كتاب الوضوء (34)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: بابٌ: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن خازم، قال: حدثنا الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة، قالوا: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا».

 قال ابن المثنى: وحدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش قال: سمعت مجاهدًا مثله: «يستتر من بوله»".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

 فيقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "بابٌ" وبدون ترجمة، وموقعه مما قبله كما قرر الحافظ ابن حجر أنه كالفصل من الذي قبله، الباب بدون ترجمة كالفصل من الذي قبله، ولذا يوجد التبويب في بعض النُسخ دون بعض، ولو حُذِف الباب لاندرج الحديث المترجم عليه بباب في الباب الذي قبله؛ لارتباط بعضهما ببعض، وهو كالفصل من الذي قبله هذا ما قرره ابن حجر، ولم يوجد معارض من الشُّراح، ما أعرف أحدًا من الشُّراح اعترض على هذا الكلام، وإلا فما الفائدة من قوله: بابٌ؟

لا شك أنها كالمحطة بالنسبة لسائر تبويب الكتب والأبواب والفصول، لا شك أنها من أجل تنشيط القارئ، إضافة إلى ما فيها من الاستنباط المترجم به، وإلا فبالإمكان أن يسرد الكتاب بدون كتب ولا أبواب كما صنع الإمام مسلم، مع أن بعض النسخ فيها الكتب دون الأبواب، وأشار القاضي عياض في شرحه إلى أنه وقف على نسخة عتيقة من صحيح مسلم فيها تراجم، ولكن الذي تواطأ عليه أهل العلم أن مسلمًا -رحمه الله- لم يترجم كتابه، بخلاف الإمام البخاري الذي أودع كتابه هذه التراجم الكثيرة جدًّا، وهي استنباطه من هذه الأحاديث، ولذا درج أهل العلم على أن فقه الإمام البخاري في تراجمه.

 قال: بابٌ، حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن خازم، وهو الضرير أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش سليمان بن مهران عن مجاهد بن جبر عن طاوس بن كيسان عن ابن عباس عبد الله حبر الأمة وترجمان القرآن، قال: مرَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- بقبرين، وهذا تقدَّم كلامه فيه ومباحثه فيما تقدم وقريبًا وما بالعهد من قدم.

 مرَّ بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان» أوحي إليه -عليه الصلاة والسلام- أنهما يعذبان، «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير» تقدَّم الكلام في هذا، وأنه في نظر الناس الأمران ليسا بكبير، تساهل فيهما الناس، معاملة لهما الأمور اليسيرة الحقيرة، ولذا لا تعارض بين قوله: «وما يعذبان في كبير» والرواية الأخرى: «بلى إنه كبير»، يعني في حقيقة الأمر والواقع أمران عظيمان، ولذا جاء أن معظم عذاب القبر من البول، والنميمة، وهذا ظاهر من الحديث.

 «وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول» يعني لا يضع بين بوله وجسده أو ثوبه سترة، بل يجعل البول يلوث البدن، ويلوث الثوب، وطهارة البدن والثوب شرط لصحة الصلاة، ومن هنا جاء عظم الأمر لعظم الصلاة وعظم ما يشترط لها، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، والنميمة شأنها عظيم، تفسد بين الناس، القالة ونقل القول على سبيل الإفساد، لا شك أنه يفسد.

لو جاء شخصٌ إلى رجل وقال له: إن زوجتك وقعت في الفاحشة، أو رأيتها ورجل يدخل عليها، وهو غير صادق، ما النتيجة؟ قطعًا الطلاق، إلا من شخص متساهل، طيب ما ذنب المرأة؟ وهل يقع مثل هذا الطلاق أو لا يقع؟

طالب:...

لماذا يقع؟ إذا قال: هي طالق، سمع هذا الكلام قال: إن زوجتك زنت فقال: هي طالق.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لكن باختياره مجردًا عن هذه النميمة أم.. ؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

نعم، لكن يقع الطلاق أم ما يقع؟

طالب:...

كيف تقول يقع وحين...؟ لا، نحن افترضنا المسألة في أنها ليست حقيقة، وإنما هي مجرد نميمة.

طالب:...

ما علّق، قال: هي طالق.

طالب:...

لماذا؟

طالب:...

هو تلفَّظ بصريح الطلاق نعم.

طالب:...

مؤثر وخبر مؤثر، قد تكون أغلى عنده من أولاده. لا، بدون غضب بدون غضب.

طالب:...

نريد كلامًا علميًّا يلجأ إلى قواعد علمية.

طالب:...

كلام أهل العلم.

طالب:...

لا لا، ما علق ولا شيء، صدَّق الرجل وطلّق.

طالب:...

وتبين أنه كاذب، أنه نمام.

طالب:...

نريد كلامًا يرجع إلى قواعد علمية وكلام أهل العلم ماذا يقول؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

كلام أهل العلم يقولون: إن الشرط العرفي كالشرط الذكري، الشرط العرفي كالشرط الذكري كأنه قال: إن كانت زنت فهي طالق، ومعلق الطلاق على شرط عرفي، ما فيه أحد يطلق زوجة ليس بينه وبينها أي مشكلة، بل يحبها، وله منها أولاد، وعلى الطلاق آثار سلبية، ولو وضع السيف على رأسه ما طلق، لكن قيل: إنها زنت، قالوا: إن الشرط العرفي كالشرط الذكري وحينئذٍ لا يقع.

طالب:...

ما زنت.

طالب:...

المرأة ما زنت، تبين أن ذاك كاذب.

طالب:...

لا لا، تبين أنها ما زنت، عرف أن هذا كائد وكاذب.

طالب:...

متى عرف؟ عرف من الغد عرف.

طالب:...

لا لا لا، ما هو مسألة سنة ولا شيء، عرف أن هذا كاذب ونمام.

طالب:...

هذا من عنده، هذا من تصرفاته، ما هو بسبب غيره، كذب محض بسبب غيره، وما عنده أدنى شك في زوجته، لو عنده شك أو تردد هذا شيء ثانٍ.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

وبعد؟ لأنه طلَّق، هذا باختياره من غير تعليق ومن غير كيد، ما يقع؛ لأنه شرط عرفي هذا، عند أهل العلم يسمونه شرطًا عرفيًّا كأنه قال: إن كان كلامك صحيحًا فهي طالق؛ لأنه بنى الطلاق على كلامه، هو ما بنى الطلاق على كلام النمام هذا؟

طالب:...

خلاص.

طالب:...

ماذا فيه؟

طالب:...

كيف فعل هذا؟

طالب:...

نعم. وأفتاهم من أفتاهم أنها راحت، خلاص راحت، فتوى غير. وأما الآخر «فكان يمشي بالنميمة»، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، وتقدَّم الكلام في هذا، وكونها رطبة؛ لأنها تسبح ما دامت رطبة كما جاء في بعض الآثار وهذه شفاعة منه -عليه الصلاة والسلام-. فغرز في كل قبر واحدة، وجاء أيضًا أنها من قِبَل رأسه، غرس الجريدة من قِبل رأس الميت، فقالوا: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا»، يعني الجريدتين، "قال ابن المثنى: وحدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش قال: سمعتُ مجاهدًا مثله" والفائدة من هذا تصريح الأعمش بالسماع؛ لأنه في الطريق الأول قال: حدثنا الأعمش عن مجاهد وهنا قال: سمعت مجاهدًا، والأعمش مدلس، كما هو معلوم، وانتفت تهمة تدليسه بتصريحه بالسماع، نعم.

"قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: قوله: باب كذا ثبت لأبي ذر، وقد قررنا أنه في موضع الفصل من الباب، والاستدلال به على غسل البول واضح، لكن ثبتت الرخصة في حق المستجمِر، فيستدل به على وجوب غسل ما انتشر على المحل".

نعم، المستجمِر الذي يستجمِر ويزيل الأثر الخارج بالحجارة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- استجمر، قال: «من استجمر فليوتر» والاستجمار مطهِّر، وإن لم ينقِ كالماء، فهذه رخصة، ثبتت هذه الرخصة بالأحاديث الصحيحة المتفق عليها، فوجوب غسل ما انتشر إذا تعدى المحل فلا ينفع فيه الاستجمار، ما تعدى المحل وانتشر لا بد من غسله.

"قوله: محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي هو أبو معاوية الضرير، قوله: فغرز وفي رواية وكيع في الأدب: فغرس، وهما بمعنىً، وأفاد سعد الدين الحارثي أن ذلك كان عند رأس القبر، وقال: إنه ثبت بإسناد صحيح، وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة عند ابن حبان وقد قدمنا لفظه، ثم وجدته في مسند عبد بن حميد من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش في حديث ابن عباس صريحًا.

 قوله: لم فعلت؟ سقط لفظ هذا من رواية المستملي والسرخسي، قوله: قال ابن المثنى: وحدثنا وكيع هو معطوف على الأول، وثبتت أداة العطف فيه للأصيلي، ولهذا ظن بعضهم أنه معلق، وقد وصله أبو نعيم في المستخرج، من طريق محمد بن المثنى هذا، عن وكيع وأبي معاوية جميعًا عن الأعمش، والحكمة في إفراد البخاري له أن في رواية وكيع التصريح بسماع الأعمش دون الآخر، وباقي مباحث المتن تقدَّمت في الباب الذي قبله".

نعم.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

نعم، لعله الفتح. هذا المحفوظ، انظر بعده.

طالب: أحسن الله إليك.

 قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد.

 حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا همام أخبرنا إسحاقُ عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى أعرابيًّا يبول في المسجد، فقال: «دعوه» حتى إذا فرغ دعا بماء فصبه عليه".

يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد" ترك النبي -عليه الصلاة والسلام-، ونهيه الصحابة -رضوان الله عليهم- من مؤاخذته وزجره ظاهر في ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- والناس تركوه أو لم يتركوه؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

بعد أمره -عليه الصلاة والسلام- تركوه، ما فائدة ترك الناس له مع ترك النبي -عليه الصلاة والسلام- وفعله هو التشريع؟ باب ترك النبي –صلى الله عليه وسلم- والناس الأعرابي.

طالب:...

امتثال، لكن في التشريع لو ما تركوه ماذا صار؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

هم نهروه نهروه، وقال: «دعوه» -عليه الصلاة والسلام-، «لا تُزْرِمُوه».

طالب:...

نعم.

طالب:...

كيف تركوه؟ هم ما تركوه، ثاروا عليه.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

هو السبب لكونه يُترَك، هو معروف أنه لئلا يقطَع عليه بوله فيتضرر أو ينتشر أو يستمر فينتشر في المسجد، هذا معروف، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- تركه، وزجر الناس عن نهيه.

طالب:...

ليس بهذا.

طالب:...

نعم، هذا الذي نسأل عنه، هذا الذي نسأل عنه، وفي الحقيقة ما تركوه إلا أنه قد يقال: إن الذين نهروه وزجروه نفر قليل، والباقين تركوه.

طالب:...

نعمما له علاقة بالتشريع، ما له علاقة بالتشريع، التشريع في فعله -عليه الصلاة والسلام-، لكن هو مجرد حكاية واقع، هذا الحاصل، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تركه ابتداءً، والناس تركوه بعد نهيه -عليه الصلاة والسلام-، من باشر منهم الزجر، والبقية تركوه من غير زجر، وما يتصور أن الناس كلهم ثاروا عليه.

 الأعرابيَ مفعول وعامله المصدر: تَرْك؛ لأنه مصدر يعمل عمل فعله، حتى فرغ من بوله في المسجد، "حدثنا موسى بن إسماعيل".

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

طيب، التبوذكي والتبوذكي من هو؟ قلناه مرارًا يا أبا عبد الله، أشوفك، ما شاء الله عليك حاضر.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

أكثر أكثِر.

طالب:...

زين، الذي يحفظ مرتين، ثلاثًا، عشرًا، أحسن من الذي.. لكن أبا عبد الله سمعه مائة مرة، لكن ما ألقى له باله وإلا فما هو بسهل.

طالب:...

نعم.

طالب:...

تذكر يا أبا عبد الله؟ تذكر؟

طالب:...

ما سمعت يا أبا عبد الرحمن؟

طالب: بلى سمعته.

ماذا فيه؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

مستعملة الآن الآن تقول للذي يبيع الدجاج تريد قوانص.

طالب:...

ما في جوف الدجاج كله. وهو معناها في القديم، فهي ليست تسمية جديدة.

 ماذا يقول؟

قال: "حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا همام" ابن..

طالب:...

لا، كلكم تعرفون تقرؤون.

طالب:...

هو يقول: همام بن يحيى من؟ همام بن يحيى الحارثي يا أبا عبد الله أم ليس الحارثي؟

طالب:...

"قال: أخبرنا إسحاقُ" وهو ابن عبد الله بن أبي طلحة  "عن أنس بن مالك" فيه قرابة بين إسحاق وأنس ما وجه القرابة؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

نعم.

طالب:...

صح، لكن قرأتها أنت.

طالب:...

عن أنس بن مالك، "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى أعرابيًّا يبول في المسجد" وهذا الأعرابي يسمى هو الخويصرة التميمي أو اليماني، على ما سيأتي في الشرح، ومنهم من يقول: عيينة بن حصن، وقيل غيرهم..

طالب:...

بصري لكن.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

طيب، أن النبي –صلى الله عليه وسلم- رأى أعرابيًّا يبول في المسجد، وطبيعة الأعراب الجهل والجفاء، في الجملة، في الجملة؛ لبعدهم عن منابع العلم، لبعدهم عن منابع العلم، يتصفون بهذه الصفات ومن سكن المدن وطلب العلم انتفى عنه الوصف، ليس بأعرابي، يبول في المسجد، "فقال: «دعوه»" اتركوه، هل لأن البول جائز؟

لا، وإنما لما يترتب على ذلك من مفسدة أعظم، فإنه لا يخلو إما أن يقطع بوله فيتضرر، أو يستمر في بوله بدون قطع، ويقوم من مكانه فيكثُر تنتشر المفسدة، "حتى إذا فرغ" يعني الأعرابي من بوله، "دعا" النبي -عليه الصلاة والسلام- "بماء" في ذَنوب، أو سَجْل أو دلو، فصبه عليه، صبه عليه. وبهذا تطهر الأرض بمجرد الصب، ولا تحتاج مع ذلك إلى دلك أو حفر أو نقل للتراب، يكفي الصب.

أحسن الله إليك، قال الحافظ -رحمه الله-: " قوله: (باب ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- والناس الأعرابي) اللام فيه للعهد الذهني، وقد تقدم أن الأعرابي واحد الأعراب وهم من سكن البادية عربًا كانوا أو عجمًا".

هؤلاء الأعراب، العرب من ينتسب إلى إسماعيل، من ينتسب إلى إسماعيل سواء كانوا حاضرة أو بادية، هم عرب، أولئك أعراب الذين يسكنون البادية ولو كانوا من الأعاجم.

"وإنما تركوه يبول في المسجد؛ لأنه كان شرع في المفسدة، فلو مُنِع لزادت؛ إذ حصل تلويث جزء من المسجد، فلو منع لدار بين أمرين: إما أن يقطعه فيتضرر، وإما أن لا يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه أو ثوبه، أو مواضع أخرى من المسجد. قوله: (همام) هو ابن يحيى، وإسحاق هو ابن عبد الله بن أبي طلحة. قوله: (عن أنس) ولمسلم: حدثني أنس. قوله: (رأى أعرابيًّا) حكى أبو بكر التاريخي عن عبد الله بن نافع المدني أنه الأقرع بن حابس التميمي".

نعم في بعض النسخ المزني والصواب المدني.

"وقيل غيره كما سيأتي قريبًا. قوله: (في المسجد) أي: مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: (فقال: «دعوه») كان هذا الأمر بالترك عقب زجر الناس له كما سيأتي. قوله: (حتى) أي: فتركوه حتى فرغ من بوله، فلما فرغ دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بماء أي: في دلو كبير (فصبه) أي: فأمر بصبه كما سيأتي ذلك كله صريحًا. وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق عكرمة بن عمار عن إسحاق فساقه مطولاً بنحو مما شرحناه، وزاد فيه: ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعاه فقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءة القرآن»، وسنذكر فوائده في الباب الآتي بعده، إن شاء الله تعالى".

نعم.

قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب صب الماء على البول في المسجد.

 حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: «دعوه وَهْريقوا على بوله سَجْلاً من ماء أو ذَنوبًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين».

 حدثنا عبدان قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا يحيى بن سعيد قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-".

نعم.

طالب:...

فعل مبني على...

طالب:...

 لا. قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب صبِّ هذا مصدر.

طالب:...

لما هنا لا الثاني.

طالب:...

لا باب صبِّ بالترجمة؟

طالب:...

لا لا، مضاف إليه.

طالب:...

 لا، جاؤوا بالذَنوب صبَّ عليه الماء هذا فعل بلا شك، وأما في الترجمة مضاف إليه، قال- رحمه الله-: باب صبِّ الماء، باب خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا باب، وباب مضاف، وصبِّ مضاف إليه، صب مضاف، والماء مضاف إليه، على البول في المسجد.

 قال -رحمه الله-: حدثنا أبو اليمان، واسمه الحكم بن نافع، قال: أخبرنا شعيب وهو ابن أبي حمزة، عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب الإمام قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة قال: قام أعرابي فبال في المسجد، وهذا تقدَّم في حديث أنس، فتناوله الناس يعني بألسنتهم، تناوله الناس بألسنتهم؛ لأنهم نهروه وزجروه، وهذا يقتضي أنه باللسان لا باليد، فقال لهم النبي –صلى الله عليه وسلم-: «دعوه» اتركوه، «وهريقوا» في بعض الروايات: «وأهريقوا»، وفي بعضها: «وأريقوا» كلها بمعنىً واحد، وهو معنى الصب، «وهريقوا على بوله سَجْلاً من ماء» والسَّجْل هو الدلو الكبير المملوء ماءً، فإن لم يكن فيه ماء فهو دلو، «أو ذَنوبا من ماء»، وهو كذلك الدلو فيه ماء، ومن هذه تبعيضية أم بيانية؟ بيانية، «أو ذَنوبا من ماء فإنما بعثتم ميسرين» المبعوث من؟

 النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي بُعث بالتيسير، ولم يبعث معسرًا -عليه الصلاة والسلام-، لكن أتباعه يحملون دعوته، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [سورة يوسف: 108] فالدعاة يشملهم هذا الوصف، وهم مطالبون بالتيسير لا بالتعسير، أسوة به -عليه الصلاة والسلام-.

أحسن الله إليك.

طالب:...

ماذا يصير؟

طالب:...

هم تبع ليس لهم حظ في التشريع.

قال الحافظ -رحمه الله-: "قوله: (باب صب الماء. أخبرني عبيد الله) كذا رواه أكثر الرواة عن الزهري".

عبيدُ.

طالب: نعم!

عبيدُ الله.

"أخبرني عبيدُ الله: كذا رواه أكثر الرواة عن الزهري، ورواه سفيان بن عيينة عنه: عن سعيد بن المسيب بدل عبيد الله، وتابعه سفيان بن حسين، فالظاهر أن الروايتين صحيحتان".

ولا شك في صحتهما وهما في الصحيح.

"قوله: (قام أعرابي) زاد ابن عيينة عند الترمذي وغيره في أوله".

عند الترمذيِ وغيره.

"عند الترمذيِ وغيره في أوله: أنه صلى ثم قال: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا. فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لقد تحجرت واسعًا». فلم يلبث أن بال في المسجد".

الآن ما الداعي لقوله: اللهم ارحمني ومحمدًا؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

ماذا خفف عليه؟

طالب:...

البول قبل أم بعد؟

طالب:...

هو يعني من حيث المعنى الترتيب أنه قال ذلك بعد أن هجم عليه الناس وقال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «اتركوه»، لكن قوله: ثم بال يقتضي أن البول بعد ذلك، عندك يا أبا عبد الله تحجرتَ أم تحرجتَ؟

طالب:...

الجيم قبل الراء؟ نعم؛ لأن السلفية تحرجت، والصواب تحجرتَ.

"وقد روى ابن ماجه وابن حبان الحديث تامًّا من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، وكذا رواه ابن ماجه أيضًا من حديث واثلة بن الأسقع وأخرجه أبو موسى المديني في الصحابة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار قال: اطلع ذو الخويصرة اليماني وكان رجلاً جافيًا. فذكره تامًّا بمعناه وزيادة وهو مرسل، وفي إسناده أيضًا مبهم بين محمد بن إسحاق وبين محمد بن عمرو بن عطاء وهو عنده من طريق الأصم عن أبي زرعة الدمشقي أحمد بن خالد الوهبي عنه، وهو في جمع مسند ابن إسحاق لأبي زرعة الدمشقي من طريق الشاميين عنه بهذا السند".

الوهبي صوابه.

طالب: نعم يا شيخ!

في بعض النسخ الذهبي، الصواب هو الوهبي نعم.

"وهو عنده من طريق الأصم عن أبي زرعة الدمشقي أحمد بن خالد الوهبي عنه، وهو في جمع مسند ابن إسحاق لأبي زرعة الدمشقي من طريق الشاميين عنه بهذا السند، لكن قال في أوله: اطلع ذو الخويصرة التميمي وكان جافيًا. والتميمي هو حرقوص بن زهير الذي صار بعد ذلك من رءوس الخوارج وقد فرق بعضهم بينه وبين اليماني، لكن له أصل أصيل، واستفيد منه تسمية الأعرابي، وقد تقدم قول التاريخي: إنه الأقرع، ونقل عن أبي الحسين بن فارس أنه عيينة بن حصن، والعلم عند الله تعالى".

عيينةُ.

"أنه عيينةُ بن حصن والعلم عند الله تعالى".

نعم، حصن.

"قوله: (فتناوله الناس) أي بألسنتهم".

والخلاف في اسمه ما يترتب عليه فائدة، ولذلك ما يسعون إلى الترجيح؛ لأنه ما يترتب عليه فائدة.

"قوله: فتناوله الناس أي بألسنتهم، وللمصنف في الأدب "فثار إليه الناس"، وله في رواية عن أنس "فقاموا إليه"، وللإسماعيلي "فأراد أصحابه أن يمنعوه"، وفي رواية أنس في هذا الباب "فزجره الناس"، وأخرجه البيهقي من طريق عبدان شيخ المصنف فيه بلفظ "فصاح الناس به"، وكذا للنسائي من طريق ابن المبارك".

شيخ المصنف في الطريق الآتي بعده.

"وكذا للنسائي من طريق ابن المبارك فظهر أن تناوله كان بالألسنة لا بالأيدي. ولمسلم من طريق إسحاق عن أنس: فقال الصحابة مه مه".

للزجر نعم يعني: اكْفُف اكْفُف.

"قوله: «وهريقوا»، وللمصنف في الأدب «وأهريقوا»، وقد تقدم توجيهها في باب الغسل في المخضب. قوله: «سَجْلاً» بفتح المهملة وسكون الجيم قال أبو حاتم السجستاني: هو الدلو ملأى ولا يقال لها ذلك، وهي فارغة. وقال ابن دريد: السَجْل دلو واسعة. وفي الصحاح: الدلو الضخمة. قوله: «أو ذَنوبا» قال الخليل: الدلو ملأى ماءً".

فيكون الذَنوب والسَجْل بمعنى واحد.

"وقال ابن فارس: الدلو العظيمة. وقال ابن السكيت: فيها ماء قريب من الملء ولا يقال لها وهي فارغة ذَنوب، انتهى. فعلى الترادف "أو" للشك من الراوي".

على الترادف بين الذَّنوب والسَّجْل، قال: سَجْلاً أو ذَنوبا، أو هذه تكون للشك.

"أو" للشك من الراوي، وإلا فهي للتخيير، والأول أظهر فإن رواية أنس لم تختلف في أنها ذَنوب. وقال في الحديث: «من ماء»، مع أن الذَنوب من شأنها ذلك، لكنه لفظ مشترك بينه وبين الفرس الطويل وغيرهما.

قوله: «فإنما بعثتم» إسناد البعث إليهم على طريق المجاز".

من ماء، والأصل ذَنوب لا يقال للدلو إلا إذا كان فيه ماء، لكن للتفريق بينه وبين ما يشاركه في اللفظ، وهو الفرس الطويل يقال له: ذَنوب، أراد أن يبين فمن بيانية، وإن كان المعنى الثاني غير محتمل هنا، ماذا يفعل الفرس؟ إذا جاؤوا بفرس طويل ماذا يفعل؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لكنه توجيه، نعم.

"قوله: «فإنما بعثتم» إسناد البعث إليهم على طريق المجاز؛ لأنه هو المبعوث -صلى الله عليه وسلم- بما ذكر، لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك، إذ هم مبعوثون من قِبَله بذلك أي مأمورون. وكان ذلك شأنه -صلى الله عليه وسلم- في حق كل من بعثه إلى جهة من الجهات، يقول: «يسروا ولا تعسروا»".

من ذلك قوله لمعاذ ومن معه معاذ وأبو موسى إلى اليمن: «يسرا ولا تعسرا، وبشِّرا ولا تنفرا»، وليس في هذا مستمسك لمن يسهل الأمور حتى تنتهي لا إلى شيء؛ لأن بعض الناس يستدل بمثل هذه الأمور، ويرتكب المحرمات، ويحل المحرمات؛ لأن الدين دين يسر، الدين دين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، ولكن مع ذلك دين تكاليف، دين أوامر ونواهٍ، وشُرعت الحدود وشُرع ما يزجر، ما يزجر عن ارتكاب المحرمات، فليست الكلمة على إطلاقها، ومع ذلك هو دين يسر، ليس فيه آصار ولا أغلال، كله مقدور عليه، وكله في طوق المكلف، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

طالب:...

 نعم اقرأ الحديث، اقرأ الحديث ونكمل.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

والباب؟

طالب:...

الباب الذي بعده.

طالب:...

لا؛ لأنه معوذ شرح.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

انظر. حدثنا عبدان وبابٌ يهريقوا الماء على البول ما هو بعندك؟

طالب: بابٌ يهريقوا الماء على البول؟

نعم، أنت قرأت حدثنا عبدان؟

"بابٌ: يهريقوا الماء على البول، حدثنا خالد قال: وحدثنا سليمان".

ولا وحدثنا خالد؟

طالب: حدثنا خالد.

هي موجودة في بعض الروايات نعم في رواية أبي ذر موجودة.

طالب: لابن عساكر والأصيلي وحدثنا.

نعم.

"حدثنا خالد قال: وحدثنا سليمان عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيٌ فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما قضى بوله أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- بذَنوب من ماء فأهريق عليه".

يقول البخاري -رحمه الله تعالى-: "حدثنا عبدان" عبد الله بن عثمان المروزي، قال: "أخبرنا عبد الله" هو ابن المبارك، قال: "أخبرنا يحيى بن سعيد" وهو الأنصاري، قال: "سمعت أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني بمعنى ما تقدَّم، ثم قال: بابٌ يهريقوا الماء على البول، وهو في معنى ما تقدم من باب صبِّ الماء على البول، يهريقوا الماء على البول والإراقة والإهراق هو الصب، وحدثنا خالد ....

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

ما الفائدة من وجود الواو وعدمها؟ حيث يريد التعليق يأتي بالواو، حيث يريد التعليق يأتي بالواو، قال: وحدثنا سليمان بن يحيى بن سعيد قال: "سمعت أنس بن مالك قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد" يعني في ناحيته في زاوية منه، "فزجره الناس" نهوه، وشددوا عليه في الكلام، "فنهاهم النبي –صلى الله عليه وسلم-" للاحتمالين السابقين أنه احتمال أن يقطع بوله فيتضرر أو يترك بوله يترشش على بقية أنحاء المسجد ولو في طريقه إلى الخروج منه، فتعظم المفسدة، "فلما قضى بوله أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- بذَنوب من ماء" وهو الدلو قال: الدلو العظيمة الكبيرة ، من ماء من قلنا هذه بيانية، فأُهريق عليه، يعني فَصُبَّ عليه.

قوله- يقول الحافظ ابن حجر-: قوله: أخبرنا عبد الله هو ابن المبارك، الإمام المعروف، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، قوله: وحدثنا خالد سقطت الواو من رواية كريمة من رواية كريمة والعطف فيه على قوله: حدثنا عبدان في الطريق السابقة، وسليمان هو ابن بلال، وبان لي يقول ابن حجر: وبان لي أن المتن على لفظ روايته على لفظ روايته، لما تقدَّم تقرير الحافظ أن الإمام البخاري إذا روى الحديث عن شيخين فاللفظ للآخر منهما، إذا روى الحديث عن اثنين فاللفظ للآخر منهما، والآن عندنا: وبان لي أن المتن على لفظ روايته، رواية من؟ سليمان، نعم، سليمان من الراوي الثاني؟

طالب:...

نعم؟

طالب:...

 طيب، وحدثنا خالد قال: وحدثنا سليمان من القائل: قال وحدثنا سليمان؟ سليمان هو ابن بلال، ما يصير البخاري.

طالب:...

ليس البخاري، متقدِّم، أقل شيء خالد؛ لأنه أقرب المذكورين، الآن يحيى بن سعيد هو موجود فيكون سليمان متابعًا لعبد الله بن المبارك؛ لأن عبد الله بن المبارك يرويه عن يحيى بن سعيد، وسليمان يرويه عن يحيى بن سعيد، فيكون المتن على لفظ سليمان لا على رواية ابن المبارك، التي يرويها عنه عبدان، عبد الله بن عثمان.

 قال: لأن لفظ عبدان فيه مخالفة لسياقه، كما أشرنا إليه عند أنه عند البيهقي، قوله: في طائفة المسجد أي في ناحيته، والطائفة القطعة من الشيء، القطعة من الشيء، سواء كان من الشيء من الأشياء ذات روح أو من غيرها من الجمادات، يقال لها: طائفة، قطعة من المسجد أو الناحية من المسجد يقال لها: طائفة، والقطعة من الجيش يقال لها: طائفة، والواحد في صلاة الخوف يقال له: طائفة، {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ} [سورة النور: 2] يعني ولو كان واحدًا. قوله: فنهاه في رواية عبدان: فقال: «اتركوه» فتركوه، «اتركوه» فتركوه، والأمر بالترك هو معنى النهي.

 قوله: فهريق عليه، كذا لأبي ذر، وللباقين: فأُهريق عليه، ويجوز إسكان الهاء وفتحها، ويجوز إسكان الهاء وفتحها كما تقدَّم، وضبطه ابن الأثير في النهاية بفتح الهاء أيضًا هَريقوا، وفي الحديث من الفوائد أن الاحتراز من النجاسة كان مقررًا في نفوس الصحابة لماذا؟ لأنهم بادروا بالإنكار على الأعرابي، ولهذا بادروا إلى الإنكار بحضرته -صلى الله عليه وسلم-، قبل استئذانه، ولو كان مما يُتَرَدَّدُ فيه أو يُشَكُّ فيه استأذنوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولما تقرر عندهم أيضًا من طلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن هذا منكر يُنهى عنه، واستُدل به على جواز التمسك بالعموم إلى أن يظهر الخصوص، هم عملوا بالعموم من إنكار المنكر، لكن هذا الفعل خاص بمثل هذه الحالة التي يترتب عليها المفاسد الأعظم.

 قال ابن دقيق العيد: والذي يظهر أن التمسك يتحتم عند احتمال التخصيص عند المجتهد، والذي يظهر أن التمسك يتحتم عند احتمال التخصيص عند المجتهد، ما معنى هذا الكلام؟

طالب:...

طيب.

طالب:...

لو عندهم مخصِّص ما عملوا بالعموم، ولا يجب التوقف عن العمل بالعموم لذلك يعني لمجرد الاحتمال؛ لأن علماء الأمصار ما برحوا يفتون بما بلغهم من غير توقف من غير توقف على البحث عن التخصيص، فالعام يُعمَل به حتى يوجد المخصِّص، والمطلق يُعمَل له حتى يوجد المُقيِّد، والمنسوخ يُعمَل به حتى يوجد الناسخ؛ ولهذه القصة أيضًا إذ لم ينكر النبي –صلى الله عليه وسلم- على الصحابة ولم يقل: لمَ نهيتم الأعرابي؟ بل أمرهم بالكفِّ عنه للمصلحة الراجحة، وهو دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما، وهذه من الأمور المقررة في الشريعة، وفيه المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع؛ لأنه مجرد ما انتهى دعا بذَنوب أو بسَجْل من ماء، وفيه المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع؛ لأمرهم عند فراغه بصبِّ الماء، وفيه تعيين الماء لإزالة النجاسة. لا بد من الماء، ولا يكفي في ذلك الاستحالة أو اليُبْس أو التشميس أو ما أشبه ذلك، لا بد من الماء، وفيه تعيين الماء لإزالة النجاسة؛ لأن الجفاف بالريح أو الشمس لو كان يكفي لما حصل التكليف بطلب الماء، والذين يقولون: إن النجاسة تزول بالجفاف يقولون: إن المسجد يحتاج إليه للصلاة، فلا ينتظر فيه حتى يجف، وفيه أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة، غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة؛ لأنها بها زالت النجاسة، زالت بها النجاسة نعم، أو كان آخر غسلة زالت بها النجاسة، فطاهر كان آخر غسلة زالت بها النجاسة فطاهر، ولو قلنا بنجاسة هذه الغسالة أو نجاسة آخر غسلة ما انتهينا، لاحتاجت إلى غسل ثم قلنا: هذه آخر غسلة زالت بها النجاسة نحتاج إلى غسل نعم، ويلتحق به غير الواقعة؛ لأن البِلّة الواقعة على الأرض غسالة نجاسة، فإذا لم يثبت أن التراب نُقِل وعلمنا أن المقصود التطهير تعيّن الحكم بطهارة البلة يعني الرطوبة، وإذا كانت طاهرة فالمنفصلة أيضًا مثلها لعدم الفارق فالمنفصلة لعدم الفارق، يعني لو ما انفصل من الاستنجاء آخر غسلة، طاهر أم نجس؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

 طاهر، أو كان آخر غسلة زالت بها النجاسة فطاهر، ويستدل به أيضًا على عدم اشتراط نضوب الماء؛ لأنه لو اشتُرِط لتوقفت طهارة الأرض على الجفاف، قلنا: إن الجفاف لا يشترط مع الغسل بالماء أو مع صبِّ الماء، كما أنه لا يكفي دون الماء، وكذا لا يُشترط عصر الثوب، إذ لا فارق، يعني لو وقعت نجاسة على الثوب صُبَّ عليه الماء العدد المطلوب لا يحتاج إلى عصر.

 قال الموفق في المغني، ابن قدامة بعد أن حكى الخلاف: الأولى الحكم بالطهارة مطلقًا؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يشترط في الصبِّ على بول الأعرابي شيئًا ، وفيه- يعني في الحديث- من الفوائد: الرفق بالجاهل، الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف، من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادًا أو يكون مما لا يحتمل مما لا يُحتَمل جهله في مثل هذه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- شدَّد على معاذ لما أطال صلاة العشاء بقومه شدَّد، لكن مثل هذا لا يُحتَمل جهله لهذه الأمور أو لأن المسألة تحتاج إلى مثل هذا، ولا سيما ممن يحتاج إلى استئلافه مثل هؤلاء الأعراب يحتاج إلى استئلافهم قد أعطى عيينة بن حصن والأقرع العدد الكبير من الإبل في غزوة حنين ولم يعط الأنصار شيئًا، ولم يعط الأنصار شيئًا؛ لأن مثل هؤلاء يحتاجون إلى تأليف، بينما الأنصار النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ما وقر في قلوبهم من إيمان، ما يحتاجون إلى تأليف.

 وفيه رأفة النبي –صلى الله عليه وسلم- وحسن خلقه، قال ابن ماجه وابن حبان في حديث أبي هريرة: فقال الأعرابي بعد أن فقه في الإسلام، وقال الأعرابي بعد أن فقه في الإسلام فقام إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- بأبي أنت وأمي بدون واو، بأبي أنت وأمي، فلم يؤنب ولم يسُب -عليه الصلاة والسلام-.

 وفيه تعظيم المسجد وتنزيهه عن الأقذار، لكن مثل ما نسمعه في المساجد من الموسيقى والأغاني من هذه الجوالات، يعني هل يلزم أن يستمر الإنسان بالرفق واللين؟ أو يشدد ويغلظ؛ لأن المسألة استمرت وما انتهى الناس، لكن الاحتمال أن يكون هذا المذنب الذي بعث الموسيقى من عنده غير الأول الذي راح فيكون هذا أول مرة، وهذه مشكلة في المساجد وفي المطاف وفي كل مكان، والقضاء عليها قد يكون فيه نوع صعوبة، لماذا؟ لأن الغالب أن الذين يتركون الجوالات حتى تنتهي من الأعاجم الذين ما يفهمون ماذا تقول، دائمًا يصير هذا، يتلفت والله ما يدري ماذا تقول، لكن يتعين على من بجانبه أن ينبهه أن هذا هو المطلوب وإلا يتكلم وهذا ما زال ويمكن أن ينتهي ويرن ثانية؛ لأنه ما يدري ماذا تقول؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لكن بدون نَهْر دون أن يُنهَر؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}[سورة الضحى: 10] يُنَبَّه بتنبيه خفيف، أو يُشار إليه إشارة أن ينتقل إلى مكان آخر بدون تغليظ ولا نهر.

اللهم صل على محمد.

طالب:...

نعم.

طالب:...

لا ما يُنهَر، يشمله العموم، لكن كونك ما تعطيه؛ لأنه ذو مرة سوي فهذا ذو قوة.

طالب:...

الله -جل وعلا- يقول: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}[سورة الضحى: 10]، {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}[سورة الضحى: 10] ويمكن كفّه وعلاج مسألته وقضيته بدون النهر.

طالب:...

خلونا نكمل يا إخوان، فيه تعظيم المسجد وتنزيهه عن الأقذار، وظاهر الحصر في قوله: «إن المساجد لم تبن لهذا» وظاهر الحصر من سياق مسلم في حديث أنس أنه لا يجوز في المسجد غير ما ذُكِر من الصلاة والقرآن والذكر، المساجد إنما بُنيت للصلاة والذكر وتلاوة القرآن، في صحيح مسلم، لكن هل هذا الحصر حقيقي أو إضافي؟

طالب:...

إذا قلنا: حقيقي فما يجوز أن تصنع شيئًا غير هذه الثلاثة، وظاهر الحصر من سياق مسلم في حديث أنس أنه لا يجوز في المسجد شيء غير ما ذكر من الصلاة والقرآن والذكر، لكن الإجماع على أن مفهوم الحصر منه غير معمول به، النبي -عليه الصلاة والسلام- يجيش الجيوش ويرتبها، ويعقد الألوية في المسجد، وفيه الاعتكاف أيضًا، ما ذكر مع الثلاثة.

طالب:...

فهذا إجماع على أن مفهوم الحصر غير معمول به، ولا ريب أن فعل غير المذكورات وما في معناها خلاف الأولى، والله أعلم.

وفيه أن الأرض تطهر بصبِّ الماء عليها، ولا يشترط حفرها، خلافًا للحنفية حيث قالوا: لا تطهر إلا بحفرها، لكن الحديث ما فيه إشارة إلى شيء من هذا، كذا أطلق النووي وغيره المذكور في كتب الحنفية التفصيل، بينما إذا كانت الأرض رخوة بحيث يتخللها الماء حتى يغمرها فهذه لا تحتاج إلى حفر، وبين إذا ما كانت صلبة فلا بد من حفرها وإلقاء التراب؛ لأن الماء لم يغمر أعلاها وأسفلها. قد يقول قائل: إذا كانت صلبة، والماء لا يغمر أعلاها وأسفلها فالنجاسة كذلك لم تصل إلى أسفلها، واحتج فيه بحديث جاء من ثلاث طرق أحدها موصول عن ابن مسعود أخرجه الطحاوي، لكن إسناده ضعيف، قاله أحمد وغيره، والآخران مرسلان أخرج أحدهما أبو داود من طريق عبد الله بن معقل بن مقرِّن، والآخر من طريق سعيد بن منصور، ومن طريق طاوس، ورواتهما ثقات، لكنهما مرسلان. الحنفية يحتجون بالمرسل والمالكية كذلك، فاحتجاج الحنفية بالمُرسِلَيْن المذكورَيْن ولا سيما وأن رواتهما ثقات جارٍ على قواعدهم.

 واحتج مالك كذا النعمان         وتابعوهما به ودانوا

 يعني بالمرسل، ثم قال:

ورده جماهر النقاد        للجهل بالساقط في الإسناد

 وهو يلزم من يحتج بالمرسل مطلقًا وكذا من يحتج به إذا اعتضد مطلقًا؛ لأنه اعتضد بمرسل آخر، واعتضد بحديث ابن مسعود وإن كان ضعيفًا، فهو معتضد، والشافعي إنما يعتضد عنده إذا كان من رواية كبار التابعين، الشرط الأول عند الشافعي في قبول المراسيل أن يكون مرسله من كبار التابعين، وكان من أرسل هذا شرط الشافعي في الأم إذا سمّى لا يسمي إلا ثقة، لا يسمي إلا ثقة، يعتضد، والمرسِل من كبار التابعين، وهذا التابعي إذا سمّى من روى عنه لا يسمي إلا ثقة، وذلك مفقود في المُرسَلَيْن المذكورَيْن على ما هو ظاهر من سنديهما والله أعلم، وسيأتي باقي فوائده في كتاب الأدب، إن شاء الله تعالى.

"