التعليق على تفسير القرطبي - سورة البلد

 

سورة البلد مكية باتفاق، وهي عشرون آية، بسم الله الرحمن الرحيم، قوله تعالى: {{لا أقسم بهذا البلد}} { ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ} البلد:1 يجوز أن تكون لا زائدة، كما تقدم في {{لا أقسم بيوم القيامة}} { ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ} القيامة:1 قاله الأخفش. "

هذا تقدم مرارًا أن لا، تزاد في هذا الموضع؛ من أجل تأكيد المعنى، بدليل قراءة الحسن: لأقسم بهذا البلد، فهي مزيدة في الخط دون اللفظ، في الخط كما في قوله:{{لأذبحنه}} {} النمل:21 بين الهمزة والذال ألف هذه قراءة الحسن، لكن عامة القراء على خلافه، ويبقى أنه قسم {{وإنه لقسم}} { ﰁ ﰂ} الواقعة:76 بعد قوله: ﯿ الواقعة: ٧٥ - ٧٦ فهو قسم.

طالب: ...............

لا، بعضهم يتأدب ويقول: صلة، يعني لا محل لها من الإعراب، ومن حيث المعنى تأكيد.

طالب: ...............

الأولى أن يتأدب مع القرآن؛ لأنه مصون عن الزيادة والنقصان محفوظ، خرج قس في إحدى القنوات يقول: عندي أكثر من ألفين دليل على تحريف القرآن، ويُحيل على كتب الرافضة، ما فيه مصدر إلا هي بحار الأنوار، وهذا أكثر ما فيه من الأدلة للمجلسي يستدلون به على التحريف يضعون أحاديث ويصدقونها ويجعلونها أدلة، هم يضعون بأنفسهم أحاديث ويجعلونها أدلة ويستدلون بها على الناس، انظر الآن ماذا جروا على الأمة حتى إن النصراني يستدل بكلامهم لهدم الدين، نسأل الله العافية، قال تعالى: ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ النحل: ٢٥

لكن هذا من أصله ضال، لكن يبقى- نسأل الله العافية- أن يكون الإنسان مطية لأعداء الدين، الآن بعض الذين يكتبون ممن ينتسب إلى العلم يتذرع بكتابته كثير من المفسدين، ويقول: هذا شيخ وعالم، المسألة زلة، نقول زل مرة واحدة أو شيء، لا، صار ديدنًا لبعضهم، نسأل الله العافية.

طالب: ...............

نعم، المقصود أن مثل هذه الأمور يتقيها الإنسان وعساه أن يتحمل ذنوبه وليس ذنوب الناس، نسأل الله العافية.

" أي أقسم؛ لأنه قال: بهذا البلد، وقد أقسم به في قوله: {{وهذا البلد الأمين}} { ﭗ ﭘ ﭙ} التين:3 فكيف يجحد القسم به وقد أقسم به، قال الشاعر:

تذكرت ليلى فاعترتني صبابة

 

وكاد وكاد صميم ..........

صميم.

............................

 

وكاد صميم القلب لا يتقطع

أي يتقطع، ودخل حرف لا، صلة، ومنه قوله تعالى: {{ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك}} { ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ} الأعراف:12 بدليل قوله تعالى في ص: {{ما منعك أن تسجد}} { ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ} ص:75 وقرأ الحسن والأعمش وابن كثير: لأقسم من غير ألف بعد اللام إثباتًا، وأجاز الأخفش أيضًا أن تكون بمعنى ألا، وقيل: ليست بنفي القسم، وإنما هو كقول العرب: لا والله لا فعلت كذا، ولا والله ما كان كذا، ولا والله لأفعلن كذا، وقيل: هي نفي صحيح، والمعنى لا أقسم بهذا البلد إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه، حكاه مكي. "

لكن مع ذلك بقي هو أفضل البقاع بعد خروجه -عليه الصلاة والسلام- منه إلى قيام الساعة، فإن الله حرمه، وسماه الأمين، وجعله آمنًا، ويتخطف الناس من حوله، ومع ذلك هو أفضل البقاع وأقدسها حتى بعد خروجه منه وبعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-.

" ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: (لا) رد عليهم، وهذا اختيار ابن العربي؛ لأنه قال: وأما من قال: إنها رد فهو قول ليس له رد؛ لأنه يصح به المعنى، ويتمكن اللفظ، والمراد فهو رد لكلام من أنكر البعث ثم ابتدأ القسم. وقال القشيري: قوله (لا) رد لما توهم الإنسان المذكور في هذه السورة المغرور بالدنيا أي ليس الأمر كما يحسبه من أنه لن يقدر عليه أحد، ثم ابتدأ القسم، والبلد هي مكة، أجمعوا عليه أي أقسم بالبلد الحرام الذي أنت فيه لكرامتك عليّ وحبي لك، وقال الواسطي: أي نحلف لك بهذا البلد الذي شرّفته بمكانك فيه حيًّا وبركتك ميّتًا يعني المدينة، والأول أصح؛ لأن السورة نزلت بمكة باتفاق. قوله تعالى: {{وأنت حل بهذا البلد}} { ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ} البلد:2 يعني في المستقبل مثل قوله تعالى: {{إنك ميت وإنهم ميتون}} { ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ} الزمر:30 ومثله واسع في كلام العرب تقول لمن تعدّه الإكرام والحياء. "

تعِدُه.

" لمن تعِدُه الإكرام والحياء. "

الحباء.

" لمن تعِدُه الإكرام والحِباء: أنت مكرم محبو، وهو في كلام الله واسع؛ لأن الأحوال المستقبلة عنده كالحاضرة المشاهدة، وكفاك دليلاً قاطعًا على أنه للاستقبال، وأن تفسيره بالحال محال أن السورة باتفاق مكية قبل الفتح، فروى منصور عن مجاهد: {{وأنت حل}} { ﭷ ﭸ} البلد:2 قال: ما صنعت فيه من شيء، فأنت في حل، وكذا قال ابن عباس: أُحل له يوم دخل مكة أن يقتل من شاء، فقتل ابن خطل ومَقِيْس بن صبابة وغيرهما. "

مِقْيَس.

" ومِقْيَس بن صبابة وغيرهما، ولم يحل لأحد من الناس أن يقتل بها أحدًا بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وروى السدّي قال: أنت في حل ممن قاتلك أن تقتله، وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: أحلت له ساعة من نهار، ثم أُطبقت وحرمت إلى يوم القيامة. "

هل قوله: حِل فيما يقابل الارتحال أو فيما يقابل الحظر؟ اللفظ محتمِل {{وأنت حل}} { ﭷ ﭸ} البلد:2 يعني حال بهذا البلد؟ أو أن هذا البلد أحل لك، فهو حلال لك غير محرم؟ كلام المفسرين فيه ما يدل على هذا، وما يدل على ذاك، مما يدل على أن اللفظ فيه احتمال.

طالب: ...............

هو دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- من غير إحرام، وهو قول من يقول: لا يجوز أن يدخل أحد مكة إلا بإحرام، وهو المعروف عند الحنابلة والشافعية: لا يجوز بحال حتى لو لم يرد حجًّا ولا عمرة لا بد أن يحرم، وأما دخوله -عليه الصلاة والسلام- بغير إحرام يوم الفتح فقد أحلت له في تلك الساعة.

طالب: ...............

نعم.

طالب: ...............

لكن متى؟ بعد وقت نزولها، الذي يظهر أنها في وقتها من الحلول {{وأنت حل}} { ﭷ ﭸ} البلد:2 يعني حالّ في هذا البلد.

طالب: ...............

لا، التنويه عليه لتشريفه، التشريف..، تخصيصه بالذكر لتشريفه.

طالب: ...............

هي تشرف به، لكن يبقى أنها معظمة حرمها الله يوم خلق السموات والأرض.

" وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: أُحلت له ساعة من نهار، ثم أُطبقت وحرمت إلى يوم القيامة، وذلك يوم فتح مكة، وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار»، الحديث، وقد تقدم في سورة المائدة قال ابن زيد: لم يكن بها أحد حلالاً غير النبي -صلى الله عليه وسلم- وقيل: وأنت مقيم فيه وهو محلك، وقيل: وأنت فيه محسن، وأنا عنك فيه راضٍ، وذكر أهل اللغة أنه يقال: رجل حل. "

رجلٌ حلٌّ.

" رجلٌ حلٌ وحلال ومحل، ورجل حرام ومحل ورجلٌ حرام ومحرِم، وقال قتادة: أنت حل به لست بآثم، وقيل هو ثناء على النبي -صلى الله عليه وسلم- أي إنك غير مرتكب في هذا البلد ما يحرم عليك ارتكابه معرفة منك بحق هذا البيت لا كالمشركين الذين يرتكبون الكفر بالله فيه أي أقسم بهذا البيت المعظّم الذي قد عرفت حرمته فأنت مقيم فيه معظِّم له غير مرتكب فيه ما يحرم عليك. وقال شرحبيل بن سعد: {{وأنت حل بهذا البلد}} { ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ} البلد:2 أي حلال أي هم يحرمون مكة أن يقتلوا بها صيدًا أو يعضدوا بها شجرة، ثم هم مع هذا يستحلون إخراجك وقتلك. "

يعني يتورعون عن قتل الصيد والشجر، ولا يتورعون عن إخراجه -عليه الصلاة والسلام- وقتله، التخريج.

طالب: .............

معروف هذا في الصحيحين، والباقي ما فيه شيء مرفوع.

" قوله تعالى: {{ووالد وما ولد}} { ﭼ ﭽ ﭾ} البلد:3 قال مجاهد وقتادة والضحاك والحسن وأبو صالح: {{ووالد}} {} البلد:3 آدم- عليه السلام-، {{وما ولد}} { ﭽ ﭾ} البلد:3 أي وما نسل من ولده، أقسم بهم؛ لأنهم أعجب ما خلق الله تعالى على وجه الأرض؛ لما فيهم من التبيان والنطق والتدبير، وفيهم الأنبياء والدعاة إلى الله تعالى، وقيل: هو إقسام بآدم والصالحين من ذريته. "

فآدم هو الوالد والصالحون هم ما ولد.

" وأما غير الصالحين فكأنهم بهائم، وقيل: الوالد إبراهيم وما ولد ذريته، قاله أبو عمران الجُوني. "

الجَوني.

" الجَوني، ثم يحتمل أنه يريد جميع ذريته، ويحتمل أنه يريد المسلمين من ذريته، قال الفراء: وصلحت ما للناس كقوله: {{ما طاب لكم}} { ﮋ ﮌ ﮍ} النساء:3، وكقوله: {{وما خلق الذكر والأنثى}} { ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ} الليل:3 وهو الخالق للذكر والأنثى وقيل ما مع.. "

صلحت وإن كانت في الأصل لغير العاقل، وهنا وضعت في موضع العاقل؛ لأن غالب ما ولد ليسوا صالحين وليسوا بمسلمين {{وإن تطع أكثر من في الأرض}} { ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ} الأنعام:116، وأخرج بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وغير الصالح وغير المسلم يعامل معاملة غير العاقل؛ لأنه لو كان عاقلاً لاستعمل عقله فيما ينفعه، فلزم الإيمان والصلاح والاستقامة.

طالب: .............

لا، هذا يضعف الكلام، يضعف هذا الكلام.

طالب: .............

على كل حال الأصل فيها لغير العاقل { ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ} النساء:3 وما طاب هم النساء يعني من النساء.

" وقيل (ما) مع ما بعدها في موضع المصدر أي ووالد.. "

وكونها تطلق في حق النساء لنقص عقلهن ناقصات عقل ودين.

" أي ووالد وولادته كقوله تعالى.. "

تكون حينئذٍ مصدرية ليست موصولة.

" كقوله تعالى: {{والسماء وما بناها}} { ﭠ ﭡ ﭢ} الشمس:5، وقال عكرمة وسعيد بن جبير: {{ووالد}} {} البلد:3 يعني الذي يُولد له {{وما ولد}} { ﭽ ﭾ} البلد:3 يعني العاقر الذي لا يولد له وقاله ابن عباس. وما على هذا نفي. وهو بعيد، ولا يصح إلا بإضمار الموصول، أي ووالد والذي ما ولد، وذلك لا يجوز عند البصريين. وقيل: هو عموم في كل والد وكل مولود، قاله عطية العوفي. وروي معناه عن ابن عباس أيضا. وهو اختبار الطبري. قال الماوردي: ويحتمل أن الوالد النبي صلى الله عليه وسلم، لتقدم ذكره، وما ولد أمته: لقوله- عليه السلام-: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم». فأقسم به وبأمته بعد أن أقسم ببلده، مبالغة في تشريفه- عليه السلام-."

{{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم}} { ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ} الأحزاب:40 وهو يقول -عليه الصلاة والسلام- «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد»، وزوجاته أمهات المؤمنين، فهو بمنزلة الوالد لأمته، وأما المنفي {{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم}} { ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ} الأحزاب:40 فهذا لنفي التبني أن يكون أبًا لفلان بعينه بالتبني، وينسب إليه ويضاف إليه فيقال: ابن محمد، هذا لا يجوز.

طالب: الحديث..

ماذا يقول عنه؟

طالب: .............

نعم، هو مر مرارًا أكثر من مرة.

طالب: .............

لا، هو قابل.. معروف مر مرارًا، وأظن في تفسير آية الأحزاب.

طالب: ... إطلاق الوالد على الشيخ أو على سماحة المفتي...

والله عند التزام هذا اللفظ ما فيه شك أن فيه ما فيه، وأنا ذكرت ذلك بحثًا أن التزام هذا قد يشبه بالبابا وما البابا عند النصارى، نحن يصير عندنا الوالد بحيث لو يحذف الاسم، وتحذف الأوصاف ما يبقى إلا الوالد علم عليه، هذا مشكل، لكن ما فيه شك أنها من باب التقدير، تُطلق عليه ما فيه إشكال إن شاء الله.

طالب: .............

نعم ، ابن باز ما يذكر شيئًا، ما ينكر، يسكت ما يقول شيئًا، وأول من قالها له الملك فهد.

طالب: .............

على كل حال مثل هذا لو استرسل الناس فيه، وحذفوا الأوصاف، وحذفوا الاسم صار مجرد راح الوالد وجاء الوالد يظن أنه مثل البابا عند غيرنا.

طالب: .............

لا، ما يلزم، لا، كبير المسلمين أب للصغير.

" قوله تعالى: {{لقد خلقنا الإنسان في كبد}} { ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ} البلد:4 إلى هنا انتهى القسم، وهذا جوابه، ولله أن يقسم بما يشاء من مخلوقاته لتعظيمها كما تقدم، والإنسان هنا ابن آدم {{في كبد}} { ﮃ ﮄ} البلد:4 أي في شدة وعناء من مكابدة الدنيا، وأصل الكبد الشدة، ومنه تكبّد اللبن غلظ وخثر واشتد، ومنه الكَبِد؛ لأنه دم تغلظ واشتد، ويقال: كابدت هذا الأمر قاسيت شدتها، قال لبيد:

يا عين هلا بكيت أربد إذ

 

قمنا وقام الخصوم في كبد

قال ابن عباس والحسن. "

هذا وصف للإنسان في هذه الدنيا أنه في شدة وبلاء ومحنة في هذه الدنيا ليست بدار إقامة ولا قرار قال التهامي أبو الحسن:

حكم المنية في البرية جاري

 

ما هذه الدنيا بدار قرار

إلى أن قال:

ومكلف الأيام ضد طباعها

 

متطلب في الماء جذوة نار

" وعن ابن عباس أيضا: في شدة من حمله وولادته ورضاعه ونبت أسنانه، وغير ذلك من أحواله. وروى عكرمة عنه قال: منتصبًا في بطن أمه. والكبد: الاستواء والاستقامة. فهذا امتنان عليه في الخلقة. ولم يخلق الله- جل ثناؤه- دابة في بطن أمها إلا منكبة على وجهها إلا ابن آدم، فإنه منتصب انتصابًا، وهو قول النخعي ومجاهد وغيرهما. ابن كيسان: منتصبًا رأسه في بطن أمه، فإذا أذن الله أن يخرج من بطن أمه قلب رأسه إلى رجلي أمه. وقال الحسن: يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة. وعنه أيضًا: يكابد الشكر على السراء ويكابد الصبر على الضراء؛ لأنه. "

ويكابد التكاليف؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، وهذه المكاره تحتاج إلى من يكابدها.

" لأنه لا يخلو من أحدهما، ورواه ابن عمر وقال يمان: لم يخلق الله خلقًا يكابد ما يكابد ابن آدم، وهو مع ذلك أضعف الخلق. قال علماؤنا: أول ما يكابد قطع سرته ثم إذا قُمِط قماطًا وشد رباطًا يكابد. "

يعني في المهد يُربط يُشد عليه المهد يتضايق منه.

" يكابد الضيق والتعب، ثم يكابد الارتضاع، ولو فاته لضاع، ثم يكابد نبت أسنانه، وتحرك لسانه، ثم يكابد الفطام، الذي هو أشد من اللطام، ثم يكابد الختان، والأوجاع والأحزان، ثم يكابد المعلم وصولته، والمؤدب وسياسته، والأستاذ وهيبته، ثم يكابد شغل التزويج والتعجيل فيه، ثم يكابد شغل الأولاد، والخدم والأجناد، ثم يكابد شغل الدور، وبناء القصور، ثم الكبر والهرم، وضعف الركبة والقدم، في مصائب يكثر تعدادها، ونوائب يطول إيرادها، من صداع الرأس، ووجع الأضراس، ورمد العين، وغم الدين، ووجع السن، وألم الأذن. ويكابد محنًا في المال والنفس، مثل الضرب والحبس، ولا يمضي عليه يوم إلا يقاسي فيه شدة، ولا يكابد إلا مشقة، ثم الموت بعد ذلك كله، ثم مسألة الملك، وضغطة القبر وظلمته، ثم البعث والعرض على الله، إلى أن يستقر به القرار، إما في الجنة وإما في النار، قال الله تعالى: {{لقد خلقنا الإنسان في كبد}} { ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ} البلد:4 فلو كان الأمر إليه لما اختار هذه الشدائد. "

يعني لو خُيِّر تريد أن توجد في الدنيا مع هذه الأمور أو ما توجد أصلاً؟ يمكن يقول ما.. إذا كانت هذه موجودة فلا أحتاج إليه، وقد يقول قائل: ما الحكمة في خلق الإنسان على هذه الصفة؟ لماذا لم يخلق الله الإنسان الذي هو أكرم مخلوق مرتاحًا منعّمًا ما يكابد ولا يقاسي ولا شيء؟ أصل خِلْقة الإنسان من أجل العبودية، وهذا نوع من العبودية إذا صبر وشكر لا شك أنه حقق هذا الهدف بخلاف ما إذا كفر ولم يصبر وضجر، فإنه حينئذٍ لا يحقق الهدف الذي من أجله خلق، وإلا فما المصلحة أنه يؤمر بالاغتسال في الليالي الشاتية؟ كما يكتب بعضهم ومع الأسف في صحفنا وفي وسائل الإعلام ويقول بملء فيه: الله- جل وعلا- تخلفت حكمته في إيجاد شخص معوّق عالة على نفسه ناقص الخِلْقة عالة على أهله مشقة عليهم، ولا يدري ما الحكمة من وجود أمثال هؤلاء، الله- جل وعلا- له الحكمة البالغة، {لا يسأل عما يفعل}، وهذا اعتراض على الله- جل وعلا-، تعالى الله عما يقولون، وابن القيم- رحمه الله- ذكر من الحكم في إيجادهم ما ذكر في طريق الهجرتين وفي مفتاح دار السعادة وغيرها من كتبه يعني ما فيه حكم «إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم» والصبر عليه، وصبره أيضًا على هذه الأمراض له بدلها الثواب العظيم والنعيم المقيم في جنات النعيم.

طالب: .............

أنه ماذا؟

طالب: .............

أنت اخترت؟

طالب: .............

لا.

طالب: .............

الإنسان حملها بتقدير الله عليه وإلا فما هي مسألة اختيار، ما فيه أحد يقول: والله أنا ما أريد هذه التكاليف، ولا أريد لا جنة ولا نارًا، يتهيأ لأحد هذا؟! ما يمكن.

طالب: .............

هذا الميثاق، نعم.

طالب: .............

نعم ما أحد يذكر، لكن الله- جل وعلا- جاء بالنص أن الله أخرجهم من صلبه كالذر وقال لهم وقبلوا وغرس فيهم الفطرة، جاء به النص هذا.

" ودلَّ هذا على أن له خالقًا دبره، وقضى عليه بهذه الأحوال، فليمتثل أمره، وقال ابن زيد: الإنسان هنا آدم، وقوله:{{في كبد}} { ﮃ ﮄ} البلد:4 أي في وسط السماء، وقال الكلبي: إن هذا نزل في رجل من بني جُمَح كان يقال له أبو الأشدين، وكان يأخذ الأديم العكاظي فيجعله تحت قدمه فيقول: من أزالني عنه فله كذا، فيجذبه عشرة حتى يتمزق ولا تزول قدماه، وكان من أعداء النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه نزل: البلد: ٥ يعني لقوته. وروي عن ابن عباس {{في كبد}} { ﮃ ﮄ} البلد:4 أي شديدًا، يعني شديد الخَلْق، وكان من أشد رجال قريش وكذلك ركانة بن هاشم بن عبد المطلب، وكان مثلاً في البأس والشدة، وقيل في كبد أي جريء. "

وحصل منه المصارعة المعروفة في كتب السيرة.

" وقيل: {{في كبد}} { ﮃ ﮄ} البلد:4 أي جريء القلب غليظ الكبد مع ضعف خلقته ومهانة مادته قال ابن عطاء: في ظلمة وجهل، وقال الترمذي: مضيّعًا ما يعنيه مشتغلاً بما لا يعنيه. "

يعنيه أم يعينه؟ ماذا عندك أنت؟

" مشتغلاً بما لا يعنيه. "

النون قبل أم بعد الياء؟

الترمذي.

الحكيم معروف، المقصود بالترمذي هنا الحكيم، مضيعًا ما يعينه أم يعنيه؟

طالب: يعنيه..

عندك الياء قبل أم النون.

" يعنيه، هي مشكَّلة يعنيه. "

نعم، لكن أنا عندي الياء قبل النون، والأصل النون قبل.

طالب: .............

نعم هو الظاهر.

" الياء قبل هنا لكنه شكلها يعنيه. "

في الطباعة خطأ.

" قوله تعالى: البلد: ٥ - ٩ قوله تعالى: البلد: ٥ أي أيظن ابن آدم ألن يعاقبه الله- عز وجل-. البلد: ٦ أي أنفقت البلد: ٦ أي كثيرًا مجتمعًا. "

يعني ملبدًا بعضه فوق بعض من كثرته.

" البلد: ٧ أي أيظن البلد: ٧ أي أن لم يعاينه أحد. بل علم الله- عز وجل- ذلك منه فكان كاذبًا في قوله أهلكت ولم يكن أنفقه. "

قد يكون أهلكه وأنفقه لكن فيما لا يرضي الله- جل وعلا- فهذا يكون وبالاً عليه، والذي ينفق في سبيل الله ويخفي هذه النفقة حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه هذا هو حائز الأجر الأوفر، وقد ينفق في سبيل الله، لكن يحب أن يطّلع عليه الناس، وقد ينطق بشيء من ذلك، فينقص أجره، أما إذا أنفقه لا في سبيل الله، بل فيما يضره أو فيما لا ضرر فيه ولا نفع فهذا خسران، نسأل الله العافية.

" وروى أبو هريرة قال: يوقف العبد فيقال: ماذا عملت في المال الذي رزقتك؟ فيقول: أنفقته وزكيته فيقال: كأنك إنما فعلت ذلك ليقال: سخي، فقد قيل ذلك، ثم يؤمر به إلى النار. "

نسأل الله العافية، وهذا أحد الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، نسأل الله العافية، يؤتى بصاحب الأموال فيقال له: ماذا صنعت؟ قال: جمعت المال وأنفته في سبيلك فيقال: كذبت، إنما أنفقت ليقال: جواد، وقد قيل، ثم يؤمر به فيجر ويلقى في النار، والثاني من تعلم العلم وعلّمه الناس، وقرأ القرآن ثم يؤتى به فيقال: ماذا صنعت؟ يقال: تعلمت العلم وقرأت القرآن، وعلمت الناس يقال له: كذبت إنما تعلمت وعلمت ليقال: عالم مثل صاحبه، فيؤمر به، فيلقى في النار، والثالث الذي يجاهد ويقاتل حتى يقتل، وظاهر الأمر أنه في سبيل الله، لكن النية فاسدة، يؤتى به فيقال: ماذا صنعت؟ يقول: قاتلت في سبيلك حتى قتلت قال: كذبت، إنما قاتلت ليقال: جريء أو شجاع، وقد قيل. فهؤلاء الثلاثة هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، لا يظن الإنسان أنه سوف يصدر كفافًا ما له وما عليه لا، لاسيما في مسألة العلم، فالنية شرود لا بد من تحسسها ولا بد من تفقدها، بينما هو يظن نفسه أنه من أصحاب الدرجات العلى، ﰐﰑ المجادلة: ١١ الدرجة مثل ما بين السماء والأرض، فإذا به أول من تسعر به النار يوم القيامة، نسأل الله العافية ﯿ الزمر: ٤٧ نسأل الله العافية.

" وعن سعيد عن قتادة: إنك مسؤول عن مالك من أين جمعت وكيف أنفقت. وعن ابن عباس قال: كان أبو الأشدين يقول: أنفقت في عداوة محمد مالاً كثيرًا وهو في ذلك كاذب وقال مقاتل: نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل أذنب فاستفتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فأمره أن يكفِّر فقال: لقد ذهب مالي في الكفَّارات والنفقات منذ دخلت في دين محمد، وهذا القول منه يحتمل أن يكون استطالة بما أنفق، فيكون طغيانًا منه أو أسفًا عليه، فيكون ندمًا منه، وقرأ أبو جعفر. "

هو سوء على كلا الاحتمالين أمر سيئ، الإنسان يندم على ما فعل من أعمال الخير! يذهب أجره ويثبت عليه وزر، وهذا أمر قد ينم عليه بعض الناس لاسيما إذا رأى المردود الدنيوي ضعيفًا أو ما له مردود، تجده يكرم شخصًا لدينه وفضله وعلمه، ثم يندم على ذلك لأدنى خلل في استقباله الناس اليوم أو كثير منهم تجد معاملته أبدًا مقايضة، تجده يحب فلانًا في الله يقول: أنا أحب فلانًا في الله، أو أزوره في الله، لكن لو اختلف استقباله ندم على زيارته وما عاد له ثانية، مما يدل على أن هذه الزيارة ليست لله، وكذلك الإنفاق هذا إذا ندم بعض الناس يحصل في مجالسهم من باب الهزل، يحج المرء، شخص يحج ويقال له: تريد حجتك؟! أعطيك مائة ألف وتنازل عن حجتك، حج وانتهى هو، ثم يقبل، ثم ما يحصل شيئًا، لكن ضيعوا نية هذا المسكين الذي حج على لا شيء، وهم شركاء في الوزر، نسأل الله العافية، وإلا فالدنيا كلها ما تقوم بأدنى شيء من أمور الآخرة، ركعتا الفجر في دقيقتين خير من الدنيا وما فيها، وهذا يقول: نحج ثانية أو يقول: صل ركعتين غير هاتين، لا المسألة ليست بهذه الطريقة، الحساب ليس على هذا، ما يكون الحساب بهذه الطريقة، تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات فكأنما أعتقت أربعة من ولد إسماعيل في دقيقة تريد أن تحسب مقايضة بالوقت ما يصلح، ما هي معاملة بشر، يشوف خسائره وأرباحه.

طالب: ....................

ما فيه شك أنه يملك عليه شيئًا من شعوره ومن قلبه والعكس بالعكس، لكن يبقى أن أصل المسألة لا تدور على هذا.

طالب: ....................

يجد في نفسه، لكن لا يؤثر على تصرفاته، ولا تغير في معاملته، والمحبة تبقى في الله لا تزيد مع الصفا، ولا تنقص مع الجفا، وإلا فالنفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وهذا من الإحسان، وبغض من أساء إليها، وهذه إساءة، لكن يبقى أن الأصل أصل المحبة ثابت.

طالب: ....................

هو يكون بعد الإنفاق.

طالب: ....................

ما فيه شك، نعم، الآن إذا أنفق خفية وأخفاه عن الناس ثم تكلم به بعد حين قال: أنا قبل ثلاثين سنة تصدقت بكذا، أثر عليه ما فيه شك.

" وقرأ أبو جعفر: مالاً لُبَّدا بتشديد الباء مفتوحة على جمع لابد مثل راكع ورُكَّع وساجد وسجَّد وشاهد وشُهَّد ونحوه، وقرأ مجاهد وحميد بضم الباء واللام مخففًا جمع لُبُود، والباقون بضم اللام وكسرها وفتح الباء مخففًا جمع لَبْدة ولِبْدة، وهو ما تلَبَّد يريد الكثرة، وقد مضى في سورة الجن القول فيه. "

لكن هل القراءة في الموضعين واحدة أو مختلفة؟ بالضم فيهما أو بالكسر فيهما أو الضم في أحدهما والكسر في الآخر؟ ولماذا اختلف إذا كان هناك اختلاف؟

طالب: ....................

نعم من جهة المعنى؛ لأنه بيّن لك هنا لُبَدا بالضم جمع لُبُود، والباقون بضم اللام وكسرها وفتح الباء مخففًا بضم اللام وكسرها جمع لَبْدة ولِبْدة، وهو ما تلبَّد، يريد به الكثرة.

طالب: ...................

طيب لكن ما فيه فرق بين القراءتين؟ أولاً هل القراءة بهما على وجه واحد أو على وجه مختلف؟ سورة الجن.

طالب: الجن: ١٩.

الجن: ١٩ طيب البلد: ٦ لماذا لا يكون هناك لُبَدا وهنا لِبَدا أو كلاهما على سَنَن واحد يعني الاختلاف ينبئ عن فرق، وإن كان بعض القراء يقرأ في الموضعين على سَنن واحد، والثاني كذلك، يعني إما بالضم أو بالكسر، ولذلك يقول: والباقون بضم اللام وكسرها، يعني أنت مخيّر جمع لَبْدة ولِبْدة، وهو ما تلبَّد، يريد الكثرة، أو المسألة مسألة رواية واتباع، ما يدخل القياس؟

طالب: ...................

نعم المسألة مسألة رواية على ما ثبت.

" وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقرأ: أيحسب بضم السين في الموضعين."

يحسُب.

" أيحسُب بضم السين في الموضعين، وقال الحسن: يقول أتلفت مالا كثيرًا فمن يحاسبني دعني أحسبه ألم يعلم أن الله قادر على محاسبته وأن الله - عز وجل- يرى صنيعه؟ ثم عدد عليه نعمه فقال: البلد: ٨ يبصر بهما، ولسانًا ينطق به، وشفتين يستر بهما ثغره، والمعنى نحن فعلنا ذلك، ونحن نقدر على أن نبعثه ونحصي عليه ما عمله. وقال أبو حازم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-."

نعمة من هذه النعم العينان أو اللسان أو الشفتان أو السمع أو غيرها من النعم لو وضعت في كفة، ووضعت جميع أعمال العبد طيلة عمره ولو طال لا تقوم له، يتصور الإنسان في ساعة من الساعات ينزف عرقًا مثلاً أو يظلم بصره فلا يرى الدنيا أو لا يسمع الناس من حوله كيف تكون حياته لو أصبع من أصابعه ما هو يد ولا رجل، يصلي ويقف لكن يريد أن يثنيه عجز، تضيق عليه الدنيا بما رحبت، ما تسوى الدنيا كلها جناح بعوضة عنده، فنعم الله لا تعد ولا تحصى ﭱﭲ النحل: ١٨ ، والإنسان يمن على ربه إذا صنع شيئًا يسيرًا مما أمر به أو اجتنب ما نُهي عنه، وعلى المسلم أن يكون متوسطًا في أموره كلها، لا إفراط ولا تفريط، ذُكر عن بعضهم أنه تعبّد سبعين سنة، تعبَّد لم يلتفت إلى دنيا ولا إلى شيء لا مال ولا إلى ولد، انقطع إلى العبادة سبعين سنة، ويكتفي بالدعاء بالنجاة من النار يقول: ما أسأل الله الجنة، أنا ما أنا بكفؤ للجنة، مثل هذا أيضًا، هذا ما هو بسوي، هذا ما هو بصحيح ولا هو بشرعي، اسأل ربك الجنة واستعذ به من النار، وأحسن الظن بربك، وبعض الناس العكس يجلس بالمسجد يقرأ له خمس دقائق عقب الناس، ثم إذا تحرك الباب قال: دخلت الملائكة يسلمون عليّ عيانًا، الناس في كثير عندهم خلل، لا الأول سوي ولا الثاني سوي، المسألة مسألة توسط في الأمور كلها، فهذه النِّعم ينبغي أن تجعل نصب العينين، والإنسان إذا فقدها أحس بفقدها مادامت موجودة والشباب والنشاط والحواس على تمامها ما يدرك كثيرًا من هذا إلا من منّ الله عليه.

" وقال أبو حازم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تعالى قال: يا ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبِق، وإن نازعك بصرك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبِق، وإن نازعك فرجك إلى ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبِق»."

مخرّج هذا أم؟

طالب: ...................

الذي قبله ما خُرِّج منه شيء؟

طالب: ...................

والقراءة.

طالب: ...................

يحسُبُ.

طالب: ...................

يقول: رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقرأ أيحسُب بضم السين في الموضعين.

طالب: ...................

ماذا هو؟

طالب: ...................

نعم؛ لأنه يقول: أيحسُب بضم السين في الموضعين.

طالب: مع أنها بفتح السين يكون...

الضبط بالشكل بالفتح، لكن مراده.. لأنه يقول بضم السين في الموضعين، والعبرة بالحروف لا بالحركات.

" والشفة أصلها شفْهة حذفت منها الهاء، وتصغيرها شُفيهة، والجمع شفاه، ويقال: شفهات وشفوات، والهاء أقيس، والواو أعم تشبيهًا بالسنوات. "

نعم شفهات وشفوات، ولذلك يقولون: اختبار شفهي واختبار شفوي، يجوز هذا وهذا.

" وقال الأزهري: يقال: هذه شفة في الوصل وشفه بالتاء والهاء. وقال قتادة: نِعم الله ظاهرة يقررك بها حتى تشكر. قوله تعالى: البلد: ١٠ يعني الطريقين طريق الخير وطريق الشر أي بيّناهما له بما أرسلناه من الرسل، والنجد الطريق في ارتفاع، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود وغيرهما، وروى قتادة قال: ذُكر لنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: يا أيها الناس، إنما هما النجدان نجد الخير ونجد الشر، فلمَ تجعل نجد الشر أحب إليك من نجد الخير؟"

مخرّج؟

طالب: ...................

عن قتادة هو المذكور من السند.

طالب: ...................

أشبه أنه موقوف على أحد الاثنين قتادة أو الحسن من كلامهم.

" وروي عن عكرمة قال: النجدان الثديان، وهو قول سعيد بن المسيِّب والضحاك، ورُوي عن ابن عباس وعلي- رضي الله عنهما-. لأنهما كالطريقين لحياة الولد ورزقه، فالنجد العلو وجمعه نجود، ومنه سميت نجد؛ لارتفاعها عن انخفاض تهامة، فالنجدان الطريقان العاليان، قال امرؤ القيس:

فريقان منهم جازع بطن نخلة

 

وآخر منهم قاطع نجد كبكب

قوله تعالى: البلد: ١١ أي فهلّا أنفق ماله الذي.. "

إذا قيل: أنجد معناه ارتفع كما يقولون بلهجة الناس اليوم الأعراب يقول سنَّد يعني ذهب إلى الجهة المرتفعة التي هي نجد مع أنهم يقولون إذا ذهب إلى تهامة أتهم يعني دخل تهامة، كما يقال: أنجد إذا دخل نجدًا.

................................

 

وكن في اكتساب العلم طلاع أنجد

منظومة الآداب لابن عبد القوي.

" قوله تعالى: البلد: ١١ أي فهلّا أنفق ماله الذي يزعم أنه أنفقه في عداوة محمد، هلا أنفقه لاقتحام العقبة فيأمن، والاقتحام الرمي بالنفس في شيء من غير روية يقال منه: قحم في الأمر قُحُومًا أي رمى بنفسه فيه من غير روية. "

يعني اقتحم الغمرات يعني غامر فولج في شيء لا يجزم بخلاصه منه كالنار والبحر وما أشبه ذلك.

" وقحَّم الفرسُ فارسه تقحيمًا على وجهه إذا رماه، وتقحيم النفس في الشيء إدخالها فيه من غير رويَّة، والقُحمة بالضم المهلكة والسنة الشديدة يقال: أصابت الأعرابَ القُحْمة إذا أصابهم قحط فدخلوا الريف، والقُحَم صعاب الطريق، وقال الفراء والزجّاج: وذكر لا مرة واحدة والعرب لا تكاد تفرد لا مع الفعل الماضي في مثل هذا الموضع حتى يعيدوها في كلام آخر كقوله تعالى: القيامة: ٣١ و يونس: ٦٢ وإنما أفردها؛ لدلالة آخر الكلام على معناه فيجوز أن يكون قوله: البلد: ١٧ قائمًا مقام التكرير كأنه قال: فلا اقتحم العقبة ولا آمن، وقيل: هو جارٍ مجرى الدعاء كقوله: لا نجى ولا سلم. "

يدعو عليه بعدم النجاة وعدم السلامة، وهذا يُدعى عليه ألا يقتحم العقبة، لكن فيه ضعف.

" قال سفيان بن عيينة: كل شيء قال فيه: وما أدراك فإنه أخبر به، وكل شيء قال فيه: وما يدريك فإنه لم يخبر به، وقال: معنى البلد: ١١ أي فلم يقتحم العقبة كقول زهير:

وكان طوى كشحًا على مستكنة

 

فلا هو أبداها ولم يتقدم

أي فلم يبدها ولم يتقدم، وكذا قال المبرّد وأبو علي: لا بمعنى لم، وذكره البخاري. "

أبو علي من هو؟ القالي؟

طالب: ...................

من هو؟

طالب: ...................

لا، لكن هذه كلمة لغوية مثل المبرد.

طالب: لعله المبرد أبو علي؟

لا، أبو العباس المبرد أبو العباس لا، عادي الكتب مقترنة يعني للقالي مثل الكامل للمبرد سواء بسواء، وكلها من أصول الأدب، ويُنقل منها بكثرة.

" وذكره البخاري عن مجاهد أي فلم يقتحم العقبة في الدنيا، فلا يحتاج إلى التكرير ثم فسّر العقبة وركوبها فقال: فك رقبة وكذا، فبيّن وجوهًا من القُرب المالية، وقال ابن زيد.. "

هذه عقبة باعتبار مشقتها على كثير من النفوس، بل هي بالنسبة لبعض الناس كؤود يصعب عليه أن يتجاوز هذه العقبة، وهي يسيرة على من يسره الله عليه، فك رقبة أو إطعام موجود، توفي شخص من الأسبوع الماضي- رحمة الله عليه- عن أكثر من مائة سنة، أنا مذ عرفت نفسي وهو كل صباح يذهب إلى السوق معه عربة تدفع باليدين ويملأها من الخضار، ويوزعها على الجيران في كل صباح، وأنا أعرفه مذ كنت طفلًا من خمسين سنة، حتى قالوا: إنه قبل ذلك، لكن هذا من يوم عرفته، توفي في الأسبوع الماضي- رحمة الله عليه- وعلى عمر يزيد عن مائة سنة، الله المستعان، الأمور يسيرة ما هي.. ما تكلف شيئًا، الإنسان يتعود على شيء ولو يسير، لكن المهم يتعوّد الصدقة، يتعود البذل، يتعود النفع على أي وجه كان، ولو لم يكن ماليًّا أو مادّيًّا، لكن عند بعض الناس تحمله جبل ولا تكلفه ريالًا، حتى إن بعضهم يتمنى أن الغرامات تحول جلدات، وبعضهم العكس، مستعد يدفع أموال الدنيا ولا يساء إليه بكلمة، ولذلك قال: البلد: ١١ العقبة ما هي؟ البلد: ١٣ فك رقبة إذا كان عندك أموال طائلة فالرقبة أمرها يسير، كما أعتق الصديق وغيره من خيار الأمة، فك رقاب، والآن الرقاب تئن في بلدان المسلمين، والأمة من أقدر الناس على فكها، ولا أحد يتحرك، ابن العربي- رحمه الله- يقول: وفك العاني يعني الأسير فرض في بيت مال المسلمين ولو لم يبق فيه درهم فرض في بيت مال المسلمين ولو لم يبق فيه درهم فك رقبة، اجلس في مجلسك بدقيقة واحدة لا إله إلا الله عشر مرات كأنك أعتقت أربعة من ولد إسماعيل، إذا كنت لا تجد فالبدائل كثيرة، ولله الحمد، والأبواب مشرعة إلى الجنة، لكن الهوى والنفس والشيطان.

وخالف النفس والشيطان واعصهما

 

وإن هما محضاك النصح فاتهم

" وقال ابن زيد وجماعة من المفسرين: معنى الكلام الاستفهام الذي معناه الإنكار، تقديره: أفلا اقتحم العقبة أو هلّا اقتحم العقبة يقول: هلّا أنفق ماله في فك الرقاب وإطعام.. "

السَّغبان.

" وإطعام السِّغبان. "

السَّغبان مثل عطشان وجوعان.

جمع مسغبة؟

نعم.

" ليجاوز به العقبة فيكون خيرًا له من إنفاقه في عداوة محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم قيل: اقتحام العقبة هاهنا ضرب مثل، أي هل تحمل عظام الأمور في إنفاق ماله في طاعة ربه والإيمان به؟ وهذا إنما يليق بقول من حمل فلا اقتحم العقبة على الدعاء، أي فلا نجا ولا سلم من لم ينفق ماله في كذا وكذا وقيل: شبه عظم الذنوب وثقلها وشدتها بعقبة، فإذا أعتق رقبة وعمل صالحًا كان مثله كمثل من اقتحم العقبة، وهي الذنوب التي تضره وتؤذيه وتثقله قال ابن عمر: هذه العقبة جبل في جهنم. وعن أبي رجاء قال: بلغنا أن العقبة مصعدها سبعة آلاف سنة، ومهبطها سبعة آلاف سنة. وقال الحسن وقتادة: هي عقبة شديدة في النار دون الجسر فاقتحِموها بطاعة الله. وقال مجاهد والضحاك والكلبي: هي الصراط يضرب على جهنم كحد السيف مسيرة ثلاثة آلاف سنة سهلاً وصعودًا وهبوطًا، واقتحامه على المؤمن واقتحامه على المؤمن كما بين صلاة العصر إلى العشاء وقيل: اقتحامه عليه قدر ما يصلي صلاة المكتوبة. وروي عن أبي الدرداء أنه قال: إن وراءنا عقبة أنجا الناس منها أخفهم حِملاً. وقيل: النار نفسها هي العقبة، فروى أبو رجاء عن الحسن قال: بلغنا أنه ما من مسلم يعتق رقبة إلا كانت فداءه من النار. وعن عبد الله بن عمر قال: من أعتق رقبة، أعتق الله - عز وجل- بكل عضوٍ منها عضوًا منه. "

نعم، إن كان ذكرًا فيعتق ذكرًا، أو ذكرًا يعتق أنثيين كانتا فكاكه من النار، فالرجل يقوم مقام الرجل، والرجل لا يقوم مقامه إلا امرأتان من المواضع التي الخمسة التي ذكر فيها أن المرأة على النصف من الرجل في العتق، في الدية، وفي الإرث، والعقيقة والشهادة، نعم خمسة.

طالب: ...................

إسرائيليات ما تثبت.

طالب: ...................

" وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضوٍ منها عضوًا من أعضائه من النار حتى فرجه بفرجه. وفي الترمذي عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما امرئ مسلم أعتق امرءًا مسلمًا كان فكاكه من النار، يجزي كل عضو منه عضوًا منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار، يجزي كل عضو منها عضوًا منها» قال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقيل: العقبة خُلاصة من هو العرش. "

خَلاصه.

" وقيل: العقبة خَلاصه من هول العرض، وقال قتادة وكعب: هي نار دون الجسر. وقال الحسن: هي والله عقبة شديدة مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان، وأنشد بعضهم:

إني بُليت بأربع يرمينني

 

بالنبل قد نصبوا عليَّ شراكًا

إبليس والدنيا ونفسي والهوى

 

من أين أرجو بينهن فكاكًا

يا رب ساعدني بعفو إنني

 

أصبحت لا أرجو لهن سواكًا

قوله تعالى: البلد: ١٢ فيه حذف، أي وما أدراك ما اقتحام العقبة؟ وهذا تعظيم لالتزام أمر الدين، والخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليعلمه اقتحام العقبة، قال القشيري: وحمل العقبة على عقبة جهنم بعيد؛ إذ أحد في الدنيا لم يقتحم عقبة جهنم إلا أن يحمل على أن المراد، فهلّا صبر نفسه. "

صيَّر.

" أي فهل صيّر نفسه بحيث يمكنه اقتحام عقبة جهنم غدًا، واختار البخاري. "

يعني من باب الوعيد أن هناك عقبة كؤودًا يعاقب بها الناس ولا يستطيعون تجاوزها إلا بالأعمال الصالحة، فهي وعيد لمن خالف، ووعد لمن أطاع.

" واختار البخاري قول مجاهد: إنه لم يقتحم العقبة في الدنيا، قال ابن العربي: وإنما اختار ذلك لأجل أنه قال بعد ذلك في الآية الثانية: البلد: ١٢ ثم قال في الآية الثالثة: البلد: ١٣ وفي الآية الرابعة: البلد: ١٤ ثم قال في الآية الخامسة: البلد: ١٥ ثم قال في الآية السادسة: البلد: ١٦ فهذه الأعمال إنما تكون في الدنيا، المعنى: فلم يأتِ في الدنيا بما يسهِّل عليه سلوك العقبة في الآخرة. "

أو مسكينًا ذا متربة، هذا يستدل به الحنفية على أن المسكين أشد حاجة من الفقير؛ لأنه وصل إلى حد ما يمكن أن يصل إليه أحد، يعني لصق بالتراب، ما بقي عنده شيء، والجمهور على أن المسكين أفضل حالاً من الفقير الذي يجد بعض كفايته أفضل من الذي لا يجد شيئًا.

" قوله تعالى: البلد: ١٣ فيه ثلاث مسائل؛ الأولى: قوله تعالى: البلد: ١٣ فكها خلاصها من الأسر، وقيل: من الرق، وفي الحديث: وفك الرقبة أن تعين في ثمنها من حديث البراء، وقد تقدم في سورة براءة، والفك هو حل القيد. "

لأنك إذا لم تعن على فكها وعجز المكاتَب عن بذل ما طُلب منه فإنه يعود رقيقًا من جديد إذا عجز نفسه خلاص يرجع فأنت وأنت بذلت شيئًا يسيرًا ساهم في فكاكها كأنك فككت الرقبة.

" والفك هو حل القيد، والرِّق قيد، وسمي المرقوق رقبة؛ لأنه بالرق كالأسير المربوط في رقبته، وسمي عتقها فكًا كفك الأسير من الأسر، قال حسان:

كم من أسير فككناه بل ثمن

 

وجز ناصيةٍ كنا مواليها

وروى عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار» قال الماوردي. "

على ما تقدم حتى الأعضاء بالأعضاء، خرّجه؟

طالب: ...................

على كل حال شواهد في الصحيح.

" قال الماوردي: ويحتمل ثانيًا أنه أراد فك رقبته وخلاص نفسه باجتناب المعاصي وفعل الطاعات، ولا يمتنع الخبر من هذا التأويل وهو أشبه بالصواب. "

لأنه أعم مما نُص عليه على الإنسان أن يفدي نفسه ويسعى في خلاصها ويسعى في عتقها من النا،ر ولا يلزم أن يكون العتق بالعتق من الرق، المهم أن الإنسان يعتق نفسه، كان أبو هريرة - رضي الله عنه- يستغفر في اليوم اثني عشر ألف مرة يرى أن هذه ديته - رضي الله عنه وأرضاه-.

" الثانية قوله تعالى: البلد: ١٣ قال: أصغر الرقبة الكافرة ذات الثمن أفضل من العتق في الرقبة المؤمنة القليلة الثمن؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد سئل: أي الرقاب أفضل؟ قال: «أغلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها». قال ابن العربي: والمراد في هذا الحديث من المسلمين بدليل.. "

ولذلك لا يجزئ في الكفارات إلا الرقبة المؤمنة، فالتطوع من باب أولى.

" بدليل قوله -عليه الصلاة والسلام-: «من أعتق امرءًا مسلمة ومن أعتق رقبة مؤمنة» وما ذكره أصبغ وهلة، وإنما نظر إلى تنقيص المال، والنظر إلى تجريد المعتَق للعبادة وتفريغه للتوحيد أولى. "

نظرًا إلى تنقيص المال أنه يبذل مالًا، فينقص ماله بذلك وعِوضه على الله، وما نظر إلى أن هذه العبادة التي هي بذل المال في مقابل شخص تكمل حريته يكون عبدًا مطيعًا لله حرًّا مختارًا يتصرف في رضاء الله- جل وعلا- ونفع عبيده بما يستطيع، ولذلك عامة أهل العلم أن الرقبة في العتق لا تجزئ إلا مؤمنة خلافًا للحنفية.

" الثالثة: العتق والصدقة من أفضل الأعمال، وعن أبي حنيفة أن العتق أفضل من الصدقة، وعند صاحبيه الصدقة أفضل، والآية أدل على قول أبي حنيفة؛ لتقديم العتق على الصدقة، وعن الشعبي في رجل عنده فضل نفقة: أيضعه في ذي قرابة أو يعتق رقبة؟ قال: الرقبة أفضل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من فك رقبة فك الله بكل عضو منها عضوًا من النار»."

ما هو الذي تقدم؟ ماذا قال عندك؟

طالب: ...................

نفس الذي تقدم.

طالب: ...................

على كل حال المسألة ينظر فيها إلى الأحوال، أنت رأيت أو وقفت على أسرة تموت من الجوع أو من البرد تدفع لهم المال أفضل من الرقبة التي عند سيد ينفق عليه ويؤويه من هذه الحيثية، وإذا كانت حاجة الفقراء أقل فالعتق أفضل.

طالب: ...................

نعم هناك مرجِّحات من الظروف والأحوال والأشخاص وهكذا.

" قوله تعالى: البلد: ١٤ أي مجاعة، والسَّغب الجوع والسَّاغب الجائع، وقرأ الحسن: أو إطعام في يوم ذا مسغبة بالألف في ذا، وأنشد أبو عبيدة:

فلو كنتُ جارًا يا ابن قيس بن عاصم

 

لما بت شبعانًا وجارك ساغبًا

وإطعام الطعام فضيلة، وهو مع السغب الذي هو الجوع أفضل، وقال النخعي في قوله تعالى: البلد: ١٤. "

قبل مائة سنة وقعت مجاعة شديدة، فكان اثنان من الأغنياء في بلد ما بضاعتهم التمر، فسافر أحدهما وأوصى أخاه بأن يبيع التمر؛ لأن الناس بحاجة شديدة ماسّة إليه، وهذه فرصة للبيع، فلما جاء من السفر قال: ماذا صنعت؟ قال: بعته بقيمة لا تتخيلها بعشرة أضعاف قال: جزاك الله خيرًا وأحسن الله إليك، فإذا به قد تصدق بها على الفقراء قال: قيمة نصيبك مرصودة تريدها عندي قال: لا، أنا شريك لك يعني في أجر هذه المسغبة، حتى وصل الحد إلى أن هذا التاجر كان يضع مع التمر شيئًا من الماء ويمرسه ويصبه في حلوق من أشرف على الموت، وأحيا الله بسببه خلقًا- رحمة الله عليهم-.

" وقال النخعي في قوله تعالى: البلد: ١٤ قال: في يوم عزيز فيه الطعام، وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من موجبات الرحمة إطعام المسلم السَّغبان». البلد: ١٥ أي قرابة يقال: فلان ذو قرابتي وذو مقربتي يعلمك أن الصدقة على القرابة أفضل منها على غير القرابة. "

كما جاء في الحديث الصحيح: «صدقة وصلة».

" كما أن الصدقة على اليتيم الذي لا كافل له أفضل من الصدقة على اليتيم الذي يجد من يكفله، وأهل اللغة يقولون. "

جاءت النصوص على الترغيب في كفالة الأيتام والعناية بهم: «أنا وكافل اليتيم كهاتين»، لكن اليتيم الذي عُلم أبوه، وقد يكون له أقارب يشفقون عليه ويصلونه، وله أعمام، لكن هناك أيتام لا أقارب لهم، جنى عليهم من جنى، والحكم الشرعي معروف فيهم، هؤلاء الذين ليس لهم آباء وتبرأت منهم أمهاتهم هؤلاء ليس لهم أقارب، فهم أيتام وزيادة، فهم أيتام حكمًا، وأمرهم يزيد؛ لأن اليتيم قد يتصور له عم، يتصور له خال، يتصور له قريب يشفق عليه ويعطف عليه، لكن هؤلاء ليس لهم أحد، فالعناية بهم من أوجب الواجبات وأهم المهمات، نعم الدولة قامت بنصيب كبير من هذا، لكن لا يزال بعضهم بحاجة.

طالب: ...................

أين؟

طالب: ...................

هؤلاء الأصل أن أمه تتبرأ منه يرمى وهو صغير، وتتكفل به الدولة، أو يأخذه ناس ينفقون عليه، وإلا فإذا كان عند أمه خلاص انتهى إشكاله.

طالب: ...................

يُبحث له عن اسم ما يلتبس بغيره، لكن يعرف فيه بين الناس، فلان بن عبد الله بن عبد الرحمن بن كذا صحيح ابنٌ لعبد الله.

طالب: ...................

ماذا هو؟

طالب: ...................

المقصود رعايته وعنايته سواء كان بنفسه أو يؤجر عليه من يعتني به.

طالب: ...................

يعني من الذي عليه الملاحظات؟ الكافل؟

طالب: ...................

لا لا، تربيته وتنشئته تنشئة صالحة أولى من العناية ببدنه.

"يقال: يتم الرجل يتمًا إذا ضعف، وذكروا أن اليتيم في الناس من قبل الأب، وفي البهائم من قبل الأمهات، وقد مضى في سورة البقرة مُستوفى، وقال بعض أهل اللغة: اليتيم الذي يموت أبواه، وقال قيس بن الملوح:

إلى الله أشكو فقد ليلى كما شكى

 

إلى الله فقد الوالدين يتيم

قوله تعالى: البلد: ١٦ أي لا شيء له حتى كأنه قد لصق بالتراب من الفقر، ليس له مأوى إلا التراب، قال ابن عباس: هو المطروح على الطريق الذي لا بيت له. وقال مجاهد: هو الذي لا يقيه من التراب لباس ولا غيره. وقال قتادة: إنه ذو العيال. وقال عكرمة: إنه المديون. وقال أبو سنان: ذو الزمانة. وقال ابن جبير: الذي ليس له أحد. وروى عكرمة عن ابن عباس: ذو المتربة البعيد التربة يعني الغريب البعيد عن وطنه. وقال أبو حامد الخارزنجي: المتربة هنا من التريب، وهي شدة الحال يقال: ترب إذا افتقر، قال الهُذلي:

وكنا إذا ما الضيف حل بأرضنا

 

سفكنا دماء البدن في تربة الحال"

على كل حال هو يعود في أصله وفي جميع تصرفاته إلى التراب الذي هو أرخص موجود، كان في السابق التراب موجودًا الآن لو تريد ان تبحث لك عن مد من التراب لتتيمم فيه ما وجدت ولو تبذل فيه أموالًا قد لا تجد مع أنه كان يقال:

ولو سئل الناس التراب لأوشكو

 

............................

يعني من كثرته.

..............................

 

إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا

لكن الآن التراب نادر، لا بد أن تمشي عشرات الكيلوات لتصل إلى التراب، ولذلك قال: يقوم بعض المحسنين بجماع بإحضار هذا التراب للمرضى والمستشفيات، وصار من القُرَب بعد أن كان مبذولًا، وكل الناس قادر عليه.

طالب: ...................

يحضرون ترابًا بكرتون صغير، ويتيمم به الناس.

" وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: فكَّ بفتح الكاف على الفعل الماضي، رقبةً نصبًا؛ لكونها مفعولاً أو أطعم بفتح الهمزة ونصب الميم من غير ألف على الفعل الماضي أيضًا لقوله: البلد: ١٧ فهذا أشكل بفك وأطعم. "

لأنه كان من الذين آمنوا وأطعم وفك، كلها سننها واحد، كلها أفعال أقرب مشاكلة لما مضى.

" وقرأ الباقون: فكُّ رفعًا. "

على المصدر مثل إطعام.

" رفعًا على أنه مصدر فككت، رقبةٍ خفض بالإضافة أو إطعام بكسر الهمزة وألف ورفع الميم وتنوينها على المصدر أيضًا، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لأنه تفسير لقوله تعالى: البلد: ١٢ ثم أخبره فقال: البلد: ١٣ - ١٤ المعنى اقتحام العقبة فك رقبة أو إطعام، ومن قرأ بالنصب فهو محمول على المعنى أي ولا فك رقبة ولا أطعم في يوم ذا مسغبة، فكيف يجاوز العقبة؟ وقرأ الحسن وأبو رجاء: ذا مسغبة بالنصب على أنه مفعول إطعام أي يطعمون ذا مسغبة، ويتيمًا بدل منه، والباقون ذي مسغبة، فهو صفة ليوم، ويجوز أن يكون قراءة النصب صفة لموضع الجارّ والمجرور. "

لأنه إذا رفع الجار انتصب المجرور على نزع الخافض، فهما متقاربان في حال الجر والنصب.

" لأن قوله في يوم ظرف منصوب الموضع. "

لأنه في الأصل أن الظرف منصوب، ودخل عليها الجار فهو منصوب على المحل، لا على اللفظ.

" فيكون وصفًا له على المعنى دون اللفظ قوله تعالى: البلد: ١٧ يعني أنه لا يقتحم العقبة من فك رقبة أو أطعم في يوم ذا مسغبة حتى يكون من الذين آمنوا أي صدقوا، فإن شرط قبول الطاعات الإيمان بالله، فالإيمان بالله بعد الإنفاق لا ينفع، بل يجب.. "

يعني كونه يوجه رواية النصب قراءة الحسن، قراءة أبي رجاء ذا مسغبة ويوجهها على أنها مفعول إطعام أو يوجهها، المهم أنه يجريه على قواعد العربية، ليس معنى هذا أنه يخالف به القراءة أو يعتمدها أو يسير إليها في أسلوبه وتعامله، لا، ولذا قوله يعني أنه لا يقتحم العقبة من فك رقبة أو أطعم في يوم ذا مسغبة يعني أطعم ذا مسغبة أطعم مسكينًا ذا مسغبة، وليست وصفًا لليوم في يومٍ ذي مسغبة، الأصل لكن أراد أن يصف المطعَم وهو منصوب.

طالب: ...................

أسلمت على ما أسلفت من خير، ماذا فيه؟

طالب: ...................

والنية من فضل الله- جل وعلا- أنها تنعطف، لا شك أن الإيمان شرط بالإجماع، لكن لبعض الأعمال ولبعض العاملين من فضل الله- جل وعلا- أنها تنعطف على عمله السابق مثل نية الصيام، دخلت الساعة العاشرة البيت قلت: أريد فطورًا. قالوا: ما عندنا شيء، قلت: أجل أنا صائم. وصومك يحسب من قبل طلوع الفجر من فضل الله- جل وعلا-.

طالب: ...................

ما ورد به النص ما يمكن أن يعارض بمثل هذا.

" فالإيمان بالله بعد الإنفاق. "

لأنه قد يقع الشيء عند الله- جل وعلا- موقوفًا على سببه.

طالب: ...................

" فالإيمان بالله بعد الإنفاق لا ينفع، بل يجب أن تكون الطاعة مصحوبة بالإيمان، قال الله تعالى في المنافقين: التوبة: ٥٤ وقالت عائشة: يا رسول الله، إن ابن جُدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم الطعام، ويفك العاني، ويعتق الرقاب، ويحمل على إبله لله، فهل ينفعه ذلك شيئًا؟ قال: «لا، إنه لم يقل يومًا ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين». وقيل: البلد: ١٧ أي فعل هذه الأشياء وهو مؤمن ثم بقي على إيمانه حتى الوفاة، نظيره قوله تعالى: طه: ٨٢. "

لأن العبرة بالخاتمة لو فعل ما فعل طول حياته ثم ختم له بعمل أهل النار دخلها كما جاء في الحديث الصحيح، وبالمقابل لو عمل من السيئات ما عمل والجرائم والمنكرات ثم خُتم له بخاتمة أهل السعادة دخل الجنة، كما في حديث ابن مسعود.

" وقيل: المعنى: ثم كان من الذين يؤمنون بأن هذا نافع لهم عند الله تعالى، وقيل: أتى بهذه القُرَب لوجه الله ثم آمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وقد قال حكيم بن حزام بعدما أسلم: يا رسول الله إنا كنا نتحنث بأعمال في الجاهلية، فهل لنا منها شيء؟ فقال- عليه السلام-: «أسلمت على ما أسلفت من الخير» وقيل: إن ثم بمعنى الواو أي وكان هذا المعتق الرقبة والمطعم في المسغبة من الذين آمنوا وتواصوا أي أوصى بعضهم بعضًا بالصبر على طاعة الله وعن معاصيه وعلى ما أصابهم من البلاء والمصائب، وتواصوا بالمرحمة أي بالرحمة على الخلق، فإنهم إذا فعلوا ذلك رحموا اليتيم والمسكين. "

إذا تواصوا بالصبر بعد أن عملوا بما أُمروا به، وانتهوا عما نُهوا عنه، وتعلموا ما أمروا بتعلمه وعملوا به، تواصوا بالصبر؛ لأن الصبر لا بد منه، وتراحموا بينهم كما جاء في سورة العصر: تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، فالتواصي لا بد منه، وأيضًا التواصي بالمرحمة يكون بعضهم رحيمًا ببعض لتسود بينهم المحبة والمودة ويتراحمون بهذا ولا يتقاطعون ويتنافرون، هذا كله مما يعين على الإطعام الذي جاء الحث عليه.

" البلد: ١٧ أي بالرحمة على الخلق، فإنهم إذا فعلوا ذلك رحموا اليتيم والمسكين البلد: ١٨ أي الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم، قاله محمد بن كعب القرظي وغيره، وقال يحيى بن سلّام: لأنهم ميامين على أنفسهم. وقال ابن زيد: لأنهم أُخذوا من شق آدم الأيمن. وقيل: لأن منزلتهم عن اليمين. "

لأنهم ميامين على أنفسهم قال: أصحاب الميمنة هم الذين يؤتَون كتبم بأيمانهم، فأما من أوتي كتابه بيمينه إلى آخره، قاله محمد بن كعب، وقال يحيى بن سلّام: لأنهم ميامين على أنفسهم أهل الشؤم على أنفسهم وعلى أهليهم وذويهم أهل بركة وخير على أنفسهم، وقال ابن زيد: لأنهم أُخذوا من شق آدم الأيمن يعني كتب لهم السعادة من بنيه؛ لأنه ينظر عن يمينه فيضحك، ثم ينظر عن شماله أهل الكفر، فيتكدر كما جاء في الخبر معناه.

" وقيل: لأن منزلتهم عن اليمين، قاله ميمون بن مِهْران البلد: ١٩ أي القرآن البلد: ١٩ أي يأخذون كتبهم بشمائلهم قاله محمد بن كعب، وقال يحيى بن سلّام: لأنهم مشائيم على أنفسهم. وقال ابن زيد: لأنهم أُخذوا من شق آدم الأيسر. وقال ميمون: لأن منزلتهم عن اليسار. "

يعني كل قول من الأقوال السابقة له ما يقابله في الطرف المقابل أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة.

" قلت: ويجمع هذه الأقوال أن يقال: إن أصحاب الميمنة أصحاب الجنة، وأصحاب المشئمة أصحاب النار، قال الله تعالى: الواقعة: ٢٧ - ٢٨ وقال: الواقعة: ٤١ - ٤٢ وما كان مثله. ومعنى مؤصدة أي مطبقة مغلقة قال:

تحن إلى أجبال مكة ناقتي

 

ومن دونها أبواب صنعاء مؤصدة

ويقال.. "

يعني مغلقة، المؤصد المغلق كما جاء في سورة الهمزة.

طالب: ...................

نعم.

" وقيل: مبهمة لا يدرى ما داخلها، وأهل اللغة يقولون: أوصدت الباب وآصدته أي أغلقتَه، فمن قال.. "

أغلقتُه.

" أي أغلقتُه فمن قال: أوصدت فالاسم الوصاد، ومن قال: آصدته فالاسم الإصاد، وقرأ أبو عمرو وحفص وحمزة ويعقوب والشيزري عن الكسائي: مؤصدة بالهمز هنا وفي الهمزة، والباقون بلا همز، وهما لغتان، وعن أبي بكر بن عيَّاش قال: لنا إمام يهمز مؤصدة، فأشتهي أن أسد أذني إذا سمعته. "

سورة الشمس مكية باتفاق.

لنا إمام يهمز مؤصدة، فأشتهي أن أسد أذني إذا سمعته، ما يطيق الهمز في مثل هذه الحالة، كما أن الكسائي لا يهمز الذيب، وبعضهم يبالغ في مثل هذه الأمور حتى قال المبرد: أود أن أكوي يد من يكتب حينئذٍ بالنون أو إذًا وإذًا كلها إذا كتبها بالنون يقول: أود أن أكوي يده هذا من ثقته بصحة ما يقول.

طالب: ...................

أين؟ مؤصدة.

طالب: ...................

نعم ما.. يقول: إنها موصدة بالواو، يرى أنها واو.

 

 

"