التعليق على تفسير القرطبي - سورة الزخرف (05)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

"قوله تعالى: {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ }

قوله تعالى: " فَلَوْلا" أي هلا " أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ" إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَادَةَ الْوَقْتِ وَزِيَّ أَهْلِ الشَّرَفِ، وَقَرَأَ حَفْصٌ" أَسْوِرَةٌ" جَمْعُ سِوَارٍ، كَخِمَارٍ وَأَخْمِرَةٌ، وَقَرَأَ أُبَيٌّ" أَسَاوِرُ" جَمْعُ إِسْوَارٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ" أَسَاوِيرُ"، والْبَاقُونَ" أَسْوِرَةٌ" جَمْعُ الْأَسْوِرَةِ، فَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" أَسَاوِرَةٌ" جَمْعَ" إِسْوَارٍ" وَأُلْحِقَتِ الْهَاءُ فِي الْجَمْعِ عِوَضًا مِنَ الْيَاءِ، فَهُوَ مِثْلُ زَنَادِيقَ وَزَنَادِقَةٍ، وَبَطَارِيقَ وَبَطَارِقَةٍ، وَشَبَهَهُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرِو ابن الْعَلَاءِ: وَاحِدُ الْأَسَاوِرَةِ وَالْأَسَاوِرِ وَالْأَسَاوِيرِ إِسْوَارٌ، وَهِيَ لُغَةٌ فِي سِوَارٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا إِذَا سَوَّرُوا رَجُلًا سَوَّرُوهُ بِسِوَارَيْنِ وَطَوَّقُوهُ بِطَوْقِ ذَهَبٍ عَلَامَةً لِسِيَادَتِهِ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ: هَلَّا أَلْقَى رَبُّ مُوسَى عَلَيْهِ أَسَاوِرَةً مِنْ ذَهَبٍ إِنْ كَانَ صَادِقًا!".

هذا مثال لما كررناه مرارًا لما يختلف عليه القراءة بين المدخل من آية القرآن وبين القراءة التي جرى عليها المؤلف، المؤلف معروف أنه جرى على قراءة نافع، وهؤلاء الذين طبعوا الكتاب أدخلوا المصحف على قراءة حفص، ولذا قال في الآية التي أدخلوها { فلولا ألقي عليها إسورة من ذهب}، والتفسير قوله تعالى: {فلولا أُلقي عليها أساور من ذهب}، ثم ذكر القراءات، ووجَّه هذه القراءات.

 فهذا مثال لما ذكرناه مرارًا من أن التصرف في كتب أهل العلم يورث مثل هذه الإشكالات، وإلا فالأصل أن التفسير ليس فيه آيات، يذكر المؤلف المفسِّر ما يحتاج إليه من الكلمات ويفسرها، قد يذكر آية مثلًا لا يمكن فصل بعضها عن بعض، ويقول: فيها مسائل، هذه يذكرها كاملة لاسيما إذا كانت قصيرة، وهنا هذا الموضع ليس فيه آية، لكنها أدخلت مثل نظائرها.

 وقلنا: إن الرسم المدخل هو رسم مصحف الملك فاروق، والآن في الطبعات الحديثة كلها اعتمدت رسم مصحف مجمع الملك فهد، وهو محرر ومتقن ومضبوط، حتى مصحف الملك فاروق مضبوط، لكن الفرق في بداية الصفحات ونهايتها، وتكلمنا فيه مرارًا.

 "{ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} يَعْنِي مُتَتَابِعِينَ".

لأنه إذا كان موسى، إذا كان موسى بهذه المكانة من ربه، وقد خصَّه الله –جل وعلا- بهذه المكرمة من بين سائر قومه وجيله، فلماذا لا يميز عليهم بالشكل؛ أساور من ذهب، أو يأتي معه وفد من الملائكة يشهدون له؟ ومع ذلك المكذب مكذب، ولو جاء معه بما جاء، بل جاء بما هو أعظم من أساور الذهب ، ومع ذلك كذبوه، من الآيات التسعة التي مرت في مواضع متعددة، نعم.

" فِي قَوْلِ قَتَادَةَ، مُجَاهِدٌ: يَمْشُونَ مَعًا، ابْنُ عَبَّاسٍ: يُعَاوِنُونَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، وَالْمَعْنَى: هَلَّا ضَمَّ إِلَيْهِ الْمَلَائِكَةَ الَّتِي يَزْعُمُ أَنَّهَا عِنْدَ رَبِّهِ حَتَّى يَتَكَثَّرَ بِهِمْ وَيَصْرِفَهُمْ عَلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَهْيَبَ فِي الْقُلُوبِ، فَأَوْهَمَ قَوْمَهُ أَنَّ رُسُلَ اللَّهِ يَنْبَغِي أَنْ يكونوا كَرُسُلِ الْمُلُوكِ فِي الشَّاهِدِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رُسُلَ اللَّهِ إِنَّمَا أُيِّدُوا بِالْجُنُودِ السَّمَاوِيَّة."

ولا شك أن الرسول عنوان على مرسله، الرسول عنوان على مرسله، فينبغي أن يكون الرسل والسفراء وغيرهم يمثلون مرسلهم وباعثهم تمثيلاً يليق به، وهكذا كان الرسل –صلوات الله وسلامه عليهم- هم خير الناس في وقتهم، وخير من يمثل رسالة الله -جل وعلا-.

" وَكُلُّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّ حِفْظَ اللَّهِ مُوسَى مَعَ تَفَرُّدِهِ وَوَحْدَتِهِ مِنْ فِرْعَوْنَ مَعَ كَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ، وَإِمْدَادَ مُوسَى بِالْعَصَا وَالْيَدِ الْبَيْضَاءِ كَانَ أَبْلَغَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْوِرَةٌ أَوْ مَلَائِكَةٌ يَكُونُونَ مَعَهُ أَعْوَانًا- فِي قَوْلِ مُقَاتِلٍ- أَوْ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِهِ- فِي قَوْلِ الْكَلْبِيِّ- وَلَيْسَ يلزم هذا لأن الإعجاز كافٍ، وَقَدْ كَانَ فِي الْجَائِزِ أَنْ يُكَذَّبَ مَعَ مَجِيءِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا كُذِّبَ مَعَ ظُهُورِ الْآيَاتِ، وَذَكَرَ فِرْعَوْنُ الْمَلَائِكَةَ حِكَايَةً عَنْ لَفْظِ مُوسَى، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِالْمَلَائِكَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ خالقهم."

نعم؛ لأن الوصف أو التسمية بالملائكة مدح، فكيف يسميهم فرعون مع أنه لا يؤمن بخالقهم؟ كيف يسميهم ملائكة ولا يؤمن؟ يعني على حد زعم موسى –عليه السلام-، هذه من وجهة نظره نعم.

طالب: يا شيخ ..

نعم.

طالب: هل يؤخذ من الآية إثبات العلوم قوله: ألقى..

ألقى من أعلى إلى أسفل هذا الأصل في الإلقاء، لكن ما يلزم، لكن الأصل في الإلقاء أن يكن من أعلى إلى أسفل.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ} قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمَعْنَى فَاسْتَجْهَلَ قَوْمَهُ " فَأَطاعُوهُ" لِخِفَّةِ أَحْلَامِهِمْ وَقِلَّةِ عُقُولِهِمْ، يُقَالُ: اسْتَخَفَّهُ الْفَرَحُ أَيْ أَزْعَجَهُ، وَاسْتَخَفَّهُ أَيْ حَمَلَهُ عَلَى الْجَهْلِ، وَمِنْهُ: { وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم: 60]، وَقِيلَ: اسْتَفَزَّهُمْ بِالْقَوْلِ فَأَطَاعُوهُ عَلَى، التَّكْذِيبِ، وَقِيلَ: اسْتَخَفَّ قَوْمَهُ أَيْ وَجَدَهُمْ خِفَافَ الْعُقُولِ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارٍ بَعِيدٍ تَقْدِيرُهُ: وَجَدَهُمْ خِفَافَ الْعُقُولِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْغِوَايَةِ، فَأَطَاعُوهُ، وَقِيلَ: اسْتَخَفَّ قَوْمَهُ وَقَهَرَهُمْ حَتَّى اتَّبَعُوهُ، يُقَالُ: اسْتَخَفَّهُ خِلَافَ اسْتَثْقَلَهُ، وَاسْتَخَفَّ بِهِ أَهَانَهُ، { إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ} أَيْ خَارِجِينَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ."

يعني هل طاعتهم إياه نتيجة لاستخفافه إياهم، أو لكونه دعاهم لهذه الطاعة لما رآهم خفاف العقول؟ يعني هل كل خفيف مستخَف يطيع من أمره أو يتبع من رآه من غير أمر؟ لا يلزم، لا يلزم أن يتبع من غير أمر، لكن لما رآهم خفاف العقول استخفهم.

 وهذه طريقة النصابين في قديم الزمان وحديثه، إذا رأى من يستطيع أن يضحك عليهم، ويُمشي حاله عليهم فعل، لذا تجدون في الأحوال الشيطانية لمن يدعيها بعض الناس يتبعه عليها فئام من الناس، وقد يدعي الدعوى الصادمة للعقل، ثم يجد من يصدِّقه، كل دعوة تجد من يؤيدها؛ لأن العقول تختلف، فيأتي بعد الستمائة ويزعم أنه صحابي، ويتبعه من الناس فئام يتبعونه ويصدقون به، أفعاله وأقواله كلها مخالفة لما جاء عن الله وعن رسوله، ومع ذلك السن لا يحتمل، يعني ستمائة سنة بعد الرسول –صلى الله عليه وسلم- ثم يُصدَّق؟ هذا من هذا الباب، يعني استخفهم فأطاعوه.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ} رَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ غَاظُونَا وَأَغْضَبُونَا، وَرَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ: أَيْ أَسْخَطُونَا، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ السَّخَطَ إِظْهَارُ الْكَرَاهَةِ، وَالْغَضَبَ إِرَادَةُ الِانْتِقَامِ."

هذا بالنسبة للمخلوق أما بالنسبة للخالق فغضبه صفة ثابتة له في نصوص الكتاب والسنة على ما يليق بجلاله وعظمته.

"قال الْقُشَيْرِيُّ: والأسف ها هنا بِمَعْنَى الْغَضَبِ، وَالْغَضَبُ مِنَ اللَّهِ إِمَّا إِرَادَةُ الْعُقُوبَةِ، فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ."

تأويل الغضب بلازمه وإرادة العقوبة هذا لا شك أنه فرار من إثبات الصفة، وهذا منهج المفسِّر رحمه الله، يعني حياد عن جادة السلف في الصفات، وعلى طريقة الأشعرية.

" وَإِمَّا عَيْنُ الْعُقُوبَةِ، فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَهُوَ مَعْنَى قول الماوردي، وقال عمر بن ذر: يأهل مَعَاصِي اللَّهِ، لَا تَغْتَرُّوا بِطُولِ حِلْمِ اللَّهِ عَنْكُمْ، وَاحْذَرُوا أَسَفَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: " فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ"، وَقِيلَ: "آسَفُونا" أَيْ أَغْضَبُوا رُسُلَنَا وَأَوْلِيَاءَنَا الْمُؤْمِنِينَ، نَحْوَ السَّحَرَةِ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ كقوله تعالى: { يُؤْذُونَ اللَّهَ} [الأحزاب: 57] و{ يُحارِبُونَ اللَّهَ} [المائدة: 33] أي أولياءه ورسله."

كذلك أغضبوا رسلنا وأولياءنا فالله -جل وعلا- يغضب، كما أثبت لنفسه، وأثبته رسوله –عليه الصلاة والسلام- فاللفظ على ظاهره.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَجَعَلْناهُمْ سَلَفًا} أَيْ جَعَلْنَا قَوْمَ فِرْعَوْنَ سَلَفًا، قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ:" سَلَفًا" لِمَنْ عَمِلَ عَمَلَهُمْ، " وَمَثَلًا" لِمَنْ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ:" سَلَفًا" إِخْبَارًا لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،" وَمَثَلًا" أَيْ عِبْرَةً لَهُمْ، وَعَنْهُ أَيْضًا" سَلَفًا" لِكُفَّارِ قَوْمِكَ يَتَقَدَّمُونَهُمْ إِلَى النَّارِ. "قال قَتَادَةُ: " سَلَفًا" إِلَى النَّارِ، " وَمَثَلًا" عِظَةً لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ، وَالسَّلَفُ الْمُتَقَدِّمُ، يُقَالُ".

يعني من يقتدي بمن سبقه يقال له: سلف، المتقدم يقال له: سلف، والمتأخر يقال له: خلف، فإن كان يقتدي به بحق كما يقتدي آخر هذه الأمة بأولها، بصدرها من السلف الصالح يقال: خَلَف، وأما من يقتدي بباطل كمن يقتدي بفرعون وقومه صاروا خلفًا، {فخلف من بعدهم خلْف}.

"قال قَتَادَةُ:" سَلَفًا" إِلَى النَّارِ،" وَمَثَلًا" عِظَةً لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ، وَالسَّلَفُ الْمُتَقَدِّمُ، يُقَالُ: سَلَفَ يَسْلُفُ سَلَفًا، مِثْلَ طَلَبَ طَلَبًا، أَيْ تَقَدَّمَ وَمَضَى، وَسَلَفَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أَيْ تَقَدَّمَ، وَالْقَوْمُ السِّلَافُ الْمُتَقَدِّمُونَ، وَسَلَفُ الرَّجُلِ: آبَاؤُهُ الْمُتَقَدِّمُونَ، وَالْجَمْعُ أَسْلَافٌ وَسُلَّافٌ.

 وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ: " سَلَفًا" (بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ) جَمْعُ سَالِفٍ، كَخَادِمٍ وَخَدَمَ، وَرَاصِدٍ وَرَصَدَ، وَحَارِسٍ وَحَرَسَ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: " سُلُفًا" (بِضَمِّ السِّينِ وَاللَّامِ)، قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ جَمْعُ سَلِيفٍ، نَحْوَ سَرِيرٍ وَسُرَرٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ جَمْعُ سَلَفٍ، نَحْوَ خَشَبٍ وَخُشُبٌ، وَثَمَرٍ وَثُمُرٌ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةُ وَأَبُو وَائِلٍ وَالنَّخَعِيُّ وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ: " سُلَفًا" (بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ) جَمْعُ سُلْفَةٍ، أَيْ فِرْقَةٌ مُتَقَدِّمَةٌ، قَالَ الْمُؤَرِّجُ وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: " سَلَفًا" جَمْعُ سُلْفَةٍ، نَحْوَ غُرْفَةٍ وَغُرَفٌ، وَطُرْفَةٍ وَطُرَفٌ، وَظُلْمَةٍ وَظُلَمٌ.

قوله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ }، لما قال تعالى: { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45] تَعَلَّقَ الْمُشْرِكُونَ بِأَمْرِ عِيسَى وَقَالُوا: مَا يُرِيدُ مُحَمَّدٌ إِلَّا أَنْ نَتَّخِذَهُ إِلَهًا كَمَا اتَّخَذَتِ النصارى عيسى بن مريم إلهًا، قاله قَتَادَةُ، وَنَحْوُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا قالت إن محمدًا يُرِيدُ أَنْ نَعْبُدَهُ كَمَا عَبَدَ قَوْمُ عِيسَى عِيسَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِهِ مُنَاظَرَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبِعْرَى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَأْنِ عِيسَى، وَأَنَّ الضَّارِبَ لِهَذَا الْمِثْلِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ حَالَةَ كُفْرِهِ لَمَّا قَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَتْلُو{ إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] الْآيَةَ، فَقَالَ: لَوْ حَضَرْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَمَا كُنْتَ تَقُولُ لَهُ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُولُ لَهُ هَذَا الْمَسِيحُ تَعْبُدُهُ النَّصَارَى، وَالْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا، أَفَهُمَا مِنْ حَصَبِ جَهَنَّمَ؟ فَعَجِبَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَقَالَتِهِ، وَرَأَوْا أَنَّهُ قَدْ خُصِمَ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " يَصِدُّونَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101].

 وَلَوْ تَأَمَّلَ ابْنُ الزِّبَعْرَى الْآيَةَ مَا اعْتَرَضَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: " وَما تَعْبُدُونَ" وَلَمْ يَقُلْ: وَمَنْ تَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْأَصْنَامَ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَعْقِلُ، وَلَمْ يُرِدِ الْمَسِيحَ وَلَا الْمَلَائِكَةَ، وَإِنْ كَانُوا مَعْبُودِينَ، وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي آخِرِ سُورَةِ" الْأَنْبِيَاءِ".

وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لِقُرَيْشٍ: « يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَا خَيْرَ فِي أَحَدٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ » قَالُوا: أَلَيْسَ تزعم أن عيسى كان عبدًا نبيًّا وعبدًا صالحًا، فَإِنْ كَانَ كَمَا تَزْعُمُ فَقَدْ كَانَ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} أَيْ يَضِجُّونَ كَضَجِيجِ الْإِبِلِ عِنْدَ حَمْلِ الأثقال، قرأ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ: " يَصِدُّونَ" (بِضَمِّ الصَّادِ) وَمَعْنَاهُ يُعْرِضُونَ، قَالَهُ النَّخَعِيُّ، وَكَسْرَ الْبَاقُونَ."

يعني دخول عيسى-عليه السلام- والملائكة ومن يُعبد من دون الله بغير رضاه؛ لأنه إذا رضي بالعبادة من دون الله صار طاغوتًا، إذا عُبد من دون الله وهو غير راضٍ، وهو عاقل لم يدخل في لفظ الآية؛ لأن "ما" لغير العاقل، هذا على القول بأن هذا العموم يُراد به خصوص من لا يعقل؛ لأن "ما" ليست للعاقل، ومن قال: إن "ما" يدخل فيها من يعقل ومن لا يعقل قال: يُستثنى هؤلاء بقوله: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون}.

 يعني لو قال قائل: إن أكثر من يعبد من دون الله غير عاقل، وإن رضي بالعبادة فهو في حكم غير العقلاء، يصح أن يقال عنه: "إنكم وما تعبدون" لكن من يعقل ولم يرضَ بهذه العبادة فإما أن يكون قد خرج بلفظ ما التي هي لغير العاقل، أو يكون خرج باستثناء { الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون}، هؤلاء سبقت لهم من الله الحسنى التي هي الجنة، يعني هل يخفى على بن الزبعرى أن ما ليست للعاقل؟

طالب:.....

نعم، لكن لا بد من ملحظ { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } هل يقال: إن النساء في حيز غير العاقل؟ تستخدم ما بمعنى من والعكس، لكن السياق لا شك أن له أثرًا كبيرًا، المراد أنكم وما تعبدون، نعم هن ناقصات عقل ودين، لكنهن من جنس العقلاء، وكثير منهن يتصرف تصرُّف غير العقلاء، وهنا "ما" نزلت منزلة "من"، فتأتي "ما" ويراد بها "من" والعكس.

 ويبقى السؤال الذي يمكن أن يستفاد منه في مواضع كثيرة وهو هل العربي القحُّ الذي يُستشهد بقوله، ويُحتج به، هل يمكن أن يخفى عليه معنى من معاني حروف المعاني، أو يُلحظ عليه أنه يلحن، أو لا؟ يعني يخفى عليه شيء من دقائق العربية؟

طالب: قد يخفي ..

لكن بسليقته يتكلم، ويجري على الجادة من غير لحن، هذا الأصل، لكن أثبت أهل اللغة الكبار أنه قد يلحن، حُفِظ على بعضهم كلام لا يجري على قواعد العربية، لكن الكوفيين مذهبهم واسع في هذا، يجوِّزون إذا ثبت عمن يُحتَج به خروج عن القاعدة جوَّزوه، ولو كثر، بينما البصريين يقفون على القاعدة، ويخطِّئون ما عداها، ويحكمون عليه بالشذوذ، وعلى هذه يمكن أن يرد اللحن على لسان العربي القحّ، وقد يخفى عليه معنى ما، وقد يخفى عليه معنى غيرها من حروف المعاني.

طالب: شيخ، البصريون المراد بهم القريب في استخدامهم.....

يعني مع المخالفة، قلة مع المخالفة، ندرة مع المخالفة شذوذ.

طالب: يا شيخ، يمكن أن يقال هنا: "ما" لا يجوز استخدامها للعقل ما هنا ..

نعم العاقل، ما معنى العقل؟ العقل الذي يفيد صاحبه يكون الكلام صحيحًا، لكن مجرد العقل الذي يميِّز الله به الإنسان على الحيوان وُجِد من يُعبَدون من دون الله وهو في راضٍ، وهو مصنَّف من جنس العقلاء، لكن عقله ما نفعه، فوجوده مثل عدمه.

" قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُمَا لُغَتَانِ، مِثْلُ يَعْرِشُونَ وَيَعْرُشُونَ، وَيَنِمُّونَ وَيَنُمُّونَ، وَمَعْنَاهُ يَضِجُّونَ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَصَدَّ يَصُدُّ صَدِيدًا، أَيْ ضَجَّ، وَقِيلَ: إِنَّهُ بِالضَّمِّ مِنَ الصُّدُودِ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ، وَبِالْكَسْرِ مِنَ الضَّجِيجِ، قَالَهُ قُطْرُبٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَوْ كَانَتْ مِنَ الصُّدُودِ عَنِ الْحَقِّ لَكَانَتْ: إِذَا قَوْمُكَ عَنْهُ يَصُدُّونَ، الْفَرَّاءُ: هُمَا سَوَاءٌ، مِنْهُ وَعَنْهُ، ابْنُ الْمُسَيَّبِ: يَصُدُّونَ يَضِجُّونَ، الضَّحَّاكُ يَعِجُّونَ، ابْنُ عَبَّاسٍ: يَضْحَكُونَ، أَبُو عُبَيْدَةَ: مَنْ ضَمَّ فَمَعْنَاهُ يَعْدِلُونَ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: مِنْ أَجْلِ الْمَيْلِ يَعْدِلُونَ، وَلَا يُعَدَّى "يَصِدُّونَ" بِ"مِنْ"، وَمَنْ كَسَرَ فَمَعْنَاهُ يَضِجُّونَ، فَ " مِنْ" مُتَّصِلَةٌ بِ "يَصِدُّونَ" وَالْمَعْنَى يَضِجُّونَ منه."

متصلة ب"يصدون"؛ يعني متعلقة به، نعم جار ومجرور يتعلق بـ"يصدون" قال: هما سواء منه وعنه، صد منه وصد عنه هرب منه وهرب عنه بخلاف إليه مثلاً، وفيه يعني هرب إليه، ورغب فيه تختلف عن هرب منه، ورغب عنه.

طالب: بالنسبة ل"ما" ألا يقال: إنه في القرآن يأتي كثيرًا ويراد به العاقل وغير العاقل ...

لكن لا بد من ملحظ؛ لأن الأصل فيها أنها لغير العاقل، لا بد من ملحظ، لماذا عدل عن "من" إلى "ما".

طالب: طالب: طب ممكن نقول أن هذا يعني.......العقل ..

 لا، لا، المسيح ما مات، المسيح ما مات.

طالب: بالنسبة إليهم..

ما مات، رفع حيًّا.

طالب: شيخ إذا قيل بذلك ألا يكفي لهم ما في السموات وما في الأرض، ولله ما في السموات وما في الأرض تشمل العاقل وغير العاقل ..

بلا شك؛ لأن غير العاقل أكثر، فإذا كان أكثر..

طالب: وهذا الأصل..

إذا كان أكثر عُبِّر بما بلا شك، لكن إذا كان أقل فقد يُعبَّر بما؛ لأن العاقل أشرف فيقدم، يعني كلام المفسرين في هذا سهل، يعني يمشون على التأويلات الجارين عليها.

طالب: طب يا شيخ، المراد أم ما يستطيع.... أن الدين نسبة للعرب لا تعرف معاني الحروف، بل تغيب عليها بعض المعاني بعض البلاغة...

قد تغيب، الكبار من أئمة اللغة أثبتوا أشياء دلت بالفعل على أنها خطأ لا يقبل التأويل من عربي من قح.

طالب: ألا يفرقون ما بين العرب ... ما إلى الله وغيرها، كيف لا يفرقون بين إياك نعبد ونعبدك..

بلا شك يفرِّقون، يفرِّقون كلهم على هذا، لكن أقول: إنه لا يُمنع أن يوجد من العرب الأقحاح فرد واحد أو أفراد يشذُّون عن القواعد العامة عند أهل العربية، ولا يمكن أن يقال: إن كلامهم صحيح، والناس كلهم على خلافه، وإن مشَّاه الكوفيون، يتوسعون في هذا، مادام يُحتَج به فهو صح.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} أَيْ آلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ عِيسَى؟ قَالَهُ السُّدِّيُّ، وَقَالَ: خَاصَمُوهُ وَقَالُوا إِنَّ كُلَّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي النَّارِ، فَنَحْنُ نَرْضَى أَنْ تَكُونَ آلِهَتُنَا مَعَ عِيسَى وَالْمَلَائِكَةِ وَعُزَيْرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 1 0 1] الْآيَةَ، وَقَالَ قَتَادَةُ:" أَمْ هُوَ" يَعْنُونَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ" آلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هَذَا"، وَهُوَ يُقَوِّي قَوْلَ قَتَادَةَ، فَهُوَ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ فِي أَنَّ آلِهَتَهُمْ خَيْرٌ، وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَيَعْقُوبُ: " أَآلِهَتُنا" بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ، وَلَيَّنَ الْبَاقُونَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ،" مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا"" جَدَلًا" حَالٌ، أَيْ جَدِلِينَ."

هنا المعادلة التي يستفهم أألهتنا خير أم هو؟ معادلة بين معبود، ومعبود، بين معبود ومعبود، فإما أن يكون عيسى؛ لأنه معبود، وهو مذكور في الآية السابقة، أو يكون المراد الله –جل وعلا-الذي دعا إليه الرسول-عليه الصلاة والسلام-، أما كونه يعود الضمير إلى محمد -عليه الصلاة والسلام- لا تتم به المعادلة.

" يَعْنِي مَا ضَرَبُوا لَكَ هَذَا الْمَثَلَ إِلَّا إِرَادَةَ الْجَدَلِ؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِحَصَبِ جَهَنَّمَ مَا اتَّخَذُوهُ مِنَ الْمَوَاتِ."

الجدل هو الجدلي، الجَدِل هذه الصيغة تغني عن النسب، أي جدلين، والأصل جدليين نسبة إلى الجدل، فالصيغة فَعِل تغني عن ياء النسب كما هو مقرر في محله.

 لست بليلي ولكني نَهِر       لا أدلج الليل ولكن ابتكر

 يعني نهاري.

 فهذه الصيغة جَدِل تغني عن جدلي التي هي ياء النسب.

طالب:.....قوله تعالى وما بكم من خير أم هو ما تصح المعادلة........

يعني هذا الذي تدعو إليه، لأن المعادلة معادلة معبود ومعبود، فإما أن يكون عيسى وهو الأقرب، وهو تقدم ذكره، أو يكون الإله الذي دعا إليه النبي –عليه الصلاة والسلام- أما معادلة معبودات بالنبي-عليه الصلاة والسلام- فما تتم المقابلة ولا المطابقة.

طالب: يقول: إنه ما اتضح أيضًا أن يكون المراد المعادلة بالله سبحانه تعالى أنهم ما عبدوا الله اعترضوا على أن يعبدوا إلهًا واحدًا..

 لا، لا، عادلوا، وجعلوا الكفة راجحة لألهتهم، فما كان لله فهو يصل إلى شركائهم، وما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله، لا، يرجِّحون آلهتهم، مع أنهم يعترفون ويقرون بأنه هو الخالق، وهو الرازق، وهو المحيي، وهو المميت، ويوحِّدون في الشدائد.

"{ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} مُجَادِلُونَ بِالْبَاطِلِ، وَفِي صَحِيحِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ» ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذِهِ الْآيَةُ { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ} أَيْ مَا عِيسَى إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ، وَجَعَلَهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، أَيْ آيَةً وَعِبْرَةً يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ عِيسَى كَانَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، ثُمَّ جُعِلَ إِلَيْهِ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَالْأَسْقَامِ كُلِّهَا مَا لَمْ يُجْعَلْ لِغَيْرِهِ فِي زَمَانِهِ."

بيانًا لشرفه وابتلاءً لقومه؛ لأن من يتصف بإحياء الموتى وإبراء الأكمه وغيره من الأفعال التي ليس بمقدور المخلوق لا شك أنها فتنة، كما يحصل على يد المسيح الدجال في آخر الزمان من الخوارق، يفتتن بها خلائق، والابتلاء والافتتان هذه من السنن الإلهية، يُبتلى الناس بالخير والشر.

طالب: قوله هنا فعجبت قريش مما قالت، هل يجوز أنه لحن عندهم جميع قريش لحنوا هذه الكلمات..

لا، هم تعجبوا من نباهته، من نباهته، إن صحَّت القصة، وإلا ففيها كلام، ماذا قال عند التخريج في الحديث السابق؟ في تخريجها؟

طالب: يا معشر قريش ..

نعم.

طالب: قال: أخرجه أحمد والطبراني والواحدي من حديث ابن عباس، وقال الهيثمي في المجمع: فيه عاصم بن بهدلة، وهو ثقة، لكنه سيئ الحفظ، وبقية رجاله رجال أحمد رجال الصحيح، الحديث قال فيه الألباني: أخرجه في الصحيح، وقال: إسناده حسن، ورجاله ثقات رجال مسلم غير عاصم..

والذي قبله؟

قصة ابن الزعبرى؟

طالب: ما خرجه؟

ما خُرج في الطبعات الأخرى؟

"مَعَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَوْمئِذٍ خَيْرَ الْخَلْقِ وَأَحَبَّهُ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَالنَّاسُ دُونَهُمْ".

فالله –جل وعلا- فضَّلهم على العالمين، والمراد بهم عالمي زمانهم، وإلا فهذه الأمة أفضل وأشرف منهم.

"وَالنَّاسُ دُونَهُمْ لَيْسَ أَحَدٌ عِنْدَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مِثْلَهُمْ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعَبْدِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ { وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ} أَيْ بَدَلًا مِنْكُمْ " مَلائِكَةً" يَكُونُونَ خَلَفًا عَنْكُمْ، قَالَهُ السُّدِّيُّ، وَنَحْوُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَلَائِكَةٌ يَعْمُرُونَ الْأَرْضَ بَدَلًا مِنْكُمْ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: إِنَّ " مِنْ" قَدْ تَكُونُ لِلْبَدَلِ، بِدَلِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي" بَرَاءَةٌ" وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ: لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنَ الْإِنْسِ مَلَائِكَةً وَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ، وَالْجَوَاهِرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالِاخْتِلَافُ بِالْأَوْصَافِ."

يعني تحويل الجنس جنس البشر إلى جنس الملائكة، القدرة الإلهية صالحة لهذا ولما هو أعظم منه، لكن السنن الإلهية لم يقع فيها شيء من ذلك، لم يقع فيها شيء من ذلك، التي لا تتغير ولا تتبدل، لكن القدرة الإلهية ما يقف دونها شيء، وتكون حينئذ من ليست للبدل، وإنما هي للتبعيض يعني بعضكم وجنسكم يحولون إلى جنس الملائكة.

 وَالْمَعْنَى: لَوْ نَشَاءُ لَأَسْكَنَّا الْأَرْضَ الْمَلَائِكَةَ.."

هذا على القول الأول بدلًا منكم. ى

" وَلَيْسَ فِي إِسْكَانِنَا إِيَّاهُمُ السَّمَاءَ شَرَفٌ حَتَّى يُعْبَدُوا، أَوْ يُقَالُ لَهُمْ: بَنَاتُ اللَّهِ، وَمَعْنَى "يَخْلُفُونَ" يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قاله ابن عباس."

قولهم: وَلَيْسَ فِي إِسْكَانِنَا إِيَّاهُمُ السَّمَاءَ شَرَفٌ حَتَّى يُعْبَدُوا، يعني شرف يصل إلى حدِّ أن يُعبدوا، وأن يكونوا آلهة، وإلا فهم عباد مكرمون، عباد مكرمون، والخلاف بين أهل العلم في تفضيلهم على البشر أو تفضيل البشر عليهم أو صالح البشر عليهم أو الأنبياء والرسل عليهم هذه المسألة خلافية.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تمترن بها} قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَسَعِيدُ بْنُ خبير: يُرِيدُ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى قُرْبِ مَجِيءِ السَّاعَةِ، أَوْ بِهِ تُعْلَمُ السَّاعَةُ وَأَهْوَالُهَا وَأَحْوَالُهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ أَيْضًا: إِنَّهُ خُرُوجُ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَذَلِكَ مِنْ أَعْلَامِ السَّاعَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يُنَزِّلُهُ مِنَ السَّمَاءِ قُبَيْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ، كَمَا أَنَّ خُرُوجَ الدَّجَّالِ مِنْ أَعْلَامِ السَّاعَةِ."

 لا شك أن نزول المسيح عيسى ابن مريم في آخر الزمان من علامات الساعة الكبرى، وبعثة محمد –عليه الصلاة والسلام- علامة على قرب الساعة « بعثت أنا والساعة كهاتين »، وكذلك نزول القرآن الذي جاء به محمد-عليه الصلاة والسلام- تبعًا له، فالمعاني كلها صحيحة، لكن أوضحها وأقربها للسياق كون الضمير يعود إلى عيسى –عليه السلام-.

" وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَقَتَادَةُ وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ وَالضَّحَّاكُ: { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} (بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ) ."

يعني واحد من إعلامها.

"أَيْ أَمَارَةٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ: { وَإِنَّهُ لَلْعِلْمُ} (بِلَامَيْنِ) ."

وأنه للعَلَم أو للعِلم، اللامان المقصود أن هذه اللام التي يسمونها المزحلقة في خبر إن؛ للتأكيد، لكنها خلاف ما في المصاحف.

"وَذَلِكَ خِلَافٌ لِلْمَصَاحِفِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-، فَتَذَاكَرُوا السَّاعَةَ، فَبَدَءُوا بِإِبْرَاهِيمَ فَسَأَلُوهُ عَنْهَا فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهَا عِلْمٌ، ثُمَّ سَأَلُوا مُوسَى فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ منها علم، فرد الحديث إلى عيسى ابن مَرْيَمَ قَالَ: قَدْ عُهِدَ إِلَيَّ فِيمَا دُونَ وَجْبَتِهَا، فَأَمَّا وَجْبَتُهَا فَلَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-."

 يعني قيام الساعة لا يعلمه إلا الله لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والنبي –عليه الصلاة والسلام- يقول: ليس من سئل عنها بأعلم من السائل، هذا أشرف الملائكة، وهذا أشرف البشر، فمن دونه من باب أولى، أما العلامات والأمارات فهذه جاءت بها النصوص.

" فَذَكَرَ خُرُوجَ الدَّجَّالِ، قَالَ: فَأَنْزِلُ فَأَقْتُلُهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سننه."

ماذا يقول عندك؟

طالب: أحسن الله إليك، قال المحقق: إسناده لين، أخرجه ابن ماجه بأتم منه، وكذا الحاكم من حديث ابن مسعود وصححه الذهبي، وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات، ..... وثقة ابن حبان، وباقي رجال إسناده ثقات.. وصححه الحاكم .... والصواب إسناده لين، ذكره المحقق، والحديث ضعَّفه الألباني.

نعم، ما دام ما وثَّقه إلا ابن حبان فقط يكون فيه لين.

" وفي صحيح مسلم: «فبينما هو- يعني المسيح الدجال- إذ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ»".

يعني كما جاء وصفه في الحديث الصحيح: كأنما خرج من ديماس، يعني من حمام.

" «تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ"

يعني لا يبقى كافر؛ لأنه لا يقبل الإسلام، يضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام.

طالب: شيخ، ورد في راوية أنه ينزل في القدس..

هذا في صحيح مسلم ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق.

طالب: نزوله عند صلاة الفجر في القدس ..

أو قد يكون نزول النبي نسبي ليس مطلقًا.

طالب: كيف يوفّق بين هذا وبين .....

يعني القيامة الحقيقة، وهذا قبله.

طالب: كانوا ... الكفار بعد ذلك..

يأتي نعم.

" فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابٍ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ»، الْحَدِيثَ، وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «ينزل عيسى ابن مَرْيَمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنَ السَّمَاءِ عَلَى ثَنِيَّةٍ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ يُقَالُ لَهَا: أَفِيقٌ بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ وَشَعْرُ رَأْسِهِ دَهِينٌ وَبِيَدِهِ حَرْبَةٌ يَقْتُلُ بِهَا الدَّجَّالَ، فَيَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَالنَّاسُ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَالْإِمَامُ يَؤُمُّ بِهِمْ، فَيَتَأَخَّرُ الْإِمَامُ فَيُقَدِّمُهُ عِيسَى وَيُصَلِّي خَلْفَهُ عَلَى شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ يَقْتُلُ الْخَنَازِيرَ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيُخَرِّبُ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ، وَيَقْتُلُ النَّصَارَى إِلَّا مَنْ آمَنَ بِهِ»، وَرَوَى خَالِدٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لَعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مَرْيَمَ، إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ أَوَّلُ نَازِلٍ فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ»".

أولاد عَلات وقد تُكسر العين أولاد عِلات هم الأخوة لأب، دينهم واحد، وأصلهم واحد، وأما الشرائع فهي مختلفة كالأمهات.

طالب:.....حديث في آخر الزمان يدل على أن ما......

 على البناية القائمة الآن تقصد.

طاب:.......

وأنهم لا يستطيعونها، ولا يمكن أن يهدموه ثم يقام مرة ثانية.. احتمال.

طالب: هل يؤخذ من هذا شرع لنا....كسر الصليب....

يعني يكون هذا نسخًا؟ أهل العلم ينصون على أن هذا ليس بنسخ لما تقرر بديننا، وإنما المقرر في ديننا أنه شرع ثابت مؤقت، هذا ليس بنسخ، يعني في شرعنا هذا الحكم الجزية مؤقتة بنزول المسيح، وهكذا، وحينئذ لا يكون نسخًا؛ لأنه مؤقت إلى أمد.

طالب: بعض الأفرع التي .....ما جاءت ..التنزيل..

ماذا فيه؟

طالب: هل يقال إذا رأه المسلم .....

يقتل نعم؛ لأنه نجس قذر، يُقتل.

طالب: ....الصلب....

يُكسر أيضًا يُكسر ويُطمس.

طالب:.....هو المهدي.......

الله أعلم، لكنه من أمة محمد-عليه الصلاة والسلام- إمامهم منهم.

طالب: لأنه أول ما يرى عيسى يتأخر.

ما فيه إشكال أنه شخص من العامة ليست له ميزة النبوة، وهو متقدم على نبي فيتأخر هكذا يفعلون، حتى الكبار يفعلونه مع من هو أكبر منهم، إذا رأى من هو أكبر منه قال له: تقدم، ولو كان الإمام الرسمي إمام الحي الثابت، إذا رأي من هو أكبر منه قدرًا قال له: تقدم، ثم بعد ذلك يعتذر لهم.

"قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَحَكَى ابْنُ عِيسَى عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا نَزَلَ عِيسَى رُفِعَ التَّكْلِيفُ؛ لِئَلَّا يَكُونَ رَسُولًا إِلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ يَأْمُرُهُمْ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَنْهَاهُمْ، وَهَذَا قَوْلٌ مَرْدُودٌ لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ، مِنْهَا الْحَدِيثُ، وَلِأَنَّ بَقَاءَ الدُّنْيَا يَقْتَضِي التَّكْلِيفَ فِيهَا، وَلِأَنَّهُ يَنْزِلُ آمِرًا بِمَعْرُوفٍ وَنَاهِيًا عَنْ مُنْكَرٍ، وَلَيْسَ يُسْتَنْكَرُ أَنْ يَكُونَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ مَقْصُورًا عَلَى تَأْيِيدِ الْإِسْلَامِ، وَالْأَمْرِ بِهِ، وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ. قُلْتُ: ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَيَنْزِلَنَّ عِيسَى بن مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ، وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلَاصُ فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ »، وَعَنْهُ قَالَ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ»، وَفِي رِوَايَة: «فَأَمَّكُمْ مِنْكُمْ» قَالَ ابْنُ أَبِي ذئب: تدري ما أمكم مِنْكُمْ؟ قُلْتُ: تُخْبِرُنِي، قَالَ: فَأَمَّكُمْ بِكِتَابِ رَبِّكُمْ، وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-."

فهو يحكم بشريعة محمد-عليه الصلاة والسلام-، وأما ما يقوله بعض المتعصبة من أنه يحكم بمذهب أبي حنيفة، ويتزوج من جهينة وغير ذلك من الكلام الذي لا أصل له، ولا مستند عليه، إنما مبعثه التعصب إما المذهب أو لقبيلة، لكن مقتضى هذا أن الإيمان يُقبل في وقت عيسى، الإيمان يقبل في وقته، أليس هذا مقتضاه؟

طالب: بلى.

طيب عيسى المسيح الدجال قبله أو بعده؟

طالب: قبله.

لأنه يقتله، ومقتضى ذلك أنه قبله، ومن العلامات ثلاث إذا وُجدت لا ينفع نفسًا إيمانها: الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها.

طالب: الدجال منها يا شيخ.

نعم، الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها.

طالب: الغرغرة.

ماذا فيها؟

طالب: ........

 الغرغرة هذه فردية، كل واحد يغرغر لو الآن وقبل مائة سنة ولو قبل ألف سنة ما تقبل، لكن الأمور العامة.

طالب:...إن كان وسط....قبل هذه..

 لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، لكن الذي آمنت من قبل، ثم ارتدت مثلاً يدخل في الحديث أو ما يدخل؟ هل نقول: إن هذا فيما لو كان مؤمنًا قبل ما حصل له ما حصل، ثم دخل في الإيمان ثانية، أو نقول: هذا شامل لكل من حكم بكفره لا يُقبل منه الإيمان؟

انظر عندك في صحيح مسلم عندك أعلى الصفحة.

طالب: ........

 بالأعلى، الخامس من طبعة فؤاد عبد الباقي.

طالب: ........

 أعطني إياه.

طالب:....

عندك، لا عندك.

طالب: الخامس.

الثلاث أول الكتاب.

طالب: محل الإشكال..

أين؟

طالب: محل الإشكال..

محل الإشكال أن عيسى يضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام، فمن أسلم ينفع إسلامه أم ما ينفعه؟

طالب: ينفعه.

ما عندك شيء؟

طالب: عندي ينفع.

ينفع لكن إذا خرج الدجال؟

طالب: ألا يقال: إن الدجال ليس كل واحد يقابله يراه ويسمعه.

 لا، إذا ظهر، إذا وجد يعني، ما يلزم أن يقابل.

طالب: الشمس والدابة داخلة في لا خلاف بينها إنما الخلاف في الدجال..

ثلاث.

طالب: .....

ما الأول؟

طالب: يقصد أهل الشرك أليس له نبي متبع..

مقتضي قوله: لم تكن آمنت من قبل أن الذي ينتفع من كان مؤمنًا سواء كان بنبي سابق أو على دين صحيح ثم ارتد.

 ماذا يقول؟

 ما طلعته؟

طالب: ما فيه أول ..

بلا.... تجده بالأعلى.

طالب:....

ما ...

طالب: شيخ ألا يقال ... أنها وقت النزول.....

ماذا؟

 طالب:....

فيها كاملة النسخة.

طالب:.....

يمكن يمينًا أو يسارًا.

طالب:......

بالفهرس ماذا قال؟ أو ما ذكر الحديث كاملًا؟

طالب: ........

ما عدهن؟

طالب: يحتمل أن يكون قبول عيسى –عليه السلام – الإسلام منه في هذا... في الدنيا، أما...

أو يقال: إن المراد بالإسلام معناه الذي هو مجرد الاستسلام ولو لم ينفع؟

طالب:.......

وإشكال آخر هو أن الحكم هذا لو عُلق بالأولى من الثلاث ما احتجنا إلى ثنتين.

طالب:......                 

نعم.

ولو من أولها خلاص، إذا وجدت الأولى ما احتجنا إلى اثنتين، فلمَ يعلق بثلاث؟

طالب:...زمانه...

كيف زمانه؟

طالب:...

ظاهر ما نقول أو ليس بظاهر؟

طالب: ظاهر.

ليس بنفس الطبعة، ما رُقِّمت هذه، غير مرقمة.

 على كل حال الدرس القادم يبحث الإخوان ويجيؤون بها.

طالب:....... بفضل الصحابي على عيسى –عليه السلام- والتابعين؟

ماذا فيه؟

طالب: هل يفضل على التابعين؟

يفضل على الجميع على أبي بكر.

طالب:الصحابة..

صحابة عيسى الله أعلم، ما ورد فيهم فضل يخصهم، لكن بالنسبة لعيسى عندما نقول: إنه رأى النبي –صلي الله عليه وسلم – مؤمنًا به فهو صاحبي، وذُكر في بعض كتب الصحابة، لكن النبوة أشرف من الصحبة، غطت عليها.

"قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: فَهَذَا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَنْزِلُ مُجَدِّدًا لِدِينِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلَّذِي دُرِسَ مِنْهُ، لَا بِشَرْعٍ مُبْتَدَأٍ وَالتَّكْلِيفُ بَاقٍ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ هُنَا وَفِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ، وَقِيلَ: { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} أَيْ وَإِنَّ إِحْيَاءَ عِيسَى الْمَوْتَى دَلِيلٌ عَلَى السَّاعَةِ وَبَعْثِ الْمَوْتَى، قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ.

 قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى" وَإِنَّهُ" وَإِنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-: « بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ » وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى، خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أَوَّلُ أَشْرَاطِهَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، { فَلا تَمْتَرُنَّ بِها} فَلَا تَشُكُّونَ فِيهَا، يَعْنِي فِي السَّاعَةِ، قَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: فَلَا تُكَذِّبُونَ بِهَا، وَلَا تُجَادِلُونَ فِيهَا فَإِنَّهَا كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ، { وَاتَّبِعُونِ} أَيْ فِي التَّوْحِيدِ وَفِيمَا أُبَلِّغُكُمْ عَنِ اللَّهِ، { هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ} أَيْ طَرِيقٌ قَوِيمٌ إِلَى اللَّهِ، أَيْ إِلَى جَنَّتِهِ."

مقتضى قوله: { فلا تمترن بها واتبعون} أن يكون المُتَحدَّث عنه غير النبي –عليه الصلاة والسلام-، أن يكون عيسى، هو أن يكون عيسى –عليه السلام-0

لأن السياق يدل على أن النبي –عليه الصلاة والسلام- مُتحدِّثٌ غير مُتَحدَّث عنه.

" وَأَثْبَتَ الْيَاءَ يَعْقُوبُ فِي قَوْلِهِ: " وَاتَّبِعُونِ" فِي الْحَالَيْنِ، وَكَذَلِكَ" وَأَطِيعُونِ"، وَأَبُو عَمْرٍو وَإِسْمَاعِيلُ عَنْ نَافِعٍ فِي الْوَصْلِ دُونَ الْوَقْفِ، وَحَذَفَ الْبَاقُونَ فِي الْحَالَيْنِ{ وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ}" أَيْ لَا تَغْتَرُّوا بِوَسَاوِسِهِ وَشُبَهِ الْكُفَّارِ الْمُجَادِلِينَ، فَإِنَّ شَرَائِعَ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي التَّوْحِيدِ وَلَا فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنْ عِلْمِ السَّاعَةِ وَغَيْرِهَا بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ{ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} تَقَدَّمَ فِي" البقرة" وغيرها.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءَ الْأَسْقَامِ وَخَلْقَ الطَّيْرِ وَالْمَائِدَةَ وَغَيْرَهَا، وَالْإِخْبَارَ بِكَثِيرٍ مِنَ الْغُيُوبِ، وَقَالَ قتادة: البينات هُنَا الْإِنْجِيلُ، {قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ} ."

يعني المقصود بالبينات الآيات، البينات التي اشتمل عليه الإنجيل، وعلى القول الأول البينات العلامات الدالة على صدقه.

"{قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ} أيِ النُّبُوَّةِ، قَالَهُ السُّدِّيُّ، ابْنُ عَبَّاسٍ: عِلْمُ مَا يُؤَدِّي إِلَى الْجَمِيلِ، وَيَكُفُّ عَنِ الْقَبِيحِ، وَقِيلَ: الْإِنْجِيلُ، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ.

{ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} قَالَ مُجَاهِدٌ: مِنْ تَبْدِيلِ التَّوْرَاةِ، الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى لِأُبَيِّنَ لَكُمْ فِي الْإِنْجِيلِ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ تَبْدِيلِ التَّوْرَاةِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وَبَيَّنَ لَهُمْ فِي غَيْرِ الْإِنْجِيلِ مَا احْتَاجُوا إِلَيْهِ، وَقِيلَ: بَيَّنَ لَهُمْ بَعْضَ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ عَلَى قَدْرِ مَا سَأَلُوهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي أَشْيَاءَ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَسْأَلُوهُ عَنْهَا، وَقِيلَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ اخْتَلَفُوا بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى فِي أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَأَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُمْ فَبَيَّنَ لَهُمْ أَمْرَ دِينِهِمْ، وَمَذْهَبُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ الْبَعْضَ بِمَعْنَى الْكُلِّ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غافر: 28]."

يعني جميعه، يعني كله؛ لأنه لو لم يصيبهم الجميع لصار فيه شيء من الإخلاف، ولكنه إخلاف إيعاد، وليس بإخلاف وعد، يصيبهم بعض، وما يلزم أن يكون الكل، والإصابة بالبعض كافيه نعم.

"وَأَنْشَدَ الْأَخْفَشُ قَوْلَ لَبِيدٌ".

أما بالنسبة للبيان فقد بيَّن كل الذي اختلفوا فيه، وإلا فقد قصر فيما أُمر به من التبليغ، فبعث في الآية معناه الكل.

"قَوْلَ لَبِيدٌ:

تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذَا لَمْ أَرْضَهَا ،،، أَوْ تعتلق بعض النفوس حمامها

وَالْمَوْتُ لَا يَعْتَلِقُ بَعْضَ النُّفُوسِ دُونَ بَعْضٍ، وَيُقَالُ لِلْمَنِيَّةِ: عَلُوقٌ وَعَلَّاقَةٌ، قَالَ الْمُفَضَّلُ الْبَكْرِيُّ".

هذا البيت كون الموت مكتوبًا على كل حي إلا الحي القيوم لا يعني أنه يأتي إلى الناس كلهم أو المخلوقات كلها دفعة واحدة، فقوله: أَوْ تعتلق بعض النفوس حمامها، لا يعني أنها تأتي الجميع ولو كان مكتوبًا عليهم يأتي دفعة واحدة، إنما هذا في وقت قول لبيد.

"قَالَ الْمُفَضَّلُ الْبَكْرِيُّ:"

وَسَائِلَةٌ بِثَعْلَبَةَ بْنِ سَيْرٍ ،،، وَقَدْ عَلِقَتْ بِثَعْلَبَةَ الْعَلُوقُ"

يعني الواو، واو رب.

"وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ كَقَوْلِهِ: { وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50]، يَعْنِي مَا أُحِلَّ فِي الْإِنْجِيلِ مِمَّا كَانَ مُحَرَّمًا فِي التَّوْرَاةِ، كَلَحْمِ الْإِبِلِ وَالشَّحْمِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانِّ وَصَيْدِ السَّمَكِ يَوْمَ السَّبْتِ، { فَاتَّقُوا اللَّهَ} أَيِ اتَّقُوا الشِّرْكَ وَلَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ."

يعني اجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية بترك الشرك وغيره مما يعرِّضكم لعقاب الله.

" وَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلُ عِيسَى فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا أَوِ ابْنَ إِلَهٍ، " وَأَطِيعُونِ" فِيمَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَغَيْرِهِ. { إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ} أَيْ عِبَادَةُ اللَّهِ صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ، وَمَا سِوَاهُ مُعْوَجٌّ لَا يُؤَدِّي سَالِكَهُ إلى الحق.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي مَا بَيْنَهُمْ، وَفِيهِمْ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، خَالَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ، الثَّانِي: فَرَّقَ النَّصَارَى مِنَ النُّسْطُورِيَّةِ وَالْمَلَكِيَّةِ وَالْيَعَاقِبَةِ، اخْتَلَفُوا فِي عِيسَى، فَقَالَ النُّسْطُورِيَّةُ: هُوَ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَتِ الْيَعَاقِبَةُ: هُوَ اللَّهُ، وَقَالَتِ الْمَلَكِيَّةُ: ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهُمُ اللَّهُ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ، وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَةِ " مَرْيَمَ"، { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} أَيْ كَفَرُوا وَأَشْرَكُوا، كَمَا فِي سُورَةِ" مَرْيَمَ" { مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} أَيْ أَلِيمٍ عَذَابُهُ، ومثله: لَيْلٌ نَائِمٌ، أَيْ يُنَامُ فِيهِ".

والمقصود بالأليم المؤلم، المؤلم.

 "هَلْ يَنْظُرُونَ" يُرِيدُ الْأَحْزَابَ لَا يَنْتَظِرُونَ،" إِلَّا السَّاعَةَ" يُرِيدُ الْقِيَامَةَ،" أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً" أَيْ فَجْأَةً،" وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" يَفْطِنُونَ، وَقَدْ مَضَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا يَنْتَظِرُ مشرك الْعَرَبِ إِلَّا السَّاعَةَ، وَيَكُونُ " الْأَحْزَابُ" عَلَى هَذَا، الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَّبُوهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَيَتَّصِلُ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: { ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا}".

بعضهم من يعتمد حساب الجمل، وأصله من اليهود، الذين لما أنزل على النبي –عليه الصلاة والسلام- ألم قالوا: كيف نتبع نبيًّا مدته سبعون عامًا؟ من أين أخذوا هذا؟ من ألم من حساب الجُمْل بعضهم قال: إن بغتة بالنسبة لحساب الجُمْل مطابق بغتة ألف وأربعمائة وسبعة، يعني لا تأتيكم إلا في هذا الوقت، مع أن النصوص الصحيحة الصريحة القطعية تبطل هذا الكلام، والواقع أيضًا أبطلها.

 يعني وجد في كتب من كتب في أشراط الساعة هذا التقدير، وبعضهم بالتقريب والتخمين قال: ألف وأربعمائة، بالنظر على إلى مدة بقاء هذه الأمة في الحديث الصحيح بالنسبة لما تقدمها من الأمم أنهم من صلاة العصر إلى غروب الشمس، بالنسبة لسبعة آلاف يعادل ألفًا وأربعمائة سنة، كل هذا كلام في معارضة القطعي الذي لا يحتمل التأويل حتى قيل في قوله تعالى: { أكاد أخفيها} حتى عن نفسه، وإلا فقد أخفاها، يعني لا يعلمها أحد، وهذه التخرصات والاستنباطات البعيدة التي أُخذت من نصوص لم تُسق من أجلها، مع معارضة، يعني دلالتها ليست أصلية في الباب، مع أن الاستدلال بالحساب هذا الذي أوردوه أصله من اليهود، واستدلوا به على قصر مدة النبي –عليه الصلاة والسلام-، فكيف يقتدي بهم ويعارض به النصوص القطعية، النبي -عليه الصلاة والسلام –يقول: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، كيف يقول من يقول: إنها ألف وأربعمائة وسبعة. الآن مضى اثنان وعشرون عامًا على ألف وأربعمائة وسبعة ما صار شيء، مما يدل على إبطاله، وهو باطل من الأصل، لكن إذا كذَّبه الواقع، أذعن به الموافق والمخالف.

طالب:......

 مخالف النص، مكذب لنصوص قطعية.

طالب: شيخ مقابل بعده ...يقول إنها تمتد ..إلى آلاف السنين..

بناءً على أنهم عندهم في مدة الدنيا الملايين من السنين؛ نظرًا لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- يقول: «بعثت أنا والساعة كهاتين»، والمؤرخون يكادون يتفقون على أنها ليست بالملايين، ومدتها أقصر من ذلك، والله أعلم، شيء لا يدرك، إذا كان بعض الأمم السابقة النبي– عليه الصلاة والسلام- ما عنده علم منها، إنما علمه بما أخبر –عليه الصلاة والسلام-، فمثل هذا الكلام فيه من باب العبث، ويدخل في أمور لا تُحمد عقباها.

طالب:....من تكلم على بعض العلامات....

يعني نزل النصوص الشرعية على ظواهر أو على وقائع، أو على نظريات؟

 تطبيقها بدقة يحتاج إلى أن تكون وقعت بالفعل مطابقة لما جاء عن الرسول- عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد يُطبق، وأولف في مطابقة الاختراعات العصرية لما أخبر به خير البرية، نزَّلوا بعض الوقائع، وبعض المستحدثات، وبعضهم نزَّلوها على النصوص، وما وُفِّقوا، يعني حتى بمثل ما يتعلق بالإعجاز العلمي التوسّع فيه غير مرضي؛ لأنه اليوم تثبت، وغدًا تنفي، يظهر ما هو أقرب وأوثق للنص مما ذكرت، ثم بعد ذلك يكون النص عرضة للنفي والإثبات، كتنزيله على النظريات، يعني نظرية طُبِّق عليه نص من النصوص، ثم بعد ذلك تبين أن النظرية خاطئة، استحدث ما هو أدق منها، فما مآل النص الذي طُبِّق على هذه النظرية؟

 يكون محل نظر.

طالب: أحيانًا يتكلم عن علامة من العلامات مثل خروج يأجوج ومأجوج، وقد يحدث بتاريخ معين أو فتح بيت المقدس أو حرب المسلمين لليهود، هل يجوز الدخول في هذا والاجتهاد به أو يغلق؟

 لا، يغلق، يغلق.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ" يُرِيدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ" أَيْ أَعْدَاءٌ، يُعَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا."

يعني هؤلاء الذين تحابوا من أجل الدنيا، لا من أجل الله –جل وعلا-، الخلة خالص المحبة، خالص المحبة، فتجده يظهر لصاحبه أنه خليل له، ما يكفي أن يقول: محب، ثم بعد ذلك إذا حصل أدنى إشكال انقلبت عداوة، بعضهم يومئذ لبعض عدو، حتى في الدنيا، ولقد صارت عامة مؤاخاة الناس من أجل الدنيا، كما قال ابن عباس في الصدر الأول، فكيف بامتداد الأمة إلى هذا الزمان الذي كثرت فيه الشحناء والبغضاء، وتركب أمور ما كانت موجودة في السلف؟

 وضابط المحبة والخلة الشرعية التي هي من أجل الله أنها لا تزيد مع الصفا، ولا تنقص مع الجفاء.

 الآن لو كان من أحب الناس إليك، وانتقدك فيما هو محل انتقاد، وسدّدك فيما ينبغي أن تسدد فيه، حتى بين طلاب العلم قد ينفر منه، وقد توجد النفرة والعداوة بينهم، فكيف إذا شاحنه في أمور دنياه؟

 يعني الآن يريد أن يُسدد، ولو عنده خطأ يقوِّمه ما المانع؟ بالعكس المفترض أن يفرح بهذا الخطأ، وكل هذا يدل على أن النيات مدخولة، النيات مدخولة، يعني يجيء شخص ينتقدك في صلاتك، في بعض عباداتك، ثم بعد ذلك تنقلب عداوة، هذا حاصل، يعني ولو كان بعضهم ينتسب إلى أهل العلم، ليس بمعصوم، فالنفوس مدخولة، والنيات فيها شيء من الدخن، وهذه علامات لما في القلوب، وإلا الأصل ما في القلوب لا يعلمه إلا الله –جل وعلا-.

"{ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} فَإِنَّهُمْ أَخِلَّاءٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا، وَحَكَى النَّقَّاشُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، كَانَا خَلِيلَيْنِ، وَكَانَ عُقْبَةُ يُجَالِسُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ صَبَأَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ إِنْ لَقِيتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ تَتْفُلْ فِي وَجْهِهِ، فَفَعَلَ عُقْبَةُ ذَلِكَ، فَنَذَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَتْلَهُ، فَقَتَلَهُ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا، وَقُتِلَ أُمَيَّةُ فِي الْمَعْرَكَةِ."

نذر النبي –عليه الصلاة والسلام- قتله ليس المراد به النذر المعروف الذي جاء النهي عنه، وإنما هو مجرد وعد بقتله أو إغراء لمن رآه.

ما تخريجه؟

طالب:.......

طيب.

" وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: كَانَ خَلِيلَانِ مُؤْمِنَانِ وَخَلِيلَانِ كَافِرَانِ، فَمَاتَ أَحَدُ الْمُؤْمِنَيْنِ فَقَالَ: يَا رب، إِنَّ فُلَانًا كَانَ يَأْمُرُنِي بِطَاعَتِكَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ، وَكَانَ يَأْمُرُنِي بِالْخَيْرِ وَيَنْهَانِي عَنِ الشَّرِّ، وَيُخْبِرُنِي أَنِّي مُلَاقِيكَ، يَا رَبِّ فَلَا تُضِلُّهُ بَعْدِي، وأهده كَمَا هَدَيْتَنِي، وَأَكْرِمْهُ كَمَا أَكْرَمْتَنِي، فَإِذَا مَاتَ خَلِيلُهُ الْمُؤْمِنُ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لِيُثْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ، إِنَّهُ كَانَ يَأْمُرُنِي بِطَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ، وَيَأْمُرُنِي بِالْخَيْرِ وَيَنْهَانِي عَنِ الشَّرِّ، وَيُخْبِرُنِي أَنِّي مُلَاقِيكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: نِعْمَ الْخَلِيلُ وَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الصَّاحِبُ كَانَ، قَالَ: وَيَمُوتُ أَحَدُ الْكَافِرَيْنِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ فُلَانًا كَانَ يَنْهَانِي عَنْ طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ، وَيَأْمُرُنِي بِالشَّرِّ وَيَنْهَانِي عَنِ الْخَيْرِ، وَيُخْبِرُنِي أَنِّي غَيْرُ مُلَاقِيكَ، فَأَسْأَلُكَ يَا رَبِّ أَلَّا تَهْدِهِ بَعْدِي، وَأَنْ تُضِلَّهُ كَمَا أَضْلَلْتِنِي، وَأَنْ تُهِينَهُ كَمَا أَهَنْتَنِي، فَإِذَا مَاتَ خَلِيلُهُ الْكَافِرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا: لِيُثْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّهُ كَانَ يَأْمُرُنِي بِمَعْصِيَتِكَ وَمَعْصِيَةِ رَسُولِكَ، وَيَأْمُرُنِي بِالشَّرِّ وَيَنْهَانِي عَنِ الْخَيْرِ وَيُخْبِرُنِي أَنِّي غَيْرُ مُلَاقِيكَ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُضَاعِفَ عَلَيْهِ الْعَذَابَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: بأس الصَّاحِبُ وَالْأَخُ وَالْخَلِيلُ كُنْتَ، فَيَلْعَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، قُلْتُ: وَالْآيَةُ عَامَّةٌ في كل مؤمن ومتّقٍ وكافر ومضل."

اللهم صلي على محمد...