شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 02

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 أهلا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لا زال الشرح في كتاب الصوم من هذا الكتاب، معنا صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبدالله الخضير الذي يسعدنا ويسرنا أن نرحب به مع مطلع هذه الحلقة، فأهلاً بكم أيها الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: كنا توقفنا أحسن الله إليك، في الحديث عن حكم من ترك الصوم، تحدثت في الحلقة الماضية عن أقوال أهل العلم فيمن ترك أركان الإسلام تفصيلاً، ووعدنا المستمع أن نعيد شيئًا منها، ثم نتحدث عن حكم تارك الصيام.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

تقدم في الحلقة السابقة ذكر حكم الصيام، وأنه ركن من أركان الإسلام بالإجماع، وحكم من تركه، أما من جحد وجوبه فإنه يكفر اتفاقًا، وأما من تركه مع الاعتراف بوجوبه عرفنا أن الجمهور على أنه لا يكفر، وإن قيل بكفره كبقية الأركان، سبقت الإشارة إليه. الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- ترجم في صحيحه مما لم يذكره المختصر بترجمة طواها المختصر مع ما تحتها من أحاديث، يقول- رحمه الله-: باب وجوب صوم رمضان وقول الله-تعالى-: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}  [سورة البقرة 183 ] ، وذكر في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث طلحة بن عبيد الله، في قصة الأعرابي من أهل نجد ثائر الرأس الذي جاء إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- يسأله عن الإسلام، وفي الحديث بيان فرض صيام رمضان لا غير إلا أن يطوع، يعني مناسب جدًّا ذكره هنا في كتاب الصوم، لكن المختصر باعتبار الحديث تقدم في كتاب الإيمان، والمختصر لا يكرر الأحاديث، لا يعول عليه، تقدم شرح الحديث مستوفى هناك في كتاب الإيمان.

والحديث الثاني: حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- في صوم عاشوراء، ولم يذكره المختصر اكتفاءً بحديث عائشة، وسيأتي برقم تسعمائة وستة وأربعين من المختصر، وأيضًا اكتفاءً بحديث ابن عباس، وسيأتي بعد حديث عائشة.

 الثالث: مما ذكره الإمام البخاري بالترجمة الأولى حديث عائشة في صوم عاشوراء، وتقدم برقم سبعمائة وثمانية وثمانين في كتاب الحج، وسيأتي برقم تسعمائة وستة وأربعين قبل حديث ابن عباس إن شاء الله تعالى، ويأتي الكلام عليه هناك.

المقدم: تذكر أرقام المختصر يا شيخ أو أرقام الأصل.

نعم أرقام المختصر.

المقدم: قلت وسبق وسيأتي معناها يكرر.

أين؟

المقدم: المختصر.

تقدم، نعم كرره، كرره نادر، سبعمائة وثمانٍ وثمانين.

المقدم: سبعمائة وثمانٍ وثمانين عن عائشة قالت: كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، كان يومًا تستر فيه الكعبة.

تستر فيه الكعبة.

المقدم: فلما فرض الله...

هذا هو الشاهد.

المقدم: نعم.

نعم، قدمه لهذا، وكان يومًا تستر فيه الكعبة، وكرره مرة ثانية تسعمائة وستة وأربعين في صيام يوم عاشوراء.

المقدم: صيام يوم عاشوراء، كان يوم عاشوراء...

وليس فيه ذكر.

المقدم: تستر فيه الكعبة.

ستر الكعبة، فكرره من أجل هذا؛ لهذه الفائدة الزائدة.

المقدم: نعم.

على كل حال صيام رمضان شرع لحكمة عظيمة ومصلحة للمسلم ظاهرة بينة، أشار الله- سبحانه وتعالى- بخاتمة الآية السابقة التي ذكرها الإمام البخاري ختمها بقوله- جلا وعلا-: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فهذه أعظم حكم الصيام، فالصيام خير معين على التقوى؛ لأنه يعد نفس الصائم لتقوى الله-تعالى- بترك شهواته المباحة الميسورة امتثالاً لأمره واحتسابًا لثوابه، فتتربى بذلك إرادته على ملكة ترك الشهوات المحرمة والصبر عنها، فيكون اجتنابها أيسر عليه، وتنشط نفسه على النهوض بالطاعات، ويصبر عليها، والتقوى هي امتثال الأوامر، واجتناب النواهي. وأصلها التوقي مما يكره، من الوقاية، فالمتقي هو الذي يجعل بينه وبين عذاب الله وقاية. وقد سأل عمر بن الخطاب أبي بن كعب عن التقوى، فقال له: أما سلكت طريقًا ذا شوك؟ قال: بلى، قال: فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت، قال: فذلك التقوى. يقول القرطبي: التقوى فيها جماع الخير، وهي وصية الله للأولين والآخرين، وهي خير ما يستفيده الإنسان، خير ما يستفيده الإنسان في هذه الدنيا...

المقدم: التقوى.

التقوى، كما قال أبو الدرداء وقد قيل له: إن أصحابك يقولون الشعر وأنت ما حفظ عنك شيء، قال:

         يريد المرء أن يؤتى مناه                  ويأبى الله إلا مـــا أرادا
         يقول المرء فائدتي ومالي                  وتقوى الله أفضل ما استفادا

 وفي هذا إشارة إلى القصد أو إلى تصحيح القصد بهذه العبادة.

فمن لم يصم بنية صالحة، ويقصد بصيامه التقرب إلى الله- سبحانه وتعالى-؛ فإنه لا ترجى له هذه الملكة التقوى، فليس الصيام في الإسلام من أجل  تعذيب النفس، بل لتربيتها وتزكيتها، وأيضًا الصيام ينمي لدى الصائم ملكة المراقبة، يعني الصيام الذي لا يورث التقوى

المقدم: مجرد إمساك.

هذا مجرد إمساك، يعني لا فرق بينه وبين الحمية، نعم هو عند أهل العلم إذا توافرت شروطه.

المقدم:  مجزئ

مسقط للطلب، لكن هل تترتب عليه آثاره؟ هل يكفر الذنوب؟ ولا تترتب عليه آثاره؛ لأن هذا الصيام الذي لم يحفظ عن المحرمات، ولم يكف صاحبه عنها، ولم يحمله على فعل الطاعات والواجبات هذا الصيام ما تحققت منه أو ما ترتبت عليه الفائدة العظمى وهي التقوى. يقول: وفي هذا إشارة لتصحيح القصد بهذه العبادة

ممن لم يصم بنية صالحة، ويقصد بصيامه التقرب إلى الله سبحانه وتعالى فإنه لا ترجى له هذه الملكة أي التقوى، فليس الصيام في الإسلام من أجل تعذيب النفس، بل لتربيتها وتزكيتها. والصيام أيضًا ينمي لدى الصائم ملكة المراقبة، فهو يمتنع عن ملاذ الدنيا وشهواتها، وما يمنعه من ذلك سوى اطلاع الله عليه، ومراقبته له، فلا جرم أنه يحصل له من تكرار هذه الملاحظة المصاحبة للعمل ملكة المراقبة لله تعالى، والحياء منه سبحانه أن يراه حيث نهاه، وإلا فما الذي يمنع الصائم أن يدخل في مكان يستخفي به عن الناس ويأكل ويشرب، لكن هذه الملكة، ويعرف أن الله- جلا وعلا- مطلع عليه، فمن تكرار هذه العبادة مع الالتزام بعدم المفطرات مع الخلوة لاشك أنها تنمي عنده هذه الملكة، وفي هذه المراقبة من كمال الإيمان بالله تعالى، والاستغراق في تعظيمه، وتقديسه أكبرُ معِدٍّ للنفوس ومؤهل لها لضبط النفس ونزاهتها في الدنيا ولسعادتها في الآخرة.

 المراقبة كما قال ابن القيم - رحمه الله - في مدارج السالكين: دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، وهي ثمرة علم الإنسان بأن الله- سبحانه وتعالى- رقيب عليه ناظر إليه سامع لقوله وهو مطلع على عمله في كل وقت، وكل لحظة، وكل نفس، وكل طرفة عين، والغافل عن هذا بمعزِل. ومن أدلتها قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}  [سورة البقرة 235]،  وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً} [ سورة الأحزاب 52] وقال -جل وعلا-: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [سورة الحديد 4 ]، وقال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [سورة العلق 14]،  وقال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [سورة غافر19] إلى غير ذلك من الآيات.
في حديث جبريل الذي تقدم شرحه في سؤاله عن الدين، سأل النبي- عليه الصلاة والسلام- عن الإحسان فقال له- عليه الصلاة والسلام-: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

والمراقبة كما قال ابن القيم أيضًا: هي التعبد بأسماء الله الحسنى الرقيب والحفيظ والعليم والسميع والبصير، فمن عَقَل هذه الأسماء، وتعبّد بمقتضاها حصلت له المراقبة. يعني التعبد لله-تعالى- بمعاني هذه الأسماء.

المقدم: محقق.

هو معنى الإحصاء الذي ورد في الحديث:

المقدم: من أحصاها دخل الجنة.

«من أحصاها دخل الجنة»،  ما معنى أحصاها؟ عدها وكتبها في ورقة وعددها؟ هذا الإحصاء.

المقدم: عمل بمقتضاها.

يعني لابد من العمل بمقتضاها.

فإذا عمل بمقتضى الرقيب الحفيظ السميع العليم البصير حصلت له هذه المراقبة.
ومن حكم الصيام تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة كالأشر والبطر والبُخل، وتعويدها الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه، من حكمه أنه يعرف العبد نفسه وحاجته وضعفه وفقره لربه، ويذكره بعظيم نعم الله تعالى عليه، ويذكره أيضًا بحاجة إخوانه الفقراء فيوجب له ذلك شكر الله- سبحانه وتعالى-، والاستعانة بنعمه على طاعته، ومواساة إخوانه الفقراء والإحسان إليهم. فإن الإنسان عندما يجوع يتذكر من لا يجد قوتاً فيحمله التذكر على الرأفة والرحمة الداعيتين إلى البذل والصدقة، وقد وصف الله سبحانه وتعالى نبيه- عليه الصلاة والسلام- بأنه : { رَؤُوفٍ رَحِيم} [ سورة التوبة 128]، ويرتضي لعباده المؤمنين ما ارتضاه لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، لذلك أمرهم بالتأسي به، ووصفهم بقوله: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [ سورة الفتح 29]، «وكان عليه الصلاة والسلام أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان»، كما جاء في الحديث الصحيح، وقد تقدم شرحه في بدء الوحي.
من فوائده التذكير بعدل الله سبحانه وتعالى ومساواته بين خلقه، حيث جعل هذا الركن فرضًا على جميع المسلمين غنيهم وفقيرهم ملوكهم وسوقتهم، وبذلك يتذكر الملوك العدل الذي فُرض عليهم إقامته بين رعاياهم. ومنه أنه وجَاء للصائم ووسيلة لطهارته وعفافه، وما ذاك إلا لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضيق تلك المجاري، ويذكر بالله وعظمته، فيضعف سلطان الشهوة، ويقوى سلطان الإيمان، ولذلك وجه النبي -عليه الصلاة والسلام- من لا يجد القدرة على النكاح إلى الصيام فقال عليه الصلاة والسلام : "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .

لكن تجد كثيرًا من الشباب تكثر شكواهم من شدة الشهوة أثناء الصيام، تقوى عندهم الشهوة، لماذا؟ هل هناك خلف في الخبر؟ لا.

المقدم: لا.

إنما المراد بالصوم، الصوم التي تترتب عليه آثاره الشرعية، أما شخص في سحوره يتناول جميع أنواع الأطعمة التي تؤجج هذه الشهوة، وتزيد من هذه الغريزة وتعين عليها، ثم بعد ذلك لا يزاول أي عمل، يقضي على ما أكله، تجده مرتاحًا نائمًا أكثر الوقت، وقد تكدست عنده هذه الأغذية المؤججة للشهوة والمنمية، لا شك أن مثل هذا...

المقدم: أو يتعرض لمواضع الفتن.

أو يتعرض لمواضع الفتن.

المقدم: وهذا أشد؛ لأن بعضهم يكثر مع كل أسف في رمضان، ظهور بعض النساء، والأسواق وكثرتها، وما يعرض في القنوات الفضائية مع كل أسف.

لا إشكال هذا من الأصل، نسأل الله السلامة والعافية، يعرض صومه للبطلان، قد يعرض صومه للبطلان؛ لأن مزاولة منكراتنا للصيام: من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه، لكن مسألة مفترضة في شاب من أوساط الناس.

المقدم: لا يتعرض.

 تسحر سحورًا من أنواع الأغذية، التي في بعضها ما يزيد في الباءة مثلاً، ويؤجج الشهوة، ثم ينام إلى صلاة الظهر مثلاً الآن ...

المقدم: ما في أي حركة.

 ما شيء من طعامه، فما يبقى وقت لأن يحترق هذا الطعام الذي أكله ويهضم، المقصود أن مثل هذه الطريقة لا تترتب آثار الصيام عليها. الصيام صحيح ومجزئ ومسقط للطلب، لكن يبقى أنه لابد من ملاحظة ما لاحظه الشرع من الأمور التي رتبت على هذه العبادة، فعلى الإنسان أن يحرص أن يكون صومه شرعيًّا تترتب آثاره عليه؛ لأن في الحديث الذي يرد ذكره إن شاء الله تعالى فيما بعد، أقول يرد ذكره والتعليق عليه، حديث رمضان إلى رمضان..

المقدم: كفارة

كفارة لما بينهم، إذا اجتنبت الكبائر، يعني المقصود العبادات المكفرة التي تترتب عليها آثارها هي التي تؤدى على وجه مشروع، وفي كلام شيخ الإسلام ما يلمح إلى هذا، الصلاة التي لا ينصرف صاحبها منها بشيء أو لا ينصرف منها إلا بالعشر، هي عند الفقهاء صحيحة ومجزئة ومسقطة للطلب، لكن هل تترتب عليها آثارها؟ هل تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر؟ يعني نجد كثيرًا من المصلين يزاولون بعض المنكرات، وفي الوحي المنزل الذي لا يتطرف إليه أدنى احتمال النقيض، قوله: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [ سورة العنكبوت 45]، وقد يقول قائل: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر بكلام الله -جلا وعلا-، لكن بعض الناس ما نهت صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، لكن نقول: الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تُؤدى على الوجه المطلوب بشرائطها وأركانها وسننها، ويُؤتى بها امتثالاً لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، لكن الذي يصلي وقلبه خارج المسجد قلبه في أعماله، في دنياه، فمثل هذا لا تترتب عليه آثارها، وقل مثل هذا في سائر العبادات؛ رمضان إلى رمضان، العمرة إلى العمرة، تجد مثلاً من يعصي أثناء العبادة، مثل هذا لا تترتب آثارها عليه، ولذا الصوم الحقيقي المورث للتقوى هو الذي يؤدى على ما أمر الله- جلا وعلا- وما أُثر عن النبي- عليه الصلاة والسلام- على الوجه الشرعي المرضي.

 هناك فوائد صحية أيضًا للصيام ، يقول الأطباء: إنه يقضي على المواد الراسبة في البدن لاسيما أبدان المترفين أولي النَهَم في الأكل قليلي العمل، فإنه يطهر البدن من الأخلاط الرديئة، ويذيب الشحوم، أو يحول دون كثرتها في الجوف، وهي شديدة الخطر على القلب، واعترف بذلك الكثير من الأطباء، وعالجوا به كثيرًا من الأمراض. يُروى عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- مرفوعًا: «صوموا تصحوا» هذا الحديث رواه ابن السني وأبو نعيم في الطب، لكنه حديث ضعيف لا يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن كان معناه صحيحًا.

المقدم: هو عند ابن السني يا شيخ؟

نعم، عند ابن السني وعند أبي نعيم في الطب. وكذلك ما يُروى عنه عليه الصلاة والسلام مرفوعًا: «المعدة بيت الداء، والحمية بيت الدواء» لا أصل له من كلامه- عليه الصلاة والسلام-، وإنما هو من قول الحارث بن كلدة طبيب العرب.  طيب الفوائد الصحية حينما تُذكر في مثل هذا الموطن إنما هي فائدة ..

المقدم: للاستئناس.

نعم، للاستئناس.

المقدم: بعض الناس يقدمها بكل أسف.

لا، لا.

المقدم: كما في الصلاة، يقدم الفوائد الطبية في الصلاة وغيرها...

 هو قد يكون الإنسان في مجتمع مثلاً مسترخيًا مؤثرًا لدنياه على آخرته، يريد أن يفعل هذه الأركان، لكن الذي لا يمتثل الأمر الإلهي بقال الله وقال رسوله، مثل هذا تكون عباداته، نعم الداعية مأمور والمعلم والمربي والعالم مأمور بأن يقدم للناس ما يعينه على هذه العبادات، ومنها ما ذكر، لكن تفترض أن شخصًا أمره الأطباء بالحمية فقال: بدل من أن أحتمي أنتظر عشر ساعات أو خمس ساعات بدون أكل، أصوم، فهل يؤجر على هذا الصوم؟ نعم، يؤجر على هذا الصيام؛ لأنه شرك العبادة بالمباح، وإن كان الأجر أقل من أجر من صام، لا ينهزه إلى الصيام، إلا ابتغاء وجه الله- جلا وعلا-، وقل مثل هذا فيمن طاف بالبيت وقد أمره الأطباء ..

 المقدم: المشي.

بالمشي، وقال: بدلاً من أن أجوب الأسواق طولاً وعرضًا أطوف، نقول: نعم أنت مأجور على طوافك؛ لأنك عدلت من الأمر المباح إلى العبادة، كثيرًا ما يسأل الناس هذه الأيام بعد التفاتهم إلى المسائل الصحية ونصائح الأطباء عن السعي، هل فيه أجر أم ما فيه أجر؟

المقدم: هم يسعون يعني.

 يسعون؛ لأنه أحسن من المطاف...

المقدم: طوله والاستمرار في السير.

نعم، هو خط مستقيم، وفي الغالب ما يوجد شيء يعوقه، وهذا هو المشي الذي ينفع عند الأطباء، فنقول: السعي إذا لم يكن فيه نسك لا أجر له، لا أجر مرتب بخلاف الطواف، على الإنسان أن يحتسب الأجر من الله- جلا وعلا-، ويقصد بعمله وجه الله، وما يأتي ذلك تبعًا للعبادة، لا شك أنه لا يؤثر في أصل المقصد، وإن أثر في تقليل الأجر بالنسبة لمن يفعل العبادة لا ينهزه إليها إلا ابتغاء وجه الله.

المقدم: أحسن الله إليك، إذًا نحن الآن نقول بأن البخاري- رحمه الله- عقَد الباب الأول في باب حكم الصيام.

 نعم.

المقدم: وهذا أسقطه المختصر ولم يأت به، وهذا ديدن كثير من المحدثين يرتبون هذه الأبواب خصوصًا في أول الكتاب على مثل هذا: باب الحكم، ثم باب الفضل، ثم يسوق بقية الأحاديث.

بلا شك، نعم، لكن المختصرين همهم تقليل الحجم، وتقليل العدة بقدر الإمكان، عدة الأحاديث، وتصغير الحجم من أجل أن يُحفظ، وذلك من أجل أيش؟

المقدم: أن يحفظ.

 من أجل أن يحفظ، وبعض الناس لا سيما الذي لم يتذوق علم الحديث، بمتونه، بتكراره، باختلاف ألفاظه، بأسانيده، بصيغ الأداء، بعض الناس إذا وقف في حديث مكرر عشر مرات مثلاً في البخاري على اختلاف صيغة الأداء عن فلان، أن فلانًا قال، سمعت فلانًا، هذا مكسب عظيم.

قد يطرب لهذا الكنز الذي حصل عليه، وبعض الناس لو تقول له: حدثت وسمعت، مشكلة، يعني ما تؤثر فيه، فهو يريد الخلاصة، والخلاصة الغاية كلام النبي- عليه الصلاة والسلام-، فمثل هذه المختصرات تقدم لمثل هؤلاء، وأما الأصل فلا يمكن أن يستغني عنه طالب علم.

 

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات بهذه نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لازلنا في كتاب الصوم من هذا الكتاب، سوف نستكمل بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، لنبدأ في شرح الأحاديث بدءًا بباب فضل الصوم؛ لتذكير الأخوة والأخوات لمتابعتنا بإذن الله تعالى ابتداءً من الحلقة القادمة، شكرًا لفضيلة الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، شكرًا لكم أنتم على طيب المتابعة، نلقاكم في الحلقة القادمة بإذن الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.