شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (164)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم"

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه وأنبيائه محمد وآله، وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله جميعًا إلى حلقةٍ جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بضيف اللقاء، صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور "عبد الكريم بن عبد الله الخضير"، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: حياكم الله، لازلنا مع الإخوة والأخوات في كتاب "التجريد"، كتاب العلم، سردنا شيئًا من الأحاديث.. نستمر في قراءة أحاديث هذا الكتاب لتذكير الإخوة، قال المصنف -رحمه الله:- عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: سُئِل النبِي -صلى اللَّهُ عليه وسلم- عَن أشياء كرهها، فلمَّا أُكثِرَ عليه غضب، ثُم قال: «"سَلُونِي عَمَّا شِئتُم"، قال رجُلٌ: من أَبِي؟ قال: "أبُوك حذافة"، فقام آخر فقال: من أَبِي يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَبُوكَ سَالِمٌ مولَى شيبَة، فَلَمَّا رأَى عُمَرُ ما فِي وجهِه قال: يا رسُول اللَّه إِنَّا نتُوب إِلى اللَّه -عز وجل .

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.

راوي الحديث أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري، والصحابي الجليل تقدم التعريف به، والحديث أورده الإمام البخاري ضمن الترجمة السابقة في باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره، ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: «فلمَّا أُكثِر عليه غضِب».

المقدم: نعم.

قال الحافظ ابن حجر: قصر المصنف الغضب على الموعظة والتعليم، قصر المصنف الغضب على الموعظة والتعليم دون الحكم؛ لأن الحاكم مأمورٌ ألا يقضي وهو غضبان، والفرق أن الواعظ من شأنه أن يكون في صورة الغضبان؛ لأن مقامه يقتضي تكلف الانزعاج؛ لأنه في صورة المنذر؛ لأن الظهور مظهر الغضبان يؤثر في السامع.

المقدم: صحيح.

كون الكلام يلقى على أهميته، وأهمية موضوعه بشيءٍ من البرود تأثيره لا شك أنه أقل مما إذا ألقي، مع شيءٍ من..

المقدم: الغضب والحماس.

الغضب، وكذا المعلم إذا أنكر على من يتعلم منه سوء فهم، سوء فهم، فرقٌ بين سوء الفهم وبين...

المقدم: سوء النية.

سوء الفهم ناتج عن سوء النية، لكن فرق بينه وبين بطء الفهم، إذا كان الطالب بطيء الفهم يرفق به، بينما إذا كان سيئ الفهم هذا هو المراد عند ابن حجر، وكذا المعلم إذا أنكر على من يتعلم منه سوء فهمٍ، وأما الحاكم فهو بخلاف ذلك كما سيأتي في بابه، أقول أيضًا: ومثل الموعظة الخطبة، الخطبة ينبغي أن تكون الخطبة فيها شيء من الإثارة بالصوت، كما في صحيح مسلم -رحمه الله- من حديث جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيشٍ يقول:

المقدم: «صبحكم ومساكم».

«صبحكم ومساكم» كأنه يقول: صبحكم العدو، ومساكم العدو، الحديث، النووي -رحمه الله- يقول: لعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرًا عظيمًا، وتحذيره خطبًا جسيمًا؛ يعني كان النووي يميل إلى أن هذا الغضب..

المقدم: ليس صفة مستمرة.

ليس دائمًا، وإنما لأمرٍ طارئ.

المقدم: نعم.

هذا رأيه يقول: ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرًا عظيمًا، وتحذيره خطبًا جسيمًا، والحديث الذي في مسلم كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..

المقدم: صلى الله عليه وسلم.

والأصل في "كان" أنها للاستمرار، ومثل ما ذكرنا أن الأمر الذي..

أولًا: وظيفة "الخطيب" بيان خطأ يقع فيه الناس أو التنبيه على أمرٍ مهم مما تركه الناس، مما يهمهم في دينهم ودنياهم، فإذا كانت وظيفته بيان المهم والأهم، ينبغي أن يلقى بصورةٍ أو بطريقةٍ مناسبة..

المقدم: نعم.

 لحجمه. يعني فرق بين خطيب، وبين شخصٍ متحدث عادي يتحدث في أمورٍ عادية، مثل هذا يتكلم على أي أسلوبٍ يشاء.

المقدم: صحيح.

لكن خطيب ينذر الناس، ويحذرهم من مغبات أمورٍ يقعون فيها أو أمور ومن الواجبات يتركونها، ينبغي أن يكون كلامه على مستوى الحدث الذي يتحدث فيه.

المقدم: في ذكر هذا الحديث -أحسن الله إليك- في رفع صوته -عليه الصلاة والسلام-ـ هل هو مثل ما يقوله الآن أهلُ فن الخطابة بتغيير نبرة الصوت في طريقةٍ دون طريقة، وبالتالي يكون السامع مركزًا مع المتحدث، أم المقصود ارتفاع الصوت المزعج للمصلين، خصوصًا مع وجود الميكرفونات الآن، مكبرات الصوت؟

رفع الصوت ليس مقصودا لذاته، إنما يُطلب رفع الصوت لإسماع المستمع.

المقدم: طيب.

من جهة.

والأمر الثاني: التغيير في الصوت من خفضٍ ورفع زيادةً على قدر السماع يتبع الأهمية.

المقدم: نعم.

أهمية الموضوع، وإلا فالمقرر الذي قرره أهل التفسير كابن الجوزي وغيره أن رفع الصوت ليس بمحمدة.

المقدم: نعم.

رفع الصوت ليس بمحمدة، عند قوله -جلَّ وعلا-: {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ} [لقمان:19]

المقدم: {لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19].

{لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19]، لكن يبقى أنه إذا احتيج إليه، إذا احتيج إلى رفعه لكون المستمع لا يسمع إلا مع ارتفاع الصوت، لاسيما قبل وجود هذه الآلات.

المقدم: صحيح.

نعم يرفع الصوت، يعني ما الفائدة من خطبةٍ لا تسمع؟

المقدم: صحيح.

أو من كلامٍ لا يعقل، لا بد من أن يسمع الحاضرين.

قال ابن حجر: فإن قيل: قد قضى -عليه الصلاة والسلام- في حال غضبه حين قال: «أبوك فلان»، هل هذا خبر أم حكم؟

المقدم: هذا قضاء.

حكم.

المقدم: نعم.

حكم.

المقدم: حكم.

 يقول: فالجواب أن يقول:

أولًا: ليس هذا من باب الحكم، هذا رأيه وعلى تقديره، وعلى تقدير أنه من باب الحكم، فيقال: هذا من خصوصياته لمحل العصمة "فاستوى غضبه ورضاه وبمجرد غضبه من الشيء دال على تحريمه أو كراهته بخلاف غيره -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: اللهم صلِّ وسلم عليه.

يقول: وعلى تقديره؛ يعني تقدير أنه حكم فيقال: هذا من خصوصيته لمحل العصمة "فاستوى غضبه ورضاه وبمجرد غضبه -عليه الصلاة والسلام- من الشيء دال على تحريمه أو كراهته، بخلاف غيره -عليه الصلاة والسلام-، روى الإمام أحمد، وأبو داود، والدارمي، والحاكم بإسنادٍ صحيح من حديث عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيءٍ أسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كل شيءٍ تسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق، ما خرج مني إلا حق». فهو يختلف عن غيره، يختلف -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه معصوم..

المقدم: نعم.

 من أن يحكم بخطأ، يرد على هذا أنه -عليه الصلاة والسلام- جاء عنه في الحديث الصحيح، أنه "بشر".

المقدم: نعم.

 يقضي على نحو ما يسمع.

المقدم: نعم.

فمن قضى له بشيءٍ من حق أخيه، فإنما يقضي له بقطعةٍ من نار، فليأخذها أو يذرها، هل هذا يتفق مع ما نحن فيه أو يختلف معه؟

المقدم: ظاهريًّا يختلف.

طيب كيف يجاب عنه؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث يقرر قاعدة عامة للقضاة، يقرر قاعدة عامة للقضاة، فكونه يسلك المسلك الشرعي، والوسائل الشرعية في الإثبات..

المقدم: هذا حق.

فهذا حق.

المقدم: نعم.

وهو له -عليه الصلاة والسلام-، ولمن..

المقدم: بعده.

اقتفى أثره من القضاة إلى قيام الساعة، فالوسيلة شرعية بالبيِّنات والأيمان، الوسيلة الشرعية، النتيجة شرعية ظاهرًا...

المقدم: نعم.

أم باطنًا، الله أعلم بها.

المقدم: قد تكون خطأً.

قد تكون قد تكون نتائجها خطأً؛ لأن وسائل "الإثبات" في هذه القضية الشرعية، التي اجتهد القاضي في قبول شهادات هؤلاء الشهود، قد يكون على خلاف الواقع، وليس له أن يبحث عما في قلوب الناس، ولذا يحكم النبي -عليه الصلاة والسلام- على نحو ما يسمع، والقضاة يحكمون على نحو ما يسمعون، عليهم أن يجتهدوا في الأوصاف التي يُقبل بها الشهود، يجتهدوا في هذا، لكن كونه يخطئ في اجتهاده، «إن اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ..».

المقدم: «فله أجر».

«أجر واحد» لكن ليس له أن يجتهد في الوسائل؛ الوسائل مقررة وثابتة "البيِّنة على المدَّعي، واليمين على من أنكر" ، هذه قاعدة، لكن يجتهد في أوصاف هذه البيِّنة وتحقُّقها، لماذا؟ لأن الشهود يتفاوتون، شخص يكون ظاهره مطابقًا لباطنه مائة بالمائة، وشخص يكون مطابقًا للباطن تسعين في المائة، وشخص ثمانين بالمائة، وشخص يكون ظاهره مما يقبل، لكن باطنه غير مطابق، مثل هذا يحتاج إلى المزكين، مثل هذا يحتاج إلى مزكين، الذي يُجهل باطنه يبقى أنه حتى المزكين يندرج، يندرج فيهم هذا الكلام فلا اختلاف بين ما معنا، وبين ما جاء في كونه يقضي على نحو ما يسمع، أيضًا النبي -عليه الصلاة والسلام- ينسى في الصلاة، وسها نعم، ونام عن الصلاة، وكل هذه نعم النسيان في الصلاة والسهو ما هو بخطأ؟

المقدم: بلى.

ليس من باب الخطأ؟ هو خطأ، لكن إنما ينسى ليسُن ويُشَّرع؛ ليكون قدوة وأسوة للأئمة من بعده، والا كيف نعرف أحكام السهو لو لم يسهُ عليه -الصلاة والسلام-، المقصود أنه لا اختلاف في هذا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- معصوم من أن يجتهد في حكمٍ شرعي فيخطئ، وعلى كل حال على القول باجتهاده إن اخطأ فإنه لا يقر على الخطأ.

 "سُئِل النبِي -صلى اللَّه عليه وسلم-" بضم السين المهملة وكسر الهمزة عن أشياء عن أشياء غير منصرف قال الخليل: إنما ترك صرفه؛ لأن أصله "فعلاء" أو "فُعلاء" "كشُعراء"، جمع على غير الواحد، فنقلت الهمزة الأولى، فنقلت الهمزة الأولى إلى أول الكلمة، فقالوا: "أشياء" فتقديره "لفُعاء" أو "لفعَاء"، "أشياء لفعاء"، وقال الأخفش، والفراء: هو "أفعلاء": "كأنبياء"، فحذفت الهمزة التي بين الياء والألف؛ للتخفيف فوزنه "أفعاء"، "أفعاء" نعم، وقال الكسائي: هو "أفعال": "كأفراخ"، وإنما تركوا صرفها؛ لكثرة استعمالهم لها؛ لأنها شُبهت "بفعلاء" هذا الكرماني، ونقله العيني بحروفه وزاد، وزاد وفي العباب الشيء تصغيره "شُييئ"، "وشِييئ" بكسر الشين، ولا تقل شويئ، والجمع أشياء غير مصروفة، والدليل على قول الخليل إنما ترك صرفه؛ لأن أصله "فعلاء" كشعراء، الدليل على قول الخليل أنها لا تصرف، أنها تصغر على "أشياء"  .."أُشيَاء".

المقدم: "وأشُياء".

وأنها تجمع على "أشاوي".

المقدم: "أُشيَّا".

نعم "أُشيَّاء" "أُشيَّاء" وأنها على "أشاوي" وأصلها "أشائي" قلبت الهمزة ياء فاجتمع ثلاث ياءات، فحذفت الوسطى، وقلبت الأخيرة ألفًا، فأبدلت من الأول ..، وحكى الأصمعي أنه سمع رجلًا من فصحاء العرب يقول لخلف الأحمر: إن عندك "لأشاوي"، إن عندك "لأشاوي" مثل الصحاري، ويجمع أيضًا على "أشايا" "وأشاياوات"، ويدخل على قول الكسائي، قول الكسائي يقول: هو "أفعال" "كأفراخ"، والأصل فيه أنه مصروف؛ وإنما ترك صرفه؛ لكثرة الاستعمال، يدخل على قول الكسائي هذا أنها لا.. أن لا تصرف "أبناء".

المقدم: صحيح.

لأنها تستعمل بكثرة أيضًا و"أسماء"، وعلى قول الأخفش أن لا تجمع على "أشاوي"، وفي المصباح المنير الشيء في اللغة: عبارة عن كل موجود، إما حسًّا "كالأجسام" أو حكمًا "كالأقوال" نحو "قلت شيئًا" ننتبه لهذه المسألة.

 الشيء في اللغة عبارة عن: كل موجود إما حسًّا "كالأجسام" أو حكمًا "كالأقوال" نحو "قلت شيئًا"، نهتم بكلمة كل موجود وقالوا..

المقدم: كل موجود.

عن كل موجود يهمنا كلمة "موجود".

المقدم: نعم.

أنها لا تطلق على المعدوم.

 المقدم: صحيح.

على ما سيأتي، وقالوا: "أي شيءٍ" ثم خففت الياء، وحذفت الهمزة تخفيفًا، وجعل كلمةً واحدة، فقيل "أيش"، وقيل "أيش" قاله الفارابي يعني كلمة "أيش" أيش هذا.

المقدم: يعني "أي شيءٍ".

أصلها "أي شيءٍ".

المقدم: "أي شيءٍ".

نعم، وفي المفردات للراغب "الشيء" هو الذي يصح أن يعلم ويخبر عنه، "الشيء" هو الذي يصح أن يعلم ويخبر عنه، وعند كثيرٍ من المتكلمين، وعند كثيرٍ من المتكلمين هو اسمٌ مشترك المعنى إذ أستعمل في الله وفي غيره ويقع على الموجود والمعدوم،.. في المفردات للراغب "الشيء" هو الذي يصح أن يعلم ويخبر عنه، وعند كثيرٍ من المتكلمين هو اسمٌ مشترك المعنى، إذ استعمل في الله وفي غيره، ويقع على الموجود والمعدوم.

المقدم: والمعدوم، كيف يقع على المعدوم؟

نعم يقع على الموجود والمعدوم، وعند بعضهم "الشيء" عبارة عن الموجود، وأصله مصدر "شاء"، كيف نحتاج إلى أن نتكلم عن الموجود والمعدوم؟

المقدم: المعدوم ممكن نتكلم عنه في النفي يا شيخ.

أين؟

المقدم: لا "شيء" هنا.

لكن هنا نسميه شيء.

المقدم: لا شيء هنا.

لا هم قالوا "شيء" بعض المتكلمين يقول: "شيء".

المقدم: إذا قلت.

متى نحتاج إلى مثل هذا؟

 يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: المعدوم ليس بشيء، ويتخلص بهذا الكلام من أمور كثيرة، من أمور كثيرة، فمثلًا في مثل قوله -جلَّ وعلا-:

المقدم: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11].

{أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ}، {أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الطلاق:12]. هل هذه الآية على عمومها أو مخصوصة؟ يخرج منها شيء؟ يخرج من القدرة الإلهية شيء؟

المقدم: أبدًا.

الذين يقولون المعدوم شيء، يقولون يستثنى من ذلك قدرته على نفسه، يعني مثل ما ينظّر بعض الملاحدة، يقول: هل يستطيع الرب -جلَّ وعلا- في قدرته على كل شيء أن يخلق صخرة لا يستطيع تفتيتها؟ يستطيع أم ما يستطيع؟ هذا من باب إيش؟ النقيض.

المقدم: النقيض.

من باب النقيض

المقدم: طبعًا.

 واجتماع النقيضين موجود أم معدوم؟

المقدم: معدوم.

معدوم إذا كان، إذا كان اجتماع النقيضين في حكم المعدوم؛ لأنهما لا يجتمعان ولا يرتفعان إذًا هذا الكلام معدوم، والمعدوم ليس بشيء، فلا يدخل في عموم قوله -جلَّ وعلا-: {أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الطلاق:12].

المقدم: نعم.

المسألة دقيقة ترى..

المقدم: صحيح، ولذلك كررها يا شيخ لهذا.     

من هذه الحيثية، ولذلك كثيرًا من المفسرين من المتكلمين وغيرهم يستثنون في قوله -جل وعلا-: {أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الطلاق:12].

المقدم: قدرته على نفسه.

قدرته على نفسه، إذ ليس بحاجة إلى مثل هذا.

المقدم: صحيح.

لأنه إذا كان على كل شيء قدير، ولا يقدر على نفسه، فهذا من باب النقيض، اجتماع وانتفاء القدرة في آن واحد، هذا من باب النقيض، والنقيض من باب العدم وجوده اجتماع النقيضين عدم، وارتفاع النقيضين أيضًا..

المقدم: عدم.

عدم.

المقدم: والعدم ليس بشيء.

والعدم ليس بشيء، فلا يدخل في قوله -جلَّ وعلا:..

المقدم: نعم.

 {أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الطلاق:12]، وهذه مسألة مهمة يرد بعض الإشكالات من هذا الباب على بعض المفتونين.

المقدم: صحيح.

ثم يقال: لا يوجد حل لها إلا بهذه الطريقة.

المقدم: ولهذا جمع يعني الكلام عن "شيء" ورد في كتب العقائد كثيرًا، في الرد على مثل هؤلاء المبتدعة.

نعم.

المقدم: في قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف:25]. فما المرد "بالشيء"؟ الرد على قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، ثم {أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الطلاق:12]. جمعوا هذه الألفاظ للدلالة على يعني بدعتهم.

نعم بلا شك يتوصلون بهذا إلى بدعتهم، ويقولون: أنه ما من نص إلا ودخله التخصيص، ويطلقون في هذا ما من نص إلا ودخله التخصيص، وسبق أن ذكرنا مثل هذا، وقلنا: إن شيخ الإسلام بدأ بالقرآن من الفاتحة، وورقة فقط من سورة البقرة فأثبت من العمومات المحفوظة في هذا القدر اليسير من القرآن الكريم ورقة واحدة.

المقدم: نعم.

من القرآن أثبت عمومات كثيرة محفوظة لم يدخلها تخصيص، وهذا سبق أن أشرنا إليه.

المقدم: صح.

كره الأمر والمنظر كراهةً"، فهو "كريه" أو "كرُه" أصل المادة "كرُه الأمر والمنظر كراهةً فهو كريه" مثل "قَبُحَ قباحةً فهو قبيح"، "وكراهية" بالتخفيف أيضًا، يقول الكرماني: وإنما كرهه؛ لأنه ربما كان سببًا؛ لأنه ربما كان سببًا لتحريم شيءٍ على المسلمين فتلحقهم به المشقة، إنما كره؛ يعني ما كره؛ لأنه ربما كان سببًا لتحريم شيءٍ على المسلمين فتلحقهم به المشقة، زاد العيني أو ربما كان في الجواب ما يكره السائل ويسوءه، أو ربما أحفوه -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: عليه الصلاة والسلام.

والحقوا المشقة به -عليه الصلاة والسلام- والأذى، فيكون ذلك سببًا لهلاكهم، وهذا في الأشياء التي لا ضرورة، ولا حاجة إليها، ولا يتعلق بها تكليف، وفي غير ذلك لا تتصور الكراهة؛ لأن السؤال حينئذٍ: إما واجب وإما مندوب، قال الله -جلَّ وعلا-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]. فأمر بسؤالهم، وأخبر أن شفاء العي..

المقدم: السؤال.

السؤال، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم»، «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه» ما فيه استثناء النهي؛ لأن الترك مقدور عليه، «وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم»؛ لأن الإتيان بالفعل، قد يتصور العجز عنه، ولذا قُيد بالاستطاعة، «فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم»، يقول ابن رجب في جامع العلوم والحكم: دلت الأحاديث، وذكر منها أشياء على النهي عن السؤال عما لا يحتاج إليه مما يسوء السائل، جوابه مثل سؤال السائل: هل هو في النار أو في الجنة؟  لو سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- هل هو في النار أو في الجنة؟ قال: في النار مثلًا.

المقدم: نعم.

 يسوءه.

المقدم: صحيح.

هو الذي سأل قال: أين أبي؟

المقدم: أين أبي؟

قال: أبوك في النار.

المقدم: فساءه.  

يسوءه جدًّا، ولذا الكلام في الأموات جاء النهي عنه.

المقدم: لأنه يسوء الأحياء.

لأنه لا شك أنه يؤذي الأحياء، مثل سؤال السائل: هل هو في النار أو في الجنة؟ وهل أبوه من ينسب إليه أو غيره؟ افترض أنه قال: أبوك فلان غير الذي من استفاض بين الناس أنه هو أبوه، وهذا يقع الطعن بأمه، وسيأتي في حديث في رواية مسلم ما قالته أم عبد الله بن حذافة، وعلى النهي، على النهي عن السؤال على وجه التعنت، والعبث، والاستهزاء، كما كان يفعله كثيرٌ من المنافقين وغيرهم، وقريبٌ من ذلك سؤال الآيات واقتراحها على وجه التعنت، كما كان يسأله المشركون وأهل الكتاب.

 وقال: عكرمة وغيره إن الآية نزلت في ذلك، يعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101]. ويقرب من ذلك السؤال عما أخفاه الله عن عباده، ولم يطلعهم عليه كالسؤال عن وقت الساعة، وعن الروح، ودلت أيضًا على نهي المسلمين عن السؤال، عن كثيرٍ من الحلال والحرام، أيضًا دلت على نهي المسلمين عن السؤال عن كثير من الحلال والحرام مما يخشى أن يكون السؤال سببًا لنزول التشديد فيه.

المقدم: نعم.

كالسؤال عن الحج. هل يجب كل عامٍ أم لا؟ وفي الصحيحين عن سعدٍ قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أعظم المسلمين في المسلمين جُرمًا من سأل عن شيءٍ لم يُحرم على المسلمين، فحُرم عليهم من أجل مسألتهِ». كان الناس في حل في أمرٍ مباح فسأل عنه، فحُرِّم من أجله، وأُمر بشيء في الأصل أنه يتأذى بفعله مرة، ثم سئل أكل مرة أو كل يوم أو كل عام؟ ثم شُدد على الناس من أجله، فيكون هذا من أعظم المسلمين، من أعظم المسلمين في المسلمين جُرمًا؛ لأنه يسبب المشقة والعنت عليهم، وقد يكون ذلك سببًا لترك بعضهم لهذا المأمور، أو لارتكاب هذا المحظور فيقع في الإثم بسببه، ولذا صار أعظم الناس جُرمًا.

المقدم: نعم أحسن الله إليك، في مسألة يا شيخ في أن الحديث الآن قال: «فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيْهِ غَضِبَ» فقرر غضب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال عليه الصلاة والسلام-: «سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ» بعد غضبه، ثم رأى عمر الغضب، فكيف يغضب؟ ثم يطلب منهم أن يسألوه عما شاؤوا، ثم يقرر عمر رؤية الغضب في وجهه، أستأذنك في أن نجيب على هذا السؤال في الحلقة القادمة، بإذن الله تعالى.

طيب.

المقدم: لتشويق الإخوة والأخوات.

إن شاء الله.

المقدم: أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مطلع حلقتنا الإجابة عن هذا السؤال بإذن الله، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

"