كتاب النكاح من المحرر في الحديث - 03

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

يقول: الكَرَب أصول السعف الغلاظ العراض التي تيبس فتصير مثل الكتف، كما في لسان العرب.

أصول السعف أصول العسب، الكرب أصول العسب واحد العسيب وهو العصا، السعف ورق العُسُب العسيب كان معروفًا عسيب النخل في أصله عريض جدًّا، ثم يتضاءل قليلاً قليلاً إلى أن يكون رفيعًا جدًا في آخره، هذا العسيب، الغليظ منه يسمى كربًا، أما أصول السعف، السعف هو المتفرع عن العسب.

طالب: .........

يقول: بنو سلِمة بكسر اللام قبيلة معروفة من الأنصار، والنسبة إليهم سَلَمي، من ولده جابر بن عبد الله قال الدارقطني: باب سلَمة وسلِمة، أما سلَمة وأبو سلَمة وابن سلَمة فكثيرون، يعني بفتح اللام، وأما سلِمة- بكسر اللام- فهو بما ذكر ابن حبيب في الأنصار سلِمة بن سعد.

وهذا ليس محل البحث المطلوب، نحن ما نتردد بأن جابر بن عبد الله سلَمي من بني سلِمة، لكن المرأة التي خطبها، الجارية التي خطبها وكان يتخبأ لها هذه مضبوطة من بني سلَمة بالكتاب، فهل هي من قبيلة جابر أو من غيرها؟ هذا الكلام.

سهيمة بنت مسعود بن أوس بن مالك بن سواد الأنصارية .. زوج جابر بن عبد الله، والدة ولده عبد الرحمن، ذكرها ابن حبيب في المبايعات، ما فيه شيء، ما فيه جواب.

 يقول الكاتب: بهذا يظهر أن جابرًا -رضي الله عنه- التي خطبها وهي جارية أم الحارث بنت محمد بن مسلمة؛ لأنه قال: وخطبت جارية من بني سلمة، وأم الحارث بنت محمد بن مسلمة أبوها هو محمد بن مسلمة بن سلمة، هذا البحث يبين لنا أن لجابر زوجتين عبد الرحمن، وأم حبيب، يقول: أمها سهيمة بنت مسعود بن أوس بن مالك، هذا ولد جابر بن عبد الله عبد الرحمن وأم حبيب أمهما سهيمة بنت مسعود، ومحمد بن جابر وحميدة أمهما أم الحارث بنت محمد بن مسلمة.

نعم، تبين أنهما زوجتان، فلا تعارض.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

نعم.

"بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.

قال الإمام ابن عبد الهادي في محرره:

كتاب النكاح:

 وعن سهل بن سعد الساعدي- رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله جئت أهب نفسي لك، فنظر إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصعّد النظر فيها وصوّبه، ثم طأطأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها، أنه لم يقض فيها شيئًا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: «هل عندك من شيء؟» فقال: لا والله يا رسول، فقال: «فاذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا؟» فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ما وجدت شيئًا فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «انظر ولو خاتم من حديد» فذهب.."

عندك ولو ولو..

"«ولو خاتم من حديد» فذهب.."

منصوب أم..؟

منصوب.

خاتمًا.. خاتمًا..

أحسن الله إليك.

"«انظر ولو خاتمًا من حديد» فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ولا خاتمًا من حديد."

ولا خاتمٌ.

"ولا خاتمٌ من حديد، ولكن هذا إزاري- قال سهل: ما له رداء- فلها نصفه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما تصنع بإزارك، إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء فجلس؟» فجلس الرجل، حتى إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موليًا، فأمر به فدُعي، فلما جاء قال: «ماذا معك من القرآن؟» قال: معي سورة كذا وسورة كذا، عددها، فقال: «تقرؤهن عن ظهر قلب؟» قال: نعم، قال: «اذهب، فقد ملكتها بما معك من القرآن»."

ماذا ؟ فقد.. فقد إيش؟

مَلُّكْتُها.

مُلِّكْتَها مُلِّكْتَها.

أحسن الله إليك.

"«فقد مُلِّكْتَها بما معك من القرآن» متفق عليه، واللفظ لمسلم، وفي لفظ له قال: «انطلق، فقد زوجتكها فعلمها من القرآن»، وفي لفظ للبخاري: «مكناكها بما معك من القرآن».

 وعن عبد الله القرشي عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه- رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أعلنوا النكاح» رواه الإمام أحمد والطبراني، وقال: صحيح الإسناد.

 وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا نكاح إلا بولي»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وابن حبان، وصححه ابن المديني وغيره.

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن»، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت»، متفق عليه.

 وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها»، رواه مسلم، وفي لفظ: «ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر، وصمتها إقرارها»، رواه أبو داود والنسائي وأبو حاتم البستي والدارقطني.

 وعنه -رضي الله عنه- أن جارية بكرًا أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيَّرها النبي -صلى الله عليه وسلم-، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني، وله علة بينها أبو داود وأبو حاتم وغيرهما، وهي الإرسال.."

حسبك يكفي يكفي..

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: "وعن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم"-؛ لتهب نفسها له، وهذه المرأة -كما يقول الشراح- لا يُعرَف اسمها، وذكروا أنها غير الواهبة التي جاء ذكرها في القرآن؛ {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [سورة الأحزاب:50]، هذه غيرها، هذه لم يوقف على اسمها.

جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكونه لم يوقف على اسمها؛ لأن هذا لا يترتب عليه حكم، وإلا فالعلماء اجتهدوا في بيان المبهمات في القرآن، والمبهمات في السنة، مفحمات الأقران من مبهمات القرآن، وأما بالنسبة للمبهمات في السنة سواء كانت في المتون أو في الأسانيد ففيها مصنفات كثيرة؛ لأنها في الأسانيد يترتب عليها التصحيح والتضعيف، وفي المتون قد يستفاد منها فوائد لاسيما إذا كان المبهم متقدم الإسلام أو متأخرًا، فيعرف منه تقدم الخبر أو تأخره فيعرف هل هو ناسخ أو منسوخ، وفي هذا مصنفات كثيرة منها الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة للخطيب البغدادي، ومنها للنووي، ومن أجمعها: المستفاد من مبهمات المتن والإسناد للحافظ ولي الدين أبي زرعة بن الحافظ العراقي، هذا من أجمع ما ألف في مبهمات الأحاديث سواء كانت في الأسانيد أو في المتون.

 البحث عن هذه المرأة عن اسمها وعن قبيلتها وعن شيء مما يتعلق بها ما يترتب عليه حكم؛ لأن الأحكام الكثيرة جدًّا استنبطت من قصتها، ولم يتوقف ذلك على معرفة اسمها.

 "إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، جئت أهب نفسي لك، جئت أهب نفسي لك".

 في الدرس الأول جاء عثمان أمير المؤمنين إلى عبد الله بن مسعود يعرض عليه: ألا نزوجك جارية شابة تذكرك بما مضى من شبابك، أو تعيد إليك ما مضى من شبابك؟ لأنه ما فيه شك بأن نكاح الصغيرة يختلف عن نكاح الكبيرة، العرض على أهل الخير والفضل والصلاح كما في الحديث الأول، وفي هذا الحديث، جاءت المرأة نفسها تعرض نفسها، وتهب نفسها للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وأي شرف، وأي فضل من أن تكون المرأة زوجة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن أمهات المؤمنين، ومنزلتهن معه في الجنة نفس المنزلة!! حتى إن ابن حزم قرَّر أن زوجات النبي -عليه الصلاة والسلام- أفضل من أبي بكر وعمر؛ لأنهن معه في نفس المنزلة، وأبو بكر وعمر في منزلة دونه -عليه الصلاة والسلام- بلا شك، وإن كانا أفضل الأمة بعده -عليه الصلاة والسلام-، هذا ما قرره ابن حزم.

 وجهور العلماء على خلاف ذلك؛ فإن أفضل الأمة أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وكونهن بمنزلته أو معه في المنزلة في الجنة هذا لا يعني أنهن أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، لا يعني هذا بالضرورة؛ لأن ما يثبت تبعًا يختلف عما يثبت استقلالاً، أنتم ترون وتشاهدون، وبعضكم يزاول هذا الأمر، أن بعض الخدم في البيوت يعيش حياة أفضل من كثير من أوساط الناس وهم خدم، لماذا؟

لأنهم معهم تبعًا في بيوتهم، معهم في رفاهيتهم، لكن لا يعني أنهم أفضل من سائر الناس؛ لأن ثبوت الشيء بالتبعية يختلف عن ثبوته بالأصالة.

 هذه المرأة أرادت أن تقترن به -عليه الصلاة والسلام-؛ لتنال هذا الفضل، وأخذ منه أهل العلم استحباب عرض المرأة نفسها على رجل من الصالحين، وهذا موجود إلى وقتنا هذا، لاسيما مع وسائل الاتصال، كان النساء يستحين أن يعرضن إلى وقت قريب قبل هذه الوسائل الخاصة التي توصل المراد من غير أن يشعر طرف ثالث فيه حرج، فيه غضاضة عليها، لكن الآن من تريده من أهل الصلاح أو من غيرهم ما عليها إلا أن تبحث عن رقمه، وتتصل عليه، وتبدي رغبتها، أو توسط من يوصل رغبتها، لا شك أن هذه منقبة لمن يفعل هذا سواء كان من الصالحين أو من الصالحات، البحث عن الصالح، مثل ما قلنا في الدرس الأول، الصالح التقي إذا أحب أكرم، وإذا قلى وأبغض لم يظلم أقل الأحوال، فمثل هذا مرغب فيه في الشرع، ولكن مع النظر إلى اعتبارات أخرى، يعني ما تنزج المرأة الصالحة أو الشابة أو الفتاة الصالحة، فتعرض نفسها على شخص لا يصلح، يعني كبير سن جدًّا، بحيث يحوجها إلى غيرها، وبحيث تحتاج إلى غيرها، بحيث يحرمها من متع الدنيا، البعض يسمع مثل هذا الكلام من الصالحات أو من الصالحين، ثم بعد ذلك ما يبحث عن الأمور الأخرى، هذا لا بد من ملاحظته.

 "جئت أهب نفسي لك يا رسول الله، فنظر إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصعّد النظر فيها وصوّبه"، رفع بصره؛ لأنه جالس، وهي قائمة أمامه، رفع بصره، صعد النظر وصوبه، التصويب خفض البصر، وطأطأة الرأس، والتصعيد رفعه.

 "ثم طأطأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم"-، يعني إلى الأرض، صار ينظر إلى الأرض، وبهذا قرر الحافظ ابن حجر -رحمه الله- الذي تقرر عنده أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يلزَم المرأة المسلمة أن تحتجب عنه، مع الحجاب -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه صعد وصوب، لكن إن كان له نظر في نكاحها، فهذا يكون من باب النظر إلى المخطوبة، من باب النظر إلى المخطوبة، وهو مشروع بأدلة كثيرة على ما تقدم.

 "فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئًا" أنه رغب عنها -عليه الصلاة والسلام- "جلست" جلست؛ لعله يتغير رأيه، أو يوجد من الحاضرين من تعجبه، "جلست فقام رجل من الصحابة، فقام رجل من أصحابه" وهذا الرجل أيضًا يقول ابن حجر وغيره: لم نقف على اسمه، لم نقف على اسمه.

 "فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها"، هل قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: اذهب إلى وليها؟ هي وهبت نفسها للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولعل النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف من قرائن الأحوال أنها ليس لها ولي؛ لأنه لو كان لها ولي لجاء الولي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وبيَّن له رغبتها، وإلا لو كان لها ولي فإن الولي هو الذي يزوجها، وتُطلَب منه، لا من السلطان، السلطان ولي من لا ولي له.

 "فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: «فهل عندك شيء، أو فهل عندك من شيء؟ فهل عندك من شيء»؟" الميم زائدة للتأكيد، يعني شيء تصدقها إياه؛ لأن الصداق لا بد منه، الصداق لا بد منه، "«فهل عندك من شيء» فقال: لا والله يا رسول الله، فقال: لا والله يا رسول الله، فقال: «اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا؟»" هذا يدل على أن هذا الرجل حلف على غلبة ظنه، ويجوز الحلف على غلبة الظن، وإن لم يكن عن يقين بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: اذهب، يعني لو كان الحلف عن يقين ما قال له: اذهب، خلاص ما عنده شيء، والذي وطأ امرأته في رمضان حلف فقال: والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا، فهل فتش بيوت المدينة، بيوت المدينة بيتًا بيتًا ووجد عندهم أشياء لا توجد عنده؟!

على غلبة ظنه، ولهذا يقرر أهل العلم أنه يجوز الحلف على غلبة الظن.

 "قال: «اذهب إلى أهلك، وانظر هل تجد شيئًا؟» فذهب الرجل ثم رجع" تأكد "فقال: والله يا رسول الله ما وجدت شيئًا، ما وجدت شيئًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «انظر ولو خاتمًا من حديد، انظر ولو خاتمًا من حديد»"، يعني ولو كان المنظور خاتمًا من حديد، وفيه حذف كان مع اسمها، يعني ولو شيئًا يسيرًا، شيء يسمى مالًا يمكن أن تصدق به، ولو كان قليلًا جدًّا بهذه المثابة، مع أنه جاء النهي عن التختم بالحديد، النهي عن التختم بالحديد، وهذا الحديث معروف أنه صحيح، في الصحيحين، فهل يقال: إن هذا مقدم على ذاك، وأن هذا يدل على الجواز، أو أنه ليس المراد حقيقة الخاتم من حديد، وإنما انظر ولو شيئًا يسيرًا، شيء أدنى شيء يطلق عليه مالًا.

"فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله" ما عنده "ولا خاتم من حديد"، ولا ما يعادل الخاتم من الحديد، فلا بد أن يكون الصداق مالًا، «هل تجد شيئًا؟» لا بد أن يطلق عليه أنه شيء، لا بد أن يكون مالًا، خلافا لمن جوَّز أن يكون الصداق ولو حبة من شعير، هذه ما فيه أحد يعجز عنه، يجدها في الأرض ملقاة ويأخذها ويتصدق، هذا الكلام ليس بصحيح، وقال به ابن حزم، لا بد أن يكون شيئًا مما يتمول وحدَّه بعضهم بعشرة دراهم، بعشرة دراهم، ولا مستند له.

 "قال: والله لا والله يا رسول الله، ولا خاتمٌ من حديد، ولا خاتمٌ من حديد" يعني موجودٌ، ولا خاتمٌ من حديد موجودٌ، "ولكن هذا إزاري" وهو الذي يُلبس على النصف الأسفل من البدن. "قال سهل" الراوي سهل بن سعد الساعدي: "ما له رداء"؛ لأنه عليه، لابسه، إزار فقط بدون رداء، يعني ما يملك غيره، ما له رداء يعني يغطي النصف الأسفل من البدن، والنصف الأعلى مكشوف، وإذا حصلت تغطية النصف الأسفل من البدن تغطى من السرة إلى الركبة وما دونها صحت به الصلاة، ويُعذَر عن ستر المنكبين؛ لأنه ليس بشرط، وواجب ويأثم بتركه مع القدرة، لكن هذا ليست لديه قدرة.

 "قال سهل: ما له رداء فلها نصفه" لها نصفه، يقسم بينهما؟ أو تلبسه يومًا، وهو يلبسه يومًا؟ يعني نصف منفعته، أو نصف يشتركان فيه، لها نصف، الأشياء التي لا يمكن قسمتها مثل هذا ماذا يستفاد منه؟

يجلس يومًا ما عليه إزار؟! لأن الإزار صار بينهما لو حصل، أو يقسم الإزار فلا ينتفع به هو ولا تنتفع به هي.

 "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء» وهو لا يقبل القسمة، لا يقبل القسمة؛ لأنه لو قبل القسمة لشقه نصفين صار نصفه إزارًا، ونصفه رداءً، لكنه لا يقبل القسمة، «ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء»، إزار يلبسه الرجل، ففي هذا الحديث إن لبستَه، وإن لبستْه، يعني هل يكون لباس المرأة مثل لباس المرأة؟ وهل في هذا إقرار بأن تلبس المرأة نظير ما يلبس الرجل؟

 لا يجوز تشبه النساء بالرجال، ولا الرجال بالنساء، فإما أن يكون من لباس الرجال كما هو الأصل؛ لأنه هو لابسه، فلا يجوز للمرأة أن تلبسه؛ لأنه من التشبه، فهل في هذا إقرار، لبسها إياه؟

لا، ليس فيه إقرار، وإنما هو بيان واقع، بيان واقع، الآن خلاص ما فيه حيلة، الصداق لا بد منه، ولا صداق عنده، جلس هو كما جلست هي، لعل الفرج يأتي.

 "فجلس الرجل، حتى إذا طال مجلسه" ما فيه حل، الصداق لا بد منه، "حتى إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مولِّيًا" مدبرًا، وكأنه -عليه الصلاة والسلام- رثى له، وعطف عليه، وحن عليه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم -عليه الصلاة والسلام-، هذه المرأة محتاجة إلى زوج، وهذا الرجل محتاج إلى الزوجة، والصداق لا بد منه، ما الحل؟

"قام، فرآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مولّيًا، فأمر به فدُعي" طيب وهبت نفسها للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا الرجل طلبها وهي موهوبة للرسول -عليه الصلاة والسلام-، أهل العلم يقررون أن الهبة لا تثبت بمجرد اللفظ بالهبة، لا تثبت إلا بقبول الموهوبة، إلا بقبول الموهوبة، هل معك كذا؟ هل معك كذا؟ لا بد، أو ينبغي تعيين الصداق وأنه كذا، أو كذا، في العقد؛ لئلا يحصل خلاف وشقاق ونزاع، لكن لو لم يعيَّن، كثير من الناس إذا سأل العاقد قال: كم الصداق بينكما؟ قال: على المسمى، أو على الميسور، أو على ريـال، مثلاً وهو ليس بصحيح أنه يقبل ريـالًا، إذا عقد على غير تسمية المهر فلها مهر المثل، فلها عليه مهر المثل، وإن سمي المسمى ولو سمي المهر ولو كان قليلاً لزم، وثبت النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رد الإزار، «ما تصنع بإزارك؟!» قبل الإزار أن يكون مهرًا؟ ما قَبِل، دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يخرج ما لا يستغني عنه من ملكه، يفسخ سترته، سترته التي هي شرط لصحة الصلاة يخلعها ويبيعها، وقد وُجِد- نسأل الله السلامة والعافية- ممن يتصرفون بغير عقول من أهل المخدرات والمسكرات من يبيعون الضروريات، ومن يعرِّضون أنفسهم وغيرهم إلى المنكرات، وغير ذلك؛ بسبب الضغط، ضغط هذه المسكرات والمخدرات.

 "فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موليًا فأمر به فدعي، فلما جاء قال: «ماذا معك من القرآن؟ ماذا معك من القرآن؟» قال: معي سورة كذا وسورة كذا، عدَّدها"، وفي رواية قال: سورة البقرة، وفي رواية: والتي تليها، فعدَّد ما يحفظه من القرآن، "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «تقرؤهن عن ظهر قلب؟ تقرؤهن عن ظهر قلب؟»" يعني حفظًا، "قال: نعم، قال: نعم، قال: «اذهب فقد مَلَّكْتُكَها» أو «مُلِّكْتَها فقد مُلِّكْتَها بما معك من القرآن»".  زوَّجه إياها بما معه من القرآن.

وليس في الحديث ذِكْر خطبة الحاجة التي تقدم ذكرها، وهذا يدل على أنها ليست بواجبة، وهو قول عامة أهل العلم، وإن أوجبها الظاهرية وأبو عوانة على ما تقدم ذكره في درس الأمس. "متفق عليه، واللفظ لمسلم، وفي لفظ: «انطلق فقد زوجتكها، فعلمها من القرآن»"، يعني اللفظ الأول زوجه إياها إكرامًا له، وما فيه شيء يعود إليها، إكرامًا له، لكن اللفظ الثاني مفسِّر، وهو أنه لا بد أن تستفيد المرأة، ويكون هناك مقابِل وهو التعليم، والتعليم وإن لم يكن مالًا إلا أنه قد يؤول إلى المال، التعليم كما أنه يكون مجانًا يكون أيضًا بالأجرة، فكأن تزويجه- عليه الصلاة والسلام- إياه، تزويجه إياها بأن يعلمها شيئًا من القرآن بمثابة أنه استأجره بمبلغ من المال يعلمها هذه السور، وصار حقيقة الصداق هذا المقابل، ولا شك أن تعليم القرآن منفعة، وتؤخذ عليه الأجرة، «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله، إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله»، وجوَّز أهل العلم كون الصداق منفعة، وفي المسألة خلاف، لكن الحديث صحيح وصريح في جواز ذلك في اللفظ الأول «مُلِّكْتَها».

 قال بعض أهل العلم: يجوز العقد، عقد النكاح بلفظ التمليك "وفي لفظ لمسلم قال: «انطلق فقد زوجتكها»" ينعقد النكاح بلفظ التزويج وبلفظ التمليك، "وفي لفظ للبخاري: «فقد مكنَّاكها بما معك من القرآن»" أيضًا بلفظ التمكين؛ لأنه لا يكون تمكين من أجنبية إلا بالنكاح، فعندنا ثلاثة ألفاظ، وفي لفظ: «أنكحتكها» فصارت الألفاظ أربعة: التمليك، والتزويج، والإنكاح، والتمكين، ينعقد النكاح بأي لفظ من هذه، وطرد ذلك بعض العلماء وقالوا: ينعقد بأي لفظ يدل عليه، بأي لفظ يدل عليه؛ لوجود هذه الاختلافات بين هذه الألفاظ الأربعة ومفادها شيء واحد.

 طيب القصة واحدة، القصة واحدة، هل يتصور أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال الألفاظ الأربعة وهي قصة واحدة؟ إنما قال لفظًا واحدًا، والرواة تصرفوا تبعًا لما عُرِف عند أهل العلم من جواز الرواية بالمعنى، وهذا منه جواز الرواية بالمعنى، فالرواة تصرفوا، فالمجزوم به أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لفظًا واحدًا، وحينئذ نحتاج إلى مرجِّح فقال بعضهم: إن أرجح هذه الألفاظ «زوجتكها»؛ لأنه جاء جوابًا لقوله: زوجنيها، لأنه جاء جوابًا لقوله: "زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فزوجنيها فقال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: «زوجتكها بما معك من القرآن»".

 الألفاظ التي تدل على النكاح ينعقد بها مثل ما ذكر من الألفاظ الأربعة هنا، وطرد بعضهم مثل ما قلنا كل ما يدل على النكاح المؤبَّد ينعقد به الزواج، ويجوز أيضًا بغير العربية بالنسبة لغير العرب، أما بالنسبة للعرب فلا ينعقد إلا بلغتهم؛ لأنه هو الوارد في النصوص، فلا يعدل عنها إلا مع الضرورة أو الحاجة، فإذا كان الأطراف أعاجم، لا يعرفون الألفاظ العربية، ينعقد النكاح بلغتهم.

 هذا الحديث خرَّجه الإمام البخاري في مواضع، وترجم عليه بتراجم هي في حقيقتها أحكام مستنبطة من هذا الحديث، وأطال العلماء في شرحه وتقرير فوائده.

 وعلى كل حال هذا الذي يسعف فيه الوقت وإلا فالحديث يحتاج إلى شيء من البسط؛ لأنه أصل، وفيه فوائد كثيرة جدًّا، ونكتفي بهذا القدر.

 قال -رحمه الله-: "وعن عبد الله القرشي، وعن عبد الله القرشي، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أعلنوا النكاح، أعلنوا النكاح»وهذا الحديث "رواه الإمام أحمد والطبراني والحاكم وقال: صحيح الإسناد".

 ومثل ما نرى صححه الحاكم، وهو بهذا الإسناد حسن، وله شواهد يرتقي بها إلى الصحيح لغيره، وفي هذا وجوب إعلان النكاح، والإعلان جاء الأمر به، والضرب بالدفوف؛ من أجل الإعلان، فلا يجوز أن يكون النكاح سرًّا، ومنهم من يكتفي من الإعلان بحضور الشهود أنه إذا حضر الشهود خلاص كفى، لكن كلما زاد الإعلان واتضح للناس أمر النكاح كان أحوط وأدرأ للشبهة.

 وهناك أنكحة فيها نوع سرية، ومن ذلكم ما يسمى بالمسيار، المسيار، يتزوج المرأة شريطة ألا يعلم أحد غير الولي، الولي لا بد منه، وبعضهم يتحايل على مسألة الولي لاسيما إذا كان خارج البلاد يتصلون به، ويطلب منه الإذن، ولا يعرف حقيقة هل هو الولي الحقيقي أو غيره، وتوسعوا في ذلك توسعًا غير مرضي، وبعض من يرغب في مثل هذا النكاح، والغالب أنه إذا خاف من زوجته الأولى لجأ إلى مثل هذه الحيلة، بعضهم يتحايل، ولا يذكر اسمه الحقيقي، ولا يوثق النكاح بالطرق الرسمية، نعم توثيقه بالطرق الرسمية لا شك أنه قدر زائد على العقد الشرعي الذي هو الإيجاب والقبول، لكن يبقى أن التوسع الموجود بين بعض الناس اليوم غير مرضي، فتجده مثل السارق، يأتي بعد هزيع من الليل مطفئًا أنوار السيارة، وقد يكون معه ريموت لباب البيت، ويفتح ويدخل إذا نام أهل البيت، سبحان الله! هل هذا النكاح يرضى به شريف؟

 يعني مسألة الخوف من زوجتك تحدوك وتدعوك إلى مثل هذا الأمر؟! وأول الشروط ألا ولد بينهما، وفي هذا مخالفة لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «تزوجوا الودود الولود»، هو يريد أن يستمتع بدون تبعات، وقد يشترط ألا سكنى ولا نفقة ولا كذا ولا كذا، نعم إذا تنازلت فالأمر لا يعدوها، لكن يبقى أنه لا بد من الإعلان، وأن يصدق كل واحد منهما الآخر، وحصل من الممارسات الخاطئة من الطرفين الشيء الكثير.

 والزواج بنية الطلاق قريب من هذا، بنية الطلاق قريب من هذا، تجده على خوف وعلى وجل، لا يدرى به، ولا يعلم، ولا يعلن، ويزاول ما يزاوله من يتزوج المسيار بحيث يخفي اسمه الحقيقي، طيب لو صار بينهما مشكلة، فكيف يبحث عنه لو صار بينهما ولد؟ كيف يعرف وهو ما أعطى الاسم الحقيقي؟ الأنكحة ضعيفة، وتزداد ضعفًا بمثل هذا التوسع، وحينئذ يغلب على الظن المنع منها، نعم قد تكون المرأة مضطرة إلى البقاء في بيت أهلها عند أمها لخدمتها، وترضى وتتنازل عن بعض الحقوق، تتنازل عن السكن، فتسكن عند أمها، تتنازل عن النفقة؛ لأنها عاملة أو مدرسة أو شيء من هذا، فالأمر لا يعدوها، لكن يبقى أن النكاح يكون واضحًا، يكون واضحًا إذا دخل وإذا خرج رافعًا رأسه، لا يخشى من التهَمة، مثل هذا يجوز، ما فيه شيء إذا رضيت أن تبقى عند أهلها وتنازلت عن النفقة؛ لأنها ليست بحاجة إلى أن ينفق عليها، وتعاونوا فيما بينهم، هي تعينه بالتخفيف عليه بالنفقة والسكنى وهو معها ينتج عن نكاحهما الولد، هذا لا إشكال فيه، إن شاء الله تعالى، يبقى أنها حقوق تنازلت عنها، والأمر لا يعدوها.

 أما التوسع الموجود بين الناس المعمول به الآن في كثير من الأحوال فغير مرضي، والأمر بإعلان النكاح، والأصل في الأمر الوجوب، أما أن يخفيه، ولا يكتب شيئًا، ما فيه وثائق، ولا فيه شيء، إيجاب وقبول، ويُطلَب منهم عند العقد أشياء، ويصرحون ببعض الأمور، عندكم تحليل؟ عندكم فحص؟

نقول: ما يحتاج لا تحليلًا ولا فحصًا، المسألة كلها تمشية، تمشية يا رجال، تمشية ما معنى هذا؟!

نكاح! أوثق العقود؟ ومن أوثق العهود عقد النكاح، ثم بعد ذلك يقول: تمشية، ما نحتاج إلى عقد، ولا نحتاج إلى.. يعني إيجاب وقبول يقول: تزوجتك، يجيء بواحد من أولادها، ولو كان صغيرًا لشخص جالس في مسجد أو بشيء يقول: اعقد لي على أم هذا الولد.

طيب أين أبوها؟ أين ولدها الكبير؟!

هي المسألة كلها تمشية يا رجال، جازمون أنهم لن يستمروا، يريد أن يستمتع منها أيامًا وينتهي منها، لا، هذا غير مرضي، وهذا التلاعب بالفروج، وأمر الفروج عظيم معظَّم في الشرع، حفظ الأنساب، حفظ الأعراض من الضروريات.

 "وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا نكاح إلا بولي»"..

باقٍ وقت؟

طالب: .........

أجل الحديث كبير ذا «لا نكاح إلا بولي».

أين السؤال الذي بدأنا به أمس؟