التعليق على تفسير القرطبي - سورة هود (05)

نعم.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ؛ فَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ؛ قَالَهُ الضَّحَّاكُ، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ؛ بِدَلِيلِ الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} [هود:16] أَيْ مَنْ أَتَى مِنْهُمْ بِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ صَدَقَةٍ نُكَافِئُهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، بِصِحَّةِ الْجِسْمِ، وَكَثْرَةِ الرِّزْقِ، لَكِنْ لَا حَسَنَةَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي "بَرَاءَةٌ" مُسْتَوْفًى".

لأنه في الآخرة لا ينفع مع الكفر طاعة، بل عمل الكافر حابط مردود عليه.

"وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْمُؤْمِنُونَ؛ أَيْ مَنْ أَرَادَ بِعَمَلِهِ ثَوَابَ الدُّنْيَا عُجِّلَ لَهُ الثَّوَابُ وَلَمْ يُنْقَصْ شَيْئًا فِي الدُّنْيَا، وَلَهُ فِي الْآخِرَةِ الْعَذَابُ؛ لِأَنَّهُ جَرَّدَ قَصْدَهُ إِلَى الدُّنْيَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، فَالْعَبْدُ إِنَّمَا يُعْطَى عَلَى وَجْهِ قَصْدِهِ، وَبِحُكْمِ ضَمِيرِهِ؛ وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْأُمَمِ بَيْنَ كُلِّ أُمْةَ. وقيل هو".

بين كل ملة.

"بَيْنَ كُلِّ مِلَّة. وَقِيلَ: هُوَ لِأَهْلِ الرِّيَاءِ؛ وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهُ يُقَالُ لِأَهْلِ الرِّيَاءِ: «صُمْتُمْ وَصَلَّيْتُمْ وَتَصَدَّقْتُمْ وَجَاهَدْتُمْ وَقرأْتُمْ؛ لِيُقَالَ ذَلِكَ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ أَوَّلُ مَنْ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ». رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، ثُمَّ بَكَى بُكَاءً شَدِيدًا وَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [هود:15]، وَقَرَأَ الْآيَتَيْنِ، خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا".

حديث حديث أبي هريرة في صحيح مسلم في أول من يقضى بينهم يوم القيامة، وما يقضى فيهم يوم القيامة، وأول من تسعر بهم النار يوم القيامة الثلاثة: الشهيد، والعالم، والجواد. «يؤتى بالشهيد فيقال له: ماذا فعلت؟ قال: قاتلت في سبيلك حتى قُوتلت، فيقال له: كذبت إنما قاتلت ليقال: شجاع، وقد قيل، ثم يؤمر به فيسحب على وجه في النار» نسأل الله العافية، ومثله العالم «تعلمت العلم، وعلمته الناس ثم يقال له: كذبت، وإنما تعلمت وعلمت ليقال: عالم»، والجواد يقول: «ما من وجوه من وجوه البر إلا وتصدقت فيه أو بذلت فيه فيقال: إنما فعلت ذلك ليقال: جواد وقد قيل».

وعلى كل حال هذا الحديث وما جاء ما جاء في معناه مخيف؛ لأنه وضع، والظاهر من حال كثيرٍ من الناس هذا. نسأل الله العافية، من تعلم العلم الذي يبتغى به وجه الله لا يتعلمه لا ليريد به غرضًا من الدنيا، نسأل الله العافية، لم يرح رائحة الجنة، وإذا كان هذا في المتعلم، فالتبعة على المعلم إذا كان قصد من باب أولى.

"الجواد" الذي ينفق ويظهر للناس أنه يتصدق، ويبذل في سبيل الله عليه أن يراجع نفسه، وإذا وجد من الأغنياء من إذا كان بحضرة الناس أعطى، وإن انصرف الناس اتصل بالبنك يحجز الشيك، مثل هذا نسأل الله العافية، ظاهر أمره الشجاع يقدم نفسه ليقتل من أجل أن يقال: شُجاع، فلا نغتر بالمظاهر، بعض الناس يقول: هذا شخص محتسب ومخلص الدليل، الدليل أنه ما يأخذ شيئًا من الناس يرقي الناس، ولا يأخذ منهم شيئًا، يعلم الناس العلم، ولا يأخذ منهم شيئًا، لا، يكفيه أن يقال إنه: جواد، يكفيه أن يقال: شجاع يكفيه، أن يقال: عالم أو معلم، كما يكفيه أن يقال: «إن الله يشفي على يديه من يشفي من الناس» يكفي إذا كان الإنسان يقدم نفسه ليقتل من أجل أن يقال، فمن باب أولى أن يتنازل عن أمور الدنيا، هذا مطلب عظيم عند أكثر النفوس الدنيئة أن يقال: يكفي فلنكن على حذر من هذا {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} [هود:15]، لا ينقصون شيئًا هم فيها {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} [هود:16]، نسأل الله العافية، هؤلاء ليس لهم من أعمالهم شيء، إذا كان العمل مما يبتغى به وجه الله فهذا وبال على صاحبه، يعني إذا كان العمل من أعمال الدنيا من هندسة، زراعة، طب، وما أشبه ذلك، نجارة، تجارة، أمرها أخف، لمثل هذا أمره أخف.

 نعم لو أحسن القصد، وقصد بذلك وجه الله، والدار الآخرة، ونفع المسلمين أجر، وصار في عبادة، لكن ليست بخسارة إذا قصد بذلك الدنيا مثل خسارة من يطلب العلم الشرعي ويريد بذلك الدنيا، لا، الفرق كبير؛ لأن العلم الشرعي عبادةٌ محضة مذلة، لذا لما جاء في حديث عمر «من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا نصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه، فهجرته إلى ما هاجر إليه» يعني إذا هاجر من أجل الدنيا، من أجل الدنيا، يصيب من هذه الدنيا، ولا تبعة عليه إذا لم يظهر أنه مهاجر لله، لكن إن أظهر أنه مهاجر لله، وقصده بذلك الدنيا، أو المرأة، خطب امرأة من أهل الشمال أو الجنوب قالوا له: والله أنت بالرياض، بعيدةً علينا، قال: أجيء أسكن عندكم، ثم يشيع بين أخوانه وأقرانه أنه يذهب، وينفع الله به، ويبغى الشمال والجنوب، لا، لكن لو قال: أروح أتزوج بهذا الشمال وأقعد ما لقيت امرأتي إلا هناك، واشترطوا عليه: اجلس معها، ما فيه شيء، نعم، لكن إن أظهر أنه إنما هاجر لله ورسوله فهذه المشكلة، هنا يأتي الوعيد، والله المستعان.

"وَقِيلَ: الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ يَنْوِي بِعَمَلِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، كَانَ مَعَهُ أَصْلُ إِيمَانٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُعَاوِيَةُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-. وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: لَيْسَ أَحَدٌ يَعْمَلُ حَسَنَةً إِلَّا وُفِّيَ ثَوَابَهَا؛ فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا مُخْلِصًا وُفِّيَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا وُفِّيَ فِي الدُّنْيَا. وَقِيلَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الدُّنْيَا بِغَزْوِهِ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُفِّيَهَا، أَيْ وُفِّيَ أَجْرَ الْغُزَاةِ وَلَمْ يُنْقَصْ مِنْهَا؛ وَهَذَا خُصُوصٌ وَالصَّحِيحُ الْعُمُومُ". 

يشمل كل أحد؛ لأن من صيغ العموم من كان يريد بعمل الحياة الدنيا، ما يبخس شيء من هذه الدنيا.

"الثَّانِيَةُ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، وَتَدُلُّكَ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ صَامَ فِي رَمَضَانَ لَا عَنْ رَمَضَانَ لَا يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ، وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ لِلتَّبَرُّدِ وَالتَّنَظُّفِ لَا يَقَعُ قُرْبَةً عَنْ جِهَةِ الصَّلَاةِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ".

لأن الأعمال بالنيات إنما تكون بالنيات، الذي لا ينوي القربة بأعماله لا يحصل عليها.

"الثَّالِثَةُ: ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُطْلَقَةٌ؛ وَكَذَلِكَ الْآيَةُ الَّتِي فِي" الشُّورَى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} [الشورى:20] الْآيَةَ. وَكَذَلِكَ {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} [آل عمران:145] قَيَّدَهَا وَفَسَّرَهَا الَّتِي فِي سُبْحَانَ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجلةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء:18] إِلَى قَوْلِهِ: مَحْظُورًا فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْعَبْدَ يَنْوِي وَيُرِيدُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فِي قَوْلِهِ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [هود:15] أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِه :{مَنْ كَانَ يُرِيدُ العاجلة} [الإسراء:18]. وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] فَهَذَا ظَاهِرُهُ خَبَرٌ عَنْ إِجَابَةِ كُلِّ دَاعٍ دَائِمًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَىَ: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} [الأنعام:41] وَالنَّسْخُ فِي الْأَخْبَارِ لَا يَجُوزُ؛ لِاسْتِحَالَةِ تَبَدُّلِ الْوَاجِبَاتِ الْعَقْلِيَّةِ، وَلِاسْتِحَالَةِ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا الْأَخْبَارُ عَنِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَجُوزُ نَسْخُهَا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْأُصُولِ، وَيَأْتِي فِي "النَّحْلِ" بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى". 

هذه الآية مع آية الإسراء، وفيها التقييد بالمشيئة، يعني هل هي من باب الإطلاق والتقييد أو من باب الناسخ والمنسوخ؟ يعني أنه أُخبر أولًا بالعموم، وأن كل من يريد الحياة الدنيا وزينتها يوفَّى إليه عمله، ثم بعد ذلك أُخبر بالإسراء بأنه لا يوفَّى العمل، أجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد، وأن هذا أمرٌ قاصرٌ على ما أراده الله سبحانه وتعالى لا شك أنه لا يقع في ملك الله ما لا يريده وما لا يشأهُ، كل شيء مربوط بإرادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته، ومن ذلكم توفية العامل عمله، إذا استوفى الأسباب والشروط، وانتفت الموانع ومثله {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186]، {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186].

  مقتضاه أن كل داعٍ يُجاب، ويؤيده حديث «ما من داعٍ يدعو الله إلا إيش؟ إلا أجيب بإحدى ثلاث: إما أن يُجاب إلى ما يريد، أو يصرف عنه من السوء بقدره، أو يدخر له يوم القيامة»، على كلٍّ الدعاء كغيره من الأسباب، لا بد من توافر الأسباب الأخرى، وانتفاء الموانع، ومن ذلكم: «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا زراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فدخلها»، مع الحديث الأخر «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، فيسبق عليه الكتاب، حتى يكون بينه وبينها إلا زراع... إلى آخره»، فهذا القيد معتبر، وأنه إن كان عمله فيما يبدو للناس ويظهر للناس أو أن هذه النتيجة محتملة، وإن كان مخلصًا في عمله مقتضى القواعد التقييد.

نعم إنه إن كان عمله فيما يبدوه للناس لله سبحانه وتعالى وأنه في الآخرة، ولا شك أن الفواتح أن الخواتم، لكن السلف وحالهم وخوفهم من سوء العاقبة وسوء الخاتمة يدل على عدم التقييد، بل يحملون الخبر على ظاهره حديث ابن مسعود، ويخافون من سوء العاقبة، وأن الإنسان قد يفتن في آخر عمره، وإن كان مطيعًا لله مخلصًا في أوله، بل في غالبه، وعلى الإنسان ما دامت روحه في جسده أن يكون خائفًا راجيًا خائفًا من ذنبه راجيًا لربه، والله المستعان.

"قَوْلُهُ تَعَالَىَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} [هود:16] إِشَارَةٌ إِلَى التَّخْلِيدِ، وَالْمُؤْمِنُ لَا يُخَلَّدُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء:48] الْآيَةَ. فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَوْ كَانَتْ مُوَافَاةُ هَذَا الْمُرَائِي عَلَى الْكُفْرِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَيْسَ لَهُمْ إِلَّا النَّارُ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ ثُمَّ يُخْرَجُ؛ إِمَّا بِالشَّفَاعَةِ، وَإِمَّا بِالْقَبْضَةِ".

لكن الذي يرجح الأول قوله: {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا} [هود:16]؛ لأنه لا يحبط العمل إلا الكفر، والردة، نسأل الله العافية، والموت عليها دل على أن قوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} [هود:16] يعني "الكفار" سيخلدون فيها؛ لأنهم حبط ما صنعوا فيها، وبطل ما كانوا يعملون، حبط ما صنعوا وبطل عملهم؛ لأنهم ارتدوا، أو لأنهم لا يصح مع كفرهم عمل، ولا ينفعهم ذلك.

"وَالْآيَةُ تَقْتَضِي الْوَعِيدَ بِسَلْبِ الْإِيمَانِ؛ وَفِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي يُرِيدُ الْكُفْرَ وَخَاصَّةً الرِّيَاءَ، إِذْ هُوَ شِرْكٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي "النِّسَاءِ" وَيَأْتِي فِي آخِرِ "الْكَهْف".
{وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:139] ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَحَذَفَ الْهَاءَ".

"أبو حاتم" هذا من هو؟

طالب:............

ماذا؟

طالب:............

أبو حاتم.

طالب:............

من هو؟

طالب:...........

 لا الرازي هذا صنعته، ولا ابن حبان هذه صنعته.

طالب: له تفسير.

له تفسير، لكن يقولوا: أبو حاتم الرازي حذف "الهاء" وفعل "بالهاء"، يعطف عليها النحاس وجماعته.

طالب:...........

لا لا، لكن أبو حيان ليس بعد صاحبنا هذا.

طالب:...........

أبو حاتم لغوي معروف مشهور من أئمة اللغة مر علينا فب الكثير بشرح الحديث السجستاني أبو حاتم السجستاني.

طالب: تفسير أبي حاتم الرازي موجود؟

تفسير ابن أبي حاتم وليس أبا حاتم.

"قَالَ النَّحَّاسُ: هَذَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى حَذْفٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ؛ أَيْ وَبَاطِلٌ عَمَلُهُ".

ما المحذوف؟ يقول: حذف "الهاء"، يعملون العائد على، نعم العائد على الموصول؛ لأن جملة الصلة لا بد لها من عائد، لا بد لها من عائد {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:139] والنحاس يقول: هذا لا يحتاج إلى حذف؛ لأنه بمعنى المصدر؛ لأنه باطلٌ عملهم.

"وَفِي حَرْفِ أُبَيٍّ وَعَبْدِ اللَّه {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:139] وَتَكُونُ "مَا" زَائِدَةً؛ أَيْ وَكَانُوا يَعْمَلُونَ بَاطِلًا.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} [هود:17] ابْتِدَاءٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ فِي إتِّبَاعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعَهُ مِنَ الْفَضْلِ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا؟! عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: إِنَّ الَّذِي عَلَى بَيِّنَةٍ هُوَ مَنِ اتَّبَعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} [هود:17] من الله، وَهُوَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقِيلَ :الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ :{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} [هود:17]  النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْكَلَامُ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِه: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [هود:12]؛ أَيْ أَفَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ، وَمُعْجِزَةٌ كَالْقُرْآنِ، وَمَعَهُ شَاهِدٌ كَجِبْرِيلَ -عَلَى مَا يَأْتِي- وَقَدْ بَشَّرَتْ بِهِ الْكُتُبُ السَّالِفَةُ يَضِيقُ صَدْرُهُ بِالْإِبْلَاغِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا يُسْلِمُهُ. وَالْهَاءُ فِي "رَبِّهِ" تَعُودُ عَلَيْهِ.

 وقوله: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} [هود:17] وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ جِبْرِيلُ؛ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ: وَالْهَاءُ فِي "مِنْهُ" لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ أَيْ وَيَتْلُو الْبَيَانَ وَالْبُرْهَانَ شَاهِدٌ مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الشَّاهِدُ مَلَكٌ مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- يَحْفَظُهُ وَيُسَدِّدُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ :الشَّاهِدُ لِسَانُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: قُلْتُ لِأَبِي: أَنْتَ الشَّاهِدُ؟ فَقَالَ: وَدِدْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، وَلَكِنَّهُ لِسَانُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقِيلَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: (مَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا وَقَدْ أُنْزِلَتْ فِيهِ الْآيَةُ وَالْآيَتَانِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَيُّ شَيْءٍ نَزَلَ فِيكَ ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} [هود:17].

 وَقِيلَ: الشَّاهِدُ صُورَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَجْهُهُ وَمَخَائِلُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ وَعَقْلٌ فَنَظَرَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِمَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَالْهَاءُ عَلَى هَذَا تَرْجِعُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ".

على كلٍّ كون الشاهد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- هذا غير متجه، ولذا نفى لما سأله ابنه محمد بن علي المعروف بابن الحنفية، "حنفية" أمه، و"عليٌ" أبوه، وعلى هذا ابن الثانية بالإلف، تقول: محمد بن علي ابن الحنفية، ولا تقول: بنِ؛ لأنها ليست بوصفٍ لعلي، وإنما هي وصفٌ لمحمد، كما تقول: عبد الله بن أُبي ابن سلول، عبد الله بن مالك ابن بُحينة، "بُحينة" أمه و"مالك" أبوه، وهكذا فتكتب ابن الثانية بالأف، وتتبع الاسم الأول لا الثاني في الإعراب، وتكون حينئذٍ مرفوعة، قلت لأبي: يعني عليًّا -رضي الله عنه- أنت الشاهد، فقال: وددت أن أكون أنا هو، لكن ليس ليس أنا، ينفي أن يكون علي -رضي الله عنه- هو الشاهد، وعلى كل حال من نظر إلى وجهه -عليه الصلاة والسلام- في حياته جزم بأنه رسول الله حقًّا، ومن نظر في سيرته وهديه بعد وفاته جزم بأنه مرسل من الله سبحانه وتعالى حقًّا، فلا يتمارى أحد في أنه صادقٌ مصدق.

يقول ابن مسعود: حدثنا الصادق المصدوق.

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

 

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

اليتامى عصمة للأرامل

 فلا شك أن في وجهه شاهدًا -عليه الصلاة والسلام- وفي هديه وسمته، وسيرته شواهد على أنه مرسلٌ من الله سبحانه وتعالى.

"وَقِيلَ: الشَّاهِدُ الْقُرْآنُ فِي نَظْمِهِ وَبَلَاغَتِهِ، وَالْمَعَانِي الْكَثِيرَةُ مِنْهُ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ، قَالَهُ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ، فَالْهَاءُ فِي "مِنْهُ" لِلْقُرْآنِ".

فضل، قال: الحسين بن فضل، ابن الفضل أم بن المفضل، ما فيه نسخ ثانية.

"فَالْهَاءُ فِي "مِنْهُ" لِلْقُرْآنِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ قَالَ بَعْضُهُمْ:  {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} [هود:17] الْإِنْجِيلُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَهُوَ يَتْلُو الْقُرْآنَ فِي التَّصْدِيقِ؛ وَالْهَاءُ فِي "مِنْهُ" لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

 وَقِيلَ: الْبَيِّنَةُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ الَّتِي أَشْرَقَتْ لَهَا الْقُلُوبُ، وَالشَّاهِدُ الَّذِي يَتْلُوهُ الْعَقْلُ الَّذِي رُكِّبَ فِي دِمَاغِهِ، وَأَشْرَقَ صَدْرُهُ بِنُورِهِ.

 {وَمِنْ قَبْلِهِ} [هود:17] أَيْ مِنْ قَبْلِ الْإِنْجِيلِ".

يعني أن العقل السليم الصريح يشهد للنقل الصحيح، إذا قال: الشاهد الذي يتلوه العقل الذي ركب في دماغه أن الإنسان إذا نظر بعين البصيرة والعقل المجرد عن الشبهات، والهواء لا شك أنه يشهد بأن ما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- صحت بالإخبار عنه أنه حق.

طالب: معرفة الله الَّتِي أَشْرَقَتْ لَهَا الْقُلُوبُ.

البينة معرفة الله الَّتِي أَشْرَقَتْ لَهَا الْقُلُوبُ، العبارة من عباراتهم، عبارة من عباراتهم، ويستفيد منهم كثيرًا، وينقل منهم.

طالب:..........

العقل الذي ركب في دماغه نعم، "وأشرق صدره بنوره" لأن العقل في الدماغ، والخلاف هل هو في القلب أو في الدماغ؟ مسألة خلافية، كأنه الشاهد الذي يتلوه العقل الذي ركب في دماغه، وأشرق صدره بنوره.

 على كلٍّ الأكثر على أنه في القلب، العقل على أنه في القلب، والإمام أحمد يتوسط يقول: له اتصال بالدماغ؛ لأنه ليس محله الدماغ، وإنما هو القلب، ولذا قال: {لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج:46]، فهو في القلب، وخطابات الشرع كلها متجهة إلى القلب، والأحكام معلقة بمن يعقل، فدل على أن العقل محله القلب، وله اتصال بالدماغ، يعني أنه يتأثر إذا تأثر الدماغ.

"وَمِنْ قَبْلِهِ" أَيْ مِنْ قَبْلِ الْإِنْجِيلِ. {كِتَابُ مُوسَى} [هود:17] رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ :وَالْمَعْنَى وَيَتْلُوهُ مِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَوْصُوفٌ فِي كِتَابِ مُوسَى {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف:157]، وَحَكَى أَبُو حَاتِمٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَرَأَ {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابَ مُوسَى} [هود:17] بِالنَّصْبِ؛ وَحَكَاهَا الْمَهْدَوي عن الْكَلْبِيِّ؛ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْهَاءِ فِي "يَتْلُوهُ" وَالْمَعْنَى: وَيَتْلُو كِتَابَ مُوسَى جِبْرِيلُ  -عَلَيْهِ السَّلَامُ-؛ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ الْمَعْنَى مِنْ قَبْلِهِ تَلَا جِبْرِيلُ كِتَابَ مُوسَى عَلَى مُوسَى. وَيَجُوزُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَرْفَعَ "كِتَابُ".

يُرفع يُرفع.

"أنْ يُرْفَعَ "كِتَابُ" عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى كَذَلِكَ؛ أَيْ تَلَاهُ جِبْرِيلُ عَلَى مُوسَى كَمَا تَلَا الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّد، "إِمَامًا" نَصْبٌ عَلَى الْحَال. 
"وَرَحْمَةً" مَعْطُوف. {أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} إِشَارَةٌ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَيْ يُؤْمِنُونَ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْبِشَارَةِ بِكَ؛ وَإِنَّمَا كَفَرَ بِكَ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَهُمُ الَّذِينَ مَوْعِدُهُمُ النَّارُ؛ حَكَاهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَالْهَاءُ فِي بِهِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْقُرْآنِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلنَّبِيِّ –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

نعم في كتاب موسى والتوراة البشارة بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد بشر به المسيح أيضًا، وكان أتباعهم من اليهود والنصارى يؤمنون بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وبوصفه، لكن {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة:89] كانوا يستفتحون على الذين كفروا، على المشركين، سوف يأتي نبي هذه صفته وهذه صفته، لكن لما جاء حسدوه فكفروا نسأل الله العافية.

"{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ} أَيْ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالنَّبِيِّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-. {مِنَ الْأَحْزَابِ} يَعْنِي مِنَ الْمِلَلِ كُلِّهَا؛ عَنْ قَتَادَةَ؛ وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْأَحْزَابُ أَهْلُ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا [ص:18] لِأَنَّهُمْ يَتَحَازَبُون. وَقِيلَ: قُرَيْشٌ وحُلَفَاؤُهُمْ. {فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ}أَيْ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ وَأَنْشَدَ حَسَّانُ: 

أُورِدْتُمُوهَا حِيَاضَ الْمَوْتِ ضَاحِيَةً 

 

فَالنَّارُ مَوْعِدُهَا وَالْمَوْتُ لَاقِيهَا

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي يُونُسَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: - «وَالَّذِي نَفْسُ …"

هو من حديث أبي يونس عن أبي هريرة.

"«وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ». {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ} [هود:17] أَيْ {فِي شَكٍّ مِنْهُ} [هود:17] أَيْ مِنَ الْقُرْآنِ. {إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [هود:17] أَيِ الْقُرْآنُ مِنَ اللَّهِ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْمَعْنَى فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ فِي أَنَّ الْكَافِرَ فِي النَّارِ. {إِنَّهُ الْحَقُّ} [هود:17] أَيِ الْقَوْلُ الْحَقُّ الْكَائِنُ؛ وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ".

لا يجوز لأحدٍ أن يمتري، ويشك، ويماري، ويجادل في أن من كفر بالله في النار، بل خالدٌ مخلدٌ فيها، سواء كان كفره كفرًا أصليًّا أو متعبدًا بشريعة منسوخة محرفة كاليهود والنصارى، لا يجوز أن يشك ويمتري أحد أنه في النار {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البينة:6].

طالب:

 {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6] فالمشرك يستوي مع اليهودي ومع النصراني، كلهم في النار، «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة» يعني: ممن بعثت فيهم، وأتى بعدي سواءٌ كان من أمة الإجابة أو أمة الدعوى «يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار»، هذا حديث متفق عليه، حديث صحيح، ولا إشكال.

فهنا الذين يبحثون مسألة تقارب الأديان أو التعايش مع سائر الأديان أو الاحتمال بأن اليهود والنصارى يمكن أن تصحح مللهم، ويمكن أن.. إلى آخر المسائل الآن تبحث وهي مسائل قطعية، لا يجوز أن يشك فيها، هي مسائل قطعية عند أهل العلم اليهود والنصارى كفار، ولا يمكن أن يدخلوا الجنة؛ لأن المشرك خالد مخلد؛ {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}[النساء:48]، وهؤلاء منهم، وهم في حكمهم.

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [هود:18] أَيْ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُمُ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا؛ فَأَضَافُوا كَلَامَهُ إِلَى غَيْرِهِ؛ وَزَعَمُوا أَنَّ لَهُ شَرِيكًا وَوَلَدًا، وَقَالُوا لِلْأَصْنَامِ: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّه".

"من افترى على الله الكذب" سواءٌ كان بهذا، بأن زعم أن له شريكًا فأشرك معه غيره، أو زعم أن له ولدًا، كما قالت: اليهود والنصارى أو زعم أن هذا حكمه في هذه المسألة، وهو أيضًا {مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [هود:18]، {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل:116] هذا كذب أيضًا على الله، فالذي يفتي الناس بغير علم أو على خلاف ما يعلمه من النصوص، هذا {مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [هود:18]، نسأل الله العافية، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ}[الزمر:60]، وهؤلاء منهم، نسأل الله العافية.

 فليحظر طالب العلم أن يسارع إلى أن يقول: على الله بغير علم، وهم من أعظم {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[البقرة:169] نسأل الله العافية.

طالب:..........

لا لا لا الذي يفتي بغير علم لا لا، لا يكفر، لا.

طالب:.............

نعم {فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:60] هذا متكبر على أن يقول: لا أدري؟

طالب:...............

نعم، لكن ما يحكم بكفره.

"{أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ} [هود:18] أَيْ يُحَاسِبُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ} [هود:18] يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ الْحَفَظَةَ؛ عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ؛ وَقَالَ سُفْيَانُ: سَأَلْتُ الْأَعْمَشَ عَنِ الْأَشْهَادِ فَقَالَ: الْمَلَائِكَةُ. الضَّحَّاكُ: هُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ؛ دَلِيلُهُ قَوْلُه: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء:41]. وَقِيلَ: الْمَلَائِكَةُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ الَّذِينَ بَلَّغُوا الرِّسَالَاتِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: عَنى الْخَلَائِقِ أَجْمَعَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِيهِ قَالَ: «وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ [ص:19]عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ».

 {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] أَيْ بُعْدُهُ وَسَخَطُهُ وَإِبْعَادُهُ مِنْ رَحْمَتِهِ عَلَى الَّذِينَ وَضَعُوا الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [هود:19] يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الَّذِينَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ نَعْتًا لِلظَّالِمِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ؛ أَيْ هُمُ الَّذِينَ. وَقِيلَ: هُوَ ابْتِدَاءُ خِطَابٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ أَيْ هُمُ الَّذِينَ يَصُدُّونَ أَنْفُسَهُمْ وَغَيْرَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} [هود:19] أَيْ يَعْدِلُونَ بِالنَّاسِ عَنْهَا إِلَى الْمَعَاصِي وَالشِّرْكِ. 
{وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [هود:19] أَعَادَ لَفْظَ هُمْ تَأْكِيدًا".

 نعم {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] هو شامل لمن يظلم نفسه أو يظلمُ غيره فيظلم نفسه بعبادة غير الله سبحانه وتعالى، والشرك هو أعظم الظلم {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ}[الأنعام:82]، جاء تفسير "الظلم": بالشرك {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:13]، أو يتعدى ظلمه إلى غيره فيصد غيره عن سبيل الله، ويبغي بدلًا من "الصراط المستقيم" الصراط المعوج، ولا يؤمن بالآخرة، فيصدون الناس عن سبيل الله إلى سبل الشيطان، نسأل الله العافية، فهؤلاء تحل عليهم اللعنة يستحقون الطرد، والإبعاد عن رحمة الله سبحانه وتعالى.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} [هود:20] أَيْ فَائِتِينَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُعْجِزُونِي أَنْ آمُرَ الْأَرْضَ فَتَنْخَسِفَ بِهِمْ. {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ} [هود:20] يَعْنِي أَنْصَارًا، و"مِنْ" زَائِدَةٌ. وَقِيلَ: مَا بِمَعْنَى الَّذِي تَقْدِيرُهُ: أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ، لَا هُمْ وَلَا الَّذِينَ كَانُوا لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ".

يعني لم يكونوا معجزين لا هم، ولا الذين.

"أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ، لَا هُمْ وَلَا الَّذِينَ كَانُوا لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ  -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-. {يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ} [هود:20] أَيْ عَلَى قَدْرِ كُفْرِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ .{مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} [هود:20] "مَا" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: بِمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ.{وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} [هود:20] وَلَمْ يَسْتَعْمِلُوا ذَلِكَ...".

هم يستطيعون السمع، ويبصرون أيضًا، لكنهم لم يستعملوا هذا الاستماع، لم يستمعوا الحق، ولم يبصروه فيؤمنوا به، يعني لهم سمع، ولهم بصر، لكن وجوده مثل عدمه، وإذا قيل: إن "ما" نافيه فهم لا يستطيعون السمع، هم لا يبصرون على ما تقرر في أوائل البقرة.

طالب:.............

سواءٌ هذا أو ذاك يعني سواءٌ قلنا: إنهم يستطيعون السمع ويستطيعون الإبصار، لكن هذا السمع وهذا البصر وجوده مثل عدمه، يعني بسبب كونهم يستطيعون السمع، وبسبب كونهم يبصرون عوقبوا، زِيد في عقوبتهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى أعطاهم هذه النعم، ولم يستغلوها ويستفيدوا منها فيما خلقت له، ولم يشكروا خالقهم عليها، والقول الثاني: أنهم ما كانوا يستطيعون السمع؛ لأن الله سبحانه وتعالى لما قضى عليهم بما قضى سلبهم المنافع لهذه الأعضاء، وإن كانت موجودة.

"{وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} [هود:20] وَلَمْ يَسْتَعْمِلُوا ذَلِكَ فِي اسْتِمَاعِ الْحَقِّ وَإِبْصَارِهِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: جَزَيْتُهُ مَا فَعَلَ وَبِمَا فَعَلَ فَيَحْذِفُونَ الْبَاءَ مَرَّةً وَيُثْبِتُونَهَا أُخْرَى، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ: 

أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ 

 

فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبِ"

نعم أمرتك الخير حذف "الباء" فعدى الأمر إلى الخير بدون حرف "أمرتك الخير"، لكن الأمر الثاني: قرن بمفعوله "الباء"، "فافعل ما أمرت به" هو الأمر والنهي بمعنى واحد، و"لقد جنيتُك" أقصد:

جنيت لك أكمؤا وعساقلا

 

ولقد نهيتك عن بنات الأوبري

المقصود أنه يمكن أن يعدى مثل هذا بنفسه أو بالحرف.

"وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ "مَا" ظَرْفًا، وَالْمَعْنَى: يُضَاعَفُ لَهُمْ أَبَدًا، أَيْ وَقْتَ اسْتِطَاعَتِهِمُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْعَلُهُمْ فِي جَهَنَّمَ مُسْتَطِيعِي ذَلِكَ أَبَدًا. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا نَافِيَةً لَا مَوْضِعَ لَهَا؛ إِذِ الْكَلَامُ قَدْ تَمَّ قَبْلَهَا، وَالْوَقْفُ عَلَى الْعَذَابِ كَافٍ، وَالْمَعْنَى: مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَسْمَعُوا سَمْعًا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَلَا أَنْ يُبْصِرُوا إِبْصَارَ مُهْتَدٍ، قَالَ الْفَرَّاءُ: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} [هود:20]؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَضَلَّهُمْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لِبُغْضِهِمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَدَاوَتِهِمْ لَهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا مِنْهُ وَلَا يَفْقَهُوا عَنْهُ. قَالَ النَّحَّاسُ :وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، يُقَالُ: فُلَانٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى فُلَانٍ إِذَا كَانَ ذَلِكَ ثَقِيلًا عَلَيْهِ".

نعم وشاهده في الواقع أن من أبغض إنسانًا لأمرٍ ما، سواء كان بنفسه أو بتأثير فإنه لا يستطيع أن يسمع كلامه، وإن سمع ما استفاد، ولذا أعداء الدعوة، دعوة الشيخ -رحمه الله- لم يستطيعوا ولم تطاوعهم أنفسهم أن يقرؤوا في كتب الشيخ؛ ليتبين الحق، إلا من أراد الله له الخير حتى دُلِّسَ في اسم الشيخ، وقرئت كتبه، فنسب إلى جده، بل حذفت أوائل بعض الكتب، ومزقت أغلفُتها وعناوينها، وأُعطيت لمن يقرأها من المخالفين، فأقر بها واعترف، ظنًّا منه أنها لغير الشيخ، ما عرف أنها للشيخ لما يقرأ، لكن كتاب "التوحيد" ارفع منه ورقتين ثلاًاث من أوله، خلوا الناس يقرؤون، كتابٌ عظيم، كله قال الله، وقال الرسول، لكن لما تقول: هذا كتاب محمد بن عبد الوهاب، شيخ الوهابيين، ما يقرؤون، ما يقرؤون أبدًا، ومنه هذا، نسأل الله العافية.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} [هود:21] ابْتِدَاءٌ وَخَبَر. 
{وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [هود:21] أَيْ ضَاعَ عَنْهُمُ افْتِرَاؤُهُمْ وَتَلِفَ.
قَوْلُهُ تَعَالَ: {لَا جَرَمَ} [هود:22] لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا أَقْوَالٌ؛ فَقَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ: {لَا جَرَمَ} [هود:22] بِمَعْنَى حَقٍّ، فَ "لَا" و"جَرَمَ" عِنْدَهُمَا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، و"أَنَّ" عِنْدَهُمَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، حَكَاهُ النَّحَّاسُ".

من محمد بن يزيد؟

طالب:.........

أبو العباس؟

طالب:.........

 المبرد نعم.

"قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَعَنِ الْخَلِيلِ أَيْضًا أَنَّ مَعْنَاهَا: لَا بُدَّ وَلَا مَحَالَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ أَيْضًا، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: "لَا" هَاهُنَا نَفْيٌ، وَهُوَ رَدٌّ لِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْأَصْنَامَ تَنْفَعُهُمْ، كَأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ، وَجَرَمَ بِمَعْنَى كَسَبَ، أَيْ كَسَبَ ذَلِكَ الْفِعْلُ لَهُمُ الْخُسْرَانَ، وَفَاعِلُ كَسَبَ مُضْمَرٌ، و"أَن..".

وأنَّ.

نعم؟

وأنَّ.

"وأنَّ مَنْصُوبَةٌ بِـ "جَرَمَ" و"أنَّ" مَنْصُوبَةٌ بِـ "جَرَمَ"، كَمَا تَقُولُ: كَسَبَ جَفَاؤُكَ زَيْدًا غَضَبَهُ عَلَيْكَ أو غضبه".

نعم.

"كَسَبَ جَفَاؤُكَ زَيْدًا غَضَبَهُ عَلَيْكَ".

غضبهُ.

"غَضَبَهُ عَلَيْكَ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

نَصَبْنَا رَأْسَهُ فِي جِذْعِ نَخْلٍ 

 

بِمَا جَرَمَتْ يَدَاهُ وَمَا اعْتَدَيْنَا

أَيْ بِمَا كَسَبَتْ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: مَعْنَى "لَا جَرَمَ" لَا صَدَّ وَلَا مَنْعَ عَنْ أَنَّهُمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا قَطَعُ قَاطِع".

لَا قَطَعَ قَاطِعٌ

"لَا قَطَعَ قَاطِعٌ، فَحُذِفَ الْفَاعِلُ حِينَ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ، وَالْجَرْمُ الْقَطْعُ، وَقَدْ جَرَمَ النَّحْل".

النَّخْلَ النَّخْلَ.

"وَقَدْ جَرَمَ النَّخْلَ وَاجْتَرَمَهُ أَيْ صَرَمَهُ فَهُوَ جَارِم، وَقَوْمٌ جُرَّمٌ وَجُرَّامٌ، وَهَذَا زَمَنُ الْجَرَامِ وَالْجِرَامِ، وَجَرَمْتُ صُوفَ الشَّاةِ أَيْ جَزَزْتُهُ، وَقَدْ جَرَمْت مِنْهُ".

جَرَمْتُ.

"وَقَدْ جَرَمْتُ مِنْهُ أَيْ أَخَذْتُ مِنْهُ؛ مِثْلُ جَلَمْتُ الشَّيْءَ جَلْمًا أَيْ قَطَعْتُ، وَجَلَمْتُ الْجَزُورَ أجلمُهَا جَلْمًا إِذَا أَخَذْتُ مَا عَلَى عِظَامِهَا مِنَ اللَّحْمِ، وَأَخَذْتُ الشَّيْءَ بِجِلْمَتِهِ -سَاكِنَةُ اللَّامِ- إِذَا أَخَذْتُهُ أَجْمَعَ، وَهَذِهِ جَلَمَةُ الْجَزُورِ -بِالتَّحْرِيكِ- أَيْ لَحْمُهَا أَجْمَعُ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ النَّحَّاسُ: وَزَعَمَ الْكِسَائِيُّ أَنَّ فِيهَا أَرْبَعَ لُغَاتٍ: لَا جَرَمَ، وَلَا عَنْ ذَا جَرَمَ؛ وَلَا أَنْ ذَا جَرَمَ، قَالَ: وَنَاسٌ مِنْ فَزَارَةَ يَقُولُونَ: لَا جَرَ أَنَّهُمْ بِغَيْرِ مِيمٍ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ فِيهِ لُغَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ قَالَ: بَنُو عَامِرٍ يَقُولُونَ لَا ذَا جَرَمَ، قَالَ: وَنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ. يَقُولُونَ: لَا جُرْمَ بِضَمِّ الميم بضم الْجِيمِ ."

اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على رسولك العظيم.

"