شرح العقيدة الطحاوية (69)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الطحاوي -رحمه الله تعالى-:

وَنُثْبِتُ الْخِلَافَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوَّلًا لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- تَفْضِيلًا لَهُ وَتَقْدِيمًا عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ.

قال الشارح –رحمه الله-: اخْتَلَفَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: هَلْ كَانَتْ بِالنَّصِّ، أَوْ بِالِاخْتِيَار؟ فَذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّهَا ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ الْخَفِيِّ وَالْإِشَارَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالنَّصِّ الْجَلِيِّ.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ إِلَى أَنَّهَا ثَبَتَتْ بِالِاخْتِيَارِ".

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد ذكر الشارح-رحمه الله- الخلاف في خلافة أبي بكر، ثبتت بالنص أو بالاختيار من دون نص من النبي- عليه الصلاة والسلام-، والقول الأول هو المتعين النصوص كثيرة، لكنها ليست صريحة معينة بالاسم للخلافة، لكن النصوص ظاهرها الدلالة على إمامة أبي بكر، ولو كانت نصوصًا ظاهرة جلية كما في قول من يقول ذلك، الخليفة بعدي أبو بكر، هل حصل هذا؟ لا، لو حصل هذا ما صار في خلاف بين الصحابة في أول الأمر، ولما ادعى الأنصار أن منهم أميرًا، ومن المهاجرين أميرًا ما يكون هذا بينهم مع النص الجلي، لكن نصوص كثيرة قال للمرأة: «ائتي أبا بكر»  «إن لم تجديني فأتِي أبا بكر» وخلَفه بعده في الصلاة «مروا أبا بكر فليصل بالناس»، وغير ذلك من النصوص التي ظاهرها تقديم أبي بكر على غيره في الخلافة، وأما النصوص الدالة على فضله على غيره مطلقًا، فهي منصوصة وصحيحة وصريحة وموجودة بالصحيحين وغيرهما، أما أفضليته على جميع الصحابة لا خلاف فيها، والدلالة عليها بالنص الصحيح الصريح.

أما الخلافة فهي بالنص الخفي والإشارة، ثم حصل الإجماع والاتفاق من أهل الحل والعقد من الصحابة -رضوان الله على الجميع-.      

"وَالدَّلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِهَا بِالنَّصِّ أَخْبَارٌ:

 مِنْ ذَلِكَ مَا أَسْنَدَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْمَوْتَ، قَالَ: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْر». وَذَكَرَ لَهُ سِيَاقًا آخَرَ، وَأَحَادِيثَ أُخَرَ. وَذَلِكَ نَصٌّ عَلَى إِمَامَتِهِ.

وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ». رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعَنْ أَبِيهَا-، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْيَوْمِ الَّذِي بُدِئَ فِيهِ".

يعني بالمرض، في مرضه الأخير الذي عقبه الموت -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:.........

لا ما هي بحرف علة هذه ياء المخاطبة.

طالب:.........

ياء المخاطبة ما هي بياء العلة، فرق بين أن تقول لرجل: صلِّ على النبي، وبين أن تقول لامرأة: صلي على النبي، وكله عُمُر.

فَقَالَ: «ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ، حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا»، ثُمَّ قَالَ: «يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ». وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلَا يَطْمَعْ فِي هَذَا الْأَمْرِ طَامِعٌ»".

والنصوص وإن لم تكن صريحة بمعنى أنها نص في ذلك، بل هي ظاهرةٌ فيه، لكنها قريبة من الصريحة «يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ».

 "وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: «ادْعِي لِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَكْتُب لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا لَا يُخْتَلَفُ عَلِيْهِ»، ثُمَّ قَالَ: «مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَخْتَلِفَ الْمُؤْمِنُونَ فِي أَبِي بَكْرٍ».

وَأَحَادِيثُ تَقْدِيمِهِ فِي الصَّلَاةِ مَشْهُورَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَهُوَ يَقُولُ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ».

وَقَدْ رُوجِعَ فِي ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَصَلَّى بِهِمْ مُدَّةَ مَرَضِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

روجع في توكيله لأبي بكر بالصلاة بالناس من قبل عائشة أمرت حفصة قالت لها: إن أبا بكر رجلٌ أسيف، إذا قام مقام النبي –عليه الصلاة والسلام- فلن يسمع الناس، فذهبت حفصة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- رفض –عليه الصلاة والسلام- أن يوكل غير أبي بكر، أو يستخلف غير أبي بكر، لما روجع أكثر من مرة قال: «إنكن صواحب يوسف»؛ لأن العذر بأنه رجل أسيف لا يسمع الناس، هذا ما هو بالعذر الحقيقي لعائشة؛ لأن العادة جرت أن الناس يتشاءمون بمن يخلف من لا نظير له ولا قريب منه، إذا جاء رجل عظيم إمام عادل يتعب من بعده، فيأتي من بعده أقل بكثير، فيتشاءم الناس به، فمن هذا الباب لا تريد عائشة أن الناس يرون أباها في مقام النبي –عليه الصلاة والسلام-، فترتبط وفاته -عليه الصلاة والسلام- بإمامة أبي بكر فيكرهه الناس، قال: «إنكن صواحب يوسف».

"وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:  «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ، عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَنَزَعَ مِنْهَا ذَنُوبًا أَوُ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ»".      

.

أي خلافته لمدة سنتين «وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ» لأنه رجلٌ رقيق ليس في الشدة والبأس مثل عمر-رضي الله عنه- مع أن الرقة محمودة، والحلم الموجود في أبي بكر مطلوب شرعًا، لكن هذا تأويل الرؤيا؛ لأن الرؤيا حكاية واقع، بغض النظر هل هذا الضعف محمود أو مذموم.

"«وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا»"

يعني «غَرْبًا» الدلو معروف حجمه معروف، لكن الغرب يجمع فيه أكثر من جلد، فيكون كبيرًا يحمل الماء،  الكثير من الماء أضعاف ما يحمله الدلو، ومازال مستعملًا وهذا اسمه.

"«فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ»،

 وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ عَلَى مِنْبَرِهِ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا سُدَّتْ، إِلَّا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ».

وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ، مِنْ حَدِيثِ الْأَشْعَثِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكَرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا؟» فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا: رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزَانًا أُنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ، فَوُزِنْتَ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ، فَرَجَحْتَ أَنْتَ بِأَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ، فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ، وَوُزِن عُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَحَ عُمَرُ، ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ، فَرَأَيْتُ الْكَرَاهَةَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: «خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ» .

فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّ وِلَايَةَ هَؤُلَاءِ خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مُلْكٌ.

وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعِ النَّاسُ فِي زَمَانِهِ، بَلْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ".

ما صفت له الخلافة من غير منازع، وإلا فهو الخليفة باتفاق أهل السنة والجماعة بعد عثمان، اختياره من جلة الصحابة ومبايعته هذه ما فيها خلاف، لكن هناك من ينازعه الملك؛ ولذلك ما صفى له الملك مثل ما صفى للثلاثة.

"بَلْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ، لَمْ يَنْتَظِمْ فِيهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ وَلَا الْمُلْكُ.


وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَى اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نِيطَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَنِيطَ عُمَرُ بِأَبِي بَكْرٍ، وَنِيطَ عُثْمَانُ بِعُمَر» قَالَ جَابِرٌ:  فَلَمَّا قُمْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْنَا: أَمَّا الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَمَّا الْمَنُوطُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ فَهُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ".

 أنه جاء بعد النبوة ثلاثون سنة، الخلافة خلافة النبوة بعده –عليه الصلاة والسلام- ثلاثون سنة، ولا تكتمل الثلاثون إلا بخلافة علي –رضي الله عنه- والحسن.

طالب: أحسن الله إليك، أليست هذه نصوص صريحة؟

ما فيها تنصيص على أن الخليفة أبو بكر والصراحة بهذا اللفظ، وما عداها إشارات.

"وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ : أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُ كَأَنَّ دَلْوًا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا، فَشَرِبَ شُرْبًا ضَعِيفًا، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا، فَانْتُشِطَتْ مِنْهُ، فَانْتَضَحَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ". 

عراقي الدلو واحدها (عرقات) أو (عرقوة)، وهي مازالت مستعملة، ما يكون من الخشب التي تشبه الصليب، تثبت في أعلى الدلو؛ من أجل أن يربط بها الحبل.

"وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ أَوِ الْمُلْكَ».

وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ بِالْخَبَرِ الْمَأْثُورِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، أَنَّهُ قَالَ :إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ".

لأن أبا بكر عيَّن الخليفة من بعده، وهو عمر -رضي الله عنه-.

"وَإِنْ لَا أَسْتَخْلِفْ، فَلَمْ يَسْتَخْلِفْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

نعم لم يستخلف بالنص الصريح الناصّ على ذكر أبي بكر مقرونًا بالخلافة.

"وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا سُئِلَتْ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَخْلِفًا لَوِ اسْتَخْلَفَ.

وَالظَّاهِرُ-وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَخْلِفْ بِعَهْدٍ مَكْتُوبٍ، وَلَوْ كَتَبَ عَهْدًا لَكَتَبَهُ لِأَبِي بَكْرٍ، بَلْ قَدْ أَرَادَ كِتَابَتَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ، وَقَالَ: «يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ».

فَكَانَ هَذَا أَبْلَغُ مِنْ مُجَرَّدِ الْعَهْدِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَلَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ بِأُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ، مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَأَخْبَرَ بِخِلَافَتِهِ إِخْبَارَ رَاضٍ بِذَلِكَ، حَامِدٍ لَهُ، وَعَزَمَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بِذَلِكَ عَهْدًا، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ،  فَتَرَكَ الْكِتَابَ اكْتِفَاءً بِذَلِكَ، ثُمَّ عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، ثُمَّ لَمَّا حَصَلَ لِبَعْضِهِمْ شَكٌّ: هَلْ ذَلِكَ الْقَوْلُ مِنْ جِهَةِ الْمَرَضِ؟ أَوْ هُوَ قَوْلٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ؟ تَرَكَ الْكِتَابَةَ، اكْتِفَاءً بِمَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَخْتَارُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ مِنْ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ".

لا شك أن التنصيص والكتابة التي تقضي على الشقاق والخلاف هذا مطلوب، والنبي –عليه الصلاة والسلام- يحسم المادة في مثل هذه المسائل بالنص، لكن بلغه يقينًا أن الناس لن يختلفوا في هذا، فلا داعي للكتابة حينئذٍ، إما بوحي أو بما عهده من حال المسلمين في ذلك الوقت وقناعتهم التامة بأبي بكر.

طالب:........

على كل حال ما فعله النبي –عليه الصلاة والسلام- وهو المؤيَّد بالوحي هو الأصل، وإلا فكل شيء يؤدي إلى الخلاف والنزاع لابد من حسمه، إذا اطلع على مبادئه قبل، ولا شك أن الخلافة والنزاع فيها من أشد أمور النزاع، لكن يبقى أنه –عليه الصلاة والسلام- جزم يقينًا أن الأمة لن تختلف في ذلك، وأن الله اختاره، والمؤمنون يختارونه ولا يختلفون فيه كما حصل.

"فَلَوْ كَانَ التَّعْيِينُ مِمَّا يَشْتَبِهُ عَلَى الْأُمَّةِ لَبَيَّنَهُ بَيَانًا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ، لَكِنْ لَمَّا دَلَّهُمْ دَلَالَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الْمُتَعَيِّنُ، وَفَهِمُوا ذَلِكَ، حَصَلَ الْمَقْصُودُ. وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فِي خُطْبَتِهِ الَّتِي خَطَبَهَا بِمَحْضَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ : أَنْتَ خَيْرُنَا وَسَيِّدُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِنَّ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنْهُ، وَلَمْ يُنَازِعْ أَحَدٌ فِي خِلَافَتِهِ إِلَّا بَعْضُ الْأَنْصَار،ِ طَمَعًا فِي أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَمِيرٌ، وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمِيرٌ".

مع أن الأنصار –رضي الله عنهم- بايعوا النبي -عليه الصلاة والسلام- على الأثرة، والأثرة مقتضية لئلا تكون الخلافة فيهم، لكانت الأثرة في أمور الدنيا، وأعظم أمور الدنيا الخلافة، فهي ليست لهم.

" طَمَعًا فِي أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَمِيرٌ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمِيرٌ، وَهَذَا مِمَّا ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُطْلَانُهُ".

ولهذا لا يجوز مبايعة خليفتين في وقتٍ واحد، توسع الناس حينما توسعت البلدان ورأوا أن هذه المسافات الشاسعة قد لا تضبط بخليفةٍ واحد، وقد حصل ضبطها في أول الوقت، ثم لما تنازع الناس، ووجد الشح والشقاق بينهم، كان على كل إقليم والٍ خليفة أو ملك أو أمير، كل هذا وكان الأصل أن الوالي على المسلمين واحد، لكن في قطرٍ واحد كما حصل منا أمير ومنكم أمير وكلهم في المدينة هذا لا يجوز اتفاقًا.

"ثُمَّ الْأَنْصَارُ كُلُّهُمْ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ، إِلَّا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ؛ لِكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي كَانَ يَطْلُبُ الْوِلَايَةَ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ قَطُّ إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَصَّ عَلَى غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ، لَا عَلِيٌّ، وَلَا الْعَبَّاسُ، وَلَا غَيْرُهُمَا، كَمَا قَدْ قَالَ أَهْلُ الْبِدَعِ!"

الرافضة عندهم أن الخلافة منصوص عليها بالوصاية من النبي –عليه الصلاة والسلام- لعلي بن أبي طالب؛ ولذلك يسمونه الوصي، حتى يثبت الوصية مثل الشوكاني، ومثل الصنعاني، لكن المعتدلون منهم يقولون: إن عليًّا تنازل لأبي بكر وما  نازعه في الخلافة، وإلا فهو الوصي، مع أنه لم يثبت له وصاية ولا غيره. 

"وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيَّ إِلَى الْحَسَنِ، فَقَالَ: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ:  أَوَ فِي شَكٍّ صَاحِبُكَ؟ نَعَمْ، وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ اسْتَخْلَفَهُ، لَهُوَ كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَتَوَثَّبَ عَلَيْهَا.

وَفِي الْجُمْلَةِ: فَجَمِيعُ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ طَلَبَ تَوْلِيَةَ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ، لَمْ يَذْكُرْ حُجَّةً شَرْعِيَّةً، وَلَا ذَكَرَ أَنَّ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْهُ، أَوْ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنَّمَا نَشَأَ مِنْ حُبِّ قَبِيلَتِهِ وَقَوْمِهِ فَقَطْ".

يعني مثل ما حصل للأنصار -رضي الله عنهم-.

 "وقد كَانُوا يَعْلَمُونَ فَضْلَ أَبِي بَكْرٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَحُبَّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ .فَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ :أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ»، قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: «أَبُوهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ :«عُمَرُ»، وَعَدَّ رِجَالًا.

وَفِيهِمَا أَيْضًا، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَال :كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ، حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَقَالُوا: لَا، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ :صَدَقْتَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟» مَرَّتَيْنِ، فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا".

قول أبي بكر –رضي الله عنه-: وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ؛ ليخفف ما في نفس النبي –عليه الصلاة والسلام- على عمر؛ لأن عمر محق في صنيعه، لكن من فضل أبي بكر ومنزلته عند النبي –عليه الصلاة والسلام- غضب النبي –عليه الصلاة والسلام-؛ من أجله، فأراد أبو بكر أن يخفف ما في نفسه –عليه الصلاة والسلام- على عمر فقال: والله كنت أظلم.

"وَمَعْنَى: غَامَرَ: غَاضَبَ وَخَاصَمَ. وَيَضِيقُ هَذَا الْمُخْتَصَرُ عَنْ ذِكْرِ فَضَائِلِهِ.

 وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا، عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِفَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ- إِلَى أَنْ قَالَتْ: وَاجْتَمَعَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ! فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ، فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي هَيَّأْتُ فِي نَفْسِي كَلَامًا قَدْ أَعْجَبنِي، خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ !ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، فَقَالَ حُبَابُ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ. هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ، وَأَعَزُّهُمْ أَحْسَابًا".

يعني قريشًا، وجاء في الحديث الصحيح: «الأئمة من قريش».

"فَبَايِعُوا عُمَرَ، أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ  فَأَنْتَ  سَيِّدُنَا، وَخَيْرُنَا، وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ، فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدًا، فَقَالَ عُمَرُ : قَتَلَهُ اللَّهُ.

وَالسُّنْحُ :الْعَالِيَةُ، وَهِيَ حَدِيقَةٌ من حدائق الْمَدِينَةِ مَعْرُوفَةٌ بِهَا.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-)

 أَيْ وَنُثْبِتُ الْخِلَافَةَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، لِعُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، وَذَلِكَ بِتَفْوِيضِ أَبِي بَكْرٍ الْخِلَافَةَ إِلَيْهِ، وَاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ بَعْدَهُ عَلَيْهِ .وَفَضَائِلُهُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُنْكَرَ، وَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، أَوَمَا تَعْرِفُ؟ فَقُلْتُ: لَا، قَالَ :أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ :عُمَرُ، وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ عُثْمَانُ !فَقُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ فَقَالَ. مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ".

هذا علي –رضي الله عنه وأرضاه- محمد بن الحنفية هو ابن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم جميعًا-.

طالب:.........

لا لا، بايع فيما بعد.

طالب:.........

لكنه بايع في الحقيقة، الثابت عنه أنه بايع في آخر الأمر.

"وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ».

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا بِرَجُلٍ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِي مِنْ وَرَائِي، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ، إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ كَثِيرًا مَا أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرِ وَعُمَرُ، فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو، أَوْ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا.

وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فِي رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَنَزْعِهِ مِنَ الْقَلِيبِ، ثُمَّ نَزْعِ أَبِي بَكْرٍ، «ثُمَّ اسْتَحَالَتِ الدَّلْوُ غَرْبًا، فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ».

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ، يُكَلِّمْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ -الْحَدِيثَ، وَفِيهِ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِيهًا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ!  وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ». 

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ».

قَالَ ابْنُ وَهْب :تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ: مُلْهَمُونَ".

الكلام في عثمان طويل محتاج إلى درس كامل.

طالب:.........

النشيط القوي، سواءً كان في بدنه أو في عقله.

طالب:.........

(إيهًا) يعني تكلم زدنا..

طالب:......... 

بالكسر أصلها إي، وإذا نونت صارت زدنا من أي كلام.

طالب:.........

هي الأصل أنه زدنا من الحديث، فإن كان من حديثٍ معلوم فبدون تنوين، وإن كانت بحديثٍ غير معلوم صار تنوين التنكير فيه.

طالب: شيخ أحسن الله إليك، في حديث جابر –رضي الله عنه- في صحيح الإمام مسلم قال: وكنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا هبطنا سبحنا، هل هذا يقتصر في السفر أم يقال: عند صعود المصعد أو الدرج أو غيره؟

شامل، القصة في السفر، لكن المعنى موجود.

"