عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

باب: فضل الجماعة ووجوبها

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، اللهم صل عليه، اللهم أرحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: فضل صلاة الجماعة ووجوبها

الجماعة مأخوذة من الاجتماع، فلا بد أن تكون من أكثر من واحد، وأقلها اثنان، فضل الجماعة جاءت به النصوص التي يذكر المؤلف منها ما يذكر، وترك الشيء الكثير، الجماعة على الرجال الذكور الأحرار البالغين واجبة، يأثم القادر على إتيانها بعدم ذلك، فواجبة على الأعيان، على كل شخص بعينه، هذا الذي ذكره المؤلف في الترجمة، ويرى بعضهم وهو مذهب أهل الظاهر أن الجماعة شرط لصحة الصلاة، فلو صلى الرجل في بيته مع قدرته على إتيان الجماعة لا تصح صلاته، لهذا يقول أهل الظاهر: وهو رواية عن أحمد يرجحها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، مما يستدلون به الحديث المشهور: ((لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)) أدلة الوجوب منها ما ذكره المؤلف في هذا الباب، ومنها ما جاء في حديث ابن أم مكتوم وهو رجل معذور أعمى، بينه وبين المسجد مفاوز وأودية وهوام وهو أعمى، رخص له النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر فلما انصرف دعاه، قال: ((أتسمع النداء؟)) قال: نعم، قال: ((أجب لا أجد لك رخصة)) ومن أدلة وجوبها {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] ومنها أيضاً مشروعية صلاة الخوف، والتنازل عن بعض الواجبات، بل حصول ما يبطل الصلاة من أجل المحافظة على الجماعة، ولولا وجوب الجماعة ما حصل هذا الخلل، ما أقر شرعاً هذا الخلل في صلاة الخوف، ولا شك أن الجماعة بأدلتها الظاهرة المتضافرة أقل ما يقال فيها الوجوب، فيأثم بتركها من استطاع الإتيان إليها، منهم من يقول: إنها فرض كفاية، هذا قول معروف عند الشافعية؛ لأنها شعار للدين فلا بد أن يكون موجوداً، ولأجله شرع الأذان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أراد غزو بلد أو قوم انتظر، سمع أذان يكف وإلا أغار -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كانت مجرد شعار فالشعار يسقط بقيام البعض هذا قول الشافعية، والحنفية والمالكية يقولون: سنة مؤكدة لا يأثم بتركها، ويتمسكون بمثل ما جاء في هذا الباب من حديث عبد الله بن عمر وحديث أبي هريرة.

"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة))" هذا من أدلتهم على أن صلاة الجماعة سنة، من أدلتهم حديث عتبان لما كُف بصره دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- ليصلي في جزء من بيته ليتخذه مسجداً، ومقتضى ذلك أنه لا يحضر الجماعة، وهو محمول على أن عتبان لا يسمع النداء؛ لئلا يتعارض مع حديث ابن أم مكتوم، فهو محمول على أن عتبان لا يسمع النداء، فلا دليل فيه، فالذي لا يسمع النداء لا تلزمه الإجابة، قد يقول قائل: الناس الآن في بيوتهم لا يسمعون النداء، بين المساجد وفي أوساط المدن لا يسمعون النداء، وقد يكون بعيداً بعداً يشق الحضور، تحصل المشقة معه لسماعه النداء من بعد شديد لوجود المكبرات، نقول: الذين في بيوتهم التي هي الآن كالصناديق محكمة مغلقة مع وجود الآلات التي تمنع من سماع الصوت مكيفات وغيرها المسألة مفترضة في سماع النداء بالصوت العادي، بدون مكبرات وبدون موانع، افترضنا أن البلد قبل وجود الكهرباء ما في مكبرات ولا في مكيفات، ولا يوجد سيارات، من كم يسمع النداء؟ من مسافة كم؟ كيلو كيلوين؟ نعم يسمع من كيلوين، إذا كان الجو هادئ يسمع من كيلوين، إذا كانت هناك ريح تنقل الصوت يسمع من أكثر، لكن مثل هذا ليس فيه مشقة ويسمع، فالمسألة مفترضة مع انتفاء الأسباب الموصلة للصوت كالمكبرات، ومع انتفاء الموانع من سماع الصوت كالمكيفات والسيارات والآلات والمصانع وغيرها، إذا افترضنا هذا وقلنا: إن الصوت العادي يسمع، الصوت العادي لا أقول مثل العباس يسمع من تسعة فراسخ، لا لكن صوت عادي الناس، ولا شخص أبح ما يسمعه جيرانه، لا، المسألة مفترضة في الصوت العادي، والذي يتخذ مؤذن من شرطه أن يكون صيتاً، يبلغ الناس يبلغ أطراف البلد، وعلى هذا أتصور أن الكيلو والكيلوين يسمعون الأذان بالراحة مع انتفاء الأسباب والموانع،  فلا يقول: أنا والله المسجد فوق رأسي، لكن ما أسمع، فإذا سمع النداء لزمه الإجابة ((أتسمع النداء؟)) قال: نعم، قال: ((أجب لا أجد لك رخصة)) الرسول لا يجد رخصة فمن يرخص له بعد الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ فلا يملك أحد.

هنا يقول في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) وهذا من أقوى أدلة الحنفية والمالكية على أن صلاة الجماعة ليست بواجبة، وإنما هي سنة مؤكدة، وجه الاستدلال أنه قال: ((صلاة الجماعة أفضل)) وأفضل أفعل تفضيل، وأفعل التفضيل يقتضي وجود أمرين أو أمور تشترك في صفة، وهنا الصفة الفضل يزيد أحد هذه الأمور في هذه الصفة على غيره، فصلاة الجماعة تزيد في صفة الفضل المشترك بين صلاة الجماعة وصلاة الفذ، الفضل مشترك، لكن صلاة الجماعة تزيد في الفضل على صلاة الفرد، هذا مقتضى أفعل التفضيل إذا كانت على بابها، واللغة تشهد لذلك، إذا قلت: زيد أفضل من عمرو كلهم أهل فضل، لكن فاق أحدهما الآخر، إذا قلت: محمد أخطب من زيد فكلهم خطباء، لكن يبقى أن محمد أجود في الخطابة من زيد، فهم يقولون: صلاة الجماعة تشترك في الفضل مع صلاة الفذ، وكل من الصلاتين فيه فضل، لكن صلاة الجماعة أكثر في الفضل من صلاة الفذ، أولاً: ما جاء في النصوص مما يدل على أن أفعل التفضيل تستعمل حتى في النصوص الشرعية على غير بابها {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [(24) سورة الفرقان]  هل في النار خير؟ ما فيها خير، ولا في المقيل فيها حسن ألبتة، فأفعل التفضيل ليست على بابها في هذه الآية، طيب نأتي إلى الحديث هل أفعل التفضيل على بابها؟ الذي يقول: إن صلاة الجماعة شرط لصحة الصلاة يقول: أفعل التفضيل ليست على بابها؛ لأن صلاة الفذ ليس فيها فضل ألبتة، هذا الذي يقول: إن الجماعة شرط لصحة الصلاة فتكون أفعل التفضيل هنا ليست على بابها، أما الذي يقول: إن صلاة الجماعة واجبة، وصلاة الفذ صحيحة مجزئة مسقطة للطلب، وإن إثم فاعلها يقول: أفعل التفضيل على بابها، فصلاة الجماعة فيها فضل وصلاة الفذ فيها فضل، لا سيما وأن الفضل محدد بسبع وعشرين أو خمس وعشرين درجة، يعني لما يقال قد نفترض أن أفعل التفضيل ليست على بابها، لكن لو كانت ليست على بابها ما ذكر العدد، فذكر العدد يدل على أن صلاة الفذ فيها فضل، وأفعل التفضيل على بابها اشتركا في الفضل، لكن صلاة الجماعة يزيد في هذا الفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة أو بخمس وعشرين درجة، وإن شئت فقل: بسبعة وعشرين ضعفاً أو جزء أو صلاة كما في بعض الروايات، يعني صلاة الرجل منفرد في بيته، والحديث يتناول حتى من صلى في المسجد لكنه منفرد، يصلي صلاة واحدة والناس الذين يصلون جماعة أكثر منه بسبع وعشرين ضعف، فضل عظيم لا يفرط فيه إلا محروم بين الحرمان، مع ارتكابه الإثم إذا كان تأخره لغير عذر، وفضل الله واسع، إذا كان التأخر لعذر فمن قصد الجماعة فوجدهم قد صلوا فله مثل أجرهم، إذا كان هناك عذر، أما إذا كان تخلفه لغير عذر فهو آثم وصلاته صحيحة.

صلاة الجماعة بأن يكون الشخص معه واحد أو أكثر أفضل من صلاة الفذ، وصلاته مع الرجلين أفضل، وصلاته مع الثلاثة أكثر، وكلما زاد الجمع كثر الفضل، من صلاة الفذ الفرد الواحد بسبع وعشرين درجة.

في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً)) يقول الترمذي: عامة من رواه يقول: خمساً وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال: سبع وعشرين، وأكثر الرواة على خمس وعشرين، فبعضهم يقول: العدد لا مفهوم له، والأصل أن الكلام له منطوقه ومفهومه، لكن إذا عورض المفهوم بمنطوق يلغى مفهوم العدد، يعني في مثل قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] مفهمومه أنك إن استغفرت لهم واحد وسبعين مره أو أكثر غفر لهم، لكن هذا المفهوم معارض بمنطوق قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] فألغي المفهوم، لو يستغفر ألوف مؤلفة ما نفع، إلغاء المفهوم حينما يعارض بمنطوق معروف، لكن هل المفهوم هنا معارض بمنطوق أو غير معارض، لنلغي المفهوم غير معارض، إذاً كيف جاء في حديث ابن عمر بسبع وعشرين وفي حديث أبي هريرة بخمس وعشرين؟ منهم من يقول: يختلف زيادة الأجر ونقصه باختلاف المصلين، فالسبع والعشرين للأعلم الأخشع، والخمس والعشرين لغيره، ومنهم من قال: السبع والعشرين للبعيد عن المسجد، والخمس والعشرين للقريب منه، ومنهم من يقول: السبع والعشرين للصلاة الجهرية؛ لأن فيها ارتباط بقراءة الإمام والتدبر في القرآن وغير ذلك، والخمس والعشرين للسرية، ومنهم من يقول: إن الله -جل وعلا- أخبر نبيه بالمضاعفة خمس وعشرين ثم زاده فضلاً منه على من يعنى بصلاة الجماعة، زاده فضل، وعلى هذا يكون الخمسة والعشرين منسوخ، وهذا خبر من الأخبار، والأخبار لا تدخلها النسخ، لكنه خبر متضمن لحكم، وهو الحث على صلاة الجماعة، والأحكام يدخلها النسخ، على كل حال يحرص الإنسان على أن يدرك الصلاة في الجماعة مع الإمام الأفضل في المسجد الأقدم، يحرص على التبكير لصلاة الجماعة؛ لأن من أهل العلم من يقول: إن السبع والعشرين لمدرك الصلاة كلها، والخمسة والعشرين لمدرك بعضها، فنحرص على صلاة الجماعة كما كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يحرصون على أن يؤدوا الصلاة جماعة حيث ينادى بها، يعني المساجد، وأما ما يميل إليه بعض الفقهاء بأن الجماعة له فعلها في بيته، لا شك أنه ما أجاب النداء ((أتسمع النداء؟)) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) فلا تجوز الصلاة في البيوت، ولو كانت جماعة، بسبع وعشرين درجة، وهنا يقول: ((صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً)) "على صلاته" مفرد مضاف يعم جميع الصلوات، لكن أخرجت النوافل بالنصوص الخاصة ((صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة)).

((في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً)) الأصل أن العدد يخالف المعدود في التذكير والتأنيث، الضعف مذكر ينبغي أن يقال: خمسة وعشرين ضعفاً، لكن الضعف بمعنى الدرجة، فلما ضُمن معنى الدرجة التي جاءت في الحديث السابق صح أن تعامل معاملة المؤنث؛ لأنها ضمنت إياه ((وذلك)) يعني تبيين لهذه المضاعفات المذكورة ((وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد)) يكون وضوؤه قبل خروجه إلى المسجد، فعلى هذا الذي يقول: أتوضأ في دورات المسجد أفضل أو الذي يتوضأ في بيته ثم يخرج إلى المسجد؟ ((ذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء)) يأتي به على ما عرف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، توضأ النبي -عليه الصلاة والسلام- وأسبغ الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، وتوضأ مرتين مرتين، وتوضأ مرة مرة، أسبغ الوضوء ولا مرة مرة يقال: أحسن الوضوء ((فأحسن الوضوء)) يعني توضأ في بيته، ثم خرج، توضأ في مكان عمله في المكان الذي هو فيه، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، طيب لك غرض في السوق، فتوضأت أنت خارجاً لهذا الغرض الذي في السوق، توضأت فقلت: الصلاة قرب وقتها أتوضأ وأتجهز في البيت، ثم خرجت لقصد غرضك في السوق فسمعت مسجد يقيم ميلت وصليت معهم، يحصل لك هذا الأجر وإلا لا يحصل لك؟ هو خرج لغرض في السوق، يشتري حاجة من السوق؛ لأنه يقول: ((لا يخرجه إلا الصلاة)) وهذا الذي أخرجه غرض، لكن إذا كان غرضه في السوق وفي السوق مسجد، فخرج من أجل الغرض والصلاة، إذ لو لم يكن في السوق مسجد لما خرج إلى السوق إلا بعد أن أدى الصلاة، وهذا من التشريك المباح، يعني السوق فيه مسجد، فتوضأ في بيته وخرج يقصد المسجد الذي في السوق، من أجل الغرض الذي يريده، هذا تشريك ما خرج من أجل الصلاة وحدها، ولا خرج من أجل الغرض وحده، لكنه شرك بينهما، فمثل هذا التشريك لا يضر، وإن كان أجره أقل من أجر من خرج لا يخرجه إلا الصلاة، إذا اجتمعت هذه الأمور، إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخطوا خَطوة، أو خُطوة، بالفتح أو بالضم؟ لكن الخطوة بالضم هي ما بين القدمين، المسافة التي بين القدمين، والخطوة المرة الواحدة من الخطى، فهل الأجر مرتب على ما بين القدمين بحيث يكون أجره واحد لو مد الخطى أو قصر الخطى واحد؟ المقصود المسافة، كم يجي من بيتك إلى المسجد؟ تقول: مائة خطوة، هل يتأثر هذا العدد بما لو مددت الخطى فصار خمسين أو قصرت صار مائتين؟ إذا قلنا: خٌطوة، لكن إذا قلنا: خَطوة فالمراد بها الواحدة المرة الواحدة من الخطى فقدمت طولت قصرت على عدد خطاك، ما المراد هنا؟ المسافة يعني مائة خُطوة ما تزيد ولا تنقص، أو الخَطوة المرة الواحدة من خطاك أنت، بمعنى أنك لو قاربت بين الخطى زاد الأجر، مددت بين الخطى نقص الأجر، هل المراد الخَطوة الواحدة، واحدة الخطى فيكون الأجر مرتب على فعلك، ولا شك أن تقارب الخطى أقرب إلى السكينة والخشوع من مد الخطى، وهذا مطلوب، أما إذا قلنا: لم يخطُ خطوة من الخطى المقررة في طريقك المقررة من البيت إلى المسجد ما تزيد ولا تنقص، يعني كلمة رفعت وحط لأن الخطوة الواحدة فيها رفع وفيها حط، رفع لقدم وحط لأخرى، فهذا يرجح الفتح.

((لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة)) نظير ما رفع ((وحط عنه بها خطيئة)) نظير ما حط على الأرض من القدمين ((فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه)) تصلي عليه إيش المراد بالصلاة هنا؟ مفسر تقول: اللهم صل عليه ((تصلي عليه ما دام في مصلاه)) جاء تفسير الصلاة: اللهم صل عليه، اللهم أغفر له، اللهم أرحمه، فالصلاة هنا المراد بها الدعاء؛ لأن الصلاة في الأصل الدعاء {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} [(103) سورة التوبة] يعني أدع لهم، يعني ما جاء في حديث إجابة الدعوة ((إذا دعا أحدكم أخوه فليجب، فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليصل)) من أهل العلم من قال: يصلي ركعتين وينصرف، يحضر القصر، يجيب الدعوة يصلي ركعتين ويمشي، والأكثر على أن المراد بالصلاة الدعاء؛ لأن الصلاة في الأصل في اللغة الدعاء، فهي صلاة لغوية.

اللهم صل عليه، اللهم أغفر له، اللهم أرحمه ((ما دام في مصلاه)) يعني بعد صلاته يحرص على أن يكون في مصلاه الذي أدى فيه الصلاة، لكن لو كان جلوسه في مصلاه يتعبه، وانتقل إلى مكان آخر في المسجد يريحه فهل المراد بالمصلى المسجد الذي هو مكان الصلاة الذي أديت فيه هذه الصلاة، أو المراد به البقعة التي شغلها في صلاته؟ نعم؟

طالب:.......

المسجد، هو الأصل، يعني لو نتقيد بحرفية النص أنه البقعة التي شغلها في صلاته ((ما زال في مصلاه)) وهذه البقعة يتناولها النص تناولاً قطعياً، أما بقية أجزاء المسجد فإن كان انتقاله لغرض صحيح بأن كان يتعبه الجلوس، أو مكان غير مريح قدامه مكيف ينفخ عليه، ينتقل إلى مكان آخر، يتضرر بهذا، أو المكان حار ولا يحصل له قراءة ولا ذكر بتدبر وحضور قلب، هذا غرض صحيح يحصل له الأجر في أي جهة تريحه من المسجد، وقل مثل هذا لو صلى في مصلى والدرس في جهة من المسجد ينتقل إلى الدرس، أو حلقة ذكر، وما أشبه ذلك؛ لأنه انتقل إلى غرض صحيح.

((ما دام في مصلاه، اللهم صل عليه، اللهم أغفر له، اللهم أرحمه)) ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة، وفي بعض الروايات: ((ما لم يؤذِ، ما لم يحدث)) فإذا أحدث انقطع الدعاء له، إذا آذى انقطع الدعاء له، والحدث يتناول الحدث الحسي والمعنوي، يتناول الحدث الحسي والحدث المعنوي، بأن انتقض وضوؤه أحدث، الحدث المعنوي ابتدع في الدين، أو عمل شيء، أحدث في الدين من باب أولى، ينقطع عنه، يتناوله النص ما لم يحدث، ما لم يؤذ، إذا تأذى أحد من وجوده مثل هذا ينقطع عنه الدعاء لضرره المتعدي.

((ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة)) يعني ما دام الصلاة تحبسه فهو في صلاة، في ساعة الجمعة -هنا مناسبة- في ساعة الجمعة من أهل العلم وهو قول معتبر عند أهل العلم أن ساعة الاستجابة أخر ساعة بعد العصر، وجاء في وصف الساعة: ((أنها لا يصادفها عبد مسلم وهو قائم يصلي)) فسر بأنه قائم يصلي بأنه ينتظر الصلاة، يعني ترجيح من يقول بأن ساعة الجمعة كما هو القول الآخر من دخول الإمام إلى انقضاء الصلاة بكونه قائم يصلي بالفعل، وذاك قائم يصلي بالإلحاق باعتبار أنه ينتظر الصلاة، ليس بالفعل، لكن هل القيام المنصوص عليه محل للدعاء وإلا ليس محلاً للدعاء؟ القيام في الصلاة محل للدعاء؟ نعم ليس محلاً للدعاء، كان ساجد يدعو ما يخالف صحيح، لكن قال: قائم يصلي، فالمراد به إما أن يصلي بالفعل ويدعو في موضع الدعاء لا في موضع القيام، أو يكون كما هنا ينتظر الصلاة؛ لأن منتظر الصلاة في صلاة، صلاة الجماعة قلنا: إنها تلزم الرجال المكلفين، ويأثمون بتركها، من أمر بالصلاة وهو ابن سبع مثلاً، أو أكد في حقه الضرب ابن عشر فأكثر، هل يلزم إخراجه إلى المسجد يصلي مع الجماعة، أو يؤدي الصلاة ولو في البيت؟ لا شك أن شأن غير المكلف أقل من شأن المكلف، لكن هل على الأب المأمور بأمر ابنه بالصلاة، أو بضربه على الصلاة أن يخرجه إلى المسجد أو عليه أن يخرجه إلى المسجد؟ أو نقول: إنه مأمور بأن يصلي، ويؤدي الصلاة ولو في بيته؟

البخاري -رحمه الله تعالى- يقول: "باب وجوب صلاة الجماعة، وقال الحسن: إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقة عليه لم يطعها" هذا في إيش لو منعته؟ ويحصل من الأمهات بل من الإباء الشفقة على أولادهم في البرد الشديد، في الظلام، مع السهر والتعب، يعني الآن إذا نُبه الطفل الصغير ابن سبع ابن ثمان ابن عشر لصلاة الفجر وهو سهران كل الليل مع الناس، نام قبل الفجر بنصف ساعة بساعة، يعني إلزامه بصلاة الجماعة فيه مشقة كبيرة، لكنه من تمام الأمر، الأب مأمور بأن يأمر ابنه بالصلاة، لكن هو شأنه أخف من شأن الكبير، لكن من تمام امتثال الأمر أن يؤدي هذه الصلاة على أكمل وجه، ومن متطلبات هذه الصلاة أداؤها في جماعة، ولذا قال الحسن: إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقة عليه لم يطعها، طيب لو خشيت على الولد مثلاً، ونحن لا نفترض أن المسألة مسألة كهرب والليل أفضل من النهار وأجسر من النهار، لا افترض المسألة لأن الدين بأول الزمان وآخره، ما في كهرب ظلام، دفعت الولد وراء الباب وصكت دونه الباب وقالت: روح صل مع الجماعة، طيب يخاف الولد تأثم وإلا ما تأثم؟ نعم إذا كان الطريق مخوف تأثم، لكن لا تبعثها الشفقة عليه بأن تمنعه مع أمن الطريق وسلامته والقدرة على الذهاب إلى المسجد والرجوع من دون ضرر، يعني الآن بعض الآباء يقول: الولد يصلي في البيت إلا إذا كنت موجود، لماذا؟ يقول: لو طلع مع الباب حتى في النهار تلقفوه الشباب، ولا هم مأمونين، بل يوجد من منع أولاده من الحضور إلى حلقات التحفيظ لهذا السبب، يقول: وهو رايح إلى الحلقة يمسكونه الشباب شباب الجيران وعندهم قنوات ودشوش وما أدري إيش؟ ما أنا بملزمه، نحصل مستحب ونفرط في واجب، بل نرتكب محرم، وإذا خرج بيروح به إلى البقالة يمين ويسار، أو يدخل عند فلان وعلان، خله في البيت إن حفظ في البيت وإلا بكيفه، هذه حجة يقول بها كثير من الناس، لكن أيضاً لا تفرط بأمر أن مطالب به شرعاً، تربيته تربية حسنة، الصلاة مع الجماعة، حفظ قرآن، تعلم علم، يا أخي ابذل الأسباب لأن يصل إليه الخير مع عدم ارتكاب أدنى محظور.

عفا الله عنك.

وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعنه" يعني أبا هريرة صحابي الحديث السابق -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر)) أثقل الصلاة على المنافقين وأثقل هذه أفعل تفضيل، ويدل على أن الصلوات كلها ثقيلة بالنسبة للمنافقين {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ} [(142) سورة النساء] نعم الصلاة ثقيلة على المنافقين، لكن ماذا عن المسلم الذي يرى نفسه ثقيلة أو تتثاقل أو تتبرم بقرب الصلاة ودنو وحضور فعلها ووقتها؟ بل بجميع العبادات، أولاً: في الحديث أن الجنة حفت بالمكاره، يعني بما تكرهه النفوس ومنها الصلاة، فما معنى كون الصلاة ثقيلة على المنافقين، والجنة حفت بالمكاره، إذاً المسلم يتبرم من فعل ما يقربه ويوصله إلى الجنة، يعني ما يحس كل شخص، أو عموم المسلمين أنهم إذا كانوا في مكان مريح أو مبسوطين، ثم أقيمت الصلاة يدرك الإنسان من نفسه جهاد، تحتاج النفس إلى جهاد، وهنا في الحديث صلاة العشاء وصلاة الفجر، تصور نفسك في صلاة الفجر في الشتاء برد شديد، وأنت دفيان تحت الغطيان تحس بثقل وإلا ما تحس بثقل؟ عموم المسلمين يحسون؛ لأن هذا مما حفت به الجنة من المكاره، وقل مثل هذا في الصيف الليل قصير، والجو طاب الآن للنوم، فالمسألة تحتاج إلى جهاد، فما معنى تخصيص المنافقين بالثقل هذا؟ يعني لأن المفترض في المسلم أن يكون لا شك أنه في بداية الأمر يحتاج إلى جهاد، على كل عبادة يحتاج إلى جهاد، لكن بعد هذا الجهاد يصل المسلم إلى حد يتلذذ فيه بالعبادة، هذا المفترض بالمسلم، أما إذا استمر طول عمره متثاقل لسان حاله يقول: أريحونا من الصلاة بدلاً من أن يقول كقول محمد -عليه الصلاة والسلام-: ((أرحنا يا بلال بالصلاة)) يعني المفترض بالمسلم لا شك أنها مكاره في أول الأمر، حفت بالمكاره، وخلاف ما تشتهيه النفوس وتهواه، لكن عليه أن يجاهد نفسه حتى يتلذذ بالعبادة، وأهل العلم يختلفون في الأفضل، أيهما أفضل الذي يؤدي العبادة مع نوع من المشقة أم الذي يؤدي العبادة وهو متلذذ بها؟ فرح بها، منهم من يقول: الذي هي ثقيلة عليه أفضل؛ لأنه مع فعلها يحصل له أجر المجاهدة، يحصل له أجر الفعل مع أجر المجاهدة، والأكثر على أن المتلذذ أفضل؛ لأنه ما وصل إلى مرحلة التلذذ إلا بعد انتهاء المجاهدة، فأجر المجاهدة حصل له وانتهى، وأي جهاد أعظم من جهاد النفس حتى تذل وتنقاد للعبودية التي من أجلها خلق الإنسان، يعني بعض الناس شوف بعض من منّ الله عليه بالتلذذ بالعبادة ويشوف إن جاء إلى المسجد وجده، وإن خرج من المسجد وجده باقي، إن حذفه المسير إلى المسجد ناسي شيء وجد فلان، يا أخي هؤلاء أليست لهم مطالب مثل مطالبك؟ أليس ورائهم أسر؟ أليس لهم مطالب أسرية وضغوط اجتماعية مثلك؟ لكنهم جاهدوا وتلذذوا بالبقاء في المسجد، والمسجد بيت كل تقي.

وخير مقام قمت فيه وحلية

 

تحليتها ذكر الإله بمسجد

المسجد لا شك أنه بيت الله، وهو أحب البقاع إلى الله، كون الإنسان يجاهد نفسه حتى يقرها وتنساق وتنقاد إلى أن تتلذذ بالبقاء في المسجد، هذا لا شك أنه بلغ أعلى مرتبة من مراتب الجهاد، يعني جهاد النفس، أما الذي يحس بالثقل عند أداء أي عبادة من العبادات لا شك أن الصيام في الحر الشديد ثقيل على كثير من المسلمين، قيام الليل مع قصره، مع عدم توافر هذه الأسباب المريحة، أو مع طول الليل وشدة البرد، يعني لا شك أنه ثقيل على النفس، لكن إن جاهد نفسه ووصل إلى مرحلة يتلذذ فيها بالعبادة لا شك أنه أكمل بكثير، أما من لم تحصل له هذه النتيجة، نتيجة التلذذ، واستمر عمره كله يجاهد هو مأجور -إن شاء الله- على الجهاد، لكن لا يؤدي الصلاة وهو متبرم منها، بحيث لو لم يره أحد ما صلى هذا يكون من المنافقين {يُرَآؤُونَ النَّاسَ} [(142) سورة النساء] يكون من المنافقين، أما لو كان ثقيلة عليه لأنها من المكاره وهو مصلي مصلي، رآه أحد أو ما رآه هذا مسلم، فهذا الفرق بين المسلم والمنافق، يشتركان في شيء، ينفرد المسلم المؤمن كامل الإيمان عن المنافق بدون أدنى مشابهة، والمسلم قد يكون فيه شبه في التثاقل، لكنه ينفرد عن المنافق بأنه مصلي مصلي، رآه أحد أو لم يره أحد، مؤدي للصلاة بخلاف المنافق الذي يرائي الناس.

((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر)) صلاة العشاء معروف أنها تعقب الأعمال والأتعاب والكد، وتقع في ظلام بحيث يأمن من رؤية الناس، وصلاة الفجر كذلك؛ لأنها تقع في آخر الليل بعد أن يطيب الجو في الصيف، ويدفأ الإنسان في الشتاء، لا شك أنها ثقيلة.

((ولو يعلمون ما فيهما)) لو يعلم المنافقون ما في هاتين الصلاتين، ما فيهما من الأجر والثواب ((لأتوهما ولو حبواً)) يعني على اليدين والركبتين ((ولقد هممت)) الواو هذه واو القسم، واللام موطئة لقسم محذوف تقديره: والله لقد هممت، (لقد) هذه حرف تحقيق، واللام موطئة لقسم محذوف، و(قد) حرف تحقيق و(هممت) الهم مرتبة من مراتب القصد، مراتب القصد خمسة: الخاطر والهاجس حديث النفس الهم العزم.

مراتب القصد خمس خاطر ذكروا
يليه هم فعزم كلها رفعت

 

فهاجس فحديث النفس فاستمعا
إلا الأخير ففيه الإثم قد وقعا

يعني الهم والعزم، عندنا الهم ما بعده من المراتب إلا العزم، ولا يلي العزم إلا التنفيذ، أما ما قبله من الهاجس والخاطر هذه مجرد تعرض وتزول للنفس وتنقضي بسرعة، حديث النفس الذي يتردد ويتكرر من غير هم مع فعل هذا معفو عنه، ما لم يتكلم الإنسان أو يعمل، الهم درجة بعد ذلك، مرتبة متقدمة بالنسبة إلى المخلوقين حتى لو هم بالأمر ما يؤاخذ عليه، لكن إذا عزم عليه يؤاخذ، كلها رفعت يعني رفع الأثر المترتب عليها، إلا الأخير الذي هو العزم، ففيه الإثم قد وقعا ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)) قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: ((لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه)) عازم على قتل صاحبه، والهم النبي لا يهم عموماً، ونبينا -عليه الصلاة والسلام- لا يهم إلا بما يجوز له فعله، ومن هنا اكتسب الشرعية، واكتسب الحجية، كونه -عليه الصلاة والسلام- لا يهم إلا بما يجوز له فعله، إذاً يجوز له أن يحرق على المتخلفين بيوتهم، يجوز له ذلك، فإذا جاز له ذلك لا بد أنهم لأنهم تركوا أمراً عظيماً واجباً، إذ لا يحرق من يترك السنة.

((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام)) الآن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يريد أن يصلي وإلا ما يصلي؟ وإلا الآن كيف بيحرق عليهم بيوتهم بالنار وبيترك الصلاة؟ بيخلي ناس يصلون ويروح يحرق البيوت، نقول: نعم هذا مفسدة وتفوت، فالذي يفوت يقدم، يعني لو قدر أن إنساناً رأى شخصاً يدخل بيتاً وهو في طريقه إلى المسجد والشخص مريب، يريد أن يسرق، يريد أن يزني، يريد أن يقتل، هذا الشخص مريب، هل تسعى في تخليص أهل هذا البيت من شر هذا الصائل، أو تروح تصلي الجماعة وترجع وتقول: ما علي منه؟ أو إن رجعت ولقيته وإلا بكيفه؟ لا، يلزمك أن تنكر المنكر؛ لأنه يفوت فتقدمه على الصلاة، الذي يفوت يقدم، لكن المحروم محروم، شخص بقي على الصلاة ربع ساعة، فجاءه شخص يريد إعلان إسلامه، يريد أن يسلم على يديه، قال له: الآن باقي على الصلاة ربع ساعة إذا صلينا تجي، محروم، وش اللي يمنعه؟ تلقنه الشهادة وتعلمه الوضوء ويجي يصلي معك، وتكسب أجره، ما الذي حصل في هذه القصة؟ حصل أنه خرج من عنده وفي تبادل إطلاق نار وقتل، وما أعلن الشهادة، يعني الأمور التي تفوت لا بد من تقديمها، فالمنكر الذي يفوت يقدم ولو كان على واجب؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

((ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس)) يعني بدله -عليه الصلاة والسلام- ((ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة)) هؤلاء القوم هل لهم ارتباط بمن ذكر في أول الحديث؟ أثقل الصلاة على المنافقين، أو هم قوم آخرون من المسلمين لكنهم لا يصلون مع الجماعة؟ يتخلفون عن الجماعة ((فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) منهم من قال بأن آخر الحديث مرتبط بأوله، وهذا تهديد للمنافقين، المنافقون النبي -عليه الصلاة والسلام- عنده علم بكثير من أخبارهم، وكثير من أعلامهم، وقد نطق بعضهم بكلمة الكفر، وتصرف ببعض التصرفات المكفرة مع علمه -عليه الصلاة والسلام- وإعراضه عنهم؛ لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- معرض عن المنافقين وعن عقوبتهم لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، إذاً هؤلاء القوم الذين لا يشهدون الصلاة من المسلمين ((فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) طيب ما حرق الرسول -عليه الصلاة والسلام-، هل فيه دليل؟ هم وترك، يعني تركه نسخ أو بين سبب الترك في رواية أخرى؟ ((ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم بالنار)) والحديث من أقوى أدلة القائلين بوجوب صلاة الجماعة؛ لأنه لا يحرق إلا على ترك واجب، نعم.

عفا الله عنك.

وعن عبد الله  بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)) قال: فقال بلال بن عبد الله: والله لمنعهن، قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سباً سيئاً ما سمعته سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول: والله لمنعهن؟! وفي لفظ: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته)) وفي حكم هذا إذا استأذنت البنت أباها، الزوجة تستأذن الزوج، والبنت تستأذن الأب، وعلى كل حال من استأذنته موليته على الخروج إلى الصلاة في المسجد فلا يمنعها؛ لأنه جاء في الحديث في آخره: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) شوف المناسبة بين..، ما قال: لا تمنعوا النساء مساجد الله؛ لأن في تنافر، النساء من شأنهن القرار في البيت {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] لكن التعبير بلفظ الإماء، إماء الله، هو يقابل في الذكور عباد الله، ولفظ العبودية له ارتباط كبير بالمسجد، فالأمة والعبد هذا بالنسبة للذكر، وهذا بالنسبة للأنثى العبودية لها ارتباط بالمسجد، فقال: ((لا تمنعوا نساءكم المساجد)) الأصل أن النساء مطالبات بالقرار في البيوت، هذه مناسبة اختيار إماء الله؛ لأن إماء الله معبدات مذللات لله -جل وعلا-، والمسجد هو مكان العبودية ((إذا استأذنت أحدكم امرأته)) لماذا قدم المفعول؟ وهل يجوز تقديم الفاعل في مثل هذا السياق؟ إذا استأذنت امرأته أحدكم؟ لا يجوز، لماذا؟ حتى لا يعود الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة، امرأته هذا مشتمل على ضمير يعود على الأحد، فإذا قدمنا الفاعل امرأته عاد إلى الأحد، والأحد متأخر في اللفظ، ومتأخر في الرتبة؛ لأنه مفعول، والمفعول مرتبته متأخرة عن الفاعل، ولفظه متأخر ممنوع، لكن قدم المفعول لئلا يعود الضمير على متأخر في اللفظ وإن كان متأخراً في الرتبة "وشاع نحو خاف ربه عمر" لماذا؟ لأن الضمير يعود على متأخر في اللفظ لكنه متقدم في الرتبة فاعل عمر "وشذ نحو زان نوره الشجر" لأنه مثل ما عندنا يعود الضمير على متأخر لفظه ورتبته.

((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)) هل المقصود ذات المسجد أو الصلاة مع الجماعة؟ يعني لو الساعة تسع أو الساعة سبع قال: أنا اطلع على الدوام، قالت: وأنا طالعة المسجد، إيش تقول؟

طالب:......

((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) أو المقصود الصلاة في المسجد مع الجماعة؟ هذا الأصل؛ لأنه لو قال: أنا اطلع للدوام الساعة سبع، قالت: أنا باطلع إلى المسجد، والرسول يقول: ((لا تمنعوا)) له أن يمنع وإلا لا؟ له أن يمنع، وإذا وجدت الفتنة إذا خشيت الفتنة له أن يمنع في أي وقت؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، هذا مقرر شرعاً، فلا يمعنها، هناك شروط لا بد من اعتبارها ((وليخرجن تفلات)) يعني غير متزينات ولا متطيبات، والمرأة لا يجوز لها أن تتطيب إذا أرادت الخروج من بيتها، فإن تطيبت وخرجت جاء النص بأنها زانية، نسأل الله السلامة والعافية، فلا يجوز لها أن تخرج متطيبة، كما أنه لا يجوز لها أن تبدي شيئاً من زينتها، تقدم أنهن يخرجن متلفعات بمروطهن، أكسية غليظة المروط، ما هي بأكسية ناعمة، وتبين ما تحتها، وتشف عما وراءها، لا.

"فقال بلال بن عبد الله" بن عمر، في بعض الروايات عند مسلم: واقد بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمر عنده أولاد منهم بلال، ومنهم واقد "فقال بلال بن عبد الله: والله لمنعهن" يعني كأن الباعث لبلال بن عبد الله الغيرة، وكأنه يعيش في ظرف كثر فيه التبرج، كثر فيه التساهل، يعني بعض الظروف أحياناً تملي على الإنسان أن ينطق بكلام لا يحسب له حساب، يعني من رأى كثرة التبرج في أقدس البقاع، ثم قالت واحدة: والله نبي نروح نأخذ عمرة، وأقسم عليها ألا تخرج، ما تطلع، لكثرة ما رأى، يعني يتصرف من خلال حرقة يراها في أقدس البقاع، هنا يقول ابن عمر: فلا يمنعها، فقال بلال بن عبد الله: والله لمنعهن، هذا دافعه إيش؟ لا شك أنه الغيرة، لكن الغيرة التي تصادم بها النصوص ليست شرعية، لا بد أن تكون هذه الغيرة مقننة بالنصوص الشرعية، ولذا قال: "فأقبل عليه عبد الله -يعني أباه عبد الله بن عمر- فسبه سباً سيئاً" سباً شديداً، قسا عليه "ما سمعت سبه مثله قط" يمكن ولا سب أحد مثله قط، لماذا؟ لأن كلامه فيه مصادمة للنص، فيه معارضة لكلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [(36) سورة الأحزاب] ما لك كلام خلاص، قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، عليك أن ترضى وتسلم، جاءك نص من الكتاب والسنة عليك أن تسلم، يقول ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر! يعني تعارض النصوص بمثل قول أبي بكر وعمر، وهما اللذان قد أمرنا بالاقتداء بهما، لكن لا تعارض بهم النصوص المرفوعة، ويوجد من يتصدى لإفتاء الناس ويقول: الرسول يقول، أو في البخاري حديث: ((لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) يقول: لا يا أخي هذا علامات الضعف عليه ظاهرة، الواقع يرده، كيف يرده؟ يقول: يا أخي غاندي حكمت الهنود في وقتها سبعمائة مليون ونجحت، وتاتشر حكمت الانجليز ونجحت، وجلد مايير رئيسة وزراء إسرائيل هزمت العرب كلهم، شوف أفلحوا، يعني بمثل هذا ترد النصوص؟! ويوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله تقولون: قال أبو بكر وعمر، كيف مثل هذا؟ ومع الأسف أن هذا له شأن ويفتي، وحمل راية الدعوة سنين، لكن بمثل هذا نتعامل مع النصوص؟! مثل هذا ضلال في الفهم.

"فأقبل عليه عبد الله فسبه سباً سيئاً ما سمعته سبه مثله قط" يعني قد يقال: إن ابن عمر حصل عنده من الغيرة على السنة أكثر مما حصل عند ابنه من الغيرة على محارمه "وقال: أخبرك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول: والله لمنعهن؟!" الآن مع الأسف الشديد أنه يوجد يروج بعض من أصيب بلوثات عقلية يدعون أنهم عقلانيين، قد أصيبوا بلوثات عقلية، وتأثروا بما يمليه عليهم أعداؤهم، يعرضون النصوص على عقولهم، فالنصوص عربية، ونحن عرب ونفهم، ولنا فهم ولا أحد يقف في وجوهنا، يعني فهم يخالف فهم سلف الأمة وأئمتها، وتقول: نحن نفهم العربية، والله ما تفهم من العربية شيء، يعني إذا تركت الحرية لأمثال هؤلاء يتكلمون كيفما شاءوا، إذاً لماذا جاء النهي عن تفسير القرآن بالرأي والتشديد في ذلك؟ وتورع الأئمة الكبار حفاظ الإسلام تورعوا عن تفسير غريب السنة؛ لأنك تجزم بأن هذا هو مراد النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذه اللفظة، وتفسير الغريب تفسير كلام النبي على ما يقول أهل العلم: جدير بالتحري، حري بالتوقي؛ لأنك تحكم على النبي -عليه الصلاة والسلام- أن هذا مراده، كما منعت من التفسير بالرأي تفسير القرآن أيضاً تمنع من أن تفسر كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- برأيك، وهل يترك المجال لأن يفسر برأيه من يفهم ويقدم الحقائق العرفية السائدة في بلده، أو بين عشيرته على ما جاء عن نبي الله -جل وعلا- في تفسير القرآن، وعن صحابته الكرام، الذين عاصروا التنزيل وعايشوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، شخص يقال له: لا يجوز لك أن تجبر ابنتك على الزواج من شخص لا تريده، قال: لماذا؟ يستدل بالقرآن، يقول الله -جل وعلا- يقول: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [(33) سورة النــور] إلى أن قال: {وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(33) سورة النــور] يقول: أنا أريد هذه المغفرة والرحمة، تقول: ما تبغيه إلا تبغينه، هذا يفهم النصوص؟! هل هذا عقل يتعامل مع ما قال الله وقال رسوله ويقول: فهومنا مثل فهومهم؟! يعني في حديث: ((أردت أو كدت أنهى عن الغيلة -التي هي الإرضاع وقت الحمل- فإذا فارس والروم يغيلون ولا يتضرر أولادهم بذلك)) يرضعون وقت الحمل ولا يتضرر أولادهم بذلك، ويكتب في الصحف من يقول: إن النصوص الشرعية مزيج إفادات من الأمم الأخرى والحضارات السابقة، هذا كُتب في الصحف، هل هذا كلام صحيح؟ الدين والنصوص لجميع من على وجه الأرض بما في ذلك فارس والروم، فإذا كان العرب وهم أقل الناس في ذلك الوقت يتضررون بمثل هذا والأمم الأخرى لا تتضرر هل يصدر النبي -عليه الصلاة والسلام- نص يشمل الأمة كلها وأكثر الناس ما يتضرر؟ ما يصدر نص؛ لأن الشرع ليس للعرب وحدهم، أو لأهل هذه البيئة وحدها، أو لأهل نجد، أو لأهل الحجاز، لا، لمن على جميع وجه الأرض، فإذا كان أكثر الناس لا يتضرر بهذا فلا يصدر نص يمنع، وهذا يقول: لا، الرسول استفاد فارس والروم استفاد منهم هذا، سبحان الله! وتعارض النصوص بمثل هذه الترهات! من أهل العلم من يرى أن بعد أن أحدث النساء ما أحدثن للأولياء المنع، ومنعهن ليس معارضة للنص، وإنما هو لدرء المفاسد، ومنهم من يرى أنه يسمح للكبار والعجائز دون الشواب، لكن يبقى أن الحكم الشرعي الأصل الجواز، لكن كون فلانة تمنع لأنها كذا، أو علانة تمنع هذا شيء آخر، يبقى أن الحكم الشرعي الجواز، وأن المرأة لا تمنع إذا أرادت أن تخرج، لكن إذا أوجس الإنسان خيفة أو ريبة أو خرجت على وضع غير مرضي قال لها: لا، لا، أبداً، ولا يكون مصادمة للنص أبداً، نعم.

عفا الله عنك.

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد الجمعة، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وفي لفظ: فأما المغرب والعشاء والجمعة ففي بيته.

وفي لفظ: أن ابن عمر قال: حدثتني حفصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم-  كان يصلي سجدتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر، وكانت ساعة لا أدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر.

وفي لفظ لمسلم: ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

فذكر الرواتب "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" في الرواية الأخرى: "حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" علاقة الحديث بصلاة الجماعة، باب فضل صلاة الجماعة ووجوبها، الحديث في صلاة التطوع، والترتيب عند أهل العلم أن صلاة التطوع في آخر كتاب الصلاة، فإن كان المؤلف -رحمه الله تعالى- لحظ قوله: "مع" وأنه يسن التجميع في النوافل فله وجه، لكن الرواية الأخرى: "حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات" والجماعة لا شك أنها للفرائض، هذا الأصل، للفرائض، وجاء في صلوات هي نوافل عند أهل العلم، مثل صلاة الكسوف، صلاة الليل، صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ببعض أصحابه وصلى معه ابن عباس جماعة، فالتجميع في النوافل ما لم يكن ديدن وعادة لا بأس به، أما من كان ديدنه لا يصلي نافلة إلا جماعة هذا يخرج من حيز السنة إلى الابتداع، لكن لو صلى نافلة مرة أو مرات معدودة بحيث لا يكون عادة ولا ديدن، فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها" وجاء في الحديث الصحيح حديث أم المؤمنين: أربع ركعات قبل الظهر، وهنا ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، والعدد الأقل يدخل في الأكثر، فالأفضل أن يصلي قبل الظهر أربع ركعات يفصل بينهن بسلام، أربع ركعات يعني بسلامين، أربع ركعات قبل الظهر، وهنا يقول: ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، راتبة الظهر القبلية أربع، والبعدية ركعتين، لكن إذا فاتت الراتبة القبلية متى يصليها؟ دخلت والصلاة مقامة، وأنت ما تسننت، ما صليت الراتبة، وصليت مع الجماعة، وسلمت مع الإمام متى تقضي الراتبة القبلية أو نقول: سنة فات محلها؟ نعم؟

طالب:.......

تقضى مباشرة قبل البعدية أو بعدها؟ أنت الآن صليت، عليك ست ركعات ثلاث تسليمات، أربع القبلية واثنتان البعدية، المقرر عند أهل العلم أنك تصلي تؤدي بعد الصلاة مباشرة الراتبة البعدية، ثم تقضي الراتبة القبلية، لماذا؟ لأن الراتبة القبلية مقضية مقضية هي قضاء؛ لأن وقتها قبل الصلاة، لكن لو صليتها قضيتها بعد الصلاة كانت الصلاة البعدية أيضاً قضاء؛ لأن الأصل أنها بعد الصلاة مباشرة، وتكمل بها الصلاة، فإذا أخرتها حتى تقضي الراتبة القبلية صار الكل قضاء، فأهل العلم يقررون أنك تصلي الركعتين اللتين بعد الصلاة مباشرة، ثم بعد ذلك تقضي ما فاتك، هذه الرواتب التي هي قبل الصلوات وبعدها، من فائدتها أن الإنسان إذا جاء إلى الفريضة من أعماله وأشغاله وأتعابه لا زال القلب مرتبط بدنياه، فإذا قدم بين يدي صلاته الفريضة ما يقربه إلى الله -جل وعلا- من التنفل، ويكون سبباً في غفلته ونسيانه لأمور الدنيا لا شك أنه سوف يقبل على الفريضة؛ لأن المقصود بالدرجة الأولى الفريضة، خمس صلوات كتبهن الله على أحدكم في اليوم والليلة، فإذا صلى الإنسان ما كتب له قبل الفريضة لا شك أنه يتهيأ لأن يقبل على فريضته بقلبه، بخلاف ما لو صلى الفريضة من دون فاصل بينه وبين أعمال الدنيا، والقلب القاسي والميت ما فيه حيلة لو يبتلي يقرأ لو يبتلي يصلي ما فيه حلية، الغافل غافل، لكن يحرص الإنسان على أن يحصل لب الصلاة وهو الخشوع والإقبال على الله -جل وعلا-.

"وركعتين بعدها" مشروعية الركعتين بعد الفرائض بعد الصلوات من أجل التكميل؛ لأنه أول ما ينظر في المرء في صلاته، كان يصلي الفرائض بها ونعمت، إذا كان هذه الفرائض على الوجه المرضي لا بأس، لكن إذا أديت على شيء من الخلل يقال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ لأن التطوع يكمل به الفرض.

"وركعتين بعدها، وركعتين بعد الجمعة" وجاء في الجمعة أربع ركعات بعد الجمعة من حديث عائشة، هذا حديث ابن عمر ركعتين، حتى من حديثها أيضاً جاء أربع ركعات بعد الجمعة، وأهل العلم يحملون الركعتين بعد الجمعة إذا كانت في البيت، والأربع إذا كانت في المسجد، لتتفق النصوص، ومنهم من يقول: إن الجمعة يصلى بعدها ست ركعات، تُضم هاتان الركعتان والأربع، ومنهم من يقول: أربع فقط؛ لأن الثنتين تدخل في الأربع، كما أدخلنا الركعتين هنا قبل الظهر في الأربع.

وعلى كل حال إن صلى في المسجد يصلي أربعاً، وإن صلى في البيت يصلي ركعتين، وإن زاد فأجره على الله "وركعتين بعد الجمعة، وركعتين بعد المغرب" طيب العصر؟ العصر ليس لها راتبة لا قبلية ولا بعدية، لكن من صلى قبل العصر أربعاً جاء الحث على ذلك ((رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً)) والحديث لا يسلم، لكنه يصلح للاستدلال في مثل هذا الموضع، لكنها ليست راتبة، يعني من النوافل المطلقة، ولا راتبة بعد العصر؛ لأنه وقت نهي، بعد المغرب ركعتان، وقبلهما نفل مطلق ((صلوا قبل المغرب)) ثم قال: ((لمن شاء)) من أراد أن يصلي قبل المغرب له أن يصلي، وأما الركعتان بعد المغرب فهما الراتبة، وركعتين بعد العشاء، هذه هي الراتبة، الراتبة بعد العشاء، وهي غير قيام الليل، غير التهجد غير الوتر "وفي لفظ: فأما المغرب والعشاء والفجر والجمعة ففي بيته" والأصل أن الصلاة في البيت أفضل إلا المكتوبة، لكن هناك صلوات لزم النبي -عليه الصلاة والسلام- التنفل فيها في البيت منها ما ذكر.

"وفي لفظ للبخاري: أن ابن عمر قال: حدثتني حفصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي سجدتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر" هاتان هما الركعتان راتبة الفجر، وهما خير من الدنيا وما فيها كما سيأتي، وما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أشد تعاهداً وحرصاً على ركعتي الفجر والوتر، بحيث كان لا يتركهما سفراً ولا حضراً "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي سجدتين خفيفتين" سجدتين يراد بالسجدة الركعة، سجدتين يعني ركعتين، وجاء في الحديث: ((من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) قال الراوي: والسجدة إنما هي الركعة، جاء في النصوص إطلاق السجود وإرادة الركوع، {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} [(58) سورة البقرة] يعني ركعاً، ما يمكن الدخول سجداً، طيب جاء إطلاق الركوع وإرادة السجود، من يذكر؟ "خر راكعاً" يعني ساجداً، المقصود أن هنا يسجد سجدتين خفيفتين، يعني يركع ركعتين خفيفتين، هذه صفة راتبة الصبح، حتى كانت عائشة تقول: "لا أدري أقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟ فصفة هاتين الركعتين التخفيف.

"بعد ما يطلع الفجر، وكانت ساعة لا أدخل على النبي -عليه الصلاة والسلام- فيها" لأنه يصلي هاتين الركعتين، ويضطجع بعدهما، السنة الاضطجاع بعد الركعتين في الصبح حتى يؤذنه بلال.

"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر" وفي لفظ لمسلم: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".

قد يقول قائل: هاتان الركعتان تؤديان في دقيقتين، والإنسان يكدح طول عمره ما حصّل مليون، والدنيا فيها المليارات، نعم هي خير من الدنيا وما فيها، يعني عند الله -جل وعلا-، الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، لو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافر منها شربة ما، لكن هل يقدر المسلمون قدر الدنيا وقدر الآخرة؟ الذي يلهث وراء الدنيا ليل نهار، وينشغل عن الواجبات، ويقطع الأرحام، ويرتكب المحرمات من أجل الكسب، كسب الحطام هل هذا عرف حقيقة الدنيا؟ كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، ومع ذلك يبني القصور الشاهقة، ويمتلك الأموال، ويقطع الأرحام، ويرتكب محرمات وموبقات من أجل الحطام، ويبخل بالأركان، يبخل بالزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام، هل هذا عرف حقيقة الدنيا؟ الذي عرف حقيقة الدنيا بالفعل سعيد بن المسيب، جاءه مندوب الخليفة يخطب ابنته لابنه، هذا السفير مندوب الخليفة يقول: جاءتك الدنيا يا سعيد بحذافيرها، ابن الخليفة يريد بنتك، ماذا كان جواب سعيد؟ قال: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، فماذا عسى أن يقص لي الخليفة من هذا الجناح؟ صحيح وش بيعطيه من هذا الجناح؟ لكن الله المستعان حال المسلمين، وواقع المسلمين، ولسان الحال يقول بأعلى الصوت: أدنى شيء من الدنيا في عرف كثير من الناس أفضل من الآخرة، يعني وإن لم يقلها بلسانه، هذا فعل كثير من الناس، يعني لغط الناس، وصخبهم ولهثهم وراء هذه الدنيا يؤكد هذا، لكن على الإنسان وإن اعتنى بدنياه، وكان على خلاف الأصل، خلاف الهدف الشرعي من وجوده وهو تحقيق العبودية، إذا نسي دينه فلا ينسى ما أوجب الله عليه، ولا يجوز له بحال أن يرتكب ما حرم الله عليه، وما عدا ذلك الأمر فيه سهل -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
هذا سائل من الكويت يقول: شخص يقوم الليل هل يجوز أن يوتر قبل أن ينام أولاً خشية أن لا يستيقظ لقيام الليل، وإن استيقظ قام الليل بدون أن يوتر؟

الأصل أن الوتر في أخر الليل وكونه آخر الصلاة هو الأفضل ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) وآخر صلاة الليل مشهودة، وهي وقت النزول الإلهي، لكن من خشي أو غلب على ظنه أنه لا يقوم آخر الليل فليوتر قبل أن ينام، ولذا أوصى النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا هريرة أن يوتر قبل أن ينام، ولا شيء في هذا، محل الوتر الليل من صلاة العشاء إلى طلوع الصبح كله محل للوتر، لكن هذا الأفضل، الذي يخشى على نفسه أنه لا يقوم، لا شك أن تحصيل الوتر في أول الليل أفضل من تركه، لكن إذا أوتر أول الليل بناء على غلبة ظنه أنه لا يقوم من آخر الليل، ثم تيسر له أن انتبه يصلي ما شاء، مثنى مثنى إلى أن يطلع الصبح دون وتر؛ لأنه لا وتران في ليلة، منهم من يقول: يشفع الوتر الأول، وهذا فيه مخالفة أشد من الوتر الثاني، لأنه يكون فيه ثلاثة أوتار، يكون حينئذٍ أوتر ثلاث مرات.

السائل من جدة يقول: ما حكم بيع المصحف الكريم؟

المذهب عند الحنابلة أنه لا يجوز بيعه؛ لأن بيعه امتهان، وإشعار بأنه مرغوب عنه، فالمبيع بالجملة كل سلعة تباع مرغوب عنها، وثمنها مرغوب فيه، والمشتري راغب في السلعة، فكون البيع للمصحف يشعر بهذا الحنابلة لا يجيزون بيع المصحف، لكن مع ذلك الإمام أحمد يجيز شراءه للحاجة، والذي عليه الجمهور جواز بيعه وشرائه مع أنه محترم معظم.

يقول: عزو الحافظ ابن حجر في البلوغ للحاكم وابن حبان وابن خزيمة.

هذا العكس المفترض أن يبدأ بابن خزيمة ثم ابن حبان ثم الحاكم.
يقول: ما رأيكم فيه؟ وهل يمكن حذف أحدهما عند الحفظ خصوصاً عزوه للحاكم؟
أولاً: عزوه للثلاثة مجتمعين يعطي للحديث قوة؛ لأن هؤلاء كلهم اشترطوا الصحة، فكتبهم من الصحاح في الجملة، وإن لم يوفوا بهذا الشرط فوجد فيها الضعيف، لكن كون الحديث موجود فيها مجتمعة يعطيه قوة، الأمر الثاني: أن من اعتنى بكتاب بعينه وأراد حفظه أو قراءته أو إقرائه عليه أن يقرأه بحروفه، وأن يحفظه بحروفه، كما وضعه مؤلفه، ليصدق عليه أنه حفظ الكتاب الفلاني، أما التصرف بالحذف والزيادة والنقص هذا له أن يجعل عليه حاشية، أو يعمل له تهذيب أو اختصار، أما أن يحفظ كتاب ألف في فن معين ألفه عالم من أهل العلم معتبر، ليس من الأمانة العلمية أن يحذف منه شيئاً، بل يبقى كما هو ويحفظ كما هو، ولو قدر أنك لم تجد الحديث عند الحاكم، افترض أن الحافظ عزاه للحاكم وابن حبان وابن خزيمة بحثت في المستدرك ما وجدته تستطيع أن تحذف هذا التخريج هذا العزو إلى هذا الإمام؟ لا يمكن، لكن لك أن تنبه، تقول: عزاه الحافظ إلى الحاكم ولم أجده فيه بعد الحرص والتتبع والاستقراء لجميع الكتاب، ولذا أهل العلم إذا وجد خطأ في كتاب، يعني في العمدة ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ما عليه -من الإثم- لكان عليه أن يقف)) هذه الزيادة لا توجد في الصحيح ((من الإثم)) إلا في رواية الكشمهني وهو ليس من الحفاظ، وانتقده ابن حجر ووقع في ذلك، فذكرها في البلوغ مع أنه انتقد الحافظ عبد الغني، ومع ذلك من يريد أن يحفظ الكتاب، من يريد أن يشرح الكتاب سواء كان شرحاً مسموعاً أو مقروءاً لا يجوز له أن يحذف هذه اللفظة، بل عليه أن يبقيها كما كانت ويعلق عليها، هذا مقتضى الأمانة العلمية، لا يحذف شيئاً من الكتاب، ولا يزيد فيه إلا إذا وجد في بعض الأصول المعتمدة، وسقط من بعضها حينئذٍ يلفق بين الأصلين، أهل العلم يقول: إذا وجدت خطأ لا يحتمل الصواب، إن في آية من القرآن صحح، عدل على ضبط المصحف، وإن كان الخلل في غيرها فتبقيها وترويها كما وجدت وتعلق عليها، كذا في الأصل والصواب كذا؛ لأنه قد يكون عندك أنت خطأ، لكن يبين ويلوح الصواب لغيرك، فإذا جرأت وصححت متى يبين الصواب؟ خلاص صححت كل من يأتي، وكم من كلمة يرجحها كثير من المحققين ويجعلونها في صلب الكتاب، ويعلقون عليها، يقولون: في الأصل كذا وهو خطأ والصواب ما أثبتناه، كثير من هذا، ونجد الصواب العكس، ويمر هذا كثير في الدروس، والله المستعان، فلا يتسرع الطالب في التصرف بكتب أهل العلم.

هذا يقول: مر معنا في درس الأمس اختلاف النسخ عند قول المصنف: وفي الباب عن علي.. إلى أن قال: معاذ بن جبل، وفي نسخة: معاذ بن عفراء، وفي طبعة دار الكتاب العربي للطبعة التي بعناية محمد بن منير

هذه الطبعة المنيرية المطبوعة في مصر هي مأخوذة من الطبعة المنيرية لشرح العمدة لابن دقيق العيد، وفيها أخطاء وأوهام كثيرة، على أن منير يعتني، صاحب عناية، وطبعاته نفيسة، لكن طبعته لهذا الكتاب مفضولة بالنسبة لطبعة الشيخ أحمد شاكر، والشيخ حامد الفقي، وأيضاً النسخة التي عليها حاشية الصنعاني متقنة إلى حد ما، العدة بعناية الشيخ علي الهندي -رحمه الله-.

يقول:

المجلد الأول إلى آخره ذكر في متن العمدة معاذ بن جبل، وفي الشرح ترجم لمعاذ بن عفراء، وترجم لمعاذ بن جبل، وقال في الحاشية: قوله: وأما معاذ بن جبل هكذا في نسخ الشرح، ومعاذ بن جبل ليس من رجال الباب، بل من رجاله معاذ بن عفراء، وهو محلق ببعض نسخ الشرح، ولعله تعرض له لخوف الالتباس فبينه.
كأن الشارح ابن دقيق العيد وقف على نسخة من العمدة فيها معاذ بن عفراء، ونسخة أخرى فيها معاذ بن جبل، فترجم للاثنين، لكن يبقى أن الصواب معاذ بن عفراء وليس معاذ بن جبل، وأما الطبعة المنيرية كما ذكرنا فيها أوهام وأخطاء.