التعليق على تفسير القرطبي - سورة الشورى (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طالب: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

 قوله تعالى:

{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ} أَيْ خَائِفِينَ " مِمَّا كَسَبُوا" أَيْ مِنْ جَزَاءِ مَا كَسَبُوا، وَالظَّالِمُونَ ها هنا الْكَافِرُونَ، بِدَلِيلِ التَّقْسِيمِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ،" وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ" أَيْ نَازِلٌ بِهِمْ،" وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ" الرَّوْضَةُ: الْمَوْضِعُ النَّزِهُ الْكَثِيرُ الْخُضْرَةِ، وَقَدْ مَضَى فِي" الرُّومِ {  لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أَيْ مِنَ النَّعِيمِ وَالثَّوَابِ الْجَزِيلِ، { ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ"} أَيْ لَا يُوصَفُ وَلَا تَهْتَدِي الْعُقُولُ إِلَى كُنْهِ صِفَتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ إِذَا قَالَ كَبِيرٌ فَمَنْ ذَا الَّذِي يقدر قدره".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 في قوله -جل وعلا-: { ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا } هذا الوصف لهم في يوم القيامة، وأما في الدنيا فلو أشفقوا لأسلموا، في الدنيا هذا وصف المؤمنين يعملون الأعمال الصالحة  ويشفقون ويخافون وقلوبهم وجلة أن ترد هذه الأعمال ولا تقبل، وفي الآخرة لهم الأمن التام هذا بالنسبة للمؤمنين، أما بالنسبة للكفار فيأمنون في الدنيا، ولا يخافون ولا يشفقون ولو خافوا وأشفقوا لما فهموا ذلكم وأسلموا، لكنهم يأمنون –نسأل الله العافية- ثم في القيامة إذا رأوا وعاينوا الأهوال أشفقوا وخافوا من أعمالهم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا}، قُرِئَ " يُبَشِّرُ" مِنْ بَشَّرَهُ، "وَيُبْشِرُ" مِنْ أَبْشَرَهُ،" وَيَبْشُرُ" مِنْ بَشَرَهُ، وَفِيهِ حَذْفٌ، أَيْ يُبَشِّرُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِيَتَعَجَّلُوا السُّرُورَ وَيَزْدَادُوا مِنْهُ وَجْدًا فِي الطَّاعَةِ، قَوْلُهُ تعالى: { قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى } فِيهِ مسألتان: الأولى: قوله تعالى: { قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ جُعْلًا، {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} قَالَ الزَّجَّاجُ: " إِلَّا الْمَوَدَّةَ" اسْتِثْنَاءٌ لَيْسَ مِنَ الْأَوَّلِ، أَيْ إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي فَتَحْفَظُونِي".

استثناء ليس من جنس الأول؛ لأن الأجر الأصل فيه أن يكون مالًا، أن يكون مالاً، والمودة والمحبة ليست بمال، ليست من جنسه، لكنه يطلب منهم المودة والمحبة إما لقرابته منهم، وقربه منهم، وكونه ولد بينهم أو لقرابته الذين هم آل بيته، على خلاف بين أهل العلم في ذلك.

" وَالْخِطَابُ لِقُرَيْشٍ خَاصَّةً، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو مَالِكٍ وَالشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَكْثَرَ النَّاسُ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَكَتَبْنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ نَسْأَلُهُ عَنْهَا، فَكَتَبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَوْسَطَ النَّاسِ فِي قُرَيْشٍ، فَلَيْسَ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِهِمْ إِلَّا وَقَدْ وَلَدَهُ".

أما قوله: فليس بطن من بطونهم إلا وقد ولده –عليه الصلاة والسلام- يعني قرابته كثر، وأنسابهم متداخلة مع سائر بطون قريش، تكون صلته بهم أقوى، وما من بطن من بطون قريش إلا ويمت له بصلة –عليه الصلاة والسلام-، فهو يسألهم حق هذه القرابة أن يحفظوه، وإن لم يستجيبوا له من أجل دعوته استجابوا له من أجل قرابته، هذا قول في معنى إلا المودة في القربى، وعلى هذا يكون هذا قد انتهى، إذا كان هذا خطابًا لقريش وهذا معنى المودة والقربى، أما إذا كان وصية لقرابته وآله فهو مستمر إلى قيام الساعة.

فَقَالَ الله له: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى } إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي فِي قَرَابَتِي مِنْكُمْ، أَيْ تُرَاعُوا ما بيني وبينكم فتصدقوني، ف" الْقُرْبى " ها هنا قَرَابَةُ الرَّحِمِ، كَأَنَّهُ قَالَ: اتَّبِعُونِي لِلْقَرَابَةِ، إِنْ لَمْ تَتَّبِعُونِي لِلنُّبُوَّةِ، قَالَ عِكْرِمَةُ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَصِلُ أَرْحَامَهَا، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَتْهُ، فَقَالَ: «صِلُونِي كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ»، فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عليه أجرًا، لكن أذكركم قرابتي، على أنه استثناء ليس من الأول، ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: { إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى } فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِلْتَ!  إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَقَالَ: إِلَّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ، فَهَذَا قَوْلٌ.

وَقِيلَ: الْقُرْبَى قَرَابَةُ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَيْ لَا أَسْأَلُكُمْ أَجْرًا إِلَّا أَنْ تَوَدُّوا قَرَابَتِي وَأَهْلَ بَيْتِي، كَمَا أَمَرَ بِإِعْظَامِهِمْ ذَوِي الْقُرْبَى، وَهَذَا قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَالسُّدِّيِّ، وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ -عز وجل-: { قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى } قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْهَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَوَدُّهُمْ؟ قَالَ: «عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَأَبْنَاؤُهُمَا».

 وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: شَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -حَسَدَ النَّاسِ لِي، فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ، أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَنَا وَأَنْتَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَأَزْوَاجُنَا عَنْ أَيْمَانِنَا وَشَمَائِلِنَا وَذُرِّيَّتِنَا خَلْفَ أَزْوَاجِنَا»".

يعني جاءت النصوص إضافة إلى هذه الآية تبين حق قرابته –عليه الصلاة والسلام- وحق أهله وذريته وأن لهم حقًّا عظيمًا على الأمة، وهم وصية النبي –عليه الصلاة والسلام-، لكن مثل هذه النصوص استغلت من بعض الفرق الضالة، فرفعوا من شأنهم، وأوصلوهم إلى حد الربوبية، ودعوهم من دون الله ،وتنقصوا غيرهم، بل كفروهم وضللوهم –نسأل الله العافية-.

 منهج أهل السنة في مثل هذا الباب وغيره من البواب كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في العقيدة الوسطية وسط بين المذاهب، فهم بالنسبة لآله وقرابته وسط بين الرافضة الذين يغلون فيهم، ويصرفون لهم حقوق الرب –جل وعلا-، فيدعونهم من دون الله، وبين النواصب الذين ينتقصونهم، بل يرمونهم بشيء من العظائم، بل كفر بعضهم عليًّا ومن قال بقوله من النواصب، هم في هذا الباب وسط بين هؤلاء وهؤلاء.

 وكذلك في الصحابة عموم الصحابة أيضًا أهل السنة وسط فيهم، يرون فيهم حق النصرة للنبي-عليه الصلاة والسلام- وحق نقل الدين، فلولاهم، لولا أن حملوه لنا لما وصل إلينا، فلهم حق  علينا عظيم خلافًا للروافض الذين يكفرونهم، ويضلونهم، وينتقصونهم، ويعرف لكل أحد قدره، يعرف لكل واحد من هذه الفئات قدره، مما جاءت به النصوص، فلأبي بكر حقه، ولعمر حقه، ولعثمان حقه، ولعلي نصيبه منها في الفضل.

 المقصود أن علي المسلم أن يكون متوسطًا في أموره، كما هو وصف أهل السنة من بين سائر الفرق، ووصف هذه الأمة من بين سائر الملل.

 أقول: مثل هذه الآية والنصوص التي جاءت في معناها استغلت من الروافض، فرفعوهم فوق ما يستحقونه من تعظيم وتقدير واعتراف بالفضل ومودة ومحبة، لكنهم لا يستحقون شيئًا من حقوق الرب –جل وعلا-، وإذا كان النبي –عليه الصلاة و السلام-لا يستحق منها شيئًا، فما بالك بمن يُحَب من أجله –عليه الصلاة والسلام-؟

"وَعَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «حُرِّمَتِ الْجَنَّةُ عَلَى مَنْ ظَلَمَ أَهْلَ بَيْتِي وَآذَانِي فِي عِتْرَتِي، وَمَنِ اصْطَنَعَ صَنِيعَةً إِلَى أَحَدٍ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَمْ يُجَازِهِ عَلَيْهَا فَأَنَا أُجَازِيهِ عَلَيْهَا غَدًا إِذَا لَقِيَنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ»".

تخريج النصوص، الأحاديث هذه، خرجوها؟

طالب: السابق.

السابق أول واحد.

طالب: تخريج الذي ذكره ابن كثير قال في تفسيره: رواية.... فقال: إسناده ضعيف....

هذا ضعيف الأول، الذي قال: قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين نورهم... قال علي وفاطمة وابنهما ضعيف نعم، الثاني: شكوت إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- ....

طالب: ............

 ما خرجه؟

طالب....

ماذا يقول؟

طالب: ضعيف جدًّا أخرجه الطبراني كما في المجمع من حديث أبي رافع، وقال الحافظ في تخريج الكشاف....إسناده ضعيف واهن، وأخرجه .... عن علي، انتهى ... هو محمد بن يونس متروك انتهى.

نعم، والله المستعان، جل ما جاء في هذا الباب ضعيف مثل ما قلنا: استغل هذه الموضوع، ووضعت فيه الأخبار، كذب فيه على النبي –عليه الصلاة والسلام-؛ من أجل رفع شأنهم، وهم ليسوا بحاجة إلى مثل هذا الافتراء وهذا التقول على الله وعلى رسوله –عليه الصلاة والسلام- نعم.

 الذي بعده.

طالب: باطل، أخرجه الثعلبي كما في تخريج الكشاف من حديث علي، وقال الحافظ: فيه عبد الله بن أحمد الطائي عن أبيه وهو كذاب.

والذي بعده.. حرمت الجنة؟

طالب: يقول أخرجه أحمد والطبراني والحافظ من حديث ابن عباس وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، مع أن مداره على قزعة بن سويد، وقد ضعفه الحافظ في التخريج، وقال الهيثمي في المجمع: ووافقه يحيى وغيره، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات، انتهى.

أيها؟ على حديث قزعة بن سويد أو الذي قبله؟

طالب: نعم أحسن الله إليك، قل لا أسألكم على ... أجرًا.

طالب: قزعه، وروى قزعة.

هذا خبر قزعة عن ابن أبي نجيح.

طالب: حرمت الجنة على ظلم من أهل بيتي.

نعم.

طالب: يقول: باطل، أخرجه الثعلبي كما في تخريج الكشاف من حديث علي، وقال الحافظ: فيه عبد الله بن أحمد الطائي، وهو كذاب.

نعم، الخلاصة أن جميع هذه الأحاديث ضعيفة لا يثبت منها شيء.

"وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: الْمَعْنَى إِلَّا أَنْ يَتَوَدَّدُوا إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَيَتَقَرَّبُوا إليه بطاعته، ف"القربى" عَلَى هَذَا بِمَعْنَى الْقُرْبَةَ، يُقَالُ: قُرْبَةٌ وَقُرْبَى بِمَعْنًى، كَالزُّلْفَةِ وَالزُّلْفَى، وَرَوَى قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى مَا آتَيْتُكُمْ بِهِ أَجْرًا إِلَّا أَنْ تَوَادُّوا وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ»، وَرَوَى مَنْصُورٌ وَعَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ: { قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى } قَالَ: يَتَوَدَّدُونَ إِلَى اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- وَيَتَقَرَّبُونَ مِنْهُ بِطَاعَتِهِ.

 وَقَالَ قَوْمٌ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُؤْذُونَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِمَوَدَّةِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصِلَةِ رَحِمِهِ، فَلَمَّا هَاجَرَ آوَتْهُ الْأَنْصَارُ وَنَصَرُوهُ، وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُلْحِقَهُ بِإِخْوَانِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ حيث قالوا: { وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ} [الشعراء: 109]، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} [سبأ: 47]، فنسخت بهذه الآية، وبقوله: {قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}[ص: 86]،"

لأن مقتضى قوله: {قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله}، يعني ما فيه استثناء المودة في القربى، وكذلك الآية التي تليها، ثم بعد ذلك نسخت هذه الآية المطلقة، فاستثنى من الأجر المودة في القربى، هذا إذا قلنا: إن هذه المودة الانتفاع في مقابل الانتفاع، فيكون هذا شيئًا من الأجل؛ لأنه استثناء، وإن لم يكن من جنسه، فالأصل أن الأجر يكون بالمال، والمودة أمر معنوي.

 وَقَوْلِهِ: { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} [المؤمنون: 72]، وقوله: { أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ}[الطور: 40]، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَالْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ، وَرَوَاهُ جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَكَفَى قُبْحًا بِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ بِطَاعَتِهِ وَمَوَدَّةِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلِ بَيْتِهِ مَنْسُوخٌ، وقد
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ شَهِيدًا، وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ جَعَلَ اللَّهُ زُوَّارَ قَبْرِهِ الْمَلَائِكَةَ وَالرَّحْمَةَ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَيِسٌ الْيَوْمَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ لَمْ يَرَحْ  رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلٍ بَيْتِي فَلَا نَصِيبَ لَهُ فِي شَفَاعَتِي»".

خرج؟

طالب: ............

ماذا قال؟

طالب: يقول هو بعض الآتي ......

الذي ذكره الزمخشري في تفسيره بشيء من البسط والطول، لكنه لا يثبت، يعني لا يشك أحد ولا يماري في أن مثل هذا النصوص من وضع الرافضة.

"قُلْتُ: وَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا فَقَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «من مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ شَهِيدًا أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ مُؤْمِنًا مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَانِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ بَشَّرَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ فُتِحَ لَهُ فِي قَبْرِهِ بَابَانِ إِلَى الْجَنَّةِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ في حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ جَعَلَ اللَّهُ قَبْرَهُ مَزَارَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ كَافِرًا، أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى بُغْضِ آلِ مُحَمَّدٍ لَمْ يَشُمَّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ»".

ومثل هذا الخبر لا شك أن علامات الوضع عليه ظاهرة، ومخالفة لنصوص الكتاب والسنة ظاهرة، ومحبة أهل البيت مما يتقرب إلى الله –جل وعلا-؛ لأنهم وصية النبي-عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد أوصانا بهم، أوصانا بهم –عليه الصلاة والسلام-، ولهم علينا حقوق، لكن لابد من النظر إلى حقوق غيرهم من الصحابة، وأبو بكر-رضي الله عنه- وإلا لم يكن من الآل فهو أفضل من جميع الآل؛ لأنه أفضل هذه الأمة على الإطلاق، بل أفضل الأمم كلها بعد الأنبياء، وكذلك عمر –رضي الله عنه-، وهم حينما يبالغون في أهل البيت ينتقصون غيرهم، ويزعمون أن عمر بن الخطاب في قاع جهنم، وفوقه أبو بكر، وفوقهما إبليس –نسأل الله السلامة والعافية-.

 وهم بهذا النصوص في مثل هذا الخبر الذي ذكره الزمخشري يستدرون عواطف العوام، فيجعلونهم يتبعونهم من غير نظر ولا رواية، ولذلك تجد العامة لا يناقشون في مثل هذه الأمور، والمعروف من خواصهم مرتزقة، عندهم الخمس، وعندهم غيره، وعندهم تعظيم الأتباع لهم باسم محبة آل البيت –نسأل السلامة والعافية-.

ماذا قال عندك؟

طالب: يقول: باطل، لا أصل له، ذكره الحافظ في تخريج الكشاف وقال: أخرجه الثعلبي بطوله، وآثار الوضع عليه.... محمد بن أسلم ومن فوقه ثقات، والآفة فيه ما بين الثعلبي ومحمد بن أسلم.

الخبر موضوع بلا شك، وعندهم ما هو أشد من هذا –نسأل الله العافية-.

طالب: المؤلف يعني كيف ينقل من الزمخشري وهو يعرف أنه رد..؟

المؤلف- رحمه الله تعالى- بضاعته في الحديث مزجاة، المؤلف –رحمه الله- ليس له يد في الحديث، إن وقف على شيء نقله وإلا لأن التخريج، تخريج أحاديث الكشاف بعده بعد المؤلف، الحافظ ابن حجر يعني لو وقف على الكشاف بتخريجه نقل هذا التخريج، لكنه وقف على كلام الكشاف، ولم يقف على التخريج، ليس كل الناس عندهم حساسية من بعض الأمور تجعلهم عندهم قواعد يرجعون إليها ويؤون إليها إذا خالف ما عندهم من قواعد جعلهم ينظرون في متن الحديث وإسناده، قواعد النقد عند المؤلف ليست متكاملة وليس من أهل الحديث.

طالب: حتى مثل هذا الحديث واضح فيه الوضع، وهو يعلم أيضًا خطورة ..... أن الرافضة..

نعم بلا شك.

طالب: لكن يكون من هذا الباب يا شيخ ضعف بضاعته..

بلا بضاعة نعم، ضعيف، ضعفه ظاهر، وقف على الكشاف ونقله، وفيه فضائل، يعني ظنه في فضائل آل البيت، ويتسامحون في رواية الفضائل، لكن يترتب عليه عظائم في المقابل أيضًا بعض جهال أهل السنة لما رأوا الرافضة يضعون في فضائل أهل البيت وضعوا في فضائل أبي بكر وعمر كجهال المذاهب أيضًا سواء كانت الفرعية أو الأصلية وضع في فضائل أئمتهم، ومن عجائب أن يقال في مثل هذا الخبر: ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة، هم يتبرؤون من السنة والجماعة، والسنة لفظ ذم عندهم ليس بلفظ مدح.

" قَالَ النَّحَّاسُ: وَمَذْهَبُ عِكْرِمَةَ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، قَالَ: كَانُوا يَصِلُونَ أَرْحَامَهُمْ فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعُوهُ فَقَالَ: «قُلْ لا أسئلكم عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي وَتَحْفَظُونِي لِقَرَابَتِي وَلَا تُكَذِّبُونِي».

قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَالشَّعْبِيِّ عَنْهُ بِعَيْنِهِ، وَعَلَيْهِ لَا نَسْخَ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَقَوْلُ الْحَسَنِ حَسَنٌ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَسَدُ بن مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا قَزَعَةُ، وَهُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْبَصْرِيُّ".

 

تقدم سويد وهو قزعة بن سويد.

طالب: ابن سويد.

نعم تقدم.

"قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قال: «لا أسئلكم عَلَى مَا أُنَبِّئُكُمْ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى أَجْرًا إِلَّا أَنْ تَوَادُّوا اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- وَأَنْ تَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ»، فَهَذَا الْمُبَيَّنُ عَنِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ قَالَ هَذَا، وَكَذَا قالت الأنبياء -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِم وَسَلَّمَ –قبله، {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} [سبأ: 47]".

هذا أيضًا ضعيف.

طالب: قزعة.

نعم.

طالب: التدليس ... قزعة بن يزيد البصري.

هو سويد.

طالب: قالوا بن يزيد البصري.

  لا، لا غلط ابن سويد خطأ.

طالب:.....

يسميه بغير اسمه ينسبه إلى غير أبيه.

طالب: يزيد ما قال: ابن سويد قال ابن يزيد.

هذا إذا كان جده يزيد.

طالب: نعم.

فنسبه إلى جده؛ ليتفق مع شخص بهذا الاسم ثقة، ويكون من تدليس الشيوخ، لكن هذا خطأ حض هذا ماذا عندك؟

طالب: تخريجه يقول ... أخرجه الطبراني والحافظ من حديث ابن عباس وإسناده غير قوي؛ لأن قزعة بن سويد... وتقدم الكلام عليه.

هذا ضعيف قزعة نعم.

"الثَّانِيَةُ: وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -الْمَدِينَةَ كَانَتْ تَنُوبُهُ نَوَائِبُ وَحُقُوقٌ لَا يَسَعُهَا مَا فِي يَدَيْهِ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ هَدَاكُمُ اللَّهُ بِهِ وَهُوَ ابْنُ أَخِيكُمْ، وَتَنُوبُهُ نَوَائِبُ وَحُقُوقٌ لَا يَسَعُهَا مَا فِي يَدَيْهِ فَنَجْمَعُ لَهُ، فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَتَوْهُ بِهِ فَنَزَلَتْ، وَقَالَ الْحَسَنُ: نَزَلَتْ حِينَ تَفَاخَرَتِ الْأَنْصَارُ وَالْمُهَاجِرُونَ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ نَحْنُ فَعَلْنَا، وَفَخَرَتِ الْمُهَاجِرُونَ بِقَرَابَتِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَوَى مِقْسَمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا فَخَطَبَ فَقَالَ لِلْأَنْصَارِ: «أَلَمْ تَكُونُوا أَذِلَّاءَ فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِي؟ أَلَمْ تَكُونُوا ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ أَلَمْ تَكُونُوا خَائِفِينَ فَأَمَّنَكُمُ اللَّهُ بِي أَلَا تَرُدُّونَ عَلَيَّ»، فَقَالُوا: بِمَ نُجِيبُكَ؟ قَالَ: «تَقُولُونَ: أَلَمْ يَطْرُدْكَ قَوْمُكَ فَآوَيْنَاكَ؟ أَلَمْ يُكَذِّبْكَ قَوْمُكَ فَصَدَّقْنَاكَ ...» فَعَدَّدَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ فَقَالُوا: أَنْفُسُنَا وَأَمْوَالُنَا لك".

لأن الأنصار وجدوا في أنفسهم لما قسم النبي- عليه الصلاة والسلام- غنائم حنين وأعطى المهاجرين وقريش ما أعطاهم، وجد الأنصار في أنفسهم شيئًا من ذلك فواساهم النبي –عليه الصلاة والسلام- بكلامه وناشدهم هذه المناشدة وقال لهم: ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاه والبعير وتذهبون برسول الله –صلى الله عليه وسلم- الأنصار الناس دثار، والأنصار شعار؛ لأنهم أقرب إلى قلبه وبدنه من غيرهم –عليه الصلاة والسلام-.

"فنزلت: {قل لا أسئلكم عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ لَعَلَّ مُحَمَّدًا فِيمَا يَتَعَاطَاهُ يَطْلُبُ أَجْرًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، لِيَحُثَّهُمْ عَلَى مَوَدَّتِهِ وَمَوَدَّةِ أَقْرِبَائِهِ، قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْآيَةِ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ".

وإن كان بعض المشركين، وهذه نظرة كثير من الناس، حتى من عوام المسلمين إذا رأى إنسانًا يبذل من نفسه وجهده، ويحرص على النفع العام قالوا: أكيد أن هذا يدعم، ما الذي فرغه لهذه الأمور؟ نعم ما يظنون ما عند الله خير وأعظم، فالأصل فيمن يعلم الناس الخير ويوجهم إليه ويدعوهم إليه أنه يرجو من عند الله –جل وعلا-، لكن لا يمنع أنه قد يحتاج مثلاً ويعان على ذلك، نعم لا يمنع، لكن الرسول –صلي الله عليه وسلم – ليس من هذا النوع، لا يسأل الناس أجرًا، يعني في قريش على طريقة عموم الناس أنه ما فيه أحد يضيع وقته وجهده مجانًا. هذه نظرة بعض الناس، ومازالت موجودة عند بعضهم، نحن يمكن أن نتفرغ للناس أربعة وعشرين ساعة ليل نهار يشتغل لهم في النهاية لا شيء، ما يتصورون، كل إنسان إلى غيره بما جبل عليه، تجده مثلاً ما يمكن أن يعمل عملًا إلا بمقابل، فيقول: هؤلاء لا يمكن أن يتفرغوا إلا بمقابل.

 نعم هذا موجود.

 فكانت قريش تظن أن النبي –عليه الصلاة والسلام- فرغ نفسه وتصدى لمخالفة الناس كلهم وآذاهم، ما يمكن أن يُشترى بدون مقابل، ولا يدرون أن المقابل هو جنة عرضها السماوات والأرض، والله المستعان.

" قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} أَيْ يَكْتَسِبُ، وَأَصْلُ الْقَرْفِ الْكَسْبُ، يُقَالُ: فُلَانٌ يَقْرِفُ لِعِيَالِهِ، أَيْ يَكْسِبُ، وَالِاقْتِرَافُ الِاكْتِسَابُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ قِرْفَةٌ، إِذَا كَانَ مُحْتَالًا، وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَنْعَامِ" الْقَوْلُ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً" قَالَ: الْمَوَدَّةَ لِآلِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، { نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً} أَيْ نُضَاعِفْ لَهُ الْحَسَنَةَ بِعَشْرٍ فَصَاعِدًا، {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} قَالَ قَتَادَةُ: " غَفُورٌ" لِلذُّنُوبِ، " شَكُورٌ" لِلْحَسَنَاتِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: " غَفُورٌ" لِذُنُوبِ آلِ مُحَمَّدٍ -عليه السلام-،" شكور" لحسناتهم."

غفور شكور صيغ مبالغة، فهو يغفر لكل من يستحق المغفرة، ويغفر ما دون ذلك، ما دون الشرك لمن يشاء، وشكور أيضًا لمن يعمل الصالحات ويتجنب السيئات.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} الْمِيمُ صِلَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: أَيَقُولُونَ افْتَرَى."

كونها صلة؛ لأن حذفها لا يؤثر في المعنى.

" وَاتَّصَلَ الْكَلَامُ بِمَا قَبْلُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: { وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ}[الشورى: 15]، وقال: { اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ} [الشورى: 17] قَالَ إِتْمَامًا لِلْبَيَانِ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرىعَلَى اللَّهِ كَذِباً} يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا اخْتَلَقَ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ، {فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ} شَرْطٌ وَجَوَابُهُ: "عَلى قَلْبِكَ" قَالَ قَتَادَةُ: يَطْبَعُ عَلَى قَلْبِكَ فَيُنْسِيكَ الْقُرْآنَ، فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ لَوِ افْتَرَى عَلَيْهِ لَفَعَلَ بِمُحَمَّدٍ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.

 وَقَالَ مجاهد ومقاتل: " فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ" يَرْبِطْ عَلَى قَلْبِكَ بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ حَتَّى لَا يَدْخُلَ قَلْبَكَ مَشَقَّةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى إِنْ يَشَأْ يُزِلْ تَمْيِيزَكَ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَوْ حَدَّثْتَ نَفْسَكَ أَنْ تَفْتَرِيَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لَطُبِعَ عَلَى قَلْبِكَ، قَالَهُ ابْنُ عِيسَى، وَقِيلَ: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قُلُوبِ الْكُفَّارِ وَعَلَى أَلْسِنَتِهِمْ وَعَاجَلَهُمْ بِالْعِقَابِ، فَالْخِطَابُ لَهُ وَالْمُرَادُ الْكُفَّارُ، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ} قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: " يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ" تَامٌّ".

مقتضى قوله: تام إن تكتب ويمحو، يمحو؛ لأن حذف الحرف لا مبرر له إذا كان الفعل مرفوعًا قيل: محى يمحو، ومقتضى حذف الواو أنه مجذوم عطفًا على يختم، وقوله: قال ابن الأنباري ويختم على قلبك تام لا شك أنه يرده قوله: {ويمح الله} اللهم إلا إذا قيل: إن حذف الواو إتباع للرسم مثل: "ويدعو الإنسان"، "ذلك ما كنا نبغ"، كله اتباع للرسم وإلا فلا يوجد ما يقتضي الحذف.

" وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، مَجَازُهُ: وَاللَّهُ يَمْحُو الْبَاطِلَ، فَحُذِفَ مِنْهُ الْوَاوُ فِي الْمُصْحَفِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، كَمَا حُذِفَتْ مِنْ قَوْلِهِ: {سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ}، [العلق:18] { وَيَدْعُ الْإِنْسانُ} [الاسراء: 11]، وَلِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ"، وقال الزجاج: قول: " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً" تَمَامٌ. وَقَوْلُهُ: { وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ} احْتِجَاجٌ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَيْ لَوْ كَانَ مَا أَتَى بِهِ بَاطِلًا لَمَحَاهُ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ فِي الْمُفْتَرِينَ، {وَيُحِقُّ الْحَقَّ} أَيِ الْإِسْلَامَ فَيُثْبِتُهُ " بِكَلِماتِهِ" أَيْ بِمَا أَنْزَلَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} عَامٌّ، أَيْ بِمَا فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، وَقِيلَ: خَاصٌّ، وَالْمَعْنَى أَنَّكَ لَوْ حَدَّثْتَ نَفْسَكَ أَنْ تَفْتَرِيَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لعلمه وطبع على قلبك".

يعني هل هو عام علمه بذوات صدور الخلق أجمعين، أو بما في صدره – عليه الصلاة والسلام-؟ الأصل العموم، يعلم ما في قلبه –عليه الصلاة والسلام- ويعلم ما في قلوب غيره، وأما تخصيصه بالنبي –عليه الصلاة والسلام- فلا وجه له.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تعالى: { قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} قَالَ قَوْمٌ فِي نُفُوسِهِمْ: مَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَحُثَّنَا عَلَى أَقَارِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّهُمْ قَدِ اتَّهَمُوهُ فَأَنْزَلَ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً"} الْآيَةَ".

يعني الحث على القرابة كأنهم رأوا أنه من تلقاء نفسه لا من الله-جل وعلا-، الحث على قرابته إلا المودة في القربى كأن بعضهم قال: إنه يحسن على قرابته من تلقاء نفسه، وهذا معنى قوله: {أم يقولون أفترى على الله كذبًا} يعني حث على القرابة دون أن يكون من الله –جل وعلا-، بل من تلقاء نفسه، وهذه من تلقاء نفسه، وهذا مناسب جدًّا، أم يقولون: أفترى على الله كذبًا، مناسب لهذا القول أنه حثهم على قرابته من تلقاء نفسه، وأنه تقول على الله في هذا الأمر ما لم يقل حاشا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

""َقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَنَتُوبُ، فَنَزَلَتْ: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ}، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ عَنْ أَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ، وَالْآيَةُ عَامَّةٌ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي مَعْنَى التَّوْبَةِ وأحكامها ، ومضى هذا اللفظ في" براءة".

 { وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ} أَيْ عَنِ الشِّرْكِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} أَيْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ وَخَلَفٌ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابِهِ، والْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حاتم؛ لأنه بين خبرين: الأول: وهو {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ}، وَالثَّانِي {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ}".

يعني أخبر عن عباده "الذي يقبل التوبة عن عباده"، فيناسب قوله: عن عباده "يفعلون"، فلو كان الخطاب هو الذي يقبل التوبة منكم أو عنكم قال: ويعلم ما تفعلون لكن لما قال: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات يعني سيئاتهم، ما ثبت في القراءة بالياء يفعلون، ولا يمنع في أسلوب العرب أن يكون هناك التفات من الغيبة إلى الخطاب، التفات من الغيبة إلى الخطاب.

قوله تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ }.

" الَّذِينَ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَيْ وَيَسْتَجِيبُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا، أَيْ يَقْبَلُ عِبَادَةَ مَنْ أَخْلَصَ لَهُ بِقَلْبِهِ وَأَطَاعَ بِبَدَنِهِ، وَقِيلَ: يُعْطِيهِمْ مَسْأَلَتَهُمْ إِذَا دَعَوْهُ، وَقِيلَ: وَيُجِيبُ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِينَ بِعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، يُقَالُ: أَجَابَ وَاسْتَجَابَ بِمَعْنًى، وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ".

ومضى في البقرة: {ادعوني أستجب لكم}، يعني أجبكم، ادعوني أستجب لكم، يعني ادعوني أجبكم.

 "وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: { وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} يُشَفِّعُهُمْ فِي إِخْوَانِهِمْ،" وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ" قَالَ: يُشَفِّعُهُمْ فِي إِخْوَانِ إِخْوَانِهِمْ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: مَعْنَى" وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا" وَلْيَسْتَدْعِ الَّذِينَ آمَنُوا الْإِجَابَةَ، هَكَذَا حَقِيقَةُ مَعْنَى اسْتَفْعَلَ."

لأن الأصل في السين والتاء الطلب، طلب الإجابة.

" فَ" الَّذِينَ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، {وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ}، قوله تعالى: {بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: فِي نُزُولِهَا، قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ تَمَنَّوْا سَعَةَ الرِّزْقِ، وَقَالَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ: فِينَا نَزَلَتْ، نَظَرْنَا إِلَى أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ وَبَنِي قَيْنُقَاعَ فَتَمَنَّيْنَاهَا فَنَزَلَتْ،" لَوْ بَسَطَ" مَعْنَاهُ وَسَّعَ، وَبَسَطَ الشَّيْءَ نَشَرَهُ، وَبِالصَّادِ أَيْضًا،" لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ" طَغَوْا وَعَصَوْا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَغْيُهُمْ طَلَبُهُمْ مَنْزِلَةً بَعْدَ مَنْزِلَةٍ وَدَابَّةً بَعْدَ دَابَّةٍ وَمَرْكَبًا بَعْدَ مَرْكَبٍ وَمَلْبَسًا بَعْدَ مَلْبَسٍ."

نعم إذا نظر الإنسان إلى من فوقه في أمور الدنيا فإن هذا النظر لا ينتهي،  ينظر إلى فلان وهو فوقه بقليل، ثم في النهاية يكون مثله، ثم إذا صار مثله نظر إلى من فوقه وهكذا في أمور الدنيا يجب على المسلم أن ينظر إلى من دونه في أمور الدنيا، فإنه أحرى ألا يزدري نعم الله عليه، بخلاف أمور الدين فإنه عليه أن ينظر إلى من فوقه؛ لتسمو همته، ويزيد من طاعة الله -جل وعلا-.

 المسلمون كثير منهم ينظر إلى بلاد الكفر وما فيها من رغد وعيش وجمال طبيعة، وما فيها من جو مناسب وغير ذلك من الأشياء التي تجذب الأنظار ويتمنى ألا لو كنا مثلهم، وما يدريك لعل الله -جل وعلا- ادخر للمسلمين في الآخرة ما هو خير وأعظم من هذه، فالدنيا فانية وزائلة، وإذا تمنى الإنسان شيئًا من أمور الدنيا، ثم حصل له لا شك أن نفسه تشرأب إلى ما فوقه، وشواهد الأحوال ظاهرة أن الناس كانوا في بيوت ضيقة، وفي عيشة راضية وهنية مع ضيق العيش وضيق البيوت، ثم خرجوا إلى بيوت أوسع منها، ورأوا الأولى مقابر، ثم ازدروا الثانية، ورأوا أنها أيضًا لا تليق بهم حتى تباعوا بالقصور وغيرها.

طالب:....على تفسير ابن عباس ...

ماذا؟

طالب: على تفسير ابن عباس لبغوا في الأرض ...منزل بعد منزل .....

هذا طغيان البغي، والطغيان لا يلزم منه التعدي على الآخرين وظلمهم، {فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا} في تفسير القرطبي قال: إن من وضع على مائدة ثلاثة أنواع من الطعام فقد طغى، فالبغي القصد منه الزيادة فيما ينبغي الكفاف عنه.

كيف يوفق هذا وهذا الحديث .... وبين مسألة الابتكار؟

المسألة الأصل أن أمور الدنيا التخلص منها صعب، التخلص من تبعاتها شاق، والابتلاء بالسراء أعظم من الابتلاء بالضراء، لكن إذا وجد فنعم المال الصالح مع العبد الصالح، وجد بأيدي الأخيار عبد الرحمن بن عوف وغيره من أغنياء الصحابة وعثمان بن عفان –رضي الله عنه- نفع نفعًا، من يضمن أن يكون تصرفه على هذا المنوال، فالخلوص منها، والخروج من تبعاتها دونه خرط القتاد، ابتلى الناس بالضراء، وصابروا، وثبتوا على أديانهم، ولم يتنازلوا عن شيء من دين وعرض، ثم ابتلوا بالسراء، فانظر تر ما الذي حصل بعد ذلك، والله للفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا كما حصل.

" وَقِيلَ: أَرَادَ لَوْ أَعْطَاهُمُ الْكَثِيرَ لَطَلَبُوا مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ؛ لِقَوْلِهِ: «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ لَابْتَغَى إِلَيْهِمَا ثَالِثًا»، وَهَذَا هُوَ الْبَغْيُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: لَوْ جَعَلْنَاهُمْ سَوَاءً فِي الْمَالِ لَمَا انْقَادَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَلَتَعَطَّلَتِ الصَّنَائِعُ."

نعم إذا استووا استواء في المال والجاه وفي القوة وفي البدن استووا وفي جميع ما يقاس به أمور الدنيا لبغوا بعضهم على بعض، ما ينقاد بعضهم إلى بعض، ما تجد أحدًا يأمر أحدًا ويأتمر، لكن من أجل التسخير جعلهم متفاوتين؛ ليستجيب الصغير للكبير، ويستجيب الغني للفقير، ويستجيب المرؤوس للرئيس وهكذا.

" وَقِيلَ: أَرَادَ بِالرِّزْقِ الْمَطَرَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الرِّزْقِ، أَيْ لَوْ أَدَامَ الْمَطَرَ لَتَشَاغَلُوا بِهِ عَنِ الدُّعَاءِ، فَيَقْبِضُ تَارَةً لِيَتَضَرَّعُوا وَيَبْسُطُ أُخْرَى لِيَشْكُرُوا، وَقِيلَ: كَانُوا إِذَا أَخْصَبُوا أَغَارَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَلَا يَبْعُدُ حَمْلُ الْبَغْيِ عَلَى هَذَا، قال الزَّمَخْشَرِيُّ:" لَبَغَوْا" مِنَ الْبَغْيِ، وَهُوَ الظُّلْمُ، أَيْ لَبَغَى هَذَا عَلَى ذَاكَ وَذَاكَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْغِنَى مَبْطَرَةٌ مَأْشَرَةٌ، وَكَفَى بِقَارُونَ عِبْرَةً، وَمِنْهُ قَوْلُهُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَكَثْرَتَهَا»، وَلِبَعْضِ الْعَرَبِ:
وَقَدْ جَعَلَ الْوَسْمِيُّ يَنْبُتُ بَيْنَنَا ،،، وَبَيْنَ بَنِي دُودَانَ نَبْعًا وَشَوْحَطَا

يَعْنِي أَنَّهُمْ أَحْيَوْا فَحَدَّثُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْبَغْيِ وَالتَّغَابُنِ، أَوْ مِنَ الْبَغْيِ وَهُوَ الْبَذَخُ وَالْكِبْرُ، أَيْ لَتَكَبَّرُوا فِي الْأَرْضِ وَفَعَلُوا مَا يَتْبَعُ الْكِبْرَ مِنَ الْعُلُوِّ فِيهَا وَالْفَسَادِ، {وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ} أَيْ يُنَزِّلُ أَرْزَاقَهُمْ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ لِكِفَايَتِهِمْ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ:" يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ" يَجْعَلُ من يشاء غنيًّا ومن يشاء فقيرًا."

ليختلف المعنى إذا قلت بقدر أي ينزل أرزاقهم بقدر ما يشاء، أي بمقدار ما يشاء لكفايتهم أو بقدر يكون هذا مربوطًا بقدر الله -جل وعلا- وما أراده وشاءه لكل أناس فيزيد لقوم على قوم وهكذا.

"الثَّانِيَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: أَفْعَالُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ لَا تَخْلُو عَنْ مَصَالِحَ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَى اللَّهِ الِاسْتِصْلَاحُ."

يعني خلاف المعتزلة أنهم يرون أنه يجب على الله أن يفعل الأصلح، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا.

"فَقَدْ يَعْلَمُ مِنْ حَالِ عَبْدٍ أَنَّهُ لَوْ بَسَطَ عَلَيْهِ قَادَهُ ذَلِكَ إِلَى الْفَسَادِ فَيَزْوِي عَنْهُ الدُّنْيَا، مَصْلَحَةً لَهُ، فَلَيْسَ ضيق الرزق هوانا ولا سعة فَضِيلَةً".

لأن الدنيا تعطى لمن يحبه الله وما لا يحبه، لكن العبرة بالدين وما يوصل إلى الله –جل وعلا-هذا لا يعطاه إلا المحبوب من قبل الله -جل وعلا-، وجاء في الخبر إن من عبادي ما لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك، ومنهم ما لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لفسد حاله، نعم.

طالب:.............

هذا خبر نعم، يروى مرفوعًا عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

" وَقَدْ أَعْطَى أَقْوَامًا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الْفَسَادِ، وَلَوْ فَعَلَ بِهِمْ خِلَافَ مَا فَعَلَ لَكَانُوا أَقْرَبَ إِلَى الصَّلَاحِ، وَالْأَمْرُ عَلَى الْجُمْلَةِ مُفَوَّضٌ إِلَى مَشِيئَتِهِ، وَلَا يُمْكِنُ الْتِزَامُ مَذْهَبِ الِاسْتِصْلَاحِ فِي كُلِّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَوَى أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَالَ: «مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ، وَإِنِّي لَأَسْرَعُ شَيْءٍ إِلَى نُصْرَةِ أَوْلِيَائِي، وَإِنِّي لَأَغْضَبُ لَهُمْ كَمَا يَغْضَبُ اللَّيْثُ الْحَرِدُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ إِسَاءَتَهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي الْمُؤْمِنُ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي الْمُؤْمِنُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا وَلِسَانًا وَيَدًا وَمُؤَيِّدًا، فَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَإِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ.

 وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَسْأَلُنِي الْبَابَ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَإِنِّي عَلِيمٌ أَنْ لَوْ أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ لَدَخَلَهُ الْعُجْبُ فَأَفْسَدَهُ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْغِنَى، وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفْسَدَهُ الْفَقْرُ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْفَقْرُ، وَلَوْ أَغْنَيْتُهُ لَأَفْسَدَهُ الْغِنَى، وَإِنِّي لِأُدَبِّرُ عِبَادِي لِعِلْمِي بِقُلُوبِهِمْ فَإِنِّي عَلِيمٌ خَبِيرٌ»".

ماذا قال عنه؟

طالب: يقول: أحسن الله إليك... ذكره الحكيم الترمذي في نوادره من حديث أنس وضعفه، وضعفه ابن رجب في جامع العلوم والحكم، وقال فيه.... عن ... الدمشقي، وهما ضعيفان، وأصله دون عجزه عند البخاري وابن حبان من حديث أبي هريرة ..

نعم من عاد لي وليًّا هذا معروف صحيح، لكن الآخر هو الذي فيه كلام.

طالب: ثم يقول ....وهو أحد الأحاديث التي يرويها البخاري في الصحيح...

التي..

طالب: ............

ما معنى... ؟

طالب:...........

معروف صدره، صدره معروف في الصحيح.

طالب: يمكن يقصد الأحاديث القدسية.

هذا أحد الأحاديث التي يرويها البخاري في صحيحه.

طالب:.....

طالب:.....

ماذا؟

طالب: يقول قبله ...... ضعيفان، وأصله دون عجزه..

صدر الحديث معروف من عاد لي وليًّا في البخاري نعم.

طالب:...... يقول: أصله دون عجزه عند البخاري وابن حبان عن أبي هريرة، وهو أحد الأحاديث التي يرويها البخاري في صحيحه فيها مقاله راجع....

هذا الجواب هذا ما سمعنا فيه مقال، يعني مما تكلم فيه من أحاديث البخاري.

" ثُمَّ قَالَ أَنَسٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي مِنْ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَا يُصْلِحُهُمْ إِلَّا الْغِنَى، فَلَا تُفْقِرْنِي بِرَحْمَتِكَ".

نعم أنس من الأغنياء بسبب دعوة النبي- عليه الصلاة والسلام- غني، لكن الغنى إذا سمع هذا الكلام يخاف فيدعو الله –جل وعلا- من يصلحهم الغنى ولا يفسدهم.

طالب:........

هذا الاستصلاح هذا قول المعتزلة أنه يجب عليه فعل الأصلح، وأما قوله في النهاية في آخر الكلام، ولا يمكن التزام مذهب الاستصلاح في كل فعل من أفعال الله تعالى؛ لأن من أفعال الله– جل وعلا- ما تظهر حكمته وتظهر مصلحته وخلق منها ما لا يظهر له حكمة.

طالب:.... ما يقال الله –عز وجل- في حال الإصلاح، بل النصر ليس في تقديرنا.

هو الكلام فيما يبدو للناس، الكلام فيما لا يبدو للناس أن الله- جل وعلا- هو الحكيم، فعال لما يريد نعم.

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ }
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو عمرو ويعقوب وابن وثاب والأعمش وحمزة وَالْكِسَائِيُّ: " يُنْزِلُ" مُخَفَّفًا، الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ، وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ أَيْضًا وَالْأَعْمَشُ وَغَيْرُهُمَا: " قَنِطُوا" بِكَسْرِ النُّونِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيعُ هَذَا.

 وَالْغَيْثُ الْمَطَرُ، وَسُمِّيَ الغيث غيثًا؛ لأنه يغيث الْخَلْقَ، وَقَدْ غَاثَ الْغَيْثُ الْأَرْضَ أَيْ أَصَابَهَا، وَغَاثَ اللَّهُ الْبِلَادَ يَغِيثُهَا غَيْثًا، وَغِيثَتِ الْأَرْضُ تُغَاثُ غَيْثًا فَهِيَ أَرْضٌ مَغِيثَةٌ وَمَغْيُوثَةٌ، وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: مَرَرْتُ بِبَعْضِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَقَدْ مُطِرُوا، فَسَأَلْتُ عَجُوزًا مِنْهُمْ: أَتَاكُمُ الْمَطَرُ؟ فَقَالَتْ: غِثْنَا مَا شِئْنَا غَيْثًا، أَيْ مُطِرْنَا، وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ: قَاتَلَ اللَّهُ أَمَةَ بَنِي فُلَانٍ مَا أَفْصَحَهَا! قُلْتُ لَهَا: كَيْفَ كَانَ الْمَطَرُ عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَتْ: غِثْنَا مَا شِئْنَا، ذَكَرَ الْأَوَّلَ الثَّعْلَبِيُّ، وَالثَّانِي الْجَوْهَرِيُّ، وَرُبَّمَا سُمِّيَ السَّحَابُ وَالنَّبَاتُ غَيْثًا، وَالْقُنُوطُ الْإِيَاسُ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ، قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَحَطَ الْمَطَرُ وَقَلَّ الْغَيْثُ وَقَنِطَ النَّاسُ؟ فَقَالَ: مُطِرْتُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَرَأَ: { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا}".

الذي يشكل على مثل هذا أن القنوط واليأس سبب لرد الدعاء، الله يستجيب ويجيب للعبد ما لم يعجل، ما لم يستحسر يقول: دعوت، ثم يترك الدعاء مثل هذا يشكل على {وهو الذي ينزل الغيث بعد ما قنطوا}، فالقنوط واليأس سبب من أسباب عدم الإجابة، ويشكل عليه أيضًا {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا} بعد أن استيئسوا، فيكون الأصل أنه مع القنوط واليأس والاستحسار أنهم لا يجابون، لكن من فضل الله –جلا وعلا- بعظيم فضله ومننه على عباده يجيبهم بعد ما قنطوا، وهذا من واسع فضله.

" وَالْغَيْثُ مَا كَانَ نَافِعًا فِي وَقْتِهِ، وَالْمَطَرُ قَدْ يَكُونُ نَافِعًا وضارًا في وقته وغير وقته، قال الْمَاوَرْدِيُّ: " وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ" قِيلَ: الْمَطَرُ، وَهُوَ قَوْلُ السُّدِّيِّ، وَقِيلَ: ظُهُورُ الشَّمْسِ بَعْدَ الْمَطَرِ، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي حَبْسِ الْمَطَرِ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى قَنَطُوا، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ الْمَطَرَ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْأَعْرَابِيِّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -عَنِ الْمَطَرِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ فِي خَبَرِ الِاسْتِسْقَاءِ، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ، وَاللَّهَ أَعْلَمُ".

الحديث في الصحيح يعني النبي –عليه الصلاة والسلام- يخطب فدخل الأعرابي وقال، وذكر من الجدب وهلاك الأموال ما ذكر، ثم استسقى النبي –عليه الصلاة والسلام- فسقوا، ثم دخل من الجمعة القابلة يطلب إيقاف المطر وتصريفه عن المدينة إلى ما حواليها.

{وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} الْوَلِيُّ" الَّذِي يَنْصُرُ أَوْلِيَاءَهُ،" الْحَمِيدُ" الْمَحْمُودُ بكل لسان.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أَيْ عَلَامَاتِهِ الدَّالَّةَ عَلَى قُدْرَتِهِ، {وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَلَائِكَةُ وَالنَّاسُ".

لأنهم كلهم يدبون على الأرض، الملائكة يدبون في السماء والناس يدبون على الأرض.

" وَقَدْ قَالَ تعالى: { وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8]، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَرَادَ مَا بَثَّ فِي الْأَرْضِ دُونَ السَّمَاءِ، كَقَوْلِهِ: { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} [الرحمن: 22] وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنَ الْمِلْحِ دُونَ الْعَذْبِ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: تَقْدِيرُهُ وَمَا بَثَّ فِي أَحَدِهِمَا، فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَقَوْلُهُ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا} أَيْ مِنْ أَحَدِهِمَا، {وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ} أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ}".
{وهو على جمعهم إذا يشاء قدير} مفهومه أنه إذا لم يشأ ذلك فإنه مفهومه التقييد بالمشيئة، وعلى جمعهم إذا يشاء قدير لكأن مفهومه أنه إذا لم يشأ ذلك لا يقدر عليه، ولذا يقولون في قوله: {إن الله على كل شيء قدير }، {الله على ما يشاء قدير}  هذا أيضًا الارتباط بالمشيئة مفهومه أن العمل مربوط بالمشيئة، وأن القدرة عليه مرتبطة بالمشيئة، فالذي لا يشاؤه لا يقدر عليه، لكن هل هذا المفهوم أو هل لهذا الكلام مفهوم أو ملغى، يعني إذا قلت: إن الله على ما يشاء قدير لا شك أنه محل انتقاد؛ لأن مفهومها أن الذي يشاؤه يقدر عليه، وأنه لا يقدر إلا على ما يشاء.

 منهم يقول: إن الذي لا يشاؤه حكمه حكم العدم، والعدم ليس بشيء، فلا تتعلق به قدرة ولا غيره، لا تتعلق بالمعدوم قدرة بصفة معدومة، كيف تتعلق بالمعدوم قدرة؟ والذي لا يشاؤه هو معدوم، لا تتعلق به قدرة، وجاء في الحديث الصحيح في آخر من يخرج من النار في صحيح مسلم: فإني على ما أشاء قادر، وكأن هذه الكلمة يستنكرها أهل العلم، لكن في هذا الحديث الصحيح: فإني على ما أشاء قادر، ولم يبق إلا أن يقال: إن الذي لا يشاؤه معدوم، والمعدوم ليس بشيء، لا تتعلق به قدرة، فلا يكون حينئذ له مفهوم.

طالب: ........

ماذا؟

طالب:.....وهو على كل شيء قدير ...فالمفهوم ملغى ثم يعارض...

 إذن حتى المفهوم معدوم، لا تتعلق به قدرة، يعني اجتماع النقيضين مثلاً وهذا سؤال يريده بعض الملاحدة تعارض القدر عندهم يقولون: هل الله –جل وعلا- يقدر على خلق صخرة لا يستطيع تفتيتها؟ هذا بعض الملاحدة أورد مثل هذا السؤال، نقول: في مثل هذا العمل اجتماع للنقيضين، اجتماع للنقيضين، واجتماع النقيضين محال، والمحال لا تتعلق به قدرة، لا نفي ولا إثبات، كما أقره شيخ الإسلام، نعم هذا كلام عظيم، يعني يلقى بين الناس مثل هذا، يعني أناس لا يتدينون بدين، ملاحدة.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ: " بِمَا كَسَبَتْ" بِغَيْرِ فَاءٍ، والْبَاقُونَ: " فَبِما" بِالْفَاءِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ لِلزِّيَادَةِ فِي الْحَرْفِ وَالْأَجْرِ."

زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى.

" قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: إِنْ قَدَّرْتَ أَنَّ " مَا" الْمَوْصُولَةُ جَازَ حَذْفُ الْفَاءِ وَإِثْبَاتُهَا، وَالْإِثْبَاتُ أَحْسَنُ."

لتضمن الموصول معنى الشرط.

" وَإِنْ قَدَّرْتَهَا الَّتِي لِلشَّرْطِ لَمْ يَجُزِ الْحَذْفُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَأَجَازَهُ الْأَخْفَشُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الانعام: 121]، وَالْمُصِيبَةُ هُنَا الْحُدُودُ عَلَى الْمَعَاصِي، قَالَهُ الْحَسَنُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَا تَعَلَّمَ رَجُلٌ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ إِلَّا بِذَنْبٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}، ثُمَّ قَالَ: وَأَيُّ مُصِيبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا هَذَا عَلَى التَّرْكِ، فَأَمَّا الَّذِي هُوَ دَائِبٌ فِي تِلَاوَتِهِ حَرِيصٌ عَلَى حِفْظِهِ إِلَّا أَنَّ النِّسْيَانَ يغلبه فليس من ذلك في شيء".

معنى الكلام على التفريط إذا كان السبب التفريط فإنه يأثم لا محالة، وإذا كان على أمر قهري خارج عن إرادته، ويراجع باستمرار ويكرر، ثم بعد ذلك تفلت منهم من غير إرادة ولا اختيار، فهذا لا يضره إن شاء الله، بل هو في جهاد، لكنه لا يترك.

" وَمِمَّا يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْسَى الشَّيْءَ مِنَ الْقُرْآنِ حَتَّى يَذْكُرَهُ".

جاء النهي عن قول: نسيت آية كذا، ولكن قل: نسيتها أو أنسيتها، يعني لئلا يدخل في قوله –جل وعلا-: {وكذلك أتتك آيتنا فنسيتها}.

"أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْسَى الشَّيْءَ مِنَ الْقُرْآنِ حَتَّى يَذْكُرَهُ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثِ عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَمِعَ قِرَاءَةَ رجل في المسجد فقال: «ما له رَحِمَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَاتٍ كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا»، وَقِيلَ: "مَا" بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْمَعْنَى الَّذِي أَصَابَكُمْ فِيمَا مَضَى بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، وَقَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: هَذِهِ الْآيَةُ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَإِذَا كَانَ يُكَفِّرُ عَنِّي بِالْمَصَائِبِ، وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ فَمَا يَبْقَى بَعْدَ كَفَّارَتِهِ وَعَفْوِهِ! وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا عَنْهُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَدَّثَنَا بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ {وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} الْآيَةَ: «يَا عَلِيُّ مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَوْ بَلَاءٍ فِي الدُّنْيَا فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، وَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَيْكُمُ الْعُقُوبَةَ فِي الآخرة وما عفا عنه فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يُعَاقِبَ بِهِ بَعْدَ عَفْوِهِ».

خرج؟

طالب:..أخرجه أبو يعلى وأحمد بن يزيد بن علي قال الهيثمي في المجمع: فيه أزهر بن راشد وهو ضعيف، وفي الباب عن أحمد والحاكم وصححه على شرطيهما، ووافقه الذهبي، لكن انظر إلى صدره فليس فيه صدر الآية ولا ذكر لعلي به.

على كل حال فيه ضعف نعم.

"وَقَالَ الْحَسَنُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنَ اخْتِلَاجِ عِرْقٍ وَلَا خَدْشِ عُودٍ وَلَا نَكْبَةِ حَجَرٍ إِلَّا بِذَنْبٍ وَلَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ»، وَقَالَ الْحَسَنُ: دَخَلْنَا عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَقَالَ رَجُلٌ: لَا بُدَّ أَنْ أَسْأَلَكَ عَمَّا أَرَى بِكَ مِنَ الْوَجَعِ، فَقَالَ عِمْرَانُ: يَا أَخِي لَا تَفْعَلْ! فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ الْوَجَعَ، وَمَنْ أَحَبَّهُ كَانَ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ}، فَهَذَا مِمَّا كَسَبَتْ يَدِي، وَعَفْوُ رَبِّي عَمَّا بَقِيَ أَكْثَرُ.

 وَقَالَ مُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ: رَأَيْتُ عَلَى ظَهْرِ كَفِّ شُرَيْحٍ قُرْحَةً فَقُلْتُ: يَا أَبَا أُمَيَّةَ، مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ، وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ لَمَّا رَكِبَهُ الدَّيْنُ اغْتَمَّ لِذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْرِفُ هَذَا الْغَمَّ، هَذَا بِذَنْبٍ أَصَبْتُهُ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً".

هذا يحصي ما عليهم من ذنب، لكن الإشكال في الذنوب التي لا يمكن إحصاؤها ذنب أصابه منذ أربعين سنة دل على أنه خلال هذا المدة ما فيه غيره، لكن الذي يذنب عدد الأنفاس كيف يحصي –والله المستعان-؟

" وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قِيلَ لِأَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ: مَا بَالُ الْعُقَلَاءِ أَزَالُوا اللَّوْمَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا ابْتَلَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ}".

ولا يعني هذا أن المباشر لهذه المصائب ليس مسؤولاً عنها، يأتي شخص فيضرب آخر فيقال: لما ضربته؟ قال: ما كسبت أيدي، وإلا ... فبما كسبت أيدي ويعفو عن كثير، لولا أن الله عفا عن كثير من ذنوبه لكان الضرب أكثر وأشد، ومثل ما يحل بالأمة من المصائب لا شك أنه بما كسبت أيديهم، ولا يعني أن هذا مبرر لغيرهم أن يظلمهم، فكل له ما يخصه من الأعمال فالمتسبب له نصيبه، والمباشر أيضًا له نصيبه.

 ليس معنى بما كسبت أيديكم أن يأتي فلان يعتدي على فلان في نفسه أو ماله أو ولده ويقول: بما كسبت يديه، هذا ما أنا مسؤول عنه بما كسب، والله –جل وعلا- يقول، نقول: نعم، هو متسبب، لكن أنت مباشر، والمسؤولية والملامة عليك.

 لأن بعض الناس يأخذ مثل هذه النصوص وينزلها على الوقائع سواء كانت خاصة أو عامة، فإذا استنصره أخوه المسلم ممن ظلمه قال: اتركوه هذا مما كسبت يداه، استنصروكم فعليكم النصر، لا بد من النصر، نعم حتى التحديث في أوقات المناسبات بمثل هذه الأحاديث في بلد أفريقي مسلم أصيب بفيضانات، وأريد جمع المال لهم قبل عشرين سنة، أريد لهم جمع الأموال فقام خطيب فتحدث: {ما أصاب مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير}، يعني هل يناسب هذا في جمع الأموال لهم؟ كثير من الناس يقولون: مادام بما كسبت أيديهم تحملون هذا مسؤولين عنه، ولذا قام واحد من طلاب العلم منبه بعد الصلاة أنه وإن كسبت أيديهم كما كسبت أيضًا، والكل مستحق العقوبة وقارعة، إلا أن الضرر لا بد أن يزال، والمعونة للمسلمين لا بد وأن تقع نعم.

" وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَا مِنْ نَكْبَةٍ أصابت عبد افما فَوْقَهَا إِلَّا بِذَنْبٍ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَهُ لَهُ إِلَّا بِهَا أَوْ لِيَنَالَ دَرَجَةً لَمْ يَكُنْ يُوصِلُهُ إِلَيْهَا إِلَّا بِهَا، وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِمُوسَى: يَا مُوسَى، سَلِ اللَّهَ لِي فِي حَاجَةٍ يَقْضِيهَا لِي هُوَ أَعْلَمُ بِهَا، فَفَعَلَ مُوسَى، فَلَمَّا نَزَلَ إِذْ هُوَ بِالرَّجُلِ قَدْ مَزَّقَ السَّبْعُ لَحْمَهُ وَقَتَلَهُ، فَقَالَ مُوسَى: مَا بَالُ هَذَا يَا رَبِّ؟ فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: (يَا مُوسَى إِنَّهُ سَأَلَنِي دَرَجَةً عَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، فأصبته بما ترى لا جعلها وَسِيلَةً لَهُ فِي نَيْلِ تِلْكَ الدَّرَجَةِ ) فَكَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ إِذَا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ يَقُولُ: سُبْحَانَ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يُنِيلَهُ تِلْكَ الدَّرَجَةَ بِلَا بَلْوَى! وَلَكِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، قُلْتُ: وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: { مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ، قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَمَّا الْكَافِرُ فَعُقُوبَتُهُ مُؤَخَّرَةٌ إِلَى الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: هَذَا خِطَابٌ لِلْكُفَّارِ، وَكَانَ إِذَا أَصَابَهُمْ شَرٌّ".

يعني يستدركون على مثل هذا يقول: يردون أو يرد بعضهم على مثل هذا إصابة الكافر بعض المصائب أو إصابة الطفل الرضيع الذي لا ذنب له ببغض الأمراض أو ببعض العلل، لكنه له الأمر كله يفعل ما يشاء ويختار، نعم لا يُسئل عما يفعل.

" وَقِيلَ: هَذَا خِطَابٌ لِلْكُفَّارِ، وَكَانَ إِذَا أَصَابَهُمْ شَرٌّ قَالُوا: هَذَا بِشُؤْمِ مُحَمَّدٍ، فرد عليهم وقال: بل ذلك بِشُؤْمِ كُفْرِكُمْ، وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ وَأَشْهَرُ، وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: إِنَّهُ كَانَ يُقَالُ: سَاعَاتُ الْأَذَى يُذْهِبْنَ سَاعَاتِ الْخَطَايَا، ثُمَّ فِيهَا قَوْلَانِ:

 أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا خَاصَّةٌ فِي الْبَالِغِينَ أَنْ تَكُونَ عُقُوبَةً لَهُمْ، وَفِي الْأَطْفَالِ أَنْ تَكُونَ مَثُوبَةً لَهُمْ. الثَّانِي: أَنَّهَا عُقُوبَةٌ عَامَّةٌ لِلْبَالِغِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ والأطفال في غيرهم من والد ووالدة، { وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ"} أَيْ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمَعَاصِي أَلَّا يَكُونَ عَلَيْهَا حُدُودٌ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْحَسَنِ".

يعني كثير من المعاصي لا يكون عليها حدود؛ لأن الحدود على بعض المعاصي دون بعض فلم يجعلوا هناك حدود على جميع المعاصي، ولذا قال عن جميع المعاصي ألا يكون عليها حدود؛ لأنه لم يكن عليها حدود يعني ومثلهم ما بعد المقتضى إلى آخره.

طالب: ...ما الإشكال بحق الشخص .....

قرب حتى أسمعك؟

طالب: هل يحق لشخص إذا وقعت مصيبة من شخص آخر عليه الصلاح أن يقول: هذا ابتلاء ... لرفع الدرجات، وإذا وقعت نفس المصيبة على شخص، لكن فيه فسق يقول: ما أصابته مصيبة إلا بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير.

لهذا هو عمل على حسب الظاهر، لكن ما يدرك عن البواطن، البواطن ما يدري عنها، لكن على حسب الظاهر يمكن أن يقال، لكن حتى من ظاهره الصلاح عنده معاصٍ ليس بمعصوم.

طالب: ما يقال هذه، الله –عز وجل- صعب....

البواطن إلى الله –جل و-علا-، لكن الناس يحكمون على حسب ما يظهر لهم، يعني لو زرت  مريضًا في المستشفى وطالب علم وعامل بعلمه وخير تقول: يرفع له في الدرجات إن شاء الله، طهور إن شاء الله، وإما أن يكون تكفير سيئات.

طالب: قال مما يحدث في التعليق على أحداث تحصل مما للأفراد أو لأمه زلازل براكين...

على كل حال الناس يخوضون في هذا الأمور بما لا يعرفون –والله المستعان-، والذي يضر، أكثر مما يضر الناس المقارنة، يعني وقع زلزال أو فيضان في بلد خير من بلد آخر لم يقع عليه شيء لقال: لو كان من العدل أو من الإنصاف أو بتكفير الذنوب ذلك أولى منا كم حصل فيما حصل في السابق، ولذلك حوسب وعوتب من قال: إن هذا بسبب الذنوب والمعاصي، –والله المستعان-.

" وَقِيلَ: أَيْ يَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْعُصَاةِ أَلَّا يَعْجَلَ عَلَيْهِمْ بِالْعُقُوبَةِ، {وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} أَيْ بِفَائِتِينَ اللَّهَ، أَيْ لَنْ تُعْجِزُوهُ وَلَنْ تَفُوتُوهُ، {وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} تَقَدَّمَ في غير موضع.

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ} أَيْ وَمِنْ عَلَامَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ السُّفُنُ الْجَارِيَةُ فِي الْبَحْرِ كَأَنَّهَا مِنْ عِظَمِهَا أَعْلَامٌ، وَالْأَعْلَامُ: الْجِبَالُ، وَوَاحِدُ الْجَوَارِي جَارِيَةٌ".

ولذا قيل: كأنه علم في رأسه نار، يعني جبل؛ لأن النار تبين فوق الجبل.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ} [الحاقة: 11]، سُمِّيَتْ جَارِيَةً؛ لِأَنَّهَا تَجْرِي فِي الْمَاءِ، وَالْجَارِيَةُ: هِيَ الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا يَجْرِي فِيهَا مَاءُ الشَّبَابِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَعْلَامُ الْقُصُورُ، وَاحِدُهَا عَلَمٌ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ، وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ أَنَّهَا الْجِبَالُ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: كُلُّ شَيْءٍ مُرْتَفِعٍ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ عَلَمٌ، قَالَتِ الْخَنْسَاءُ تَرْثِي أَخَاهَا صَخْرًا:
وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الْهُدَاةُ بِهِ ،،، كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ
{ إِنْ يَشَأْ يسكن الرياح} كَذَا قَرَأَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: " الرِّيَاحَ" بِالْجَمْعِ.

 {فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ}  أَيْ فَتَبْقَى السُّفُنُ سَوَاكِنَ عَلَى ظَهْرِ الْبَحْرِ لَا تَجْرِي، رَكَدَ الْمَاءُ رُكُودًا سَكَنَ، وَكَذَلِكَ الرِّيحُ وَالسَّفِينَةُ، وَالشَّمْسُ إِذَا قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وَكُلُّ ثَابِتٍ فِي مَكَانٍ فهو راكد، وركد الْمِيزَانُ اسْتَوَى، وَرَكَدَ الْقَوْمُ هَدَءُوا، وَالْمَرَاكِدُ: الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَرْكُدُ فِيهَا الْإِنْسَانُ وَغَيْرُهُ، وَقَرَأَ قَتَادَةُ: " فَيَظْلِلْنَ" بِكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى عَلَى أَنْ يَكُونَ لُغَةً، مِثْلُ ضَلَلْتُ  أَضِلُّ، وَفَتَحَ اللَّامَ، وَهِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ، {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ} أَيْ دَلَالَاتٍ وَعَلَامَاتٍ {لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} أَيْ صَبَّارٍ عَلَى الْبَلْوَى شَكُورٍ عَلَى النَّعْمَاءِ، قَالَ قُطْرُبٌ: نِعْمَ الْعَبْدُ الصَّبَّارُ الشَّكُورُ، الَّذِي إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، قَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: فَكَمْ مِنْ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ غَيْرِ شاكر، وكم من مبتلى غير صابر."

يعني الفرق أو الاختلاف بين القراءتين: "إن يشاء يسكن الريح" أو "الرياح" الترجيح بين القراءتين من حيث المعنى الآن في الخبر في الذكر إذا هبت الريح  أو الرياح: اللهم اجعلها رياحًا، ولا تجعلها ريحًا؛ لأنها إذا كانت رياحًا لا ريحًا واحدة يقاوم بعضها بعضًا، ويكون بعضها في وجه بعض، فتخف حدتها، بخلاف ما لو كانت ريحًا واحدة، هذا بالنسبة للبر، لكن بالنسبة للبحر هل المناسب أن يقال: ريح أو رياح؟ ريح؛ لأنه لو كانت رياحًا لتلاطمت الأمواج بهذه الجواري وغرقت، فالمناسب هنا أن يقال: إن يشأ يسكن الريح؛ لأن في البحر الأولى أن تكون ريحًا، الرياح لو تلاطمت الرياح من كل جهة من هذه الجواري لعاقتها عن السير من جهة، وتسببت في غرقها، بخلاف ما إذا كانت ريحًا واحدة تدفعها من الخلف إلى الأمام، هذا أسرع لوصولها، أما بالنسبة لحال ما يختلف عن البحر كالبر مثلاً فالرياح أنسب من الريح؛ لأن الريح إذا كانت مسارها واحدًا صارت قوية، وصار ضررها أكثر، بخلاف ما إذا كانت رياحًا يقاوم بعضها بعضًا، ويخف بعضها قوة بعض.

طالب:......

قرأها أهل المدينة: الرياح بالجمع.

طالب: مخارج....

على كل حال هذه مناسبة وغير مناسبة من حيث المعنى الريح أفضل.

طالب: مثل ريح قوم عاد يا شيخ هل يطلق عليها ريح أو رياح ...

ريح ريح.

طالب:...الريح نافعة.

ولو لم تكن نافعة، لكنها أخف، فيها منافع، الرياح، فيها تلقيح الأشجار وغيرها وإزالة عفونة الجو وفساده، وفيها منافع كثيرة جدًّا، يعني ما هي بعبث، لكن مع ذلك كونها رياحًا في البر أفضل من كونها ريحًا.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا} أَيْ وَإِنْ يَشَأْ يَجْعَلْ الرِّيَاحَ عَوَاصِفَ فَيُوبِقِ السُّفُنَ، أَيْ يُغْرِقْهُنَّ بِذُنُوبِ أَهْلِهَا، وَقِيلَ: يُوبِقْ أَهْلَ السُّفُنِ { وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ} مِنْ أَهْلِهَا، فَلَا يُغْرِقُهُمْ مَعَهَا، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقِيلَ:" وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ" أَيْ وَيَتَجَاوَزُ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الذنوب فينجيهم الله من الهلاك.

 قال القشيري: وَالْقِرَاءَةُ الْفَاشِيَةُ " وَيَعْفُ" بِالْجَزْمِ، وَفِيهَا إِشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: إِنْ يَشَأْ يُسْكِنُ الرِّيحَ فَتَبْقَى تِلْكَ السُّفُنُ رَوَاكِدَ، وَيُهْلِكُهَا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا، فَلَا يَحْسُنُ عَطْفُ " يَعْفُ" عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ  الْمَعْنَى: إِنْ يَشَأْ يَعْفُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى ذَلِكَ، بَلِ الْمَعْنَى الْإِخْبَارُ عَنِ الْعَفْوِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْمَشِيئَةِ، فَهُوَ إِذًا عَطْفٌ عَلَى الْمَجْزُومِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ لَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَقَدْ قرأ قوم: "وَيَعْفُ" بِالرَّفْعِ، وَهِيَ جَيِّدَةٌ فِي الْمَعْنَى.

{ وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} يَعْنِي الْكُفَّارَ، أَيْ إِذَا تَوَسَّطُوا الْبَحْرَ وَغَشِيَتْهُمُ الرِّيَاحُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ أَوْ بَقِيَتِ السُّفُنُ رَوَاكِدَ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا مَلْجَأَ لَهُمْ سِوَى اللَّهِ، وَلَا دَافِعَ لَهُمْ إِنْ أَرَادَ اللَّهُ إِهْلَاكَهُمْ فَيُخْلِصُونَ لَهُ الْعِبَادَةَ، وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَمَضَى الْقَوْلُ فِي رُكُوبِ الْبَحْرِ فِي " الْبَقَرَةِ"  وَغَيْرِهَا بِمَا يُغْنِي عن إعادته، وقرأ نافع وابن عامر: "وَيَعْلَمَ" بِالرَّفْعِ، والْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ، فَالرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ بَعْدَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ: { وَيُخْزِهِمْ  وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 14]، ثُمَّ قَالَ: {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ}[التوبة: 15] رَفْعًا، وَنَظِيرُهُ فِي الْكَلَامِ: إِنْ تَأْتِنِي آتِكَ وَيَنْطَلِقُ عَبْدُ اللَّهِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٍ، وَالنَّصْبُ عَلَى الصَّرْفِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142] صُرِفَ مِنْ حَالِ الْجَزْمِ إِلَى النَّصْبِ اسْتِخْفَافًا؛ كَرَاهِيَةً لِتَوَالِي الْجَزْمِ، كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:

فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ ،،، رَبِيعُ النَّاسِ وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ
وَيُمْسِكُ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ ،،، أَجَبَّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ، قَالَ: وَلَوْ جَزَمَ " وَيَعْلَمَ" جَازَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: نُصِبَ عَلَى إِضْمَارِ" أَنْ" لِأَنَّ قَبْلَهَا جَزْمًا، تَقُولُ: مَا تَصْنَعُ أَصْنَعُ مِثْلَهُ وَأُكْرِمُكَ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: وَأُكْرِمْكَ بِالْجَزْمِ، وَفِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ: " وَلِيَعْلَمَ"، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّصْبَ بِمَعْنَى: وَلِيَعْلَمَ أَوْ لِأَنْ يَعْلَمُ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَالْمُبَرِّدُ: النَّصْبُ بِإِضْمَارِ" أَنْ" عَلَى أَنْ يَجْعَلَ الْأَوَّلَ فِي تَقْدِيرِ الْمَصْدَرِ، أَيْ وَيَكُونُ مِنْهُ عَفْوٌ وَأَنْ يَعْلَمَ، فَلَمَّا حَمَلَهُ، عَلَى الِاسْمِ أَضْمَرَ أَنْ، كَمَا تَقُولُ: إِنْ تَأْتِنِي وَتُعْطِينِي أُكْرِمُكَ، فَتَنْصِبُ تُعْطِينِي، أَيْ إِنْ يَكُنْ مِنْكَ إِتْيَانٌ وَأَنْ تُعْطِيَنِي، وَمَعْنَى" مِنْ مَحِيصٍ" أَيْ مِنْ فِرَارٍ وَمَهْرَبٍ، قَالَهُ قُطْرُبٌ، وقال السُّدِّيُّ: مِنْ مَلْجَأٍ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَاصَ بِهِ الْبَعِيرُ حَيْصَةً إِذَا رَمَى بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ يحيص عن الحق أي يميل عنه.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ} يُرِيدُ من الغنى والسعة في الدنيا،" فَمَتاعُ" أَيْ فَإِنَّمَا هُوَ مَتَاعٌ فِي أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ تَنْقَضِي وَتَذْهَبُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَفَاخَرَ بِهِ، وَالْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ، { وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى } يُرِيدُ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ {لِلَّذِينَ آمَنُوا} صَدَقُوا وَوَحَّدُوا، {وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حِينَ أَنْفَقَ جَمِيعَ مَالِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَلَامَهُ النَّاسُ، وَجَاءَ فِي الحديث أنه: أنفق ثمانين ألفًا."

يعني في قصته مع عمر –رضي الله عنه- حينما تصدق أبو بكر بجميع ماله، وتصدق عمر بنصف ماله، وهذا مع عظم التوكل على الله –جل وعلا-، وغلب الظن على ما يقوم به الحال من نفس وولد ورقيق وما أشبه ذلك يجوز الصدقة بالمال وإلا إذا ضعف التوكل وغلب على الظن أنه  لا مصدر للكسب له وولده كما في حديث سعد: «أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس».

طالب: ما يقال عنها مكية وحادثة أبي بكر مدنية؟

نعم.

طالب: الآية مكية وقصة أبي بكر وعمر في المدينة؟

مدنية نعم.

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ} الَّذِينَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ مَعْطُوفٍ عَلَى قَوْلِهِ: { خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا} أي وهو للذين يجتنبون " كَبائِرَ الْإِثْمِ" وقد مَضَى الْقَوْلُ فِي الْكَبَائِرِ فِي " النِّسَاءِ".  وَقَرَأَ حمزة والكسائي: " كَبائِرَ الْإِثْمِ" وَالْوَاحِدُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ عِنْدَ الْإِضَافَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها}."

من سياق العموم أن يفرد المضاف.

" وَكَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا» والْبَاقُونَ بِالْجَمْعِ هُنَا وَفِي " النَّجْمِ"، "وَالْفَواحِشَ" قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي الزِّنَى، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: كَبِيرُ الْإِثْمِ الشِّرْكُ، وَقَالَ قَوْمٌ: كَبَائِرُ الْإِثْمِ مَا تَقَعُ عَلَى الصَّغَائِرِ مَغْفُورَةٌ عِنْدَ اجْتِنَابِهَا، وَالْفَوَاحِشُ دَاخِلَةٌ فِي الْكَبَائِرِ، وَلَكِنَّهَا تَكُونُ أَفْحَشَ وَأَشْنَعَ كَالْقَتْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجُرْحِ، وَالزِّنَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُرَاوَدَةِ، وَقِيلَ: الْفَوَاحِشُ وَالْكَبَائِرُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَكَرَّرَ لِتَعَدُّدِ اللَّفْظِ، أَيْ يَجْتَنِبُونَ الْمَعَاصِيَ؛ لِأَنَّهَا كَبَائِرُ وَفَوَاحِشُ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْفَوَاحِشُ مُوجِبَاتُ الْحُدُودِ.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} أي يتجاوزون ويحملون عَمَّنْ ظَلَمَهُمْ، قِيلَ: نَزَلَتْ فِي عُمَرَ حِينَ شُتِمَ بِمَكَّةَ، وَقِيلَ: فِي أَبِي بَكْرٍ حِينَ لامه الناس على إنفاق مال كُلِّهِ وَحِينَ شُتِمَ فَحَلُمَ، وَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: اجْتَمَعَ لِأَبِي بَكْرٍ مَالٌ مَرَّةً، فَتَصَدَّقَ بِهِ كُلِّهِ فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ، فَلَامَهُ الْمُسْلِمُونَ وَخَطَّأَهُ الْكَافِرُونَ، فَنَزَلَتْ: { فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}- إِلَى قَوْلِهِ-: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَتَمَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ، وَهَذِهِ مِنْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، يُشْفِقُونَ عَلَى ظَالِمِهِمْ وَيَصْفَحُونَ لِمَنْ جَهِلَ عَلَيْهِمْ، يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ ثَوَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَفْوَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آلِ عِمْرَانَ: { وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134]، وَهُوَ أَنْ يَتَنَاوَلَكَ الرَّجُلُ فَتَكْظِمَ غَيْظَكَ عَنْهُ، وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:

إِنِّي عَفَوْتُ لِظَالِمِي ظُلْمِي ،،، وَوَهَبْتُ ذاك له على علمي
ما زال يَظْلِمُنِي وَأَرْحَمُهُ ،،، حَتَّى بَكَيْتُ لَهُ مِنَ الظُّلْمِ"
يعني شفقة عليه، وأثر هذا العفو وهذا الصفح على هذا الظالم وهذا الشاتم أشد من أثر المعاقبة والمحاسبة.

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ}
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ} قال عبد الرحمن بن زَيْدٍ: هُمُ الْأَنْصَارُ بِالْمَدِينَةِ، اسْتَجَابُوا إِلَى الْإِيمَانِ بِالرَّسُولِ حِينَ أَنْفَذَ إِلَيْهِمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا مِنْهُمْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، { وَأَقامُوا الصَّلاة}".

يعني في بيعة العقبة الأولي بايعوه، هؤلاء اثنا عشر، فأنفذهم إلى قومهم، ودعوهم فدخلوا الإسلام نعم.

"{ وَأَقامُوا الصَّلاة} أَيْ أَدَّوْهَا لمواقيتها بشروطها وهيئاتها.

 الثانية: قوله تعالى: { وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ} أَيْ يَتَشَاوَرُونَ فِي الْأُمُورِ، وَالشُّورَى مَصْدَرُ شَاوَرْتُهُ، مِثْلُ الْبُشْرَى وَالذِّكْرَى وَنَحْوَهُ، فَكَانَتِ الْأَنْصَارُ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -إِلَيْهِمْ إِذَا أَرَادُوا أَمْرًا تَشَاوَرُوا فِيهِ ثُمَّ عَمِلُوا عَلَيْهِ، فَمَدَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، قَالَهُ النَّقَّاشُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أَيْ إِنَّهُمْ لِانْقِيَادِهِمْ إِلَى الرَّأْيِ فِي أُمُورِهِمْ مُتَّفِقُونَ لَا يَخْتَلِفُونَ، فَمُدِحُوا بِاتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ، قَالَ الْحَسَنُ: مَا تَشَاوَرَ قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا هُدُوا لِأَرْشَدِ أُمُورِهِمْ،وقال الضَّحَّاكُ: هُوَ تَشَاوُرُهُمْ حِينَ سَمِعُوا بِظُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَوَرَدَ  النُّقَبَاءُ إِلَيْهِمْ حَتَّى اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ فِي دَارِ أَبِي أَيُّوبَ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَالنُّصْرَةِ لَهُ. وَقِيلَ تَشَاوُرُهُمْ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُمْ، فَلَا يَسْتَأْثِرُ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ دُونَ بَعْضٍ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الشُّورَى أُلْفَةٌ لِلْجَمَاعَةِ وَمِسْبَارٌ لِلْعُقُولِ وَسَبَبٌ إِلَى الصَّوَابِ، وَمَا تَشَاوَرَ قَوْمٌ إِلَّا هُدُوا.

وَقَدْ قَالَ الْحَكِيمُ:

 إِذَا بَلَغَ الرَّأْيُ الْمَشُورَةَ فَاسْتَعِنْ ... بِرَأْيِ لبيب أو مشورة حَازِمٍ
وَلَا تَجْعَلِ الشُّورَى عَلَيْكَ غَضَاضَةً ... فَإِنَّ الْخَوَافِيَ قُوَّةٌ لِلْقَوَادِمِ
فَمَدَحَ اللَّهُ الْمُشَاوَرَةَ فِي الْأُمُورِ بِمَدْحِ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانُوا يَمْتَثِلُونَ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُشَاوِرُ أَصْحَابَهُ فِي الْآرَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَصَالِحَ الْحُرُوبِ، وَذَلِكَ فِي الْآرَاءِ كَثِيرٌ."

لا فيما يتعلق بالأحكام والديانات، فإن هذه بالوحي من الله –جل وعلا-، أما ما يتعلق بالمصالح العامة والحروب فلا مانع من هذه الاستشارة التي لم يوحى إليه بها شيء، ثم بعد ذلك يتقرر شيء صار الشرع.

" وَذَلِكَ فِي الْآرَاءِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكُنْ يُشَاوِرُهُمْ فِي الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْسَامِ مِنَ الْفَرْضِ وَالنَّدْبِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ وَالْحَرَامِ، فَأَمَّا الصَّحَابَةُ بَعْدَ اسْتِئْثَارِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ عَلَيْنَا".

يعني بعد وفاته –عليه الصلاة والسلام-.

" فَكَانُوا يَتَشَاوَرُونَ فِي الْأَحْكَامِ، وَيَسْتَنْبِطُونَهَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَوَّلُ مَا تَشَاوَرَ فِيهِ الصَّحَابَةُ الْخِلَافَةُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا حَتَّى كَانَ فِيهَا بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَالْأَنْصَارِ مَا سَبَقَ بَيَانُهُ".

يعني ما نص فيه صراحة أن الخليفة من بعدي فلان، لكن جاء في النصوص وأحاديث تفيد بمجموعها أن الخليفة من بعده أبو بكر.

طالب: بالنسبة للاستشارة الأصل أن تبدأ....

هذا الأصل فيما يتبادله الناس من غير مقابل، لكن إذا ترتب عليه تعطيل للمستشار، وترتب عليه أموال وإنفاق أموال فيأخذ ممن يستشيره بقدرها.

طالب: الأصل في الكثير هل تكون .... الاستشارات هذه..

على كل حال المسلمون على شروطهم، لكن هذا الأصل مثل كسب الحجام الأصل أن الحجام يحجم الناس، تعاون، ما يأخذ عليهم شيئًا، لكن إن أخذ شيئًا، هل كسب الحجام خبيث؟ ثم بعد ذلك احتجم وأعطى الحجام ولو كان حرامًا ما أعطاه.

طالب: هذه العقود... أم عقود معاوضة؟

لا مع الشرط تكون عقود معاوضة، أما مع عدم الاشتراط مثل الرقية إذا كان قال: لا أرقيك إلا بمائة ريـال، هذا حق، لكن الذي تعطيه الذي تيسر لك هذا معه إرفاق.

" وَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: نَرْضَى لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-لِدِينِنَا".

لأنه استخلفه في الصلاة أعظم أركان الإسلام.

" وَتَشَاوَرُوا فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ، فَاسْتَقَرَّ رَأْيُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الْقِتَالِ، وَتَشَاوَرُوا فِي الْجَدِّ وَمِيرَاثِهِ، وَفِي حَدِّ الْخَمْرِ وَعَدَدِهِ. وَتَشَاوَرُوا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحُرُوبِ، حَتَّى شَاوَرَ عُمَرُ الْهُرْمُزَانَ حِينَ وَفَدَ عَلَيْهِ مُسْلِمًا فِي الْمَغَازِي، فَقَالَ لَهُ الْهُرْمُزَانُ: مَثَلُهَا وَمَثَلُ مَنْ فِيهَا مِنَ النَّاسِ مِنْ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ مَثَلُ طَائِرٍ لَهُ رِيشٌ وَلَهُ جَنَاحَانِ وَرِجْلَانِ، فَإِنْ كُسِرَ أَحَدُ الْجَنَاحَيْنِ نَهَضَتِ الرِّجْلَانِ بِجَنَاحٍ وَالرَّأْسُ، وَإِنْ كُسِرَ الْجَنَاحُ الْآخَرُ نَهَضَتِ الرِّجْلَانِ وَالرَّأْسُ، وَإِنْ شُدِخَ الرَّأْسُ ذَهَبَ الرِّجْلَانِ وَالْجَنَاحَانِ. وَالرَّأْسُ كِسْرَى، وَالْجَنَاحُ الْوَاحِدُ قَيْصَرُ، وَالْآخَرُ فَارِسُ، فَمُرِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَنْفِرُوا إِلَى كِسْرَى ... وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

 وَقَالَ بَعْضُ الْعُقَلَاءِ: مَا أَخْطَأْتُ قَطُّ! إِذَا حَزَبَنِي أَمْرٌ شَاوَرْتُ قَوْمِي، فَفَعَلْتُ الَّذِي يَرَوْنَ، فَإِنْ أَصَبْتُ فَهُمُ المصيبون، وإن أخطأت فهم المخطئون.

الثَّالِثَةُ: قَدْ مَضَى فِي " آلِ عِمْرَانَ" مَا تَضَمَّنَتْهُ الشُّورَى مِنَ الْأَحْكَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[آل عمران: 159]. وَالْمَشُورَةُ بَرَكَةٌ. وَالْمَشْوَرَةُ: الشُّورَى، وَكَذَلِكَ الْمَشُورَةُ (بِضَمِّ الشِّينِ)، تَقُولُ مِنْهُ: شَاوَرْتُهُ فِي الْأَمْرِ وَاسْتَشَرْتُهُ بِمَعْنًى. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ، وَأَمْرُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا، وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ من ظهرها»، قال: حديث غريب."

خرجه؟

طالب: ...ضعيف أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة ضعفه في قوله: غريب لا نعرفه إلا من حديث الصالح المُري.

المُري، المُري ضعيف.

طالب: في حديثه غرائب...ولا يتابع عليها انتهى.

ضعيف صالح المُري ضعيف نعم.

"{ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} أَيْ وَمِمَّا أَعْطَيْنَاهُمْ يَتَصَدَّقُونَ. وَقَدْ تقدم في البقرة".

 الأسبوع القادم يوم الإثنين نكمل السورة ونقف إن شاء الله.

"