شرح العقيدة الطحاوية (23)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا خير الجزاء برحمتك يا أرحم الراحمين، قال الطحاوي رحمه الله تعالى:

والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية كما نطق به كتابُ ربِّنا {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة}[القيامة:22-23] وتفسيره على ما أراد الله تعالى وعلمه وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو كما..

فهو..

أحسن الله إليك.

فهو كما قال ومعناه على ما أراد لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا فإنه ما سلم في دينه إلا من سلّم لله عز وجل ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

في كلام المؤلف الطحاوي- رحمه الله- ما يقرر مذهب أهل السنة والجماعة من إثبات الرؤية رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة في الجنة، وهذا مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة وتواترت به النصوص من الكتاب والسنة، خلافًا لأهل البدع من الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم، وإثبات الرؤية كما قال المؤلف- رحمه الله تعالى- بغير إحاطة ولا كيفية، يعني على ما جاء عن الله وعن رسوله، نؤمن به كما جاء عن الله وعن رسوله من غير إثبات كيف ومن غير تمثيل ولا تشبيه، وإنما كما جاءت به النصوص من غير كيف، فالرؤية معلومة والكيف مجهول كما يقال في الاستواء معلوم والكيف مجهول، نعرف معناها ولا نعرف كيفيتها كسائر الصفات المثبتة لله جل وعلا في كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ولذلك كما قال المؤلف- رحمه الله تعالى- وتفسيره على ما أراد الله تعالى وعلمه يعني الإثبات مع معرفة المعنى وعدم معرفة الكيفية، فرق بين من يقول لا معاني لها من المفوضة، وبين من يقول لها معاني الاستواء معلوم لكن الكيفية مجهولة، فرق بين من يقول إن ما جاء عن الله وعن رسوله مما أثبت لله في كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- يقول بعض المبتدعة بالتفويض لا يعرفون لها معنى، الآن أنت تفرق بين كلمة زيد وكلمة ديز عكس زيد ما بينهم فرق؟ زيد لها معنى أو ليس لها معنى؟ لها معنى، ولكن ديز ليس لها معنى، يريدون الصفات مثل ديز، وأهل السنة يثبتون لها معنى كما أن لزيد معنى، لكن زيد من الناس تجهله في بلد بعيد ما رأيته وإنما سمعت عنه تعرف أنه شخص يقال له زيد له من الصفات كذا وكذا وأن هيئته كهيئة غيره من المخلوقين، والله- جل وعلا- لا يشبهه شيء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}[الشورى:11] لكن هذا مثال تقريبي يعني لنفرق بين ما يروج له من التفويض مذهب السلف، بعضهم كتب عن التفويض أنه مذهب السلف، أمروها كما جاءت هذه جاءت لئلا يخوض الناس في الكيفية يعني حسم للباب لا أنها ليس لها معاني، وإلا أم سلمة قالت الاستواء معلوم وهي من العرب من الصحابة، والإمام مالك نجم السنن قال الاستواء معلوم، كيف يكون معلوما ونحن لا نعرف له معنى؟ إنما نعرف له معنى لكن الكيفية، كيف استوى الله أعلم، وكذلك كيف يرى، الله أعلم لكنه يرى.

طالب: .................

ولا يحيطون به علمًا.

قال الشارح ابن أبي العز رحمه الله تعالى:

المخالف في الرؤية الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والإمامية وقولهم باطل..

الخوارج ومنهم الإباضية والروافض والإمامية وطوائف الشيعة كلهم في الجملة في الصفات على مذهب المعتزلة حتى الزيدية على مذهب المعتزلة في باب الصفات يتفاوتون في الأبواب الأخرى.

وقولهم باطل مردود بالكتاب والسنة وقد قال بثبوت الرؤية الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين وأهل الحديث وسائر طوائف أهل الكلام المنتسبون إلى السنة والجماعة.

المنتسبون أو المنسوبون، وش عندك؟

أحسن الله إليك.

منسوبون.

منسوبون؟

وسائر طوائف أهل الكلام المنسوبون إلى السنة والجماعة.

فرق بين منسوب وفرق بين منتسب يعني ما يدور من الكلام حول الأشاعرة والماتريدية هل هم من أهل السنة أو ليسوا من  أهل السنة؟ هم ينتسبون بلا شك لكن انتسابهم إلى أهل السنة هل يوافَقون عليه أو لا؟ السفاريني في لوامع الأنوار قال أهل السنة ثلاث فرق: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن، والماتريدية وإمامهم أبو منصور، لكن نازع في هذا كثير من أهل العلم، كيف يقال من أهل السنة من ينفي ما أثبته الله وأثبته رسوله لله عز وجل، كيف نقول إنهم من أهل السنة؟ وهم ينفون ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام- لا شك أن المنازعة قوية ولذلك قال منسوبون يعني نسبهم بعض الناس ولم ينسبهم.. الأشاعرة مذهبهم في الرؤية أن الله يُرى لكن لا في جهة، ينفون الجهة يُرى لا في جهة تتصور رؤية بلا جهة؟! لكن التوسع في مثل هذه الأمور علينا أن نقف كموقفنا فإنه ما سلم في دينه، يقول المؤلف- رحمه الله- إلا من سلم لله ولرسوله -عليه الصلاة والسلام- ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه، قالوا قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، والإسلام تعريفه هو الاستسلام.

طالب: .................

إي نعم.. وش لون؟

طالب: .................

رأي نفي الكيفية، يعني المسألة تفصل وتقول الرؤية بسبب أشعة منبثقة من العين إلى كذا وارتجاع الضوء.. وما أدري.. هذا كيفيته، ما يقال في رؤية المخلوقات تختلف بلا شك، الله أعلم بكيفيته.

طالب: .................

يرونه بأبصارهم لكن كيفية هذه الرؤية الله أعلم.

وهذه المسألة من أشرف مسائل أصول الدين وأجلها وهي الغاية التي شمّر إليها المشمرون وتنافس فيها المتنافسون وحُرمها الذين هم عن ربهم محجوبون وعن بابه مطرودون وقد ذَكر..

أعظم نعيم لأهل الجنة في الجنة هذه الرؤية رؤية الباري جل وعلا.

وقد ذكر الشيخ رحمه الله من الأدلة قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة}[القيامة:22-23] وهي من أظهر الأدلة وأما من أبى إلا تحريفها بما يسميه تأويلاً فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والحساب أسهل من تأويلها على أرباب التأويل ولا يشاء مبطل أن يتأول النصوص ويحرفها عن مواضعها إلا وجد إلى ذلك من السبيل ما وجده متأول هذه النصوص وهذا الذي أفسد الدين..

لأنها صريحة وواضحة مع صحتها ومؤكَّدة بحيث لا تحتمل التأويل، هناك نصوص في مواضع أو في أبواب من أبواب الاعتقاد صحيحة وصريحة، وهي من قواعد الدين وأصوله وأسسه، لكن ما جاءت في التأكيد أو ما جاء فيها من التأكيد مثل ما جاء في هذه الصفة «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تَضامّون أو تُضامُون» هل يوجد أوضح من هذا؟! هذا لا يحتمل تأويلا، ومع ذلك أولوه تبعًا لمعتقداتهم الفاسدة- نسأل الله العافية-.

وهذا الذي أفسد الدنيا والدين، وهكذا فعلت اليهود والنصارى في نصوص التوراة والإنجيل وحذّرنا الله أن نفعل مثلهم وأبى المبطلون إلا سلوك سبيلهم وكم جنى التأويل الفاسد على الدين وأهله من جناية، فهل قتل عثمان رضي الله عنه إلا بالتأويل الفاسد وكذا ما جرى في يوم الجمل وصفين ومقتل الحسين رضي الله عنه والحرة.

كل المصائب التي جرت في تاريخ الأمة سببها التأويل، وكل البدع والأهواء التي اجتالت الأمة وصارت سببًا لنزاعها وفرقتها وقتل بعضهم بعضًا كله بسبب التأويل، ومن أراد أن يعرف خطر التأويل فليرجع إلى الصواعق المرسلة لابن القيم.

وهل خرجت الخوارج واعتزلت المعتزلة ورفضت الروافض وافترقت الأمة على ثلاث وسبعين فرقة إلا بالتأويل الفاسد.

وكلهم يزعم أنه هو الذي على الحق، يرتكب هذا التأويل ويخرج عن الصراط المستقيم ومع ذلك يزعم أنه هو الذي على الحق، خرجت الخوارج بسبب التأويل، اعتزلت المعتزلة، وكلهم يرون أنهم هم على الحق، الخوارج معهم من الظاهر ما يتمسكون به، معهم عناية بكتاب الله جل وعلا وتلاوة وعبادة وتهجد لكن يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، يعني معهم شيء يتمسكون به وإن كان لا وجه له بالنص الصحيح، المعتزلة حينما يخرجون على المسلمين ويعتزلونهم ويحرفون النصوص ويتأولون {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء:164] جرحه بأظافير الحكمة ما هذا التأويل؟! ومع ذلك عبد الجبار في الطبقة الأولى من طبقات المعتزلة وضع أبو بكر وعمر، ووضع في الطبقة الثانية الحسن البصري الذي هو السبب في تسميتهم معتزلة، اعتزلوه وفارقوا حلقته ودرسه ويضعونه معهم! يعني إذا تنازع المذاهب الأربعة مثل البخاري ثَمَّ وجه؛ لأنه يوافقهم في كثير من المسائل العلمية، يعني هناك اختيارات بخارية توافق مذهب الحنفية وإن كانت أقل من موافقته لمالك والشافعي وأحمد، يوافق مالكا في كثير من المسائل، يوافق الشافعي.. ولذلك كل المذاهب الأربعة ترجموا للإمام البخاري، فكيف يضع المعتزلة الحسن البصري في الطبقة الثانية من طبقات المعتزلة؟  يوافقهم؟! على النقيض معهم.

وإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله في هذه الآية.

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة}[القيامة:22] أضيف النظر إلى الوجه الذي هو محل النظر، محل الإبصار فيه العينان.

وتعديته بأداة إلى الصريحة في نظر العين وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلاف حقيقته وموضوعه صريح..

لا توجد قرينة تدل على صرف الكلام عن ظاهره إلى المعنى الذي يريدونه، وإذا أُريد صرف الكلام عن ظاهره عن حقيقته إلى مجازه كما يدعون فلا بد من وجود قرينة تدل على عدم إرادة الظاهر، وهنا ليس فيه قرينة مع صراحته وتأكيده.

صريح في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب- جل جلاله- فإن النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته وتعديه بنفسه فإن عُدّي بنفسه فمعناه التوقف والانتظار كقوله {انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ}[الحديد:13]  وإن عُدي..

يعني انتظروا {انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ}[الحديد:13]  انتظروا حتى نقتبس من نوركم.

وإن عدي بفي فمعناه التفكر والاعتبار كقوله {أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}[الأعراف:185] وإن عدِّي بإلى فمعناه المعاينة بالأبصار كقوله تعالى: {انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ}[الأنعام:99]  فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر وروى ابن مردويه بسنده إلى ابن عمر.

النظر يختلف معناه باختلاف تعديته ولزومه والحرف المُعدى به كما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى، الفعل رأى يختلف أيضًا باختلاف مصدره، فإذا قلت رأى رأيًا غير رأى رؤيا وغير رأى رؤية، يختلف معناه باختلاف المصدر، وهنا يختلف باختلاف اللزوم والتعدي من جهة وباختلاف الحرف المعدَّى به، يقول إذا عُدِّي بفي فمعناه التفكر والاعتبار، إذا أردت أن تأمر أحدا أن ينظر في جرم وقع في بئر بم تعديه؟

طالب: في.. في..

وحينئذٍ يكون معناه التفكر والاعتبار؟

طالب: لا.. إلى إلى..

لأن هذا فيه شوب من الاعتبار وفيه شوب من الظرفية لأنه صار البئر ظرفا لهذا الذي وقع فيه.

طالب: .................

هو لا بد أن تضمن، إن لم تضمِّن الحرف معنى حرف آخر فلتضمن الفعل، وتضمين الأفعال كما يقول شيخ الإسلام أولى من تضمين الحروف؛ لأنه قال وإن عدي بفي فمعناه التفكر والاعتبار، لو جاء شخص بمثال قال: انظر إلى هذه الدابة في البئر المنظور إليه، الرؤية البصرية المعداة بإلى لهذه الدابة وكون البئر صار ظرفًا ووعاء عدي بفي، الفرق ظاهر أو ليس بظاهر؟ لأنه قد يلبس على الإنسان شيء من مثل هذه الأمثلة، أحيانًا يصير المعنى متردد بين أمرين، طيب خاتم من حديد (من) هذه تبعيضية أو بيانية؟

طالب: كلاهما.. كلاهما...

ما هو الخاتم بعض من الحديد؟ وهو من جنس الحديد؟ لتكون بيانية أيضًا، أحيانًا يصير المعنى هو المعنى الأصل ويكون مشربا بمعنى آخر فتكون من بيانية فيها شوب تبعيض أو العكس، على حسب ما يلوح للإنسان في بادئ الأمر، فإن كان مثل هذا النوع فلا بد أن يكون فيه من المعنيين.

طالب: .................

نظرت لكذا؟ مثل..

طالب: .................

نعم..

وروى ابن مردويه بسنده إلى ابن عمر قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة}[القيامة:22] قال من البهاء والحسن {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة}[القيامة:23] قال في وجه الله عز وجل عن الحسن قال نظرت إلى ربها فنُضرت بنوره وقال أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة}[القيامة:23] قال تنظر إلى وجه ربها عز وجل وقال عكرمة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة}[القيامة:22] قال من النعيم {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة}[القيامة:23] قال تنظر إلى ربها نظرًا ثم حكى عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله.

هذه الآثار التي فسرت بها الآية لا تخلو من ضعف في أسانيدها، من فيه مقال لأهل العلم، والعلماء يتساهلون في مرويات التفسير ويتداولون الأخبار الضعيفة ولا يشترطون نظافة الأسانيد كما يشترطون ذلك في الأحكام، ففي المغازي والترغيب والترهيب والفضائل والتفسير أيضًا والسير كلها يتساهلون فيها- أعني جمهور أهل العلم- ولا شك أنه إذا ترتب على هذا الأثر وإن كان أصله في فضيلة أو في خبر من أخبار السيرة إذا ترتب عليه حكم طلبنا له صحة السند.

وهذا قول كل مفسِّر من أهل السنة والحديث وقال تعالى:{لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيد}[ق:35] قال الطبري قال علي بن أبي طالب وأنس بن مالك رضي الله عنهما هو النظر إلى وجه الله عز وجل وقال تعالى..

هناك يوم جاءت فيه بعض الآثار يسمى يوم المزيد ويوم الجمعة؛ لأن فيه هذه الزيادة وهي النظر إلى وجهه- جل وعلا- تكلم فيه ابن القيم رحمه الله في حادي الأرواح وفي النونية وأورد عليه من الأدلة ما أورد.

وقال تعالى {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس:26]  فالحسنى الجنة والزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم فسرها بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصحابة من بعده كما روى مسلم في صحيحه عن صهيب قال قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس:26]  قال «إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدًا ويريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو؟ ألم يثقِّل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئًا أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة» ورواه غيره بأسانيد متعددة وألفاظ أُخر معناها أن الزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل وكذلك فسرها الصحابة رضي الله عنهم روى ابن جرير عن جماعة منهم أبو بكر الصديقِ وحذيفة وأبو..

الصديقُ.

أحسن الله إليك.

منهم أبو بكر الصديقُ وحذيفة وأبو موسى الأشعري وابن عباس رضي الله عنهم وقال تعالى..

المؤلف استدل على الرؤية بآيات من القرآن وهو بصدد الحديث عنها وعن تفسيرها ثم بعد ذلك يورد الأدلة من السنة والآثار وهذه ستأتي ومنها ما ذكر هنا وأشار إليه سيأتي بالتفصيل إن شاء الله تعالى.

وقال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون}[المطففين:15] احتج الشافعي- رحمه الله- وغيره من الأئمة بهذه الآية على الرؤية لأهل الجنة ذكر ذلك الطبري وغيره عن المزني عن الشافعي، وقال الحاكم حدّثنا الأصم قال حدثنا الربيع بن سليمان قال حضرت محمد بن إدريس الشافعي- رحمه الله- وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها ما تقول في قول الله عز وجل{كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون}[المطففين:15] فقال الشافعي..

لما أن.

لما أن حُجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضى وأما استدلال المعتزلة بقوله تعالى{قَالَ لَن تَرَانِي}[الأعراف:143] وبقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام:103]  فالآيتان دليل عليهم، أما الآية الأولى فالاستدلال منها على ثبوت رؤيته من وجوه أحدها أنه لا يُظن بكليم الله ورسوله الكريم وأعلم الناس بربه في وقته أن يسأل ما لا يجوز عليه بل هو عندهم من أعظم المحال، الثاني: أن الله لم ينكر عليه سؤاله، ولما سأل نوح عليه السلام ربه نجاة ابنه أنكر عليه سؤاله وقال {إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِين}[هود:46] الثالث: أنه تعالى قال: {قَالَ لَن تَرَانِي}[الأعراف:143] ولم يقل إني لا أُرى ولا تجوز رؤيتي أو لست بمرئي والفرق بين الجوابين ظاهر، ألا ترى أن من كان في كمه حجر فظنه رجل طعاما فقال أطعمنيه فالجواب الصحيح إنه لا يؤكل، أما إذا كان طعامًا صح أن يقال إنك لن تأكله وهذا يدل على أنه سبحانه مرئي، ولكن موسى عليه السلام لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوى البشر فيها عن رؤيته تعالى يوضحه الوجه الرابع هو قوله {وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}[الأعراف:143]  فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلي في هذه الدار فكيف بالبشر الذي خلق من ضعف؟ الخامس: أن الله سبحانه قادر على أن يجعل الجبل مستقرًا وذلك ممكن وقد علق به الرؤية ولو كان محالاً لكان نظير أن يقول إن استقر الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام والكل عندهم سواء.

لأنها كلها محالة، الأكل والشرب والنوم على الله محالة، كما أن الرؤية عندهم محالة ولذلك عُلِّقت باستقرار الجبل، لكن هذا خلط مرده إلى اعتقاد فاسد وأن الله لا يُرى ولو كان الأمر كما قالوا لما صح من الكليم ومن أفضل الناس وأشرفهم وأكرمهم على الله- جل وعلا- أن يقول {أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}[الأعراف:143] لكان قوله هذا بمثابة قول أتباعه {أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً}[النساء:153] لذلك أنكر الله- جل وعلا- عليهم وأماتهم ثم بعثهم لأن قولهم منكر، ولو كان قول موسى عليه السلام منكرًا لأُنكرعليه لكن موسى في هذه الحال لا يحتمل الرؤية، وإذا كان الجبل مركباً من صخور لا يحتمل لم يستقر الجبل {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}[الأعراف:143]  دل على أن الرؤية في هذه الدنيا لا تحتمل، والله- جل وعلا- حجابه النور، وفي رواية النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره، فالرؤية مع إمكانها هي ممتنعة من أجل عدم القدرة على إطاقتها.

السادس قوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}[الأعراف:143] فإذا جاز أن يتجلى للجبل الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب فكيف يمتنع أن يتجلى لرسله وأوليائه في دار كرامته، ولكن الله تعالى أعلم موسى عليه السلام أن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار فالبشر أضعف، السابع: أن الله كلم موسى وناداه وناجاه ومن جاز عليه التكلم والتكليم..

قد يقول قائل إذا قارنّا البشر بالجبل هنا واضح أن المقارنة عدم قدرة موسى عليه السلام على الرؤية لأن الجبل لم يستقر وهو دونه عليه السلام، معروف أن البشر مخلوق من ماء وطين ومركب من لحم ودم وعظم، لا شك أنه لا نسبة بينه وبين الجبل لكن القلب مع الجبل {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}[الحشر:21] فقد تكون قسوة القلب أشد من الجبل، يعني فرق بين تحمل البدن وبين تحمل القلب، قد يكون في قلب البشر من القسوة ما هو أشد من الجبال وهذا حال كثير من الناس مع الغفلة عن الله- جل وعلا- وعن كلامه، يقرأ القرآن من أوله إلى آخره فلا يتأثر بينما كان السلف والصحابة والتابعين وعلى رأسهم إمامهم ومقدمهم -عليه الصلاة والسلام- لهم حال غير حالنا إذا سمعوا القرآن أو قرؤوا القرآن.

السابع: أن الله كلم موسى وناداه وناجاه ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأن يسمع مخاطبه كلامه بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز وبهذا لا يتم إنكار رؤيته إلا بإنكار كلامه وقد جمعوا بينهما.

فأنكروا الرؤية وأنكروا الكلام نسأل الله العافية.

وأما دعواهم تأبيد النفي بلن وأن ذلك يدل على نفي الرؤية في الآخرة ففاسد فإنها لو قُيدت بالتأبيد لا يدل على دوام النفي في الآخرة فكيف إذا أطلقت.

يعني من غير اقتران بالتأبيد، يعني إذا اقترن بها التأبيد ولا دلت عليه فمن باب أولى ألا تدل على التأبيد مع عدم الاقتران به.

قال تعالى {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا}[البقرة:95] مع قوله {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}[الزخرف:77].

طلبوا الموت وهو أشد من مجرد التمني ومع ذلك منفي بلن ومقترن بالتأبيد، وطلبوه بما هو أشد من التمني فدل على أن لن لا تقتضي التأبيد.

ولأنها لو كانت للتأبيد المطلق لما جاز تحديد الفعل بعدها وقد جاء ذلك قال تعالى: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي}[يوسف:80]..

.. للتأبيد كما يقول المؤلف وهو المقرر عند أهل السنة وهو أيضًا المعروف عند أهل العربية {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ}[يوسف:80] إذًا لا تأبيد إذا أذن له أبوه انتفى التأبيد.

فثبت أن لن لا تقتضي النفي المؤبد قال الشيخ جمال الدين ابن مالك رحمه الله تعالى:

ومن رأى النفي بلن مؤبدا

 

فقوله اردد وسواه فاعضدا

وأما الآية الثانية فالاستدلال..

ماذا يقال في مثل قوله جل وعلا: {لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا}[الحج:73]  ؟ هذا يقتضي تأبيدا أو لا يقتضي تأبيدا؟

طالب: .................

وش لون؟

طالب: .................

يخلقوا في الآخرة ذبابا؟

طالب: .................

وش لون ما هو مقصود؟

طالب: .................

صحيح لدليل خارج وهو أن الخلق لا يقدر عليه إلا الله- جل وعلا-.

وأما الآية الثانية فالاستدلال بها على الرؤية من وجه حسن لطيف، وهو أن الله تعالى إنما ذكرها في سياق التمدح ومعلوم أن المدح إنما يكون بالصفات الثبوتية وأما العدم المحض فليس بكمال فلا يُمدح به، وإنما يمدح الرب تعالى بالنفي إذا تضمن أمرًا وجوديًا كمدحه بنفي السنة والنوم المتضمن كمال القيومية، ونفي الموت المتضمن كمال الحياة ونفي اللغوب والإعياء المتضمن كمال المقدرة.

نفي الموت المتضمن كمال الحياة، الآن لو تقول هذه لا تموت ولا تنام كلام صحيح أو لا؟ لكن هل تمدح بهذا أو لا؟ لا تمدح لأنه مجرد نفي محض والنفي إنما يمدح به إذا تضمن كمالا الضد كما قال المؤلف رحمه الله.

ونفي اللغوب والإعياء المتضمن كمال المقدرة

نعم، اللغوب التعب {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوب}[ق:38] يعني تعب، وفي هذا رد على اليهود الذين زعموا أن الله- جل وعلا- تعب من خلق السموات والأرض في ستة أيام فاستراح يوم السبت، لأنه تعب من الخلق، خلق السموات والأرض في ستة أيام وفي آخرها يوم الجمعة، والسبت استراح لأنه تعب- تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا- ولذلك كانت راحتهم في السبت والله المستعان.

ونفي الشرك والصاحبة والولد والظهير المتضمن كمال ربوبيته وإلهيته وقهره، ونفي الأكل والشرب المتضمن كمال صمديته وغناه، ونفي الشفاعة عنده إلا بإذنه المتضمن كمال توحده وغناه عن خلقه، ونفي الظلم المتضمن كمال عدله وعلمه وغناه، ونفي النسيان وعزوب شيء عن علمه المتضمن كمال علمه وإحاطته، ونفي المثل المتضمن لكمال ذاته وصفاته.

المقصود أن النفي المحض لا يمدح به حتى يتضمن ثبوت الكمال.

ولهذا لم يتمدَّح بعدم محض لا يتضمن أمرًا ثبوتيًا فإن المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم ولا يوصف الكامل بأمر يشترك هو والمعدوم فيه، فإذًا المعنى أنه يُرى ولا يدرك ولا يحاط به فقوله {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام:103] يدل على كمال عظمته وأنه أكبر من كل شيء وأنه لكمال عظمته لا يُدرك بحيث يحاط به، فإن الإدراك هو الإحاطة بالشيء وهو قدر زائد على الرؤية كما قال تعالى {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُون * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِين}[الشعراء:61-62] فلم ينف موسى عليه السلام الرؤية وإنما نفى الإدراك فالرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه.

نعم الإدراك يوجد مع الرؤية إذا كان لأمر صغير يمكن الإحاطة به وإدراكه، يوجد مع الرؤية وتوجد الرؤية بدون إدراك وبدون إحاطة، إذا كان الشيء من الكبر بحيث لا يستطيع أن يلم به الإنسان بكامله، يعني لو قيل لك تصفح هذا الكتاب في مدة يسيرة في دقائق والكتاب مكون من خمس ورقات، عشر ورقات أمكن ذلك، لو أتاك بعشر مجلدات قال تصفح لي هذا الكتاب في هذه المدة اليسيرة مستحيل لا يدرك هذا الكتاب في هذه المدة، هذا إذا كان في المخلوقات، يعني عمارة أو منشأة كبيرة أو معدة كبيرة يقال لك در عليها وأعطنا تفاصيل عنها يدل على إدراكك وإحاطتك بها، لا تستطيع لأنها فوق قدرتك وطوقك، فإذا كان في المخلوقات فكيف بالخالق سبحانه وتعالى؟!.

فالرب تعالى يُرى ولا يُدرك كما يُعلم ولا يحاط به علمًا وهذا هو الذي فهمه الصحابة والأئمة من الآية كما ذَكرت أقوالهم في التفسير كما ذَكرت أقوال في تفسير..

ذُكرت ذُكرت.

كما ذُكرت أقوالهم في تفسير الآية بل هذه الشمس المخلوقة لا يتمكن رائيها من إدراكها على ما هي عليه وأما الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-..

قف على الأحاديث..

 

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. 

"