شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (111)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين قسم السنة وعلومها، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا أحسن الله إليكم في كتاب العلم من هذا الكتاب، كتاب "التجريد"، وكنا في حديث ابن عمر-رضي الله عنهما- وهو المعروف بحديث النخلة الذي سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن هذه الشجرة، أسلفنا في الحلقة الماضية الحديث عن جزء من معاني هذا الحديث، لعلكم تستكملون ما تبقى، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، مضى الحديث في بعض مفردات الحديث، ومنها قوله في الحديث: «وأنها مِثل المسلم» أو مَثل المسلم، في رواية أبي ذر بكسر الميم وإسكان المثلثة مِثْل، وفي رواية الأصيلي وكريمة بفتحهما، وهما بمعنى، المِثل والمَثل بمعنى واحد.

يقول الجوهري: مِثله ومَثله كلمة تسوية كما يقال: شِبهه وشَبهه بمعنى، قال: والمثل بالتحريك أيضًا ما يضرب من الأمثال، انتهى كلام الجوهري.

 يقول الكرماني: يقول العلماء: وجه الشبه بين النخلة والمسلم في كثرة خيرها ودوام ظلها، وطيب ثمرها ووجوده على الدوام؛ فإنه من حيث يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، ويتخذ منه منافع كثيرة من خشبها وورقها وأغصانها فتستعمل جذوعًا وحطبًا ومخاصر، وحُصرًا وحبالًا وأواني وغير ذلك، ثم آخر شيء منها نواها، فينتفع به علفًا للإبل، النوى في بعض البلدان يشترى به، يستبدل ببعض الحاجيات، النوى نوى التمر يستبدل به بعض الحاجيات كقيم الأشياء، وهذا من عظم هذه الشجرة، ولذا لما حصلت المناظرة بين شامي وعراقي في تفضيل التمر على الزيتون أو العكس طال الكلام بينهما، فقال العراقي في نهاية المناظرة حسمًا لها قال: نحن نشتري الزيتون بنوى التمر.

المقدم: التمر أغلى.

نعم بنوى التمر، ما يلقيه الإنسان، هذا آخر شيء منها، هذا آخر شيء من التمر، النوى ينتفع به علفًا للإبل، ثم جمال نباتها وحسن هيئة ثمرها، فهي منافع كلها، وخير وجمال، كما أن المؤمن خيرٌ كله من كثرة طاعاته، ومكارم أخلاقه، فيواظب على صلاته وصيامه وقراءته وذكره والصدقة والصلة، وسائر الطاعات وغير ذلك، وهو دائم كما تدوم أوراق النخلة فيها، فهذا هو الصحيح في وجه التشبيه، هذا هو الصحيح في وجه الشبه، وقيل: وجه التشبيه أنه إذا قُطع رأسها ماتت بخلاف باقي الشجر يعني مِثل الإنسان المسلم أم مثل الآدمي؟ أو مثل الحيوان عمومًا.

المقدم: نعم عموم الحيوان.

نعم ما يُخص بذلك المسلم، وقيل: لأنها لا تحمل حتى تلقّح، ولأنها تموت إذا غرقت أو فسد ما هو كالقلب لها، أو لأن لطلعها رائحة ماء الرجل، أو لأنها تعشق كما يعشق الإنسان، لكن كل هذه الأوجه ضعيفة، لماذا؟ لأنها لو لم يكن فيها إلا أن وجوه الشبه بين النخلة وبين الإنسان في هذه الأشياء فلا تختص بالمسلم.

المقدم: صحيح، لكن يا شيخ.

والتشبيه إنما وقع بالمسلم.

المقدم: لكن لماذا لا يقتصر على ما ورد في النص، وهو أنه لا يسقط ورقها، يعني هذا هو، يعني لماذا لا يقال: إن وجه الشبه أن هذه الشجرة لا يسقط ورقها، فبالتالي لا يتحول إلى غيرها أنها تموت مع الماء، أنه إذا قُطع قلبها، لماذا؟

هي مثل المسلم، الآن ما جاء في الحديث في أصل السؤال في اللغز يُسأل عن هذه الشجرة التي هذه أوصافها، بغض النظر عن هذه الأمور هل هي وجه شبه أو ليست وجه شبه.

المقدم: يعني ما يُفهم من هذا أنه تخصيص.

لا، ما يفهم إلا على القول الأول الذي هو الصحيح، فهي منافع، أسلفنا قول الكرماني، وهو قال: منافع كثرة من خشبها وورقها وأغصانها جذوع وحطب ومخاصر إلى آخره، كما أن المؤمن خير كله من كثرة طاعاته ومكارم الأخلاق، هذا هو وجه الشبه الصحيح، لكن الملغز إذا أراد أن يأتي بلغز.

المقدم: يأتي بجزء يفهم منه.

لابد أن يأتي بشيء يفهم بعض الناس المراد، وسيأتي مزيد إيضاح لهذا. بعضهم قال: لأنها خلقت من بقية طينة آدم، فهي كالعمة لبني آدم، جاء في خبر الموضع: «أكرموا عمتكم النخلة»، لكن هذا لا قيمة له ولا التفات إليه.

 «فحدثوني» فعل أمر أي إن عرفتموها فحدثوني، فعل أمر فحدثوني، ونقدِّر معه شرطًا إن عرفتموها فحدثوني، لماذا؟ من أجل الفاء، وفي الرواية الثاني: حدثوني بدون فاء، قال الكرماني: فإن قلت: ما الفرق بينهما؟ قلت: الأصل عدم الفاء.

المقدم: الرواية الثانية في هذا الموضع أم في موضع آخر؟

لا، في هذا الموضع من الأصل؛ لأن الحديث عند المؤلف جاء به...

المقدم: في الموضع الأول.

والثاني أيضًا.

المقدم: نعم، لكن نحن أشرنا في الحلقة الماضية -أحسن الله إليك- إلى أن الفاء هذه موجودة في الموضع الأول في الباب السابق.

المقصود أنها موجودة في نفس كتاب العلم، نعم في الحديثين المتواليين، رقم: 61 و62 من الأصل، فإن قلت: ما الفرق بينهما؟ يعني هل الأولى أن يؤتى بالفاء أو لا يؤتى بها؟ يقول الكرماني: الأصل عدم الفاء؛ إذ لا جهة جامعة بين الجملتين تقتضي العطف، لا جهة جامعة بين الجملتين تقتضي العطف، يقول: وأما الأول بالفاء يعني في «فحدثوني» فهي فاء وقعت جوابًا لشرط محذوف تقديره إن عرفتموها فحدثوني، ومثله كثير، لكن إذا حذفت تكون على الأصل، وإذا وجدت، والفاء الواقعة في شرط مقدر يسمونها ماذا؟ الفصيحة، «ما هي»؟ جملة من مبتدأ وخبر سدت مسد مفعولي التحديث يقول: «فوقع الناس في شجر البوادي» أي جعل كلًّا منها يفسرها بنوع من الأنواع، وذهلوا عن النخلة، ذهلوا عن النخلة يقال: وقع الطائر على الشجرة إذا نزل عليها، ذهلوا عن النخلة، يعني المجلس يجمع عددًا من الصحابة، وهم من أذكى الناس ومن ألمعهم ومن أسرعهم بديهة، الناس ذهلوا، مع أن هناك ما يوحي بها.

المقدم: وهي في بيئتهم أيضًا.

في بيئتهم نعم، في المدينة، قد يقول قائل: هل هم من الغباء إلى هذا الحد؟! يأكل جُمارًا، وشجرة لا يسقط ورقها ولا ولا إلى آخره، نقول: حضرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهيبة النبي-عليه الصلاة والسلام- تجعلهم يقع منهم مثل هذا الذهول، حتى إنه سألهم عن اسم اليوم.

المقدم: الله ورسوله أعلم.

سألهم عن اسم الشهر، الله ورسوله أعلم، سألهم عن المكان.

المقدم: أشياء معروفة.

نعم، فهيبته-عليه الصلاة والسلام- تجعلهم يذهلون.

المقدم: حتى إن بعضهم لا يرد عليه في الصلاة.

نعم.

المقدم: يعني لما صلى ركعتين كل هذا من الهيبة.

بلا شك، ولما ارتج عليه خلف أبي.

سائل: هل يكون ذهولًا أم يكون عدم يعني هم يعرفون لكنهم يستحيون أن يتكلموا، يعني ما ودهم أن يتكلموا.

لا لا ما عرف إلا ابن عمر.

الأخ الحاضر: لا، أقصد في مثال الحج لما سألهم على اليوم.

لا نقول: ذهول، لكن هيبة له -عليه الصلاة والسلام-، وإلا فبإمكان أي شخص أن يسأل أي من هذا يُجاب بسرعة، كل الناس تعرف اليوم.

 يقول: فوقع الناس في شجر البوادي، فجعل كل منهم يفسرها بنوع من الأنواع، وذهلوا عن النخلة. يقال: وقع الطائر على الشجرة إذا نزل عليها، قال عبد الله هو ابن عمر راوي الحديث: «ووقع في نفسي أنها النخلة» . بالرفع خبر أن، وأن بفتح الهمزة؛ لأن فاعل وقع يعني مُأولة على ما دخلت عليه فاعل، وهذا من مواضع فتح الهمزة، وبيَّن أبو عوانة في صحيحه من طريق مجاهد عن ابن عمر وجه ذلك قال: «فظننت أنها النخلة من أجل الجمار الذي أتى به». استدل على هذا ذلك بالجمار.

المقدم: أتى به الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟

أتي إليه به فيأكل ويسأل -عليه الصلاة والسلام-، كما سيأتي في طرق الحديث.

 يقول ابن حجر: وفيه إشارة إلى أن الملغز له ينبغي له أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال الملغز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال، الملغز ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال، وأن الملغز ينبغي له أن لا يبالغ في التعمية، ألا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغز له بابًا يدخل منه، بل كلما قربه كان أوقع في نفس سامعه على أن لا يكون اللغز مكشوفًا ظاهرًا لكل أحد، تنتفي الفائدة منه، الفقهاء كثيرًا ما يقولون: هذه المسألة يعايا بها، ويقصدون من ذلك أنهم يلغزون، هناك ألغاز فقهية وهناك ألغاز نحوية مدونة في مؤلفاتهم، يقول ابن عمر: فاستحييت. بياء واحدة أو ياءين؟ نعم بياءين، يجوز أن تكون بياء واحدة فاستحيت على لغة؟ بيائين على لغة قريش {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي}[البقرة:26] بياءين، ولغة تميم بياء واحدة، البخاري -رحمه الله- خرج حديث «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت»، والترجمة في كتاب الأدب باب إذا لم تستح بدون ياء «فاصنع ما شئت» والحديث إذا لم تستحي.

المقدم: بلغة قريش.

على لغة قريش حذف ياء وبقيت ياء، والترجمة على لغة تميم، في رواية مجاهد بعد عشرة أحاديث من الأصل في باب الفهم في العلم: «فإذا أنا أصغر القوم فسكت». وللمصنف في الأطعمة: «فإذا أنا عاشر عشرة، أنا أحدثهم»، وفي رواية نافع: «ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم، فلما قمنا قلت لعمر: يا أبتاه!» وفي رواية قال عبد الله: «فحدثت أبي بما وقع في نفسي فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا»، زاد ابن حبان في صحيحه: «حُمر النعم»، ثم قالوا -يعني الصحابة رضوان الله عليهم-: «حدثنا ما هي يا رسول الله. قال -عليه الصلاة والسلام- مجيبًا لهم: هي النخلة».

في الحديث من الفوائد فوائد كثيرة جدًّا، لكن نقتصر منها على ما يتيسر.

منها: امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى مع بيانه لهم إن لم يفهموه. امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى مع بيانه لهم إن لم يفهموه، لا تبقى المسألة معلقة، العالم يلقى في السؤال فإن أجابه بعضهم بها ونعمة وهذا المطلوب وإلا.

المقدم: أجاب هو.

أجاب هو، وأما ما جاء من نهي عن الأغلوطات التي هي صعاب المسائل، قد يُسأل الشيخ عن مسألة، ويحدد مستويات الطلاب، يسأل زيدًا مسألة سهلة، ويسأل عمرًا مسألة متوسطة، ويسأل بكرًا مسألة صعبة بناءً على اختلاف مستوياتهم، فلو سأل بكرًا سؤالًا سهلًا وهو قد تميز بالفهم والنباهة ما صار له وقع، والعكس، فالعالم يمتحن الطلاب، ويمتحن كل شخص بما يناسبه إن أجاب فهذا هو المطلوب، وإن لم يجب بينه العالم، أما ما جاء من نهي عن الأغلوطات التي هي صعاب المسائل، يعني الذي يعرف السائل أنه لن يستطيع أحد جوابها، مثل هذه جاء النهي عنها، لاسيما إذا كانت مما لا نفع فيه، أو ما خرج على سبيل التعنت، أو تعجيز المسؤول، أو إظهار السائل نفسه بمظهر العالم المتعالم المتعالي، كل هذا يمنع منه، وعليه ينصب النهي، وفي الحديث التحريض على الفهم في العلم، يعني على طالب العلم ومن هو بصدد تحصيل العلم وإدراكه أن ينتبه ليفهم، وإذا لم ينتبه ما فهم، إذا لم ينتبه لما يلقى إليه ولديه الأرضية والاستعداد..

المقدم: لن يفهم.

ما فيه فائدة ضيع، فعليه أولًا أن يبذل الأسباب التي تعينه على الفهم من مراجعة الشروح والحواشي ثم بعد ذلك إذا حضر عند الشيخ ينتبه؛ لكي يفهم، ثم بعد ذلك إذا انتهى من الدرس يذاكر مع أقرانه، ينتقي من زملائه من يصلح لهذه المهمة، يذاكره بما سمع من الشيخ. قالوا: وفيه التحريض على الفهم في العلم، وقد ترجم الإمام البخاري على الحديث كما سيأتي في قوله: باب الفهم في العلم. ولا شك أن الفهم موهبة من الله- جل وعلا-، لكن مع كونه موهبة فهذه الموهبة إن لم تُنمَ تندثر، فهذه الموهبة إذا وُجدت فلا بد أن تُستغل، إذا لم توجد يحرص الإنسان بقدر الإمكان بقدر ما أوتي وما لديه من استعداد على أن يفهم إن فهم وإلا فلن يحرم أجر سلوك الطريق والحضور، والمجلس الذي تحفه الملائكة.

 وفيه: استحباب الحياء ما لم يؤدِ إلى تفويت مصلحة «الحياء خيرٌ كله» الحياء لا يأتي إلا بخير، لكن ابن عمر قال هنا: «استحييت» فهل هذا من الحياء الذي لا يأتي إلا بالخير؛ إذ قالوا فيه استحباب الحياء ما لم يؤدِ إلى تفويت المصلحة، الحياء الذي يؤدي إلى تفويت المصلحة لا يمكن أن يسمى حياءً.

المقدم: يعني المقصود الحياء الذي يمنعه من طلب العلم، الحياء الذي يمنعه من أداء الطاعات والعبادات، لكن هذا حياء يا شيخ يظهر -والله أعلم- أنه استحيا من حضور أكابر الصحابة بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.

يعني بتأويل.

المقدم: نعم.

يعني بتأويل، يعني يشفع له التأويل، وإلا ما يمنعه من تعلم العلم أو مثل هذا الجواب وتفويت هذه المصلحة، أو يمنعه من أمر بمعروف ونهي عن منكر، كل هذا لا يسمى حياءً كما تقدم؛ ولهذا تمنى عمر -رضي الله عنه- أن يكون ابنه لم يسكت، كيف يتمنى عمر أن ابنه لم يستحيِ؟!

المقدم: يعني شعور الأب قهو يتمنى أن يبرز ابنه أمام الصحابة.

نعم، لكن هل الأولى أن يستحيي في مثل هذا المقام أو لا يستحيي؟

المقدم: هو لا شك الأولى أن لا يستحيي.

نعم، ولذلك تمنى عمر -رضي الله عنه- أن يكون ابنه لم يسكت، فدل على أن الجواب أفضل من السكوت، وشفيعه في هذا الحياء إن صحت تسميته حياءً، وسيأتينا في ترجمة عند الإمام: باب لا يتعلم العلم مستحيٍ ولا مستكبر. وهذا سيأتي.

 وفيه: دليل على بركة النخلة، وما تثمره كله مبارك. وفيه: دليل على جواز بيع الجُمَّار، وترجم الإمام البخاري-رحمه الله- على ذلك كما سيأتي في تراجمه. فيه دليل على جواز بيع الجمار من أين أُخذ؟ ليس فيه تنصيص على جواز البيع، وإنما أُخذ جواز بيعه من أكله؛ لأنه عين منتفع بها، عين ينتفع بها فيجوز بيعها؛ لأن ما جاز أكله جاز بيعه، ولذا بوب عليه المؤلف في البيوع هناك باب جواز بيع الجمار، سيأتي هذا، تعقبه ابن بطال لكونه من المجمع عليه، يعني كونه من المجمع عليه ما يحتاج أن يترجم له، ابن بطال تعقب المؤلف -رحمه الله تعالى- في ترجمته هذه بكون جواز البيع مجمع عليه، كأنه يقول: إذا كان مجمعًا عليه فما يحتاج الترجمة، لماذا تذكر حكمًا شرعيًّا والأمة مجمعة عليه؟ وأجيب بأن ذلك لا يمنع من التنبيه عليه، كونه مجمعًا عليه لا يمنع من التنبيه عليه، وإلا لاضطررنا أن نحذف كثيرًا من المسائل المتفق عليها من كتب أهل العلم، وقد يرد شبهة عند بعض الناس كما سيأتي، وأجيب بأن ذلك لا يمنع من التنبيه عليه؛ لأنه أورده عقب حديث النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها، حتى يبدو صلاحها، فكأنه يقول: لعل متخيلًا يتخيل أن هذا من ذلك، وليس كذلك، بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها.

 وفيه: دليل على جواز تجمير النخل، ما معنى تجمير النخل؟ قطع الجمار منها، وقد بوب عليه البخاري-رحمه الله- في الأطعمة. قد يقول قائل مثل ما قال ابن بطال: ما الداعي إلى مثل هذه الترجمة؟ لئلا يظن أن ذلك من باب إضاعة المال.

المقدم: لأن قطع الجمّار يؤثر في النخلة يا شيخ؟

يعني على ثمرتها؟

المقدم: نعم.

يمكن أن يؤثر في وقت من الأوقات، لكنه يُقطع ويؤكل.

المقدم: طيب كيف يكون إضاعة للمال؟ قطع الجمار لئلا يعتقد أن فيه إضاعة للمال.  

يمكن أن يتصور أحد مثل هذا، مثل ما تصوره في المسألة السابقة.  

الأخ الحاضر: أحسن الله إليكم، ما يقصد النخلة كمية النخلة عند قطع الجمار.

المقدم: لأنها يعتقد.

كلها إذًا قُطع استأصل، لكن إذا قطع واستفيد منه أكل.

المقدم: لكن قطع الجمار هذا الذي يفهم منه أن قطع الجمار يميت النخلة.

لكن إذا استأصل هذا، لكن قطع منه شيء يسير وأُكل، يضر؟

المقدم: لأن ترجمته في هذا الباب؛ لئلا يظن أن هذا من باب إضاعة المال، يمكن أن يُفهم منه أن قطع الجمار يميت النخلة.

الأخ الحاضر: الجمار هو قلب النخلة، هي عضدة النخلة، الجمار القلب.

لكن لو قُطع منه شيء، وبقي أصله؟

المقدم: يعني إذا قطع منه يسير.

هو مستعمل عند الفلاحين يقطعونه ويأكلونه.

المقدم: يأكلون جزءً يسيرًا منه.

الأخ الحاضر: النخل ما يتعرضون للكبار، النخل إذا أرادوا أن يأكلوه يأخذون واحدة فتموت.

يعني لو قطع منه شيء يسير.

الأخ الحاضر: أعرف -أحسن الله إليكم- أنه إذا تُعرض إلى قلبها فتموت.

إن كان الأمر ذلك فهو إضاعة للمال، إماتة نخلة من أجل قطعة جمار؟! كيف؟

الأخ الحاضر: ما أُكلت.

المقدم: النخلة هي مصدر.

تبقى النخلة، النخلة هي الأصل. يقول: فيه دليل على جواز تجمير النخل، وقد بوب عليه في الأطعمة؛ لئلا يظن أن ذلك من باب إضاعة المال، وأورده المصنف لا شك أن ما أثرتموه له وجه؛ لأن الشيء ما يعد من إضاعة المال إذا كانت تعيش بدونه، وأورده المصنف في تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً}[إبراهيم:24]، إشارة منه إلى أن المراد بالشجرة النخلة، يعني {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ}[إبراهيم:24]، قال القرطبي: فوقع التشبيه بينهما من جهة أن أصل دين المسلم ثابت، وأن ما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأرواح مستطاب، يعني كما أن ما يصدر عن النخلة من ثمرة قوتٌ للأبدان، يقول القرطبي: فوقع التشبيه بينهما من جهة أن أصل دين المسلم ثابت، وأن ما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأرواح مستطاب، وأنه لا يزال مستورًا بدينه، وأنه ينتفع بكل ما يصدر عنه حيًّا وميتًا. انتهى كلام القرطبي.

المقدم: أحسن الله إليكم، لعلنا نستكمل بإذن الله ما تبقى من ألفاظ ومعانٍ، وأيضًا ما يستفاد من هذا الحديث بإذن الله في حلقة قادمة. مستمعي الكرام بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، شكرًا لطيب متابعتكم، نستكمل بإذن الله في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.