الشمائل النبوية (30)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم الشمائل النبوية مع بداية حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين قسم السنة وعلومها بالرياض فأهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

قال الترمذي رحمه الله في كتابه شمائل النبي -صلى الله عليه وسلم- في باب ما جاء في خُلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن ثابت عن أنس بن مالك قال خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين ما قال لي أفٍّ قط وما قال لي إن صنعتُه لم صنعتَه ولا لشيء تركته لم تركته وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحسن الناس خلُقًا ولا مسست خزًا ولا حريرًا.

مسِست مسِست.

ولا مسِست خزًا ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين من كف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا شممت مسكًا قط ولا عطرًا كان أطيب من عرق النبي -صلى الله عليه وسلم-.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، حديث أنس في خدمته للنبي -عليه الصلاة والسلام- وبيان بعض خلقه -عليه الصلاة والسلام- مخرج في البخاري ومسلم فهو متفق عليه وقول أنس رضي الله عنه "خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين" كذا في معظم الروايات، عشر سنين يعني مدة مقامه بالمدينة، وتقدم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقام بالمدينة عشر سنين، ووقع عند مسلم من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس "والله لقد خدمته تسع سنين" ولا مغايرة بينهما لأن ابتداء خدمته له كان بعد قدومه -صلى الله عليه وسلم- المدينة وبعد تزويج أمه أم سليم بأبي طلحة، وفي كتاب الوصايا من البخاري عن أنس قال قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وليس له خادِم فأخذ أبو طلحة بيدي الحديث، وفيه: أن أنسًا غلام كيِّس فليخدمك قال فخدمته في السفر والحضر، وإنما تزوجت أم سليم بأبي طلحة بعد قدوم النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدة أشهر فعلى هذا تكون مدة خدمة أنس تسع سنين وأشهرًا، فألغى الكسر مرة وجبره أخرى، قال تسع ألغى الكسر ومرة قال عشر فجبر الكسر وقوله "فما قال لي أف" قال الراغب أصل الأف كل مستقذر من وسخ كقلامة الظفر وما وما يجري مجراها ويقال ذلك لكل مستخف به، ويقال أيضًا عند تكرّه الشيء يتأفف منه الإنسان، وعند  التضجر من الشيء ولذا جاءالنهي عن قوله للوالدين.

؛لأن الابن قد يتضجر من بعض ما يصدر من أبويه أو من أحدهم فيقول مثل هذا، فيقال عند التضجر من الشيء، واستعملوا منها الفعل كأففت بفلان أو تأففت بفلان وفي أف عدة لغات الحركات الثلاث بغير تنوين وبالتنوين ووقع في رواية مسلم هنا أفًّا بالنصب والتنوين وهي موافِقة لبعض القراءات الشاذة ولا تقل لهما أفًّا قراءة شاذة وهذا كله مع ضم الهمزة والتشديد وذكر أبو الحسن الرمّاني فيها لغات كثيرة بلغت عنده تسعًا وثلاثين لغة في حرفين، يعني إذا فككنا الإدغام صارت ثلاث حروف، وتبلغ اللغاة فيها تسعا وثلاثين لغة، ونقلها ابن عطية وزاد واحدة فأكملها أربعين، وقد سردها أبو حيّان في البحر واعتمد على ضبط القلم.

ما نقل يا شيخ؟

كيف؟

نقل ضبط القلم؟

لم أرجع إلى تفسير أبي حيان لكن ينقل، لكن يكون عرضة لأخطاء النساخ ولذلك كان المتقدمون يضبطون بالكلام والعبارة.

نعم يضبطون بالحروف: بضم كذا بفتح كذا بالمعجمة بالمهملة بالنظير بالضد يعتنون بالضبط ويهتمون به أما الضبط بالقلم فلم يعتمده المتقدمون وهو أسهل وأيسر لكن لا يضبط، قد يقطِّعون الكلمة إذا أرادوا ضبطها حرفًا حرفًا، ورأيت في بعض المخطوطات (الهجيمي) جاء الناس في الحاشية كتب هاء مفردة، جيم، ياء، ميم، ياء، قطعها حرفًا حرفًا لئلا تلتبس؛ لأنه إذا التبس الحرف معه غيره لم يلتبس الحرف إذا أُفرد، ولهم عناية في هذا ولا شك أن الضبط يقي من التصحيف وقوله "وما قال لي لشيء صنعته لم صنعته" بفتح الهمزة والتشديد بمعنى هلّا، وفي رواية لمسلم لشيء مما يصنعه الخادم ألا ألّا صنعته بمعنى هلّا، وفي رواية في صحيح  البخاري وليست هي اللي عند الترمذي لم صنعته، وفي رواية مسلم لشيء مما يصنعه الخادم ويستفاد من هذا ترك العتاب على ما فات لماذا؟ لأن هناك مندوحة عنه باستئناف الأمر به إذا احتيج إليه لم صنعته.

يعني الاستئناف يقول له  اعمل من جديد.

يعني لم تصنعه يأمره من جديد لكن هل هذا يحتمله عموم الناس اليوم؟!

لا يطيق كل الناس هذا.

هل يحتمل عموم الناس هذا؟!

أبدًا.

نعم وفائدة ذلك تنزيه اللسان عن الزجر والذم واستئلاف خاطر الخادم بترك معاتبته وكل ذلك في الأمور التي تتعلق بحظ الإنسان من أمور الدنيا، فمثل هذا التصرف إنما يحسن في الأمور التي تتعلق بحظوظ الدنيا؛ لأن أمور الدنيا مدركة إذا فاتت، لكن الأمور اللازمة شرعًا ليست كذلك  لماذا لم تصلِّ؟ يقال بدل أن يصلي الآن يصلي فيما بعد؟!

لا، و ما جاء في رواية (مما يصنعه الخادم) يمكن أن يبين هذا المراد؟

نعم  وأما الأمور اللازمة شرعًا فلا يتسامح فيها؛ لأنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما غضب لشيء إلا أن تنتهك حرمات الله "ولا لشيء تركتُه لم تركته" كسابقه "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحسن الناس خلقًا" الشراح يقولون (من) هذه ليست للتبعيض.

(من) يقول بعضهم ينبغي أن تُحذف ولعلها من بعض الرواة النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإجماع "أحسن الناس خلقًا" وأكمل الناس خلقًا لماذا؟ لأنه خلقه القرآن كما قالت عائشة، ولا أكمل من القرآن وما جاء في القرآن فهو -صلى الله عليه وسلم- ترجمة عملية لما جاء في القرآن "ولا مسِست" بكسر المهملة الأولى على الأفصح وكذا "شمِمت" بكسر الميم الأولى وفتحُها لغة مسَست وشممت حكاها الفراء ويقال في مضارعه أشمه وأمسه بفتح الميم فيهما على الأفصح وبالضم على اللغة المذكورة "خزًا" الخز ثياب تعمل من حرير أو إبريسًا "ولا حريرًا"  الحرير المعروف المحرم على الذكور الحل للإناث "ولا شيئًا" من عطف العام على الخاص "كان ألين من كف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا شمِمت مسكًا قط ولا عطرًا" أي جميع أنواع الطيب "كان أطيب من عرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"وفي ذلك أنه -عليه الصلاة والسلام- كان على أكمل الصفات خَلقًا وخُلُقا، يقول ابن حجر: وفي ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- كان على أكمل الصفات خلْقًا وخلُقًا فهو كل الكمال وجله الجلال وجملة الجمال عليه أفضل الصلاة والسلام ومراده بذلك الكمال البشري، فلا شك أنه -عليه الصلاة والسلام- أكمل الخلق وأشرف الخلق وسيد ولد آدم بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه.

أحسن الله إليك عندما نتحدث الحقيقة عن مثل هذا الحديث نحن بحاجة إلى أن نركز عليه وأن يشيع بين الناس لما نلحظه ونشاهده من ضعف في التطبيق عند بعض الناس هداهم الله في التعامل مع الآخرين هنا الحديث انصبّ بالذات على الخدم، والعمّال في بلدان المسلمين ينتابهم شيء من الظلم الذي ظهر جليًا في أوساطهم مع الأسف الشديد بسبب تعامل بعض من يسمون في الأوطان العربي بالكفلاء لعل في هذا الحديث أيضًا توجيه لهم أن يتقوا الله في هؤلاء.

 الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما قلنا في البداية هو الأسوة وهو القدوة { لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن } الأحزاب: ٢١.

{ كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ } الأحزاب: ٢١.

نعم { لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ } الأحزاب: ٢١ من الذي لا يرجو الله واليوم الآخر؟! إن كنت ترجو الله واليوم الآخر فاقتدي به وائتسي به -عليه الصلاة والسلام- في جميع أفعاله وأقواله، فيما يفعل وفيما يذر -عليه الصلاة والسلام- .

في حديث أبي ذر في لما عيّر الرجل بأمه.قال له النبي -عليه الصلاة والسلام- :

«إنك امرؤ فيك جاهلية».

وكان رضي الله عنه يكسو الخادم الرقيق مثل ما يكتسي، ويطعمه مما يطعم، عليه حلة مثل الحلة التي على سيده بسبب هذا، ولا شك أن أوضاع المسلمين وأحوالهم انتابها شيء من الاختلاف بسبب بعدهم أو بعد الكثير منهم عن تعاليم هذا الشرع هذا الدين الحنيف الذي هو أكمل الأديان وأرحم الأديان وأعدل الأديان، لم يضيع من حق السيد شيئا، وكذلك لم يهمل ولم يترك شيئًا من حقوق من تحت اليد من خادم وزوجة وولد وصغير وكبير، نسأل الله جل وعلا أن يعيد لهذه الأمة مجدها بردها إلى حظيرة دينها إنه جواد كريم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

شكر الله لكم فضيلة الدكتور ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير كما نسأله سبحانه وتعالى أن يبارك فيما قيل في هذا البرنامج وأن ينفع به وأن يجزي ضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير خير الجزاء على ما قدم شكرًا لكم أنتم مستمعي الكرام على طيب متابعتكم نلقاكم في مناسبات قادمة بإذن الله سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

"