تعليق على تفسير سورة البقرة (43)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-:

"قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125] قال العوفي عن ابن عباس: قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} [سورة البقرة:125] يقول: لا يقضون منه وطرًا يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: مثابة للناس يقول: يثوبون. رواهما ابن جرير، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: حدثنا عبد الله بن رجاء قال: أخبرنا إسرائيل عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً} [سورة البقرة:125] قال: يثوبون إليه ثم يرجعون.

قال: وروي عن أبي العالية وسعيد بن جبير في رواية، وعطاء ومجاهد ومجاهد والحسن وعطية والربيع بن أنس والضحاك نحو ذلك، وقال ابن جرير: حدثني عبد الكريم بن أبي عمير قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: قال أبو عمرو -يعني الأوزاعي-: حدثني عبدة بن أبي لبابة في قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} [سورة البقرة:125] قال: لا ينصرف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطرًا. وحدثني يونس عن ابن وهب قال: قال ابن زيد {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً} [سورة البقرة:125] قال: يثوبون إليه من البلدان كلها ويأتونه، وما أحسن ما قال الشاعر في هذا المعنى أورده القرطبي:

جُعل البيت مثابًا لهم
 

 

 ليس منه الدهر يقضون الوطر"
 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

في قوله -جل وعلا-: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً} [سورة البقرة:125] يفسرون ويقدرون في هذا وأمثاله على اعتبار أنه خطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم-، يقدرون اذكر واذكر يا محمد إذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنًا، وإذا كان خطابًا للجميع، لكل من يتأتى منه سماع هذا الخطاب اذكروا إذ جعلنا البيت، وهو الكعبة، مثابة قالوا: مثابة يثوبون إليه ويرجعون إليه ولا يقضون منه وطرًا، يحج الحاج بعد لهف شديد ثم يرجع ولما يقض وطره، وإذا رجع تفكيره في عَوده إلى البيت مرة ثانية فهم يرجعون إليه؛ لأنهم لا يقضون منه وطرًا، ومنهم من قال: مثابة: مكان اجتماع يثوبون إليه ويجتمعون فيه، ومنه قول الفقهاء في الرضاع قالوا: من لبن ثاب عن حمل يعني اجتمع وتكوَّن، فهم يجتمعون في البيت، وهذا واقع من جميع الآفاق {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [سورة الحـج:27] من كل فج عميق يأتون، من كل جهة يأتون، من أقصى الدنيا شرقًا وغربًا ومن جميع جهاتها يجتمعون في هذا البيت.

جُعل البيت مثابًا لهم
 

 

 ليس منه الدهر يقضون الوطر
 

والعجب من مسلم تيسرت له الأمور والأسباب، ويمكث السنين ولا يذهب إلى البيت لا في حج ولا عمرة والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد»، «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه»، «والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» فلا شك أن قلوب الناس متعلِّقة بهذا البيت؛ لما جعل الله فيه من كونه مثابة للناس {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [سورة إبراهيم:37] فقلوبهم متعلِّقة لإجابة نداء الله -جل وعلا- لا لذات البيت المكوَّن من هذه الأحجار، وإنما استجابة لنداء الله -جل وعلا- على لسان خليله إبراهيم -عليه السلام-، ولذلكم في بداية إحرامهم ودخولهم في النسك يقولون: لبيك هذه لفظة استجابة، لبيك اللهم لبيك، فهم يستجيبون لنداء الله على لسان إبراهيم خليله -عليه الصلاة والسلام-.

"وقال سعيد بن جبير في الرواية الأخرى وعكرمة وقتادة وعطاء الخراساني: مثابة للناس أي مجمعًا وأمنًا، قال الضحاك عن ابن عباس: أي أمنًا للناس. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} [سورة البقرة:125] يقول: أمنًا من العدو وأن يحمل فيه السلاح، وقد كانوا في الجاهلية يُتخطَّف الناس من حولهم وهم آمنون لا يُسبَون."

كما في قوله -جل وعلا-: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً} [سورة القصص:57] فالناس يتخطفون وجزيرة العرب محل للنزاع والشقاق والاقتتال بين القبائل والنهب والسلب؛ لأنهم لا يجمعهم حكم ولا يشملهم نظام ولا.. على طريقة العرب في باديتهم وجاهليتهم، لكن هذا البيت أمن نعمة من الله -جل وعلا- من دخله كان آمنًا، ولذا يختلفون في إقامة الحدود في مكة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أُحلَّت له ساعة من نهار ولم تحل لأحد من قبله ولا من بعده. على كل حال هذا أمر ظاهر وواضح، والبلدان الأخرى تختلف {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [سورة الحـج:25] يعني مجرد الإرادة سبب للعذاب الأليم، مجرد الإرادة التي إذا لم يتبعها عمل أو قول لا مؤاخذة عليها في سائر البلدان إلا في هذا البيت، فله خصائص، وفي قوله -جل وعلا-: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [سورة الحـج:25] هل الإرادة فيه أو الإلحاد فيه؟ هل الذي يختص به البيت الإلحاد فيه أو إرادة الإلحاد فيه؟

طالب: ........

إرادة الإلحاد فيه، يعني من نوى أن يعصي الله النية في مكة والمعصية بالهند، يقع عليه الوعيد أم ما يقع؟

طالب: ........

طيب إذا نوى بالهند وأراد بالهند أن يعصي الله في البيت يقع أم ما يقع؟

طالب: ........

أو نقول كلاهما؟

طالب: ........

فيه الإرادة فيه أم الظلم فيه؟

طالب: ........

لكن الإرادة مقصودة يعني، وهذا الذي يميزه عن سائر البلدان.

طالب: ........

لا، ولم يتكلم.

طالب: ........

لا، إذا كان عزم؛ لأن مراتب القصد الخمس لا يؤاخَذ عليها إلا العزم.

مراتب القصد خمس هاجس ذكروا
 

 

 فخاطر فحديث النفس فاستمع
 

يليه هم فعزم كلها رفعت
 

 

إلا الأخير ففيه الإثم قد وقع
 

لأن العزم تكرُّر الهم مع شيء من العمل، عمل القلب ثابت ومتكرر ومصمِّم على إرادة الـ... ولذلك قال: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قالوا: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «كان حريصًا على قتل صاحبه» يعني عازم على قتل صاحبه، فالعزم يؤاخذ عليه بلا شك، لكن عندنا مسألتان الآن تأملناهما جيدُا؟ فما الذي يُرتَّب عليه الوعيد الشديد، هل هو الإرادة أو الظلم نفسه؟

طالب: ........

أين؟

طالب: ........

يعني إذا أراد أن يعصي الله في البيت وهو في المشرق أو المغرب لا يؤاخذ على الإرادة إنما يؤاخذ على الفعل.

طالب: ........

الفعل.. إذا قلنا المؤاخذة على الفعل..

طالب: ........

كيف؟

طالب: ........

ما يصير فيه خصوصية.

طالب: ........

أين؟

طالب: ........

المقصود أن اللفظ محتمِل، وإذا قلنا: من يرد فيه بإلحاد بظلم فيه لشمل الأمرين، ولذلك إذا قدرنا فيه وقد يُحذَف الشيء للدلالة عليه {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [سورة المؤمنون:33] أي منه لا بد من التقدير، فإذا قدرنا الجار والمتعلَّق بالظلم كما هو منطوق به بالإرادة صار من خصائص البيت مجرد الإرادة، وأيضًا وقوع الظلم المخطَّط له خارج البيت.

طالب: ........

لكن الآية؟

طالب: ........

المهم أنه مقدَّر في الثاني مثل {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [سورة المؤمنون:33] نفس الشيء.

طالب: ........

أين؟

طالب: ........

كلها.. مكة تبع الحرم.

طالب: ........

كلاهما.

طالب: ........

يقول: أمنًا من العدو وأمنًا أن يحمل فيه السلاح.. على إيراد تقدير تكرار العامل.

طالب: ........

الخوف لكن السلاح لا شك أنه مثير للخوف الذي هو ضد الأمن ولو لم يُستعمَل.

طالب: ........

انتُهك في الساعة التي استُثنيت للرسول -عليه الصلاة والسلام- يعني أُحلت له.

طالب: ........

هو خبر أم حكم شرعي؟

طالب: ........

خلاص كونه يُنتهك فيه السلاح لا يعني أن الآية اختلت أو..

طالب: ........

نعم حكم شرعي.

"وقال سعيد بن جبير في الراوية الأخرى وقتادة وعطاء الخراساني: {مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} أي مجمعًا وأمنًا. قال الضحاك عن ابن عباس: أي أمنًا للناس. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً} [سورة البقرة:125] يقول: أمنًا من العدو وأن يحمل فيه السلاح."

يعني وأمنًا أن يحمل فيه السلاح، والعطف كما هو معلوم على نية تكرار العامل.

"وقد كانوا في الجاهلية يُتخطَّف الناس من حولهم وهم آمنون لا يُسبَون، وروي عن مجاهد وعطاء والسدي وقتادة والربيع بن أنس قالوا: من دخله كان آمنًا، ومضمون ما فسَّر به هؤلاء الأئمة هذه الآية أن الله تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفًا به شرعًا وقدرًا من كونه مثابة للناس أي جعله محلاًّ تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه، ولا تقضي منه وطرًا ولو ترددت إليه كل عام استجابة من الله تعالى.."

ولذلك نسمع ونقرأ في تراجم أهل العلم من حج خمسين حجة وستين حجة وسبعين حجة، قالوا/ محمد بن أبي عمر العدَني حج ماشيًا سبعين حجة، هو عدَني أصله وسكن مكة فإذا كان حجه من مكة فأمره سهل، لكن من عدَن؟! سبعين حجة! المشقة ظاهرة، وعلى كل حال سبعون حجة بذاتها لو هو على الطائرة ما هو ماشٍ أقول تعطي شيئًا من الحرص الشديد على الخير، والحج الذي يخرج الإنسان من ذنوبه كيوم ولدته أمه، والله المستعان، وفيه تطبيق عملي للآية مثابة.

طالب: ........

كيف؟

طالب: ........

طيب.. طيب..

طالب: ........

كل له ما يناسبه أمنًا لو قلنا قدري لقلنا إنه ما هو بصحيح؛ لأنه اختُرق وحصل فيه قتال.

طالب: ........

لا، لنخرج من مخالفة خبر الله الواقع لا بد من مخالفته الذي لا يقع فيه الخلف.

"استجابة من الله تعالى لدعاء خليله إبراهيم -عليه السلام- في قوله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [سورة إبراهيم:37] إلى أن قال: {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [سورة إبراهيم:40] ويصفه تعالى بأنه جعله أمنًا من دخله أمِن، ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنًا، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يعرض له كلما.."

كما.

"كما وصفها في سورة المائدة بقوله تبارك وتعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ} [سورة المائدة:97] أي يدفع عنهم بسبب تعظيمها السوء كما قال ابن عباس.."

عندنا يرفع.

يرفع.. والرفع والدفع..

"كما قال ابن عباس: لو لم يحج الناس هذا البيت لأطبق الله السماء على الأرض وما هذا الشرف.."

ولذلك قال العلماء: إن الحج حج البيت كل عام فرض كفاية، فإذا قُدِّر أن الناس كلهم حجوا حج الفريضة فلا بد أن يحج البيت، لا بد أن يُحج البيت ولو ممن أدى الفريضة.

"وما هذا الشرف إلا لشرف بانيه أولاً وهو خليل الرحمن كما قال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً} [سورة الحـج:26]. وقال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [سورة آل :96-97]. وفي هذه الآية الكريمة نبه على مقام إبراهيم مع الأمر بالصلاة عنده فقال: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125]. وقد اختلف المفسرون في المراد بالمقام ما هو، فقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمر بن شبة النميري.."

الخلاف في المقام هل هو جميع المقامات؛ لأن مقام إبراهيم مفرد مضاف فيعم جميع ما قام فيه إبراهيم من المشاعر، وهذا قول معروف عند أهل العلم؛ لأنه مفرد مضاف فيعم، ومنهم من يقول: مقام إبراهيم الحجر المعروف بجوار الكعبة، ويؤيِّده كما جاء في حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه جاء إلى المقام وتلا الآية: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125] وصلى خلفه ركعتين.

"فقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمر بن شبة النميري قال: حدثنا أبو خلف يعني عبد الله بن عيسى قال: حدثنا داود بن أبي هند عن مجاهد عن ابن عباس {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125] قال: مقام إبراهيم الحرم كله. وروي عن مجاهد وعطاء مثل ذلك، وقال أيضًا: حدثنا الحسن بن محمد بن الصبَّاح قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125] فقال: سمعت ابن عباس قال: أما مقام إبراهيم الذي ذكر هاهنا فمقام إبراهيم هذا الذي في المسجد ثم قال: ومقام إبراهيم يُعَدّ كثير.."

يَعُد..

"يَعُد كثير مقام إبراهيم الحج كله، ثم فسره لي عطاء فقال: التعريف وصلاتان بعرفة والمشعر ومنى ورمي الجمار والطواف بين الصفا والمروة، فقلت: أفسره ابن عباس؟ قال: لا، ولكن قال: مقام إبراهيم الحج كله، قلت: أسمعت ذلك لهذا أجمع؟ قال: نعم سمعته منه، وقال سفيان الثوري عن عبد الله بن مسلم عن سعيد بن جبير: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125] قال: الحجر من مقام إبراهيم.."

نبي الله.. نبي الله..

نبي الله.. لبنة الله..

مقام إبراهيم نبي الله.

طالب: ........

أو ليَّنه الله.. نعم؛ لأنه جاء في بعض الروايات ليَّنه الله صريحًا.

ليَّنه الله؟

نعم.

"الحجر مقام إبراهيم ليَّنه الله قد جعله الله رحمة."

لأنه محل استشكال من كثير من الناس واستغراب كيف حجر يقف عليه بشر، وتبين آثار القدمين إلا بتليين وليَّن الله -جل وعلا- لداود الحديد كما هو معلوم.

"قد جعله الله رحمة فكان يقوم عليه ويناوله إسماعيلُ الحجارة، ولو غسل رأسه كما يقولون لاختلف رجلاه."

ما المناسبة؟

طالب: ........

ماذا؟

طالب: ........

لعل في الروايات ما يفسر هذا ويوضحه.

طالب: ........

نبي الله.. نبي الله..

طالب: ........

ماذا؟

طالب: ........

لا، ما هو الحِجْر! لا لا، الحَجَر الحَجَر..

طالب: ........

المقام الحَجَر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم حتى غسلت رأسه.

"وقال السدي: المقام الحَجَر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم حتى غسلت رأسه، حكاه القرطبي وضعَّفه، ورجَّحه غيره، وحكاه الرازي في تفسيره عن الحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس."

يعني ما الحكمة من اتخاذ هذا الحجر؟ هل هو من أجل أن يغتسل عليه أو يغسل رأسه عليه؛ لئلا تتأثر قدماه بالطين الذي في الأرض أو التراب المبتَل، أو هو من أجل أن يرتفع كلما ارتفع الجدار؛ لأن مكان الجدار ما يحتاج إلى حجر في مستوى طول إبراهيم -عليه السلام- ما احتاج، لكن لما ارتفع احتاج إلى شيء يصعد عليه.

"وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد الصبَّاح قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه سمع جابرًا يحدث عن حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لما طاف النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له عمر: قال هذا مقام أبينا إبراهيم قال: «نعم» قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله -عز وجل-: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125]."

وهذه من موافقات عمر -رضي الله عنه-، وفي الصحيح قال: وافقت ربي في ثلاث مع أن الموافقات أكثر من هذه، وأُلِّف فيها مصنَّف رسالة ما هي كبيرة، أظنها نظم الكوكب الأغر في موافقات عمر -رضي الله عنه وأرضاه-.

"وقال عثمان بن أبي شيبة: أخبرنا أبو أسامة عن زكريا عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة قال: عمر قلت: يا رسول الله، هذا مقام خليل ربنا؟ قال: «نعم». قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فنزلت {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125] وقال ابن مردويه: حدثنا دعلج بن أحمد قال: حدثنا غيلان بن عبد الصمد قال: حدثنا مسروق بن المرزبان قال: حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه مر بمقام إبراهيم فقال: يا رسول الله، أليس نقوم مقام خليل ربنا؟ قال: «بلى» قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فلم يلبث إلا يسيرًا حتى نزلت {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125] وقال ابن مردويه: حدثنا علي بن أحمد بن محمد القزويني قال: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد قال: حدثنا هشام بن خالد قال: حدثنا الوليد عن مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: لما وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم قال له عمر: يا رسول الله، هذا مقام إبراهيم الذي قال الله: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125]؟ قال: «نعم» قال الوليد قلت لمالك هكذا حدثك {وَاتَّخِذُواْ} [سورة البقرة:125]؟ قال نعم هكذا وقع في الرواية وهو غريب.

وقد روى النسائي من حديث الوليد بن مسلم نحوه وقال البخاري باب قوله {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125]: مثابة يثوبون يرجعون حدثنا مسدَّد قال حدثنا يحيى عن حميد عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: وافقت ربي في ثلاث أو وافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله، لو اتخذتَ من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125]، وقلت: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض نسائه، فدخلت عليهن فقلت: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيرًا منكن، حتى أتيت إحدى نسائه فقالت: يا عمر، أما في رسول الله ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت؟! فأنزل الله {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ} [سورة التحريم:5] الآية، وقال ابن أبي مريم: أخبرنا يحيى بن أيوب قال: حدثني حميد قال: سمعت أنسًا عن عمر -رضي الله عنه- هكذا ساقه البخاري هاهنا، وعلق الطريق الثانية عن شيخه سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري، وقد تفرّد بالرواية عنه البخاري من بين أصحاب الكتب الستة، وروى عنه الباقون بواسطة، وغرضه.."

تفرد بالرواية عنه يعني من دون واسطة مباشرة؛ لأن إطلاق العبارة هكذا لولا أنه بيَّن فيما بعد معناه أنه لا توجد له رواية في بقية الكتب الستة، إذا قيل: تفرد بالرواية عنه البخاري أن روايته لا توجد في شيء من الكتب، لكن كلامه وسياقه يدل على أنه تفرد بالرواية عنه مباشرة من غير واسطة.

"وغرضه من تعليق هذا الطريق؛ ليبين فيه اتصال إسناد الحديث، وإنما لم يسنده؛ لأن يحيى بن أيوب الغافقي فيه شيء كما قال الإمام أحمد فيه هو سيئُ الحفظ. والله أعلم."

من أسباب التعليق؛ لأن البخاري فيه ألف وثلاثمائة وواحد وأربعون حديثًا معلَّقًا، وكلها موصولة في الصحيح ما عدا مائة وستين هذه الأحاديث الموصولة في الصحيح لماذا علَّقها في موضع آخر؟ هو الأصل أنه اكتفاءً بما ذكره في الموضع الثاني، لكنه لا يعلِّق شيئًا وإن كان على شرطه إلا أن فيه شيئًا أو مغمز غير مؤثِّر، لكن لشدة تحريه إذا وُجد فيه شيء من الكلام ولو كان غير مؤثِّر أو كان لا يثبت عنده فإنه حينئذٍ يعلِّق كما فعل هنا، يقول: وإنما لم يسنده؛ لأن يحيى بن أيوب الغافقي فيه شيء كما قال الإمام أحمد فيه هو سيئ الحفظ، والله أعلم، لكنه على شرط البخاري هو في الأصل.

"وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم قال: حدثنا حميد عن أنس قال: قال عمر -رضي الله عنه-: وافقت ربي -عز وجل- في ثلاث قلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125] وقلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب، واجتمع على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نساؤه في الغيرة فقلت لهن: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ} [سورة التحريم:5] فنزلت كذلك، ثم رواه أحمد عن يحيى وابن أبي عدي كلاهما عن حميد عن أنس عن عمر أنه قال: وافقت ربي في ثلاث أو وافقني ربي في ثلاث فذكره، وقد رواه البخاري عن عمرو بن عون، والترمذي عن أحمد بن منيع والنسائي عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي وابن ماجه عن محمد الصبَّاح كلهم عن هشيم بن بشير به، ورواه الترمذي أيضًا عن عبد بن حميد عن حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة، والنسائي عن هنَّاد عن يحيى بن أبي زائدة كلاهما عن حميد وهو ابن تِيْرَوَيْه الطويل به، وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه الإمام علي بن المديني عن يزيد بن زريع عن..

زَريع

 عن حميد به، وقال: هذا من صحيح الحديث، وهو بصري، ورواه الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه بسند آخر ولفظٍ آخر فقال: حدثنا عقبة بن مَكرَم قال: أخبرنا سعيد بن عامر عن جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث في الحجاب وفي أسارى بدر وفي مقام إبراهيم. وقال أبو حاتم الرازي."

صارت أربعًا.

"وقال أبو حاتم الرازي: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: وافقني ربي في ثلاث، أو وافقت ربي فقلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125] وقلتُ: يا رسول الله لو حجبت النساء فنزلت آية الحجاب، والثالثة لما مات عبد الله بن أُبَيّ جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي عليه قلتُ: يا رسول الله تصلي على هذا الكافر المنافق؟! فقال: «إيهًا عنك يا ابن الخطاب» فنزلت {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} [سورة التوبة:84]. وهذا إسناد صحيح أيضًا، ولا تعارض بين هذا ولا هذا، بل الكل صحيح، ومفهوم العدد إذا عارضه منطوق قُدِّم عليه، والله أعلم."

جاء في الحديث الصحيح أنه «لم يتكلَّم في المهد إلا ثلاثة، لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة» أو العبارة «تكلم في المهد ثلاثة» كما في بعض الروايات، وبالاستقراء ظهر أن الذين تكلموا في المهد أكثر من ثلاثة، مما جعل بعض الشراح يسيئ الأدب، وقال: في هذا الحصر نظر، مَن الذي تكلم؟! الرسول -عليه الصلاة والسلام- والحديث صحيح، تكلم في المهد أكثر من ثلاثة وهو يقول -عليه الصلاة والسلام-: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة» في أول الأمر ما كان عنده خبر -عليه الصلاة والسلام- إلا عن هؤلاء الثلاثة، ثم أُخبر بالزيادة على الثلاثة في مناسبات لاحقة.

تفضَّل.

المؤذن يؤذن.

قال -رحمه الله-: ولا تعارض بين هذا ولا هذا، يعني ونظيره ما جاء في حديث علامات المنافق، علامات المنافق جاء حصرها، ثم بالاستقراء وجمع الروايات تبين أن العدد أكثر، فقال: ولا تعارُض بين هذا ولا هذا، بل كل صحيح ومفهوم العدد إذا عارضه منطوق قُدِّم عليه، والله أعلم. الله -جل وعلا- يقول لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [سورة التوبة:80] يعني المفهوم أنه لو استغفر واحدًا وسبعين مرة أنه يغفر لهم هذا المفهوم، لكنه معارَض بمنطوق قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء:48] يعني لو استغفر مليون مرة ما غفر لهم؛ لأن منطوق الآية معارِض لمفهوم تلك.

طالب: ........

ابن كثير يستوعب، ولذلك كان قابلاً للاختصار.

"وقال ابن جريج: أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمَل ثلاثة أشواط ومشى أربعًا، حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين ثم قرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125]، وقال ابن جرير: حدثنا يوسف بن سلمان قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: استلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الركن.."

جعفر الصادق عن أبيه محمد بن علي الباقر الحديث معروف في صحيح مسلم في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"قال: استلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الركن فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125] فجعل المقام بينه وبين البيت فصلى ركعتين، وهذا قطعة من الحديث الطويل الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث حاتم بن إسماعيل، وروى البخاري بسنده عن عمرو بن دينار."

يقول: فرمَل ثلاثًا والرمل في حجة الوداع يستوعب الشوط كاملاً بخلاف ما جاء في عمرة القضاء من أنه يمشي بين الركنين، أما في حجة الوداع فالرمَل مستوعِب للشوط؛ لأنه في عمرة القضاء كان الكفار جالسين في الجهة المقابلة، فإذا غاب عنهم مشى؛ لأن الرمَل أصله إغاظة الكفار؛ لأنهم قالوا: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- ورمل أصحابه لإغاظتهم؛ ليعرف أنه ما وهنهم شيء ثم قال هذا الذي قلتم وإنهم كالغزلان، أما في حجة الوداع فما فيه أحد ينظر، فالرمَل شُرع لحكمة، وارتفعت الحكمة، وبقي الحكم.

طالب: ........

يعني تقديمه وتأخيره، قالوا: كان ملاصقًا للكعبة، وأخره عمر قليلاً ثم جاء السيل فأزاحه ثم أعاده عمر إلى مكانه، على كل حال المسألة خلافية في تأخيره أكثر مما فعله عمر، وأما فعل عمر وهو الخليفة الراشد فلا اعتراض عليه «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي»، لكن لو اقتضت المصلحة أن يُدخَل في الأروقة مثلاً وبُحث هذا، لكن مَن الذي عمله تشريع كعمل عمر؟! لا يجوز تقديمه ولا تأخيره، وأُلِّف في المقام وحكم التقديم والتأخير رسائل مقام إبراهيم للشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي ورُد عليه.. الشيخ سليمان بن حمدان، الشيخ المعلمي أورد أسئلة حول تقديمه وتأخيره، ولا أدري ما الذي اختاره، لكن الشيخ سليمان بن حمدان ردّ عليه في كتاب أسماه نقض المباني من فتوى اليماني، ثم الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- رد على الشيخ سليمان بن حمدان. على كل حال المسألة صنيع عمر لا اعتراض عليه؛ لأنا أمرنا بالاقتداء به مع أبي بكر، وأُمرنا بالأخذ بسنته كبقية الأربعة، وأما مَن عداهم فلا.

طالب: ........

أين؟

طالب: ........

نعم هل العبرة بالمقام الحجر أو مكان الحجر؛ لأن مقام ظرف مكان، فهل العبرة هذا أو ذاك؟ على كل حال من صلى خلف الحجر فقد صلى خلف المقام.

طالب: ........

أين؟

طالب: ........

لا لا، مكانه مكان عمر على تأخير عمر ما أُخِّر أكثر من ذلك.

طالب: ........

تلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- فهي سنة مثل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} [سورة البقرة:158].

طالب: ........

على كل حال الذي يقتدي يقرأها سواء كان تعليمًا أو اتباع الأصل، الاتباع.

"وروى البخاري بسنده عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: قدِم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فطاف بالبيت سبعًا وصلى خلف المقام ركعتين، فهذا كله.."

من الطرائف كتاب اسمه مقام إبراهيم مطبوع طباعة فاخرة، ورأيته يباع وهو مطبوع قبل ستين سنة أو خمسين سنة، وتصفحته بسرعة كذا، وبين كل جملتين سلام على إبراهيم بين كل جملتين فرحت به، قلت: لعله تأليف في المقام يوم ذهبت إلى البيت وجلست أتصفح، وإذا ما هو المقام ولا فيه كلمة عن المقام ولا عن إبراهيم -عليه السلام-، فإذا فيه كلمة في حفل تأبين شخص يقال له: إبراهيم هنانو من أعضاء المجمع العربي السوري ما هو من الموضوع الذي نحن فيه، لكن التدليس في سلام على إبراهيم! الله المستعان!

"فهذا كله مما يدل على أن المراد بالمقام إنما هو الحجر الذي كان إبراهيم -عليه السلام- يقوم عليه لبناء الكعبة لما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل -عليه السلام- به ليقوم فوقه ويناوله الحجارة فيضعها بيده لرفع الجدار كلما كمل ناحية انتقل إلى الناحية الأخرى يطوف حول الكعبة وهو واقف عليه، كلما فرغ من جدار نقله إلى الناحية التي تليها، هكذا حتى تم جدارات الكعبة كما.."

وهكذا حتى..

وهكذا؟

نعم وهكذا..

"وهكذا حتى تم جدارات الكعبة كما سيأتي بيانه في قصة إبراهيم وإسماعيل في بناء البيت من رواية ابن عباس عند البخاري، وكانت آثار قدميه ظاهرة فيه، ولم يزل هذا معروفًا تعرفه العرب في جاهليتها، ولهذا قال أبو طالب في قصيدته المعروفة اللامية:

وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة
 

 

 على قدميه حافيًا غير ناعل
 

وقد أدرك المسلمون ذلك فيه أيضًا كما قال عبد الله بن وهب: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثهم قال: رأيت المقام الذي فيه أثر أصابعه -عليه السلام- وأخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم. وقال ابن جرير: حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125] قال: إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه، ولقد تكلفت هذه الأمة شيئًا.. شيئًا تكلفته الأمم قبلها.."

ما تكلفته.. ما تكلفته الأمم قبلها.

ما تكلفته؟

نعم.. ما تكلفته الأمم قبلها، ولذلك في خبر أنس -رضي الله عنه- إلى عصر أنس الأصابع موجودة إلى أن أدركه عمر والأصابع موجودة بدليل هذا دليل على أنه ما مُسح.

"ولقد تكلفت هذه الأمة شيئًا ما تكلفته الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيه، فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى. قلت: وقد كان المقام ملصقًا بجدار الكعبة قديمًا ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب، مما يلي الحِجْر يمنة الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك، وكان الخليل -عليه السلام- لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة أو أنه انتهى عنده البناء، فتركه هناك، ولهذا -والله أعلم- أُمر بالصلاة هناك عند فراغ الطواف، وناسب أن يكون عند مقام إبراهيم، حيث انتهى بناء الكعبة فيه، وإنما أخره عن جدار الكعبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-، وهو أحد الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين الذين أُمرنا باتباعهم، وهو أحد الرجلين اللذَين قال فيهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اقتدوا باللذَين من بعدي أبي بكر وعمر»، وهو الذي نزل القرآن بوفاقه في الصلاة عنده، ولهذا .. لم ينكر ذلك أحد من الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-، قال عبد الرزاق عن ابن جريج قال: حدثني عطاء وغيره من أصحابنا قالوا: أول مَن نقله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وقال عبد الرزاق أيضًا عن معمر عن حميد الأعرج عن مجاهد قال: أول من أخَّر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.

 وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل بن الفضل.. بن الفضل القطان قال: أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل قال: حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السُّلَمي قال: حدثنا أبو ثابت قال: حدثنا الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-: أن المقام كان في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزمان أبي بكر ملتصقًا بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهذا إسناد صحيح مع ما تقدم وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: حدثنا ابن أبي عمر العدَني قال: قال سفيان -يعني ابن عيينة- وهو إمام المكيين في زمانه كان المقام من سقع البيت على عهد رسول -صلى الله عليه وسلم-، فحوَّله عمر إلى مكانه بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد قوله: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125] قال: ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا، فرده عمر إليه وقال سفيان: لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله قال سفيان: لا أدري أكان لاصقًا بها أم لا؟ فهذه الآثار متعاضدة على ما ذكرناه، والله أعلم.

 وقد قال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا أبو عمرو وهو أحمد بن محمد بن حكيم قال: حدثنا محمد بن عبد الوهاب بن أبي تمّام قال: حدثنا آدم هو ابن أبي إياس في تفسيره قال: حدثنا شريك عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد قال: قال عمر: يا رسول الله، لو صلينا خلف المقام؟ فأنزل الله {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة:125] فكان المقام عند البيت فحوله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى موضعه هذا قال مجاهد: قد كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن. هذا مرسل عن مجاهد، وهو مخالِف لما تقدَّم من رواية عبد الرزاق عن معمَر عن حميد الأعرج عن مجاهد أن أول من أخَّر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وهذا أصح من طريق ابن مردويه مع اعتضاد هذا بما تقدم، والله أعلم."

لأن طريق ابن مردويه الأخير مقتضاه أن الذي أخَّر الحجر المقام الذي أخره النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- وهو مخالف لجميع الروايات السابقة، وهي صحيحة أن الذي أخره هو عمر- رضي الله عنه-.