كتاب بدء الوحي (101)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يسأل يقول: المرجو من طالب العلم والمؤمل فيه أن يكون دقيقًا فيما يكتب؛ لأنه يقول: هل الأخضر حي إلى الآن؟

هو يريد الخضر، ما فيه شك أنه يريد الخضر، لكن على الإنسان أن يتحرى في كتابته، وينظر ما يكتب، هذا المأمول من طالب العلم.

 وهل صحيح أنه يحجُّ كل عام، وقابله بعض السلف؟

قول الأكثر من أهل العلم أنه باقٍ، وأنه حضر تعزية بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ودليل ذلك قصص، ورؤى، ومنامات، هذا قول لعله يكون قول أكثر أهل العلم، لكن مع ذلك الأدلة الصحيحة واختيار أهل التحقيق من أهل العلم أنه مات، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أدركه، مات قبل البعثة بلا شك، وأدلةٌ كثيرة ذكرها أهل العلم، ولشيخ الإسلام -رحمه الله- رسالة، وفي الفتاوى رسالتان: إحداهما على ما يختاره ما عُرف عنه، وأنه قد مات.

والثانية إما أن تكون مما كتبه شيخ الإسلام قديمًا، أو أنها ليست من كلامه، فيها ما يدل على أنه باقٍ.

وعلى كل حال لا يوجد دليلٌ صحيح تثبت به الحجة على أنه باقٍ، إنما هي قصص، يقول فلان إنه رأى الخضر بعرفات، والثاني يقول: رأيته ببيت المقدس، والثالث يقول: رأيته في عصور متباينة من هذه الأمة. ومنامات أيضًا رؤيا في المنام، سُمع صوته يعزي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يُر شخصه، كل هذه لا يثبت بها شيء، لا يثبت بها شيء.

يقول: وجدنا صورة في الإنترنت يقصد لي، هل تأذنون باستخدامها؟

لا، لا آذن باستخدامها، ولا أُجيز من يتداولها ولا من يصوِّر من جديد، هذه أخذت على غفلة، وتداولوها في بعض الوسائل.

لماذا بدأ الإمام البخاري كتابه بالبسملة دون الحمدلة؟ هذه وقفنا عندها طويلاً في أول الكتاب.

طالب:...

نعم، أقول لك احتمال أني وهمت، وجمعت بينها وبين همّام بن منبه بن ماتع، نعم نفس الشيء. تذكرت فيما بعد.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فما زلنا في أطراف الحديث الطويل الذي أتممنا في شرحه كم؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

كيف؟

طالب:...

الموضع التاسع: في كتاب الأدب، في باب: صلة المرأة أمها، ولها زوجٌ في كتاب الأدب في باب صلة المرأة أمها ولها زوج، قال -رحمه الله-: حدثنا يحيى بن بُكير قال: حدثنا الليث عن عُقيلٍ عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه فقال: فما يأمر؟ يعني النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال: يأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة. يعني صلة الرحم، ومنها صلة المرأة أمها، وهذه مطابقة الحديث للترجمة، وأصرحُ من هذا الحديث حديث أسماء: (إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال: «نعم صلي أمك»)، هذا صريح، وقد أورده البخاري في الباب نفسه.

 قال ابن حجر: قوله: باب صلة المرأة أمها ولها زوج ذكر فيه حديثين: أحدهما حديث أبي سفيان مع أنه الثاني في الباب، هو الثاني في الباب، قال: أحدهما حديث أبي سفيان في قصة هرقل، وأخّر حديث أسماء في الذكر وإن كان في الصحيح هو المتقدم؛ لأنه هو موضوع الباب الذي قبله، يعني البخاري ذكره ببابين متواليين، ذكره في باب مستقل، ثم ذكره في صدر باب الترجمة التي ذكرناها. أحدهما حديث أبي سفيان في قصة هرقل، أورد منها طرفًا وهو قول أبي سفيان: يأمرنا –يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة، وقد تقدَّم شرحه مستوفى في أول الصحيح، وذكرتُ كثيرًا من فوائده أيضًا في تفسير آل عمران.

 يقول ابن حجر: والمراد منه ذكر الصلة، فيؤخذ منه حكم الترجمة من عمومها، عموم الصلة، في قوله: والصلة يشمل الأم وغير الأم، والحديث الثاني هو حديث أسماء بنت أبي بكر: (إن أمي قدمت وهي راغبة، قال: «نعم صلي أمك») ورجاله تقدموا رجال هذا الموضع تقدموا في المواضع السابقة.

والموضع العاشر: في كتاب الاستئذان في باب كيف يُكتب إلى أهل الكتاب؟ كتاب الاستئذان كيف يُكتب إلى أهل الكتاب؟ علاقة الكتابة بالاستئذان، كتاب الاستئذان كيف يُكتب إلى أهل الكتاب؟

يعني مطابقة الحديث للترجمة واضحة، كيف يُكتب إلى أهل الكتاب لكن استئذان، أن كلاًّ منهما يُبدأ السلام عليكم، إن كان من هذه الحيثية أم لا. السلام على من اتبع الهدى سلام كيف يكتب، كيف يُبدأ بالسلام لا إشكال، والمستئذن يقول: السلام عليكم، أأدخل؟ يعني فيه وجه شبه من هذه الحيثية، لكن فيها بُعد. يعني كأن الكاتب يستأذن المكتوب إليه ليبلغه ما يريد، مبتدئًا بالسلام. يقول: قال -رحمه الله-: حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن قال: أخبرنا يونس عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس -رضي الله عنهما- أخبره أنا أبا سفيان بن حربٍ أخبره أن هرقل أرسل إليه في نفر من قريش، وكانوا تجارًا بالشام فأتوه، فذكر الحديث. قال: ثم دعا بكتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقُرئ فإذا فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد).

 يقول ابن حجر: قوله بابٌ كيف يُكتب إلى أهل الكتاب؟ ذكر فيه طرفًا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل، وهو واضحٌ فيما ترجم له، يعني الترجمة التي هي الباب مطابقة الحديث لها ظاهرة، كيف يُكتب لأهل الكتاب، أو إلى أهل الكتاب، كيف هي موجودة في كتابه -عليه الصلاة والسلام- إلى هرقل، لكن الإشكال في مطابقة الترجمة الصغرى للترجمة الكبرى.

 قال ابن بطال: فيه جواز كتابة بسم الله الرحمن الرحيم إلى أهل الكتاب وتقديم اسم الكاتب وتقديم اسم الكاتب على المكتوب إليه، قال: وفيه حجة لمن أجاز مكاتبة أهل الكتاب بالسلام عند الحاجة؛ لأنه كتب إلى هرقل وهو من أهل الكتاب وفي كتابته السلامُ، فيه حجة لمن أجاز مكاتبة أهل الكتاب بالسلام عند الحاجة.

 قلت –ابن حجر- : في جواز السلام على الإطلاق نظر والذي يدل عليه الحديث السلام المقيد مثل ما جاء في الخبر: السلام على من اتبع الهدى، أو السلام على من تمسك بالحق أو نحو ذلك، وقد تقدَّم نقل الخلاف في ذلك أوائل كتاب الاستئذان، من الرجال الذين وردوا في السند ولم يتقدم لهم ذكر.

طالب:...

إذا قيل من؟ قال: فلان، ولذلك عاتب على من قال: أنا، هذا أيضًا من وجوه هذه من الوجوه.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

وإنما جُعل الاستئذان...

طالب:...

نعم. من أجل النظر أو لغض البصر، أو ما أشبه ذلك، المقصود أن المناسبات قد تكون من أكثر من وجه، لكن ليس فيها من الوضوح ما يُدرك لأول وهلة، من الرجال الذي وردوا في إسناد هذا الطريق محمد بن مقاتل أبو الحسن الكسائي المروزي، نزيل بغداد ثم مكة، من العاشرة، مات سنة ستٍ وعشرين يعني ومئتين، ومنهم أيضًا عبد الله؛ لأنه يقول: حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن قال: أخبرنا عبد الله، وهو عبد الله بن المبارك المروزي، مولى بني حنظلة، ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، جُمعت فيه خصال الخير من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين، يعني ومئة، وله ثلاثٌ وستون سنة.

طالب:...

نعم، لكن السلام المعروف بين المسلمين، ما هو بالسلام على من اتبع الهدى.

طالب:...

ما فيه ما يمنع؛ لأنه ليس سلامًا عليه؛ لأنه ما اتبع الهدى، يعني ما بدأته بالسلام.

الموضع الحادي عشر في كتاب الأحكام: باب ترجمة الحكام، وهل يجوز تُرجمانٌ واحد، وهل يجوز تُرجمانٌ واحد؟ باب ترجمة الحكام، وهل يجوز تُرجمانٌ واحد؟ قال -رحمه الله-: أخبرنا حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أخبره أن أبا سفيان بن حربٍ أخبره أن هرقلَ أرسل إليه في ركبٍ من قريش، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائلٌ هذا، فإن كذبني فكذبوه، فذكر الحديث، فقال للتُرجمان: قل له إن كان ما تقول حقًّا فسيملك موضع قدمي هاتين، وهل يجوز تُرجمانٌ واحد؟ يعني الخبر فيه ترجمان واحد.

 قال ابن حجر: قوله: باب: ترجمة الحكام، وفي رواية الكشميهني: الحاكم بالإفراد، قال: وهل يجوز ترجمانٌ واحد؟ يشير إلى الاختلاف في ذلك، ومنشأ الخلاف في الترجمة، هل هي ملحقة بالخبر أو ملحقة بالشهادة؟ المترجِم يخبر أو يشهد؟ يخبر عمن يترجم عنه أو يشهد على من يترجم له؟

طالب:...

كيف؟

طالب:...

يشهد يكفي واحد أم اثنان؟ لأن ما يترتب على ذلك يختلف، فإن قلنا يخبر يكفي واحد، وإذا قلنا يشهد فلا بد من اثنين، وهل يجوز قوله: وهل يجوز ترجمانٌ واحد؟ يشير إلى الاختلاف في ذلك فالاكتفاء بالواحد قول الحنفية، فالاكتفاء بالواحد قول الحنفية، ورواية عن أحمد، واختارها البخاري وابن المنذر وطائفة، ونحتاج إلى الحنفية؛ لأن البخاري -رحمه الله تعالى- قال في الباب نفسه قبل أن يذكر حديث ابن عباس قال: وقال أبو جمرة: كنتُ أترجمُ بين ابن عباس وبين الناس، كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس، وهذا ذكره البخاري في كتاب العلم، وأن ابن عباس قال له: أقم عندنا، وصار يترجم بينه وبين الناس، والترجمة هذه هي مجرد تبليغ كلام ابن عباس بحروفه، وليست نقلًا من لغة إلى لغة؛ لأن الناس كثروا عند ابن عباس، فاحتاج إلى من ينقل كلامه، فكان أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي هو الذي يبلغ كلامه، سماه ترجمة؛ لأنه إيضاح وبيان لكلام ابن عباس لمن لم يسمعه.

ثم قال بعد ذلك: وقال بعض الناس وقال بعض الناس: لا بد للحاكم من مترجمين، لا بد للحاكم من مترجمين. بعض الشُرَّاح يقول: إن البخاري يريد بقوله: بعض الناس في جميع الصحيح الحنفية، يقول: إن المراد ببعض الناس في صحيح البخاري هم الحنفية، وأُلِّف في هذا رسالة من بعض شيوخ الهند، وكأن الكرماني أشار إلى هذا في بعض المواضع، وأن المراد ببعض الناس الحنفية. وقال بعض الناس: لا بد للحاكم من مترجمين، وهنا يقول: يشير إلى الاختلاف في ذلك، فالاكتفاء بالواحد قول الحنفية، فهل المراد ببعض الناس الحنفية؟

طالب:...

أين؟

طالب:...

سيأتي هذا محمد بن الحسن، لكن قول محمد بن الحسن هو قول الحنفية؟

طالب:...

هنا يقول ابن حجر: فالاكتفاء بالواحد قول الحنفية، ورواية عن أحمد، واختارها البخاري وابن المنذر وطائفة على أن الترجمة إخبار، والخبر يكفيه الواحد، وقال الشافعي وهي الرواية الراجحة عند الحنابلة: إذا لم يعرف الحاكم لسان الخصم لم يُقبَل فيه إلا عدلين أو لم يَقبل فيه إلا عدلين لم يُقبَل فيه إلا...

طالب:...

عدلان هذا الإشكال. كل الطبعات فيها عدلين؟ الطبعات التي معكم من الفتح؟ أو عدلان؟ لكن ما معكم الظاهر الثالث عشر ما هو معكم.

طالب:...

نعم، لم يَقبل إلا عدلين صحيح، لكن هل الكلام عمن يترجم عنه لم يَقبل أم لم يُقبَل في الحكم؟

طالب:...

وقال الشافعي وهي الرواية الراجحة عند الحنابلة: إذا لم يعرف الحاكم لسان الخصم فلا يَقبَل أو لم يَقبل فيه إلا عدلين؛ لأنه نقلُ ما خفي على الحاكم إليه فيما يتعلق بالحكومة فيشترط فيه العدد كالشهادة، ولأنه أخبر الحاكم بما لم يفهمه فكان كنَقل الإقرار إليه من غير مجلسه، لم يقبل الحاكم.

 المقصود أنه تبيّن لنا أن البخاري لا يطرد كلامه ومراده في بعض الناس أنه يريد الحنفية؛ لأن ما نسبه إلى بعض الناس مختلف عما هو معروف عند الحنفية.

طالب:...

نعم، قد يكون قول أحد الصاحبين، وقد يكون اختيارًا لبعض أرباب الوجوه في المذهب، لكن ما هو بقول الحنفية، ليس بقول الحنفية.

طالب:...

مثل ما عندنا، مثل ما عندنا، الحنفية يكتفون بواحد، وهو اختيار الإمام البخاري -رحمه الله-، أنا ما راجعته، لا هي المسألة مسألة ..... في كثير، تتردد في الكتاب: وقال بعض الناس، تتردد كثيرًا قال بعض الناس، ولا يُصرِّح بهم الإمام البخاري، ويرى بعض الشُرَّاح وبعض من له عناية في الصحيح أنهم الحنفية، ويُكني عنهم ولا يسميهم؛ لبُعد الفرق بينه وبينهم، لبُعد الفرق بينه وبينهم لاعتمادهم على الرأي واعتماده على الأثر، هكذا قالوا.

طالب:...

والله توجد رسالة لأحد علماء الهند، ثم ذكر طرفًا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل، وقد أخرجه في بدء الوحي بهذا السند مطولاً والغرض منه قوله: ثم قال لترجمانه: قل له، قل له إلى آخره، قال ابن بطال: لم يُدخِل البخاري حديث هرقل. هنا يقول ابن حجر: وقال بعض الناس لا بد للحاكم من مترجمين، نقل صاحب المطالع أنها رويت بصيغة الجمع وبصيغة التثنية، ووجه الأول بأن الألسنة قد تكثر، فيحتاج إلى تكثير المترجمين، قلتُ: والثاني هو المعتمد، التثنية، والمراد ببعض الناس محمد بن الحسن، فإنه الذي اشترط أنه لا بد في الترجمة من اثنين ونزلها منزلة الشهادة، وخالف أصحابه الكوفيين، ووافقه الشافعي فتعلّق بذلك مغلطاي فقال فيه ردٌّ لقول من قال: إن البخاري إذا قال: بعض الناس إذا قال: قال بعض الناس يريد الحنفية، وتعقبه الكرماني فقال: يحمل على الأغلب، أو أراد هنا ببعض الحنفية أو أراد هنا بعض الحنفية؛ لأن محمدًا قائلٌ بذلك، ولا يمنع ذلك أن يوافقه الشافعي كما لا يمنع أن يوافق الحنفية في غير هذه المسألة بعض الأئمة.

قال ابن بطال: لم يُدخِل البخاري حديث هرقل حُجةً على جواز الترجمان المشترك؛ لأن ترجمان هرقل كان على دين قومه، وإنما أدخله ليدلّ على أن الترجمان كان يجري عند الأمم مجرى المُخبِر أو الترجمة تُجرى عندهم مجرى الخَبر لا مجرى الشهادة. لكن كون الترجمان وهذه أشرنا إليها في موضعها، غير ثقة؛ لأنه ليس بمسلم والكافر ليس بثقة، هل تقبل ترجمته؟ هل تقبل ترجمته؟

طالب:...

هو خبر وليس بثقة، ليس ممن يُقبل خبره.

طالب:...

هو بين يدي من يترجِم له، لكن من يترجِم له لا يعرف اللسان المنقول إليه، فقد يُترجِم خطأً، وقد حصل لبعض أهل العلم أن ألقى محاضرة في العقيدة، فترجمها مترجِم يختلف معه في بعض مسائل الاعتقاد وحرّف في الكلام، وحرّف في الكلام، فهل نقول: إن هذا الترجمان حرّف في كلام هرقل؟ لأن هرقل لا يعرف العربية؟

طالب:...

خشية أن يُكتشَف فيُبطَش به صحيح، ممكن أن يحرّف عند عالم، لكن ما يُحرِّف عند حاكم، وقال ابن المُنيِّر: وجه الدليل من قصة هرقل مع أن فعله لا يحتج به أن مثل هذا صوابٌ من رأيه؛ لأن كثيرًا مما أورده في هذه القصة صوابٌ موافقٌ للحق، فموضع الدليل تصويب حملة الشريعة لهذا وأمثاله من رأيه وحسن تفطنه ومناسبة استدلاله، وإن كان غلبة عليه الشقاوة. انتهى.

الآن لما تسمع كلام كافر غير ثقة أو فاسق في الأصل خبره ليس بصحيح، لا يُقبل خبره، لكن إذا كان خبره طابق الواقع يعني ما خالف الواقع، أو شهد لعدوه، وهو ما هو بثقة، شهد لعدوه؛ لأن مردّ الشهادة إلى التهمة وعدمها، مردّ الشهادة قبولاً وردًا إلى التهمة وعدمها، فلذا تقبل شهادة الولد والوالد على ولده أو والده، لكن لا تقبل له، وهكذا لوجود التهمة، وانتفائها في الشهادة عليه، هذا كلام وافق الحق، وتلقاه حملة الشريعة، فيُقبل من هذه الحيثية، يعني النفس تركن إليه وتجزم بصدقه، لكن لو كان كلامه مخالفًا، ترجمته مخالفة لما استقرّ عند حملة الشريعة ما قُبِل، يقول ابن حجر: وتكملة هذا أن يقال: يؤخذ من صحة استدلاله فيما يتعلق بالنبوة والرسالة أنه كان مطلعًا على شرائع الأنبياء، فتُحمل تصرفاته على وفق الشريعة التي كان متمسكًا بها، كما سأذكره من عند الكرماني، والذي يظهر لي أن مستند البخاري تقرير ابن عباس، وهو من الأئمة الذين يُقتدى بهم على ذلك، ومن ثمة احتج باكتفائه بترجمة أبي جمرة له.

 يعني ما وجه الشبه بين ترجمة هذا الترجمان وبين ترجمة أبي جمرة بين يدي ابن عباس؟ هذا من لغة إلى لغة وهذا في لغة واحدة.

طالب:...

هذا لم يسمع، وهذا لم يفهم، لكن الفرق بينهما أن المترجِم يبلغ كلامًا لا يفهمه المتكلِم. والمترجِم من اللغة نفسها المتكلِم يسمع الكلام ويفهمه، لو أن أبا جمرة حرّف في كلام ابن عباس يتردد ابن عباس في الرد عليه؟ لكن إذا كان من لغة إلى لغة قد يُحرِّف والمتكلم يسمع، لكن ما يفهم.

طالب:...

لا بد أن يسمع كيف يسمع ذاك وهو ما يسمع؟

طالب:...

نعم، متأخر افترض أن عند الباب يبلغ الذي بالشارع، هو يسمع كلام ابن عباس، وابن عباس يسمع كلامه، وقل مثل هذا في المستملي في مجالس الحديث إذا كثرت الجموع يتخذ المحدثون المستملين الذين يبلغون كلامهم.

 قال ابن حجر: فالأثران راجعان لابن عباس، الأثران راجعان لابن عباس، يعني قبول المترجِم الواحد في قصة هرقل، واكتفاء ابن عباس في ترجمة أبي جمرة لكلامه. فالأثران راجعان له، أقرّ في حديث هرقل، واعتمد في حديثه هو، فالأثران راجعان لابن عباس أحدهما من تصرفه وترجمة أبي جمرة لكلامه، والآخر من تقريره، أو العكس؟

طالب:...

لماذا؟

طالب:...

من هو؟

طالب:...

المقصود أنه أقرّ ما اعترض.

طالب:...

من هو؟ لكن ما تعقّب.

طالب:...

ويخاطب أبا سفيان. لا، ما جزم حتى هذه فدليل على القول بترجمة الواحد؛ لأن المسألة مسألة الترجمة وما هو بالتردد في الخبر المسألة قبول الواحد في الترجمة، والمترجِم ترجمها حتى الشك ترجمه، واضح؟

طالب:...

لكن في مسألة مثل هذه إذا يختلف فيها أهل العلم ممن دون الصحابة، فيرجَّح قوله، يعني المسألة إذا كان القول يخضع للاجتهاد والنظر غير ما كان ما إذا كان معول المسألة الأثر، مثل ما قلنا مرارًا في علوم الحديث تدرس أقوال أناس لا علاقة لهم بعلم الحديث، بل من المتكلمين، من المتكلمين من تدرس أقواله في علوم الحديث، كثيرًا ما يدور اسم الرازي والآمدي وجمع من المتكلمين الذين لا علاقة، بل صرّحوا بأنهم بضاعتهم مزجاة في الحديث؛ لأن مردّ المسألة المدروسة النظر، وهم من أهل النظر، ولو كان مردها الأثر لقلنا: وجودهم مثل عدمه، ولا ينبغي أن تدرج أسماؤهم في الأثر؛ لأنهم ليسوا من أهله، ولما ذكر الرازي قصة المرأة في التي أوردها في سورة العصر، وأنها شربت وزنت وقتلت الولد وجاءت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- تقول: أين محمد؟ نعم، فقال: «لعلك ما صليت العصر»، في قصة ذكرها الرازي في تفسير سورة العصر، ماذا قال الألوسي؟ وقد ذكرها الإمام في تفسيره، وقد ذكرها الإمام في تفسيره ولعمري إنه إمامٌ في التفرد بما لا يعرفه أهل الأثر، إمامٌ في التفرد بما لا يعرفه أهل الأثر، فإذا وُجد الخبر في كتابٍ ليس من الدواوين المعتبرة في الإسلام فهذا علامة أنه موضوع.

طالب:...

وقد تفرد.

طالب:...

نعم، هي بتفسيره، بتفسيره سورة العصر، فالأثران راجعان لابن عباس أحدهما من تصرفه والآخر من تقريره، وإذا انضم إلى ذلك فعل عمر ومن معه من الصحابة؛ لأنه في الباب قال البخاري: وقال عمر وعنده عليٌ وعبد الرحمن وعثمان: ماذا تقول هذه؟ قال عبد الرحمن بن حاطب: فقلت: تخبرك بصاحبها الذي صنع بها.

طالب:...

في الباب نفسه، باب ترجمة الحكام وقال خارجة بن زيدٍ بن ثابت عن زيد بن ثابت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أمره أن يتعلم كتاب اليهود، حتى كتبت للنبي -صلى الله عليه وسلم- كتبه، وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه، لكن الكلام في قال: وإذا انضم إلى ذلك فعل عمر ومن معه من الصحابة، يعني المنقول في الباب ولم ينقل عن غيرهم خلافه قويت الحجة، ولما نقل الكرماني كلام ابن بطال تعقبه بأن قال: أقول: وجه الاحتجاج أنه كان يعني هرقل نصرانيًّا، وشرع من قبلنا حجة لنا ما لم يُنسَخ، المسألة معروفة خلافية بين أهل العلم، ما لم يُنسَخ قال: وعلى قول من قال: إنه أسلم فالأمر ظاهر.

يقول ابن حجر: قلتُ: بل هو أشد إشكالاً، يعني كونه أسلم أشد إشكالاً؛ لأنه لا حجة في فعله عند أحد إذ ليس صحابيًّا، ولو ثبت أنه أسلم فالمعتمد ما تقدَّم، طيب، لماذا صار أشد إشكالًا إذا أسلم؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لا لا لا، يقول أسلم. حتى لو صار مسلمًا في وقته. يعني كونه على نصرانيته، ويعتمد على كتبهم أقرب من كونه أسلم، ويعتمد على رأيه دون كتبهم؛ لأنه لن يعتمد على كتبهم بعد أن أسلم، فيكون مردّ ذلك إلى رأيه، والاعتماد على الكتب السابقة أولى من الاعتماد على الرأي ممن أسلم حديثًا في مسألة شرعية.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

يكون المعول على الكتب السابقة، مع ثقته فيما ينقل عنها إذا أسلم.

طالب:...

هل نحتاج إلى أن نثبت أنه في شرعهم المحفوظ من التحريف سياق القصة ومشيها مع الواقع وعدم إنكار بعض جُملها هذا دليل، يعني القصة إذا كانت محبوكة على نسق معين ووقع وشهدها الواقع على ترتيبها مثل ما قلنا أمس، إن هذا القول معتبر عند أهل العلم. وأنت حاضر أمس.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

نعم؛ لأنا تعرضنا إلى الأخبار الضعيفة وهذا يهمكم، الأخبار الضعيفة عن أمور مغيبة، وشهد الواقع بصدقها وقعت كما أُخبِر عنها تثبت أم ما تثبت؟ وجاء الإخوان بقصة من الجليس الصالح للمعافى بن عمران يسمونه ياقوتة العلماء هو أم غيره؟

طالب:...

لا، المعافى بن عمران ياقوتة العلماء مقطوع به، لكن هل هو هذا أو شخص متقدم، ماذا في التقريب؟

طالب:...

لأن هذا متأخر قليلاً، على كل حال ما ودنا أن يطول الوقت، نراه مرة تانية.

طالب:...

ماذا تقول أنت يا شيخ محمد؟

طالب:...

هو المعافى بن زكريا.

طالب:...

هو المعافى بن زكريا النهرواني صاحب الجليس الصالح.

طالب:...

نعم.

طالب:...

الله المستعان، لكن مسألة تهمكم يا شيخ محمد هذه؛ لأن الوالد له فيها كلام، الوالد له فيها كلام.

طالب:...

نعم، أنا أقول الشيخ له كلام في هذا، يعني هل نقول: إن شهود الواقع بوقوع القصة المرتبة على نسقٍ معين تثبت على ترتيبها.

طالب:...

إذا كان ميلًا واسترواحًا فهذا شيء.

طالب:...

إذا كان ميلًا واسترواحًا، مجرد ميل فسهل، على كل حال يوجد من يجزم من أهل العلم.

طالب:...

نعم؟

طالب:...

نعم، لكن يترتب عليها اعتقاد أحيانًا.

طالب:...

يترتب عليها اعتقاد. أحيانًا يترتب عليها اعتقاد.

طالب:...

نعم، طابق الواقع، طابق الواقع ونقل في الصحيح، نقله أصحاب الصحاح، نقله الأئمة، كلام الحافظ حول هذه المسألة يطول، ما أدري نحن نكمله أو ننتقل إلى الموضع الأخير ونحيلكم على ما بقي من الكلام في فتح الباري.

طالب:...

كلام ابن بطال الذي أشار إليه الحافظ وتعقبه الكرماني يقول: قال ابن بطال: أجاز الأكثر ترجمة واحدٍ، وقال محمد بن الحسن: لا بد من رجلين أو رجل وامرأتان، أو رجل وامرأتين، وقال الشافعي: هو كالبينة، وعن مالك روايتان قال: وحجة الأول ترجمة زيد بن ثابت وحده للنبي- صلى الله عليه وسلم- وأبي جمرة لابن عباس، وأن الترجمان لا يحتاج إلى أن يقول: أشهد، بل يكفيه مجرد الإخبار، وهو تفسير ما يسمعه من الذي يترجم عنه، ونقل الكرابيسي عن مالك والشافعي الاكتفاء بترجمان واحد، وعن أبي حنيفة الاكتفاء بواحد، وعن أبي يوسف اثنان، وعن ظفر لا يجوز أقل من اثنين.

وقال الكرماني: الحق أن البخاري لم يحرِّر هذه المسألة، يقول الحق أن البخاري لم يحرِّر هذه المسألة؛ إذ لا نزاع لأحد أنه يكفي ترجمان واحد عند الإخبار، وأنه لا بد من اثنين عند الشهادة، يعني الكرماني نزع منزعًا آخر، ذهب إلى مضمون الكلام، هل هو خبر أو شهادة، لا أصل الكلام في الترجمة هل هو خبر عن المترجم عنده أو شهادة عليه، واضح الفرق فرق بينهما واضح، يعني إذا ترجم كلام وهو واحد ينقل كلام هذا الشخص الذي ترجم كلامه، ومضمون هذا الكلام شهادة، وإن كانت الترجمة إخبار نقبل الترجمة، لكن نقول: نأتي بشاهد ثانٍ، نقبلها من واحد باعتبارها خبرًا، ونطلب ثانيًا لما تضمنه المضمون من كونه شهادة.

طالب:...

نعم، لكن الكرماني نزع ما انتبه إلى محل الإشكال ورمى البخاري بأنه لم يُحرِّر المسألة هو الذي لم يحرِّر المسألة وكثير من كلامه الذي يرميه في جانب الإمام البخاري، وهو الواهم فيه.

وقال الكرماني: الحق أن البخاري لم يحرِّر هذه المسألة؛ إذ لا نزاع لأحد أنه يكفي ترجمان واحد عند الإخبار، وأنه لا بد من اثنين عند الشهادة فيرجع الخلاف إلى أنها إخبار أو شهادة، كيف يرجع الخلاف إلى أنها إخبار أو شهادة، وأنه لا نزاع لأحد أنه يكفي واحد؟ مقتضى هذا أن الشهادة يكفي فيها واحد ولا قائل بهذا، نعم الشهادات تتفاوت، لكن لا قائل بأن الشهادة يكفيها واحد، فلو سلّم الشافعي أنها إخبار لم يشترط العدد، ولو سلّم الحنفي أنها شهادة لقال بالعدد، والصور المذكورة في الباب كلها إخبارات، أما المكتوبات فظاهر، وأما قصة المرأة وقول أبي جمرة فأظهر فلا محل لأن يقال على سبيل الاعتراض، وقال بعض الناس: بل الاعتراض عليه أوجه، فإنه نصب الأدلة في غير ما ترجم عليه، وترجمة الحاكم إذ لا حكم فيما استدل به. انتهى.

(وهو أولى بأن يقال في حقه أنه ما حرَّر فإن أصل ما احتج به اكتفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بترجمة زيد بن ثابت واكتفاؤه به وحده، وإذا اعتمد عليه في قراءة الكتب التي ترد وفي كتابة ما يرسله إلى من يكاتبه التحق به اعتماده عليه فيما يترجم له، فيما يترجم له عمن حضر من أهل ذلك اللسان، فإذا اكتفى بقوله في ذلك، وأكثر تلك الأمور يشتمل على تلك الأحكام، وقد يقعُ فيما طريقه منها الإخبار، وقد يقع فيما طريقه منها الإخبار ما يترتب عليه الحكم، فكيف لا تتجه الحجة به للبخاري، وكيف يقال: إنه ما حرَّر المسألة؟ وقد ترجم المحب الطبري في الأحكام ذكر اتخاذ مترجمٍ والاكتفاء بواحد، أورد فيه حديث زيد بن ثابت وما علّقه البخاري عن عمر وعن ابن عباس).

 ثم قال: (احتج بظاهر هذه الأحاديث من ذهب إلى جواز الاقتصار على مترجم واحد ولم يتعقبه، وأما قصة المرأة مع عمر فظاهر السياق أنها كانت فيما يتعلق بالحكم؛ لأنه درء الحد عن المرأة؛ لجهلها بتحريم الزنى بعد أن ادُّعي عليها، وكاد يقيم عليها الحد، اكتفى في ذلك بإخبار واحد يترجم له عن لسانها، وأما قصة أبي جمرة مع ابن عباسٍ وقصة هرقل، فإنهما وإن كانا في مقام الإخبار المحض، فلعله إنما ذكرهم استظهارًا وتأكيدًا، وأما دعواه أن الشافعي لو سلّم أنها إخبار لما اشترط العدد فصحيحٌ، وأما دعواه أن الشافعي لو سلّم أنها إخبار لما اشترط العدد فصحيح، ولكن ليس فيه ما يمنع من نصب الخلاف مع من يشترط العدد، وأقل ما فيه أنه إطلاقٌ في موضع التقييد، فيحتاج إلى التنبيه عليه، ولذلك يشير البخاري بتقييده بالحاكم فيؤخذ منه أن غير الحاكم يكتفي بالواحد؛ لأنها إخبارٌ محض، وليس النزاع فيه وإنما النزاع فيما يقع عند الحاكم، فإن غالبه يؤول إلى الحكم، ولا سيما عند من يقول: إن تصرف الحاكم بمجرده حكمٌ.

 وقد قال ابن المنذر: القياس يقتضي اشتراط العدد في الأحكام؛ لأن كل شيء، لأن كل شيء غاب عن الحاكم لا يقبل فيه إلا البينة الكاملة، والواحد ليس ببينة كاملة حتى يُضَم إليه كمال النصاب، غير أن الحديث إذا صحّ سقط النظر، وفي الاكتفاء بزيد بن ثابت وحده حجة ظاهرة لا يجوز خلافها) انتهى.

 ويمكن أن يجاب بأن ليس غير النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحُكّام في ذلك ليس غير النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس غير النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحُكّام في ذلك مثله؛ لإمكان إطلاعه على ما غاب عنه بالوحي بخلاف غيره، بل لا بد من أكثر من واحد، وينضاف إلى ذلك هيبة التحريف والتلبيس على النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من غيره؛ لأن الذي يترجم بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- يهاب أن يُحرِّف في ترجمته، بخلاف ما لو ترجم بين يدي غيره.

طالب:...

بلا شك ما فيها إشكال.

طالب:...

نعم.

طالب:...

لعل بعضكم أن يكون له في مصلحة ظاهرة، له فيه مصلحة ظاهرة، لكن مجرد نقل الكلام ليس مصلحته ظاهرة فيه.

طالب:...

لا بد من اثنين؟ مذهبه؟

طالب:...

خبر واحد حملها واحد.

طالب:...

لا، هي خبر، بلا شك. المكاتبة والمراسلة من طرق الإخبار، وينبغي أن يكون حاملها من الثقات، واتفقوا على قبول مثل هذا. بل لا بد له من أكثر من واحد، فمهما كان طريقه الإخبار يكتفى فيه بالواحد، وما كان طريقه الشهادة فلا بد فيه من استيفاء النصاب، وقد نقل الكرابيسي أن الخلفاء الراشدين والملوك بعدهم لم يكن لهم إلا ترجمانٌ واحد، وقد نقل ابن التِين من رواية ابن عبد الحكم: لا يترجِم إلا حر عدلٌ، وإذا قضى المترجم بشيء فأحب إليّ أن يسمع ذلك منه شاهدان، ويرفعان ذلك إلى الحاكم.

 يعني المسألة فيها تداخل وتشابه كبير، فيها تداخل؛ لأنه قد يكون نقلُ الخبر شيء، ومضمون الخبر شيء آخر، مضمون الخبر شيء آخر، والموضع الأخير من مواضع التخريج تخريج الحديث من البخاري في كتاب التوحيد، في كتاب التوحيد في باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية، ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية بالعربية وغيرها، لقول الله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [سورة آل عمران: 93]، كيف يتلونها بغير ترجمة وهم لا يعرفون اللسان العبراني؟

قال -رحمه الله-: وقال ابن عباس: أخبرني أبو سفيان بن حرب أن هرقل دعا ترجمانه، ثم دعا بكتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقرأه: «باسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل، {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}[سورة آل عمران: 63]» يعني هذه الآية بالعربية أرسلت إلى من لا يعرف العربية، فلا بد لها من ترجمان، فلا بد لها من ترجمان.

قال ابن حجر: (قوله: باب ما يجوز من تفسير التوراة وكتب الله وكتب الله، كذا لأبي ذر ولغيره من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله تعالى، وكلٌّ منهما من عطف العام على الخاص؛ لأن التوراة من كتب الله) من تفسير التوراة وكتب الله، هذا من عطف العام، الكتب عام على الخاص الذي هو التوراة. (قوله: بالعربية وغيرها أي من اللغات في رواية الكُشمِيهَني بالعبرانية وغيرها، ولكلٍّ وجه ولكلٍّ وجه، والحاصل أن الذي بالعربية مثلاً يجوز التعبير عنه بالعبرانية، وبالعكس، وهل يتقيد الجواز بمن لا يفقه ذلك اللسان أو لا؟ الأول قول الأكثر).

 الجواز جواز الترجمة لما يتعبَّد بلفظه هذا يقتصر على الحاجة، أو يجوز مطلقًا؟ يعني الوافدون من غير العرب يحتاجون إلى فهم كلام الله، ويحتاجون إلى الأذكار، الذي يعرف العربية لا بد أن يؤديها بلفظها، في قاعدة لابن رجب لو كان فيه وقت يمكن نراجعها في هذا الباب، تنظر ويقرأها يا أبا عبد الله.

(والحاصل أن بالعربية مثلاً يجوز التعبير عنه بالعبرانية وبالعكس، وهل يتقيد الجواز بمن لا يفقه ذلك اللسان أو لا؟ الأول قول الأكثر، قوله: لقول الله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [سورة آل عمران: 93] وجه الدلالة أن التوراة بالعبرانية، وقد أمر الله تعالى أن تُتلى على العرب، وهم لا يعرفون العبرانية، فقضية ذلك أن الإذن في التعبير عنها بالعربية، قضية ذلك أن الإذن في التعبير عنها بالعربية، ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

 الحديث الأول: قوله: وقال ابن عباس: أخبرني أبو سفيان بن حرب أن هرقل دعا ترجمانه، في رواية الكُشمِيهَني: بترجمانه ثم دعا بكتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقرأه: «باسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل، {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}[سورة آل عمران: 63]».

 هذا طرفٌ من الحديث الطويل الذي تقدَّم موصولاً في بدء الوحي وفي عدة مواضع، وقد تقدَّم شرحه في أول الكتاب وفي تفسير سورة آل عمران، ووجه الدلالة منه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى هرقل باللسان العربي، ولسان هرقل رومي، ولسان هرقل رومي، ففيه إشعارٌ بأنه اعتمد في إبلاغه ما في الكتاب، ووجه الدلالة منه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كتب إلى هرقل باللسان العربي، ولسان هرقل رومي، ففيه إشعارٌ بأنه اعتمد في إبلاغه ما في الكتاب على من يترجم عنه بلسان المبعوث إليه؛ ليفهمه، المترجم والمترجم المذكور هو الترجمان، وكذا وقع، استدل البخاري في كتاب كتابه خلق أفعال العباد بقصة هرقل لمطلوبه أن القراءة فعل القارئ، فقال: قد كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- في كتابه إلى قيصر: «باسم الله الرحمن الرحيم» وقرأه ترجمان قيصر على قيصر وأصحابه، ولا يشك في قراءة الكفار أنها أعمالهم، وأما المقروء فهو كلام الله تعالى ليس بمخلوق، ومن حلف بأصوات الكفار، من حلف بأصوات الكفار ونداء المشركين لم يكن عليه يمين بخلاف ما لو حلف بالقرآن).

 يعني موضوع خلق أفعال العباد، يعني فيما بين المقروء والقراءة، القراءة التي هي صوت القارئ شيء، والمقروء وهو كلام الله -جل وعلا- شيء آخر، الآن إذا تُرجِم القرآن أو الأذكار من الأحاديث لغير العربي فإما أن تترجم الحروف، وإما أن تترجم المعاني، إذا تُرجمت الحروف هل يستفيد الأعجمي؟ لا يستفيد، ما يستفيد؛ لأنه لا يعرف المعاني، وإذا تُرجمت المعاني هل نستطيع أن نقول: هذا كلام الله أو كلام رسوله؟ معاني، يعني في الترجمة عندما يُقال: الترجمة الخلاف في الترجمة الحرفية الخلاف في الترجمة الحرفية هل تجوز أو لا تجوز؟ نقول: هل بالإمكان الترجمة الحرفية؟ بمعنى أنك لو مسكت كل حرف من الآية وجئت بنظيره من اللغات الأخرى، هل يمكن أن يأتي من يترجم هذا الكلام المترجم ليرده إلى العربية فيعود قرآنًا أو حديثًا؟ ما يمكن.

يقول -رحمه الله-: (القاعدة العاشرة: الألفاظ المعتبرة في العبادات والمعاملات، الألفاظ المعتبرة في العبادات والمعاملات منها ما يعتبر لفظه ومعناه وهو القرآن، لإعجازه بلفظه ومعناه، فلا تجوز الترجمة عنه بلغة أخرى، فلا تجوز الترجمة عنه بلغة أخرى، ومنها ما يعتبر معناه دون لفظه كألفاظ عقد البيع وغيره من العقود وألفاظ الطلاق، ومنها ما يعتبر لفظه مع القدرة عليه دون العجز عنه، ويدخل تحت ذلك صور: منها التكبير والتسبيح والدعاء) كأنه لم يدخل القرآن في الخلاف؛ لأنه يعتبر لفظه ومعناه، أما ما يعتبر معناه فقط فالأمر فيه سهل.

 (وأما ما يعتبر لفظه مع القدرة عليه دون العجز عنه ويدخل تحت ذلك صور: منها التكبير والتسبيح والدعاء في الصلاة لا تجوز الترجمة عنه مع القدرة عليه، مع القدرة عليه) النوع الذي تتعبد بلفظه ولا يجوز ترجمته لا بلفظه ولا بمعناه على ما قرَّره هذا معروف لغير الحنفية أنه تجوز الترجمة ويُصلى بها، والقراءة فيها بما تيسر، فبدلاً من أن يقول: الله أكبر، مدهامتان الله أكبر يترجم مدهامتان وأنا قرأتها لا أعرف كيف ينطقونها، لكن لفظها دوسبس الله أكبر، ويترجم الله أكبر دوسبس الله أكبر، هذه قراءة بما تيسر، على كل حال مثل هذا توسع غير مرضي، غير مرضي، وهو قول لا نصيب له من النظر.

قال: (منها التكبير والتسبيح والدعاء في الصلاة لا يجوز الترجمة عنه مع القدرة عليه، ومع العجز عنه هل يلحق بالقسم الأول فيسقط؟) الذي تعبد بلفظه ومعناه، (فيسقط، أو بالثاني فيأتي به بلغته على وجهين، ومنها خطبة الجمعة لا تصح مع القدرة بغير العربية، على الصحيح، وتصحّ مع العجز، ومنها لفظ النكاح ينعقد مع العجز بغير العربية، ومع القدرة على التعلم فيه وجهان، ومنها لفظ اللعان، وحكمه حكم لفظ النكاح).

 والله أعلم.

 وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"