كتاب البيوع (23)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يقول: مر في الدرس الماضي قول ابن سيرين: لا بأس ببعير ببعيرين ودرهم بدرهمين نسيئة، لكن الذي في مصنف عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة وعن أيوب عن ابن سيرين قال: لا بأس ببعير ببعيرين ودرهم، الدرهم نسيئة. قال: فإن كان أحد البعيرين نسيئة فهو مكروه، وبهذا اللفظ نقله عنه ابن عبد البر في الاستذكار. قال ابن بطال في شرحه: وأما قول ابن سيرين لا بأس ببعير ببعيرين ودرهم بدرهم نسيئة، وفي بعض النسخ بدرهمين نسيئة، يعني درهم بدرهم نسيئة، وفي بعض النسخ هذا بين معقوفين يدل على أنه زائد، فإن ذلك خطأ في النقل عن البخاري، والصحيح عن ابن سيرين ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: لا بأس ببعير ببعيرين ودرهم، الدرهم نسيئة، فإن كان أحد البعيرين نسيئة فهو مكروه، وهذا مذهب مالك، يعني موافق لما في المصنف.

 وقال القاضي عياض في مشارق الأنوار في باب بيع الحيوان بالحيوان نسيئة قال ابن سيرين: لا بأس ببعير ببعيرين ودرهم بدرهمين نسيئة، كذا للقابسي والحموي وأبي الهيثم وهو وهم، وتأوله القابسي في الدرهم على القرض، وأصلحه الأصيلي في كتابه: ودرهم أو درهمين نسيئة، وقال: أنا أصلحته، وهذا صحيح لأن ابن سيرين قد روي عنه أنه كان يرى جواز بيع الحيوان بالحيوان يدًا بيد ودرهم نسيئة، وقال بعضهم: لعله كان لا بأس ببعير ببعيرين ودرهم الدرهم نسيئة، فسقطت الألف وتصحفت اللام بالباء. والعجيب أن ابن حجر لم يعرج على تنبيه ابن بطال والقاضي عياض على ذلك، بل نقل رواية عبد الرزاق في تغليق التعليق وفي فتح الباري بلفظ: لا بأس بعير ببعيرين ودرهم بدرهم نسيئة، فإن كان أحد البعيرين نسيئة فهو مكروه. وتبعه العيني على نقله بهذا اللفظ مع أنه نقل بعدها قول ابن بطال: هذا خطأ، والصواب ما ذكره عبد الرزاق، ومثله ما علق به محققو طبعة الرسالة لصحيح البخاري: جاء هذا الأثر في بعض روايات الصحيح: لا بأس بعير ببعيرين ودرهم بدرهم نسيئة، وفي بعضها: ودرهم بدرهمين نسيئة، وهذا خطأ والصواب: درهم بدرهم، فقد وصله عبد الرزاق عن ابن سيرين بهذا اللفظ فيما أفاده ابن بطال وغيره من شراح الصحيح، مع أن ابن بطال قد تعقب اللفظين كليهما.

وأما الكشميري فقال في فيض الباري: قوله قال ابن سيرين لا بأس ببعير ببعيرين ودرهم بدرهم نسيئة، قلت: إن بيع الدراهم بالدراهم نسيئة حرام بالإجماع ولم يشرح أحد منهم ما أراد به ابن سيرين والوجه عندي أن يقال إن قوله: نسيئة يتعلق بالبعير والبعيرين دون بيع الصرف فهو مطلق ولا ريب في جواز بيع الدرهم بالدرهم والذي صرفنا إليه قول ابن سيرين أولى من أن يحمل على ما يخالف الإجماع.

طالب: ..........

رواية عبد الرزاق، عبد الرزاق هي الأصل؛ لأن ابن حجر .......... لكن البخاري أخذ من عبد الرزاق، أقدم. لا بأس ببعير ببعيرين ودرهم، الدرهم نسيئة، بعير ودرهم، الدرهم نسيئة. ما فيه دراهم بدراهم.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

نعم، ما فيه شك أن درهمًا بدرهم نسيئة ربا.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

 فيقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ بَيْعِ المُدَبَّرِ" يعني الذي أعتق على دبر حياة مالكه، يعني قال: إذا متُّ فأنت حر.

قال: "حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: «بَاعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- المُدَبَّرَ»". بعض الروايات أنه باعه بدين على صاحبه، والتدبير معلوم أنه لا ينفذ عتقه إلا بالموت، فيكون حينئذٍ حكمه حكم الوصية، فإذا كان قيمة هذا المدبر أكثر من الثلث ولم يجزه الورثة فإنه حينئذٍ يباع، لا تنفذ الوصية إلا بقدر الثلث.

قال: "حدثنا قتيبة، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، سمع جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول: «باعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»".

ثم قال: "حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَ ابْنُ شِهَابٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ" أبو أيوب وصالح بن كيسان، "وَأَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، أَخْبَرَاهُ: أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، يُسْأَلُ عَنِ الأَمَةِ تَزْنِي وَلَمْ تُحْصَنْ، قَالَ: «اجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ، فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا» بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ"، يبينها الرواية التي تليلها: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، وَلاَ يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ في الثَّالِثَة أو في الرابعة، فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بضفير»، والأمة المناسب بالمدبر؛ لأن المدبر رقيق، والأمة رقيقة، ثم قال في النهاية: «فليبعها».

قال: "حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، يَقُولُ: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا»" يعني بالبينة لا بالظن، "«فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، وَلاَ يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، وَلاَ يُثَرِّبْ عليها، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ»" يعني بأي قيمة، لا يعيدها إلى بيته.

قد يقول قائل: إن هذا غش، يبيع أمة زانية؟ قال بعضهم: يجب عليه أن يخبر بالعيب، وهو أيضًا يفهم من سياق الحديث أنها لا يمكن أن تباع بحبل إلا وقد أخبر عنها، لا يمكن أن تصل قيمتها إلى حبل إلا وقد أخبر عن عيبها.

طيب كيف يغش مسلم بأمة زانية؟ قالوا: لعلها خرجت من بيته تجد من يصونها ويعفها؛ لأنه ليست لديه قدرة على صيانتها وإعفافها.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

 بيع «فليبعها» ..........

قوله: ("باب بيع المدبر" أي الذي عُلق عتقه بموت سيدة) يعني عند دبر حياة سيده. (قوله: "ابن نمير" مصغر النمر الحيوان المشهور، و"محمد" بن عبد الله بن نمير الكوفي، و"إسماعيل" أي ابن أبي خالد التابعي، و"سلمة" بفتح اللام "ابن كهيل" مصغر الكهل الحضرمي من أكابر التابعين).

 سمعت من يقرأه ممن يشار إليهم ويفتون في القنوات وسنه كبير جدًّا: كهبل، هذا جهل واضح، (مصغر الكهل الحضرمي من أكابر التابعين، كان ركنًا من الأركان، مات سنة إحدى وعشرين ومائة.

قوله: "باعه" أي المدبر الذي كان للرجل المحتاج، واشتراه نعيم) النحام المجمِر، (مر في بيع المزايدة) أنه باعه فيمن يزيد في الحراج، (وقيل: كان المدبر اسمه يعقوب، واسم سيده أبو مدكور، والثمن ثمانمائة درهم. قوله: "لم تحصن" بفتح الصاد وكسرها).

 يعني الغالب في المذكر الكسر، وفي المؤنث الفتح: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24]، {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24]، الغالب، وإن كان يجوز إطلاق الأمرين كليهما على الاثنين باعتبار أن كل واحد منهما محصن لصاحبه ومحصَن منه، لكن الغالب في المذكر أنه محصِن بكسر الصاد، وفي المؤنث محصَن.

 «تبين» أي ظهر زناها وثبت، وسبق الحديث في باب بيع العبد الزاني، فإن قلتَ: ما وجه تعلقه بالعبد المدبر؟ قلتُ: لفظ الأمة المطلقة شاملة للمدبرة وغيرها).

 المقصود كلاهما يشملهما الرق والأمر بالبيع.

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

الرقيق ما فيه عيب ذاك، هذا ما فيه عيب مدبر. كلام العيب في الأمة الزانية التي زنت ثلاث مرات، هل يلزم إخبار المشتري أم لا؟ أو يقال: هذا غش؟ ويقال مثل هذا: هل يلزم إخبار الخاطب إذا خطب بنتًا أو امرأة وقع منها شيء، قارفت شيئًا من هذا، هل يلزم أم ما يلزم؟ المسألة معضلة مشكلة؛ لأنه لا يعلم فيما بعد وبعد الأولاد وكذا، يعني حياته تكون مُرة، لا يستقر له قرار لو علم بعد ذلك، نسأل الله السلامة والعافية.

 كنت أميل إلى أنه لا بد من إخباره؛ لأن هذا أشد من العيوب التي يذكر الفقهاء أنه يجب الإخبار بها، مر علينا في الموطأ أن رجلاً خُطبت أخته وقد قارفت، فسأل عمر: أخبر عنها؟ فقال: لو أخبرت لأوجعتك ضربًا -رضي الله عنه وأرضاه-، وإلا لا شك أنه عيب، نسأل الله العافية.

طالب: ..........

الأمة أمرها سهل.

طالب: ..........

لكن يبقى أيضًا الزوج مشكلة، الأمر مشكل، نسأل الله السلامة.

طالب: ..........

ينصرفون عنها؛ لأن هذا ذنبها، هي التي اقترفت.

طالب: ..........

لا، المرأة إذا قارفت.

طالب: كالأمة.

أين؟ يخبر عنها بلا شك.

طالب: ..........

على كلام عمر.

طالب: ..........

على كل حال قول أكثر الفقهاء من أخذهم من قوله: «فليبعها ولو بحبل» قالوا: لن تصل قيمتها إلى حبل إلا إذا أخبر عنها.

 المقصود أن هذه من عضل المسائل، وآثارها في غاية السوء، أمر البكارة سهل، له أرش، يعني إذا زنت فلا بد أن تزول بكارتها، له أرش، وبعضهم يفرق بين المكرهة وبين من اختارت وبين من قارفت مرة وندمت وتابت، وبين من كانت هذه مهنتها، تكون بغيًّا، نسأل الله السلامة والعافية.

طالب: ..........

الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الذي باعه. أولاً العتق لا يثبت إلا بالموت، وبالموت ينتقل المال إلى الورثة، ما هو بماله، فحكمه حكم الوصية.

طالب: ..........

هو الظاهر؛ لأنه أعتق ستة، واحد أعتق ستة في حياته، فباعهم النبي -عليه الصلاة والسلام- باع أربعة ويبقى اثنان.

طالب: ..........

له أن يتصرف قبل موته كالوصية.

"بَابٌ: هَلْ يُسَافِرُ بِالْجَارِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، وَلَمْ يَرَ الحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يُبَاشِرَهَا".

 يعني قبل الاستبراء.

 "وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: إِذَا وُهِبَتِ الوَلِيدَةُ الَّتِي تُوطَأُ، أَوْ بِيعَتْ، أَوْ عَتَقَتْ فَلْيُسْتَبْرَأْ رَحِمُهَا بِحَيْضَةٍ، وَلاَ تُسْتَبْرَأُ العَذْرَاءُ".

 يعني لأنها لم توطأ، كما يقال في المطلقة قبل الدخول، يعني يجوز أن تنكح من الغد؛ لأنه ما عليها عدة. قال: "ولا تستبرأ العذراء" يعني حكمها حكم المطلقة قبل الدخول، "وَقَالَ عَطَاءٌ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُصِيبَ مِنْ جَارِيَتِهِ الحَامِلِ مَا دُونَ الفَرْجِ" يعني حامل من غيره. "وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6]".

قال: "حَدَّثَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الحِصْنَ".

 حصن خيبر.

 "ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- لِنَفْسِهِ".

 عرفنا فيما سبق أنها كانت من نصيب دحية، ثم قيل له: إنها بنت ملك ما تليق إلا بك يا رسول الله، فعوضها عنها وأخذها وتزوجها.

 "فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- لِنَفْسِهِ فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ»، فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عَلَى صَفِيَّةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى المَدِينَةِ قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ، فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ".

 كم كان عمره -عليه الصلاة والسلام-؟ فتح خيبر سنة سبع؟ تسع وخمسين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.

"هَلْ يُسَافِرُ بِالْجَارِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؟"

 لكن لا يجوز له أن يطأ قبل الاستبراء، "وَلَمْ يَرَ الحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يُبَاشِرَهَا" يعني فيما دون الفرج؛ لأنه لا أثر له فيما لو كانت حاملاً.

واحد يسأل يقول: إنه يريد أن يطلق زوجته، عازم على طلاقها، لكنه ينتظر أن تحيض ثم تطهر؟ يقول: هو عازم على طلاقها، إن حاضت ثم طهرت ثم قبل وباشر وفعل كل شيء إلا الجماع ثم طلقها، وما زال يفعل ذلك، وهو عازم على طلاقها، فهل يخل هذا بأن يكون في طهر لم يجامعها فيه؟

مثل هذا، مثل ما معنا.

"وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: إِذَا وُهِبَتِ الوَلِيدَةُ" يعني الجارية "الَّتِي تُوطَأُ، أَوْ بِيعَتْ، أَوْ عَتَقَتْ فَلْيُسْتَبْرَأْ رَحِمُهَا بِحَيْضَةٍ".

 يعني لا يلزم أن تعتد العدة؛ لأن عدتها حيضتان، "وَلاَ تُسْتَبْرَأُ العَذْرَاءُ" يعني ما وطئت هذه، لا تستبرأ؛ لأنا قلنا: حكمها حكم المطلقة قبل الدخول.

قال: (قوله: "يباشرها" من البشرة أي يلامسها قبل الاستبراء، و"ليستبرأ" بلفظ المجهول والمعروف أي ليستبرئ المتهب والمشتري والمتزوج بها الغير المعتق، و"العذراء" هي البكر، إذ لا شك في براءة رحمها عن الولد. قوله: "الحامل" وهو إشارة إلى أن استبراء الحامل بالوضع لا بالحيضة. فإن قلتَ: الآية وهي {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5، 6] تقتضى جواز إصابة الفرج أيضًا، وهو خلاف قول عطاء، فما وجه استدلاله بها؟

 قلتُ: غرضه أن الآية لما كانت تدل على جواز الاستمتاعات ضمنًا فخروج جواز الوطء منها بسبب اشتغال الرحم بالغير لا ينافيه.

 قوله: "عبد الغفار بن داود" ابن مهران الحراني ثم المصري، مات سنة أربع وعشرين ومائتين، و"يعقوب" مر في باب الخطبة على المنبر في الجمعة، و"عمرو بن أبي عمرو المدني" في باب الحرص على الحديث).

 يعني هؤلاء تقدمت تراجمهم.

(قوله: "صفية" الصحيح أن هذا كان اسمها قبل السبي، وقيل: كان زينب، فسميت بعد السبي والاصطفاء صفية، و"حيي" بضم الحاء وفتح التحتانية الأولى وشدة الثانية، "ابن أخطب" بإعجام الخاء وإهمال الطاء، و"سد") الروحاء، (بفتح المهملة الأولى وشدة الثانية، و"الروحاء" بفتح الراء وسكون الواو وبالمهملة والمد موضع قريب من المدينة، وقيل الصواب: الصهباء بدل سد الروحاء، و"الحيس" بفتح المهملة وسكون التحتانية أخلاط من التمر والأقط والسمن، و"يحوي" أي يهيئ لها من ورائه بالعباءة مركبًا وطيئًا، ويسمى ذلك حوية. وقال صاحب المجمل: الحوية كساء يحوي حول سنام البعير، وتقدم الحديث).

طالب: ..........

لا بد من استبرائها، نعم.

طالب: ..........

فلما حلت، حتى بلغنا سد الروحاء حلت، يعني تم استبراؤها.

قال -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ بَيْعِ المَيْتَةِ وَالأَصْنَامِ".

قال: "حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ»".

 الذي يحرم هو الله -جل وعلا-، وبعضهم يقدر الخبر للرسول: إن الله حرم ورسوله حرم "«بَيْعَ الخَمْرِ»" ولم يثنِ الضمير بأن قال: حرمَا؛ لما في ذلك من مظنة التشريك لمن يسمع لا منه -عليه الصلاة والسلام-، ولذا قال للخطيب حين قال: ومن يعصهما، «بئس خطيب القوم أنت»، "«حرم بيع الخمر وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ، فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ»" يطلى بها من أجل أيش؟

 ألا يتأثر الخشب بالماء، فإذا طلي بالدهن ينبو عنه الماء، ما يتشرب الماء.

 "«وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ» لكي تلين، "«وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ»" الناس يتخذونها مصابيح مثل الشموع الآن، "فَقَالَ: «لاَ، هُوَ حَرَامٌ»" وهنا لا بد أن تقف على لا، ولا نحتاج إلى واو، لا سلمك الله، يقول العلماء: لا بد أن تأتي بالواو؛ لأنه يمكن أن يظن تسلط لا على الدعاء، لا سلمك الله. لكن إذا وقفت وقفًا لازمًا انتفى هذا المحظور، والنصوص فيها الوقف اللازم في القرآن، ولو وُصل حصل المحظور، فاكتفي بالوصل. وهنا المحظور موجود، لكن لا بد من الوقف، ولم تلزم الواو لا في الكتاب ولا في السنة.

 "«لا، هو حرام»" والضمير في «هو» يحتمل أن يكون عائدًا على البيع المسؤول عنه أو على جميع ما ذكر من أنواع الانتفاع.

 "ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ»" أي أذابوه، يعني انتفى المسمى، ما صار شحمًا على حد زعمهم، تحايلوا لإسقاط الحكم وهو التحريم.

 "«جملوه ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ»" قالوا: ما بعنا شحمًا، نسأل الله العافية.

"قَالَ أَبُو عَاصِمٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، كَتَبَ إِلَيَّ عَطَاءٌ، سَمِعْتُ جَابِرًا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-" الرواية بالمكاتبة سائغة، وهي موجودة في الصحيحين وغيرهما بين الصحابي والتابعي، وبين التابعين ومن بعدهم.

قوله: ("باب بيع الميتة"، قوله: "يزيد" من الزيادة، "ابن أبي حبيب"، ضد العدو، مر في باب السلام من الإسلام. والعلة في تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير النجاسة، فيتعدى إلى كل نجاسة، وفي الأصنام كونها ليس فيها منفعة مباحة، وبيعها حرام ما دامت على صورتها)، بمعنى أنه لو كسرت الأصنام وصارت أخشابًا اشتراها من يستدفئ بها، أو كانت ذهبًا وكسر صارت بالإمكان أن تصاغ، وتستعمل في غير ذلك، إنما ما دامت على صورتها.

 (و"يستصبح" أي ينور بها المصابيح.

قوله: «لا، هو حرام» أي لا تبيعوها، فإن بيعها حرام، «وأجملوا» أي أذابوا، وجملت أفصح من أجملت) يعني جملت الشحم أي أذبته أفصح من أجملت، (والضمير في «باعوه» راجع إلى الشحوم على تأويل المذكور أو إلى الشحم الذي في ضمن الشحوم).

ثم قال بعد ذلك -رحمه الله-: "بَابُ ثَمَنِ الكَلْبِ.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ" التنيسي، "قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ" الإمام، "عَنِ ابْنِ شِهَابٍ" الزهري المعروف، "عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ" أحد الفقهاء السبعة المشهورين، "عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-" عقبة بن عمرو البدري، منسوب إلى بدر إلى المكان لا إلى الغزوة عند الجمهور، وإن أثبته البخاري فيمن شهد بدرًا: "«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ»" ثمن الكلب: فلا يجوز بيع الكلب، وإن احتيج إليه؛ لكونه من المأذون به جاز للمشتري للحاجة، ولا يجوز للبائع؛ لأنه منهي عن ثمنه، ومهر البغي: ما تعطاه الزانية من قبل الزاني- نسأل الله العافية- في مقابل الفجور، وحلوان الكاهن: أجرته، أجرة الكاهن يسمونها حلوانًا؛ لأنه جاءت تسميتها بالحلوان في هذا الحديث وغيره؛ لأنه يأخذها حلوة من دون تعب ولا عناء، وإن كانت أمرَّ من الصبر في حقيقته.

قال: "حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ" وأبوه وهب بن عبد الله السوائي، "قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى حَجَّامًا، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الكَلْبِ، وَكَسْبِ الأَمَةِ، وَلَعَنَ الوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَلَعَنَ المُصَوِّرَ»".

 رأيت أبي اشترى حجامًا فسألته عن ذلك، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الدليل يسند صنيعه أم ضده؟

طالب: ..........

الشرح.

طالب: ..........

فسألته عن ذلك، عن الشراء أم عن التكسير؟

طالب: ..........

هو لماذا اشتراه؟

طالب: ليستفيد منه.

لا، هو لا شك أنه إذا كان السؤال عن الشراء والاستدلال بالحديث ما يسنده؛ لأن مقتضى النهي عن كسبه لا يؤيد أن يشتريها. وعلى الروايات الأخرى: فأمر بالمحاجم وكسرت، وعلى كل حال لا شك في النهي عن ثمن الدم، وجاء فيه حديث، وعن ثمن الكلب كذلك وكسب الأمة، وكسب الأمة يعني بفرجها، نسأل الله العافية.

 ولعن الواشمة والمستوشمة. نهى عن ثمن الدم الذي هو كسب الحجام، جاء فيه النهي، وجاء وصفه بأنه خبيث، لكن لا يعني أنه حرام؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى الحاجم، ولو كان حرامًا ما أعطاه. وكسب الأمة ولعن الواشمة والمستوشمة، هذا كله تقدم، وآكل الربا وموكله، ولعن المصور.

المباح، يعني ما أذن باقتنائه: كلب الزرع، وكلب الحراسة، وكلب الغنم.

يظل الثمن حرامًا لا يجوز بيعه وشراؤه، لا بأس به للحاجة، كما يقال في نظائرها، من يرى تحريم بيع المصحف يقول: إذا احتاجه المسلم يشتريه. بيع كتاب الوقف إذا احتاجه طالب العلم وما وجد إلا هذا يتسامح فيه، لكن الإثم على البائع.

(قوله: "أبو بكر بن عبد الرحمن" ابن الحارث بن هشام، راهب قريش، مر في الصلاة، و"أبو مسعود" هو عقبة بضم المهملة وسكون القاف، ابن عمرو الأنصاري، في آخر كتاب الإيمان. قوله: «ثمن الكلب» سواء كان معلمًا أم لا، سواء كان معلمًا جاز اقتناؤه أم لا، وقال الحنفية: يصح بيع الكلاب التي فيها منفعة) ويتأولونها على أن البيع للمنفعة لا للذات، كالإجارة.

 (قوله: «البغي» فعول بمعنى الفاعلة، يستوي فيها المذكر والمؤنث أو فعيل، و«مهرها» هو ما تأخذه الزانية على الزنا لكونه على صورته) على صورة المهر. (قوله: «حلوان» بضم المهملة ما يعطى على الكهانة، يقال حَلْوَنْتُه إذا أعطيتَه) الأولى مضمونة التاء، والثانية مفتوحة، (وهو حرام؛ لأنه عوض عن محرم، ولأنه أكل المال بالباطل)، والصديق -رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ- قاءه، لما جاء به الغلام، العبد جاء بطعام، فأكل منه أبو بكر -رضي الله عنه-، فأخبره الغلام أن قيمته ما تكهن به في الجاهلية، فقاءه أبو بكر -رضي الله عنه-.

(الخطابي: الكاهن هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب، ويخبر الناس عن الكوائن، وكان في العرب كهنة، فمنهم من يزعم أن له رئيًّا من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يدعي أنه يدرك الأمور بفهم أعطيه، ومنهم من يسمى عرافًا، وهو الذي يتعرف الأمور بمقدمات استدل بها على مواقعها، كالشيء يُسرق، فيعرف المظنون به السرقة، ومنهم من يسمي المنجم كاهنًا. قال: وحديث النهي عن إتيان الكهان يشمل النهي عن هؤلاء كلهم.

 قوله: "عون" بفتح المهملة وبالنون، "ابن أبي جحيفة" بضم الجيم وفتح المهملة وسكون التحتانية وبالفاء.

قوله: «ثمن الدم»؛ لأنه نجس أو هو محمول على أجرة الحجام)، يعني يحرم بيع الدم سواء كان عن طريق الحجامة، النهي يشمل بيع الدم، والحجامة ليس فيها بيع. وليس الثمن للدم، لكن إذا بيع الدم وهو نجس حرم، وعليه يتركب أو يتأتى النهي في هذا الحديث. والتبرع بالدم مثله، لا يجوز أخذ قيمته؛ لأنه نهى عن ثمن الدم.

(«وكسب الأمة» أي إذا كان من وجه لا يحل كثمن الزنا لا من الخياطة مثلاً)، لو كان من الخياطة ما جاء النهي عنه، ما يدخل في الحديث.

 «الواشمة» من الوشم، وهو أن تغرز الجلد بالإبرة ثم تحشى بالكحل، وإنما لعن الموكِل أي المعطي؛ لأنه شريك للآكل في الإثم، كما أنه شريكه في الفعل، وأما المصور فهو الذي يصور الحيوان)، يعني ما فيه روح، (وقيل: تصويره كبيرة)، ولا شك في ذلك؛ لأنه ملعون.

 (ومر الحديث قريبًا).

والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.