كتاب الوضوء (27)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: وُعد الشهيد في سبيل الله أن يشفع في سبعين من أهله، وعلى هذا هل يجوز أن يقال للمجاهد قبل المعركة: إن قبلك الله فلا تنس أن تشفع لنا؟ وقد رأينا هذا من بعض الأشخاص، فما الحكم؟
أولاً هذا ما فعله من تقدم، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، هذا من جهة. الأمر الثاني أن القتال الموجود يحتف به ما يحتف به من مخاطر وخلاف بين أهل العلم في حقيقته، والواقع يشهد بأن هناك أمورًا مضطربة جدًّا، تجد هذا الفريق في بدايته على استقامة، وعلى كذا، لكنهم يختلفون، ويتنازعون، ويقتل بعضهم بعضًا، أمور مضطربة جدًّا في هذه الأيام.
المقصود أن مثل هذا لا ينبغي أن يقال ولا يطلب؛ لأنه لم يطلبه من تقدم من سلف هذه الأمة وأئمتها.
نعم.
طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ الوُضُوءِ مِنَ التَّوْرِ.
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عَمِّي يُكْثِرُ مِنَ الوُضُوءِ، قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: أَخْبِرْنِي كَيْفَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ؟ «فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثَ مِرَارٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاغْتَرَفَ بِهَا، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأَدْبَرَ بِهِ وَأَقْبَلَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ»، فَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ. حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ، فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ»، قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى المَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، قَالَ أَنَسٌ: فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ، مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فيقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ الوُضُوءِ مِنَ التَّوْرِ" التور تقدم الحديث عنه، وأنه إناء صغير أحيانًا يكون من حجارة، وأحيانًا يكون من غيرها من المواد، لكنه صغير، وبعضهم يقول: هو الطست أو شبه الطست.
قال -رحمه الله-: "حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ" القطواني أم ماذا يصير؟ عبد الله؟ شف التقريب؟
طالب: ..........
قَطَوَاني نعم، نختبر؛ لأنه بدأ النسيان.
"قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ" وهو ابن بلال.
طالب: ..........
نعم، نختبر، طول العهد ينسي، والله المستعان.
"قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ" هذا تكرر في أسانيد مضت في أبواب الوضوء، "قَالَ: كَانَ عَمِّي يُكْثِرُ مِنَ الوُضُوءِ"، وسيأتي في كلام الشارح أنه عمرو بن أبي الحسن، "قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عَمِّي يُكْثِرُ مِنَ الوُضُوءِ" هل معنى هذا أنه يتوضأ وضوءًا كاملاً ويكرره مرارًا، أو أنه يغسل العضو الواحد مرارًا؟
طالب: ..........
الوضوء الكامل يكرره مرارًا.
طالب: ..........
أو العضو الواحد يكرره ويكثر من غسله؟
طالب: .......... يكون إشكاله هو أكثر من الأول.
إذا كان يكثر من الوضوء على السنة، يتوضأ عشر مرات باليوم على السنة، هل يحتاج إلى أن يسأل؟
طالب: لا.
لكن إذا كان يكرر العضو مرارًا أكثر من المشروع، ويريد أن يتأكد من وضوئه -عليه الصلاة والسلام- ليطبقه، كأن هذا أقرب. الأول باعتبار أنه قد يشق عليه في الأوقات التي فيها مشقة.
طالب: ..........
على كل حال المعنيان محتملان، لكن كأن الاحتمال الثاني أقرب؛ لأن بعض الناس تجد عنده من العلم والحرص والدين ما عنده، ويعرف النصوص نظريًّا، ثم عند التطبيق تجده يزيد من أجل التأكد والاحتياط، وهذا عُرف في بعض أهل العلم، يعني ذكروا في ترجمة ابن دقيق العيد والحافظ العراقي أنهم يغسلون العضو الواحد مرارًا كثيرًا، ووجدنا في شيوخنا من الكبار من يكرر إلى ضعف المشروع أو أكثر، وبعضهم يتعلل بأنه أعمى، فلا يدري هل أسبغ أم لا، وأنت تراه يغسل يُكثِّر، وهذا سببه ما فيه شك أن سببه الحامل عليه الحرص على إبراء الذمة في أول الأمر، وبشؤم مخالفة السنة يقع في الوسوسة.
قالوا عن ابن دقيق العيد والحافظ العراقي قالوا: إن هذا من باب الاحتياط، تريد أن يغسل العضو عشر مرات من باب الاحتياط؟ «من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم»، نقول: احتياط؟ شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: الاحتياط إذا أدى إلى ترك مأمور أو ارتكاب محظور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط.
"قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: أَخْبِرْنِي كَيْفَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ؟" مر بنا مرارًا أنه عبد الله بن زيد بن عاصم راوي الوضوء، وليس عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي الأذان، "«فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ»" يعني أمال الإناء، وصب على يديه ثلاث مرار، "«فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثَ مِرَارٍ»"، وهذا الغسل ما قبل الشروع في الوضوء؛ لأن الوضوء يبدأ من غسل الوجه، "«ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ»" يعني كل غرفة فيها مضمضة واستنشاق، تمضمض ثلاثًا واستنشق من لازمه الاستنثار أو من لازم الاستنثار الاستنشاق؟ يعني ما يمكن أن يستنثر بدون استنشاق، مستحيل، مثل ما قال عثمان لمن شرب الخمر لما تقيأ الخمر أيش؟
طالب: قال ما تقيأ إلا من شرب.
ما تقيأ إلا بعد أن شربها، وماذا يتقيأ؟ يعني هل هذا يكفي في ثبوت شربه للخمر إذا تقيأها؟
طالب: ..........
نعم، ما تقيأها حتى شربها. وهذا ما فيه استنثار إلا بعد استنشاق، يعني ما استنثر إلا بعد أن استنشق.
"«فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ»" الست التي هي ثلاث للمضمضة، وثلاث للاستنشاق من غرفة واحدة، أو المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدة، ويكرر ذلك ثلاث مرات؟ هذا جاء مفسرًا في أكثر الروايات بهذا، وإن كان الاحتمال الأول محتملًا، لكن هذا يحتاج إلى يد كبير.
"«ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاغْتَرَفَ بِهَا، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ»"، ومر بنا مرارًا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا، وتوضأ ملفقًا: بمعنى أنه غسل بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين، وبعضها ثلاثًا.
"«ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَمَسَحَ رَأْسَهُ»" بيده واحدة أم اثنتين؟ قلنا: مفرد مضاف فيعم، وفسر بذلك ما جاء في الروايات، هذا جاء: «أخذ بيده» دليل على التفسير بأن اليد تعم؛ لأنها مفرد مضاف ما جاء من كونه أخذ بيديه في بعض الروايات، يعني بلَّ يديه بالماء، ومثل ما قلنا في: «ليس على منكبه» أو «على منكبيه»، إلى غير ذلك مما جاء في الإفراد والتثنية، والإفراد لا يعارض التثنية؛ لأنه مفرد مضاف فيعم.
"«ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَدْبَرَ بِهِ وَأَقْبَلَ»" هذا موافق لما جاء من تفسير ذلك بقوله: «بدأ بمقدم رأسه»، وإن جاء في أكثر الروايات: «فأدبر بهما وأقبل»، والبداءة بمقدم الرأس مفسِّرة، وإلا فالأصل أن الإقبال «فأقبل بهما وأدبر» أن الإقبال من جهة القفا إلى الناصية، والإدبار العكس، "«ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ»، فَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ".
(قوله: "باب الوضوء من التور" تقدمت مباحث حديث الباب قريبًا، وأن التور بفتح المثناة شبه الطست وقيل: هو الطست، ووقع في حديث شريك عن أنس في المعراج: «فأُتي بطست من ذهب فيه تور ذهب»)، فدل على أن التور أصغر من الطست، الطست كبير بالنسبة للتور يوضع فيه التور.
(وظاهره المغايرة بينهما، ويحتمل الترادف وكأن الطست أكبر من التور) هذا الظاهر؛ لأن فيه للظرفية، فكون الطست ظرفًا للتور يدل على أنه أكبر من التور؛ لأن الأصل في الظرف أنه أكبر من المظروف.
(قوله: حدثنا سليمان هو ابن بلال، والإسناد كله مدنيون. قوله: كان عمي هو عمرو بن أبي حسن كما تقدم وهو عمه على الحقيقة.
قوله: «ثم أدخل يده في التور فمضمض» فيه حذف تقديره ثم أخرجها فمضمض) لا يمكن أن يمضمض ويده داخل التور، لا بد أن يخرجها وفيها شيء من الماء يتمضمض به، (وقد صرح به مسلم.
قوله: «من غرفة واحدة» يتعلق بقوله: «فمضمض واستنثر»، والمعنى أنه جمع بينهما ثلاث مرات كل مرة من غرفة) وهذا تقدم مصرحًا به، (ويحتمل أن يتعلق بقوله «ثلاث مرات»، والمعنى أنه جمع بينهما ثلاث مرات من غرفة واحدة)، وتكون الست من غرفة واحدة، وهذا أحد الأوجه المحتملة في هذه الغرفات، محتمل أن يتمضمض ويستنشق بست غرفات وبثلاث وبثنتين وبواحدة، (والأول موافق لباقي الروايات فهو أولى)؛ لأنه يفعل ذلك ثلاثًا: يتمضمض ويستنشق من كف واحدة يفعل ذلك ثلاث مرات.
(قوله: فقال أي عبد الله بن زيد هكذا، هذه الزيادة صريحة في رفع الحديث، وإن كان أول سياق الحديث يدل عليه)؛ لأنه قال: أخبرني عن وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالمسؤول عنه وضوء الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ومطابقة الجواب تدل على أنه مرفوع.
ثم قال -رحمه الله-: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ" وهو ابن زيد بن درهم، خلاف حماد بن سلمة بن دينار. أيهما أقوى؟ ابن زيد، حماد بن زيد أقوى.
قال: "حدثنا حماد، عَنْ ثَابِتٍ" وهو ابن أسلم البناني، "عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ»" يعني فمه واسع، "«فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ»" يعني ليس مليان، قدح إناء صغير واسع الفم، "«فيه شيء من ماء»" وشيء يدل على التقليل "«من ماء، فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ»" ما يحتمل اليد كلها، ما تنغمس اليد في هذا الإناء الرحراح، "قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى المَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، قَالَ أَنَسٌ: فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ، مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ"، وجاء أنه حصل ذلك في بعض الغزوات، فكانوا نحو الثلاثمائة، ويقول أهل العلم: إن في هذا من المعجزة أعظم مما حصل لموسى -عليهِ السَّلامُ- حينما ضرب الحجر بعصاه فنبع منه، الحجارة منها ما...
طالب: ........
نعم؟
طالب: ..........
نعم في القرآن: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ} [البقرة: 74]، وأنتم ترون في الجبال أنهار المياه تنزل منها، بخلاف اليد التي هي من لحم ودم وعظم، من أين يأتي هذا، هل هي معدن للماء؟
لا، لكن هذه معجزة من معجزاته -عليه الصلاة والسلام- التي بلغت نحو المائتين وفيها مصنفات، لكن مع الأسف نحن في غفلة عنها كغير المعجزات مما يتعلق به -عليه الصلاة والسلام- من شمائله ودلائل نبوته، فضلاً عن سيرته التي ينبغي أن يكون ديدن المسلم النظر فيها؛ لأنه لا يتم الاقتداء والائتساء به -عليه الصلاة والسلام- حتى ننظر في سيرته وأعماله ومدخله ومخرجه وحتى محبته -عليه الصلاة والسلام- لا تكمل إلا أن تعرفه.
(قوله: حدثنا حماد هو ابن زيد ولم يسمع مسدد من حماد بن سلمة. قوله: رحراح بمهملات الأولى مفتوحة بعدها سكون أي متسع الفم، وقال الخطابي: الرحراح الإناء الواسع الصحن القريب القعر، ومثله لا يسع الماء الكثير، فهو أدل على عظم المعجزة).
طالب: ........
ماذا؟
طالب: ........
نعم، صحن، معروف الصحن. مدرس يعلم الصبيان حروف الهجاء، يقول الباء والتاء والثاء مثل الصحن، نعم، والنون مثل الطاسة يعني أنها لها قعر ما هي بمثل الباء والتاء والثاء هذه مثل الصحن، هذا مثال تقريبي يعرف به الصبيان كيف يقيسون وكيف يفهمون
(فهو أدل على المعجزة، قلت: وهذه الصفة شبيهة بالطست، وبهذا يظهر مناسبة هذا الحديث للترجمة) التي هي "باب الوضوء من التور" الذي قيل: هو شبيه بالطست أو هو الطست.
(وروى ابن خزيمة هذا الحديث عن أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد فقال بدل رحراح: زجاج بزاي مضمومة وجيمين وبوَّب عليه: الوضوء من آنية الزجاج، ضد قول من زعم من المتصوفة أن ذلك إسراف لإسراع الكسر إليه) وما أكثر الأواني من الزجاج، الآن أكثر الآنية من الزجاج، بعض المتصوفة يقول: الزجاج إسراف لأنه أدنى ما جاءه يكسره، وبعد أن فرشت البيوت بالسيراميك والبلاط، وصاروا ما يفرشونها بالسجاد ونحوه أصبح الذي يصب القهوة ويطيح منه فنجان انكسر، طاحت به آلة تنكسر، كثير هذا نسمعه كل ما يطاح انكسر؛ لأنه زجاج، والذي تحته صلب.
يقول: (ضد قول من زعم من المتصوفة أن ذلك إسراف لإسراع الكسر إليه) لكن هل الناس هل يحسبون لمثل هذه الأمور مع هذا الترف الذي يعيشه الناس؟ يحسبون؟ ينكسر يأتون بدرزن بدله، والله المستعان.
(قلت: وهذه اللفظة) زجاج (تفرد بها أحمد بن عبدة وخالفه أصحاب حماد بن زيد فقالوا: رحراح، وقال بعضهم: واسع الفم، وهي رواية الإسماعيلي عن عبد الله بن ناجية عن محمد بن موسى وإسحاق بن أبي إسرائيل وأحمد بن عبدة كلهم عن حماد، وكأنه ساقه على لفظ محمد بن موسى، وصرح جمع من الحذاق بأن أحمد بن عبدة صحَّفها) صحف الرحراح إلى زجاج، (ويقوي ذلك أنه أتى في روايته بقوله: أحسبه، فدل على أنه لم يتقنه) لم يضبطه، (فإن كان ضبطه فلا منافاة بين روايته ورواية الجماعة؛ لاحتمال أن يكونوا وصفوا هيئته، وذكر هو جنسه)، يعني ذكر المادة والمعدن، وأولئك وصفوا هيئته.
(وفي مسند أحمد عن ابن عباس أن المقوقس أهدى للنبي -صلى الله عليه وسلم- قدحًا من زجاج، لكن في إسناده مقال.
قوله: فحزرت بتقديم الزاي أي قدرت، وتقدم من رواية حميد أنهم كانوا ثمانين وزيادةً، وهنا قال: ما بين السبعين إلى الثمانين، والجمع بينهما أن أنسًا لم يكن يضبط العدة، بل كان يتحقق أنها تنيف على السبعين، ويشك هل بلغت العقد الثامن أو تجاوزته) مع العدد المسألة تكون بالتقدير ما تكون بالتحديد، ما هو بجالس أنس يقول: واحد اثنان ثلاثة يعدهم، لكنهم يحرزون ويخرصون، ولا يبعدون عن الحقيقة، هناك بعض الناس أنظارهم تقارب الحقيقة، ولو كانت بالظن، ولذلك الذين يخرصون الثمار يندر ويقل أن يزيد أو ينقص المخروص، يندر، لكن هناك أناس جزاف، يعني ما يفرق بين المئات والألوف، فمثل هذا لا عبرة به ولا بتقديره.
(فربما جزم بالمجاوزة حيث يغلب ذلك على ظنه، واستدل الشافعي بهذا الحديث على رد قول من قال من أصحاب الرأي: إن الوضوء مقدر بقدر من الماء معين، ووجه الدلالة أن الصحابة اغترفوا من ذلك القدح من غير تقدير؛ لأن الماء النابع لم يكن قدره معلومًا لهم، فدل على عدم التقدير، وبهذا يظهر مناسبة تعقيب المصنف هذا الحديث بباب الوضوء بالمُد، والمد إناء يسع رطلاً وثلثًا بالبغدادي؛ قاله جمهور أهل العلم، وخالف بعض الحنفية فقالوا: المد رطلان).
والمسألة معروفة في الخلاف بين جمهور الحنفية محمد بن الحسن على رأي إمامه حتى جاء إلى المدينة وجمعه لصيعان أهل المدينة التي توارثوها إلى أن وصلت إلى الصحابة، صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- فرجع عن قول الإمام أبي حنيفة، وفي هذا مناظرة معروفة. طالب: ........
ماذا؟
طالب: ..........
نعم، مقدر، ما يزيد ولا ينقص.
طالب: ..........
هذا مراده، وإن قالوا: لا يزيد بعد هذا حد التقدير.
نعم.
"بَابُ الوُضُوءِ بِالْمُدِّ.
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، يَقُولُ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَغْسِلُ، أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ، بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ»".
يقول الإمام -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ الوُضُوءِ بِالْمُدِّ" المد الأصل فيه ما يملأ كفي الرجل المتوسط في الخلقة، هكذا هذا المد، وهو ربع الصاع؛ لأن الصاع أربعة أمداد، والمد بهذا التقدير زنته رطل وثلث، وإن كان الوزن يختلف عن الكيل بحسب المكيل والموزون، ولذا قال بعضهم: إن المراد رطل وثلث من الحبوب ورطلان من الماء؛ لأن الماء أثقل، ولذلك لا يجوز عند أهل العلم أن يباع المكيل وزنًا، ولا الموزون كيلاً؛ لأنه يتفاوت في هذا، ولا تتحقق المماثلة.
قال: "حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ" الفضل بن دكين، "قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ" وهو ابن كدام، "قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَبْرٍ" وهو عبد الله بن عبد الله بن جبر، "قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، يَقُولُ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَغْسِلُ، أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ»" شك هل قال أنس: كان يغسل أو كان يغتسل؟ "«بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ»" لا مانع من الزيادة ما لم تدخل في حيز السرف، "«وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ»".
(قوله: ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة) جَبْر، (ومن قاله بالتصغير فقد صحَّف) ليس ابن جُبير إنما هو ابن جبر بالتكبير، وأحيانًا يخرج بعض أهل العلم من هذا الاختلاف لا سيما إذا كان من قاله بالتصغير حافظًا ضابطًا يقول: لا يمنع أن يكون اسمه في الأصل جبر ويصغر، الأصل في اسمه التكبير ثم يصغر؛ لأن التصغير معروف عند العرب، (لأن ابن جبير وهو سعيد لا رواية له عن أنس في هذا الكتاب، والراوي هنا هو عبد الله بن عبد الله بن جبر بن عتيك الأنصاري، وقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي نعيم شيخ البخاري، قال: حدثنا مسعر، قال: حدثني شيخ من الأنصار يقال له: ابن جبر، وفي الإسناد كوفيان: أبو نعيم وشيخه، وبصريان: أنس والراوي عنه.
قوله: «يغسل» أي جسده، والشك فيه من البخاري أو من أبي نعيم لما حدثه به، فقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي نعيم فقال: «يغتسل» ولم يشك) وإذا كان أبو نعيم لم يشك فالشك يبقى ممن دونه، وهو الإمام البخاري.
(قوله: «بالصاع» هو إناء يسع خمسة أرطال وثلثًا بالبغدادي، وقال بعض الحنفية: ثمانيةً) بناءً على أن المد رطلان فالأربعة ثمانية.
(قوله: «إلى خمسة أمداد» أي كان ربما اقتصر على الصاع، وهو أربعة أمداد، وربما زاد عليها إلى خمسة، فكأن أنسًا لم يطلع على أنه استعمل في الغسل أكثر من ذلك؛ لأنه جعلها النهاية) يعني لا يزيد على خمسة أرطال.
قال -رحمه الله-: (وقد روى مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنهما- أنها كانت تغتسل هي والنبي -صلى الله عليه وسلم-) معروف هي ضمير فصل؛ لأنه لا يجوز العطف على ضمير العطف المتصل إلا بفاصل، يقول ابن مالك: وإن على ضمير رفع متصل عطفت فافصل بالضمير المتصل أو فاصل ما يعني بأي فاصل، لكن لا بد من الفاصل.
قال: وبلا فصل يرد في النظم فاشيًا وضعفه اعتقد
المقصود أنه جاء بضمير الفصل (هي والنبي -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد هو الفَرَق، قال ابن عيينة والشافعي وغيرهما: هو ثلاثة آصع) من إناء، ولا يعني أنه يُستوعب جميع ما فيه، هما يغتسلان منه ولا يلزم من ذلك استيعاب جميع ما فيه، (هو ثلاثة آصع، وروى مسلم أيضًا من حديثها أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل من إناء يسع ثلاثة أمداد) يعني أقل من الصاع، (فهذا يدل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحاجة).
الآن تذهب هذه الكميات قبل أن يأتي الماء الحار في الشتاء، وقبل أن يأتي البارد في الصيف، لماذا؟ لتيسر الحصول عليها، ولو كان جلب الماء كما كان في السابق ما أسرف الناس بهذه الطريق، وما بالعهد من قدم، قبل خمسين سنة يُجلب الماء بالأواني من الآبار ومن غيرها خارج البلد.
(فهذا يدل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحاجة، وفيه رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذُكر في حديث الباب، كابن شعبان من المالكية) بمعنى أنه لا يزيد ولا ينقص، لا يجوز أن يزيد ولا ينقص، (وكذا من قال به من الحنفية مع مخالفتهم له في مقدار المد والصاع، وحمله الجمهور على الاستحباب؛ لأن أكثر من قدر وضوءه وغُسله -صلى الله عليه وسلم- من الصحابة قدَّرهما بذلك) الاستدلال من تفاوت المقدار على أنه على الاستحباب زيادة ونقصًا ظاهر؛ لأنه لو كان لا يجوز لما تفاوتت هذه المقادير.
(ففي مسلم عن سفينةَ مثله، ولأحمد وأبي داود بإسناد صحيح عن جابر مثله، وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر، وغيرهم، وهذا إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة).
بعض الناس كبير الخلقة ضخم الجثة، فيحتاج إلى الماء أكثر مما يحتاجه نضو الخلقة، الماء الذي يحتاج إليه في غسل الجاموس ما هو بمثل الماء الذي يحتاج إليه في غسل سيارة صغيرة وكذا.
طالب: ........
لا، كلهم بحسبه وبقدره، فقد يكون إسرافًا بالنسبة لهذا لصغر جسمه، وليس بإسراف بالنسبة لهذا لكبر جسمه، (وهذا إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة، وهو أيضًا في حق من يكون خَلقه معتدلاً) يعني المتوسط، (وإلى هذا أشار المصنف في أول كتاب الوضوء بقوله: وكره أهل العلم الإسراف فيه، وأن يجاوزوا فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-)، وتقدم الكلام في ذلك هل هو هذه الكراهة للتحريم أو للاستحباب؟
طالب: ..........
يعني الصاع كم لترًا؟
طالب: ..........
نصف لتر؟ المد كم؟ نصف لتر؟
طالب: ..........
لا لا، أقل أقل، أقل بكثير.
طالب: ..........
لا لا لا.
طالب: ..........
القلتان ذراع وربع مكعب، يعني بقدر أكبر من التنكة، تعرف التنكة؟
طالب: ..........
الصفيحة نعم.
طالب: ..........
ما أدري بالضبط، لكن أكبر، القلتان أكثر.
طالب: ..........
(وكره أهل العلم الإسراف فيه، يشير بذلك إلى ما أخرجه) الكلام لابن حجر (يشير بذلك إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق هلال بن يساف أحد التابعين كان يقال من الوضوء إسراف ولو كنت على شاطئ نهر، وأخرج نحوه عن أبي الدرداء وابن مسعود، وروي في معناه حديث مرفوع أخرجه أحمد وابن ماجه بإسناد لين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص) يعني فيه النهي عن الإسراف ولو كنت على نهر جارٍ، لكنه النهي عن الإسراف ولو كنت على نهر جار، ما درجته؟
طالب: ..........
ضعيف، معروف.
(قوله: وأن يجاوز، يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة أيضًا عن ابن مسعود قال: ليس بعد الثلاث شيء) يعني في غسل الأعضاء، (وقال أحمد وإسحاق وغيرهما: لا تجوز الزيادة على الثلاث)؛ لأنها مجاوزة للسنة، (وقال ابن المبارك: لا آمن أن يأثم، قال الشافعي: لا أحب أن يزيد المتوضئ على ثلاث، فإن زاد لم أكرهه) أي لم أحرمه؛ لأن قوله: لا أحب، يقتضي الكراهة، (وهذا الأصح عند الشافعية أنه مكروه كراهة تنزيه، وحكى الدارمي منهم عن قوم أن الزيادة على الثلاث تبطل الوضوء كالزيادة في الصلاة) يعني زاد على غسل الوجه ثلاث مرات كأنه زاد في صلاة المغرب رابعة، (كالزيادة في الصلاة وهو قياس فاسد، ويلزم من القول بتحريم الزيادة على الثلاث أو كراهتها أنه لا يندب تجديد الوضوء على الإطلاق، وهذا محله فيما إذا لم يُفعل بالوضوء الأول عبادة لا تفعل إلا بالوضوء)، لكن لو توضأ وقرأ قرآنًا ثم توضأ ثانيًا للصلاة فما فيه إشكال، هذا تجديد مشروع، لكن لو توضأ ولم يفعل شيئًا ثم توضأ ثانية فهذا زيادة على القدر المشروع.
طالب: ..........
هذا الذكر فات محله، عند أهل العلم فات محله.
(واختلف عند الشافعية في القيد الذي يمتنع منه حكم الزيادة على الثلاث فالأصح إن صلى به فرضًا أو نفلاً وقيل: الفرض فقط، وقيل: مثله حتى سجدة التلاوة والشكر ومس المصحف وقيل: ما يُقصد له الوضوء وهو أعم، وقيل: إذا وقع الفصل بزمن يحتمل فيه مثله نقض الوضوء عادة، وعند بعض الحنفية أنه راجع إلى الاعتقاد، فإن اعتقد أن الزيادة على الثلاث سنة أخطأ، ودخل في الوعيد وإلا فلا يُشترط للتجديد شيء، بل لو زاد الرابعة وغيرها لا لوم، ولا سيما إذا قصد به القربة للحديث الوارد: «الوضوء على الوضوء نور») أما الزيادة على الثالثة فما لها وجه، يعني الرابعة أو غيرها هذه ليس لها وجه، لكن يجدد ليدخل في حديث: «الوضوء على الوضوء نور» يعني يتوضأ مرة ثانية تجديدًا.
(قلت: وهو حديث ضعيف، ولعل المصنف أشار إلى هذه الرواية، وسيأتي بسط ذلك في أول تفسير المائدة، إن شاء الله تعالى، ويستثنى من ذلك ما لو علم أنه بقي من العضو شيء لم يصبه الماء في المرات أو بعضها فإنه يغسل موضعه فقط، وأما مع الشك الطارئ بعد الفراغ فلا؛ لئلا يؤول به الحال إلى الوسواس المذموم).
والله أعلم.