شرح الموطأ - كتاب وقوت الصلاة (1)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد:

فلا يخفى على أحد ممن ينتسب لهذا الدين أهمية ومنزلة سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولسنا بصدد الحديث عنها، وعن حجيتها والتدوين فيها، كما أننا أيضًا لسنا بحاجة إلى الحديث عن مؤلف الكتاب الذي نحن بصدد شرحه -إن شاء الله تعالى-.

والإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي إمام دار الهجرة، نجم السنن كما قال الشافعي وغيره، ولد -رحمه الله- بالمدينة سنة ثلاثة وتسعين، وتوفي سنة تسع وسبعين ومائة، من الأئمة المعروفين المتبوعين أصحاب المذاهب الباقية إلى يومنا هذا، لمذهبه انتشار واسع في بلاد المغرب والأندلس، وله أيضًا وجود في العراق وفي مصر وغيرهما،

ولسنا بحاجة إلى الكلام عن موطئه الذي اشتهر، وطبقت شهرته الآفاق، وعن سبب تأليفه، وما قيل في ذلك مما ذكره ابن خلدون وغيره أن المنصور -أبا جعفر- قال للإمام مالك -رحمه الله تعالى-، وذكره بالعلم، وذكَّره بما عليه من تبعه، وقال له: إنه يطلب منه أن يؤلف كتابًا في العلم يوطئه للناس ويمهده ويسهله، وذكر أنه ينبغي أن يجتنب فيه –على ما ذكر- تساهل ابن عباس، وتشديدات ابن عمر، وشواذ ابن مسعود، حتى قيل: إن الإمام مالك قال: إنه علمني كيفية التأليف.

على كل حال هذا الكتاب ثابت النسبة، مستفيض مشهور إلى مؤلفه، روي بروايات متعددة، تحمله عن الإمام مالك جمع غفير، قرأه عليه العدد الكثير الجم، حفظت بعض الروايات عن الإمام مالك، وبقي كثير منها إلى يومنا هذا منها:

رواية يحيى بن يحيى المصمودي التي عليها أكثر الشراح، واعتماد أهل العلم عليها في الغالب، ومنها رواية محمد بن الحسن الشيباني، وقد انفردت ببعض الزيادات على رواية يحيي.

ومنها: رواية أبي مصعب الزهري، وفيها أيضًا زيادات، ومنها..، روايات كثيرة ذكر منها صاحب الحِطة ست عشرة رواية، وأثبت بعض الزيادات التي في بعضها على بعض، وعني أهل العلم بالموطأ وشرحوه، حتى ذكر من شروحه أكثر من مائة شرح مما هو موجود الآن في خزائن الكتب، وطبع كثير منها، لكن طالب العلم وهو في غمار هذه الأعداد الهائلة من المؤلفات من كتب السنة وشروحها، لا يمكنه الإحاطة بجميع ما كتب حول هذا الكتاب أو غيره، لكن إذا اقتصر طالب العلم على شرحي ابن عبد البر (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد) وهذا كتاب عظيم، ومؤلفه إمام من أئمة المسلمين، حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، المتوفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة، مكث في تأليفه ثلاثين عامًا وهو يحرره وينقحه، خرج الكتاب محررًا منقحًا مضبوطًا متقنًا حتى قال ابن حزم وغيره: إنه لا يعرف في الكلام على فقه الحديث كتابًا مثله، ولا ما يقاربه ولا يدانيه".

على كل حال هذا الكتاب كتاب عظيم ينبغي لطالب العلم أن يعنى به، والكتاب مرتب على شيوخ مالك، وأسماؤه مرتبة على حروف التهجي عند المغاربة، وهي تختلف عن ترتيب المشارقة، وكانت الأمنية أن يرتب الكتاب على ترتيب الكتاب الأصلي على الأبواب، ثم حصلت هذه الأمنية آخرًا.

من شروحه التي لا يستغني عنها طالب علم (الاستذكار) لابن عبد البر المذكور، ومنها: (المنتقى) للباجي، وهو مختصر من كتاب له كبير اسمه: (الاستيفاء) و(المنتقى) للباجي كتاب نفيس ونافع، وهو مطبوع في سبعة مجلدات كبار.

من شروحه: شرح القاضي أبي بكر بن العربي (القبس شرح موطأ الإمام مالك بن أنس) وله شروح أخرى على الموطأ.

من شروحه: شرح للزرقاني، شرح متوسط مفيد نافع، وهناك شرح مختصر جدًّا للسيوطي اسمه: (تنوير الحوالك) والشروح مثلما ذكرنا ذكر منها أكثر من مائة شرح.

وهناك شرح مطول اسمه: (أوجز المسالك) للكندهلوي في خمسة عشر جزءًا طبع في خمسة عشر مجلدًا، وهو كتاب طيب نافع، يمتاز بعنايته بنقول المذاهب من كتب أصحابها؛ لأنكم تعرفون أن المذاهب فيها روايات، وفيها أقوال، ولكل إمام في كثير من المسائل أكثر من قول، يختلف قوله في هذا الوقت عن قوله في وقت لاحق، كما يختلف قوله في بلد عن قوله في بلد آخر وهكذا؛ لأن الاجتهاد يتجدد.

ميزة هذا الكتاب أنه نقل هذه المذاهب من كتب أربابها المعتمدة عندهم؛ ولذا تلاحظون في نقول الشراح عن الأئمة ينقل عنهم أقوال تستغربونها، ينقل عن الإمام أحمد أقوال في فتح الباري وفي عمدة القاري وفي غيرها من الشروح تستغرب لماذا؟ لأنها ليست الرواية المشهورة التي عليها العمل عند الحنابلة، فينبغي أن يعنى بهذا الجانب؛ لئلا ينسب إلى الإمام ما لم يقله، بل هو مخرج على أقواله، وقد يشهر عن الإمام ما لم يشتهر من قوله بهذا السبب، هذه مهمة جدًّا، ولو تثبت طالب العلم بالرجوع إلى كتب المذاهب بنفسه كان هو الأحرى والأليق.

هناك شرح للدهلوي شرح مختصر جدًّا، وهو ماتع ونفيس، لكنه أخل بترتيب الكتاب، رتبه على الطريقة المعتادة عند أهل العلم في تقديم الطهارة على ما قدمه الإمام مالك من الوقوت على ما سيأتي؛ لكنه كتاب طيب وفيه نفع، الأصل أن الكتاب في مذهب مالك، وأضاف الشارح الدهلوي مذهب أبي حنيفة، ومذهب الشافعي، وأهمل مذهب الإمام أحمد، أقول: يعنى به ويضاف إليه مذهب الإمام أحمد، وكتاب فيه نكات ولطائف وفوائد على اختصاره، وهو مطبوع في مجلدين صغيرين.

الشروح لا يمكن الإحاطة بها، ولا بيان مناهجها تبعًا لأهمية هذا الكتاب، فهو سادس الكتب عند جمع من أهل العلم، وإن كان متقدمًا عليها في الزمان، وفي إمامة مؤلفه ومكانته، لكنه في الترتيب عند أهل العلم ثالث الكتب لما فيه من البلاغات والمراسيل والموقوفات والمقطوعات والمقاطيع فيه شيء كثير، فتأخرت رتبته عن الصحيحين والسنن، على خلاف بين أهل العلم في السادس، وقد جعله بعضهم هو السادس كما فعل ابن الأثير في جامع الأصول، ورزين العبدري في تجريد الأصول، وبعضهم جعل السادس الدارمي، ومنهم من جعل السادس ابن ماجه، وأول من أضافه إلى الخمسة ابن طاهر، الفضل بن طاهر في شروط الأئمة، وفي أطرافه، ثم جرى العمل على ذلك لكثرة زوائده من الأحاديث المرفوعة.

ذكرنا أن الرواية التي تشرح من بين الروايات الكثيرة هي رواية يحيى بن يحيى، وعليها أكثر الشراح، عليها أكثر الشراح، وقد سمعه أو قرأه على الإمام مالك؛ لأن الإمام مالك -رحمه الله تعالى- كان من منهجه ألا يقرأ على أحد، ولا يحدث أحدًا، بل ينكر على من طلب منه أن يقرأ عليه، بل يسمع الإمام مالك ممن يقرأ، فجميع من روى الكتاب عن الإمام مالك فبطريق العرض، بعضهم يأتي ممن لا يرى العرض من أهل العراق إلى الإمام مالك ليسمع من الإمام مالك فيزجره الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، ويقول: "العرض يكفيك في القرآن ولا يكفيك في الحديث؟!" ومعلوم أن القرآن يقرأ على المقرئ، وعلى كل حال العرض طريق معتبر من طرق السماع عند أهل العلم، وحصل الإجماع على صحة ما نقل بواسطته، وإن كان الأصل في الرواية السماع.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد على آله وصحبه.

قال الإمام يحيى بن يحيى الليثي: عن مالك بن أنس: كتاب وقوت الصلاة، باب وقوت الصلاة:

قال: عن مالك بن أنس عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يومًا، فدخل عليه عروة بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يومًا وهو بالكوفة، فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال: ما هذا يا مغيرة أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم صلى فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم صلى فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم صلى فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم صلى فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم قال: ((بهذا أمرت)) فقال عمر بن عبد العزيز: "اعلم ما تحدث به يا عروة، أو إن جبريل هو الذي أقام لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقت الصلاة؟ قال عروة: "كذلك كان بشير بن أبي مسعود الأنصاري يحدث عن أبيه".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، كما سمعتم الإمام -رحمه الله تعالى- بدأ بوقوت الصلاة.

يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- في قواعده التي تسمى النورانية في أول الكتاب: فصل: "أما العبادات فأعظمها الصلاة، والناس إما أن يبتدئوا مسائلها بالطهور"، إما أن يبتدئوا مسائلها بالطهور، يعني بكتاب الطهارة، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((مفتاح الصلاة الطهور)) وهذا عليه الأكثر، وإما بالمواقيت التي تجب بها الصلاة كما فعله مالك.

وعلى كل حال كل من الطهارة والوقت والأوقات، كل منهما شرط لصحة الصلاة، والشرط لا بد أن يتقدم المشروط، فتقدم هذه الشروط على ما اشترطت له من المقصد وهو الصلاة، ولا شك أن التقديم في الذكر له نصيب من الترجيح فالأولية -كما يقولون-: لها دخل في الأولوية، الأولية لها دخل في الأولوية، ما معنى هذا الكلام؟ الإمام مالك -رحمه الله تعالى- لما قدم الوقوت على الطهارة يفهم منه أن المحافظة على الوقت أولى من المحافظة على الطهارة عند التزاحم، والأكثر -الجمهور- على العكس، إذا ضاق الوقت وصار المرء بين أمرين: إما أن يتطهر ولو خرج الوقت أو يصلي في الوقت ولو من غير كمال الطهارة، ولو بطهارة ناقصة هذا عند التزاحم، فيفهم من صنيع الإمام مالك أنه يقدم الوقت، والأكثر على خلافه.

افترضنا أن شخصًا استيقظ من النوم وقد بقي على طلوع الشمس خمس دقائق، وهي كافية لأداء ركعتين بالتيمم، وحينئذ يكون مدركًا للوقت، أو يتطهر طهارة كاملة ولو خرج الوقت؟ صنيع الإمام مالك في تقديمه الوقت على الطهارة يدل على أنه يعنى بالوقت أكثر من الطهارة، وكل منهما شرط في صحة الصلاة، وصنيع الأكثر على عكس ذلك، ولا يقللون من شأن الوقت، فالصلاة لا تصح قبل وقتها اتفاقًا، وهل تصح بعد خروج وقتها فتقضى؟ والمسألة مفترضة في غير عذر، لو فرط وأخر الصلاة عن وقتها، جمع من أهل العلم، بل نقل عليه ابن حزم الاتفاق أنها لا تجزئ؛ ولذا يقول: لا تقضى، ونقل بعضهم الاتفاق على خلافه، قالوا: يجب القضاء مع الإثم، فتقديم الطهارة لا يعني الاستخفاف بالوقت، كما أن تقديم الوقت عند الإمام مالك لا يعني الاستخفاف بشأن الطهارة، فكل منهما شرط، لكن عند التزاحم ويفترض هذا في المسألة التي ذكرناها.

وقوت: جمع وقت كما أن الوقت يجمع على أوقات، والوقت والأوقات والمواقيت بمعنىً واحد، المواقيت جمع ميقات تطلق على الزمانية والمكانية، كما هو معروف من مواقيت الحج، والوقوت والأوقات جمع وقت، إلا أن الوقوت جمع كثرة، والأوقات جمع قلة، وأوقات الصلوات كثيرة أم قليلة؟ ثمة أفعال جموع قلة، نعم، الأوقات الخمسة قليلة، فعلى هذا الجمع بأوقات أولى من الجمع بوقوت هنا، وإن كان أكثر رواة عن مالك قالوا: وقوت، في رواية ابن بكير قال: أوقات الصلاة، جمع قلة، وأكثر الروايات على جمع الكثرة وقوت، تكلم أهل العلم في إيثار جمع الكثرة على جمع القلة هنا، فقال بعضهم: إنه ينوب كل منهما عن الآخر، ومنهم من يقول: باعتبار هذه الأوقات الخمسة تتكرر كل يوم، فنظرًا إلى تعدد هذه الأيام جمعت جمع كثرة، وإن كانت في الأصل قليلة، منهم من قال بالتناوب، ينوب جمع الكثرة عن جمع القلة والعكس، ومنهم من قال: جمعت جمع كثرة باعتبار تكررها في الأيام، كما يقال: شموس وأقمار، شموس وأقمار، هي قمر واحد وشمس واحدة لكن باعتبارها تتكرر جمعت.

والكتاب: مصدر كتب يكتب كتابًا وكتابة، وهذا يتكرر علينا كثيرًا فيشرح في هذا الموضع، ونستغني عنه في المواضع اللاحقة، الكتاب مصدر كتب يكتب كتابًا وكتابة وكتبًا، وأصل الكتب المادة يراد بها الجمع، كما يقال: تكتب بنو فلان، جماعة الخيل كتيبة، والحريري يقول:

وكاتبين وما خطت أناملهم حرفًا

 

ولا قرءوا ما خط في الكتبِ

يقصد بذلك الخرازين الذين يجمعون بين صفائح الجلود فيكتبونها، يعني يجمعونها بالخياطة والخرز.

باب وقوت الصلاة:

الأصل الكتاب، والكتاب يراد به المكتوب الجامع لأبواب، والأبواب تجمع فصولاً، والفصول تجمع مسائل، هذا الترتيب العرفي عند أهل العلم، لكن قد يوجد كتب دون أبواب، وقد توجد أبواب دون كتب، وقد توجد أبواب دون فصول، وهكذا، والمسألة اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح؛ ولذا فرع على ذلك بقوله: باب وقوت الصلاة.

الباب في الأصل: ما يدخل وما يخرج منه، وفي الاستعمال العرفي في الاصطلاح الخاص عند أهل العلم ما يضم مسائل علمية وفصولاً غالبًا، فاستعماله عند أهل العلم من باب استعمال الحقيقية العرفية، ومن يقول مجاز يقول: استعماله في المحسوسات حقيقة، واستعماله في المعنويات مجاز، لكنها حقيقة عرفية، واصطلاح خاص.

"قال: حدثنا يحيى بن يحيى الليثي عن مالك"، (قال) من القائل هنا؟ القائل هو الراوي عن يحيى، ثم قال بعد ذلك: "حدثني يحيى بن يحيى الليثي عن مالك بن أنس"، قد يقول قائل: من المؤلف؟ مؤلف الكتاب؟ مؤلف الموطأ من هو؟ الإمام مالك، مؤلف المسند من؟ الإمام أحمد، في المسند حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي، هل يتصور أن الإمام أحمد يقول: حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي؟ أو هنا الإمام مالك يقول: حدثنا يحيى بن يحيى عن مالك؟ نعم، إذًا كيف؟

طالب:.......

في كتب الشافعي قال الربيع: أخبرنا الشافعي، وهكذا في كتب المتقدمين كلها، الراوي للكتاب يثبت اسمه في الكتاب، وعلى هذا حذف الراوي تصرف لا يليق بأهل التحري والتحقيق، كما فعل الشيخ أحمد شاكر في المسند، حذف الإمام أحمد ومن روى عن الإمام أحمد، سواءً كان من رواية عبد الله أو من الزوائد، هذا تصرف، نعم قد يتطاول على المتقدمين من لا يعرف طرائقهم في التصنيف فيتكلم ويشكك في نسبة الكتب وهذا جهل، شخص لا علاقة له بالعلم الشرعي، وليست حياته على طريق الاستقامة أيضًا، ولا يمت إلى العلم بصلة، يكتب مؤلف اسمه: (إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي، الأم ليست للإمام الشافعي) لأنه ما يفهم، ما يعرف، إذًا الموطأ ليس للإمام مالك، والمسند ليس للإمام أحمد وهكذا، إذا أردنا أن نطرد هذا الكلام.

يعني شخص يقول: إن الحياة تفقد حيويتها حينما تكون هدىً خالصًا، ويذهب إلى أن بعض الغي رشد، مثل هذا يتكلم في كتب العلم؟ وينفي ما نسبته إلى مؤلفه أشهر من نسبة هذا الرجل إلى أبيه، (إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي، الأم ليست للإمام الشافعي) إذًا الموطأ ليس للإمام مالك، والمسند ليس للإمام أحمد وهكذا.

نعم جرت عادتهم –أعني رواة الكتب- إثبات أسمائهم في كل حديث وفي كل خبر في الكتاب، إلا ما كان من غير طريقهم، إذا كان في الكتاب ما هو من غير طريق صاحب الرواية يحذف، من له عناية بالمسند يعرف هذا الأمر.

"حدثنا يحيى بن يحيى الليثي"، وهو غير يحيى بن يحيى التميمي الذي أكثر الإمام مسلم من الرواية عنه، هذاك من رجال الكتب الستة، وهذا ذكره في كتب رجال الكتب الستة من أجل تمييزه عن ذاك، ليست له رواية في الكتب الستة "عن مالك بن أنس" الإمام المؤلف "عن ابن شهاب" محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الإمام العلم "أن عمر بن عبد العزيز" الخليفة الراشد "أخر الصلاة يومًا" يعني صلاة العصر أخرها مرة، مرة واحدة كما في بعض روايات البخاري، وليس هذا عادة له، وليس ديدنًا له وإن عرف ذلك في بني أمية، يؤخرون الصلوات، وأخر الصلاة عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد عن الوقت الأفضل، ولم يخرجها عن وقتها، أخرها حتى خرج الوقت، لم يؤخرها حتى خرج الوقت بالكلية، إنما آخرها عن الوقت المستحب، "أخر الصلاة يومًا فدخل عليه عروة بن الزبير" بن العوام "فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يومًا وهو بالكوفة، فدخل عليه أبو مسعود" أنكر عليه بالنقل، ولم ينكر عليه بالرأي، أنكر عليه بالدليل، "أخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يومًا" صلاة العصر أيضًا كما في بعض الروايات، وهو بالكوفة أميرًا عليها من قبل معاوية -رضي الله عنه- فدخل عليه أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري، نزل بدرًا فنسب إليها، ولم يشهد الوقعة عند جمهور العلماء، إنما نزلها فنسب إليها، وإن أثبته البخاري فيمن شهدها "دخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال: ما هذا -التأخير- يا مغيرة"، ما هذا؟ يعني: ما هذا التأخير يا مغيرة؟ "أليس" وهكذا جاءت الرواية: "أليس" يقول الحافظ ابن حجر: "وهو استعمال صحيح، وإن كان الأكثر في مخاطبة الحاضر (ألست) وفي مخاطبة الغائب (أليس) وهنا حاضر خاطبه بما يليق بالغائب وهو استعمال صحيح، "أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى" الصلاة الأولى بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وما هي ؟ الظهر، هي الصلاة الأولى، فصلى يعني جبريل، "فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصلاته- ثم صلى" يعني العصر "فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصلاته- ثم صلى -المغرب- فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصلاته، ثم صلى -العشاء- فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم صلى -الخامسة الفجر- فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: ((بهذا أمرت))" ((بهذا أمرت)) في بعض الروايات: ((بهذا أمرتَ)) والآمر على الحالتين هو الله -جل وعلا-، "أمرتُ" إن كان القائل جبريل أمرتُ أن أبين لك بالفعل بهذا، أو أمرتَ يا محمد أن تصلي الصلوات في هذه الأوقات.

جاء حديث إمامة جبريل مفسرًا في السنن، وأنه صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الصلاة الأولى -صلاة الظهر- حين زالت الشمس في اليوم الأول، وصلى العصر حينما صار ظل الشيء مثله في اليوم الأول، ثم صلى المغرب بعد أن وجبت الشمس –غابت-، ثم صلى العشاء لما غاب الشفق، ثم صلى الصبح بطلوع الفجر، وفي اليوم الثاني صلى الصلوات الخمس في آخر أوقاتها، فصلى الظهر حينما صار ظل الشيء مثله، وصلى العصر حينما صار ظل الشيء مثليه، ثم صلى المغرب في الوقت الذي صلاها فيه بالأمس، ثم صلى العشاء ثلث الليل، فأول الوقت على إمامة جبريل بالنسبة للظهر زوال الشمس، وآخره مصير ظل الشيء مثله، وأول وقت صلاة العصر مصير ظل الشيء مثله إلى مصير ظل الشيء مثليه، هناك أحاديث معارضة لهذا تجدر الإشارة إليها، في حديث عبد الله بن عمرو -وهو في الصحيح-: "أن صلاة الظهر من الزوال إلى مصير ظل الشيء مثله، ما لم تحضر صلاة العصر"، في حديث إمامة جبريل: "صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الظهر في اليوم الثاني حينما صار ظل الشيء مثله، وصلى به العصر في اليوم الأول حينما صار ظل الشيء مثله" وفي حديث عبد الله بن عمرو قال: "ما لم تحضر -أو ما لم يحضر- وقت العصر" في حديث إمامة جبريل يدل على أن هناك قدر مشترك في آخر وقت صلاة الظهر، مشترك يصلح أن تؤدى به صلاة الظهر أداءً وصلاة العصر أداءً بنفس الوقت؛ لأنه صلى الظهر في اليوم الثاني حينما صار ظل الشيء مثله، وصلى به العصر في اليوم الأول حينما صار ظل الشيء مثله، دل على أنه وقت واحد، يصلح لصلاة الظهر، يعني مقدار أربع ركعات يصلح لصلاة الظهر أداءً ولصلاة العصر أداءً، وبهذا يقول المالكية، وهناك قدر مشترك يصلح لصلاتين، لكن حديث عبد الله بن عمرو فيه: "ما لم يحضر وقت صلاة العصر" فدل على أنه لا اشتراك في الوقتين ما لم يحضر وقت صلاة العصر، وعلى هذا يكون معنى حديث إمامة جبريل أنه فرغ من صلاة الظهر حينما صار ظل الشيء مثله في اليوم الثاني، وشرع في صلاة العصر حينما صار ظل الشيء مثله، وحينئذٍ لا يكون هناك اشتراك، هناك حد فاصل رقيق دقيق يكون هذا الحد هو نهاية وقت صلاة الظهر، وهو أيضًا في الوقت نفسه هو بداية وقت صلاة العصر في الاشتراك، ثم وقت صلاة العصر يستمر إلى غروب الشمس وإن دل حديث إمامة جبريل إلى أنه ينتهي قبل ذلك، لكنه في أول الأمر؛ ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من آخر الصلاة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى)) فدل على أن وقت صلاة العصر يستمر إلى غروب الشمس، وأصرح من هذا الحديث الآتي: ((من صلى -أو من أدرك من- الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) فدل على أن وقت صلاة العصر يستمر إلى متى؟ إلى غروب الشمس، ووقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثله، كما في حديث عبد الله بن عمرو، وفي حديث أيضًا إمامة جبريل والاختلاف بينهما، وإن كان الحنفية يرون أن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، من مصير ظل الشيء مثليه، ومحمد بن الحسن في موطئه -يعني في روايته لموطأ الإمام مالك- يقول: إن العصر سميت عصرًا؛ لأنها تعتصر فيضيق عليها، ولا يمكن تعتصر إلا إذا قلنا: إن وقتها يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه؛ لأنها إذا بدأ وقتها من مصير ظل الشيء مثله ما اعتصرت ولا ضيق عليها، لكن هل مثل هذا الكلام تعارض به النصوص الصحيحة الصريحة؟ يستدل الحنفية بدليل فيه إغراق في العموم والبعد على أن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، يعني هو نظر من استدل بقوله -عليه الصلاة والسلام- لعائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج)) من استدل بهذا على أن الحائض تقرأ القرآن؛ لأن الحاج يقرأ القرآن، إغراق، البعد عن المراد.

استدل الحنفية على أن وقت صلاة العصر يضيق عليها وتؤخر إلى مصير ظل الشيء مثليه بمثل هذه الأمة مع الأمم السابقة: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم من الأمم كمثل رجل استأجر أجيرًا إلى منتصف النهار بدينار، ثم استأجر أجيرًا آخر إلى وقت صلاة العصر بدينار، ثم استأجر آخر إلى غروب الشمس بدينارين)) فالأجير الذي عمل إلى منتصف النهار هذا مثل اليهود، والأجير الثاني الذي عمل إلى وقت صلاة العصر هذا مثل للنصارى، والذي عمل إلى غروب الشمس هم المسلمون بدينارين، فاحتج اليهود والنصارى فقالوا: "نحن أكثر عملًا وأقل أجرًا" ولا يكون النصارى أكثر عملاً إلا إذا قلنا: إن العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، يستدلون بمثل هذا في مقابل النصوص الصحيحة الصريحة، يعني هل في الحديث ما يدل على أن وقت صلاة الظهر لا يكون أطول من وقت صلاة العصر إلا إذا امتد إلى مصير ظل الشيء مثليه؟ حتى على القول بأن وقت صلاة الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثله، نعم هو أطول من وقت صلاة العصر في كل عصر وفي كل مصر، حتى على قول الجمهور، فليس للحنفية في هذا أي مستمسك، يعني لو نظرنا إلى اليوم مثلًا كم يستغرق وقت صلاة الظهر من الوقت؟ من اثنا عشر إلا ربع إلى ثلاث إلا ربع، طيب كم ساعة؟ ثلاث ساعات، والعصر من ثلاث إلا ربع إلى خمس وخمس، ساعتين وثلث، والتقويم ماشي على القول بأن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثله وهكذا؛ لذا ابن حزم يرد عليهم بقوة، ويقول: حتى على القول بأن وقت صلاة الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثله ففي كل عصر وفي كل مصر يكون وقت صلاة الظهر أطول، يعني مع إبعادهم وإنجاعهم في الدليل والاستدلال، إلا أنه لا يتم لهم أيضًا الاستدلال بهذا.

يستمر وقت صلاة العصر إلى غروب الشمس، وهناك أوقات عند أهل العلم وقت اختيار ووقت اضطرار، وقت صلاة المغرب دل الحديث -إمامة جبريل- أنه واحد، وقت واحد غير متسع لأكثر من أداء الصلاة والتهيؤ لها، يعني بعد غروب الشمس بمقدار ربع ساعة خلاص ينتهي وقت المغرب؛ لأنه صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الثاني صلاة المغرب بنفس الوقت الذي صلى به في اليوم الأول، ولو كان لها متسع لصلاها في أول الوقت وفي آخره في اليوم الثاني كغيرها من الصلوات، بهذا يقول الشافعية، والجمهور على أن لها وقتين كغيرها، أول وآخر، يستمر الوقت من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر كما في حديث عبد الله بن عمرو.

ووقت صلاة العشاء يبدأ من مغيب الشفق، والخلاف في الشفق معروف عند أهل العلم الجمهور على أنه الأحمر، وقال الحنفية: الأبيض، ولو ذهبنا نستفصل في مثل هذه الأمور ونستطرد ونذكر المذاهب والأدلة والعلل أظن ما يكفينا شيء.

يستمر الوقت إلى ثلث الليل على ما في إمامة حديث جبريل، وفي حديث عبد الله بن عمرو إلى نصف الليل الأوسط، حديث عبد الله بن عمرو لا شك أنه في الصحيح فهو أرجح، وهو أيضًا متأخر عن حديث إمامة جبريل، ومن أهل العلم من يرى أن وقت صلاة العشاء يستمر إلى طلوع الفجر، ويستدلون بالحديث العام: ((ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى)) هذا من العام المخصوص، مخصوص بالإجماع في صلاة الصبح، فإنه لا يستمر وقتها إلى وقت الظهر، ومخصوص بحديث عبد الله بن عمرو إلى منتصف الليل الأوسط، فالقول المرجح في صلاة العشاء أنه ينتهي وقتها بنصف الليل، وقوله: أوسط؛ لأنه لا يقال: أوسط إلا إذا كان للشيء طرفان ووسط، لكن باعتبار النصف وقع في وسط الليل قيل له: أوسط، يعني لو قدامك اثنين تقدر تقول: هذا الأوسط وإلا هذا..؟ نعم، زيد وعمرو أمامك فيقول لك واحد: أيهما زيد؟ تقول: الأوسط، أتقبل؟ ما تقبل إلا إذا كانوا ثلاثة، إذًا الليل مكون من نصفين فكيف يقال: نصف الليل الأوسط؟ نعم الثلث الأوسط فيه ثلث أوسط، لكن لوقوع هذا النصف في وسط الليل قيل: أوسط.

وقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الصادق الثاني إلى طلوع الشمس، وفي حديث عبد الله بن عمرو ذكر أوله وهو من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، وبهذا نكون أتينا على الأوقات كلها.

"ثم قال: ((بهذا أمرت)) ثم قال عمر بن عبد العزيز: "اعلم ما تحدث به يا عروة" يعني: تثبت من كلامك "أو أن جبريل هو الذي أقام لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقت الصلاة؟!" نعم، ما المانع؟ ينزل بالوحي، وهو مؤتمن على ما هو أهم من ذلك، فَأَمَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- في يومين، وبيّن له الأوقات بالفعل.

"قال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعود الأنصاري -ابن الراوي- يحدث عن أبيه"، أسند الخبر إلى من قاله، من أسند فقد برئ من العهدة، والحديث مخرج في الصحيحين، أخرجه الإمام البخاري من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي أحد الرواة عن مالك، عن مالك به، وخرجه مسلم من طريق قتيبة بن سعيد، وله رواية للموطأ، ومن طريق يحيى بن يحيى التميمي، وله رواية أيضًا عن مالك للموطأ.

سم.

قال عروة: "ولقد حدثتني عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر".

نعم كذا في البخاري أردف الحديث السابق بقوله: "قال عروة: ولقد حدثتني عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-.." وتردد الكرماني الشارح كعادته في مثل هذا أنه هل هذا معلق تعليق من البخاري، أو من مقول ابن شهاب؟ هل هو من مقول ابن شهاب أو تعليق من البخاري؟ ما الفرق بينهما؟ يقول: إما مقول ابن شهاب أو تعليق من البخاري؟ الإمام البخاري كيف يصل إلى مقول ابن شهاب؟ معنى هذا أنه بالسند السابق؟ نعم؟ بالسند السابق، إذا كان من مقول ابن شهاب فهو بالإسناد السابق، وإذا كان معلقًا يعني هل عادة البخاري إذا أراد التعليق أن يثبت الواو أو يحذف الواو؟ نعم، العادة عادة عند البخاري منهج إذا جاء بالخبر أصل موصول ثم أردفه بمثل هذا: "قال عروة" هل يختلف هذا عما لو قال: "وقال عروة" حيث يريد التعليق، نعم يأتي بالواو، وإذا حذف الواو فهو بالإسناد السابق.

"قال عروة: "ولقد حدثتني عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر" هذا الخبر أخرجه البخاري متصلًا عن إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت.. إلى آخره، وأخرجه أيضًا عن قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة، وهو صحيح لا تردد في صحته.

وهذا يقول: هل ستنهون الموطأ في الوقت المعلن؟

أما النهاية ليست غرضًا وليست مقصدًا، والمقصود الفائدة، وهذا الشرح الذي سمعتموه للحديث الأول على طريق التوسط في الشرح، ما هو على طريق التطويل ولا الاختصار، وهذا شرح متوسط، وأعرف أن كثيرًا من الإخوان ودهم أن نمشي على أي حال كانت، هذا طلب في الدروس كلها، ودهم أن الكتب تنتهي على أي وجه، لكن أنا أنظر إلى أن بعض الإخوان يحب مثل هذه التفصيلات وهذه الاستطرادات التي ينتفع بها -إن شاء الله- من ينتفع، أما إنهاؤه في الوقت المعلن، نحن نقول: بداية، وهي أيضًا بداية قوية ومشجعة على النهاية -إن شاء الله تعالى-، ما يلزم أن ينتهي في الوقت المعلن والمحدد في أربعين درسًا، لا يمكن، هم يقولون: الأحاديث الموصولة المرفوعة ستمائة، والبلاغات والمقاطيع مثلها، وأقوال الإمام مالك ومن قبله من شيوخه مثلها، فهو يقرب من الألفين من الأخبار، فلو قسمنا الألفين على أربعين درسًا، يعني يصير كل يوم خمسين خبرًا، وهذا لا يمكن، وفي الأخبار ما يستوعب درسًا كاملاً على ما سيأتي، ومثلما سمعنا هذا على أنه ما هو بشرح ذا. الحديث الآتي هذا: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس، وركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس)) أنا سمعت شخص شرحه في دقيقة، وفي الجامعة شرحته في خمس محاضرات، فالشروح تتفاوت، كل شيء له ضريبة، كل شيء له ضريبة، هناك فوائد لا بد من الوقوف معها وعندها، يحتاجها طالب العلم وإلا المسألة سهلة، يعني تعليقات فؤاد عبد الباقي على الكتاب يعني لو الواحد يقتصر عليها ما كفاه شهر، وحينئذ الحضور ما يصير له قيمة، ونحن نحرص على أن يستفيد طالب العلم، وأقل الأحوال أن يعرف طريقة ومنهجًا؛ لأن كل شيخ من الشيوخ مدرسة يفاد من طريقته ومنهجه، تجلس عند فلان وعند فلان ثم تستقر أنت على ما تختاره لنفسك، والله المستعان، أما إنهاء الكتب فهذا ليس بمقصد ولا غاية، هو مشجع لكنه ليس بغاية، ينهى الكتاب على أي حال ليس بصحيح، وأيضًا بعد الاستطرادات التي تمل السامع وتقل فائدتها ينبغي تخفيفها بقدر الإمكان، وهذا ما يحصل -إن شاء الله تعالى-، ونسلك -إن شاء الله- مسلك وسط لعلنا نأخذ أكبر قدر ممكن، أما الطلبات كثيرة؛ بعضهم يقول: ننهي الكتاب، وبعضهم يقول: نختصر في الشرح، وبعضهم يقول: نستطرد ونستفيد، وبعضهم..، ولن يتفق الإخوان على شيء، جربناه في الدروس الأخرى، الدروس الثابتة تأتي الملاحظات كثيرة، ما من يوم إلا ويقول بعض الطلاب: إلى متى؟ وبعض الإخوان يقول: ميزة الدرس بهذه الاستطرادات، والشروح موجودة مبذولة ولله الحمد، وأكثر الحاضرين -فيما أعرف عنهم- ليسوا بحاجة إلى أن توضح لهم، هذه الشروح واضحة، لكن هم يريدون شيئًا لا يوجد في الشروح، والله المستعان.

نأتي إلى حديث عروة عن خالته عائشة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر، يعني تظهر تعلو، وتصير على ظهر الحجرة، كما في قوله -جل وعلا-: {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ} [(97) سورة الكهف] يعني يعلون ويصعدون فوقه، الحجرة: كل ما أحاط به حائط واحتجر فهو حجرة وحجيرة، حجرة عائشة -رضي الله عنها- أولًا: الجدار بقدر القامة والمساحة صغيرة، على عادتهم في التقلل من الدنيا، يعني من تأمل عيش النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف أنه في وادٍ ونحن في واد، إلى وقت قريب والناس لم تكن الدنيا عندهم مقصد ولا هدف، بل هي ممر، ومثل المسلم فيها كمثل قائل قال تحت ظل شجرة، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) كان ابن عمر -رضي الله عنه- يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح"، ولا أضر على المسلم من طول الأمل والتسويف الذي يعوقه عن المبادرة والمسارعة والمسابقة، لكن لو صار الإنسان كأنه غريب تقلل من الدنيا بقدر الإمكان، وشمر للآخرة، وسعى فيما يرضي الله -جل وعلا-، هذا واقعهم، هذا عيشهم، بالنسبة للمسكن -كما سمعتم- السقف بقدر القامة، والعرض بقدر ما يمد الإنسان رجليه إذا نام، كانت العوائل -أدركناهم حتى في الرياض- عائلة كبيرة تسكن في بيت مساحته ستين مترًا وما زالت هذه البيوت قائمة الآن، بسطت الدنيا فتوسع الناس وخرجوا إلى القصور وصاروا يعمرون أربعمائة مترًا، خمسمائة مترًا، ثم بعد ذلك زاد الشره والاستشراف للدنيا، كان صاحب الخمسمائة والستمائة يقول: هذا قبر، أنا أعرف أسرة تسكن في بيت واحد لما توفي والده خرجوا إلى ثلاثة وعشرين بيتًا، كانوا يسكنون في بيت واحد، لا شك أن أمور الدنيا نعمة، لكن إن استغلت فيما يرضي الله -جل وعلا- فهذا شكرها، وإلا جاء في الصحيح في بيان عيشه -عليه الصلاة والسلام- أنه يرى الهلال ثم الهلال ثم الهلال وما أوقد في بيوته -عليه الصلاة والسلام- نار؛ ولذا كان ابن عمر يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" فلسان حالنا ماذا يقول؟ نعم، إذا تغديت لا تنتظر العشاء، كُلْ أَكْلَ شخص ما هو بمدرك عشاء، وإذا تعشيت لا تنتظر الفطور وهكذا، همنا في الأكل، والله المستعان.

إذا تصورنا بيت عائشة -على ما ذكر- فمقتضى كلامها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي العصر والشمس في حجرتها، إذا قلنا: إن الجدار طول قامة، والمساحة قريبة منه، فإذا كانت في حجرتها في الأرض بمعنى أن ظل الشيء مثله، أو بعده قليلًا، أطول منه قليلًا، فكان يصلي على هذا الصلاة في أول وقتها، صلاة العصر.

"وعن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن وقت صلاة الصبح، قال: فسكت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر، ثم صلى الصبح من الغد بعد أن أسفر، ثم قال: ((أين السائل عن وقت الصلاة؟)) قال: هاأنذا يا رسول الله، فقال: ((ما بين هذين وقت))".

الحديث يرويه الإمام مالك عن زيد بن أسلم، وهو ثقة عالم، عن عطاء بن يسار ثقة أيضًا إلا أنه لم يدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- فالخبر مرسل.

"عن عطاء بن يسار قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن وقت صلاة الصبح" الخبر مرسل، والمرسل يحتج به الإمام مالك -رحمه الله-، حجة عند الإمام مالك، وكذا أبو حنيفة، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

واحتج مالك كذا النعمانُ

 

به وتابعوهما ودانوا

يحتجون بالمرسل، لكن الجمهور على رد المراسيل.

ورده جماهر النقادِ

 

للجهل بالساقط في الإسنادِ

 على كل حال الحديث مروي موصول عن أنس عند النسائي وغيره، بإسناد صحيح، فالخبر صحيح، والخبر إذا روي مرسلًا وروي موصولًا فيه ما يسمى بتعارض الوصل مع الإرسال، وهل يعل الموصول بالمرسل أو يعضد به؟ نعم، أو لا يحكم بحكم عام؟ بل منه ما يعل به، ومنه ما يعضد به، نعم.

"جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن وقت صلاة الصبح" يعني بداية ونهاية، قال: "فسكت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني ما أخبره، ما أجابه بالقول -عليه الصلاة والسلام-، وإنما أجابه بالفعل، والفعل أبلغ، "فسكت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر"، يعني في أول وقتها "ثم صلى الصبح من الغد بعد أن أسفر، ثم قال: ((أين السائل عن وقت الصلاة؟)) قال: هاأنذا يا رسول الله، قال: ((ما بين هذين وقت))" الحديث يدل على أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر، والمراد به الفجر الثاني، الصادق، المنتشر في الأفق إلى الإسفار، هذا ما يدل عليه الحديث، وحديث عبد الله بن عمرو ما لم تطلع الشمس يدل على أنه يستمر إلى أن تطلع الشمس، نعم هذا المذكور في الحديث وهو وقت الاختيار، أما وقت الاضطرار إلى طلوع الشمس، وإن كان الوقت المفضل عند الحنفية هو الإسفار، والجمهور وقتها المفضل التغليس على ما سيأتي.

في الحديث الآتي -إن شاء الله تعالى-: ((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) دليل على أن وقت صلاة الصبح يستمر إلى أن تطلع الشمس، وأن صلاة من أدرك ركعة واحدة وأضاف إليها أخرى ولو بعد طلوع الشمس تكون في وقتها وأداءً، وإن كان هذا وقت وقت اضطرار، لكنه وقتها، نعم لا ينبغي للمسلم أن يتعمد أن يؤخر الصلاة إلى هذا الحد بحيث لا يدرك منها إلا جزء، عليه أن يقتدي به -عليه الصلاة والسلام-، يصلي الصبح بغلس على ما سيأتي.

فالوقت المذكور في الحديث من طلوع الصبح إلى الإسفار هذا وقت الاختيار، والاستمرار إلى طلوع الشمس هذا وقت الاضطرار، وكله وقت، وما فعل بين طلوع الصبح إلى طلوع الشمس كله أداء.

نعم نعود إلى شرح أحاديث الكتاب.

سم.

"قال الإمام يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس".

يقول الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي الصبح فينصرف النساء -ممن حضر الصلاة- متلفعات" كذا في الطبعة الموجودة، كذا عندك؟

طالب: نعم.

بالعين؟

طالب: نعم.

رواية يحيى كما في الاستذكار لابن عبد البر: "متلففات" بفائين، ونحن نعتمد على رواية يحيى، فالرواية: "متلففات"، ورواية غير يحيى: "متلفعات" بالعين، والمعنى واحد، لكن العبرة بما في الرواية الموافقة للمشروح؛ لأن أهل العلم يؤكدون على اعتماد رواية يعتمدها الإنسان لنفسه ويرجع إلى ما عداها، ما يترجح له من الروايات يعتمد عليه، ويرجع إلى ما عدا هذه الراوية من الروايات الأخرى ليأخذ ما فيها من زيادات، ما معنى الروايات؟ روايات الكتب، مثلما أشرنا أن الموطأ له روايات، منها: رواية يحيى التي بأيدينا، ولفظها: "متلففات"، الروايات الأخرى: "متلفعات" والمعنى واحد، التلفع والتلفف بمعنى واحد.

طالب: من أين جاء الإشكال على صاحب النسخة، مع أنه اعتمد على مخطوطات؟

الصورة واحدة، الصورة قريبة، الصورة مع بُعْد العهد واحدة، الأمر يسير؛ لأن عندهم النقط ما يعتنون به، العناية بالنقط متأخر.

المروط: جمع مرط، أكسية من صوف أو من خز، معروفة عندهم، والمراد يتلففن بذلك، بهذه المروط، بهذه الأكسية، وهي قريبة مما يستعمل في العصور المتأخرة من العباءات التي تحيط بالبدن كله، المراد بالعباءة التي تغطي البدن كله، هذا هو المطلوب، وهناك: يتلففن ويتلفعن بمروطهن، يعني من تمام الاحتجاب، ولا أعني بالعباءات هذه العباءة التي يلبسها بعض النساء مما عدمها خير من وجودها مما يثير الفتنة، هذه خطوة من خطوات الشيطان التي يتبعها بعض الناس، إما لتساهل ورقة في الدين، أو لكونه مغلوبًا على أمره من قبل النساء، أو من باب التقليد، لكن قد يوجد من يقصر مثل هذا الفعل ومن هذا الأمر ممن وظيفته سلخ الناس من أديانهم، وما يحمي هذه الأديان، فهذه العباءات التي يلبسها بعض النساء الرقيقة التي تبين وتوضح ما تحتها من الثياب، وحجم البدن أيضًا بما تشتمل عليه من أحزمة، وما أشبه ذلك، ليأتي من يأتي من المنافقين –وهذه وظيفتهم- من يقول: لا داعي لهذه العباءة، هذه لا فرق بينها وبين الثوب، وهذه خطوة أيضًا من خطوات الشيطان.

وإذا تأملنا ما جاء في آخر سورة الأحزاب أدركنا يقينًا أن المنافقين هذا عملهم، من عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [(59 -60) سورة الأحزاب] التعقيب له فائدة، ما جاءت الثانية عبثًا، هذه وظيفته وهذا عمله كما هو عمل سلفهم في المعصية الأولى، إبليس، ماذا قال بالنسبة {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا} [(20) سورة الأعراف] وهؤلاء المنافقون يتبعون خطوات الشيطان، وبعض المغفلين من المسلمين، بل بعض من تظهر عليه آثار الخير والصلاح ينساق وراء هذه الأمور من حيث لا يشعر، ونساء الصحابة ما يعرفن،........ هن متلفعات متلففات بالمروط، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي بغلس، فلا يعرفن من الغلس، والغلس والدلس: هو اختلاط النور بالظلام بحيث لا يتميز المرئي، بحيث لا يتميز المرئي يعني بالنسبة لصلاة الصبح، يبادر بها -عليه الصلاة والسلام- فيصليها بغلس، هذا ديدنه -عليه الصلاة والسلام-، وجاء الأمر بالإسفار، والحديث قابل للتحسين: ((أسفروا بالصبح تؤجروا)) أو ((فإنه أعظم لأجوركم)) والمراد بالإسفار هنا -وإن تمسك به الحنفية في تأخير صلاة الصبح- إلا أن المراد به التأكد من طلوع الفجر عند الأكثر، المراد بالإسفار هنا التأكد من طلوع الصبح؛ لئلا يفهم أنهم يصلون بغلس فيبادر ويبالغ في المبادرة حتى يصلي الصلاة قبل وقتها، والكلام حول صلاة الصبح وحول ما في التقويم من مطابقة للواقع وعدم المطابقة سمعتموه كثيرًا، وبعضهم يذكر أنه رقب طلوع الصبح وجد التقويم يتقدم عليه بمدد متفاوتة حسب تفاوت فصول السنة، وأكثر ما قيل: ثلث ساعة، ربع ساعة، عشر دقائق إلى أن يقرب من الموافقة.

المقصود أن هذا كلام دار من سنين، والشيخ ابن باز -رحمه الله- كلف لجنة ورقبت الأمر، وكتب في الصحف أن التقويم مطابق، ومازال التشكيك موجودًا، حتى من طلبة العلم من يرى أنه متقدم حتى الآن، بعد اللجنة التي كونها الشيخ، ورقبت، فعلى هذا لو أخرت الإقامة لصلاة الصبح عن التقويم نصف ساعة أحوط، كأن الوزارة معممة، أظن خمسًا وعشرين دقيقة، يعني لو أكمل النصف أحوط، وعلى كل حال الأمر منوط بجهة، يعني تبرأ الذمة -ولله الحمد- بتقليدها من أهل العلم الكبار، والأمر معروض بين يديهم، ولو كان فيه ما فيه ما عرضوا عبادات الناس للخطر، نسأل الله -جل وعلا- أن يدلهم على الصواب، وأن يوفقهم للعمل به والأمر بين أيدهم، والله المستعان، نعم.

أحسن الله إليك:

"عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج كلهم يحدثونه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)).

يقول الإمام مالك -رحمه الله- يروي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، ويروي أيضًا عن بسر بن سعيد وعن الأعرج، الثلاثة كلهم يحدثونه عن أبي هريرة، والإمام البخاري يروي الخبر من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن هؤلاء الثلاثة، عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج، كلهم عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)).

((أدرك)) يعني تمكن من فعل هذه الركعة قبل طلوع الشمس، وأضاف إليها أخرى بعد طلوع الشمس أدرك صلاة الصبح في وقتها، وهل تكون كلها أداء أو يكون ما في الوقت أداء، وما بعد الوقت قضاء؟ قولان لأهل العلم، والمرجح أنها أداء، مادام أدرك جزءًا منها في الوقت فهي أداء، ومثلها العصر إذا أدرك ركعة قبل غروب الشمس وأضاف إليها ثلاث ركعات بعد الغروب، يكون مدركًا للعصر، وهذا ما يدل عليه الحديث، وهذا من فضل الله -جل وعلا-، وسعة فضله ورحمته، وإلا القياس أن يكون ما أدركه في الوقت أداء وما أدركه بعد الوقت قضاء، والحديث يدل على أن من أدرك أقل من ركعة، كبر للإحرام وقرأ الفاتحة ثم طلعت الشمس أو قرأ الفاتحة وما بعدها، والمراد بالركعة هنا الكاملة بقيامها وركوعها وسجدتيها، فإذا أدرك الركعة كاملة أدرك الوقت، وبهذا قال جمع من أهل العلم، وهو ما يدل عليه الحديث، جاء في الصحيح: ((من أدرك سجدة)) بدل ركعة، وبهذا يستدل من يقول: إنه يدرك الوقت بإدراك أي جزء من الصلاة، وهذا نسبه النووي للجمهور، يعني لو كبر قبل طلوع الشمس ثم طلعت الشمس يكون مدركًا، ومثله -هذا بالنسبة للصبح- ومثله بالنسبة لصلاة العصر، والحديث الذي معنا نص في الركعة، وبعد الحديث الذي ذكرناه في الصحيح: ((من أدرك سجدة)) جاء بعده عن الراوي: "والسجدة إنما هي الركعة" ومعلوم أن السجدة تطلق ويراد بها الركعة، والسجود يطلق على الركوع، {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجدًّا} [(154) سورة النساء] يعني هل يتصور أن يدخلونه سجدًا أم ركوعًا؟ والعكس تطلق الركعة ويراد بها السجدة {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [سورة ص:24] يعني ساجدًا، والحديث صريح في الدلالة على أنه لا يدرك الوقت إلا إذا أدرك ركعة كاملة، وإن نسب النووي للجمهور أنه يدرك الوقت بإدراك أي جزء من الصلاة، فإذا صلى ركعة قبل أن تطلع الشمس ثم أضاف إليها الأخرى ولو بعد طلوع الشمس يكون مدركًا للوقت، وعرفنا أن مثل هذا العمل لا ينبغي للمسلم اعتماده، أن يعتمد مثل هذا ويؤخر الصلاة حتى لا يبقى من وقتها إلا دقيقة أو دقيقتين ثم بعد ذلك يصلي، لا، إنما يصلي الصلاة لوقتها، مقتديًا بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، حيث ينادى بها مع جماعة المسلمين، هذا الأصل، لكن من غلبته عيناه أو انشغل بأمر لا يستطيع تركه، وفي تركه حرج ومشقة، مثل هذا الأمر فيه سعة ولله الحمد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نام عن صلاة الصبح ولم يوقظه إلا حر الشمس، وهذا أيضًا من رحمة الله -جل وعلا- بعباده، وإلا لو تصورنا مثلًا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حصل له هذا الموقف، ما فاتته صلاة قط، كيف يهنأ للمسلم عيش وهو يفوته ما يفوته في كل يوم أو في كل أسبوع أو في كل شهر؟ والناس يتفاوتون في حرصهم على الخير، لكن من رحمة الله -جل وعلا- بعباده أن نام النبي -عليه الصلاة والسلام- عن هذه الصلاة، فنومه -عليه الصلاة والسلام- فيه تسلية لمن يحصل له مثل هذا، وإلا كثير من الناس ما يحتمل مثل هذا الحدث؛ لحرصهم على الخير، ولذا لا ينبغي للمسلم أن يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها، ويجعل صلاته على خطر، ولو أدرك الوقت بإدراك ركعة، لا يعرض صلاته للخطر، لكن لو حصل له ما يمنعه مما لا يستطيع دفعه فالدين فيه فسحة ولله الحمد، والأصل أن الصلاة تصلى في أول وقتها إلا ما استثني من صلاة الظهر في حال الحر الشديد، وصلاة العشاء الأفضل تأخيرها ما لم يشق على المأمومين وهكذا.

الإدراك: عندنا إدراك وقت كما هنا، وإدراك ركعة، يدرك الوقت بإدراك ركعة على الخلاف الذي ذكرناه، وتدرك الركعة بإدراك الركوع خلافًا لمن لا يسقط الفاتحة عن المسبوق، قول أبي هريرة وقال به بعض العلماء، لكن عامة أهل العلم على أن الركعة تدرك بالركوع، والمسبوق تسقط عنه الفاتحة، إدراك تكبيرة الإحرام وإدراك الجماعة، عندنا الإدراكات: إدراك الوقت كما هنا، إدراك الركعة بإدراك الركوع، إدراك تكبيرة الإحرام بأي شيء؟ نعم؟ قبل أي شيء؟

طالب:......

لا، قبل أن يشرع بالركن الذي يليها وهو القراءة، ومنهم من يقول: تفوت التكبيرة بفوات الركن الثاني وهو الفاتحة؛ ولذا جاء عن بلال أنه يقول: "لا تسبقوني بآمين"، المقصود أنه لعل الإنسان أن يحرص أن يكبر قبل أن يشرع الإمام في القراءة ليدرك تكبيرة الإحرام.

إدراك الجماعة: إدراك الجماعة منهم من يقول: يدركها إذا أدرك أي جزء من الصلاة، وهذا قول الأكثر؛ ولذا عند الفقهاء من كبر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس، وجمع من أهل التحقيق يرون أنه لا يدرك الجماعة إلا إذا أدرك ركعة؛ لأن ما دون الركعة لا يسمى صلاة، وهذا يأتي -إن شاء الله تعالى-، لكن استطراد بمناسبة الإدراك، نعم.

هنا ملاحظة: مذهب الحنفية له ارتباط في هذا الحديث، عند الحنفية أنه إذا كبر لصلاة الصبح ثم طلعت عليه الشمس ما الحكم عندهم؟ ها؟ تبطل الصلاة عندهم، إذا طلعت عليه الشمس تبطل صلاته، بينما الشق الثاني من الحديث لو كبر قبل غروب الشمس ثم غربت عليه الشمس ما تبطل صلاته، ما الفرق بين المسألتين؟ نعم هو في صلاة الصبح دخل وقت النهي، وفي صلاة العصر خرج وقت النهي والفرق ظاهر؛ ولذا لا يصححون حتى الفريضة عندهم في وقت النهي الذي هو المضيق، ويستدلون بكونه -عليه الصلاة والسلام- لما انتبه وقد طلعت عليه الشمس أخر الصلاة حتى انتقل إلى مكان آخر، هم يقولون: لكي يخرج وقت النهي وترتفع الشمس، لكن إذا عرفنا أنه لم يوقظه -عليه الصلاة والسلام- إلا حر الشمس يكون حينئذ وقت النهي قد خرج بلا شك، وكونه -عليه الصلاة والسلام- انتقل؛ لأن قضاء الفوائت يجب فورًا، كونه انتقل من المكان إلى مكان آخر بينت العلة في النص "لأنه مكان حضر فيه الشيطان" وعلى هذا من فاتته الصلاة في مكان -نام عن صلاة- هل ينتقل إلى غيره؛ لأنه مكان حضر فيه الشيطان؟ هل يشرع له أن ينتقل أو نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف أنه حضر الشيطان؟ نعم، أنت افترض أن شخصًا ما عنده إلا غرفة واحدة، أين ينتقل؟ يصلي في الشارع أم إلى أين يذهب؟ نعم، وإذا تصورنا أن مع الأسف الشديد بيوت كثير من المسلمين لا تفارقها الشياطين، أين يصلي هذا؟ البيت الذي فيه كلب أو صورة هذا لا تدخله الملائكة، وإذا كان المكان يخلو من الملائكة من يخلفه، البيت الذي تستعمل فيه المنكرات من معازف ومزامير ورقية الشيطان، يعني المسألة تحتاج إلى إعادة نظر، كثير من المسلمين تساهل، تسامح إلى حد غير مرضٍ، ولا تجد فرقًا في حياته بينه وبين غيره، مع الأسف أنه يوجد عند بعض طلاب العلم مثل هذه الأشياء، توسعوا توسعًا غير مرضٍ، وعللوا لأنفسهم، واسترسلوا في استعمال المباحات حتى وقعوا في الشبهات ثم المحرمات، والله المستعان، فعلينا أن نحرص الحرص الشديد أن نطهر بيوتنا من هذه الآلات الجالبة للشياطين، الطاردة للملائكة، والله المستعان، نعم.

أحسن الله إليك:

"عن مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله: "إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ثم كتب أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعًا إلى أن يكون ظل أحدكم مثله، والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة قبل غروب الشمس، والمغرب إذا غربت الشمس، والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، والصبح والنجوم بادية مشتبكة".

يقول -رحمه الله تعالى-: "عن مالك عن نافع مولى ابن عمر أن عمر بن الخطاب -الخليفة الراشد- كتب إلى عماله: "إن أهم أمركم عندي الصلاة" وهي كذلك في الشرع؛ لأنه يخاطب من يقول: لا إله إلا الله، فأهم الأركان بعد لا إله إلا الله، بعد الشهادتين الصلاة، الركن الثاني، "إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها"، حفظها وأتقنها، وجاء بها على مراد الله -عز وجل- على ما بَيَّنه رسوله -عليه الصلاة والسلام- حافظ عليها، سارع إلى فعلها في وقتها، "حفظ دينه"، وجاء في الحديث أن المقياس الصلاة في الحساب، فإذا قبلت صلاته قبل سائر عمله، و إذا ردت رد سائر عمله، "فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة"، نعم الصلاة ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، فالشيء الذي يفقد آخره يفقد كله، إذا شربت آخر دفعة في الإناء، أيكون فيه شيء؟ ما يكون فيه شيء، ويوجد في بيوت المسلمين من يضيع الصلاة عن وقتها، ويجمع الصلوات من غير عذر، بل وجد من لا يصلي بالكلية، مع الأسف الشديد، ومعروف حكم تارك الصلاة، القول المفتى به والذي تدل عليه النصوص أنه يكفر، بعض علماء المغرب في القرن السابع يقرر أن الخلاف في حكم تارك الصلاة كلام نظري، كلام نظري يمرن عليه الطلاب، ما هو بكلام عملي، يتصور أن يقع؟ لا، يعني كما تقرءون في كتب الفرائض: توفي شخص عن مائة جدة، كلام نظري ما يمكن يقع، لكن يمرن عليه الطلاب فقط، يعني لا يتصور أن مسلم يترك الصلاة، يقول: نعم، إن وجد في عند شرار الناس في آخر الزمان بعد الدجال، يمكن، أما في وقت استقامة الحال في ظل دولة مسلمة تأطر الناس على الحق ما يتصور هذا، والله المستعان.

"ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ثم كتب أن صلوا الظهر" يبين -رضي الله عنه وأرضاه- المواقيت "صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعًا" يعني بعد الزوال، وبعد فيء الزوال إلى أن يكون ظل أحدكم مثله، بين وقت الظهر بداية ونهاية، "والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية"، يعني قبل أن تصفر الشمس "قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة قبل غروب الشمس" الفرسخ كم كيلو؟

طالب:......

قريب من الخمسة، خمسة كيلو، "قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة" يعني كم كيلو: فرسخين أو ثلاثة؟ خمسة عشر كيلو، خمسة عشر كيلو تمشي على الأقدام بكم؟ الكيلو في المشي المتوسط عشر دقائق، لكن الراكب يقطعها بمدة أقل، المقصود أننا إذا نظرنا إلى هذه المسافة إلى غروب الشمس عرفنا أن الصلاة تصلى والشمس بيضاء نقية، لم تصفر في أول وقت، "والمغرب" يعني: وصلوا المغرب إذا غربت الشمس، لا بد من تحقق الغروب، "والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل" كما صلى جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الثاني إلى ثلث الليل، ويبقى أن الوقت يمتد إلى نصفه على ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو، وفيما قررناه سابقًا، "فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه" ثلاثًا، ما معنى: من نام؟ نام متى؟ نعم، نام عن صلاة العشاء، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يكره النوم قبلها، كما أنه -عليه الصلاة والسلام- يكره الحديث بعدها، "من نام" يعني قبل صلاة العشاء يدعو عليه ألا ينام، أن يصاب بالأرق، "فمن نام فلا نامت عينه" أو يبتلى بأمر يشغله عن النوم في بدنه أو ماله أو ولده، يدعى عليه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يكره النوم قبلها.

"والصبح –يعني: وصلوا الصبح- والنجوم بادية مشتبكة" يعني في الظلام، قبل الإسفار الذي تختفي بسببه النجوم، ومفاده أن تصلى الصبح في أول وقتها على ما تقدم من فعله -عليه الصلاة والسلام-، نعم.

أحسن الله إليك:

"عن مالك عن عمه أبي سهيل عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى: "أن صلِّ الظهر إذا زاغت الشمس، والعصر والشمس بيضاء نقية، قبل أن يدخلها صفرة، والمغرب إذا غربت الشمس، وأخر العشاء ما لم تنم، وصلّ الصبح والنجوم بادية مشتبكة، واقرأ فيها بسورتين طويلتين من المفصل".

يقول: "وعن مالك عن عمه أبي سهيل" عن عمه أبي سهيل بن مالك اسمه نافع، نعم، "عن أبيه" مالك بن أبي عامر "أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: أن صلِّ الظهر إذا زاغت الشمس" يعني إذا مالت إلى جهة المغرب، "والعصر والشمس بيضاء نقية"، يعني في أول وقتيهما "قبل أن يدخلها صفرة" على ما تقدم، "والمغرب إذا غربت الشمس" إذا تأكدت من سقوط الشمس ومغيبها صلِّ المغرب ولا تؤخرها عن ذلك؛ لأن تعجيلها أفضل، "وأما العشاء فأخرها ما لم تنم" يعني لا تعرض صلاتك للخطر، من السنة في صلاة العشاء أن تؤخر، ((إنه لوقتها)) يعني ثلث الليل ((لولا أن أشق عليكم)) لكن إذا وجدت المشقة فيبادر بها؛ لئلا يشق على الناس، لكن لو اجتمع مجموعة واتفقوا على أن يخروا صلاة العشاء إلى ثلث الليل أفضل بلا شك، أما إذا وجد من يشق عليه التأخير فصلاتها في أول الوقت أفضل؛ ولذا قال: "وأخر العشاء ما لم تنم" لأنه إذا غالبه النوم شق عليه التأخير، كما أنه لو ارتبط بجماعة واضطرهم إلى التأخير شق عليهم، الأفضل فعل الأرفق بالمأمومين.

"وصلِّ الصبح والنجوم بادية مشتبكة" يعني قبل الإسفار الذي تذهب بسببه النجوم، "واقرأ فيها –يعني في صلاة الصبح- بسورتين طويلتين من المفصل" من المفصل: والمفصل من ق إلى آخر القرآن، ومنهم من يقول: من الحجرات إلى آخر القرآن، لكن التحزيب المعروف عن الصحابة يدل على أن المفصل من ق؛ لأنهم يجعلون القرآن سبعة أحزاب، ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاثة عشرة، ثم المفصل، ثلاث سور، التي هي البقرة وآل عمران والنساء، ثم خمس: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة، ثم سبع: يونس وهود ويوسف والرعد، إبراهيم، الحجر، النحل، ثم تسع: من الإسراء إلى الشعراء، ثم إحدى عشرة: من الشعراء إلى يس، ثم ثلاثة عشرة من يس إلى الحجرات، ثم المفصل من ق، دل على أن المفصل يبدأ من ق إلى آخر القرآن، ويقرأ في صلاة الصبح من طواله، نعم.

فمن طوال المفصل هذه السنة في صلاة الصبح، وجاء في وصفها أنها تطول فيها القراءة، ففي حديث عائشة: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في الحضر، وزيد في الحضر، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة" تطول فيها القراءة، وحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- تطويل صلاة الصبح، وتطويل صلاة الظهر بما لا يشق على المأمومين، فإذا شق عليهم كره التطويل ((أفتانٌ يا معاذ؟)) وأهل العلم يقررون شيئًا مطردًا في صلاة الصبح تطول القراءة من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وما عدا ذلك من أوساطه، لكن هذا أغلبيّ وليس بكليّ بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قرأ في المغرب بالطور، وقرأ فيها الأعراف، لكن الغالب أن هذه صفة صلاة المغرب القصر، وصفة صلاة الصبح الطول، قرأ في صلاة الصبح الزلزلة، فدل على أن التطويل والتقصير أغلبيّ لا كليّ، نعم.

أحسن الله إليك:

"عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: "أن صلِّ العصر والشمس بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب ثلاثة فراسخ، وأن صلِّ العشاء ما بينك وبين ثلث الليل، فإن أخرت فإلى شطر الليل، ولا تكن من الغافلين".

يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى" عامله على الكوفة "أن صلِّ العصر والشمس بيضاء نقية –كما تقدم- قدر ما يسير الراكب ثلاثة فراسخ" خمسة عشر كيلو قبل غروب الشمس، "وأن صلِّ العشاء ما بينك وبين ثلث الليل"، يعني من بين مغيب الشفق إلى ثلث الليل، والأصل التأخير، إلا إذا اعترى هذا الأصل ما يعارضه من مشقة؛ ولذلك قال في الرواية السابقة: "ما لم تنم" "فإن أخرت فإلى شطر الليل" فدل على أن وقت صلاة العشاء ينتهي بمنتصف الليل، "فإن أخرت فإلى شطر الليل" يشهد له حديث عبد الله بن عمرو الذي ذكرناه آنفًا، "ولا تكن من الغافلين" يعني: إن أخرتها عن هذه الأوقات فأنت من الغافلين، والغفلة والسهو بمعنى واحد، فالذي يؤخر الصلاة عن وقتها ساهٍ عنها، {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [(4-5) سورة الماعون] {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} هم الغافلون، الذين يؤخرون الصلوات عن أوقاتها، هؤلاء لهم ويل، كلمة عذاب، نسأل الله العافية، أو وادٍ في جهنم، الأمر ليس بالسهل، ليس بالهين، بعض الناس ديدنه تأخير صلاة الصبح إلى أن يخرج للدوام، الدوام يبدأ سبع يركب الساعة ست ونصف ويأتي بركعتين ويخرج للدوام، هذا جمع من أهل العلم يقولون: لا يصلي، خلاص إذا تعمد تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها لا يصلي، وابن حزم -كما ذكرنا آنفًا- نقل الإجماع على أنه لا يصلي، وإن كان عدا الإجماع نقل عن الطرف الآخر أنه يلزمه القضاء، وعليه الإثم الشديد، ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، نسأل الله العافية، نعم.

أحسن الله إليك:

"عن مالك عن يزيد بن زياد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سأل أبا هريرة عن وقت الصلاة فقال أبو هريرة: "أنا أخبرك صلِّ الظهر إذا كان ظلك مثلك، والعصر إذا كان ظلك مثليك، والمغرب إذا غربت الشمس، والعشاء ما بينك وبين ثلث الليل، وصلِّ الصبح بغبش، يعني الغلس".

يقول: "وحدثني عن مالك عن يزيد بن زياد" أو ابن أبي زياد؟ غير يزيد بن أبي زياد، "عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سأل" عبد الله بن رافع مولى أم سلمة "سأل أبا هريرة عن وقت الصلاة، فقال أبو هريرة: أنا أخبرك، صلِّ الظهر إذا كان ظلك مثلك، والعصر إذا كان ظلك مثليك، والمغرب إذا غربت الشمس" صلِّ الظهر إذا كان ظلك مثلك، كلام صحيح؟ مقبول؟ أو مراده إلى أن يصير؟ يعني لا تؤخرها عن هذا؟ يعني كأنه يفترض أن الرجل يريد أن يؤخر الصلاة، يعني لا تؤخرها عن هذا الحد، فهذه نهاية وقت صلاة الظهر، لا أنه يأمره ابتداءً أن يصلي أو يؤخر الصلاة إلى هذا الحد، كأنه عرف من حاله أنه لا يتمكن من الصلاة في أول وقتها، فيقول: أقل الأحوال أن تصلي إذا صار ظلك مثلك، وهو نهاية وقت صلاة الظهر وإلا في حال السعة ووقت الاختيار لا، لا يرقب الإنسان آخر الوقت، بل عليه أن يبادر، أو يكون الوقت والظرف الذي يعيشه وقت السؤال وقت حر شديد، وحينئذ يأمره بأن يصلي صلاة الظهر في آخر وقتها، للأمر بالإبراد، "والعصر" يعني: وصلِّ العصر "إذا كان ظلك مثليك" مثليك، وعرفنا أن الحنفية يقولون: يبدأ وقت صلاة العصر إذا صار ظل الشيء مثليه، والجمهور على أنه يبدأ إذا صار ظل الشيء مثله، وعلى كل حال إذا كان ظله مثليه يكون انتصف الوقت، وهو في الوقت ولم تصفر الشمس بعد، "والمغرب" يعني: وصلِّ المغرب "إذا غربت الشمس، والعشاء ما بينك وبين ثلث الليل" وهذا كله تقدم، في موطأ محمد زيادة في هذا الخبر: "فإن نمت إلى نصف الليل فلا نامت عينك" "وصلِّ الصبح بغبش، يعني الغلس"، كما هو في رواية محمد، يقول: "وصلِّ الصبح بغلس" وهنا: "بغبش" والغبش: هو الغلس كما جاء تفسيره في الخبر، يعني الغلس، وإن قال الخطابي: "الغبش قبل الغبس وبعده الغلس" غلس وغبش وغبس، مرتبة، الغبش قبل الغبس، والغبس قبل الغلس، وهي متقاربة، كلها في أول وقت صلاة الصبح، نعم، والجمهور على تقويته.

أحسن الله إليك:

"عن مالك عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: "كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر".

قوله: "لا يتابع على حديثه ما دام الجمهور على توثيقه" يحتمل أنه على حديث معين، على حديث معين، خالف فيه غيره من الثقات فلا يتابع عليه، وهنا يقول أيضًا: "وحدثني عن مالك عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: "كنا نصلي العصر، ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر"، "كنا نصلي" وهذا من باب قول الصحابي: كنا نفعل، كنا نفعل، فإن أضافه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا إشكال في كونه مرفوعًا، لكن إن لم يضفه كما هنا "كنا نصلي"؟ فالخلاف بين أهل العلم في كونه مرفوعًا أو موقوفًا معروف، لكن ظاهر من قوله أو من السياق أنه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، "كنا نصلي العصر، ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر" كانت منازلهم خارج المدينة، وهم يؤخرون الصلاة عن أول وقتها ولا يخرجونها عن الوقت المختار، يعني إلى منتصف الوقت، فهذا يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يبادر بصلاة العصر، فيخرج الخارج إلى مسافة ميلين من المدينة إلى منازل بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون، وهم يصلون في الوقت، فدل على أن السنة المبادرة بصلاة العصر، وعدم تأخيرها، والحديث مخرج في البخاري من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن إسحاق عن أنس، ففيه دليل على مشروعية المبادرة بصلاة العصر، نعم.

أحسن الله إليك:

"عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أنه قال: "كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة".

 وهذا مثله يقول: "كنا نصلي العصر، ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة"، ما زالت بيضاء مرتفعة لم تصفر، بعد هذه المسافة من مسجده -عليه الصلاة والسلام- إلى قباء على ثلاثة أميال، من بعيد ولا يتصور أنهم على هذه الوسائل التي تقطع المسافات بالسرعة، لا، يعني إما على الأقدام أو على الدواب، وكلها بطيئة السير، ثلاثة الأميال تحتاج إلى ثلاث كيلو يعني ساعة إلا عشر، قريب من الساعة، نعم.

الحديث مخرج في البخاري من طريق عبد الله بن يوسف التنيسي، وله رواية عن مالك، عن مالك عن ابن شهاب به، نعم.

أحسن الله إليك:

"عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد أنه قال: "ما أدركت الناس إلا وهم يصلون الظهر بعشي".

عن مالك، يقول: حدثني "عن مالك عن ربيعة -الرأي- بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد" أحد الفقهاء السبعة:

فخذهم عبيد الله عروة قاسم 

 

سعيد أبو بكر سليمان خارجة

 

فالقاسم أحد الفقهاء السبعة أنه قال: "ما أدركت الناس -يعني من التابعين، هو من التابعين- قال: "ما أدركت الناس –يعني الصحابة وكبار التابعين، وهم خيار الأمة- إلا وهم يصلون الظهر بعشيّ" بعشيّ: يعني بعد تمكن الوقت، والعشي يبدأ من الزوال إلى الغروب، فمراده أنهم لا يصلون حتى يتأكدون من دخول الوقت، وقد يفهم منه أنهم يؤخرون الظهر حتى يتمكن العشي من الدخول، وكأنه يلمح بذلك إلى الإبراد في الصلاة في وقت الحر، نعم.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
يقول: نحن الآن عندنا في المدينة مطر والمسجد أمام بيتي مباشرة، والناس في المسجد يجمعون بالصلاة فهل يجوز لي أن أجمع معهم؟ مع أن المسجد قريب جدًّا؟

نعم يجوز أن تجمع؛ لأن الرخصة إذا نزلت أو أتيحت عَمّت، ولا يفترض أن الناس يستوون في المشقة، لكن إذا وجد أصل المشقة فتوجد الرخصة، فتعم الجميع -إن شاء الله تعالى-، والدين -ولله الحمد- فيه فسحة لمثل هذا، والله أعلم.