كتاب الأطعمة من المحرر في الحديث - 01

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

"بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللوالدين وللحاضرين والمستمعين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتاب المحرر:

كتاب الأطعمة

عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل ذي ناب من السباع فأكله حرام».

 وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي ناب من الطير. رواهما مسلم."

وعن كُلِّ وعن كُلِّ..

"وعن كُلِّ ذي ناب.."

لا، ناب من الطير؟!

لا، مِخْلَب.

"وعن كُلِّ ذي مِخْلَب من الطير، رواهما مسلم.

 وعن جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل، متفق عليه.

 وقال البخاري في بعض طرقه: ورخَّص في لحوم الخيل.

 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سأل رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر عن أكل الضب فقال: «لا آكله، ولا أحرمه»، متفق عليه، ولم يقل البخاري: على المنبر.

 وعن عبد الله بن أبي أوفى: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد.

 وعن أنس بن مالك قال: مررنا مررنا فاستنفجَنا.."

استَنْفَجْنا.. استَنْفَجْنا..

"فاستَنْفَجْنا أرنبًا بمر الظهران، فسعوا عليه، فلغبوا قال: فسعيت عليه حتى أدركتها، فأتيت بها أبا طلحة فذبحها فبعث بِوَرِكِها وفخذيها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتيت بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقَبِلَه، متفق عليه. واللفظ لمسلم.

 وعن ابن أبي عمار قال: قلت لجابر بن عبد الله، الضبع أصيد هي؟ قال: نعم، قلت: آكلها؟ قال: نعم، قلت: قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم. رواه الإمام أحمد وأبو يعلى، وهذا لفظه، وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وابن حبان، وصححه البخاري أيضًا.

 وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصُّرَد، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وأبو حاتم البستي.

 وعن مجاهد عن ابن عمر قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكل الجلالة وألبانها، رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه، وقد روي مرسلاً.

 وعن عيسى بن نميلة الفزاري عن أبيه قال: كنت عند ابنَ عمرَ فسأل.."

عند.. كنت..

"كنت عند ابنَ عمرَ.."

ابنِ..

"كنت عند ابنِ عمرَ فسئل عن أكل القنفذ، فتلا هذه الآية {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [سورة الأنعام:145] إلى آخر الآية، فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: ذُكِر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «خبيثة من الخبائث»، فقال ابن عمر: إن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله فهو كما قال، رواه الإمام أحمد وأبو داود وقال البيهقي: لم يروَ إلا بهذا الإسناد، وفيه ضعف."

لم يروَ أو لم يرد؟ المعنى واحد، لكن اللفظ، لم يُرْوَ أو لم يرد؟

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "كتاب الأطعمة، كتاب الأطعمة" كتاب مضى التعريف به مرارًا، والأطعمة جمع طعام، وهو ما يُطعَم وما يؤكل، ويقابله الأشربة، يقابله الأشربة، فما كان من السوائل فهو شراب، وما كان من الجوامد فهو طعام، جاء في ماء زمزم أنها طعام، وتقوم مقام الطعام، كما في حديث أبي ذر، وأنه مكث ثلاثين بين يوم وليلة عمدته ماء زمزم، واكتفى بها حتى إنه ركبه الشحم بسببها، ويبقى أن الأصل في السوائل أنها أشربة، وفي غيرها أطعمة، وقيل لها: أطعمة؛ لأنها تُطعَم، ولها طعم الأشربة، لها ما يخصها من الأبواب، وفيها المصنفات أُلِّف فيها، في الأشربة كتب مستقلة، وما يباح منها وما يحرم، والأطعمة كذلك لها أيضًا المصنفات، وهي داخلة في مؤلفات أهل العلم كهذا الكتاب وغيره، فالأطعمة منها المباح ومنها المحظور، وسيذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- من الأحاديث ما يدل على إباحة بعضها، وتحريم بعضها.

 والعلماء يختلفون في الأصل في الأطعمة هل الأصل الإباحة أو الأصل الحظر؟ هل الأصل الإباحة أو الأصل الحظر؟

فعند الحنفية: الحلال ما أحله الله، وعند الشافعية وجمع من أهل العلم: الحرام ما حرَّمه الله، القواعد متفقة أم مختلفة؟ مختلفة متضادة، فالذي يقول: الحلال ما أحله الله، فالأصل عنده المنع والحظر، فلا تأكل إلا ما دل الدليل على حلِّه، والذي يقول: الحرام ما حرمه الله فعنده الأصل الإباحة، فلا تتوقّف في أكل شيء إلا ما دل الدليل على منعه، وكلٌّ على أصله.

 وجدت نباتًا أو حيوانًا أو دويبّة أو ما أشبه ذلك فأعجبك، أمسكتَه هل تأكل أو لا تأكل؟ ما عندك دليل يبيح، ولا دليل يمنع، ما عندك دليل يمنع ولا دليل يبيح، فيه دويبّة يستعملها العَطَّارون للعلاج، توجد في السهول والرمال بكثرة، وهي موجودة عند العطَّارين، يعني دويبة بحجم الوزغ، لكنها مَلْسَاء يسمُّوْنها، اسمها إيش؟

هي مستعملة الآن عند العطّارين بكثرة، بكثرة تُستَعمَل، تُصرَف علاجًا، فهل صنيعهم صحيح أو أو باطل؟

هي ليس فيها دليل، هي معروفة عندنا في نجد باسم الصقنقور، وبحثت في حياة الحيوان وجدت الاسم، لكنه لا ينطبق على الذي يوجد عندنا؛ لأنه ذكر في حياة الحيوان أن طوله ثلاثة أشبار، والذي يوجد عندنا لا يصل إلى شبر واحد، وقال: إنه يوجد في الهند وفي دمياط ويوجد.. فحقيقته غير حقيقة التي يستعملها العطارون في العلاج، فهل استعمالهم صحيح ويُترَكون يصفون هذه الدويبة للمرضى، أو عملهم باطل فيُمنَعون منه؟

 كلٌّ على مذهبه، وكلٌّ على أصله، فالذي يقول :الأصل الإباحة يقول: أنا أصرف هذا العلاج حتى أجد دليلًا يمنع، والذي يقول: الأصل الحظر نقول: قف، لا تصرف حتى تجد دليلًا يبيح، ولا شك أن الاحتياط في بناء الجسم الذي يتقرب به إلى الله -جل وعلا-، ويزاوَل به ما يقرِّب إلى الله -جل وعلا- ويحقَّق بواسطته الهدف الذي من أجله خُلِقَ الإنسان، خُلِقَ الإنس والجان {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات:56]، لا شك أن مثل هذا يجعل الإنسان يتوقف فلا يأكل إلا ما دل الدليل على إباحته؛ لئلا يكون هذا المأكول من نوع السحت المحرم، «وكل جسد نبت على سحت فالنار أولى به»، فالتثبت والتأكد من حِلِّ ما يراد أكله هو المتجه بالنسبة للمسلم المتحري الحريص على براءة ذمته، لكن المنع بالكلية لأناس يقتدون بإمام تبرأ الذمة بتقليده نقول: لك أن تصنع بالنسبة لنفسك ما شئت، وأن تحملها على العزيمة، أما أن تلزم الناس بغير دليل فهذا لا يسوغ.

 شخص حقق كتابًا، وتكلَّم صاحب الكتاب على الأصل في المطعومات ومثَّل بالحشيشة قال: إن مذهب كذا الأصل الإباحة، ومذهب فلان الأصل الحظر كالحشيشة، المعلِّق على الكتاب أطال ذكر صفحات في تحريم الحشيشة المخدِّرة، وأنها محرَّمة بالإجماع، ونقل كلام شيخ الإسلام وكلام ابن البيطار كل الكلام الذي قيل في الحشيشة المخدرة، يعني هل صاحب الكتاب خرج عن الإجماع في تحريم الحشيشة؟! أو هو من الغفلة بحيث يمثِّل بما يزيل العقل لهذه القاعدة، وعنده من الأمثلة الشيء الكثير، هو يقصد الحشيش الذي يوجد في البر، خرجت إلى البر في نزهة فوجدت حشيشة أعجبك طعمها ورائحتها، فأردت أن تأكل وأنت ما معك دليل على الحل، تأكل أم ما تأكل؟

 كلٌّ على أصله، الذي يرى أن الأصل الحل يأكل حتى يرد دليل يمنع، والذي يرى أن الأصل الحظر يتوقف حتى يجد دليلاً يبيح.

 قال -رحمه الله-: "عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل ذي ناب من السباع فأكله حرام»".

 الناب هو السن الذي يلي الرَّباعية، ناب يتميَّز بطوله عن غيره، وهو يلي الرَّباعية، هذا أكله حرام.

 وفي الحديث الذي يليه حديث ابن عباس "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكل كل ذي ناب من السباع" نهى، وفي الحديث الأول حرام، مما يدل على أن الأصل في النهي التحريم، وأن التعبير عن النهي بلفظه بدلاً من أداته يقوم مقام الأداة، فعندنا نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمثابة: لا تأكلوا؛ لأن الأصل في النهي أن يأتي بلا الناهية، أن يأتي النهي بلا الناهية، لا تأكلوا كل ذي ناب، وعبَّر الصحابي عن هذا النهي بقوله: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، في الحديث الأول «كل ذي ناب من السباع فأكله حرام» هذا من اللفظ النبوي أم لا؟ نعم، لكن قوله: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام- أو من لفظ الصحابية تعبيرًا عن لفظه -عليه الصلاة والسلام-؟ هذا لفظ الصحابي ما يمكن أن يقول: نهى رسول الله والقائل هو الرسول، نعم يقول: «أُمرتُ أن أسجد على سبعة أعظم»، «نهيت عن قتل المصلين»، وهكذا، لكن ما يقول: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنما الذي يقول هو الصحابي.

 داود الظاهري وبعض المتكلمين يشككون في مثل هذه الصيغة يقول: قول الصحابي: أَمرَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو نهانا، أو نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما هنا لا يدل على المنع ولا الطلب حتى ينقل اللفظ النبوي، حتى ينقل لنا اللفظ النبوي، لماذا؟ قالوا: لأن الصحابي قد يسمع كلامًا من النبي -عليه الصلاة والسلام- يظنه أمرًا أو نهيًا، وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي، وهذا الكلام باطل، ومازال أهل العلم يتداولون مثل هذه الألفاظ ويعملون بها ويوقعونها مواقعها، ويتعاملون معها على أنها كالأوامر الصريحة والنواهي الصريحة؛ لأن الصحابة -رضوان الله عليهم- إذا لم يعرفوا مدلولات الألفاظ النبوية فمن يعرفها بعدهم؟ هم العرب الأقحاح، وخالطوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعاشروه، وعرفوا مقاصد الشرع، فكيف نقول: إنه ما فهم؟ مَن يفهم بعدهم، من يفهم بعدهم إذا لم يفهموا؟ يعني لا يفهمون أن لا الناهية تدل على النهي فيعبرون عنها بقولهم: نهى؟! أو افعل أو لتفعل بلام الأمر مما يدل على الأمر فيعبرون عنه بأمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟

 ولا شك أن هذا القول لا حظ له من النظر، نعم قد تكون في دلالة الخبر على حكم من الأحكام أو مفهوم جملة بكاملها قد، وهذا للتقليل، قد يلوح لمتأخر ما خَفِيَ على متقدم، قد، ولذا نجد الجديد في كلام المتأخرين، ويدل له «رُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع»، نعم بعض السامعين أشبه بالعوام، بعض رواة الأحاديث يحفظونها بحروفها، لكن لا يستطيعون التعامل معها؛ لأنهم ليست لديهم الأهلية، فينقلونها إلى من يحسن التعامل معها، ولذا قال بعضهم: إن هذا الصنف من أهل الحديث الذين لا يفهمون ما يروون، يعني حسبهم أنهم أدوا كما سمعوا، يقول: هؤلاء مثل الصيادلة، والفقهاء الذين يحسنون التعامل والاستنباط من الأحاديث مثلهم مثل الأطباء.

 لكن بعض الناس قد يفهم من هذا أن الفقهاء أنبه وأنبل وأفهم من أهل الحديث، نقول: لا، الأصل في الفقهاء هم المحدثون، والأئمة مالك والشافعي وأحمد وسفيان وغيرهم من كبار فقهاء الملة هم أهل الحديث، لكن لما حصل الفصل في الأزمان المتأخرة، يعني في عصور صارت الرواية ليست للتفقه، وإنما هي لمجرد إبقاء سلسلة الأسانيد التي هي خصيصة هذه الأمة دخل فيها من لا يحسن التعامل مع النصوص، ووجد من الطرف الآخر من يحسن التعامل مع النصوص، لكنه لا يحسن إثبات هذه النصوص، فتجد الخلل في الفريقين، تجد هذا محدِّثًا ضابطًا يروي الحديث بألفاظه، ويؤديه كما سمعه، لكنه لا يحسن التعامل معه، وهذا بعد عصور الأئمة في المتأخرين موجود بكثرة، وبالمقابل يوجد من الفقهاء من يحسن التعامل مع الألفاظ، لكنه لا يعرف كيف يثبت الحديث، فتجد من هؤلاء الفقهاء الأذكياء الذين يحسنون الاستنباط والتعامل مع النصوص تجده قد يستدل بحديث ضعيف، أو يستدل بحديث موضوع، وقد وجد في كتب الفقه من هذا النوع، يعني عندهم دراية، وعندهم فهم، وعندهم فقه وإدراك، لكن ليست عندهم الآلة والأهلية للإثبات والنفي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكل له وظيفته، وكل من الاثنين يكمِّل الآخر، وهؤلاء هم الذين يصح أن يقال فيهم: الأطباء والصيادلة، أما الأئمة الكبار فهم أطباء، وفي الوقت نفسه صيادلة، يعني يركِّبون الدواء، ويصفونه للناس، يثبتون الخبر ويروونه كما جاء كما سمعوه ويستنبطون منه الأحكام.

 "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير المخلب" ما يكون المِخْلَب؟ ما يكون في رجل الطائر مثل الظفر بالنسبة للإنسان والضرف بالنسبة للحيوان، إذا كان الطائر له مخلب يفترس به فهذا لا يؤكل، وإذا كان السبع له ناب يفترس بها فإنه حينئذ لا يؤكل.

 قال -رحمه الله-: "وعن جابر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأَذِن في لحوم الخيل، متفق عليه، قال البخاري في بعض طرقه: ورخَّص في لحوم الخيل"، نهى يوم خيبر، وبعث من ينادي في الناس: إن الله ورسولَه ينهيانكم عن لحوم الحمر، فالحمر الأهلية كانت حلالاً، كانت مباحة، ثم حرمت يوم خيبر، كانت مباحة ثم حُرِّمَت، وهي حرام إلى يوم القيامة، وهذا قول عامة أهل العلم، ويُذكَر عن ابن عباس أنه يرى حِلَّها، وأنها مُنِعَت لعلة، وارتفعت العلة، مُنعَت؛ لأنها حمولة المسلمين، يعني الظهر الذي يركبونه، فإذا أفنيت الحمر ما بقي لهم ظهر يُركَب، نقول: الآن ليست بظهر، ولا حمولة، ولا يُحتاج إليها في الحمل ولا في الركوب، وتُسَيَّب الآن، وارتفعت العلة، هل نقول: تؤكل؟

عامة أهل العلم لا تُؤكَل، والتعليل «فإنها رجس»، العلة الشرعية المنصوصة: لأنها رجس، لا لأنها تركب، أو لأن الناس يحتاجون إليها فإذا ذبحت وأكلت احتاج الناس، اضطر الناس أن يركبوا أقدامهم، فهي حمولتهم، جاء في حديث ابن أَبْجَر قال: أصابتنا سَنَة، يعني مجاعة، وليس عندي ما أطعم أهلي إلا سِمَان حُمُرِي قال: «أطعم أهلك سِمَان حُمُرِك»، الحديث ضعيف، العلماء يركِّزون على سنده، وسنده ضعيف، ويكفي إلى هذا الحد، لكن نقد المتن يعني بطلانه، ظاهر من متنه، تصيبهم مجاعة وتسْمَن الحُمُر، وتجوع المواشي؟! ممكن؟! مستحيل! هم تصيبهم المجاعة، فيضطرون إلى الحُمُر، وحمرهم تسمن، ومواشيهم تجوع؟! النكارة ظاهرة، بل البطلان لائح عليه.

 نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، يقابل الحمر الأهلية الحمر الوحشية، فكونه يُنهَى عن لحوم الحمر الأهلية تبقى الحمر الوحشية على الجواز والإباحة.

طالب: ...........

إذا اضطر إلى أكل الحمار وعنده ميتة فأيهما أفضل؟

طالب: ...........

ميتة أيًّا كانت شاة ميتة.

طالب: ...........

لا لا، شاة أو جمل ماذا ياكل؟

طالب: ...........

أيهما أسهل؟

طالب: ...........

الآن الحمار ولو ذُكِّي ما حكمه؟ ميتة، الصيد في الحرم ولو ذكي حكمه ميتة، لا يفيد فيه التذكية، فكلها تدخل في أكل المضطر للميتة، على كل حال ما هو هذا محل البحث، هذا أمره سهل، هذا الحمار الذي بالأمس قبل خيبر حلال، واليوم بعد خيبر حرام {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [سورة الأعراف:157] اللحم تغيَّر أم ما تغيَّر؟

طالب: ...........

طيب أمس طيبات حلال، واليوم خبائث حرام، واللحم ما تغيَّر! أو نقول: إن اللحم تغيَّر، وصار رجسًا بعد أن كان طيبًا حلالاً؟ الله -جل وعلا- الذي جعله من الطيبات، وجعله نافعًا مغذيًا مفيدًا للبن، ألا يسلبه هذه الخواص بعد تحريمه؟ وجاء في الخمرة أنها سلبت المنافع بعد تحريمها، يعني لو افترضنا أننا أدخلنا حمارًا قبل التحريم مختبَرًا، وحمارًا آخر بعد التحريم مختبَرًا هل نجد فرقًا؟

القدرة الإلهية لا يقف دونها شيء، ما المانع أن تسلب هذه المنافع بعد أن كانت طيبة ومن الطيبات التي أحلها الله -جل وعلا- إلى أن تكون رجْسًا محرمة ضارة بعد أن كانت نافعة؟ الله على كل شيء قدير، ما فيه ما يمنع، والله -جل وعلا- هو الذي يهب هذه المنافع ويسلب هذه المنافع، نهى عن لحوم الحمر الأهلية الإنسية مفهومه أن الحمر حمر الوحش حلال، حمر الوحش حلال، طيب ما الفرق بين الحمار الوحشي والحمار الأهلي؟ الأكثر على أن الفرق في اللون، وأن الحمار الوحشي هو المخطط خطًّا أبيض وخطًّا أحمر، ولا فرق غير ذلك، وهو الفرق الظاهر؛ إذ هما في الصورة لا تختلف، وكون الأهلي عاش بين الناس وأنس بهم، والوحشي يعيش في البراري والقفار وينفر من الناس ويستوحش منهم، هل هذا الوصف مؤثِّر أو غير مؤثِّر؟ بمعنى أنه توحَّش أهلي وتأنَّس وحشي يختلف الحكم أم ما يختلف؟

 إذًا كونه أهليًّا وكونه وحشيًّا وصف غير مؤثِّر، إنما المؤثِّر حقيقة هذا الحمار، وحقيقة ذاك الحمار، لكن كيف نفرِّق بين الأهلي والوحشي؟ عامة الناس ليس لديهم إلا اللون إلا اللون، ليس لديهم إلا اللون، يعني هل هناك فرق، يعني من رأى الحمار الوحشي أو الحمار الأهلي كل الناس رأوه، هل هناك فرق بينهما في الخلقة؟ نشوف الصور ما فيها فرق، لكن على الحقيقة ما ندري.

طالب: ...........

الحجم؟ أيهما أكبر؟

طالب: ...........

الوحشي أكبر؟ يعني بقدر الفرس؟

طالب: ...........

والله إذا كان هناك فرق بالحجم فإنه مؤثِّر، ويبقى أن الصفة الظاهرة للجميع اللون، لكن لو أن إنسانًا جمع من الحمر الإنسية ما لونه أبيض، فتصرف في تلوينه وباعه للناس على أنه وحشي، إذا كان الفرق مجرد اللون يمكن أن يحصل هذا، فيه مهارات عند أهل الصباغة، يمكن أن يمشي على كثير من الناس، ويجلبه في أسواق المسلمين على أنه وحشي، فلا بد أن يكون هناك شيء لا يمكن تغييره، وإن خفي علينا.

 على كل حال يقال للحمار الأهلي: الحمار الوحشي، وهو حلال.

طالب: ...........

كيف؟

طالب: ...........

لا، لا يمكن.. الأسد يُسخَّر الآن ويساس..!

طالب: ...........

كل شيء بالتمرين يُقدَر عليه.

طالب: ...........

البغل حرام متولِّد بين الفرس والحمار، قالوا: يغلَّب جانب الحظر، يُغَلَّب جانب الحظر، وأذن في لحوم الخيل.

 وهذا الحديث متفق عليه مما يدل على إباحة أكل لحم الخيل، وفي حديث أسماء: ذبحنا فرسًا على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأكلناه، وهذا لا شك أنه من باب التقرير، وفي بعض الروايات: وأطعمنا بعض بيوته -عليه الصلاة والسلام-، ويكفينا الحديث الذي معنا أذن في لحوم الخيل، وفي بعض طرقه: ورخًّص في لحوم الخيل، وهذا يدل على أن أكل الخيل حلال، ولا فيه شبهة.

 من أهل العلم من يرى أنه حرام، من يرى أنه حرام، لماذا؟ لأنه جاء في آية النحل {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [سورة النحل:8]، ففقرنت مع الحمير ومع البغال، وهي محرمة، فلتكن محرمة، نقول: هذا استدلال بدلالة الاقتران، وهي ضعيفة عند أهل العلم، قالوا: امتنَّ الله- جل وعلا- بركوبها، ولا يمكن أن يمتن العليم الخبير بمنة أدنى مع وجود منة أعلى، وهي الأكل، هذه حجة من يقول بعدم أكل لحم الخيل، سواء كان من الحنفية، أو المالكية على الكراهة عندهم.

المقصود أنهم يقولون: امتنَّ الله -جل وعلا- بركوبها، وبالتزيُّن بها {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [سورة النحل:8]، والأكل أعظم وجوه الانتفاع، الأكل أعظم وجوه الانتفاع، فلو كانت تؤكَل لامتنَّ بها، لامتنَّ بأكلها، ولم يمتن بركوبها.

 نقول: المأكولات تتفاوت، المأكولات تتفاوت، الإبل والبقر والغنم لا شك أن أعظم وجوه الانتفاع بها أكلها، ولذلك تجدون أقيامها مناسبة لمنفعتها في الأكل، لكن الخيل أعظم وجوه الانتفاع بها الأكل أم الركوب؟ بلا شك، ولذلك تجدون أقيامها لا توازي ولا تقارب قيمة أكلها قيمة وزنها وأكلها ومنفعتها للبدن لا توازي قيمة ركوبها، تجد الثمن باهظًا لو مثلاً افترضنا أن لحم الغنم الكيلو بأربعين ريالًا، والإبل والبقر الكيلو بثلاثين، كم يطلع كيلو الخيل إذا اشترينا فرسًا يستفاد منها في الجهاد، يستفاد منها في وجوه كثيرة من الانتفاع في الركوب؟ يصل الكيلو لعله إلى ألف، هل يمكن أن ينتفع بها في الأكل بهذه القيمة؟

لا يمكن، وجاء أيضًا الامتنان بالأكل في غير الخيل بالركوب {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [سورة يــس:72]، فقدم الركوب على الأكل؛ لأن الركوب أحيانًا قد يكون أهم من الأكل، إذا كنت في مفازة أو في حرب، في جهاد، هل تنحر فرسك أم تنحر جملك لتأكله وتبقى راجلاً؟ ولأهمية الفرس في الركوب فُرِض له من الغنيمة أكثر من الفارس، يعني القول بأن أعظم وجوه الانتفاع الأكل ليس على إطلاقه في سائر الأحوال، الركوب أهم من الأكل، أما في أوقات المجاعات والمساغب وما أشبه ذلك فأمر ثانٍ، كون الله -جل وعلا- يمتن بركوبها؛ لأنها قُرِنَت مع غير مأكول، الأمر الثاني أن الركوب بالنسبة للفرس والخيل أعظم وجوه الانتفاع، ويظهر ذلك في قسم الغنائم، في قسم الغنائم كم؟

الفارس سهم، وللفرس سهمان، هل نهدر مثل هذا الاعتبار الشرعي لنقول: إن أكلها أهم من ركوبها، ودلالة الآية على عدم الأكل ظاهرة أم غير ظاهرة؟ غير ظاهرة، ودلالة الحديث على الإذن والرخصة نص في الموضوع، فلا يعارَض هذا بمثل هذا.

 قال -رحمه الله-: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سأل رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر عن أكل الضب".

 ولم يقل البخاري: على المنبر، يعني قوله: على المنبر عند مسلم دون البخاري، لكن كون المؤلف قدَّم رواية مسلم، وأثبت المنبر مع أنه لم يرد في البخاري، والأصل أن الذي يثبت البخاري؛ لأنه أصح، هل لاشتمال هذه اللفظة مزيد فائدة؟ يعني كونه آثر لفظ مسلم، وذكر هذه الكلمة الزائدة، وهي لا توجد في البخاري، نعم هي زيادة مستقلِّة غير منافية، كون البخاري لم يذكرها وأضرب عنها هل لأنها لم تثبت عنده، أو لأنه رأى أنه لا حاجة لذكرها؟ أحيانًا يعلُّون اللفظ بعدم تخريج الشيخين له، وإن خُرِّج في غيرهما من الكتب، ويقولون: إن الكلمة لا تثبت لإضراب الشيخين عنها وعدم ذكرها، ولو كانت ثابتة لذكرها، على كل حال هي في صحيح مسلم فلا كلام لأحد فيها.

 "سأل رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر عن أكل الضب فقال: «لا آكله ولا أحرمه»".

 لا آكله، وجاء التعليل منه -عليه الصلاة والسلام- بأنه لم يكن بأرض قومه، فأجدني أعافه، لا شك أن كثيرًا من الناس يعاف الضب، وكونه يعافه لا يؤثر في الحكم الشرعي، هل أقول: حرام؟ لا يجوز أن أقول: حرام؛ لأن نفسه تعافه، بعض مركبات الأطعمة تجد النفس تعافه لو صببت لبنًا على مرق تشرب أم ما تشرب؟

أو الشاي على اللبن تعافه نفسك بلا شك، لكن حرام أم ما هو بحرام؟ كونك تعاف غير مسألة كونك تمنع وتحرم غير، مسألة الاستخباث كون العرب تستخبث هذا الطعام وتستخبثه على خلاف بين أهل العلم في الاستدلال باستخباث العرب.

 على كل حال كون الإنسان يعاف الشيء لا يعني أنه يحرِّم، ولما ذم النبي -صلى الله عليه وسلم- الثوم والبصل، ومنع من قربان الناس في المساجد قيل له -عليه الصلاة والسلام-: أحرام هي؟ قال: «لا أحرم ما أحل الله».

 لا آكله طيب كثير من الناس ما يأكل لحم البقر، هل لأنه حرام؟ لا، نفسه تعافه، رؤبة بن العجّاج لا يأكل الدجاج، ويأكل الفأر، الراجز المعروف يأكل الفأر، ولا يأكل الدجاج، لكن التعليل يدل على أنه يأكل الفأر مستبيحًا له ويمتنع من أكل الدجاج تحريمًا له، لكنه مَن رؤبة من أجل أن يُعتَدّ بقوله أو يُنظَر إلى ما قاله؟ هو شاعر لا قيمة له في ميزان العلم الشرعي، هو يقول: يأكل الفأر؛ لأنه يأكل السمن والبُرّ، ويدع الدجاج؛ لأنه يأكل ما تعلمون.

 على كل حال هذا من باب الطرائف، لا من باب العلم ومتينه؛ لأن رؤبة لا قيمة له في هذا الباب.

 قال: «لا آكله»، نعم تعافه نفسه -عليه الصلاة والسلام-، وكل مَن عافته نفسه له ذلك، لكن هل للأب أن يجبر ابنه أن يأكل لحم ضب؟ وهل للزوج أن يجبر زوجته أن تأكل لحم ضب تجد نفسه تعافه نقول: الطاعة بالمعروف، ليس له أن يجبره على أكل الضب ونفسه تعافه، «لا آكله ولا أحرمه» مما يدل على أنه حلال، مما يدل على أنه حلال، ومنع منه بعض أهل العلم مستدلين بأنه قُدِّم للنبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يأكله، ويروون في ذلك «أن أمة من الأمم مُسِخَت قال: وأخشى أن تكون هِيَ» يعني الضب، ورُدَّ بأن الممسوخ من الأمم لا نسل له، والحديث فيه كلام، الحديث ضعيف، فلا يثبت، ولا يقاوم هذه الأحاديث المصرِّحَة بحلِّه وأكله، خالد بن الوليد على مائدته يقول: فاجتررته فأكلته..

"متفق عليه. ولم يقل البخاري على المنبر.

 وعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد، غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد".

 الجراد هو الطائر المعروف في أحجام مختلفة، فهو حلال؛ لأنهم أكلوه بحضرته -عليه الصلاة والسلام-، وجاء ما يدل على أنه أكل معهم، مما يدل على أنهم أكلوا معه، وفي بعض الألفاظ ما يوحي أنه أكله -عليه الصلاة والسلام- وأكل نساؤه صراحة بالنصوص، وكنَّ يتهادَين الجراد، فالجراد حلال ويؤكَل من غير تذكية، ويُؤْكَل ميتًا «أحل لنا ميتتان ودمان، فالميتتان السمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطُّحَال»، فيؤكل من غير تذكية.

 ومنهم من يشترط أن يذكى، وهذا لا شك أنه معارَض ومنقوض بحديث «أحلت لنا ميتتان ودمان»، وهو حديث صحيح، بعضهم يذكر أن من الجراد ما هو ضار كجراد الأندلس، الآن الجراد في وقتنا يكافَح، يكافَح بالسموم وبالمبيدات، فقد يتأثَّر بهذه السموم وهذه المبيدات فيتضرر آكله، ويُمنَع للضرر كجراد الأندلس هذا الذي قالوا: إنه ضار، وأفتى أهل العلم بمنعه وعدم أكله؛ لضرره، أما الأصل في الجراد فإنه مباح، ولا إشكال فيه.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.