شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (217)

المقدم:

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم، شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة، الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لعلنا نستكمل مع الإخوة والأخوات ما تبقى في حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- في باب السمر في العلم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد،

فقد سبق الحديث عن المناسبة بين الحديث والترجمة، وذكرنا كلام  ابن المنيّر، والكرماني ، وابن حجر واعتراضات  العيني  على  ابن حجر،  ابن حجر –رحمه الله تعالى– في انتقاض الاعتراض، وهذا كتاب ألفه  ابن حجر للرد على  العيني، قال: دعواه أن السمر يطلق على الكلمة الواحدة، يكفي في ردها ذكرها، دعواه أن السمر يطلق على الكلمة الواحدة، يكفي في ردها ذكرها، ولاشك أنها ضعيفة جدًّا؛ لأن الكلمة الواحدة كم تستغرق من الوقت؟

المقدم: يعني ثوانٍ.

ثوانٍ، وهذا سمر أم سهر؟ هذا ليس بسمر ولا سهر،  والكلمة والكلمات اليسيرة لا يخلو منها أحد، وإلا فعلى هذا أن نقول: جميع الناس سمار.

يقول: ودعواه أن  النبي -صلى الله عليه وسلم- علّم  ابن عباس الموقف بالقول، يطالب بمستنده، يطالب بمستنده، فإن كان أخذه من كونه صغيرًا، فهو الرجم بالظن؛ يعني اعتمد على كونه علمه بالقول؛ لأنه كان صغيرًا، قال: هذا هو الرجم بالظن، وقوله: هل يقال مناسبة الترجمة يستفاد؟ هل مناسبة الترجمة يستفاد إلى آخره؟ يعني يستفاد من ذلك الحديث الموضوع في الباب الآخر، يقول: فما بعد هذا الكلام إلى آخره، العيني، قوله: هل يقال بمناسبة الترجمة يستفاد من باب آخر، في حديث آخر، في باب آخر؟ جوابه:  نعم، جوابه: نعم،  قد صرح بذلك شراح هذا الكتاب كابن بطال وابن المنير، ومن تبعهما، ولكنهم لقلة اطلاعهم على طرق الحديث، قد يقع لهم إبداء مناسبة من لفظ الحديث الذي في الباب، فإذا ظهرت لهم أغنتهم عن تتبع الطرق؛ لأن في التتبع على من لم يكن لهم ممارسة بها عناءً عظيمًا؛ لأن في التتبع على من لم يكن لهم ممارسة بها عناءً عظيمًا.

 صحيح، البحث عن الطرق، ولا نتصور أن الطرق مضبوطة بأرقام،  وإحالات كما هي عندنا الآن،  الكرماني في موضع من المواضع، حاول أن يربط بين الحديث والترجمة، لكن ما أحاط بجميع الطرق، فقال: لا مناسبة بين الحديث والترجمة، بل هذا تعجرف، إيش تعجرف؟ يعني لما عجزت عن وجود الرابط، تقول: هذا تعجرف من الإمام، لاشك أن هذا جهل بالكتاب المشروح، تتبع الطرق وافهم، إذا لم تفهم، قل: لم أصل إلى رابط يربط بينهما، ولك أن تقول: قد أبعد  البخاري مثلاً في استنباط هذا الحكم من هذا الحديث، وإذا لم يلح لك هذا الرابط،  يلوح لغيرك،  وقد لاح لغيره من الشراح، يقول: لأن في التتبع على من لم يكن له بها ممارسة عناءً عظيمًا، وأما إذا ظفروا بها فإنهم لا يعدلون عنها، إذا ظفروا بها، اعترفوا بذلك، وقرروا المناسبة من طرق أخرى، ومنهم  العيني أيضًا الذي يستدرك، وأما إذا ظفروا بها فإنهم لا يعدلون عنها، وذلك بيِّن في كلامهم بكثرة، لا بقلة، ومن أمعن النظر في كلامهم وجد ذلك، ولكن هذا المعترض حاله كما جاء: {بل كذبوا بما لم يحيطوا به علما}، والله المستعان.

 هذا كلام  ابن حجر في انتقاض الاعتراض، وأقول من باب الإنصاف،  ابن حجر كما قال  الشوكاني: لا هجرة بعد الفتح، ولا أحد ينازع في أنه أفضل الشروح، لكنه لا يغني عن غيره، ففي العيني من الفوائد والزوائد اللغوية والفقهية ما لا يوجد في  ابن حجر، وفي الكرماني من اللطائف والغرائب التي تشد طالب العلم، وذكر محاسن الرواة، وما يروى عنهم من مناقب، تجعل طالب العلم يشرئب إلى أن يحاكيهم ويماثلهم، لا توجد عند  ابن حجر ولا عند غيره، فكل شرح له ميزة، الكرماني شرح صحيح أنه متوسط، لا يغني عن غيره، لكنه مع ذلك شرح ممتع ماتع لا يُمل، وفيه أيضًا مخالفات عقدية، وهذا قاسم مشترك لكثير من الشروح، لكن يبقى أن  الكرماني شرح لطيف، وماتع فيه لطائف وغرائب، أقل ما فيها أنها متعة لطالب العلم، واستجمام له،  فينشط لقراءة الكتب، بعد قراءة  الكرماني، العيني  فيه من اللطائف والفوائد اللغوية والفقهية، ما لا يوجد عند  ابن حجر ولا غيره، لكن يبقى أن الحافظ ابن حجر في شرحه  فتح الباري أناف على اليفاع.

 وحتى قال الشوكاني قولته المشهورة: لا هجرة بعد الفتح، لنا أيضًا من الشروح العظيمة التي لو كملت لكانت فتحًا في هذا الباب، شرح  ابن رجب، الذي هو فقه السلف ونفس السلف، وكل شرح من هذه الشروح له ميزة، لا يعني أننا إذا تكلم  العيني  بابن حجر أنه يسقطه، لا، لا يسقط، ولا يعني هذا إننا إذا تعقبنا ابن حجر أو العيني أن كتبه..، لا أبدًا، كل شرح له ميزته، وله قيمته، ويفاد منها على حد سواء، نعم طالب العلم لو قال مثلاً: أنا لا أستطيع أن أقتني جميع هذه الشروح، أو لا يسعفني الوقت أن أطالع بحديث واحد جميع هذه الشروح، فماذا تختارون لي؟ نقول: عندك ابن حجر، من أراد أن يكتفي بشرح واحد، فعليه بابن حجر؛ لأنه هو الذي يخدم الكتاب بالدرجة الأولى كتاب مشروح، نعم العيني يخدم مذاهب فقهية، والكرماني ما فيه شك أنه فيه لفتات ولطائف، لكن لا يمكن أن يُستغنى به، وهذا نقوله لإنصاف هؤلاء العلماء الذين تعبوا على شرح هذا الكتاب العظيم.

قوله: «بِتُّ»، بكسر الباء الموحدة وتشديد التاء المثناة من فوق من" البيتوتة"، أصله، بيتُّ بالتاء المشددة تاءين، بفتح الباء والياء،" بَيَتُّ" إذا أردنا أن نفك الإدغام، تاءين فك الإدغام، فقُلبت الياء ألفًا، لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت "باتت" ، أو "بات"، يعني بعد الفك، على كل حال النحاة يجعلون قواعد، قواعد ولا بد أن تمر على كل لفظ.

المقدم: نعم.

فمثلاً: إجازة، وإقامة، وإعانة، قالوا أصلها: إجوازة، وإعوانة، وإقوامة، ثم قالوا: تحركت الواو وتوهم انفتاح ما قبلها، من أجل ماذا؟ يمررون القاعدة، مرت أم ما مرت؟

المقدم: ما مرت.

 لابد أن تمر، يمررون القاعدة، وهذا مثل ما عندنا الآن، تحركها وانفتاح ما قبلها، فالتقى ساكنان، فحذفت الألف، "بت"، "بت "، "بت"، الحرف المشدد عبارة عن...

المقدم: تاء.

الحرفين، الأول منهما ساكن فيدغم، فأدغمت التاء في التاء، لكن أحيانًا يمكن الفك، يرتدد، ويرتدّ، يمكن الفك، هنا لا يمكن الفك، فأدغمت التاء في التاء، ثم أبدلت كسرة من فتحة الباء؛ ليدل على الياء المحذوفة فصارت "بُتُّ" على وزن قلت، وهذه جملة من الفعل والفاعل وقعت مقول القول، قاله العيني، والأصل في البيتوته الليل، والأصل في البيتوتة الليل، قال في المصباح: بات، يبيت، بيتوتةً، ومباتًا، فهو بائت، وتأتي نادرًا بمعنى نام ليلاً، وتأتي نادرًا بمعنى نام ليلاً، وفي الأعم الأغلب، بمعنى فعل ذلك الفعل بالليل، في الأعم الأغلب، بمعنى فعل ذلك الفعل بالليل، كما اختص الفعل بالنهار، كما اختص الفعل ظلَّ بالنهار، ظلَّ يفعل كذا؛ يعني بالنهار، وبات يفعل كذا؛ يعني في الليل غالبًا، فإذا قلت: بات يفعل كذا، فمعناه فعله بالليل، ولا يكون إلا مع سهر الليل، وعليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:64] ؛ معناه فعله بالليل، ولا يكون إلا مع سهر الليل، وعليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:64].

 قال الأزهري: قال الفراء: بات الرجل إذا سهر الليل كله في طاعٍة أو معصية، يقال: بات، وقال الليث: من قال بات بمعنى نام، فقد أخطأ، قال الليث: من قال: بات بمعنى نام فقد أخطأ، ألا ترى أنك تقول: بات يرعى النجوم؛ ومعناه ينظر إليها، وكيف ينام من يراقب النجوم؟ لا يلزم من البيتوتة النوم، قلت: أقول أنا، ومنه حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله» يعني نامت؟

المقدم: لا.

وهو حديث صحيح، مخرج عند الترمذي وغيره إلى آخره، كلام حول المبيت والبيتوتة، وبات يفعل كذا؛ يعني فعله بالليل، ولا يلزم منه النوم.

وقال ابن القوطية، وتبعه السرقسطي، وابن القطّاع، كتبهم، الثلاثة بعنوان واحد، كلها بعنوان "الأفعال"، الأفعال  لابن القوطية، والأفعال للسرقسطي، والأفعال لابن القطّاع، كتب ثلاثة موجودة، ومطبوعة، ومعروفة، قال ابن القوطية، وتبعه السرقسطي، وابن القطّاع: بات يفعل كذا، إذا فعله ليلاً، ولا يقال بمعنى نام، وقد تأتي بمعنى صار، يقال: بات بموضع كذا، أي صار به، سواءٌ كان في ليل أو نهار، وعليه قوله -عليه السلام-:  «فإنه لا يدري أين باتت يده»، والمعنى صارت ووصلت، انتهى من المصباح.

يعني قوله، استدلاله بالحديث، «فإنه لا يدرى أين باتت يده»، على أن المعنى صارت، وجرد ذلك من اقتران المبيت بالليل كما تقرر سابقًا،  ما الذي وجهه إلى هذا صاحب المصباح؟ مذهبه الفقهي، مذهبه الفقهي؛ لأنه عند الشافعية لا فرق بين نوم الليل والنهار، في هذا الخبر.

المقدم: إدخال اليد في الإناء.

لا فرق بين نوم الليل والنهار، وذكرنا في مناسبات كثيرة، أن الكتب، كتب اللغة المتأثرة بالمذاهب، لا يقتصر عليها، ولا يعول عليها وحدها، سواء إن كانت المذاهب عقدية، أو فروعية فقهية، فمثل هذا تأثر بمذهبه، تأثر بمذهبه، وشرح الحديث على ما تقرر عنده في مذهبه، لكن لو مثلاً نظرنا إلى  المُغرب للمطرّزي، تأثر بمذهب  الحنفية، المُطلع وقد تأثر بمذهب الحنابلة، وجدنا كلامًا غير هذا، فعلى هذا على طالب العلم أن يطلع فوق إلى الكتب الأصلية، كتب اللغة، غير المتأثرة بالمذاهب، وإذا اضطر إلى مثل هذه لقرب فائدتها، لا يقتصر على كتابٍ واحد، ينظر إلى الكتب المختلفة، فيجمع كتب المذاهب كلها، من أجل إيش؟

المقدم: لا يتأثر بمذهب.

لا يتأثر بمثل هذا المذهب، فلو افترضنا أن حنبليًّا نقل هذا الكلام، وصاحب الكتاب متأثر بشافعي، اضطربت عنده المسألة، وكذلك لو أن حنفيًّا اعتمد على المطلع ، تعريف الخمر مثلاً، تأثر بالمذاهب في هذه الكتب التي تخدم المذاهب؛ لأن هذه الكتب تخدم المذاهب؛ لأنها في غريب كتب فقهية، قل مثل هذا في تهذيب اللغات  للنووي، فهذه كلها تأثرت بالمذاهب، فلا يقتصر على كتاب واحد في مذهب واحد، الذي يريد أن يأخذ من هذه الكتب لقرب فائدتها، لا شك أنها قريبة، أقرب من الكتب المطولة والكبيرة، فلا يقتصر على مذهب واحد، إنما ينوع، وينظر في الأقوال المتعارضة؛ لتتفتح له آفاق في فهم المسألة، أما إذا أراد وهو الأصل أن يرجع إلى الكتب الأصلية غير المتأثرة بالمذاهب، فلاشك أن هذا هو الأصل، وهو الذي يربي طالب العلم.

يقول: «في بيت خالتي ميمونة» ميمونة بنت الحارث الهلالية، زوج  النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي أخت أمه لبابة الكبرى، بنت الحارث، ولبابة هذه أول امرأةٍ أسلمت بعد خديجة، ولبابة هذه أول امرأة أسلمت بعد  خديجة، توفيت ميمونة –رضي الله عنها- سنة إحدى وخمسين، بسرِف، بالمكان الذي بنى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها فيه، نفس المكان، بنى بها بسرِف، وماتت بسرِف، وصلى عليها ابن عباس، ولها في  البخاري، يقول القسطلاني: سبعة أحاديث، وفي الكرماني: ثمانية، وهذا يمكن معرفته من أي كتاب، التثبت من تحفة الأشراف، نتثبت من مروياتها من خلال تحفة الأشراف.

 وميمونة عطف بيان من خالتي، عطف بيان من خالتي، يصلح أن يكون بدلاً، أو لا يصلح؟ «في بيت خالتي ميمونة».

المقدم: بدل من خالتي؟

نعم، هو يقول، وعطف بيان من خالتي، وهي ميمونة، لو قال: بت في بيت ميمونة بنت الحارث صح أم ما صح؟

المقدم: صحت.

كل ما يصلح للبدلية، يصلح أن يكون عطف بيان، إلا مسائل ذكروها.

                            وصالحًا للبدلية

وصالحًا للبدلية يرى           في غير نحو يا غلام يعمر

 إلى آخره، هناك مسائل ثلاثة، أو أربعة ذكروها لا تصلح لأن تكون بدلاً.

 وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- عندها في ليلتها المختصة بها بحسب قسم النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أزواجه، والواو للحال، وعندها خبر كان؛ يعني ظرف متعلق بمحذوف خبر كان، فصلى، قال الكرماني: فإن قلت: فما وجه صحة الفاء هاهنا؟ إذ الصلاة، ثم المجيء، ليس بعد الكون عندها، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- عندها، فصلى، كان عندها فصلى، يقول الكرماني: فإن قلت: فما وجه صحة الفاء هاهنا؟ إذ الصلاة ثم المجيء ليس بعدها، بعد الكون عندها، ما المراد بالصلاة هنا؟ قال: «بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- عندها في ليلتها، وصلى»..

المقدم: «العشاء».

«العشاء»، يعني هل النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عندها قبل صلاة العشاء أم بعدها؟

المقدم: بعد صلاة العشاء.

بعدها، نعم، فيقول: فإن قلت: فما وجه صحة الفاء هاهنا إذ الصلاة ثم المجيء، ليس بعد الكون عندها؟ قلت: هي الفاء التي تدخل بين المجمل والمفصل، هي الفاء التي تدخل بين المجمل والمفصل؛ لأن التفصيل إنما هو عقب الإجمال، ذكره  الزمخشري في قوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:226] ، النبي- صلى الله عليه وسلم- صلى العشاء في المسجد كعادته -عليه الصلاة والسلام-، ثم جاء؛ أي من المسجد إلى منزله في تلك الليلة؛ أي بيت ميمونة، فصلى أربع ركعات؛ يعني بسلامين، لأنه ثبت أن صلاة الليل مثنى مثنى، ثم نام  بعد الصلاة، والعطف بثم ليدل على أن نومه لم يكن عقب الصلاة على الفور، لم يكن عقب الصلاة على الفور، وهذا فيه أنه تحدث مع أهله ساعة، كما في بعض الطرق الأخرى، ثم قام من نومه، ثم قام- عليه الصلاة والسلام- من نومه ثم قال: "نام الغليم" قال الكرماني: يحتمل الإخبار لميمونة مثلاً،  النبي-عليه الصلاة والسلام- يقول: لها نام الغليم، يخبرها بهذا، ويحتمل الاستفهام؛ يعني هل نام الغليم؟ لأن أداة الاستفهام محذوفة، واللفظ يحتمل هذا وهذا، وحذف الهمزة بقرينة المقام، قال العيني: وهذا أظهر، يعني يسألها هل نام أم ما نام؟ لأنه منشغل بنومه، ولا يدري عنه، ثم لما انتبه من نومه قال: نام الغليم؟ يسأل، ولحذف الهمزة ورد هذا الاحتمال.

 والغليم بضم المعجمة يعني الغين، وتشديد الياء، تصغير الغلام، تصغير الغلام وهذا هو تصغير الشفقة، مثل، يا بني، مثلًا.

المقدم: يا بني.

يا بني، والمراد به عبد الله بن عباس قال ابن حجر: ووقع في بعض النسخ يا "أم الغليم"، الأصل نام الغليم، وقع في بعض النسخ، يا "أم الغليم"، بالنداء وهو تصحيف لم تثبت به رواية، أو كلمة شك من الراوي، أو كلمة تشبهها شك من الراوي، وقال الكرماني: هذا شك من ابن عباس، هذا شك من ابن عباس، وقال العيني: لا يلزم التعيين؛ لأنه يحتمل أن يكون من أحد ممن هو دونه، أو قال كلمة تشبه كقوله: "نام الغليم"، وقال ابن حجر: والمراد بالكلمة، الجملة، أو المفردة، ففي رواية أخرى "نام الغلام"، قال الكرماني: فإن قلت: مقول القول شرطه أن يكون كلامًا لا كلمة، قال: "نام الغليم" هل نام الغليم جملة، أم كلمة؟

 المقدم: جملة، نام الغليم.

 لأنه قال بعد ذلك أو كلمة، قال كلمة، أو قال كلمة، مقول القول شرطه أن يكون كلامًا لا كلمة، قلت: الكلمة تطلق على الكلام، أيضًا نحو كلمة الشهادة، ولفظ يشبهها قرينة له، قال ابن مالك:

وكلمة بها كلام قد يؤم

يعني يقصد بالكلمة الكلام، ثم قام -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة فقمت: عطف على "ثم قام".

عن يساره، بفتح الياء وكسرها يِساره ويَساره تشبيهًا لها بالشمال، التي هي مكسورة، يِسار تشبه بالشمال، لفظًا ومعنى، يكسر أولها كما كسر أول شِمال؛ لأن الشِّمال بالكسر عكس اليمين، والشَّمال بالفتح عكس.

 المقدم: الجنوب.

 عكس الجنوب، وليس في كلامهم كلمة مكسورة الياء إلا هذه، وفي العباب قال ابن دريد: اليد اليسار ضد اليمين، بفتح الياء وكسرها، قال: وزعموا أن الكسر أفصح، زعموا أن الكسر أفصح، كأنهم قالوا: اليسار؛ الشمال بالكسر، ومرادهم بالكسر، وكسرها أفصح الشمال لا أن اليسار كسرها أفصح، وهذا يرد كثيرًا، البَصرة، والبِصرة، تقول: هذا بَصري، وهذا بِصري، لكن الفتح أشهر وأكثر.

«فجعلني عن يمينه»، وسيأتي في الوضوء «فحولني فجعلني عن يمينه»، وفي الصلاة: «ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني يفتلها» «وأخذ بأذني اليمنى يفتلها»، نحتاج إلى تأمل هنا، «ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمني يفتلها»، كيف يتصور أن يضع يده على رأسه ويفتل أذنه اليمنى؟ أذنه اليمنى التي تلي النبي -عليه الصلاة والسلام- فكيف  يضع يده على رأسه ويفتل أذنه؟

 المقدم: صغير يا شيخ، يمكن يستطيع أن يضع اليد جزءًا من اليد على الرأس.

 تصور هذا، هذا رأسه، كيف يفتل أذنه التي تليه ويضع أصابعه إلى الجهة الأخرى؟ هل يتصور أن تكون أصابعه إلى الجهة هذه، فيفتل بها؟ على بعد لكن عندنا وضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني؛ يعني بعد ذلك، لا يمنع أن يكون بعد ذلك يفتلها، وفي مسلم «فقمت عن يساره فأدارني من خلفه حتى جعلني عن يمينه»، أداره من خلفه لئلا...

المقدم: يقطع الصلاة.

  يمر بينه وبين سترته لو أداره من أمامه، «فأدارني من خلفه حتى جعلني عن يمينه»، وسيأتي في أطراف هذا الحديث شيء من فقهه إن شاء الله تعالى، فصلى خمس ركعات، فصلى خمس ركعات، هذا فيه كلام كثير، باقٍ من الوقت ما يكفي؟

المقدم: لكن، أحسن الله إليك، ما الذي يمنع أن تكون الحركة باليدين؟ هل فيه ما يمنع أن يكون وضع يده اليسرى على رأسه واليمنى فتله بها؟

 لأنه يقول فوضع يده اليمنى.

المقدم: حدد بالوضع، أما الفتل فلم يحدد اليد.

 يعني وضع يده اليمنى على رأسه، و..

 المقدم: وفتله باليسرى.

كلتا اليدين، وهو في صلاة، يبعد هذا.

 المقدم: لأنه أصلاً حركه من الخلف، ما يدل على أن الحركة كانت كبيرة؛ لأنه حرك جزءًا، وأخذه باليد الأخرى.

سيأتي ما في هذا من الفقه، أن مثل هذا جائز ولا إشكال فيه، وأنه لا ينافي الطمأنينة للحاجة.

 المقدم: الذين قالوا بأن هذا هو السمر، هذا الفعل تحريكه، هو السمر؟ يقصدون.

تحريكه هذا السمر، لأنه تعليم بالفعل، واستنبطوا من هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- علمه قبل ذلك، بالقول، وهذا يحتاج إلى دليل، بل الواقع يرده، الواقع يرده، كيف يعلمه أن الموقف عن اليمين.

المقدم: ثم يقف على اليسار.

 ثم يقف على اليسار؟ الواقع يرده.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، ولعلنا إن شاء الله نستكمل ما تبقى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة، من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح ، شكرًا لطيب متابعتكم، لقاؤنا بكم في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.