شرح العقيدة الواسطية (38)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-: وأما الدرجة الثانية: فهو مشيئة الله النافذة.

فهي فهي وش عندك؟ درجة هي.

فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه، لا يكون في ملكه إلا ما يريد، وأنه -سبحانه وتعالى- على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات. فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه لا خالق غيره ولا رب سواه، ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسوله، ونهاهم عن معصيته. وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد، والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم؛ والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم، وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، كما قال –تعالى-: التكوير: ٢٨ - ٢٩ وهذه الدرجة من القدر: يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي -صلى الله عليه وسلم- مجوس هذه الأمة، ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمِها ومصالحِها.

حكمَها ومصالحَها.

أحسن الله إليك حكمَها ومصالحِها.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-، بعد أن ذكر الدرجة الأولى وأنها متضمنة شيئين: الدرجة الأولى: العلم علم الله -جلَّ وعلا- المحيط بكل شيء وكتابته للأشياء في اللوح المحفوظ، ثم الدرجة الثانية المشيئة والخلق والإيجاد، الدرجة الثانية يقول -رحمه الله تعالى-: وأما الدرجة الثانية فهي مشيئة الله النافذة التي لا ترد، وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ما شاء الله كان لا راد له، لا راد لما قضيت كما جاء في الحديث: «اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا راد لما قضيت» وهذه الجملة سندها جيد وإن كان بعضها ينازع في ثبوتها؛ لأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لو أن جميع ما سوى الله -جلَّ وعلا- يريدون رد ما شاءه الله -جلَّ وعلا- لم يستطيعوا، ولو أنهم اجتمعوا واتفقوا على أن يوجِدوا ما لم يرده الله ولم يشأه لم يكن، «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم -إيش؟ لم يقدره الله إيش؟ بشيء ما كتبه الله أكمل- لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك»، ومثله لو أرادوا دفع ضر أراده الله لك أو عليك أو كتبه عليك لن يستطيعوا رده؛ ولذا تجدون الاثنين من المحتاجين يدخلان على التاجر، وقد يكون أحدهما أعظم حاجة من الثاني، والعلامات والدلالات عليه أظهر، فتجد التاجر يعطي الأقل حاجة والأقل في الأثر والدلالة ولا يعطي الثاني، الله -جلَّ وعلا- هو المعطي والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «إنما أنا قاسم والله المعطي» وتجد الإنسان بكل ارتياح يقصد الأمر، يجمع الأسباب وينفي الموانع، ثم بعد ذلك يجزم بحصول المسبب والأثر ثم لا يحصل شيء؛ لأن الله -جلَّ وعلا- لم يكتب له هذا، ولم يقدره له، ولم يشأه، وقد تكون جميع الموانع موجودة والأسباب منتفية، ومع ذلك لأن الله -جلَّ وعلا- قدر هذا الأمر لك يحصل بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

وأنه ما في السموات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه، إلا بمشيئة الله -سبحانه وتعالى- لا يكون في ملكه ما لا يريد، لا يكون في ملكه ما لا يريد، المشيئة والإرادة بينهما عموم وخصوص، هناك الإرادة الكونية والإرادة الشرعية ما أراده الله -جلَّ وعلا- كونًا لا بد من حصوله، ومع ذلك قد يكون مما يرضاه الله -جلَّ وعلا- ويحبه، وقد يكون مما لا يرضاه الله -جلَّ وعلا- ولا يحبه، فأراد الله -جلَّ وعلا- إرادة كونية من فلان أن يؤمن ومن فلان أن يكفر، فلا بد من تحقق هذا المراد، ولا بد من وجوده، لكن الله -جلَّ وعلا- يحب أن يؤمن ويكره أن يكفر الكافر، لا يكون في ملكه ما لا يريد.

طالب: ...............

على كل حال من قال بالترادف يصح، من قال بالترادف يصح. لا يكون في ملكه ما لا يريد.

طالب: ...............

وهذا باعتبار أنها كونية فقط، على كل حال ننظر في كلام الشيخ -رحمه الله-: لا يكون في ملكه ما لا يريد، قد يقول قائل: إنه وجد في ملكه ما لا يريد؛ كفر الكافر وفسق الفاسق وظلم الظالم لا يريده الله -جلَّ وعلا- ولا يحبه، وقد وقع، لكن المنفي هنا ما يريده إرادة كونية قدرية، أما ما يريده إرادة شرعية فقد يكون منه ما يحبه، وقد يكون منه ما يكرهه، وقد يقول قائل.

طالب: ...............

لا، فيما يحب، لكن قد يقع ما يكره، يريد من فلان أن يسلم يؤمن، لكنه يكفر يريد منه أن يعدل لكنه يظلم، هذا أراده الله -جلَّ وعلا- كونا لكنه لم يرده شرعًا؛ ولذا لا يحبه الله -جلَّ وعلا- وإن وقع، قد يقول قائل: لماذا الله -جلَّ وعلا- أراد من الكافر أن يكفر، لماذا لم يرد من الناس كلهم أن يؤمنوا؟ لأنه يحب الإيمان ويكره الكفر، لماذا يقدر ولماذا يريد ما لا يحب؟ لتبين الحكمة من خلق الجن والإنس من خلق المكلفين، ما تتبين الحكمة إلا بتميز الفريقين، والحكمة أيضًا من خلق الجنة والنار لا تتبين ولا تتميز إلا بوجود الفريقين، وهو مع ذلك ليس بظالم كتب عليه أنه يكفر؛ لأن الله -جلَّ وعلا- بين له السبيل وهداه النجدين، ومع ذلكم جعل فيه وركب فيه من الحرية والاختيار ما يجعله يختار طريق السلامة، لكنه مع ذلك اختار طريق الهلاك فليس بمجبور، نعم لو جبره على هذا الطريق ولم يجعل فيه حرية اختيار نعم كان ظالمًا له، مع أنه لا يسأل عما يفعل، لكن حكمته وعدله يقتضي أن يبين الطريق للجميع هدى هذا وأضل هذا، يعني من الأمثلة الواقعية لو أن معلمًا -وهذا من باب التقريب- وإلا تعالى الله -جلَّ وعلا- عن الأمثال والنظراء، لو أن معلمًا أثنى على كتاب مدرس، أثنى على كتاب، فتفرق الناس بعد ذلك  ليبحثوا عنه في المكتبات وبقي مجموعة عشرة مثلاً، فقال لخمسة منهم: الكتاب يوجد في المكتبة الفلانية، وقال لخمسة: أنا عندي لكم منه على نسخة، هل هو ظالم لأولئك الذين تفرقوا بعد أن بين لهم منفعة هذا الكتاب؟ كونه دل بعضهم على المكتبة التي يوجد فيها الكتاب واختصر عليهم الطريق هذه زيادة فضل، وكونه أيضًا أعطى بعض الطلاب من النسخ التي عنده أيضًا هذه زيادة في الفضل، ولكنه لم يظلم أولئك الذين ذهبوا؛ لأنه بين لهم أن هذا الكتاب نافع، وهذا في المخلوق الذي قدرته محدودة وفضله على غيرهم محدود، وهو من فضل الله عليه -جلَّ وعلا-، فكيف بصاحب الفضل الأول والآخر؟ الله -جلَّ وعلا- بيّن بيانًا كافيًا شافيًا على ألسنة رسله وما أنزله في كتبه بين طريق السلامة وطريق الهلاك، {فماذا بعد الحق إلا الضلال} وليس للخلق على الله حجة، وإذا قال: إن الله -جلَّ وعلا- كتب علي أن أضل، فيقال له: ما الذي يدريك أن الله كتب عليك أن تضل؟ بيّن لك طريق السلامة الصراط المستقيم، وبيّن لك الطرق الأخرى، لماذا اخترت الطريق الآخر؟ يعني لو قيل لك: إن في طريقك إلى البلد الفلاني طريق فيه سباع وطريق سلامة ما فيه سباع، ماذا تختار؟ طريق السلامة بلا شك، تختار طريق السلامة، فلماذا لم تختر لدينك الذي هو رأس مالك طريق السلامة، وقد بين لك وركب فيك من حرية الاختيار ما يجعلك تميل إليه من غير إجبار؟ فعلى كل حال ليس للخلق على الله حجة بعد أن أنزل الكتب وأرسل الرسل، وركب فيهم من حرية الاختيار وجعل لهم إرادة ومشيئة، لكنها تابعة لمشيئة الله -جلَّ وعلا- وإرادته، وأنه –سبحانه- على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات الموجودات يقدر على إعدامها ويقدر على تغييرها، لكن إيجاد الموجود محال، إيجاد الموجود محال؛ ولذا قالوا من شرط التكليف أن يكون بمعدوم لكي يوجد، أما أن يكلَّف بشيء موجود مستحيل، والمعدومات قدير على إيجادها، قدير على إيجادها الله -جلَّ وعلا- على كل شيء قدير، وهذا من العمومات المحفوظة لا يخرج عن قدرته شيء، والذي شك في قدرة الله -جلَّ وعلا- فقال: لئن قدر الله علي ليعذبني عذابًا.. وصفه، فأمر أهله أن يحرقوه إذا مات ويذروه في الهواء، فأمر الله -جلَّ وعلا- لأجزائه أن تجتمع، فلما اجتمعت قال: ما الذي حملك على هذا؟ فالذي حمله على هذا الخوف الخوف الشديد من الله -جلَّ وعلا-، فمثل هذا عذر بجهله، عذر بجهله، هل نقول: إن هذا في شرع من قبلنا؟ عنده ليس عنده إلا التوحيد كما جاء في بعض الروايات، فالعقائد لا يدخلها النسخ عند أهل العلم، على كل حال هو عذر، وقد يكون في ذلك الوقت مغلوبًا على عقله، مغلوب على عقله حينما تصرف لم يتصرف تصرف العقلاء من شدة الخوف.

هنا شيء يذكره المتكلمون وهو تعارض القُدَر، إن الله على كل شيء، هل يقدر على ذاته المقدسة؟ أما قدرته على أفعاله فهذا مقتضى الأفعال، وأما قدرته على ذاته بخلاف ما كتبه أو قرره أن يفعله فهذا من باب التناقض واجتماع النقيضين كما قالوا في المثال الذي ذكروه، هل يستطيع الرب -جلَّ وعلا- أن يخلق صخرة لا يستطيع تفتيتها؟ نقول: إن كلمة يستطيع ولا يستطيع، جمع بين النقيضين وهو محال، والمحال ليس بشيء فلا يدخل في قوله: على كل شيء قدير، هو ليس بشيء أصلاً كما قرر ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله-، فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله، خالقه –سبحانه- لا خالق غيره ولا رب سواه، لا خالق غيره سبحانه ولا رب سواه، ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، الله -جلَّ وعلا- الخالق المتفرد بالخلق وهذه هي المرتبة الرابعة، المتفرد بالخلق، وفي هذا رد على القدرية الذين يزعمون..، القدرية النفاة الذين يزعمون ألا قدر، وأن الأمر أُنُف، وأن الإنسان يخلق فعله، ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين؛ لأن هذه أمور يحبها ويرضاها، وأمر بها وأرادها، واجتمعت فيها الإرادتان الكونية والشرعية فيمن تحققت فيه من المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا يحب الكافرين؛ لأنهم لم يحققوا الإرادة الشرعية وإن نفذت فيهم المشيئة الكونية ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، والفسق كما يطلق على المعاصي يطلق أيضًا على الكفر، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، لا يأمر بالفحشاء، لكنها قد تقع، وهل وقوعها معارض لقوله لا يكون في ملكه ما لا يريد؟ لا، تقع كونًا والا شرعًا؟

طالب: ..............

كونا، ولا يأمر بها ولا يحبها {ولا يرضى لعباده الكفر} ولا يحب الفساد، كل هذا تفصيل وتفريع على ما تقدم من أن المشيئة الكونية والإرادة الكونية لا بد من نفاذها، والإرادة الشرعية يحبها الله ويرضاها، لكن قد تتحقق وقد لا تتحقق لحكمة عظيمة، هنا الشيخ ابن مانع علق على الواسطية قال: الإرادة نوعان إحداهما الإرادة الكونية المستلزمة لوقوع المراد التي يقال فيها ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والثانية الإرادة الدينية الشرعية وهذه لا تستلزم وقوع المراد إلا أن يتعلق بها النوع الأول من الإرادة، يقول: وفي أوائل فتح المجيد بحث مفيد في الفرق بين الإرادتين فليراجعه طالب التحقيق، وعلى قوله: لا يحب الفساد، اعلم أن الذي عليه الأئمة المحققون ودل عليه الكتاب والسنة أن المشيئة والمحبة ليستا واحدًا ولا هما متلازمان، بل قد يشاء ما لا يحبه ويحب ما لا يشاء كونه، فالأول كمشيئته وجود إبليس وجنوده ومشيئته العامة لجميع ما في الكون مع بغضه لبعضه، والثاني كمحبته إيمان الكفار كمحبته إيمانَ الكفار وطاعات الفجار وعدل الظالمين وتوبة الفاسقين، ولو شاء ذلك لوُجد كله، فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، هنا الله -جلَّ وعلا- خالق الخلق سبحانه لا خالق غيره ولا رب سواه، وأمرهم بطاعته وطاعة رسله، وخلقهم وما يعملون، فهو الخالق لهم ولأعمالهم، هو الخالق لهم ولأعمالهم، والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم {والله خلقكم وما تعملون} والله خلقكم وما تعملون، صلى المصلي أو صام أو حج، الحج هذا هل هو من خلق أو ليس من خلق الله؟ لهذا العبد هو من خلقه؛ لأنه من فعل العبد، والله خلقه وخلق فعله، وهو أيضًا فعل العبد حقيقة لماذا؟ لأنه هو الذي باشره فينسب إليه أنه فعله حقيقة وهو فعل الله -جلَّ وعلا-؛ لأنه خالق الفاعل والميسر للأسباب فهو خالق حقيقة أيضًا، والعبد والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن وهو الكافر أيضًا، العبد هو المؤمن وهو الكافر أيضًا حقيقة؛ لأنه هو الذي باشر الإيمان وهو الذي باشر الكفر فينسب إليه حقيقة، والله -جلَّ وعلا- خلقه فهو كالآلة التي تفعل هذا الخلق، وأيضًا أقدره على ذلك وركب فيه من الأسباب ما يجعله يفعله ويستطيعه ويقدر عليه على سبيل التمثيل، وتعالى الله -جلَّ وعلا- عن الأمثال لكن للتقريب، لو أن إنسانًا استورد آلة كبيرة، آلة كبيرة صنعها غيره، استوردها من بلد بعيد، ثم هذه الآلة تصنع مصنوعات، تصنع مصنوعات، هذا الذي استورد هذه الآلة وجعل هذه الآلة تصنع هذه المصنوعات، هل هو الصانع لهذه الأمور أو صانعها الذي صنع الذي صنع؟.

طالب: ................

أيّهم؟ المستورد ما فعل شيئًا، ما صنع شيئًا، إنما الذي صنع هذه الآلة التي صنعها الأول، والآلة صنعت، فهذا من باب التقريب، وفيه مثال قد ينسب الفعل للمتسبب لا على سبيل الحقيقة، استوردت آلة طباعة واستوردت الورق والحبر والحروف وأدخلت هذه الأوراق وطبعت كتابًا، يعني لك أن تقول: أنا طبعت الكتاب، لكن هل بالفعل أنت طبعت الكتاب، أو الذي طبعته هذه الآلة؟ فصانع هذا الكتاب الذي صنع الآلة وصنع الورق وصنع الحبر، أنت ما لك إلا مجرد إدخال، وهذا ظاهر، فالله -جلَّ وعلا- خلق العباد حقيقة وخلق أفعالهم حقيقة؛ لأنه هو الذي أوجدهم، وهو الذي أقدرهم على الفعل، ومع ذلك ينسب الفعل إليهم حقيقة؛ لأنهم باشروه لأنهم باشروه.

طالب: ..................

يأتي هذا في تفصيل القول والفرق بين الجبرية والقدرية.

طالب: ..................

لحظة لحظة، الآن فرق بين أن تدخل هذه الأوراق وهذا الحبر وهذه الحروف في هذه المطبعة وتطبع لك، وبين أن تأتي بآلة تصوير مثلاً، آلة تصوير، وتدخل فيها ما تحتاج إليه، والآن ما تحتاج إلى إدخال، تطورت آلات التصوير فتضغط زرًّا فتصور ذات روح، تصور ذا روح مثلاً، هل يمكن أن تقول: إن الآلة هي التي صوّرت، أنا ما صنعت شيئًا، والذي صور هو الذي صنع هذه الآلة، نظير الآلة، نظير المطبعة؟

طالب: ................

مثل إيش؟

طالب: ................

الطابعة؟

طالب: ................

هو ينسب إليه باعتبار أنه باشر العمل باشر العمل، أو نقول: تسبب في العمل والمباشر غير مكلف؛ لأنه فرق بين أن يكون المباشر مكلَّف والمتسبب مكلَّف، فالفاعل حقيقة المباشر، وعليه جميع التبعات، لكن إذا كان المباشر غير مكلَّف والمتسبب مكلَّف فالفعل ينسب إلى المتسبب؛ ولذلك لو أن شخصًا أعطى طفلاً مسدسًا وقال: اقتل فلان، من القاتل؟ الذي أعطى، المباشر غير مكلف، فتعود التبعة على المتسبب، هذا الذي ضغط الزر على هذه في هذه الآلة وصوَّرت شيئًا محرمًا، من باشر الفعل غير مكلف، إذًا يعود إثمه على المتسبب الذي هو المكلف، ويبقى أن الفعل فعل الآلة، ونظير ذلك المسدس لو أنه ضغط أو همز ما يجعل المسدس يقتل مسلمًا، هل نقول: إن الذي قتله المسدس والا قتله من تسبب في قتل المسدس لهذا المسلم؟ فالمباشرة لا شك أنها تقضي على أثر التسبب إذا كان المباشر مكلفًا، أما إذا كان غير مكلف فإنه يعود الأمر إلى المتسبب، يعني حينما يقال مثلاً: النصوص -نصوص الوعيد- الواردة في التصوير شديدة جدًا، شديدة، جاء فيهم أنهم أشد الناس عذابًا، جاء اللعن، وجاء أنهم يقال لهم: أحيوا ما خلقتم، فكيف يقال هذا الوعيد الشديد على مجرد ضغطة زر؛ لأنه متسبب والمباشر غير مكلف، نظيره لو ضغط زر المسدس وقتل مسلمًا، هل يمكن أن يُقبل منه، لو قال: إن الذي قتله مسدس، والتنظير هنا مطابق أو غير مطابق؟ مطابق ولو كانت صنع آلة، لكن الآلة غير مكلفة، وهذه الآلة مثل المطبعة تطبع كتاب زندقة وكتاب إلحاد، وتطبع القرآن والسنة، فالمتسبب عليه التبعات، وله أيضًا الأجور المرتبة على الأعمال الصالحة الصادرة عن هذه الآلات، فيعود فتعود التبعة إلى المكلف، يعني مثلما لو أعطى المسدس طفلاً وقال: اقتل فلان، المباشر الطفل، لكن هل يمكن أن يؤاخذ الطفل، ما يمكن يؤاخذ من تسبب، فإذا كان المباشر غير أهل يعود، يعود الأثر على المتسبب، والعبد والمؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم هذه أمور تعود خلقوها أو فعلوها حقيقة، مع أن الله -جلَّ وعلا- خلقها حقيقة، وللعباد القدرة على أعمالهم ولهم إرادة، وللعباد القدرة على أعمالهم ولهم إرادة.

في هذا الباب زلت طائفتان: القدرية، وإذا أطلقوا يراد بهم النفاة الذين هم مجوس هذه الأمة كما جاء في بعض الأخبار، وسيأتي الكلام عنهم هؤلاء، يقولون: العبد يستقل بإرادته وبمشيئته، ولا سلطان لله عليه في هذا الباب، يستقل ويخلق فعله، ويقابلهم الجبرية؛ الجبرية يقولون: العبد مجبور، العبد مجبور، مادام مكتوب عليه أنه يكفر يمكن أن يتخلف عن هذا؟ ما يمكن، فهو مجبور وحركته فيما يفعل كحركة الشجر، ويقولون يستدلون بمثل {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، والآية في حقيقتها رد عليهم، وهي رد على الطائفتين، {وما رميت} هذا رد على من؟ على القدرية النفاة {إذ رميت} هذا رد على الجبرية أثبت لهم الرمي، {ولكن الله رمى} ويكون المعنى على هذا: وما أصبت إذا حدفت ولكن الله هو المصيب، أنت الآن فعلت الحدف، فيه أحد يمنعك من أن تأخذ حصاة وتلقيها على غيرك، ألا تستطيع أن تفعل هذا في يوم من الأيام، جرب واحد وما قدر؟ يوم من الأيام واحد أخذ حصاة وبيرميها وعجز، إذًا فيه قدرة، فيه حريّة يرمي أو لا يرمي؟ ففي هذا رد على الجبرية، لكن هل كل من رمى أصاب؟ لا، وفي هذا رد على القدرية.

ولهم إرادة والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم كما قال الله -جلَّ وعلا-: {لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين}، لمن شاء منكم أن يستقيم، أثبت لهم مشيئة، لكنها مشيئة تابعة لمشيئة الله -جلَّ وعلا- وإرادته؛ ولذا قال: وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين، الكفار يحتجون بالمشيئة على كفرهم، يحتجون بالمشيئة على كفرهم، هل قُبِل منهم هذا الاحتجاج؟ هل عذروا بهذا الاحتجاج؟ أبدًا، آدم -عليه السلام- احتج بالقدر، احتج بالقدر لما حاجه موسى -عليه السلام- لما قال له: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، أخرجتنا ونفسك من الجنة، ثم قال له: أنت موسى -كليم الله- كتب لك التوراة بيده إلى آخره، كم ترى أن الله قد قدر علي هذا قبل أن أخلق قال بكذا وكذا، فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى، الآن آدم لما احتج بالقدر هل يحتج به على المعصية أو على المصيبة الناتجة عن هذه المعصية؛ لأن المعصية محا أثرها بالتوبة، زال أثرها بالتوبة، التوبة تهدم ما كان قبلها، الله -جلَّ وعلا- تاب عليه وقبل توبته، فزال أثر المعصية فبقيت المصيبة التي هي من أثر هذه المعصية، فالمصيبة يُحتج عليها بالقدر، لو أن إنسانًا سرق أو زنى فقيل له، فقال: والله أنا كتب علي، كتب الله علي أنه يزني أو يسرق، هذا لا يقبل منه، لكن لو وقع عليه سقف أو جدار وانكسرت رجله وقيل له: أين أنت؟ كيف ما أخذت حذرك؟ ليش ما احتطت لنفسك؟ له أن يقول: هذا شيء كتبه الله علي؛ لأنه ليس بمقدوره الفرار من هذا القدر.

الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ألَّف كتابًا عظيمًا في الباب اسمه خلق أفعال العباد، ويرد بهذا على القدرية، وعرفنا أنه يندرج في هذا الاسم المعتزلة والإمامية وبعض الطوائف الأخرى، ويقابلهم في هذا الجبرية ويرد عليهم الشيخ -رحمه الله تعالى-، وللعباد القدرة على أعمالهم ولهم إرادة، والمعلق الشيخ ابن مانع -رحمه الله- قال: أي فليس بمجبر على أعماله؛ لأنه يعملها بإرادته واختياره فيثاب على الطاعة ويستحق العقاب على المعصية؛ لأن فيه حرية وفيه اختيار، لكن ليست حرية مطلقة كما يقول المعتزلة، إنما هي حرية مقيدة بإرادة الله -جلَّ وعلا- ومشيئته {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين}، ويستحق العقاب على المعصية، وما أحسن قول ابن عدوان -ناظم هذه العقيدة- حيث قال:

وللعبد يا ذا قدرة وإرادة

 

على العمل افهم فهم غير المبلد

فيفعل يا ذا باختيار وقدرة

 

وليس بمجبور ولا بمضطهّد

هذه الدرجة من القدر يقول الشيخ -رحمه الله تعالى-، ويقصد بها الثانية بنوعيها، يكذب بها عامة القدرية، يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي -صلى الله عليه وسلم- مجوس هذه الأمة، والحديث الوارد في تسميتهم مجوس هذه الأمة لا شك أن جميع طرقه لا تسلم من مقال؛ ولذا حكم جمع من أهل العلم عليه بالضعف وأنه لا يثبت بهذا اللفظ، ومن أهل العلم من يرى أنه لكثرة طرقه وتعددها وتباينها أنه يدل على أن له أصلاً، وبعضهم يحسنه، وجه الشبه بين القدرية والمجوس أنهم أثبتوا خالق مع الله -جلَّ وعلا- كقول المجوس أنهم يثبتون خالقين، وهؤلاء يثبتون مع الله -جلَّ وعلا- خالقًا يخلق فعله، والخالق هو الله -جلَّ وعلا- وحده لا شريك له، مجوس هذه الأمة.

ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات -إثبات القدر -ويريد بهم الجبرية-، حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها، يقولون: الله -جلَّ وعلا- كما أمر بالإيمان له أن يأمر بالكفر من غير فرق، كما أمر بالإيمان له أن يأمر بالكفر، ولا فرق بين أن يقال: آمنوا وبين أن يقال: اكفروا؛ لأن العبد آلة، العبد مثل الآلة مجبور مثل الآلة الطابعة التي تودع فيها الكتاب النافع والكتاب الضار، ما عليها لوم، هل تلام الآلة حينما يطبع فيها كتاب إلحاد؟ وهل تمدح إذا طبع فيها مصحف مثلاً؟ هو مثل الآلة، سواء قيل له: آمن أو قيل له: اكفر، لكن هل بالفعل أن المكلَّف مثل الآلة؟ ولا المجانين يقولون مثل هذا الكلام؟ ولا المجانين يقولون مثل هذا الكلام؟ هل الإنسان إذا أراد القيام ينتظر الأمر أو ينتظر أن يفك أو ينشق من عقاله حتى يقوم؛ لأنه عاجز عن هذا العمل؟ هو لديه الاختيار ولديه الحرية في أن يقوم أو لا يقوم، لديه حرية أن يصلي أو يترك الصلاة، هذه حرية اختيار، لكن لكل عمل تبعته الشرعية، فإن صلى أجر على صلاته وبرئ من عهدة الواجب، وإن تخلَّف عن الصلاة أثم وعوقب على تفريطه، لأنا..، مثلما ذكرنا سابقًا لو أن إنسان أخذ حجرًا وأراد أن يرميه، فيه ما يمنعه من أن يرمي؟ ما في ما يمنع، وذكرنا أنه هل جرب واحد منا مرة في عمره أنه أراد أن يقذف ما استطاع؟ إذًا حركاته تابعة لحريته واختياره، ومع أن اختياره وحريته ومشيئته وإرادته كلها لا تخرج عن مشيئة الله -جلَّ وعلا-.

ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات..، المعلق هنا علق تعليق في غير موضعه قال: من أهل الإثبات أي: لأنهم أثبتوا خالقًا لما اعتقدوها شرًا غير الله، هذا الكلام صحيح؟ ليس هذا موضعه يغلو فيها قوم من أهل الإثبات يعني الجبرية، والذين أثبتوا خالقًا لما اعتقدوه غير الله هم القدرية، ثم قال: قال شيخ الإسلام في التدمرية: إن من الناس من جعل بعض الموجودات خلقًا لغير الله كالقدرية وغيرهم، لكن هؤلاء يقرون بأن الله خالق، بأن الله خالق العباد وخالق قدرتهم، وإن قالوا: إنهم خلقوا أفعالهم، يقول ابن القيم في النونية:

فالناس كلهمو أقروا أنه

 

هو وحده الخلاق ليس اثنان .

إلا المجوس فإنهم قالوا بأن  

 

الشر خالقه إله ثاني          .

ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، ويُخرِجون عن أفعال الله وأحكامه حكَمها ومصالحها، يعني هل تشريع الصلاة، له حكمة ومصلحة؟ على القول الصحيح له حكمة ومصلحة، طيب الصيام له حكمة ومصلحة والا لا؟ له حكمة وحكم عظيمة {لعلكم تتقون}، كذلك جميع ما أمر الله به -جلَّ وعلا- له حكمة ومصلحة، ومنها ما علمنا حكمته، ومنها ما لم نعلم ولم نطلع عليه، وجميع ما نهى الله -جلَّ وعلا- عنه وأمر بالكف عنه نظرًا لمصالح العباد، وأهل السنة يتوسطون في هذا، ويقولون: نعم لها حكم ومصالح ولا تُنكر هذه خلافًا للجبرية، وهذه الحكم وهذه المصالح إنما هي من فضل الله -جلَّ وعلا- لا إلزامًا ولا إيجابًا على الله -جلَّ وعلا- كما تقوله المعتزلة الذين يوجبون رعاية الأصلح على الله -جلَّ وعلا-، نعم، الله -جلَّ وعلا- شرع الشرائع لمصالح الخلق، لكنه من فضله تفضل بهذه المصالح ورعاها، وقرر الأحكام على ضوئها، خلافًا للجبرية الذين ينزعون هذه الحكم وهذه المصالح، وخلافًا للمعتزلة الذين يوجبون هذه الحكم وهذه المصالح على الله -جلَّ وعلا-، فالجبرية حينما يقولون: لا فرق بين أن يقول الله -جلَّ وعلا-: آمن وبين أن يقول: اكفر، إذا كان لا فرق هناك مصلحة من هذا أو ذاك؟ ليس هناك مصلحة، إنما هو مجرد الاختبار في الامتثال، مجرد الاختبار في الامتثال، يعني لا فرق بين أن يقول: كُل الحيات والعقارب، وبين من يقول: كل من الطيبات، ما فيه فرق عندهم، وبهذا تكون الشرائع كلها لا مصالح فيها ولا حِكَم، إنما هي مجرد أوامر من امتثلها أثيب ومن خالفها أثم، لكن يبقى أنهم من لازم قولهم: إن من امتثل ومن عصى لا يثاب ولا يعاقب؛ لأنه مجبور، يعني إذا كان الرازي في تفسيره يقرر مذهب الجبرية، فهل يرى أن تارك الصلاة لا يأثم؟ ما يرى أنه ما يأثم، إذًا كيف الإنسان مجبور، ومع ذلك يأثم إذا ترك الصلاة؟ يعني من لازم قول الجبرية أنّه لا يأثم، وصرَّح بذلك غلاتهم، غلاتهم من الجهمية صرحوا بهذا، وأنه لا فرق بين طاعة ومعصية؛ لأنها كلها مكتوبة على الإنسان والإنسان مثل الآلة، مثلما قلنا في مكينة الطباعة تدخل مصحف والا تدخل كتاب زندقة والا إلحاد ما فيه فرق، مجبورة الآلة، والإنسان مثلها على قولهم -على قول غلاة الجبرية- يقولون: أبدًا لا إثم ولا أجر، هذا إذا أثبتنا الإثم قالوا: إنه ظالم كيف يجبر على شيء، ثم بعد ذلك يعذبه عليه، لكن يبقى أنه هذا لازم مذهبهم أنهم..، أنه لا يعاقب من كفر، يجب ألا يعاقب من كفر، لماذا؟ لأنه لو عاقبه لكان ظالمًا له، لكن هل يقولون بهذا لا سيما مثل الرازي، ما يقول بمثل هذا، نعم غلاتهم لا فرق الذين وصل بهم الأمر إلى وحدة الوجود، هؤلاء الخير والشر واحد، عندهم أفجر الناس وأصلح الناس واحد، عندهم كل كلام في الوجود كلامه، وكل هذه الأفعال مما جبر عليها الخلق وقدَّرها عليهم وكتبها ولا مفر منها، والإنسان حركته في هذه الأفعال المأمور بها والمنهي عنها إنما هو كورق الشجر، وإذا كان بهذه المثابة فإنه لا يستحق ثوابًا ولا عقابًا، لكن توسّط أهل السنة فخالفوا القدرية الذين غلوا في النفي، وخالفوا أيضًا القدرية المثبتة الذين غلوا في الإثبات وتوسطوا وهم وسط بين الفرق كلها في جميع أبواب الدين، كما أن الأمة وسط بين الملل السابقة.

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.

المعلم في المدرسة أو من يقتدي به، هل له أن يظهر شيئًا من العبادات بقصد أن يقتدي به من هو أقل منه في السن، أو أقل منه في العلم؟

الأصل في العبادات لا سيما النوافل أنها تخفى؛ لأنه أقرب إلى الإخلاص، لكن إذا ترتب على إعلانها مصلحة كأن يكون الشخص ممن يقتدى به ويلتفت إليه أو يتهم، بحيث إذا ترك الإعلان عن هذه العبادات أنه يتركها بالكلية، فإذا أظهرها أحيانًا فهو أفضل.

هذا مقال في جريدة يقول عنوانه: الإغلاق للصلاة، الدين لا يعطل الحياة، والسائل الذي أورد أو أحضر هذا المقال يقول: هل إغلاق المحلات له دليل، أم أنه تابع للمصلحة؟

إغلاق المحلات لا يتم الواجب إلا به؛ لأن الواجب أداء الصلاة جماعة حيث ينادى بها، حيث ينادى بها، يعني في المساجد، فإذا كانت الصلاة مع الجماعة في المساجد واجبة كما أكد ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- في قوله للأعمى: «أتسمع النداء؟» قال: نعم، قال: «أجب، لا أجد لك رخصة»، فإذا كانت واجبة على الأعيان، فإن السعي إليها واجب، ومن لازمه إغلاق المحلات؛ لأنه مما لا يتم الواجب إلا به، ولو فرض أن شخصًا قال: أنا أذهب إلى المسجد، لكنني لست ملزمًا بإغلاق المحل، أتركه مشرعًا مفتوحًا وأعرِّضه وأتحمل المسؤولية، لكني لا أغلقه، فهل المقصود إغلاق المحل أو المقصود أداء الصلاة جماعة مع المسلمين حيث ينادى بها؟ المقصود أداء الصلاة، لكن مثل هذا -أعني ترك المحل مفتوحًا- لا شك أنه يوقع في لبس، يوقع في لبس، وكل شيء يوقع في لبس ويخلط الحق بالباطل يجب منعه؛ درءًا للمفاسد، ولذا وزارة الداخلية في هذه البلاد المباركة قبل دخول شهر رمضان بأيام تصدر بيانًا تمنع فيه غير المسلمين من الأكل والشرب في نهار رمضان علنًا، كل هذا لئلا يتذرع بذلك ويستتر ويتستر بذلك من يأكل ويشرب من المسلمين، وكل عمل يختلط فيه الحق والباطل فلا بد من منعه، وإلا قد يقول قائل: أنا أتحمل المسؤولية، دعوا المحل يسرق، لكن أنا ماني بقافله، وأنا أذهب إلى المسجد وأصلي وأتركه مفتوحًا، لكن هذا لا شك أنه يكون فيه لبس على الناس، ولا يمنع من أن يوجد من أن يدخل المحل يشتري منه، لا سيما وأن البضائع عليها الأسعار ويكون مشغلة لمن يدخل ومانع لهم من أداء الصلاة مع الجماعة، وقد يختفي به من يختفي، من يريد الاختفاء عن أنظار رجال الحسبة، ولا شك أن القول المفتى به وهو الصحيح الذي تؤيده الأدلة وجوب صلاة الجماعة في المسجد حيث ينادى بها، فلا بد من أن تصلى جماعة في المساجد -وأعني بذلك الذكور-، وأما النساء فليس عليهن جماعة، قد يقول قائل: لماذا لا يؤذن للنساء تفتح المحلات أثناء الصلاة؟ أولاً أن هذه المهن هي مهن الرجال وليست مهن النساء، والمرأة مطالبة بالقرار في بيتها {وقرن في بيوتكن} وقد يوجد أعمال لا تليق بالرجال، وإنما يقوم بها النساء لا مانع منها مع الضوابط والحدود الشرعية، والنظر في سير سلف هذه الأمة، ولن يَصلُح آخر هذه الأمة إلا بما صَلَح به أولها، والله المستعان.

يقول: كان الخبر الذي صدر عن مجلس الشورى في بعض الصحف يوم الاثنين الماضي يقضي بتحديد مواعيد العمل في المحلات التجارية..

يقول: كان الخبر الذي صدر عن مجلس الشورى في بعض الصحف يوم الاثنين الماضي يقضي بتحديد مواعيد العمل في المحلات التجارية؛ حيث وافق مجلس الشورى على مشروع نظام تحديد ساعات العمل في المحلات التجارية، والذي يتكون من خمس عشرة مادة، وتؤكد المادة الرابعة منه على أن يكون يوم العمل في فصلي الشتاء والخريف من الساعة السادسة صباحًا حتى ينتهي الساعة العاشرة مساء، أما في فصلي الصيف والربيع فيبدأ العمل من السادسة صباحًا وينتهي الساعة الحادية عشرة مساء، مع بعض الاستثناءات لمدينتي مكة والمدينة، وبعض المحلات ذات الطبيعة الخاصة.
على كل حال هذه أمور تنظيمية يقصد منها فيما يظهر لنا -والله أعلم- المصلحة، لكنها محدودة بضوابطها الشرعية مهما كانت الأنظمة في المصلحة في بادئ الأمر إلا أنها لا تقدَّم على الأحكام الشرعية، والخير كل الخير في اتباع من سلف.

يقول: هل يصح ما ثبت من الأثر؟

يصح ما ثبت! يسأل: هل يصح ما ثبت؟! تناقض هذا مادام ثبت فهو صحيح، يعني ما رُوي من الأثر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما سأله منكر ونكير، قال: بل أنتما من ربكما؟ هذا لا أعرف شيئا، والذي يغلب على الظن أنه لا يصح.