التعليق على الموافقات (1434) - 06

نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

 الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،   أما بعد، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "المسألة الثالثة عشرة: مبنية على ما قبلها، فإنه إذا تعين أن العدل في الوسط، فمأخذ الوسط ربما كان مجهولاً، والإحالة على مجهول لا فائدة فيه، فلا بد من ضابط يعول عليه في مأخذ الفهم. والقول في ذلك -والله المستعان- أن المساقات".

الوسط لا شك أن في تحريره نوع صعوبة، فالأول والأخير سهل، الأول والأخير سهل.

طالب: .......

نعم، واضح ولا يلتبس بغيره، يعني لو قال لك أبوك: هات أول رأس من الغنم، تدخل الحوش وتجيء بأول رأس، سهل. نعم. أو الآخر، آخر واحدة التي عند الملحق هناك، ما تلتبس بغيرها. لكن لو تجيء بواحدة من الوسط؟ ماذا تقول يا أبا عبد الله، هذا يهمك؟

طالب: صحيح.

ماذا؟

 كل شيء في الوسط يكون مترددًا بين اثنين يكون فيه وعورة، ونحن نمثل بالحديث الحسن الذي هو وسط بين الصحيح والضعيف، أعيا أمره على أهل العلم، وضبطه عز عليهم، حتى قال الذهبي: إنه لا مطمع في تمييزه. لماذا؟ لأنه متردد بين اثنين، أنت إن تساهلت قليلاً نزلت، وإن شددت طلعت. فهذا التردد الأمر الواقع بين أمرين لا بد أن يوجد فيه مثل هذا التردد. وعلى كل حال: لو كان الثلاثة، واحد اثنين ثلاثة، الوسط والثاني وانتهى. نعم. لكن متردد بين أمور كثيرة، الأول واحد والأخير واحد، لكن الوسط كيف تختار منه ما تختار؟ هذا وجه ال... فلا بد "والإحالة على مجهول لا فائدة فيه، فلا بد من ضابط يعوَّل عليه في مأخذ الفهم"، نعم.

طالب: "والقول في ذلك والله المستعان: أن المساقات تختلف باختلاف الأحوال والأوقات والنوازل، وهذا معلوم في علم المعاني والبيان، فالذي يكون على بال من المستمع والمتفهم".

"الأحوال والأوقات والنوازل"، لو جاء شخص مصدق، ساعٍ جاء بزكاة، وهذا صاحب الماشية جعلها في ثلاثة أحواش: النفائس في حوش، والرديئة في حوش، والوسط في حوش، وأراد أن يأخذ من هذا الوسط، لا بد من مراعاة الأحوال والأوقات، تأتي إلى هذا الشخص بنفس كريمة يدفع، لكن ظروفه وأولاده كثر والتزاماته، فهل يأخذ من هذا الوسط؟ المناسب لحاله. بينما الثاني تختلف ظروفه وأحواله، ما عليه ديون، ولا عليه التزامات، وأولاده يمكن ما عنده أولاد أو واحد أو اثنان وكذا، أنت تنصح الفقير في هذه الحالة وأنت في دائرة ما يجوز أخذه، وأنت في الموضع الأول في دائرة ما يجوز أخذه. فالأحوال والأوقات والنوازل لها ظروفها.

طالب: "والالتفات إلى أول الكلام وآخره، بحسب القضية وما اقتضاه الحال فيها".

نعم. لأنك ما تستطيع أن تأخذ القضية مجردة من طرف من أطرافها أو من وسطها من غير نظر إلى الأطراف، نظير مثل ما ذكرنا من الغنم، أنت لو قيل: لك إن هذا الوسط، لازم أن ترى كيف تكون الطيبات أو الرديئات؟ فلعل الطيبات وسط، يمكن أن تأخذ منها في تقديرك أنت، وممكن الرديئات، العكس، فيها شيء من الطيب، وهكذا.

 المقصود أن هذه الظروف لا بد أن تؤخذ فيها الصورة مكتملة، ويراعى فيها الأحوال والظروف. ومثل ذلك: إذا أردت تفسير آية، سورة مثلاً، أو تشرح بابًا من أبواب الحديث، من بلوغ المرام مثلاً، هل يسوغ لك أن تشرح الحديث الأول وتتركه كم يوم، وتجيء تشرح الثاني؟ أو تقرأ الباب كاملاً وتنظر علاقة الحديث الأول بالثاني، وهل للأخير في الباب علاقة بالأول؟ وقل مثل ذلك في السور: ما يصح أن تفسر الآية وفي آخر السورة ما يقيدها أو ما يزيدها وضوحًا، قد تستغلق عليك الآية في أول الأمر، ما يتبين لك مغزاها ولا المراد منها حتى تكمل السورة.

 ولذلك من أنفع ما يُسلك في تفسير القرآن بالنسبة لطالب العلم: التفسير الموضوعي. ما معنى التفسير الموضوعي؟ أنك تأتي إلى موضوع متكامل، الإخلاص في القرآن مثلاً، لتأتي على جميع ما يتطلبه هذا الموضوع حتى تقرأ جميع الآيات الواردة في هذا، وقس على هذا في السنة وغيرها.

طالب: "لا يُنظر في أولها دون آخرها، ولا في آخرها دون أولها، فإن القضية وإن اشتملت على جمل، فبعضها متعلِّق بالبعض؛ لأنها قضية واحدة نازلة في شيء واحد، فلا محيص للمتفهم عن رد آخر الكلام على أوله، وأوله على آخره، وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع في فهم المكلَّف، فإن فرَّق النظر في أجزائه، فلا يُتوصل به إلى مراده، فلا يصح الاقتصار في النظر على بعض أجزاء الكلام دون بعض، إلا في موطن واحد، وهو النظر في فهم الظاهر".

شخص يقرر في باب ما جاء في قتل الكلاب في صحيح مسلم على الطلاب، ويشرح ويؤكد ما جاء في النص: «أمرنا بقتل الكلاب»، والطلاب الموجودون سمعوا كلام الشيخ، كل واحد منهم أخذ منهم الذي أخذ حجارة، والذي أخذ بندقة، والذي أخذ مسدسًا، والذي أخذ غير ذلك، وكل ما رأوا كلبًا قتلوه. في الدرس الثاني: باب نسخ ما ورد في الأمر بقتل الكلاب!

 ولذلك لا بد أن يكون التصور للمسألة كاملًا. ولذا المبتدئ يقال: لو تفقه من السنة مباشرة، هذا مآله لا محالة... لا بد أن يقرن الحديث، ويستنبط منه على طريقة أهل العلم، كيف استنبطوا من هذا النص؟ ما استنبطوا إلا بعد أن جمعوا أطراف المسألة.

طالب: "فلا يصح الاقتصار في النظر على بعض أجزاء الكلام دون بعض، إلا في موطن واحد، وهو النظر في فهم الظاهر بحسب اللسان العربي".

نعم. التحليل اللفظي يمكن أن تمسك كل لفظة لوحدها وتراجع عليها المعاجم وكتب اللغة وغريب القرآن وغريب الحديث وتنتهي، تحليل لفظي، معاني كلمات لا إشكال. لكن، ومع ذلك قد يكون اللفظ الواحد له عشرون معنى تجده في لسان العرب، والمناسب من هذه المعاني واحد يحدده السياق. فنحتاج إلى قراءة السياق مرة أخرى.

طالب: "وهو النظر في فهم الظاهر بحسب اللسان العربي وما يقتضيه، لا بحسب مقصود المتكلم، فإذا صح له الظاهر على العربية، رجع إلى نفس الكلام، فعما قريب يبدو له منه المعنى المراد، فعليه بالتعبد به، وقد يعينه على هذا المقصد النظر في أسباب التنزيل".

كما تقدم أن أسباب النزول، معرفة أسباب النزول من خير ما يعين على معرفة المراد من الكلام، وقالوا: إذا عُرف السبب بطل العجب. قد تسمع كلامًا وتستغرب، ما هذا الكلام؟ لكن إذا عرفت المناسبة التي قيل فيها وجدته مناسبًا.

طالب: "فإنها تبين كثيرًا من المواضع التي يختلف مغزاها على الناظر. غير أن الكلام المنظور فيه تارةً يكون واحدًا بكل اعتبار، بمعنى أنه أُنزل في قضية واحدة طالت أو قصرت، وعليه أكثر سور المفصل، وتارةً يكون متعددًا في الاعتبار، بمعنى أنه أُنزل في قضايا متعددة، كسورة البقرة، وآل عمران، والنساء، واقرأ باسم ربك، وأشباهها، ولا علينا أُنزلت السورة بكمالها دفعةً واحدة، أم نزلت شيئًا بعد شيء".

المقصود أنها بعدما اكتملت وأراد الناظر فيها من متعلم أو معلم أو مؤلف مفسر أو غيره، ما ينظر فيها على أنها نزلت مفرقة فيفسرها مفرقة، هي اكتملت، ولو تأخر بعضها؛ لأن ترتيب الآيات توقيفي، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «انظروا السورة التي يُذكر فيها كذا فاكتبوا فيها هذا»، يعني ما نزل.

طالب: "ولا علينا أنزلت السورة بكمالها دفعة واحدة، أم نزلت شيئًا بعد شيء. ولكن هذا القسم له اعتباران: اعتبارٌ من جهة تعدد القضايا، فتكون كل قضية مختصة بنظرها، ومن هنالك يُلتمس الفقه على وجه ظاهر لا كلام فيه، ويشترك مع هذا الاعتبار القسم الأول، فلا فرق بينهما في التماس العلم والفقه.

 واعتبارٌ من جهة النظم الذي وجدنا عليه السورة؛ إذ هو ترتيب بالوحي لا مدخل فيه لآراء الرجال، ويشترك معه أيضًا القسم الأول، لأنه نظم أُلقي بالوحي، وكلاهما لا يُلتمس منه فقه على وجه ظاهر، وإنما يلتمس منه ظهور بعض أوجه الإعجاز، وبعض مسائلَ نُبه عليها في المسألة السابقة قبل".

كلٌّ له قصده وغايته وهدفه من التفسير مثلاً، الفقيه يستنبط من القرآن على هذا المنحى الذي يريده، فتجد همه الأحكام، فقصده وجل قصده استنباط الأحكام من الآيات، قرب الاستنباط أو بعد، ولا يعتني بغيره.

ومنهم من قصده الألفاظ وبيان إعجاز القرآن. بعضهم همه كذا، كما ذكرنا في مقاصد المفسرين فيما سبق.

 فكون صاحب أحكام القرآن وفقه القرآن، إذا قرأت في مؤلفات أحكام القرآن تجد البون الشاسع بين أن تقرأ فيها أو في كتب من همه لغة القرآن وإعجاز القرآن وبيان القرآن، وبين من همه تفسير القرآن بما جاء عن الله في كتابه في موضع آخر عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكلٌّ له منحى، والمجموع متكامل.

طالب: "وجميع ذلك لا بد فيه من النظر في أول الكلام وآخره".

ولذلك صاحب إعجاز القرآن لا يلتمس منه فقهًا على وجه ظاهر، وإنما يلتمس الخفايا التي تبين هذا الإعجاز.

طالب: "وجميع ذلك لا بد فيه من النظر في أول الكلام وآخره بحسب تلك الاعتبارات، فاعتبار جهة النظم مثلاً في السورة لا تتم به فائدة إلا بعد استيفاء جميعها بالنظر، فالاقتصار على بعضها فيه غير مفيد غاية المقصود، كما أن الاقتصار على بعض الآية في استفادة حكم ما لا يفيد إلا بعد كمال النظر في جميعها".

نعم؛ لأنه قد يوجد قيد، يوجد استثناء فيما تركت، ولذلك في مسألة اختصار الحديث الذي جوَّزه أهل العلم، إذا كان حديث طويل وأردت أن تقتصر على بعضه بشرط أن لا يكون ما ذكرته مترتب فهمه على ما حذفت.

طالب: "فسورة البقرة مثلاً كلام واحد باعتبار النظم، واحتوت على أنواع من الكلام بحسب ما بُث فيها، منها ما هو كالمقدمات والتمهيدات بين يدي الأمر المطلوب، ومنها ما هو كالمؤكد والمتمم، ومنها ما هو المقصود في الإنزال، وذلك تقرير الأحكام على تفاصيل الأبواب، ومنها الخواتم العائدة على ما قبلها بالتأكيد والتثبيت وما أشبه ذلك. ولا بد من تمثيل شيء من هذه الأقسام، فبه يبين ما تقدم:

 فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ...} [البقرة: 183] إلى قوله: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187]، كلام واحد وإن نزل في أوقات شتى، وحاصله بيان الصيام وأحكامه، وكيفية أدائه، وقضائه، وسائر ما يتعلق به من الجلائل التي لا بد منها ولا ينبني إلا عليها.

 ثم جاء قوله: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] الآية، كلامًا آخر بيَّن أحكامًا أخر.

 وقوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]، وانتهى الكلام على قول طائفة، وعند أخرى أن قوله: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ} [البقرة: 189] الآية، من تمام مسألة الأهلة، وإن انجر معه شيء آخر، كما انجر على القولين معًا تذكيرٌ وتقديم لأحكام الحج في قوله: {مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]".

يعني في قوله -جل وعلا- في سورة البقرة: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ...} [البقرة: 155] إلى آخر الآيات، ثم ذكر بعدها: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]. قول كثير من المفسرين إن الكلام انتهى قبل ذلك، وابتدأ بكلام جديد: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]. وبعضهم يقول: لا، إن الآيات المتأخرة بدءًا من قوله: {إِنَّ الصَّفَا} [البقرة: 158] لها ارتباط وثيق في الآيات السابقة آيات الابتلاء، بدليل أنه جُرب أن من أصيب ببلوى ووقع في كارثة أو شيء من هذا أو بموت أو مرض أو شيء من هذا، ذهب إلى مكة وأدى نسكًا وطاف بين الصفا والمروة، أن له دورًا كبيرًا في حل هذه المشكلة وفي إزالة هذه المصيبة أو في تخفيفها. فهذا يدلنا على أن هناك صلة وارتباطًا بين الآيات، وإن كنا لا ندركه من حيث النظم من حيث المعاني ومن حيث المراد.

طالب: أحسن الله إليك. ما يحتاج دليل هذا؟

ماذا؟

طالب: هذا ما يحتاج دليل؟

أنت إذا جربت علمت؛ لأنه من هذا النوع. هل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ} [البقرة: 189] لها ارتباط بالأولى؟

طالب: لا، من حيث الظاهر لا.

ماذا؟

طالب: من حيث .......

أظن ما فيها ظاهر، لكن لو جربت مثلاً أو ذكرت، من ذكر هذه المسألة من تمامها يجد لها ارتباطًا. نعم. ولو رجعت إلى كتاب نظم الدرر في تناسق الآيات والسور للبقاعي وجدت شيئًا من هذا، صحيح كثير منه فيه تكلف، لكن فيه شيء له وجه، كتاب في اثنين وعشرين مجلدًا، ما هو ....

طالب: "وقوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] نازلة في قضية واحدة. وسورة {اقْرَأْ} [العلق: 3] نازلة في قضيتين. الأولى إلى قوله: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5]، والأخرى ما بقي إلى آخر السورة.

 وسورة المؤمنين نازلة في قضية واحدة، وإن اشتملت على معانٍ كثيرة فإنها من المكيات، وغالب المكي أنه مقرِّر لثلاثة معانٍ، أصلها معنًى واحد وهو الدعاء إلى عبادة الله تعالى:

 أحدها: تقرير الوحدانية لله الواحد الحق، غير أنه يأتي على وجوه، كنفي الشريك بإطلاق، أو نفيه بقيد ما ادعاه الكفار في وقائع مختلفة، مع كونه مقربًا إلى الله زلفى، أو كونه ولدًا".

"مِن"، "مِن كونه".

طالب: "مِن كونه مقربًا إلى الله زلفى، أو كونه ولدًا، أو غير ذلك من أنواع الدعاوى الفاسدة.

 والثاني: تقرير النبوة للنبي محمد".

صلى الله عليه وسلم.

طالب: "وأنه رسول الله إليهم جميعًا، صادق فيما جاء به من عند الله، إلا أنه وارد على وجوه أيضًا، كإثبات كونه رسولاً حقًّا، ونفي ما ادعوه عليه من أنه كاذب، أو ساحر، أو مجنون، أو يُعلمه بشر، أو ما أشبه ذلك من كفرهم وعنادهم".

نعم. كلها تدور على ثلاثة أشياء: على المرسِل وهو الله -جل وعلا-، وعلى المرسَل، وعلى المرسَل به وهو القرآن كلام الله. كلها تدور في تقرير هذه الأمور.

طالب: "والثالث: إثبات أمر البعث والدار الآخرة، وأنه حق لا ريب فيه بالأدلة الواضحة، والرد على من أنكر ذلك بكل وجه يمكن الكافر إنكاره به، فرد بكل وجه يلزم الحجة، ويبكت الخصم، ويوضح الأمر. فهذه المعاني الثلاثة هي التي اشتمل عليها المنزَّل من القرآن بمكة في عامة الأمر، وما ظهر ببادئ الرأي خروجه عنها، فراجع إليها في محصول الأمر، ويتبع ذلك الترغيب والترهيب، والأمثال والقَصص، وذِكر الجنة والنار، ووصف يوم القيامة، وأشباه ذلك".

وتبعًا لهذا التقعيد العام: إذا ترددت في آية مكية هل هي مما يُعنى به أصول الدين أو فروعه؟ وماذا يترجح عندك وهي مكية؟

طالب: أصوله.

من خلال تقعيد العامة؟

طالب: أصوله.

وإذا كانت مدنية؟ فروعه. {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] الآية مكية، هل المراد بها الثياب الحسية طهرها من النجاسات، أو أن المراد الثياب المعنوية التي يدل عليها: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [الأعراف: 26]، وتطهيرها من أدران الشرك؟ ويؤيد ذلك كون الآية مكية. هم يريدون أن يفرعوا على هذا، ما يُستصحب في الآيات. يفرعوا على هذا الكلام وعلى هذا التقعيد ما يستصحبه طالب العلم في الآيات، وإذا اختلف العلماء هل المراد كذا أو كذا؟ فإن كانت مدنية فالمرجح أن المراد بها الفروع، وإن كانت مكية فالمراد بها الأصول، وهكذا.

طالب: "فإذا تقرر هذا وعدنا إلى النظر في سورة المؤمنين مثلاً، وجدنا فيها المعاني الثلاثة على أوضح الوجوه، إلا أنه غلب على نسقها ذِكر إنكار الكفار للنبوة التي هي المدخل للمعنيين الباقيين, وإنهم إنما أنكروا ذلك بوصف البشرية ترفعًا منهم أن يرسل إليهم من هو مثلهم، أو ينال هذه الرتبة غيرهم إن كانت، فجاءت السورة تبين وصف البشرية وما تنازعوا فيه منها، وبأي وجه تكون على أكمل وجوهها حتى تستحق الاصطفاء والاجتباء من الله تعالى، فافتتحت السورة بثلاث جمل؛ إحداها".

وهذا، هم قالوا هم بشر، وما الذي يفرقهم عنا؟ فيه صفات للاختيار، أنتم عندكم إذا في أمور دنياكم فيه شروط للقبول، لا بد أن تتحقق هذه الشروط. صفات الاصطفاء في مطلع السورة: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ...} [المؤمنون: 1، 2] إلى آخر الصفات، أنت امتثل بهذه الصفات تكون من المصطفين الأخيار، ولن تصل إلى درجة نبوة أو ولاية، تصل إلى درجة تنقذك من النار: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون: 10]، تريد أن تكون من هؤلاء المصطفين، اعمل بهذه الصفات، وبذلك تختلف عمن تحدث الله عنهم من أنهم اعترضوا على إرسال الرسل؛ لأنهم بشر مثلهم وما الذي يميزهم؟

طالب: "فافتتحت السورة بثلاث جمل؛ إحداها، وهي الآكد في المقام: بيان الأوصاف المكتسبة للعبد التي إذا اتصف بها رفعه الله وأكرمه، وذلك قوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ...} [المؤمنون: 1] إلى قوله: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 11]. والثانية: بيان أصل التكوين للإنسان وتطويره الذي حصل له جاريًا على مجاري الاعتبار والاختيار، بحيث لا يجد الطاعن إلى الطعن على من هذا حاله سبيلاً".

نعم. يعني أصل التكوين للإنسان موجود في جميع من اتصف بهذا الوصف، وهو الإنسانية، اعترضوا على كونه بشرًا، لماذا؟

طالب: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا} [الأنعام: 9].

وفيه غيره؟ هل هناك نوع يصلح من غير البشر؟

طالب: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ} [الأنعام: 9].

{لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً} [الأنعام: 9]؛ لأنه ما يمكن أن يتعامل مع البشر إلا من هو مثلهم، تنزل لي ملكًا يتعامل مع الناس، كيف يتعامل معهم؟ فإنهم ينفرون منه، ولا يمكن أن يتعاملوا معه على ما قرره الله -جل وعلا-.

طالب: "والثالثة: بيان وجوه الإمداد له من خارج بما يليق به في التربية والرفق، والإعانة على إقامة الحياة، وأن ذلك له بتسخير السماوات والأرض وما بينهما، وكفى بهذا تشريفًا وتكريمًا. ثم ذكرت قَصص من تقدم مع أنبيائهم واستهزاءهم بهم بأمور منها كونهم من البشر، ففي قصة نوح مع قومه قولهم: {قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا} [المؤمنون: 24]".

لا، "{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} [المؤمنون: 24]".

طالب: "{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} [المؤمنون: 24]".

هذا بتر في النقل.

طالب: نعم.

نعم.

طالب: "ثم أجمل ذِكر قوم آخرين أُرسل فيهم رسولاً منهم".

"أَرسَل".

طالب: "أَرسل فيهم رسولاً منهم، أي: من البشر لا من الملائكة، فقالوا: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ} [المؤمنون: 33] الآية، {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} [المؤمنون: 34]، {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [المؤمنون: 38]، أي: هو من البشر، ثم قال تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ} [المؤمنون: 44]، فقوله: {رَسُولُهَا} مشيرًا إلى أن المراد رسولها الذي تعرفه منها. ثم ذكر موسى وهارون، وردّ فرعون وملئِه بقولهم: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [المؤمنون: 47] إلى آخره. هذا كله حكايةً عن الكفار الذين غضوا من رتبة النبوة بوصف البشرية، تسليةً لمحمد -عليه الصلاة والسلام- ثم بيَّن أن وصف البشرية للأنبياء لا غض فيه، وأن جميع الرسل إنما كانوا من البشر يأكلون ويشربون كجميع الناس، والاختصاص أمر آخر من الله تعالى، فقال بعد تقرير رسالة موسى".

الآن لو أن الله -جل وعلا- على سبيل التنزل أرسل ملكًا، أو أرسل شخصًا لا يأكل ولا يشرب، ألا يحتج من أُرسل إليهم: لو نحن مثله ما نأكل ولا نشرب ولا نحتاج إلى قضاء حاجة، ولا نحتاج إلى غيره مثله، احتجوا بهذا.

طالب: .......

وأنه لو كنا ملائكة مثله أطعنا، ملائكة ما فيهم شهوات، كان نطيع الله -جل وعلا-. لكن ما دامنا بخلافه فلماذا نكلف مثله بأن نؤمن؟

طالب: .......

فجيء..

طالب: قالوا في عيسى .......

المقصود أنهم هذا من تمام الحجة عليه، كونه من مثلهم، من جنسهم بصفاتهم، بتركيبهم، هذا أقوى في الحجة عليهم.

طالب: أحسن الله إليك .......

ماذا؟

طالب: .......

ما المعنى؟

طالب: .......

لأن الجن ليس فيهم رسلًا.

طالب: .......

كيف المعنى؟ لكنهم قادرون على تفهيمهم والتخاطب معهم، وأولئك لديهم قدرة على التلقي، لكن هذا فعل من لا يسأل عما يفعل.

طالب: "والاختصاص أمر آخر من الله تعالى، فقال بعد تقرير رسالة موسى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} [المؤمنون: 50]، وكانا مع ذلك يأكلان ويشربان، ثم قال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51]، أي: هذا من نعم الله عليكم، والعمل الصالح شكر تلك النعم، ومشرِّف للعامل به، فهو الذي يوجب التخصيص لا الأعمال السيئة.

 وقوله: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المؤمنون: 52]، إشارة إلى التماثل بينهم، وأنهم جميعًا مصطفون من البشر. ثم ختم هذا المعنى بنحو مما به بدأ، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ...} [المؤمنون: 57] إلى قوله: {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61]. وإذا تُؤمِّل هذا النمط من أول السورة إلى هنا، فُهم أن ما ذكر من المعنى هو المقصود مضافًا إلى المعنى الآخر، وهو أنهم إنما قالوا ذلك وغضوا من الرسل بوصف البشرية، استكبارًا من أشرافهم، وعتوًّا على الله ورسوله، فإن الجملة الأولى من أول السورة تشعر بخلاف الاستكبار، وهو التعبد لله بتلك الوجوه المذكورة، والجملة الثانية مؤذنة بأن الإنسان منقول في أطوار العدم وغاية الضعف، فإن التارات السبع أتت عليه وهي كلها ضعف إلى ضعف، وأصله العدم، فلا يليق بمن هذه صفته الاستكبار، والجملة الثالثة مشعرة بالاحتياج إلى تلك الأشياء والافتقار إليها، ولولا خلقها لم يكن للإنسان بقاء بحكم العادة الجارية، فلا يليق بالفقير الاستكبار على من هو مثله في النشأة والخلق، فهذا كله كالتنكيت عليهم، والله أعلم. ثم ذكر القصص في قوم نوح: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} [المؤمنون: 24]، والملأ هم الأشراف. وكذلك فيمن بعدهم: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ} [المؤمنون: 33] الآية. وفي قصة موسى: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون: 47]. ومثل هذا الوصف يدل على أنهم لشرفهم في قومهم قالوا هذا الكلام.

 ثم قوله: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ...} [المؤمنون: 54] إلى قوله: {لَا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 56] رجوع إلى وصف أشراف قريش، وأنهم إنما تشرفوا بالمال والبنين، فرد عليهم بأن الذي يجب له الشرف من كان على هذا الوصف وهو قوله: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون: 57]".

هذا هو المقياس الشرعي والميزان الذي يوزن به الخلق. أما كونه له مال وبنون كما افتخرت أشراف قريش على حد ما يزعمون، قد يكون المال وبالاً عليه، قد يكون وقودًا له في النار، والبنون قد يكونون وبالاً عليه وعذابًا عليه. لكن الخشية، وبقية الأوصاف التي ذُكرت لهؤلاء، كلها مما يقربه إلى الله -جل وعلا- ويسعده في دنياه وأخراه.

طالب: "ثم رجعت الآيات إلى وصفهم في ترفهم وحال مآلهم، وذِكر النعم عليهم، والبراهين عل صحة النبوة، وأن ما قال عن الله حق من إثبات الوحدانية، ونفي الشريك وأمور الدار الآخرة للمطيعين والعاصين، حسبما اقتضاه الحال والوصف للفريقين، فهذا النظر إذا اعتبر كليًّا في السورة وُجد على أتمِّ من هذا الوصف".

"أتمَّ".

طالب: "وُجد على أتمِّ من هذا الوصف".

"أتمَّ".

طالب: "على أتمَّ من هذا الوصف، لكن على منهاجه وطريقه، ومن أراد الاعتبار في سائر سور القرآن فالباب مفتوح".

كل واحد يمسك المصفح ويتأمل ويتدبر ويستعين بما يعينه من أقوال أهل العلم لا سيما في المختصرات التي لا تعوقه عن المشي في هذا الطريق، لأنك لو تقول: أنا سأتأمل وأتدبر ومعك تفسير الطبري والقرطبي وابن كثير وفلان وعلان، ترى عمرك ما فعلت شيئًا. لكن راجع من المختصرات النافعة التي كُتبت بأقلام موثوقة على طريقة سلف هذه الأمة وأئمتها، تأمن أن تحيد في الطريق يمينًا ولا شمالًا، تستطيع أن تفهم، وتبعًا لذلك تتدبر.

طالب: "فالباب مفتوح، والتوفيق بيد الله، فسورة المؤمنين قصة واحدة في شيء واحد. وبالجملة، فحيث ذُكر قصص الأنبياء -عليهم السلام- كنوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وموسى، وهارون، فإنما ذلك تسلية لمحمد -عليه الصلاة والسلام-، وتثبيت لفؤاده؛ لما كان يلقى من عناد".

وليس معنى التسلية هنا ما يفهمه بعضهم أنه لقضاء الوقت وسعة الصدر، لا.

طالب: التثبيت.

هذا تنشيط للقارئ، حصل لك كذا، حصل لغيرك ما هو أشد منه من قوم فلان أو قوم فلان. فأنت تتسلى بهذا، ترتفع معنوياتك، ولا تلتفت إلى ما يعوقك عن المتابعة.

طالب: "وتثبيت لفؤاده؛ لما كان يلقى من عناد الكفار وتكذيبهم له على أنواع مختلفة، فتُذكر القصة على النحو الذي يقع له مثله، وبذلك اختلف مساق القصة الواحدة بحسب اختلاف الأحوال، والجميع حق واقع لا إشكال في صحته، وعلى حذو ما تقدم من الأمثلة يُحتذى في النظر في القرآن لمن أراد فهم القرآن، والله المستعان.

فصل: وهل للقرآن مأخذ في النظر على أن جميع سوره كلام واحد بحسب خطاب العباد، لا بحسبه في نفسه؟ فإن كلام الله في نفسه كلام واحد لا تعدُّد فيه بوجه ولا باعتبار، حسبما تبين في علم الكلام".

هذه طريقة الأشاعرة ونحوهم في أن الله -جل وعلا- تكلم بكلام واحد في الأزل، ولا يتكلم بعدُ، كلامه واحد، إن عُبر عنه بلغة صار كتاب هؤلاء القوم، عُبر عنه بالعربية صار قرآنًا، هو هو نفسه، عُبر عنه بالعبرانية صار توراة، بالسريانية صار كذا، وهو واحد، يعني لو ترجمت القرآن الذي بين أيدينا بالسريانية طلع إنجيل على كلامهم، هو كلام واحد يختلف باختلاف المنُزَّل عليهم ولغاتهم، إن ترجمته بالعبرانية صار هو التوراة. هذا الكلام صحيح أم ليس بصحيح؟

طالب: ليس صحيحًا.

نجد في التوراة والإنجيل: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1]؟ نجد فيه: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1]؟ هذا كلام باطل. وكيف يخفى على أمثال أئمة عقلاء أذكياء، كله من أجل تمرير مذهبهم في صفة الكلام. والمقرر عند أهل السنة أن الكلام قديم النوع، فالله -جل وعلا- يتكلم ولا يزال يتكلم في الأزل كما تقرر في الطحاوية، لكنه متجدد النوع حادث الآحاد، يتكلم في كل وقت حسبما تقتضيه الحاجة.

طالب: "وإنما مورد البحث هنا باعتبار خطاب العباد تنزلاً لما هو من معهودهم فيه؛ هذا محل احتمال وتفصيل. فيصح في الاعتبار أن يكون واحدًا بالمعنى المتقدم، أي: يتوقف فهم بعضه على بعض بوجه ما، وذلك أنه يُبين بعضه بعضًا، حتى إن كثيرًا منه لا يُفهم معناه حق الفهم إلا بتفسير موضع آخر أو سورة أخرى".

ولذا كان من أولى ما يفسر به القرآنُ القرآن، وقد يأتي الكلام مجملاً في موضع يُبين في موضع آخر، وهذا المعنى قرره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في أصح طرق التفسير، والأول منها: تفسير القرآن بالقرآن، وطبقه وإن لم يكن بحذافيره، يعني بكل ما يُطلب، الشيخ الأمين الشنقيطي -رحمة الله عليه- في أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، وهذا مهم جدًّا، وقبله الحافظ ابن كثير يجمع الآيات المتشابهة. وفي قصص الأنبياء ما رأيت مثل ما كتبه الحافظ ابن كثير في قصصهم من القرآن الكريم، حيث يجمع القصة الواحدة في موضع واحد بجميع ما ورد فيها من الكتاب، وهو من البداية والنهاية، موجود في البداية والنهاية، وموجود مفردًا اسمه قصص الأنبياء.

طالب: "ولأن كل منصوص عليه فيه من أنواع الضروريات مثلاً مقيد بالحاجيات، فإذا كان كذلك فبعضه متوقف على البعض في الفهم، فلا محالة أن ما هو كذلك فكلام واحد، فالقرآن كله كلام واحد بهذا الاعتبار. ويصح أن لا يكون كلامًا واحدًا، وهو المعنى الأظهر فيه، فإنه أُنزل سورًا مفصولاً بينها معنًى وابتداءً، فقد كانوا يعرفون انقضاء السورة وابتداء الأخرى بنزول {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] في أول الكلام، وهكذا نزول أكثر الآيات التي نزلت على وقائع وأسباب يُعلم من إفرادها بالنزول استقلال معناها للأفهام، وذلك لا إشكال فيه".

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك وعلى آله وصحبه أجمعين.