كتاب الإيمان (01)

فتاوى شيخ الإسلام الله يحفظك رقم سبعة.

طالب:...

هناك التي قبلها، نعم هذا.

طالب:...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.

 قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: بسم الله الرحمن الرحيم: كتاب الإيمان. باب الإيمان: وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمس»، وهو قول وفعل ويزيد وينقص، قال الله تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}[الفتح:4]، {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}[الكهف:13]، {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}[مريم:76]، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}[محمد:17]، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}[المدثر:31]، وقوله: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا}[التوبة:124]، وقوله- جلّ ذكره-:  {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}[آل عمران:173]، وقوله تعالى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[الأحزاب:22].

 والحب في الله والبغض في الله من الإيمان، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عديٍ: إن للإيمان فرائض وشرائع، وحدودًا وسننًا، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن نعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص. وقال إبراهيم: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[البقرة:260]، وقال معاذ: اجلس بنا نؤمن ساعة. وقال ابن مسعود: اليقين الإيمان كله. وقال ابن عمر: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر، وقال مجاهد: شرع لكم أوصيناك يا محمد وإياه دينًا واحدًا، وقال ابن عباس: شرعةً ومنهاجًا سبيلاً وسنة".

ما بعده اقرأ.

"باب دعاؤكم إيمانكم".

الاختلاف في لفظ باب هل هي موجودة أو غير موجودة. أنكرها كثيرٌ منهم، ولا توجد في كثير من الروايات المعتمدة، لا توجد لفظ باب، لكنها موجودة في رواية أبي ذر فأثبتوها.

"حدثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان»".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد، فأشرنا سابقًا إلى أن الطريقة في الشرح المطوّلة التي تناولنا فيها بدء الوحي لو استمررنا عليها لاحتجنا إلى... بل استحال أن ينتهي الكتاب بهذه الطريقة، فإذا كان بدء الوحي سبعة أحاديث، كم استغرق شرحه؟

طالب:...

كم؟

طالب:...

سنتين وأربعة أشهر. فماذا عن كتاب الإيمان؟ وهو أكثر مطالب، كتاب العلم، العبادات، المعاملات، بقية أبواب الدين، يعني ما شرحناه هو في حقيقته لا يمكن نسبته إلى ما بقي، نعم في شرحنا لسبعة أحاديث كأننا شرحنا مائة حديث؛ لأننا نتكلم على الأطراف في الموضع الأول، ففي حديث عمر شرحنا من الصحيح سبعة أحاديث؛ لأنه بسبعة مواضع، الحديث الذي يليه كذلك، وهكذا، فإذا نسبنا المائة حديث إلى سبعة آلاف وزيادة وجدنا أنها لا شيء بالنسبة لما بقي، فقلنا: إننا نختصر في الشرح، ثم ترددتُ في أن يكون الشرح مكتوبًا، وإن كان مختصرًا لينضبط، لينضبط، وتتحدد معالمه، ويُؤتَى على جُمله بالتساوي، أو يكون مرسلاً هكذا كما كنا نشرح البخاري في العرضة الأولى قبل خمس أو ست سنوات، فرأيت أن الشرح المرسل بدون كتابة وبدون تقييد قد لا ينضبط، يذهب الوقت في مسألة واحدة، وتُترَك مسائل، ونظير ذلك الخطيب في يوم الجمعة، إذا كان يلقي إلقاءً تجده يستطرد في بعض المسائل، ويترك ما هو أهم منها، وإذا كان قيّد الخطبة أو قيّد عناصرها تجده يتكلم عليها بالتساوي.

وعلى كل حال الطريقة السابقة التي تناولنا فيها بدء الوحي شرحًا مفصلاً الظاهر أن دونها خرق القَتاد، صعب أن نستمر بهذه الطريقة، وإن كان وجهة نظر بعض الإخوان أننا إذا أخذنا كتابًا بهذه الطريقة كأننا شرحنا كتابًا مستقلًا، يعني لو اقتصرنا على كتاب الإيمان بهذه الطريقة وأخذ علينا عشر سنوات مثلاً يقولون: هذا فيه فائدة، وفيه خير، والأبواب الأخرى تُدرَك إما من الكتب أو من دروس أخرى، هذه وجهة نظر، وسليمة أيضًا لها حظ من النظر، لكن يبقى أن الكتاب يبقى مخرومًا كما هو شأن أكثر شروح الصحيح، أكثر شروح الصحيح تجد الشارح يستطرد في أوله ثم ينقطع لا شيء، أو يُجمِل إجمالًا غير مقبول، يكون مجرد تعليقات يسيرة، وهذا شأن كثير من المصنفين، تجده يجلب على أوائل الكتب ثم بعد ذلك يمل، وييأس من الإكمال، ثم تجده يختصر اختصارًا مخلاًّ، وكتب الشروح وكتب التفسير أيضًا شواهدها على هذا الكلام كثيرة جدًّا.

 فيندر أن تجد كتابًا متوازنًا، تجده في أوله مثل آخره، يشرح أول حديث مثل آخر حديث، مثل فتح الباري هذا نادر، ومثل تفسير القرطبي، يشرح أول سورة مثل آخر سورة بنفس النَفَس هذا نادر، فتحتاج المسألة لشيء من التوازن. فنأتي على جميع ألفاظ وجُمل الكتاب، بطريقةٍ أوجز مما سلكناه في بدء الوحي. ورأيت أن التقييد أيضًا يضبط لنا المنهج في الشرح، وإن كانت الفكرة في أول الأمر أني لا أُقيّد، أنا ما قيدت شيئًا خاصًّا به بالكتاب إلى الآن، لكن مع ذلك اليوم تقرر عندي أني أكتب؛ لأني وأنا أطالع في الشروح رأيت أن المسألة لا تنضبط، كل جملة مما يذكره أهل العلم تجد الإنسان يحرص عليها، ويبخل بتضييعها، يعني يضن بها أن تضيع بدون تقييد، ولو كان هذا التقييد موجزًا؛ لأنه يفتح لذهن طالب العلم أن يسترسل في بحثها أو في فهمها.

 يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: بسم الله الرحمن الرحيم، وهذه تقدمت في أول الكتاب، وهي موجودة في بعض النسخ، مقدَّمة على ترجمة الكتاب، وفي بعضها مؤخرة، بعض النسخ، الروايات: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الإيمان. وفي بعضها: كتاب الإيمان، بسم الله الرحمن الرحيم. وعلى هذا جرى الإمام البخاري في جميع كتب جامعه، يذكر البسملة، ثم يذكر الترجمة الكبرى كتابًا، ثم يتبع هذه الترجمة بتراجم فرعية يذكر فيها أبوابًا، والأبواب أحيانًا تكون مترجمة، وأحيانًا باب بدون ترجمة، وهذا الباب كما تقدَّم ذكره يكون بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله، والتقديم والتأخير بين البسملة والترجمة موجود في بعض الروايات والعكس.

المقصود أن من قدَّم البسملة مشى على الأصل، وأن البسملة تُقدَّم بين يدي الكلام، كما جاء في الخبر المختلف في تحسينه أو تضعيفه: «كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله» فالتقديم حقيقي هنا، البداءة بالبسملة حقيقية إذا قدمناها على الترجمة كتاب، وإذا قدمنا الكتاب كتاب الإيمان على البسملة قالوا: إن هذا نظير ما جاء في القرآن، فالترجمة بمثابة اسم السورة، واسم السورة مقدَّم على البسملة في المصحف، في جميع سور القرآن، يعني في القرآن تجد مثلاً يقول: سورة الفاتحة، بسم الله الرحمن الرحيم، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، نظير ما جاء في بعض الروايات كتاب الإيمان، بسم الله الرحمن الرحيم، وإذا قُدِّمت البسملة كما هي في كثير من الروايات المعتمدة على كتاب الإيمان كانت البداءة حقيقية بالبسملة.

 وعلى كل حال سواء بُدئ بالبسملة أو بالترجمة ثم البسملة الأمر سهل؛ لأن البداءة إما أن تكون مطلقة، أو نسبية، بداءة مطلقة أو نسبية، {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[النمل:30] يعني هل بُدئ الكتاب بالبسملة؟ هذا الموضوع، وهذه المسألة شرحناها وقررناها في حديث هرقل، في كتاب النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى هرقل، يعني في سورة النمل حينما قالت بلقيس: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[النمل:30] هل حصل البداءة بالبسملة في الكتاب نفسه لا في الحكاية عن الكتاب؟

طالب: .........

فيه ما يمنع أن تكون البداءة حقيقية في الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم؟ ما فيه ما يمنع؛ لأنها تحدثت عن الكتاب عن مبدأ الكتاب ومنشأ الكتاب وأنه من سليمان، وأن سليمان افتتحه ببسم الله الرحمن الرحيم. فالذي ينظر إليه يقول: هو مبدوء بالبسملة بلا شك، وهذه حقيقته وواقعه، والتعبير عنه وإن قُدِّم منشؤه ومبدؤه لا يعني أن هذا الكلام مقدَّم على البسملة، وهذا تقدَّم الكلام فيه.

كتاب الإيمان، أولاً: كتاب قالوا: إنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا كتابُ الإيمان، كتاب مضاف، والإيمان مضاف إليه. وجوّزوا نصبه بتقدير: اقرأ كتابَ الإيمان. أو خُذ كتابَ الإيمان، أو هاك كتابَ الإيمان. هاك كتابَ الإيمان. خذ، والأخذ هنا وهاك بمعنى خذ مثل ما قال ابن مالك: هاك حروف الجر، هاك حروف الجر وهي من إلى.. إلى آخر كلامه. على كل حال الأكثر على أنه مرفوع، وجوّزوا نصبه على ما ذكرنا. هل فيه فرق بين خذ وهاك؟

طالب:...

نعم، بمعنى خذ. لكن من حيث المعنى فيه فرق؟

طالب: ...

هاك إذا كانت بمعنى خذ، من المتكلم، وخذ من المتكلم ومن غيره، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة:103] عرفنا الفرق؟ ما يمكن أن تقول: هاك من أموالهم صدقة بمعنى خذ من أموالهم صدقة، إنما هاك أي خذ من المتكلم.

 كتاب الإيمان، الكتاب عرّفناه وشرحناه وبسطنا القول فيه في مناسبات كثيرة، لكنه في هذا الدرس، وفي هذا الكتاب هذا أول وروده في الكتاب، والأول بدء الوحي ليس بكتاب، وإنما هو باب، ذكر هذا الحافظ ابن حجر، حينما قال: إن البخاري جعل بدء الوحي كالمقدمة للكتاب، والمقدمة لا تُترجم بكتاب، وإن كان بعض النسخ جعلوه كتابًا، وهذا خلاف ما وضعه عليه مؤلفه، إنما بدء الوحي باب وليس بكتاب، وذكرنا في أطراف حديث هرقل أن الحافظ ابن حجر في بعض أطراف حديث هرقل قال: وقد استوعبنا الكلام في كتاب بدء الوحي، ما قال هذا؟

طالب: ...

العهد قريب، العهد قريب، قال: وقد استوفينا الكلام على هذه المسألة في كتاب بدء الوحي، والحافظ ابن حجر نفسه في فتح الباري قال: إن البخاري لم يستفتح بدء الوحي بكتاب؛ لأنه جعله كالمقدِّمة للكتاب، والمقدِّمة لا تُستفتح بكتاب. فهذا أول ورود هذه اللفظة في الصحيح، وإن كنا شرحناها في مناسبات كثيرة لا مانع؛ لأن هذا الكتاب سوف يخرج مستقلاً عن غيره، يحتاج إلى التعريف باللفظ.

 كتاب، فكتاب يقولون: مصدر، كَتَب يكتب كتابًا وكتابة وكَتْبًا. كَتَب يكتب كتابًا وكتابة وكَتْبًا. وأصل المادة الكَتْب أصلها الجمع، الجمع، يقال: تكتب بنو فلان إذا اجتمعوا، قيل لجماعة الخيل: كتيبة، وقيل للكتابة: كتابةً وكتْبًا؛ لاجتماع الكلمات والحروف، يقول الشاعر وإن كان مُسِفًّا، لكن فيه دلالة على المراد.

طالب:...

لا ما هو بهذا.

لا تأتمنن فزاريًّا خلوت به

 

على قلوصك واكتبها بأسياري

وأما الحريري في مقاماته يقول:

وكاتبين وما خطت أناملهم حرفًا

 

ولا قرؤوا ما خُطَّ في الكتب

لا يقرؤون ولا يكتبون فكيف يصيرون كاتبين؟

وكاتبين وما خطت أناملهم حرفًا

 

ولا قرؤوا ما خُطَّ في الكتب

يعني بذلك الخرازين؛ لأنهم يجمعون بين صفائح الجلود، ويخرزونها، يقال: كتب السقاء والمزادة إذا خرزهما، والمراد بالكتاب هنا المكتوب، اسم المفعول الجامع لمسائل الإيمان.

 قلنا: كتاب مضاف والإيمان مضاف إليه، والإيمان في اللغة كما في التهذيب للأزهري، يقول الأزهري: مصدر آمن يؤمن إيمانًا، فهو مؤمن، يقول الأزهري: اتفق أهل العلم من اللغويين وغيرهم أن الإيمان معناه التصديق، أن الإيمان معناه التصديق، قال الله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}[الحجرات:14]، ثم قال الأزهري بعد كلام له: قال الله تعالى حكاية عن إخوة يوسف في مخاطبة أبيهم: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:17]، لم يختلف أهل التفسير أن معناه: وما أنت بمُصدِّق لنا. قال الله تعالى حكاية عن إخوة يوسف. يصح أن نقول في القرآن: حكاية؟

طالب:...

هو ما عندنا إشكال أن القرآن كلام الله.

طالب:...

هو مذاهب المبتدعة أن القرآن حكاية أو عبارة.

طالب:...

نعم، حكاية أو عبارة، فهل في مثل هذا محظور؟ أن نقول قال الله -جل وعلا- حكايةً عن موسى -عليه السلام-، حكاية عن فرعون، حكاية عن كذا؟

طالب:...

هل فيه إشكال؟ يعني شابهنا المبتدعة في هذا؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

يعني إذا قلنا: قال الله -جل وعلا- حكاية عن موسى أو عن إخوة يوسف أو عن فرعون أو عن آدم إذا قلنا هذا الكلام هل نكون شابهنا المبتدعة الذين قالوا: إن القرآن حكاية؟

طالب:...

نريد فرقًا؛ لأن بعض الناس يستدرك مثل هذا الكلام. يقول: إن هذا مشبه لكلام المبتدعة.

طالب:...

إذا قلنا: قال الله تعالى حكايةً فهو قول الله -جل وعلا- ما فيه إشكال.

طالب:...

نعم.

طالب:...

طيب.

طالب:...

نعم.

طالب:...

يعني ما فيه مشابهة للمبتدعة، ما فيه مشابهة للمبتدعة، والقائل لم يقل بقول المبتدعة، هو يثبت كلام الله -جل وعلا- حقيقةً، وأن الله -جل وعلا- تكلم به بحرف وصوت، هذا الكلام المنزَّل الموجود بين الدفتين هو كلام الله، وليس بحكاية عن كلام الله، كلام الله -جل وعلا- المنسوب إليه حقيقة، المحفوظ من الزيادة والنقصان، فيه ما هو حكاية عن عن أشخاص وعن أمم وعن أقوام، فما فيه مشابهة لقول المبتدعة؛ لأن فيه من حيث البعد عن عباراتهم لو استُبدِلت بعبارة لم يستعملها أهل البدع لكان أولى؛ لأن من يسمعها وهو لا يعرف الفرق ولم يُدَقِّق ويمعن النظر فيها قد يلتبس عليه الأمر، وإذا أوقع اللفظ في لبس ولو من بعيد يُتقى بقدر الإمكان إذا وُجِد ما ينوب عنه ويقوم مقامه.

طالب:...

هو يَرِد عليه أن الله -جل وعلا- تكلَّم بالقرآن عن بعض الأعاجم بغير لغته، ما تستطيع أن تقول: قال فلان لقومه وهو ليس من العرب، وتسوق ما جاء في القرآن على أنه لفظه، وهو غير عربي، فالله -جل وعلا- يحكي قوله باللغة المناسبة لمن أُنزل عليهم القرآن؛ لأنه لو لو حكى قوله بلفظه خرج عن كونه بلسانٍ عربيٍ مبين، واضح؟

 فالمسألة على كل حال ما تحتاج إلى مزيد من التفصيل؛ لأن القول هذا يختلف عن قول المبتدعة، فالقول قول الله -جل وعلا- بلفظ وحروفه بصوت يُسمَع وحرف ما نختلف في هذا، لكن يبقى أن ما ذكره الله -جل وعلا- عن هؤلاء الأقوام من أشخاص وأمم وجماعات هو حكاية عن قولهم، وليس بحكاية عن قول الله -جل وعلا-.

 يقول الأزهري: لم يختلف أهل التفسير أن معناه: وما أنت بمُصدِّق لنا، والأصل في الإيمان الدخول في صدق الأمانة، الدخول في صدق الأمانة، يعني عندنا المادة يدخل فيها الأمن، والأمانة، والإيمان، كلها تدخل في أصل المادة، ولذا قال: والأصل في الإيمان الدخول في صدق الأمانة، التي ائتمنه الله عليها، فإذا اعتقد التصديق بقلبه كما صدّق بلسانه فقد أدى الأمانة وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤدٍ للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهو منافق.

طالب: ...

إن كان يقصد ما حصل في صلاتنا يقول: إذا زاد الإمام ركعة فهل يعتد المسبوق بتلك الركعة؟ إذا عرف المسبوق أن هذه الركعة زائدة لا تجوز متابعته عليها؛ لأنها باطلة في حقه، وأنا ما أشوف أن الإمام زاد ما زاد. ما زاد، هي أربعة. لكن بعض الناس الله يهديه.

 يقول: فإذا اعتقد التصديق بقلبه كما صدَّق بلسانه فقد أدى الأمانة وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤدٍ للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهو منافق. وفي مقاييس اللغة لابن فارس والصحاح للجوهري واللسان قالوا: هو مأخوذ من مادة أَمِن التي تدل على معنيين هما: التصديق الذي هو ضد التكذيب، والأمان وهو ضد الخوف، أما الإيمان فضده الكفر، مأخوذ من مادة أَمِن التي تدل على معنيين هما: التصديق الذي هو ضد التكذيب، والأمان وهو ضد الخوف، أما الإيمان فضده الكفر.

بذكر هذه الأضداد، الآن هم يقررون أن الإيمان مرادف للتصديق، كلام الأزهري، نعم، في كلام الأزهري قال: إنه هو التصديق، اتفق أهل العلم على أن من اللغويين وغيرهم أن الإيمان معناه التصديق، فمقتضاه أن اللفظة مرادفة لهذه اللفظة، وفي كلام هؤلاء قالوا: هو مأخوذ من مادة أمن التي تدل على معنيين هما التصديق وهو ضد التكذيب والأمان وهو ضد الخوف، أما الإيمان فضده الكفر. إذا كان الإيمان ضده الكفر، الإيمان ضده الكفر، هل يطابق التصديق من كل وجه؟ لأن التصديق ضده التكذيب والإيمان ضده الكفر. إذًا هل فيه مطابقة أم ما فيه مطابقة؟ ما فيه مطابقة، مع أن الأزهري يقول: اتفق العلماء من اللغويين وغيرهم... أما الإيمان فضده الكفر، وقد زعم ابن منظور أن إجماع أهل اللغة على ذلك. شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان منع الترادف بين كلمتي الإيمان والتصديق من كل وجه، وفي كل نصّ من وجوه كثيرة. الآن عرفنا حتى في تقرير أهل اللغة وهو الواقع، التصديق ضده التكذيب، والإيمان ضده الكفر، إذًا ما فيه مطابقة.

طالب:...

كيف؟

طالب:...

نعم أعم مما قرروه.

طالب: أقصد أن الكفر يستلزم التكذيب وزيادة، أعم منه.

طالب:...

يعني الكفر ضد الإيمان، والتكذيب ضد التصديق، فلا يمكن المطابقة بين اللفظين، وإن كان هناك مداخلة، ليس هناك تباين بين اللفظين، لكن لا يمكن أن نقول: هناك موافقة من كل وجه، هناك شيء إذا استعملنا النسب الأربع، النسب الأربعة التي هي الموافقة، والمداخلة، والمباينة، والمماثلة، إذا استعملنا النسب الأربعة بين الإيمان والتصديق وجدنا أن بينها...

طالب: مداخلة.

 نعم مداخلة، ليس بينهما تباين، ولا تماثل من كل وجه، نعم، إنما بينهما..

طالب: مداخلة.

مداخلة، فأيهما أعم؟ وأيهما أخص؟ هل نقول: إن التصديق أعم من الإيمان أو الإيمان أعم أو نقول: هناك موافقة من وجه، ومخالفة من وجه؟

طالب:...

سيجيء هذا، يفصل كلام شيخ الإسلام -رحمه الله-؛ لأنه مهم في هذا الباب.

 أقول: شيخ الإسلام -رحمه الله- في كتاب الإيمان منع الترادف بين كلمتي الإيمان والتصديق من كل وجهٍ وفي كل نصٍ من وجوه، يعني في هذا اللفظ منع الترادف، مع أن من أئمة اللغة من يمنع الترادف بين لفظتين مطلقًا، ما يمكن في لغة العرب أن توجد كلمة مرادفة من كل وجه لكلمة أخرى، لا بد أن يوجد بينها فروقًا، وأفضل ما يُقرأ في هذه المسألة كتاب الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري، تجد كلمتين أنت ما عندك أدنى شك في أن هذه تقوم مقام هذه من كل وجه، ثم يوجد لك فروقًا بين هاتين الكلمتين، وهذا كتاب نافع ومهم بالنسبة لطلاب العلم.

 يقول: من وجوه: أحدها أنه يقال للمُخبِر إذا صدَّقته صَدَق، أو يقال للمُخبِر إذا صَدَّقته صَدَقَه صَدَقه، ولا يقال: آمنه وآمن به، يقال: صَدَقَه، ولا يقال: آمنه ولا آمن به، بل يقال: آمن له. مقتضى الترادف كما يقال: صدَّقه يقال: آمنه، وإذا عُدِّي الفعل المرادف بحرفٍ غير الحرف الذي يُعدَّى به الفعل الأصل ما كان هناك ترادف، فمقتضى قولهم: صدَّقه مقتضى الترادف أن يقال: آمنه، ولا يقال حينئذٍ: آمنه، وآمن به، بل يقال: آمن له، إذا صدَّقه يقال: آمن له، كما قال تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ}[العنكبوت:26]، {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ}[يونس:83].

 الثاني: أنه ليس مرادفًا للفظ التصديق في المعنى، فإن كل مخبِرٍ عن مشاهدةٍ أو غيب يقال له في اللغة: صدَقتَ، كل مُخبِر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة: صدَقت، كما يقال: كذبت. إذا طابق الواقع قيل له: صدقَت، وإذا خالف الواقع قيل له: كذبت. وأما لفظ الإيمان فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب، الذين يؤمنون بالغيب، ما يقال: يصدقون بالغيب، يؤمنون بالغيب، وأما لفظ الإيمان فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب؛ لأن الإيمان مشتق من الأمن، فإنما يستعمل في خبرٍ يُؤتَمن عليه المخبِر كالأمر الغائب.

 الثالث: أن لفظ الإيمان في اللغة لم يقابَل بالتكذيب كلفظ التصديق، بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يعني كما تقدَّم في كلام ابن فارس، والجوهري، وابن منظور. بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال: هو مؤمن أو كافر. ما يقال: هو مؤمن أو كاذب، والكفر لا يختص بالتكذيب- هذا الذي تشير إليه- والكفر لا يختص بالتكذيب فالإيمان لا يختص بالتصديق فقط.

بل إذا كان الكفر يكون تكذيبًا ويكون مخالفةً ومعاداةً وامتناعًا بلا تكذيب.

 الآن أبو طالب مصدِّق أم مكفِّر، مكذِّب؟

طالب: مصدق.

 مصدِّق، لكن مؤمن أم كافر؟

طالب: كافر.

كافر، لماذا؟ لأنه امتنع، لأنه امتنع من الانقياد والإذعان وإن كان مصدِّقًا.

 ولقد علمتُ بأن دين محمدٍ             من خير أديان البرية دينًا

 ما الذي منعه؟ لولا المذمةُ أو ......

طالب:...

نعم، لوجدتني سمحًا بذاك مبينًا.

 لولا المذمة أو حذار مسبةٍ             لوجدتني سمحًا مبينًا

بذاك ما الذي، ما منعه التكذيب؟ منعه الانقياد، لم ينقد، والذي منعه الكبر وخوف المذمة وخوف المسبة، بل الكفر يكون تكذيبًا، ويكون مخالفةً ومعاداة وامتناعًا بلا تكذيب فلا بد أن يكون الإيمان تصديقًا مع موافقةٍ وموالاةٍ وانقياد لا يكفي مجرد التصديق. لا يكفي مجرد التصديق.

الرابع: أن من الناس من يقول: الإيمان أصله في اللغة من الأمن، الإيمان أصله في اللغة من الأمن الذي هو ضد الخوف، فآمن أي صار داخلاً في الأمن، ومن الناس من يقول: هو بمعنى الإقرار.

 قال -رحمه الله-: وعلى تسليم أن الإيمان يرادف التصديق فالتصديق يكون بالقلب واللسان وسائر الجوارح. فالتصديق يكون بالقلب واللسان وسائر الجوارح، كما ثبت في الحديث الصحيح المتفق عليه: «والفرْج يُصدِّق ذلك أو يُكذِّبه»، في كلام الحسن البصري يقول: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدَّقه العمل؛ لأن الإنسان إذا ادعى الإيمان فهذه دعوى، هذه دعوى، كيف يصدق في دعواه؟ ما البرهان على صدقه؟ العمل، ولذا جاء في الزكاة: «والصدقة برهان»، برهان دليل على صدق إيمان مخرجها، وإلا فالدعاوى بمجرد اللسان كلٌّ يدعي، تسمع كثيرًا من الناس يرتكب المخالفات، والمحرمات والجرائم والمنكرات وإذا قيل له، قال: التقوى ها هنا. هذا كاذب أم صادق؟ كاذب هذا، ما معنى التقوى أولاً؟ فعل المأمورات وترك المحظورات، ويرتكب المنكرات ويكون مؤمنًا والتقوى ها هنا؟ هذه دعوى لا بد من أن يصدِّقها العمل، والدعوى سهلة كلٌ يستطيعها. فإذا لم يوجد برهان يصدِّق هذه الدعوى فإن الدعوى غير مقبولة. فالإيمان ما وقر في القلب وصدَّقه العمل، وذكر الشيخ -رحمة الله عليه- الحديث الصحيح المتفق عليه: «والفرْج يُصدِّق ذلك أو يُكذِّبه».

أو يقال: هو تصديقٌ خاص، أو يقال: هو تصديقٌ خاص مقيَّد بقيود؛ لأن الله لم يأمرنا بإيمانٍ مطلق، بل بإيمانٍ خاص وصفةٍ معينة، يعني هل جاء في النصوص إيمان من غير بيان في الشرع؟ ما جاء، جاءت له قيود، والحقائق الشرعية أصلها الحقائق اللغوية، لكن الشرع يزيد عليها قيودًا، الشرع لا يلغي الحقيقة اللغوية، إنما يزيد عليها، فمثلاً الصلاة في اللغة الدعاء، ألا توجد هذه الحقيقة اللغوية في الحقيقة الشرعية؟ ألا يوجد دعاء في الصلاة الشرعية؟ لكن الشرع زاد في حقيقة الصلاة الشرعية، على ما جاء في الحقيقة اللغوية.

 أو يقال: هو تصديقٌ خاص مقيد بقيود؛ لأن الله تعالى لم يأمرنا بإيمانٍ مطلق، بل بإيمان خاص وصفة معينة، لو جاء الأمر بالإيمان المطلق، طيب هل يمكن تحقيقه، بدون قيد؟ ما يمكن تحقيقه، لا يمكن تحقيقه، ولا يمكن إيجاده في الواقع إلا بقيوده، ولذلك الألفاظ المجملة في الشرع لا بد من بيانها، وإلا لا يمكن العمل بها، لو قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[البقرة:183] فقط، أو {وَآتُوا الزَّكَاةَ}[الحج:78]، كيف نعمل؟ كيف نؤتي الزكاة؟ لا بد من القيود، كيف نصوم؟ لا بد من بيان في الشرع، وهكذا بقية الحقائق الشرعية تجدها موجودة في الحقيقة اللغوية موجودة فيها وزيادة.

 أو يقال: وإن كان هو التصديق، وإن كان هو التصديق فالتصديق التام القائم مستلزمٌ لما وجب من أعمال القلب والجوارح، أو يقال: وإن كان هو التصديق فالتصديق التام القائم مستلزم لما وجب من أعمال القلب والجوارح. الآن لو يقول لك: فلان حضر، فلان حضر، وتقول له: صدقت، حضر من البلد الفلاني قدِم من البلد الفلاني تقول له: صدقت. وهذه رسالة معي لفلان هذا الذي قيل له: إنه حضر وصدقت القائل، سوف أبعثها إليه في البلد الذي قدِم منه، أنت مصدِّق أم مكذِّب؟

طالب: مكذب.

مكذِّب؛ لأن بعض الناس قد يقول الكلام بلسانه ويكذِّب بفعاله، فلا بد من توافر القول مع الفعل ليتم التصديق، فالذي يصدِّق الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله يصدِّقه بلسانه ويخالفه بفعاله، هذا تمت شهادته أم ما تمت؟ ما تمت شهادته، وتصديقه ناقص، ما وقر في القلب وصدقه العمل، وما تقول: والله صدقت، حضر فلان، ومع ذلك أنا عندي خطاب سوف أرسله له في البلد، ما صدَّقت، صرت مكذِّبًا غير مصدِّق.

 أو يقال: وإن كان هو التصديق فالتصديق التام القائم مستلزم لما وجب من أعمال القلب والجوارح. وهذه الحقيقة التي خفيت على كثيرٍ من عوام المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويفعلون ويزاولون ما يناقض الشهادتين، تجده يطوف على قبر ويكرر لا إله إلا الله محمدًا رسول الله. هذا مصدِّق أم مكذِّب؟ مكذِّب، فعل مناقض- نسأل الله العافية-. يلفظ بها ولا يعرف معناها، ولا يعمل بمقتضاها، ويأتي بما يناقضها، ويزعم أنه مصدِّق، وأبو جهل أعرف منه بلا إله إلا الله؛ لأنه لما قيل له ولقومه: قولوا: لا إله إلا الله، رفضوا {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا}[ص:5] لأنهم يعرفون معنى لا إله إلا الله، وهذا المسكين يطوف على القبر ويقول: لا إله إلا الله. فهذا وإن كان يلفظ بلسانه لكن مكذِّب بفعاله.

 قال الشيخ -رحمه الله-: أو يقال إن اللفظ باقٍ على معناه في اللغة، ولكن الشارع زاد فيه أحكامًا كالصلاة والزكاة والحج وغيرها. يعني من الأعمال التي هي شرطٌ في صحة الإيمان، شرط في صحته، على ما يأتي في كلام أهل العلم من اشتراط الأعمال لصحته من كونها شرطًا أو ركنًا أو شرط كمال كما يقول بعض العلماء وكثير من الشراح وسيأتي تقريره والرد عليهم، إن شاء الله تعالى.

ثم طالب شيخ الإسلام -رحمه الله- بذكر من نقل الإجماع، وفي أي كتابٍ ذُكِر؛ لأنه في كلام الأزهري السابق قال: اتفق أهل العلم من اللغويين وغيرهم أن الإيمان معناه التصديق، الشيخ -رحمه الله تعالى- يطالب الأزهري وغير الأزهري ممن نقل هذا الاتفاق بذكر من نقل الإجماع وفي أي كتابٍ ذُكِر، هل نستطيع أن نجيب على كلام الشيخ -رحمه الله- أن من نقل الإجماع الأزهري؟ وهو حجة فيما ينقُل، وهو ثقة؟

طالب:...

أقول....

طالب:...

ثلاثمائة وكسور، يعني من من المتقدمين من أئمة اللغة، وهو من ثقاتهم وأئمتهم، يعني الكتاب كتابه عمدة في الباب، يوصى كل طالب علم أن يرجع إلى الكتب القديمة في اللغة التي ما تأثرت بالمذاهب الكلامية والمذاهب الفرعية؛ لأن التأثر بالمذاهب سواء كانت أصلية أو فرعية لا بد أن يؤثر في الحقائق؛ لأن المذهب يفرض نفسه على معتنقه، شاء أم أبى، ولذا تجدون في كتب اللغة التي صنفها أتباع المذاهب يفسِّر الحقائق الشرعية بناءً على ما في مذهبه، ولذلك يوصى طالب العلم أن يرتقي إلى الكتب المتقدِّمة، ولا يكون معوله على الكتب المتأخرة لا سيما الكتب وإن كانت في اللغة التي تخدم مذاهب معينة، فيأتي في بيان حقيقة مختلف فيها بين المذاهب فيأخذها من كتاب شخص تابع لمذهب من هذه المذاهب، مثلاً المصباح المنير يخدم الشافعية، ويخدم كتابًا من كتب الشافعية، وبيّن غريبه، ويشرح ألفاظه، إذا وُجِد خلاف في حقيقة شرعية بين الشافعية والحنفية تقدر تحاج حنفيًّا بأنه قال في المصباح المنير؟ ما يمكن، أو تحاج شافعيًّا بأنه قال المُطرِّزي في المُغرِب كذا؟ ما يمكن، أو في المطلِع أو غيرها، ما يمكن أن تحاج مخالِفًا من كتب مخالفة، هذه مهمة جدًّا لطالب العلم، لئلا يُنقَض قوله ودعواه.

 فهل نجيب عن كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- ثم طالب شيخ الإسلام بذكر من نقل الإجماع وفي أي كتاب ذكر، هل نقول: إن من نقل الإجماع الأزهري، وهو إمام حجة صاحب استقراء وتتبع، وفي أي كتابٍ ذكر. نقول: الأزهري ذكر وفي كتاب تهذيب اللغة، لكن هل جوابنا على هذا السؤال من شيخ الإسلام ينقض أصل المسألة أم لا؟ ما ينقض أصل المسألة؛ لأن الأزهري يقول من اللغويين وغيرهم نعم هو إمام وصاحب استقراء في كتب اللغة، لكن غيرهم هل هو صاحب استقراء في بقية فنون المعرفة الإسلامية من المعارف الأخرى والتخصصات الأخرى؟ لا، هو حجة فيما ينقل عن أئمة اللغة، لكن في غيرهم يكون وإن اطلع على شيء فإن استقراءه يكون ناقصًا؟

طالب:...

نعم، ما يخالف اللغة، لكن الشرع زاد عليها.

طالب:...

لكن غيره من أهل اللغة ابن فارس والجوهري قالوا: التصديق يقابله التكذيب، والإيمان يقابله الكفر، هذا لا يدل على التغاير؟

طالب:...

فرق بين صدَّقه وآمن به وآمن له، حتى في اللغة؛ لأنهم يقرون جميعًا بأنه إذا اختلف الحرف المُعدّى به لا يكون هناك ترادف.

طالب:...

يقول: ثم من المقصود بأهل اللغة؟ شيخ الإسلام يقول: من المقصود بأهل اللغة؟ هل المقصود نقلتها كأبي عمروٍ أبي عمرو؟ أو الشيباني؟

طالب:...

أبو عمرو الشيباني إمام من أئمتهم، كأبي عمروٍ والأصمعي والخليل ونحوهم أو المتكلمين بها؟ هل نقل الاتفاق عن نقلتها كأبي عمروٍ والأصمعي والخليل أو من الأعراب الذين ينطقون بها ولا تغيرت لغاتهم ولهجاتهم بالمخالطة؟ من أهل اللغة؟ هم الناطقون بها أو نقلتها؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

نعم؟

طالب:...

على النقلة، كلام شيخ الإسلام، هل المقصود من المقصود بأهل اللغة؟ هل المقصود نقلتها كأبي عمروٍ والأصمعي والخليل ونحوهم أو المتكلمون بها؟ هل نقول: إن هؤلاء النقلة مخبرون عن أهلها، عن أصحابها، وهم ثقات فيما ينقلون، فالمعول أولاً وآخرًا على الناطقين، وهؤلاء أوعية لما نطق به أولئك. يعني مثل ما نقول في علوم الحديث: المعول على أئمة الحديث في الصدر الأول، يعني الأئمة الذين عليهم المعول، كأحمد وابن معين وابن المديني والأئمة المتقدمون، وأما المتأخرون فهم عالة على المتقدمين، لكنهم ما خرجوا عن أقوالهم، جمعوا أقوالهم، ونظروا فيها ووفقوا بين مختلفها، وقربوها ووضحوها بالأمثلة، ما جاؤوا بجديد، فهل نقول: المعول في علوم الحديث على ابن حجر والذهبي والمتأخرين أو على المتقدمين؟ العبرة بالمتقدمين، لكن هؤلاء نقلة أمناء، نعم دخل عليهم شيء من الدخن من علم الكلام وكذا وسهل تمييزه وتحريره، ولا خلاف حينما نقول: المعول على الناطقين أو على النقلة؛ لأن النقلة ما جاؤوا بشيء من عندهم، هم رواة.

أما علماء اللغة فهؤلاء لا ينقلون كل ما كان قبل الإسلام بإسناد، وإنما ينقلون ما سمعوه من العرب في زمانهم، أو ما سمعوه في دواوين الشعر وكلام العرب وغير ذلك بالإسناد، نعم. هؤلاء الذين نقلوا اللغة كأبي عمروٍ والأصمعي والخليل هل استوعبوا جميع ما نطقت به العرب ليتم لهم نقل الاتفاق؟ هل استوعبوا جميع ما نطقت به العرب ليتم الاستقراء الذي من أجله ويُحرر عليه الإجماع الذي الإجماع الملزِم؟ نظير ما يقال في المسائل العلمية ونقل الإجماع عليها، كثير من أهل العلم ينقل الإجماع على مسألة، ثم بعد التفتيش يوجد مخالِف، وهذا موجود في العلوم كلها، يعني تجد البصريين يقررون مسألة بناءً على استقراء، ثم يقررها الكوفيون على خلاف ما قرره البصريون ويستدلون بأشعار العرب، فنقل الاتفاق في أي علم من العلوم دونه خرط القتاد لا سيما بعد التفرق، يعني في عصر الصحابة واجتماعهم التئامهم ممكن، لكن لما تفرقوا في الأمصار، المشرقي كيف يعرف أقوال المغاربة؟ والتتابع على نقل الإجماع مع التساهل فيه يوقع في حرج كبير، كما قال الشوكاني، ابن قدامة ينقل، النووي ينقل، ابن المنذر ينقل، ثم إذا فتشت وجدت مخالفًا، يقول الشوكاني: ودعاوى الإجماع التي ينقلها بعض أهل العلم تجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع؛ لأن ممن ينقل الإجماع قد ينقل الخلاف بنفسه، كالنووي مثلاً، يذكر مخالِفًا، المقصود أن هذا الإجماع الذي يذكرونه.. كلام شيخ الإسلام نافع في جميع العلوم، ما هو بخاص في هذه المسألة، يقول: أما علماء اللغة فهم لا ينقلون كل ما كان قبل الإسلام بإسناد، وإنما ينقلون ما سمعوه من العرب في زمانهم. نعم تعبوا، وسكنوا البوادي، وصبروا على الشدائد، لكن هل معناه أنهم ما فاتهم شيء؟ أو ما سمعوه في دواوين الشعر وكلام العرب وغير ذلك بالإسناد ولا نعلم فيما نقلوه لفظ الإيمان فضلاً عن أن يكونوا أجمعوا عليه. ولا نعلم فيما نقلوه لفظ الإيمان فضلاً عن أن يكونوا أجمعوا عليه. ما معنى هذا الكلام؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

يعني ما جاءت المادة في اللغة؟

طالب:...

يعني تصاريف الكلمة منقولة، والإيمان بلفظه ما تداوله العرب حتى بعد الإسلام؟

طالب:...

نعم، اللفظ لفظ شرعي لكن ألا نجد هذه اللفظة عند العرب قبل الإسلام؟

طالب:...

في بعض الألفاظ ينصّ أهل العلم على أنه لفظٌ إسلامي، يعني ما يعرفه العرب، مثل هذا يقال في مثل هذا الكلام، والمادة معروفة ومطروقة، فهل هذا المصدر مُمَات عند العرب؟ الوزن موجود في كلمات كثيرة، لكن في هذه المادة هل هذا المصدر مُمَات؟ يعني بعض الألفاظ وبعض المشتقات تجد العرب ما تكلموا فيها، «لينتهين أقوام عن وَدْعِهم» يعني تركهم، هذا المصدر أصل الكلمة، «من لم يدع قول الزور» المضارع، «دع ما يريبك» الأمر، لكن الماضي؟ الماضي موجود مستعمل أم مُمَات؟ مُمَات في لغة العرب، استغنوا عنه بتَرَكَ. في القراءة الشاذة: (ما وَدَعَك ربُّكَ) يعني تركك، لكن القراءة شاذة لا يعول عليها.

 يقول: وكلام العرب وغير ذلك بإسناد ولا نعلم فيما نقلوه لفظ الإيمان. لفظ الإيمان بهذا التركيب فضلاً عن أن يكونوا أجمعوا عليه إلى آخر كلامه -رحمه الله-.

طالب:...

نعم.

طالب:...

لكن هل هرقل تكلم بهذه الكلمة بهذا اللفظ، أو أن الرواة عبروا عنه؟ ترجموا كلامه؟

طالب:...

فهمت كلامي؟ نعم، محتمل.

 هذا يقول: لمَ لا نقول إن كلام الأزهري لا يحتج به على شيخ الإسلام؛ لأن الإجماع الذي أراد نفيه شيخ الإسلام والإجماع على أن الإيمان لغة هو مطلق التصديق لا التصديق المطلق الذي يستلزم العمل والإقرار والانقياد، أما كلام الأزهري ونقله للإجماع، فهو نقل عام على أن الإيمان معناه التصديق دون أن يذكر أنه مطلق التصديق الذي ينفيه شيخ الإسلام، فلا إشكال عند شيخ الإسلام مع كلام الأزهري؛ لأنه يدخل فيه مطلق التصديق والتصديق المطلق.

 لو أن شيخ الإسلام ما تعرض للاتفاق الذي نقلوه ونقده قلنا بمثل هذا الكلام، لكن شيخ الإسلام نقد نقلهم الاتفاق. نكتفي بهذا.

 والله أعلم.

 وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"