر بالأمر بالمراجعة أمرًا بها، عمر ما طلق من أجل أن يراجع، من أجل أن يؤمر بالمراجعة، المطلِّق هو عبد الله بن عمر، هو الذي يؤمر بالمراجعة، فالسياق يفهم منه المراد.

 ففي حديث «مروا أولادكم بالصلاة لسبع» هل هذا أمر للآباء بالصلاة؟ هناك أوامر كثيرة تأمرهم وتخصهم، ولا مانع من دخولهم، لكن الوصف لسبع لا ينطبق عليهم، وهنا «مره فليراجعها، مره فليراجعها» أمر لعمر أن يأمر ولده عبدَ الله أن يراجع زوجته التي طلقها في الحيض، وهذا ليس بأمر لعمر بن الخطاب؛ لأنه لم يطلق، فالمأمور بالمراجعة هو الذي حصل منه الطلاق، وهو الابن؛ لأن عندنا مسألة الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به؟

مسألة أصولية مبحوثة في الأصول، ولها فروع كثيرة جدًّا منها ما يدخل، ومنها ما يخرج، منها ما يدخل في الأمر بالشيء، ومنها ما لا يدخل كما هنا.

 «ثم ليتركها، مره فليراجعها» الرجعة، الرجعة إرجاع الزوجة غير البائن إلى عصمة زوجها، ولا تكون الرجعة إلا بعد طلاق، ولا تكون الرجعة إلا بعد طلاق المرأة الناشز والعاصية لزوجها والذاهبة لأهلها، والتاركة لزوجها لو جلست شهرين، ثلاثة، خمسة، عشرة، وراح يرجعها من أهلها يقولون: فلان أرجع زوجته إلى بيته، لكن هذه رجعة لغوية، وليست رجعة شرعية؛ لأن الرجعة الشرعية لا تكون إلا بعد طلاق.

 «مره فليراجعها»، وهذا مما يستدل به جماهير أهل العلم على وقوع الطلاق في الحيض؛ لأن الرجعة لا تكون إلا بعد طلاق.

 «مره فليراجعها ثم ليتركها» يعني في عصمته ثم ليتركها، يعني في عصمته، «حتى تطهر» من هذا الحيض، «ثم تحيض» حيضة ثانية، «ثم تطهر» حتى تطهر ثم.. «ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر»، يعني ليس في الطهر الأول، وإنما في الطهر الثاني هذا لتطول المدة من أجل أن يراجع نفسه؛ لأنه استعجل وطلق في الحيض، لكن لو لم يقع منه طلاق، وانتظر حتى تطهر لا يقال له: حتى تحيض، ثم تطهر ثانية، من تعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه، فزيد عليه في المدة؛ لكي يرجع عن رأيه، والخلاف بين أهل العلم فيما لو راجعها في الطهر الأول، فمنهم من يقول: لا تصح الرجعة إلا في الطهر الثاني كما في هذا الحديث، كما في هذا الحديث، ومنهم من يقول: تصح، والانتظار في الطهر الثاني مستحب لا واجب، وفي بعض الألفاظ ما يدل عليه الحديث الذي يليه.

 «مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً» يعني في الطهر الأول في الرواية الثانية: «ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعدُ»، إن شاء أمسك، وأبقاها في عصمته، «وإن شاء طلَّق قبل أن يمس»، فلا يجوز الطلاق في طهر جامعها فيه، لا يجوز الطلاق في طهر جامعها فيه.

 «فتلك العدة التي أمر الله أن يطلَّق لها النساء»، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [سورة الطلاق:1]، لعدتهن يعني في طهر لم يحصل فيه جماع، «فتلك العدة التي أمر الله أن يطلَّق لها النساء».

 عندنا مسألة الطلاق في الحيض، وهي مسألة كبرى، ومن عُضَل المسائل، مسألة ليست بالسهلة، ولا يجوز لآحاد المتعلمين أن يجرؤ على الفتوى فيها؛ لأن الأدلة فيها نوع تكافؤ، ولا يستطيع أن يوازن ويرجع بينها إلا الراسخ في العلم لاسيما إذا عرفنا أن وقوع الطلاق في الحيض هو قول عامة أهل العلم.

 وخالف بعضهم فقال: إن الطلاق في الحيض لا يقع؛ لأنه على خلاف ما أمر الله به، «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد، من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، وليس الطلاق على أمره -عليه الصلاة والسلام-، وإنما أمره أن تمسك المطلقة حتى تطهر، هذه حجة من يقول: إن الطلاق في الحيض لا يقع؛ لأنه طلاق بدعي، طلاق بدعي ليس عليه أمر الله، ولا أمر رسوله، هو طلاق بدعي لا يقع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، الجمهور من قوله: «مره فليراجعها»، وفي بعض الروايات: فحُسِبَت عَلَيّ، فحُسِبَت علي من كلامه، كلام ابن عمر، هو صاحب القصة، وهي مخرجة في الصحيح صحيح البخاري وإن جاء ما يعارضه.

 قال: ولمسلم.

 "متفق عليه.

 قال: ولمسلم عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سالم عن ابن عمر، عن سالم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه طلق امرأته وهي حائض، طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «مره فليراجعها»".

 يعني كما تقدم في الرواية السابقة، «ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً»، وهذا فيه إجمال تبينه الرواية السابقة: «مره فليراجعه ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر»، هذا مبيِّن للحديث: مره فليراجعها ثم ليطلقها يعني بعد أن تطهر ثم تحيض ثم تطهر «طاهرًا أو حاملًا»، مما يدل على أن الطلاق في وقت الحمل سني واقع؛ لأن العدة لن تطول مدتها، محددة بوضع الحمل.

 يقول أهل العلم: إنه لا مانع من طلاق غير المدخول بها وهي حائض، ولا مانع من طلاق المختلعة وهي حائض، لا مانع من طلاق غير المدخول بها وهي حائض، ولا مانع من تطليق المرأة المختلعة وهي حائض، لماذا؟

لأن غير المدخول بها لا عدة عليها، والعلة في تحريم طلاق الحائض هو مسألة تطويل العدة، مسألة تطويل العدة، فغير المدخول بها لا عدة عليها، والمختلعة إذا قلنا: إنها تستبرأ بحيضة، المسألة كذلك، وهذا يكون باختيارها، يعني حتى لو قلنا: تعتد بثلاث حيض فإن هذا باختيارها، هي التي اختارت تطويل العدة، هكذا قال أهل العلم، وإذا تصور أن الحامل تحيض كما هو معروف عن شيخ الإسلام وغيره يقول: لا مانع أن تطلق وهي حائض إذا كانت حاملاً؛ لأنه جعل الحامل مما تطلَّق الحمل وقت الحمل مما تطلق فيه النساء، فإذا تصورنا أن الحامل تحيض كما قال به بعض أهل العلم، وإن كان الجمهور على خلافه، وقول الجمهور هو الصحيح، فكيف نقول: إن الحامل تحيض ونحن نستدل بالحيض على براءة الرحم؟

 يعني اعتماد الحيض في العدد من أجل العلم ببراءة الرحم، كيف نقول: إن الحامل تحيض؟ يعني ليس بعلامة على براءة الرحم، وإن قال به شيخ الإسلام وجمع من أهل العلم.

 "«ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً»، وقال البخاري -رحمه الله تعالى-: وقال أبو معمر، وقال أبو معمر: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: حُسبت عليَّ تطليقة".

 وقال أبو معمر هكذا في سائر روايات الصحيح: قال أبو معمر، قال البخاري: قال أبو معمر، وفي رواية أبي ذر الهروي- وهي أصح الروايات عند ابن حجر وأدقها - حدثنا أبو معمر، حدثنا أبو معمر على رواية أبي ذر: حدثنا أبو معمر، لا إشكال في السند، وعلى الرواية الأخرى: قال أبو معمر، فيه إشكال عند بعض أهل العلم، يعتبرونه معلَّقًا، يعتبرون الحديث معلَّقًا، وليس بموصول، ولم يسمعه البخاري من أبي معمر، ولو سمع منه لقال: حدثنا. على رواية أبي ذر ما فيه إشكال؛ لأنه قال: حدثنا، على رواية الباقين من رواة الصحيح قال أبو معمر، هذه فيها إشكال؛ لأن المزِّي في تحفة الأشراف يعلِّم على مثل هذا بخاء تاء، خت، يعني أخرجه البخاري تعليقًا، ورجَّح ذلك ابن حجر، لكن الذي عليه ابن الصلاح والحافظ العراقي، وهو الراجِح: أنه إذا كان من شيوخه أنه لا إشكال فيه أنه موصول، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

.....................أما الذي

 

لشيخه عزا بقال فكذي

عنعنة كخبر المعازف

 

لا تصغ لابن حزم المخالف

ابن حزم وجد فرصة في حديث المعازف في قوله: وقال هشام بن عمار، قال: الحديث لا يثبت، البخاري لو سمعه من هشام بن عمار لقال: حدثنا هشام بن عمار.

.....................أما الذي

 

لشيخه عزا بقال فكذي

عنعنة كخبر المعازف

 

لا تصغ لابن حزم المخالف

لأنه يريد نصرة مذهبه في إباحة المعازف والأغاني أبطل الحديث، وهو في الصحيح، تشبَّث، وجدها فرصة، وتشبث، وإلا فالحديث في البخاري: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف»، ابن حزم يقول: لا يثبت؛ لأن البخاري لو كان سمعه من هشام بن عمار لقال: حدثنا، ما قال: قال هشام، والقول المعتمَد أن قال فلان مثل عن فلان، محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفَين عند أهل العلم: ألا يوصف الراوي بالتدليس، وأن يكون قد سمعه، وروى عنه عند البخاري أو عاصره عند الإمام مسلم.

 المقصود أنه يسلم من وصمة التدليس، والبخاري لقيَ أبا معمر، كما لقي هشامًا، وحدث عنهما، فهما من شيوخه، والبخاري- يقول ابن القيم-: أبعد خلق الله عن التدليس، لكنه لو قال: من أبعد خلق الله عن التدليس لكان أدق، لكان أدق، هذه مسألة مهمة جدًّا، البخاري بعيد، أبعد خلق الله عن التدليس، هكذا قال ابن القيم، ولكن صاحب الخلاصة، وهذا لا منع من الإشارة إليه الخزرجي في ترجمة الذهلي قال: روى عنه البخاري ويدلِّسه، ويدلسه، لماذا يدلسه؟

 يعني ما ذكره باسمه الصريح، أحيانًا يقول: حدثني محمد، وأحيانًا يقول كذا وأحيانًا.. المهم أنه ما يذكره باسمه الكامل، وهو إمام من الأئمة، الذهلي دُلس أو ما دلس إمام، وهو من شيوخ البخاري، لكن البخاري لم يطرح روايته لإمامته وحفظه وإتقانه، ولم يصرح باسمه؛ لئلا يظن أنه متابع له في مسألة اللفظ بالقرآن، فأخرج عنه لإمامته وضبطه وإتقانه وحفظه، ولم يصرح باسمه؛ لأن التصريح بالاسم تزكية، والبخاري يختلف معه في مسألة اللفظ بالقرآن كما هو معلوم.

 "وقال البخاري: وقال أبو معمر: حدثنا عبد الوارث" وهو ابن سعيد قال: "حدثنا أيوب" وهو ابن أبي تميمة السختياني، "عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال: حسبت عليَّ تطليقة"، وهذا يؤيد أن الأمر بمراجعتها رجعة شرعية اصطلاحية لا لغوية، وابن عمر وهو صاحب القصة، وصرَّح، والحديث في البخاري أنه حُسِبَت عليه، وهذا لا شك أنه من أقوى الأدلة عند من يقول بأن طلاق الحائض يقع، عند من يقول بأن طلاق الحائض يقع.

 "وروى أبو داود عن أحمد بن صالح" المصري إمام من الأئمة، جبل من أئمة الحديث، "عن عبد الرزاق" بن همام، "عن ابن جريج" عبد الملك بن عبد العزيز، "قال: أخبرني أبو الزبير، قال: أخبرني أبو الزبير" محمد بن مسلم بن تدرس المكي، "أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع ابن أيمن، يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع، فقال: كيف ترى في رجل طلَّق امرأته حائضًا؟ فقال: طلق عبد الله بن عمر" ما قال: طلقتُ، "قال: طلق عبد الله بن عمر"، والمتحدث يسأل ابن عمر، وأبو الزبير يسمع الحال الجملة هذه حالية فقال: كيف ترى في رجل- يعني صيغة السؤال- طلق امرأته حائضًا؟

 قال: طلق عبد الله بن عمر، وهذا يسمى تجريدًا، التجريد يعني ابن عمر جرَّد من نفسه شخصًا، ثم تحدث عنه، عن سعد بن أبي وقاص أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعطى رهطًا وسعدٌ جالس، أعطى رهطًا وسعد جالس، وهو الراوي، ما قال: وأنا جالس، وهنا ما قال: أنا طلقتُ، هذا يسمونه تجريدًا.

 "فقال: طلق عبد الله امرأته وهي حائض على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسأل عمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال له عبد الله بن عمر فقال له" يعني قال للرسول- عليه الصلاة والسلام-، "عبد الله بن عمر طلق امرأته" ما قال: عبد الله ابني طلق امرأته، "وهي حائض، قال عبد الله: فردها علي ولم يرها شيئًا، ولم يرها شيئًا" هذه حجة من يرى عدم وقوع الطلاق في الحيض، مع أنه في الرواية الأولى فقال: وحسبت علي، وقال: «مره فليراجعها، مره فليراجعها»، وقال: فحسبت علي، ولا شك أن هذه الألفاظ مخرجة في الصحيح، لكن لم يرها شيئًا، لم يرها شيئًا هي موجودة في السنن، الحديث معزو إلى صحيح مسلم، لكن ليست فيه هذه الكلمة، ليست فيه هذه الكلمة؛ لأن مسلمًا لم يسق لفظه.

 "فردها علي ولم يرها شيئًا وقال: «إذا طهرت فليطلق أو ليمسك، فليطلق أو ليمسك» قال ابن عمر: وقرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [سورة الطلاق:1]، رواته ثقات، رواته ثقات"، لكنه معارَض بما هو أقوى منه مما خرج في البخاري وغيره، وهذا مخرج في السنن، وليس في صحيح مسلم: ولم يرها شيئًا، التي هي محل الاستشهاد.

 الخلاصة في هذا المسألة أن عامة أهل العلم على وقوع الطلاق في الحيض، والقائل بعدم وقوعه نفر يسير من أهل التحقيق، وأدلتهم عمومية، أدلتهم عمومية، وأدلة الجمهور خاصة، فعلى ضوء القواعد الشرعية في التعارُض والترجيح لا شك أن وقوع الطلاق أرجح من حيث تطبيق القواعد الشرعية؛ لأن أدلته خاصة، وأدلة القول الثاني عامة، لكن كونه -عليه الصلاة والسلام- يأمره برجعتها ثم طلاقها هل هو من أجل أن يكرر الطلاق؟

إذا حكمنا بوقوع الطلقة في الحيض قلنا: إن أمره بمراجعتها ثم تطليقها معناه ليكرر الحيض قد تفوت عليه، وقد تبين بهذه الطلقة، وليس هذا من مقاصد الشرع، لو كانت هذه الطلقة واقعة لو قلنا: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يأمره بتكرار الطلاق، وليس هذا من مقاصد الشريعة، والأمر برجعتها يعني على القول الثاني، ثم طلاقها، يكون طلاقًا ابتداءً، الطلاق الأول لا عبرة به، لكن يشكل على «مره فليراجعها»، ويشكل على ذلك: حسبت علي تطليقة، ومثل ما قدمت المسألة ليست بالسهلة، والعافية والسلامة لا يعدلها شيء، يعني من كفي في هذه المسألة لا يجرؤ عليها، من كفي في هذه المسألة لا يجرؤ عليها إلا إذا تعين عليه أن يفتي، يجتهد ويتقي الله بحسب ما يتوصل إليه من خلال النظر في الأدلة، أما من كُفي وقام الواجب بغيره يحمد الله على السلامة؛ لأن المسألة ليست بالسهلة.

 أنا ما كان عندي تردد في وقوع الطلاق في الحيض إلا بعد أن أدركت أن الأمر بإمساكها ثم طلاقها تكرار للحيض، فلو حسبت الطلقة الأولى لقلنا: إن الرسول يأمره أن يطلقها ثانية، أو مقتضى فليراجعها ثم يطلق هذا لا شك أنه طلاق ثانٍ، والشرع لا يمكن أن يأتي بمثل هذا؛ لأن المعروف عنه أنه يتشوَّف للاجتماع، والطلاق ليس بفاضل، أو مرادًا أو مقصودًا للشارع.

 على كل حال من عوفي فليحمد الله- جل وعلا-، ويترك الأمر لأهله، وهناك جهات، جهات وُكل إليها الأمر، ولا تنضبط الأمور إلا بتوحيد الفتوى في مثل هذه المسائل التي هي في الحقيقة من عُضَل المسائل؛ لأن من شيوخنا من يفتي بوقوع الطلاق، ومنهم من يفتي بوقوع الطلاق الثلاث على ما سيأتي، والفتوى على خلاف ذلك، وكانت الفتوى على العكس على قول الجمهور.

 وعلى كل حال المسألة اجتهادية، والمجتهد لا شك أنه مأجور لاسيما إذا كانت لديه الأهلية، إن أخطأ له أجر واحد، وإن أصاب فله أجران، لكن قد تفرق بين زوجين، وفي الشرع مندوحة لاجتماعهما، وقد تجمع بين زوجين، والواقع أنها لا تحل له، فالسلامة لا يعدلها شيء، من سئل عن مثل هذه المسألة إذا لم يكن من الراسخين فيحيل على مكتب الطلاق في دار الإفتاء، عندهم هذه المسائل جاهزة، وعندهم ألوف مؤلفة من النظائر في هذه المسائل، والله المستعان.

 "وروى مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق، وروى مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق" قال: "وروى عن ابن عباس" يعني مسلم "وروى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان الطلاق على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة".

 كان الطلاق طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر.. والله الضبط هنا كان الطلاق على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر، والأصل أن يقول: طلاقُ، طلاق الثلاث بدل من الطلاق، واحدةً خبر كان.

 "فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إن الناس استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة"، فيه مهلة، الإنسان كيف يضيق على نفسه ويطلق ثلاثًا، وبإمكانه أن يحصل له مقصوده بطلقة واحدة؟ ثم إذا ندم أمامه فرصة، أما إذا طلق ثلاثًا واستعجل فقد يندم، ولات ساعة مندم.

 "كان الطلاق على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاقُ الثلاث واحدةً، فقال عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة"، فيه مهلة، والأناة في الأصل الحلم والتؤدة والرفق، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- للأشج، أشج عبد القيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة»، يقول عمر: "فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم"، يعني جعل الثلاث ثلاثًا على أي حال كان سواء كانت مجموعة أو مفرقة وكانت الثلاث، ومقتضى ذلك أنها كانت لو كانت مجموعة أو مفرقة تعتبر واحدة في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وعهد أبي بكر، وسنتين أو ثلاث من خلافة عمر- رضي الله عنه- فأمضاه عليهم عمر- رضي الله تعالى عنه- الخليفة الراشد الذي أمرنا باتباعه؛ «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي»، «واقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر»، لكن متى يكون هذا؟

 إذا لم يكن فيه نص، وإذا وجد نص فالمقدَّم ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-.

 هنا المسألة فيها نص، لكن عمر -رضي الله عنه- أمضاه عليهم، ووافقه الصحابة على ذلك، وعمل بقوله عامة أهل العلم الأئمة الأربعة وغيرهم كلهم على هذا في طلاق الثلاث أنه يمضى سواء قال: هي طالق ثلاثًا أو طالق طالق طالق، أو طالق ثم طالق ثم طالق، كيف عمر- رضي الله تعالى عنه- وهو من الإسلام بهذه المنزلة أفضل الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام- وبعد أبي بكر يجرؤ ويغير حكمًا؟

 قالوا: هذا ليس من تغيير الحكم، هذا حكم تعزيري لما رأى الناس تساهلوا في الحدود أمضاه عليهم، كما فعل في حد الخمر جعله ثمانين، وله اختيارات وقضايا معروفة عند أهل العلم، ووفق عليها من قبل الصحابة، وعمل بها أهل العلم من بعده.

 "فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم" أهل العلم لهم أجوبة، الذين قالوا بوقوع الطلاق في الثلاث لهم أجوبة عن هذا الحديث، منهم من قال: الحديث منسوخ، وقد أشار إلى ذلك البيهقي في سننه، ولم ينتشر الناسخ، فعمل الناس على عهد أبي بكر وثلاث سنوات أو سنتين من خلافة عمر، ثم إن عمر أظهر هذا الناسخ، وعمل به، وأمضى على هؤلاء المتعجلين الفرقة البائنة، وأوقعه عليهم.

 ومنهم من يقول: كان الطلاقة الثلاث واحدة، يعني إذا قال الزوج لزوجته: طالق طالق طالق ثلاث مرات قال: كانت واحدة؛ لأنهم في الصدر الأول في عهده -عليه الصلاة والسلام- وفي عهد أبي بكر وعمر يجعلون هذا من التأكيد اللفظي، من التأكيد اللفظي، ولا يقصدون به طلاق الثلاث، فلما تتابع الناس، ودخل فيهم من دخل، وحصل الاختلاف والتغير في  عهد عمر من بعض الناس لما كثرت الفتوحات تغيرت مقاصدهم، فأمضاه عليهم بحسب مقاصدهم وإلا فالثلاث ثلاث، يعني لو قصد في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- طالق ثلاثًا أنه يقصد طالق طالق طالق يقصد بذلك الثلاث مضى عليهم؛ لأن الإنسان يؤاخَذ بإقراره.

 المقصود أن الكلام في الحديث كسابقه كلام كثير طويل، والخلاف فيه كسابقه، جمهور أهل العلم على وقوع طلاق الثلاث مجموعة، وأما بعض أهل العلم من أهل التحقيق كشيخ الإسلام ابن تيمية وعليها الفتوى الآن في هذه المسألة والتي قبلها عليها الفتوى الرسمية أن الثلاث واحدة، أن الثلاث واحدة، كما هو الشأن في عهد أبي بكر، وفي عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعهد أبي بكر طلاق الثلاث واحدة، والعبرة بما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وعمر هذا من اجتهاده، ولا يعارَض به المرفوع.

 ويقال في هذه المسألة مثل ما قيل في التي قبلها: إن من عافاه الله، ولم يتعيَّن عليه الفتوى في مثل هذه المسائل أن يردها إلى من تبرأ الذمة بتقليده، والمسألة مثل ما قلنا: شائكة، ليست سهلة، يعني عمر بن الخطاب ويتابعه الصحابة على ذلك، والأئمة الأربعة، وأتباعهم إلى يومنا هذا وهم على وقوع طلاق الثلاث، ووقوع الطلاق في الحيض، لا شك أن هذا التتابع على هذا القول يوجِد لهاتين المسألتين في نفس طالب العلم هيبة تجعله لا يجرؤ عليهما، وبعض الناس من أيسر الأمور، إذا قالت حذام فصدقوها.

 شيخ الإسلام يقول: خلاص انتهينا، ابن باز يقول: خلاص انتهينا.

 لا، ليست المسألة بهذه السهولة، يعني إذا نظرنا إلى الأئمة الأربعة وأتباعهم على خلاف ما قاله شيخ الإسلام وخلاف ما قاله ابن باز وغيره، وعليه الفتوى، يجعلنا نتريث، والذمة بريئة إذا أحلت على جهة مخولة من ولي الأمر الذي يتولى هذه المسائل؛ لتجنب الاضطرابات والفوضى في الفتوى، يأتي شخص مطلق ثلاثًا، ويذهب إلى فلان ويقول: خلاص بانت منك، حرام عليك، ثم يضطر إلى آخر ليحلل له أو العكس، لا لا، توحيد الفتوى في مثل هذه المسائل الشائكة هو عين الحكمة، وهذه السياسة الشرعية في سياسة الفتوى؛ لأنا نرى ونسمع من يفتي ويوقع الناس في حرج واضطراب، فالمسألة إذا عمل الإنسان بعمل يتدين به وهو من أهل العلم، ولديه الأهلية للترجيح والنظر في الأدلة لا يحرم الأجر، لكن مع ذلك إيقاع الناس في مثل هذا الحرج الإنسان في غنى عنه.

 قال: "وعن مخرمة" وهو ابن بكير، "عن أبيه قال: سمعت محمود بن لبيد قال: أُخبِر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا" مخرمة بن بكير يروي عن أبيه، وصرح بعضهم أنه لم يسمع من أبيه، صرح بعض العلماء بأنه لم يسمع من أبيه، وإنما روايته عن أبيه وِجَادَة، وِجادة ما معنى وجادة؟

يعني طرق التحمل عندنا ثمان، السماع من لفظ الشيخ، أو القراءة على الشيخ، أو الإجازة، أو المناولة، أو الإعلام، والوصية، والمكاتَبة، والوجادة، ثمان، فالوجادة إذا وجد الراوي بخط شيخه الذي لا يشك فيه أنه خطه فروى عنه وقال: وجدت بخط فلان، وجدت بخط فلان، مثل هذه الرواية صحيحة إذا كان لا يشك في خطه، وفي المسند للإمام أحمد أحاديث كثيرة يقول عبد الله بن أحمد: وجدت بخط أبي، وجدتُ بخط أبي، فالوجادة معمول بها عند أهل العلم، ومازال الناس يعملون بها، تجد بخط عالم عرف خطه على حاشية كتاب تعليقًا أو فتوى أو شيئًا تقول: أفتى فلان بذلك كما وجدته بخطه، لكن إذا كنت تشك بخطه، ولا تتيقن من أن هذا خط فلان، لا تستطيع أن تقول: وجدت كلامًا منسوبًا لفلان.

 رواية مخرمة عن أبيه بُكَيْر بن عبد الله هذه وجادة، ومنهم من يثبت سماع مخرمة من أبيه، لكن على قِلَّة؛ لصغره.

 قال بُكَيْر: سمعت محمود بن لبيد، سمعت محمود بن لبيد يُختَلَف في صحبته وفي روايته عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي سماعه منه؛ لأنه كان صغيرًا جدًّا، رأى النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- مجرد رؤية، ولا روى عنه، فبعضهم أثبته في الصحابة، وبعضهم أثبته في التابعين، والأكثر على أنه صحابي صغير لم يسمع من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعلى هذا فروايته عن النبي -عليه الصلاة والسلام- تكون مرسَلة، تكون مرسلة، وتكون من مراسيل الصحابة، ومراسيل الصحابة مقبولة عند أهل العلم.

أما الذي أرسله الصحابي

 

فحكمه الوصل على الصوابِ

أما الذي أرسله الصحابي

 

فحكمه الوصل على الصوابِ

ولم يخالِف في ذلك إلا أبو إسحاق الإسفراييني، وعامة أهل العلم على قبول مراسيل الصحابة، وإذا رددنا مراسيل الصحابة فمعناه أن أكثر مرويات ابن عباس وابن الزبير مردودة، كثير من الصحابة من صغارهم روايتهم عن الصحابة روايتهم عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بواسطة، ذكر بعضهم أن ابن عباس لم يسمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أربعين حديثًا، والبقية بواسطة، كذلك ابن الزبير صغير في عهده -عليه الصلاة والسلام-، ولا أحد تكلم في روايتهما، وعائشة صغيرة، روت حديث بدء الوحي، وبدء الوحي قبل أن تولَد- رضي الله عنها-، وهو أوائل الأحاديث في صحيح البخاري، روت حديث بدء الوحي، وإن لم تكن سمعته من النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو من مراسيل الصحابة.

 على كل حال مراسيل الصحابة حكمها الوصل، ولا يؤثر صغر السن، ولو قلنا بأن هذا الصحابي رواه عن صحابي آخر فلا مانع من ذلك، وهناك احتمال، لكنه ضعيف عند أهل العلم أن الصحابي الصغير يحتمل أن يكون روى الخبر عن تابعي، والتابعي رواه، الاحتمال الثاني عن تابعي آخر، واحتمال تطرق الخلل في هذا الاحتمال ظاهر، لكن يبقى أنه احتمال ضعيفن لا يلتفت إليه، فمراسيل الصحابة معتبرة، حكمها الوصل، ومن ذلكم محمود بن الربيع حديثه مخرج في صحيح البخاري يقول: عقلت مجَّةً مَجَّها النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهي من دلو وأنا ابن خمس سنين، وفي بعض الروايات: أربع سنين، عقل المجة وهو صغير، فمثل هذا يخرَّج في الصحيح، تداوله أهل العلم، وخرجه الإمام، ومنهم البخاري، مما يدل على اعتماد أمثال هؤلاء من صغار الصحابة.

 ابن عباس الذي يروي ألفًا وخمسمائة حديث أو أكثر أو قريبًا منها قالوا: إنه لم يسمع من النبي- عليه الصلاة والسلام- مباشرة إلا نحو أربعين حديثًا كما قرر ذلك ابن حجر، وأما قول الغزالي في المستصفى أن ابن عباس لم يرو عن النبي- عليه الصلاة والسلام- إلا أربعة أحاديث فليس بصحيح، وليس من أهل الفن، ولا من أهل الاستقراء في هذا الفن، ابن حجر يقول: جمعت ما صرح فيه ابن عباس، ما صرح بسماعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- فبلغت نحو الأربعين بين حديث صحيح وحسن، وأما البقية فهي من مراسيله، ومراسيله متفق على قبولها، إلا ما ذكر عن أبي إسحاق الإسفراييني.

 "قال: أُخبِر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن رجل، أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم"-.. الحديث تفرد به النسائي من بين أصحاب الكتب الستة، وإسناده، كما قال ابن القيم، على شرط مسلم.

 قال: "أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن رجل طلَّق امرأته ثلاث تطليقات، فقام غضبان، فقام غضبان -عليه الصلاة والسلام"-.

 في حديث ابن عمر في بعض رواياته الذي تقدم حينما طلق امرأته، وهي حائض، فتغيظ عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تغيَّظ يعني غضب عليه، وهنا: فقام غضبان، مما يدل على أن الطلاق في الحيض النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يغضب إلا على فعل محرم أن الطلاق في الحيض محرم.

"