كتاب الإيمان (53)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يقول: خرج على إحدى الفضائيات من دعاة النصارى من يشبه التسري بملك اليمين بالزنا، فبماذا يُرد عليه؟

لأن من يقول: إن الله ثالث ثلاثة ويعبد المسيح، يلتفت إلى مثل هذا القول منه؟ ما بعد الكفر ذنب. هذا لو قاله أحد ممن ينتسب إلى الإسلام ممكن، أما نصراني، أنا رأيت قسًّا نصرانيًّا يقول: أنا عندي أكثر من ألفي دليل على تحريف القرآن. ومن أين أتى بهذه الأدلة؟ كلها من بحار الأنوار للمجلسي. مثل هذا يُرد عليه؟ هذا ما يحتاج أن يرد عليه. الرافضة يزعمون تحريف القرآن، ولهم في ذلك مصنفات، وكتبهم طافحة بالروايات المختلقة المكذوبة التي يستدلون بها، وتلقفها عنهم أهل الملل الأخرى الذين يغيظهم حفظ الله -جَلَّ وعَلا- لهذا الكتاب: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

وأما كتبهم فاستُحفظوا عليها فلم يحفظوها، بل حرفوها وبدلوها، كما في القصة المشهورة أن يحيى بن أكثم -وذكرتها أكثر من مرة- يحيى بن أكثم دعا يهوديًّا إلى الإسلام فامتنع، وبعد سنة جاء معلنًا إسلامه. قال: ما الذي منعك سنة كاملة؟ قال: عمدت إلى التوراة فنسخت منها نسخًا حذفت منها وزدت وقدمت وأخرت، فعرضتها على سوق اليهود فتلقفوها واعتمدوا ما فيها، ثم عمدت إلى نسخ من الإنجيل وصنعت فيها مثل ما صنعت بالتوراة وذهبت بها إلى سوق النصارى فاشتروها واعتمدوا ما فيها من التحريف، وعمدت إلى مصحف فزدت فيه أحرفًا يسيرة جدًّا، فعمدت به إلى سوق المسلمين، وعرضته عليهم، فكل من رآه رماه في وجهي، فعلمت أن هذا الدين الحق، وأنه محفوظ وأنه كما أُنزل. قال هذا ليحيى بن أكثم بعد أن أعلن إسلامه وذكر السبب، يقول يحيى بن أكثم: حججت فعرضت الأمر على سفيان بن عيينة، قال: هذا منصوص عليه في القرآن، بالنسبة للقرآن: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، المقصود به القرآن. وبالنسبة لكتب أهل الكتاب: بما استحفظوا عليه، استحفظوا، أُمروا بحفظه، ووُكل حفظهم إليهم، لكنهم لم يحفظوا، فكانوا يحرفون الكلم عن مواضعه.

كون النصراني يزعم أن لديه أدلة على تحريف القرآن، كلٌّ يريد أن يكون الناس مثله، حتى إبليس يتمنى أن لو كفر الناس كلهم ودخلوا معه النار: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82]، كل شخص يتمنى أن يكون الناس مثله، كل مخلوق يتمنى ذلك. لكن الإشكال كونه يستدل بأدلة يعتمد فيها على مصادر، فرقة تدعي الإسلام وتنتسب إليه ويهيئون له ما يعتمد عليه! نسأل الله السلامة والعافية، {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ} [النحل: 25]، وإلا ما الذي يُدري هذا النصراني على مسألة التحريف إلا أن هؤلاء دلوه على ذلك بأمور باطلة، اختلقوا واخترقوا، اختلقوا نصوصًا وبنوا عليها أمرًا عظيمًا خالفوا فيه صريح القرآن، ولا شك أن الذي يزعم أن القرآن فيه زيادة أو نقص ولا حرف واحد، لا شك أنه كافر خارج من الملة، فكيف يُدعى أن القرآن قد نقص ثلثه أو أكثر. والله المستعان.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: (قوله: "ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل".

طالب: ...

 ماذا؟

طالب: ...

أي لا يجزم أحد منهم بعدم عروض النفاق لهم كما يجزم بذلك في إيمان جبريل، وفي هذا إشارة إلى أن المذكورين كانوا قائلين بتفاوت درجات المؤمنين في الإيمان)، وقلنا: إن وجه الدلالة على هذا الكلام أنه لو لم يكن هناك تفاوت لاستدلوا بأدنى شخص عندهم، لاستدلوا بإيمان أنفسهم، لكن يعرفون أن إيمان جبريل وميكائيل ومحمد والأنبياء والملائكة كمال، والمرجئة يزعمون أن إيمانهم كامل كإيمان هؤلاء، إيمان أفسق الناس كإيمان جبريل وميكائيل ومحمد -عليهم السلام-.

(خلافًا للمرجئة القائلين بأن إيمان الصديقين وغيرهم بمنزلة واحدة، وقد رُوي في معنى أثر ابن أبي مليكة حديث عن عائشة مرفوع رواه الطبراني في الأوسط، لكن إسناده ضعيف. قوله: "ويُذكر عن الحسن" هذا التعليق وصله جعفر الفريابي في كتاب صفة المنافق له من طرق متعددة بألفاظ مختلفة)، يُذكر عن الحسن: ما خافه إلا مؤمن، وما أمنه إلا منافق، وتجد بعض الناس مع سوء العمل يضيف إلى ذلك الأمن، ويطيل الأمل ويأمن من العقوبة، بخلاف من يحسن العمل مع الخوف والوجل من الله -جَلَّ وعَلا- أن يحبط عمله وألا يقبل، وأن يتخلف شرطه، هذه علامة الإيمان.

(وقد يُستشكل ترك البخاري الجزم به مع صحته عنه، وذلك محمول على قاعدة ذكرها لي شيخنا أبو الفضل بن الحسين الحافظ -رحمه الله-) العراقي، أبو الفضل بن الحسين عبد الرحيم بن الحسين العراقي الأثري الشافعي المتوفى سنة ست وثمانمائة، فإذا قال ابن حجر: شيخنا، فهو يريده، وإذا قال: شيخ الإسلام، فالمراد به البلقيني، شيخنا شيخ الإسلام البلقيني، وإذا قال شيخنا فالمراد به العراقي.

(وهي أن البخاري لا يخص صيغة التمريض بضعف الإسناد)، ولذلك معلقات البخاري منها ما يصدِّره بصيغة الجزم، وهذا صحيح إلى من أبرز، ويبقى النظر في بقية إسناده، وما صدره بصيغة التمريض: يُذكر، ويروى، ويقال، ذُكر، وروي، هذا منه الصحيح على شرطه، وصدر بعض المعلقات بهذا، وهي موصولة عنده في الصحيح وعلى شرطه، فلا تختص عنده بالضعيف وإن استقر الاصطلاح على أن الضعيف يروى بصيغة التمريض والصحيح يروى بصيغة الجزم.

(وهي أن البخاري لا يخص صيغة التمريض بضعف الإسناد، بل إذا ذكر المتن بالمعنى أو اختصره أتى بها أيضًا لِما عُلم من الخلاف في ذلك فهنا كذلك، وقد أوقع اختصاره له لبعضهم الاضطراب في فهمه، فقال النووي -رَحِمَهُ اللهُ-: ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق، يعني الله تعالى، قال الله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، وقال: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99]، وكذا شرحه ابن التين وجماعة من المتأخرين، وقرَّره الكرماني هكذا فقال: ما خافه أي ما خاف من الله، فحذف الجار وأوصل الفعل إليه. قلت: وهذا الكلام وإن كان صحيحًا)، نعم الذي يخاف الله مؤمن، والذي يأمنه لا شك أن في إيمانه خللًا: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99]، يعني معناه صحيح، لكن هل هذا مراد الحسن؟

طالب: لا.

لو أتينا بكلام الحسن بتمامه لتبين أن المراد النفاق، وأنه ما خاف من النفاق إلا مؤمن؛ لأن الإنسان يحرص على النفيس عنده، فيخشى من فواته، والرخيص ما يلقي له بالاً، حتى في متاع الدنيا: أنت لو صار عندك ذهب فأين تودعه؟ تخاف عليه، تودعه في الخزينة، وقد تدفنه تحت الأرض، لكن إذا عندك حطب أين تحفظه؟ تضعه في الخزينة؟

طالب: .......

بعض الناس يضعه فوق الباب باب الشارع، صحيح؛ لأنك تخاف على الشيء النفيس أن تفقده. فلما كان الإيمان بهذه المثابة يخشى المسلم أن يفقد هذا الإيمان فيخاف النفاق على نفسه الذي هو ضد الإيمان، والمنافق رخيص عنده الإيمان وسهل النفاق عنده فيأمن، يفقد ما يفقد ما فيه فرق، نسأل الله العافية.

(قلت: وهذا الكلام وإن كان صحيحًا لكنه خلاف مراد المصنف ومن نقل عنه، والذي أوقعهم في هذا هو الاختصار وإلا فسياق كلام الحسن البصري يبين أنه إنما أراد النفاق فلنذكره)، هذه فائدة تتبع الطرق، يعني قد يساق المتن مختصرًا، ويوجد في طريق مطولاً مبسوطًا، وقد يكون الاختصار مخلًّا، حُذف من المتن أو من النص ما يتوقف فهمه عليه.

قال: (قال جعفر الفريابي: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد، قال: سمعت الحسن يحلف في هذا المسجد بالله الذي لا إله إلا هو ما مضى مؤمن قط ولا بقي إلا وهو من النفاق مشفق، ولا مضى منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن. وكان يقول: من لم يخَف النفاق فهو منافق)، الذي لا يخاف النفاق فالإيمان عنده رخيص، لا يخشى زواله، مثل الحطب الذي مثلنا به. لكن الذي يخشى النفاق، بعض الناس وهو نائم ينتبه فزعًا؛ لأنه رأى أنه على معصية أو على شيء مخل بالدين، فضلاً عن كونه منافقًا أو مرتدًّا أو ما أشبه ذلك. وكل إنسان بحسب اهتمامه، أولًا لما كانت الدراسة أكثر جدية من اليوم يندر من الطلاب من لا يفزع في الليل ليالي الامتحانات وأن الامتحان فات؛ لاهتمامهم بهذا الشأن، أما الآن فسيان يفوت أو ما يفوت لا أحزن على خير، إن شاء الله، وأقل ما يقال: إنك حتى لو درست ونجحت فما الفائدة؟ أنت موظف؛ لأن الهدف من الدراسة هو الوظيفة. التاجر يفزع أن تكون السلعة الفلانية فاتته أو الدفعة من كذا فاتته، وهكذا.

(وقال أحمد بن حنبل في كتاب الإيمان: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا هشام، سمعت الحسن يقول: والله ما مضى مؤمن ولا بقي إلا وهو يخاف النفاق وما أمنه إلا منافق، انتهى. وهذا موافق لأثر ابن أبي مليكة الذي قبله، وهو قوله: "كلهم يخاف النفاق على نفسه")، "أدركت ثلاثين من الصحابة كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم واحد يقول: إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل".

طالب: .......

الاطلاع، إدامة النظر في كتب أهل العلم، في كتب الحديث، في كتب الآثار، من أدام النظر تيسر له هذا الأمر. ولذلك بعض المعلقات في الصحيح، يعني كثير من الشراح لم يقف عليها، وابن حجر في المائة وستين حديثًا التي لم يصلها البخاري في موضع آخر صنَّف خمس مجلدات، وله في الموضوع ثلاثة مصنفات أو أربعة في المعلقات. فالإنسان على حسب اهتمامه يوفَّق.

طالب: .......

في المظان البحث زين، والتفتيش للبحث عن شيء معين زين، وأفضل منه أن يكون الاطلاع قبل. الآن لو جردت كتابًا من المطولات وانتهيت منه، الكتاب عشرة مجلدات وانتهيت منه في ثلاثة أشهر أو أربعة، ثم تختبر نفسك تقول: والله ما فيه فائدة، يا ليتني ما قرأت. لكن لو يطرح مسألة في مجلس، وهي مبحوثة في هذا الكتاب، تتذكر وتصير أنت أفضل الموجودين. فلا شك أن الاطلاع السابق أفضل بكثير من الاطلاع عند الحاجة؛ لأنك عند الحاجة همك حاجتك فقط، وقبل؟ نعم أنت إذا ظفرت بحاجتك ضبطتها، وقد لا تضبطها إذا بحثت عنها قبل مثل ضبطك إياها بعد، لكن أنت تضبطها، وتضبط ما قبلها وما بعدها، وتضبط مسائل الكتاب، أو تكون على ذكر وعلى تصور ولو على وجه ما عن هذا الكتاب وما يحتويه.

(والخوف من الله وإن كان مطلوبًا محمودًا لكن سياق الباب في أمر آخر)، يعني الذي فهمه الشراح النووي والكرماني وابن التين من أثر الحسن معناه صحيح، ويتضمن الخوف من الله- جَلَّ وعَلا-، وهذا مطلوب، لكن هل هو مقصود بالأثر؟ لا.

طالب: .......

يخاف من كل ما يؤدي إليه، يخشى من النفاق والوسائل الموصلة إليه، والخوف يتفاوت، هو يخشى عذاب الله ويخافه بسبب معصية أو بسبب نفاق، لكن خوفه من النفاق أو الكفر أعظم من خوفه من الذنوب والمعاصي.

يقول ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ-:

والله ما خوفي الذنوب وإنها              لعلى سبيل العفو والغفران

 لكن خوفي أن يزيغ القلب عن           تحكيم هذا الوحي والقرآن

طالب: يا شيخ .......{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].

بلا شك أن الأكرم الأتقى، لكن مهما بلغ في التقى فلن يصل إلى إيمان محمد ولا جبريل ولا ميكائيل، مهما بلغ في التقى، ولا أبو بكر ولا عمر ولا غيره.

نعم.

طالب: .......

ما فيه شك أن من خاف من النفاق فليس لذات النفاق، وإنما خوفه من عذاب الله على النفاق، لكن الكلام في النص المروي، ما دام اللفظ موجودًا، والمنصوص عليه أنه يخاف من النفاق فتفسيره بالخوف من الله مخالف لمراد المتكلم، وإن كان المؤدى واحدًا.

طالب: ....... ما يقولون بالخوف من الله -جَلَّ وعَلا-؟

ماذا ؟

طالب: المرجئة.

ماذا فيهم؟

طالب: يقولون بالخوف من الله -جَلَّ وعَلا-؟

هو لوازم المذهب باطلة بلا شك، لوازم على المذهب باطلة جدًّا، لكن هل لازم المذهب مذهب، بمعنى أنه لو وُضح له وقيل له: من لازم مذهبكم أيها المرجئة أنكم لا تخافون من الله، تخالفون جميع النصوص التي فيها الخوف والخشية من الله -جَلَّ وعَلا-، أنتم ضمنتم الآن إيمانًا كاملًا وجنة وما في ....... خلاص صدقت ينتهي. غلاتهم يلتزمون بهذا اللازم، لا سيما الذي يقول: إن الإيمان المعرفة، عرف الله وانتهى الإشكال، الغلاة منهم. أما بالنسبة لمرجئة الفقهاء فهم قريبون، يعني يخالفون أهل السنة، لكن قريبون، يرتبون العذاب على المعاصي، هم يقولون: إن الزاني ما يعذب، مرجئة الفقهاء ما يقولون هذا، لكنها ليست من مسمى الإيمان وليست بجزء من الإيمان، الإيمان شيء، والعمل شيء آخر، فيعذب على العمل باعتباره عملاً لا ارتباط له بالإيمان، ولذلك قال شارح الطحاوية: والخلاف الأفضل، والواقع والصحيح أنه ليس بالأفضل؛ لأن الإنسان إذا ضمن كمال الإيمان خف عنده وزن المعاصي، وخفت عنده الواجبات والحرص عليها، ما دام ضمن الأصل فالباقي أخف.

(قوله: "وما يُحْذَرُ" -أو "يُحَذَّرُ"-)، "يُحَذَّرُ"؛ لأن ابن حجر يقول: (وتشديد الذال ويروى بتخفيفها)؟

طالب: "وما يُحْذَرُ".

المتن "وما يُحْذَرُ"، لكن الكلام على الشرح "وَمَا يُحْذَرُ مِنَ الإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالعِصْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]". (قوله: "وما يُحَذَّرُ" هو بضم أوله وتشديد الذال المعجمة ويروى بتخفيفها)، ابن حجر يعتمد رواية أبي ذر وهذا لفظها. عندك المتن؟

طالب: .......

ما فيه إشارة؟

طالب: .......

الكلام على الذي اعتمده ابن حجر، ابن حجر يعتمد رواية أبي ذر، ويشير إلى ما عداها. "وما يُحْذَر من الإصرار"، هذا يدل على أن اليونيني -رَحمةُ اللهِ عَليهِ- على حرصه، مع حرصه على ضبط الروايات وإتقانها وذكر الفروق، يدل على أنه فاته أشياء، وفي شرح ابن رجب روايات ذكرها لم يطلع عليها ابن حجر ولا غير ابن حجر ولا اليونيني، {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]، والكمال متعذّر بالنسبة للمخلوق.

طالب: .......

سبحان الله! أنت تزعم الكمال لأحد؟

طالب: .......

خلاص.

طالب: .......

إذًا متعذر الكمال للمخلوق إلا من عصمه الله -جَلَّ وعَلا-، نحن نتكلم في الشراح، ما نتكلم بالأنبياء المعصومين.

(ويروى بتخفيفها، و"ما" مصدرية)، أنت دارس يا أخي؟

طالب: .......

الله يعافينا وإياك، والله عساك طيبًا.

طالب: .......

الله يعافينا وإياك.

(و"ما" مصدرية)، يعني والتحذير، يعني تُسبك مع ما بعدها بمصدر، فالمقصود به التحذير. (والجملة في محل جر؛ لأنها معطوفة على "خوفِ" أي باب ما يحذر)، أي باب التحذير. (وفصل بين الترجمتين بالآثار التي ذكرها لتعلُّقها بالأُولى فقط، وأما الحديثان فالأول منهما يتعلق بالثانية، والثاني يتعلق بالأولى)، ماذا عندك؟ (فالأول منهما تعلق) أو (يتعلق)؟

طالب: (يتعلق).

أنت؟ (تعلق) بدون ياء؟

طالب: نعم.

نعم. (فالأول منهما تعلق بالثانية، والثاني يتعلق بالأولى على ما سنوضحه، ففيه لف ونشر غير مرتب)، (لف ونشر غير مرتب) يعني كما يقول: البلاغ مشوش، بما أنه يذكر في الإجمال أكثر من شيء، وبالتفصيل لهذه الأشياء إن كان ترتيب التفصيل على ترتيب الإجمال فهو لف ونشر مرتب كما في آية هود، وإن كان الترتيب يختلف فغير مرتب كما في آية آل عمران. {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا... وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} [هود: 105 - 108]، هذا مرتب. وأما آية آل عمران ذكرها المؤلف على حد قوله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ} [آل عمران: 106] بدأ بالثاني قبل الأول، فيصير غير مرتب.

طالب: .......

نعم.

(ومراده أيضًا الرد على المرجئة حيث قالوا: لا حذر من المعاصي مع حصول الإيمان، ومفهوم الآية التي ذكرها يَرد عليهم؛ لأن الله تعالى مدح من استغفر لذنبه ولم يصر عليه، فمفهومه ذم من لم يفعل ذلك. ومما يدخل في معنى الترجمة قول الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5])، الإنسان يخاف أن يزيغ ويزل بقول أو فعل يترتب عليه زيغ القلب، مثل ما قال ابن القيم: والله ما أخشى الذنوب، وإنها لعلى سبيل العفو والغفران، لكني أخشى انسلاخ القلب من تحكيم هذا الوحي والقرآن. والتحكيم هان أمره على الناس، وسُهل أمره عليهم، ووُطنوا على خفة شأنه، وهوان أمره، فصارت تُدرس الأنظمة بجانب الأحكام الشرعية وتدرس القوانين وتقرب، وأحيانًا يقرن القانون بقول أحد من أهل العلم يوافقه! يعني ما يحرصون على القول الذي يخالف بقدر ما يحرصون على القول الموافق، والله المستعان. وهنا انسعار وحرص شديد، والإشكال أنه بمشورة بعض من ينسب إلى العلم على دراسة الأنظمة ودراسة القوانين، هذا إشكال كبير. كان الناس يهابون كلمة قانون، والآن يقول من يقول: ما المانع؟

 وهي كلمة عربية وألف فيها كتب فقهية متقدمة: القوانين الفقهية لابن جزي، لكن هل المراد بالقوانين التي يذكرونها هي القوانين التي يدرسونها الآن؟ لا والله. قانون التأويل لابن العربي وغيره، ألفوا في هذه اللفظة، وهي لفظة عربية، لكن هل المراد بها في كلام أهل العلم هو المراد بها الآن الذي يُدرس ويطرح ويروج له؟ لا.

طالب: .......

مثل ما قالوا عن دراسة المنطق.

طالب: .......

من أراد الرد عليهم نعم.

طالب: .......

هم يدرسونه من أجل الوظيفة، والله يجعل العواقب حميدة، ويرد كيد الكائدين في نحورهم. والله المستعان.

({فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5])، الواحد يتساهل له في كلمة أو يتهاون له في فعل، ثم يجره هذا التساهل إلى ما هو أعظم منه، إلى أن يجد نفسه قد انسلخ من الدين بالكلية. الذين قتلوا الأنبياء ضُربت عليهم الذلة والمسكنة بسبب أيش؟

طالب: {يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [آل عمران: 112].

بما عصوا، بدايتهم معاصٍ جرهم إلى ما هو أعظم من ذلك إلى أن وصل الأمر إلى قتل الأنبياء. الذي قال: سبحان ربي الأسفل، يمكن أن يكون الذي يقولها عاقلًا، فضلاً عن أن ينتسب إلى العلم؟ العقل ما يطاوع على هذا، لكنها رقق بعضها بعضًا إلى أن وصل إلى هذا الحد.

(وقوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110]، وقوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ})، خشية أن تحبط أعمالكم؛ لئلا تحبط أعمالكم {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2].

(وهذه الآية أدل على المراد مما قبلها، فمن أصر على نفاق المعصية خُشي عليه أن يفضي به إلى نفاق الكفر)، نسأل الله العافية.

(وكأن المصنف -رَحِمَهُ اللهُ- لمح بحديث عبد الله بن عمرو المخرَّج عند أحمد مرفوعًا قال: ويل للمُصرين الذين يُصرون على ما فعلوا وهم يعلمون، أي يعلمون أن من تاب تاب الله عليه ثم لا يستغفرون؛ قاله مجاهد وغيره، وللترمذي عن أبي بكر الصديق مرفوعًا: «ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرةً»، إسناد كل منهما حسن).

طالب: شيخ أحسن الله إليك، هل المصر على المعصية يدخل في الكفر؟

لا، هو ما يدخل في الكفر، لكن ينجر، يجره ذلك، مثل ما نقلنا أن بعض الشيء يوطئ لبعض، والأمور حتى الفتن يرقق بعضها بعضًا، تجد الإنسان يتساهل في شيء، ثم بعد ذلك هذا الشيء قريب من المباح وفوقه مكروه أشد منه كراهة، فالأشد كراهة بعيد عن المباح، لكنه قريب من الذي قبله، فيسهل تخطيه، ثم بعد ذلك أدنى المحرمات من هذا المكروه كراهية شديدة ما بينه وبين المكروه الشديد إلا درجة سهلة تجاوزها، لكن ما يمكن أن يتجاوز عشر درجات جميعًا، مثل درجات السلم: ما تقدر أن تصعد إلى السطح بدون سلم، لكن درجة درجة إلى أن تصل، يُسهل بعضها بعضًا، ثم لما يصعد بعد ذلك إلى المحرم الأشد تحريمًا، وهذا يجره بلا شك إلى الخروج من الدين، مثل ما قال الله -جَلَّ وعَلا- عن الذين يقتلون الأنبياء: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة: 61]، سببها العصيان، والمعاصي لا شك أنها بريد للكفر وموطئة له. فعلى الإنسان أن يخشى ويضع سياجًا وحصنًا منيعًا يحول بينه وبين الولوج في المعاصي سواء كانت قولية أو فعلية.

طالب: لكن حال إصراره يا شيخ لا يحكم عليه .......

لا لا، على معصية، لا أبدًا.

(قوله: "على التقاتل" كذا في أكثر الروايات وهو المناسب لحديث الباب، وفي بعضها: على النفاق، ومعناه صحيح وإن لم تثبت به الرواية.

قوله: "زُبيد" تقدم أنه بالزاي والموحدة مصغرًا، وهو ابن الحارث اليامِي بياء تحتانية وميم خفيفة، يكنى أبا عبد الرحمن، وقد روى هذا الحديث شعبة أيضًا عن منصور بن المعتمر وهو عند المصنف في الأدب وعن الأعمش وهو عند مسلم ورواه ابن حبان من طريق سليمان بن حرب عن شعبة عن الثلاثة جميعًا عن أبي وائل، وقال ابن منده: لم يُختلف في رفعه عن زبيد واختلف على الآخرين، ورواه عن زبيد غير شعبة أيضًا عند مسلم وغيره. قوله: "سألت أبا وائل")، أبو وائل شقيق بن سلمة التابعي الجليل.

(قوله: "سألت أبا وائل عن المرجئة" أي عن مقالة المرجئة، ولأبي داود الطيالسي عن شعبة عن زبيد قال: لما ظهرت المرجئة أتيت أبا وائل فذكرت ذلك له، فظهر من هذا أن سؤاله كان عن معتقدهم، وأن ذلك كان حين ظهورهم، وكانت وفاة أبي وائل سنة تسع وتسعين، وقيل: سنة اثنتين وثمانين، ففي ذلك دليل على أن بدعة الإرجاء قديمة. وقد تابع أبا وائل في رواية هذا الحديث عبدُ الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، أخرجه الترمذي مُصحِحًا، ولفظه: «قتالُ المسلمِ أخاه كفرٌ، وسبابُه فسوقٌ»)، «قتال المسلم أخاه كفر، وسبابه فسوق»، فـ«قتالُ» مضاف إلى الفاعل أو إلى المفعول؟

طالب: .......

نعم. الرواية بيَّنت هذه.

طالب: .......

كيف؟ «أخاه» في هذه الرواية، لكن الرواية التي عندنا: «قتال المسلم كفر، وسبابه فسوق».

طالب: .......

أيهما أظهر أن يضاف إلى الفاعل أو يضاف إلى المفعول؟

طالب: إلى المفعول.

نعم. أظهر أن يضاف إلى المفعول، يعني قتاله المؤدي إلى قتل المسلم، فالمسلم مقتول. وهنا المسلم قاتل، يعني المسلم يقتل أخاه. ظهر الفرق أم ما هو بظاهر؟

(«وسبابه فسوق»، ورواه جماعة عن عبد الله بن مسعود موقوفًا ومرفوعًا، ورواه النسائي من حديث سعد بن أبي وقاص أيضًا مرفوعًا، فانتفت بذلك دعوى من زعم أن أبا وائل تفرد به.

قوله: «سِبَاب» هو بكسر السين وتخفيف الموحدة وهو مصدر، يقال: سَب يَسُب سَبًّا وسِبابًا، وقال إبراهيم الحربي: السِّباب أشد من السَّب، وهو أن يقول الرجل ما فيه وما ليس فيه، يريد بذلك عيبه، وقال غيره: السِّباب هنا مثل القتال فيقتضي المفاعلة)، يعني السب قد يكون من طرف واحد، والقتل من طرف واحد، والمقاتلة والسباب والمسابة تكون من طرفين، فأيهما أخف؟

طالب: إن كانت من طرفين.

من طرف واحد أشد.

طالب: أشد من طرف واحد.

يعني كون واحد يعتدي عليك وأنت تعتدي عليه وكذا ما هو بأخف من واحد من طرف واحد والثاني مستسلم. قتال ومقاتلة أسهل من القتل.

طالب: .......

ما هي؟

طالب: .......

لا لا شخص مسالم ما ذكر شيئًا، والثاني يعتدي عليه يسبه.. هذا أسهل أم الذي يرد عليه الثاني يسابه؟ لا شك أن المفاعلة أسهل.

طالب: ينبه بالأدنى.

نعم، نظير ذلك الموالاة والتولي، أيهما أسهل تولي الكفار أم موالاتهم؟

طالب: توليهم.

التولي أسهل؟

طالب: أشد.

أشد؛ لأنك تتولاهم من دون أن يقدموا لك شيئًا، ما تولوك ولا قدموا لك شيئًا، فما فيه سبب للميل القلبي إلا المودة والمحبة الخالصة.

طالب: .......

أنت لو تأتي إلى شخص ولا تعرفه ولا يعرفك، وسببته يا ابن كذا، يا من كذا يا من فيك يا من فيك، هل هو أسهل أم واحد سبك ثم سبيته؟

طالب: .......

لا لا لا، كون الإنسان له سبب، كون الإنسان أعطى من نفسه سببًا لهذا الأمر لا شك أنه يخفف حقه، يخف حقه عليك.

(وقد تقدم بأوضحَ من هذا في "باب المعاصي من أمر الجاهلية")، في قصة أبي ذر. (قوله: «المسلم» كذا في معظم الروايات ولأحمد عن غندر عن شعبة: «المؤمن»، فكأنه رواه بالمعنى.

قوله: «فسوق» الفسق في اللغة: الخروج، وفي الشرع الخروج عن طاعة الله ورسوله، وهو في عُرف الشرع أشد من العصيان)، {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] فذِكْر الثلاثة على سبيل التدلي من الأشد من الأعلى إلى الأدنى: كفر، فسوق، عصيان. ولذلك قال: (وهو في عرف الشرع أشد من العصيان، قال الله تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7])، جاء به المؤلف، الحمد لله؛ لأنه قد يطلق على الكفر. (ففي الحديث تعظيم حق المسلم، والحكم على من سبه بغير حق بالفسق، ومقتضاه الرد على المرجئة، وعُرِف من هذا مطابقة جواب أبي وائل للسؤال عنهم كأنه قال: كيف تكون مقالتهم حقًّا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول هذا؟

قوله: «وقتاله كفر» إن قيل هذا، وإن تضمن الرد على المرجئة، لكن ظاهره يُقوي مذهب الخوارج الذين يكفرون بالمعاصي).

طالب: .......

ينتقل إلى الطرف الثاني، لكن في مجال الرد لا بد أن يُرد على المرجئة بالنصوص التي يستدل بها الخوارج، ولا بد أن يرد على الخوارج بالنصوص التي يستدل بها المرجئة، يُكسر حر بهذا ببرد هذا، والتوفيق من الله -جَلَّ وعَلا- باعتماد طرفي النصوص.

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: (فالجواب إن المبالغة في الرد على المبتدع اقتضت ذلك)، وهو معنى ما ذكرنا، (المبالغة في الرد على المبتدع اقتضت ذلك، ولا متمسك للخوارج فيه؛ لأن ظاهره غير مراد، لكن لما كان القتال أشد من السباب؛ لأنه مفضٍ إلى إزهاق الروح عُبر عنه بلفظ أشد من لفظ الفسق وهو الكفر، ولم يُرَد حقيقة الكفر التي هي الخروج عن الملة، بل أطلق عليه الكفر؛ مبالغةً في التحذير، معتمدًا على ما تقرر من القواعد أن مثل ذلك لا يُخرج عن الملة)، يعني كفر دون كفر كما هو معروف، ظلم دون ظلم لا يخرج.

 (مثل حديث الشفاعة ومثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48])، يعني كما وُجه بذلك خلود القاتل عمدًا في النار، وأن هذا على سبيل المبالغة والتشديد في الزجر.

(وقد أشرنا إلى ذلك في باب المعاصي من أمر الجاهلية، أو أطلق عليه الكفر لشبهه به؛ لأن قتال المؤمن من شأن الكافر. وقيل: المراد هنا الكفر اللغوي وهو التغطية؛ لأن حق المسلم على المسلم أن يعينه وينصره ويكف عنه أذاه، فلما قاتله كان كأنه غطى على هذا الحق، والأولان أليق بمراد المصنف وأولى بالمقصود من التحذير من فعل ذلك والزجر عنه بخلاف الثالث، وقيل: أراد بقوله «كفر» أي قد يؤول هذا الفعل بشؤمه إلى الكفر، وهذا بعيد، وأبعد منه حمله على المستحل لذلك؛ لأنه لا يطابق الترجمة)، لماذا؟ (وأبعد منه حمله على المستحل لذلك؛ لأنه لا يطابق الترجمة)؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: لأنه في الأعمال الظاهرة.

الترجمة يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ-.

طالب: "وهو لا يشعر" يا شيخ.

"خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر..." إلى آخره.

طالب: ....... المستحل.

في المؤمن.

طالب: والحديث أيضًا.

والحديث أيضًا نص.

طالب: .......

لا، قد يمكن أن يطلق على الإسلام باعتبار ما كان قبل ما حصل، لكن الترجمة التي أشار إليها خوف المؤمن وما زال في دائرة الإيمان.

طالب: .......

نعم، ما فيه شك ما هو بالكفر الظاهر.

(ولو كان مرادًا لم يحصل التفريق بين السباب والقتال)؛ لأنه حتى السباب المستحل يكفر. (فإن مستحِل لعن المسلم بغير تأويل يَكفر أيضًا)، وجاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: «لعن المؤمن كقتله». (ثم ذلك محمول على من فعله بغير تأويل، وقد بوَّب عليه المصنف في كتاب المحاربين كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ومثل هذا الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» ففيه هذه الأجوبة، وسيأتي في كتاب الفتن، ونظيره قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: 85] بعد قوله: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ} [البقرة: 85])، {وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} هذا الشاهد، (الآية، فدل على أن بعض الأعمال يطلق عليه الكفر تغليظًا، وأما قوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: «لعن المسلم كقتله»)، ما هو في البخاري؟ ما هو من أحاديث العمدة؟ (وأما قوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: «لعن المسلم كقتله»).

طالب: ....... ما بالعمدة زاد زيادات على .......

بلى، لكن أليس هو من المتفق عليه؟ يراجع يراجع، تخرج الروايات التي عندك، في الطبعة التي معك ذي؟ ما فيها تخريج؟

طالب: لا.

ولا نظر ولا شيء؟

طالب: .......

فتح الباري طبعة نظر.

طالب: هذه هي .......

أين؟

طالب: التي معي.

هي التي معك ما خرج؟

طالب: لا.

إذًا ما صنع شيئًا.

(فلا يخالف هذا الحديث؛ لأن المشبَّه به فوق المشبِّه)، ولا يلزم من التشبيه المطابقة في وجه الشبه من كل وجه، إنما إذا طابقت من وجه ولو خالفت من وجوه فالتشبيه سائغ.

(لأن المشبه به فوق المشبه، والقدر الذي اشتركا فيه بلوغ الغاية في التأثير، هذا في العرض وهذا في النفس، والله أعلم. وقد ورد لهذا المتن سبب ذكرته في أول كتاب الفتن في أواخر الصحيح).

قال -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، التَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالخَمْسِ»".

(قوله: "عن حميد" هو الطويل، "عن أنس" وللأصيلي: حدثناه أنس بن مالك، فأمنا تدليس حميد، وهو من رواية صحابي عن صحابي أنس عن عبادة)، (رواية صحابي عن صحابي)، "قال: أخبرني عبادة" وكلاهما من الصحابة (أنس عن عبادة بن الصامت.

قوله: "خرج يخبر بليلة القدر" أي بتعيين ليلة القدر)، والصحابة تواطأت رؤياهم على ليلة بعينها، وذكروا ذلك للنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وأخبر أن رؤياهم تواطأت، لكن تواطأت الرؤى فهل أخبر عن هذه الليلة بعينها؟ قال: «التمسوها» في كذا في كذا في كذا، للحكمة البالغة، وهي أن المسلم يكثر من العمل الصالح، فلو حُددت له ليلة بعينها ما قام ولا ليلة من رمضان، هي تكفيه هذه الليلة {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]، فكونه ما يقوم تسعًا وعشرين ليلة الأمر سهل في جانب ألف شهر.

(قوله: "فتلاحَى" بفتح الحاء المهملة مشتق من التلاحِي بكسرها، وهو التنازع والمخاصمة، والرجلان أفاد ابن دحية أنهما عبد الله بن أبي حَدْرَد بحاء مفتوحة ودال ساكنة مهملتين ثم راء مفتوحة ودال مهملة أيضًا، وكعب بن مالك. وقوله: "فرفعت" أي فرفع تعيينها عن ذكري، هذا هو المعتمد هنا)؛ لأن كونها رُفعت كما يقول الرافضة أنها ارتفعت، ما فيه شيء اسمه ليلة قدر! هذا كلام باطل، ومن الباطل أيضًا دعوى الدهلوي أن هناك ليلتين كلاهمها ليلة قدر، يقول: ليلتان ما هي بليلة ليلة القدر. له وجه؟

طالب: لا.

له وجه؟ وقفت على كلامه أنت وعرفت حجته؟ وماذا يقول؟

طالب: .......

فيها خفاء شديد، وإلا فموجود بكتابه الحجة البالغة، كلامه فيه خفاء شديد يصعب فهمه. وأظن الإجماع قائم على أنها ليلة، والنص يدل عليه في القرآن والسنة.

(والسبب فيه ما أوضحه مسلم من حديث أبي سعيد في هذه القصة، قال: فجاء رجلان يَحتقَّان بتشديد القاف أي يدعي كل منهما أنه المحق معهما الشيطان فنسيتها. قال القاضي عياض: فيه دليل على أن المخاصمة مذمومة، وأنها سبب في العقوبة المعنوية أي الحرمان، وفيه أن المكان الذي يحضره الشيطان تُرفع منه البركة والخير)، ولذلك انتقل النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- عن المكان الذي نام فيه هو وأصحابه عن صلاة الفجر، انتقلوا إلى مكان آخر؛ لأنه مكان حضر فيه الشيطان.

(فإن قيل: كيف تكون المخاصمة في طلب الحق مذمومةً؟ قلت: إنما كانت كذلك لوقوعها في المسجد، وهو محل الذِّكر لا اللغو، ثم في الوقت المخصوص أيضًا بالذكر لا اللغو وهو شهر رمضان، فالذم لِما عَرض فيها لا لذاتها، ثم إنها مستلزِمة لرفع الصوت ورفعُه بحضرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهي عنه؛ لقوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} إلى قوله تعالى: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]. ومن هنا يتضح مناسبة هذا الحديث للترجمة ومطابقتها له، وقد خفيت على كثير من المتكلمين على هذا الكتاب)، (وقد خفيت على كثير من المتكلمين على هذا الكتاب).

 لأن هذه الملاحاة وهذه المخاصمة تضمنت رفع الصوت بحضرته -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، ورفع الصوت يُخشى منه حبوط العمل، فالخشية ينبغي أن يستحضرها المسلم في كل مناسبة. (فإن قيل: قوله: {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} يقتضي المؤاخذة بالعمل الذي لا قصد فيه؟ فالجواب: أن المراد وأنتم لا تشعرون بالإحباط؛ لاعتقادكم صغر الذنب، فقد يعلم المرء الذنب، ولكن لا يعلم أنه كبيرة، كما قيل في قوله: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير»)، يعني على حد زعمهما واعتقادهما.

طالب: .......

ما هو؟

طالب: .......

على البخاري، الشراح، شراح البخاري. لا شك أن المناسبات والربط بين الأحاديث والتراجم في كثير من المواضع فيها خفاء شديد لا يدركه إلا من عاش مع الكتاب وألمَّ بأطرافه وعلم آخره كما علم أوله واستحضره، ولذلك يتصرف بعض الشراح ويتهجم على البخاري وعند ذكر المناسبة ويبدي أنها لا مناسبة، ثم يأتي ابن حجر فيبدي مناسبة ظاهرة جلية، وإن كان في بدايتها خفاء، لكن إذا أظهرها ثم يقول: وهذا جهل بالكتاب الذي يشرحه.

(ثم قال: «وإنه لكبير» أي في نفس الأمر، وأجاب القاضي أبو بكر بن العربي بأن المؤاخذة تَحصل بما لم يقصد في الثاني إذا قصد في الأول)، لأن المقدمة قد تكون مقصودة أو العمل يترتب عليه عمل آخر، فيقصد الأول ثم يترتب عليه شيئًا آخر يُجر إليه، وقد يكون من لازم قوله فيؤاخَذ به؛ (لأن مراعاة القصد إنما هو في الأول ثم يسترسل حكم النية الأولى على مُؤتنف العمل وإن عزب القصد خيرًا كان أو شرًّا، والله أعلم.

قوله: «وعسى أن يكون خيرًا» أي وإن كان عدم الرفع أزيدَ خيرًا وأولى منه؛ لأنه متحقق فيه، لكن في الرفع خير مرجو لاستلزامه مزيد الثواب؛ لكونه سببًا لزيادة الاجتهاد في التماسها)، لكن في مقابل مزيد الثواب لكونه سببًا لزيادة الاجتهاد في التماسها، في مقابله يُخشى أن تفوت هذه الليلة على كثير من المسلمين؛ لأن المقصود إذا شاع بين أمور خف شأنه، يعني لو أفجر الناس يعرف أن هذه الليلة ليلة القدر ييفرط؟

طالب: لا.

لكن إذا قيل له: في العشر، تخف عنده.

طالب: .......

أين؟

«وعسى أن يكون خيرًا»، عسى من الله، في كلام ابن عباس وغيره: من الله واجبة، رجاء.

(وإنما حصل ذلك ببركة الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.

قوله: «في السبع والتسع» كذا في معظم الروايات بتقديم السبع التي أولها السين على التسع، ففيه إشارة إلى أن رجاءها في السبع أقوى للاهتمام بتقديمه)، لكن يلزم على هذا أن يكون في جميع الروايات بتقديم السبع على التسع، (ووقع عند أبي نعيم في المستخرج بتقديم التسع على ترتيب التدلي، واختُلف في المراد بالتسع وغيرها؟ فقيل: لتسع يمضين من العشر، وقيل: لتسع يبقين من الشهر، وسنذكر بسط هذا في محله حيث ذكره المصنف في كتاب الاعتكاف إن شاء الله تعالى)، وذكر الحافظ ما يقرب من خمسين قولاً في ليلة القدر، مما سيأتي إن شاء الله تعالى.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.

طالب: شيخنا أحسن الله إليكم، ذكر ابن حجر في كتاب الأدب باب ما ينهى من السباب واللعن، ذكر حديث «لعن المسلم كقتله».

«لعن المسلم كقتله» معروف.

طالب: .......

أنا أحفظه بالصحيحين، لكن هنا خرجه من مسلم.

طالب: .......

«سباب المسلم فسوق»؟

طالب: .......

الشرعي.

طالب: .......

«سباب».

طالب: .......

لا شك أن الفسق الخروج عن الطاعة، ويتناول المعصية والبدعة والنفاق والكفر، هو أعم وأشمل. الكافر فاسق؛ لأنه خرج عن طاعة الله.

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

لا، صنفه وانتهى ورجع عليه مرة ثانية وذكر الإحالات.

طالب: .......

الإحالات رجع إليها ابن حجر.

طالب: .......

"