شرح كتاب الإيمان من صحيح مسلم (24)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فيقول الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- فيما ترجم عليه النووي بقوله: "باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده" قال -رحمه الله-: "حدثني حرملة بن يحيى" التجيبي قال: "أخبرنا ابن وهب" الإمام الجليل عبد الله بن وهب "قال: أخبرني يونس" بن يزيد الأيلي "عن ابن شهاب" محمد بن مسلم بن شهاب الزهري "قال: أخبرني عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره" حكيم بن حزام صحابي من خواصه كما قيل في ترجمته أنه ولد في الكعبة، وهذه الخصلة لا توجد لغيره، وأنه عاش مائة وعشرين، ستون منها في الإسلام، وستون في الجاهلية.
"أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أرأيت أمورًا كنت أتحنث بها في الجاهلية" سيأتي تفسير التحنُّث، أتحنَّث بها في الجاهلية "هل لي فيها من شيء؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أسلمت على ما أسلفت من خير» «أسلمت على ما أسلفت من خير» والتحنُّث: التعبُّد" والتحنُّث: التعبُّد، جاء تفسير التحنث في حديث بدء الوحي في صحيح البخاري بهذا اللفظ، والتحنث التعبد، وهناك قالوا: إنه مدرَج من كلام الزهري وهنا والحديث مروي من طريقه، من طريق ابن شهاب الزهري يكون الإدراج منه نظير ما هنالك إلا أنه هناك في أثناء الخبر، وهنا في آخره.
والإدراج كما يكون في آخر الخبر، وهو الكثير الغالب يكون في أثنائه، وهو أقل، ويكون في أوله، وهذا قليل، بل نادر، وقالوا: من أمثلته أسبغوا الوضوء، أسبغوا الوضوء، «إن أمتي يبعثون يوم القيامة غرًّا محجلين من آثار الوضوء» فقوله: أسبغوا الوضوء من كلام الراوي الذي هو أبو هريرة، ويعرف الإدراج كما قال أهل العلم بجمع الطرق، ويتبين فيها اللفظ المدرَج بفصله عن كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- كما جاء في رواية: أسبغوا الوضوء، فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال «إن أمتي يبعثون يوم القيامة غرًّا محجلين من آثار الوضوء» فدل قوله: فإن أبا القاسم أن الكلام الذي قبله من كلام الراوي.
وهنا التحنُّث التعبد من كلام الزهري كما نص عليه العلماء في حديث بدء الوحي. النبي -عليه الصلاة والسلام- يذهب إلى غار حراء، فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد قال: والتحنث التعبد.
قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حكيم بن حزام قال للنبي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أرأيت أمورًا" يعني أخبرني عن "أمور كنت أتحنث بها في الجاهلية" يعني أتعبد بها، والتعبد ما يُفعل من خير، لكن قبول هذا التعبد بالنسبة لحكيم بن حزام في ذلك الوقت متعذِّر؛ لأن شرط القبول منتفي؛ لأنه غير مسلم، قبل أن يسلم، أتحنث بها في الجاهلية "هل لي فيها من شيء؟" يعني لي أجر أم راحت هكذا هباءً منثورًا؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً} [سورة الفرقان:23] "فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أسلمت على ما أسلفت من خير»".
من يفعل الخير لا يُعدم جوازيه |
|
لا يذهب العرف بين الله والناس |
هذا فعل خير، والكافر إذا فعل خيرًا جُوزي به في الدنيا، يُجازى به في الدنيا، أما في الآخرة فلا، لكن هذا أسلم من فضل الله -جل وعلا- عليه أنه أسلم، فيكون أسلم على ما أسلف من خير، يحتسب له يوم القيامة؛ لزوال المانع، لزوال المانع.
قال -رحمه الله-: "وحدثنا حسن الحلواني وعبد بن حميد قال: قال الحلواني: حدثنا، وقال عبد: حدثني" دقة الإمام مسلم واحتياطه في صيغ الأداء ميَّز صيغة حسن عن صيغة عبد، فحسن الحلواني قال: حدثنا بالجمع، وقال عبد بن حميد: حدثني، بينهما فرق؟ يعني حدثنا أنا ومجموعة معي، وحدثني بمفردي، حدثنا مع مجموعة من الآخذين عنه، وحدثني بمفردي، فكأنه حدَّث الحلواني ومعه طلبة آخرون، وحدث عبدًا بمفرده، أيهما أقوى: حدثنا أم حدثني؟
طالب: ............
حدثنا أقوى.. قالوا إن حدثني أقوى باعتبار أن الآخذ الطالب التلميذ مقصود بالتحديث، وأما كونه مع غيره يسمع لكنه غير مقصود بالتحديث، وعلى هذا فإذا شك الطالب هل روى الحديث عن الشيخ بعد طول المدة، نسي هل أخذه بمفرده أو أخذه مع مجموعة؟ أو أخذه مع مجموعة من الطلاب ماذا يقول؟ هل يقول: حدثنا أو حدثني؟
طالب: ............
ماذا يقول؟
طالب: ............
حدثنا؟ منهم من يقول: يقول حدثني؛ لأن وجوده متيقَّن، ووجود غيره معه مشكوك فيه، فيقول: حدثني، ومنهم من يقول: حدثنا بناءً على أن صيغة الجمع أضعف من صيغة الإفراد، فيقتصر على الأضعف؛ لأن الأعلى مشكوك فيه، وعلى كل حال هذه اصطلاحات بين أهل العلم يبدونها وهي أثرها في الواقع مادام الرواة كلهم ثقات، والسند متصلًا أثرها ضعيف، لكنها أمور كمالية تدل على كمال عنايتهم واهتمامهم بالألفاظ التي يسوقونها، ومسلم -رحمه الله- من أدق الناس في هذا الباب.
"وقال عبد: حدثني يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد" الدورقي "قال: حدثنا أبي" إبراهيم بن سعد "عن صالح" وهو ابن كيسان "عن ابن شهاب" وهو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري صالح بن كيسان معروف من الثقات الكبار الأئمة من كبار الآخذين عن الزهري، وقد تأخر في طلب الحديث حتى قالوا أرقامًا كبيرة في سنه يوم بدأ يطلب الحديث وعمره ثمانون سنة بدأ يطلب الحديث، عمره ثمانون سنة، وبعضهم قال: أقل من سبعين، وبعضهم قال: ستين، وأقل ما قيل: خمسين سنة، ولزم الزهري حتى صار من الطبقة الأولى من كبار الآخذين عنه، فعلى هذا فلا يأس يقول الإنسان: أنا تزوجت، وصار عمري ثلاثين، وانشغلت فما نستطيع طلب العلم، كيف لا تستطيع تطلب العلم؟! اعتبر بمثل هذا.
عن صالح "عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره" يعني لو قال: أخبرني حكيم بن حزام بدون أن حكيم بن حزام أخبره، فيه فرق؟ ما فيه شك أن أنَّ مؤكِّدة، لكن يبقى هل لها أثر في صيغة الأداء؟ هل يمكن أن نقول: إن هذا السند مؤنن كما يقال فيما صيغته عن معنعن؛ لأن فيه السند المؤنن هل يمكن أن نقول إنه مؤنن؟ لا، لماذا؟ لأن فيه قوله أخبره لو ما فيه أخبره قلنا: السند مؤنن، ونظرنا في عروة، هل هو أدرك حكيم بن حزام وأخذ عنه، فيكون الإسناد متصلاً، أو لم يدركه فيكون عروة بن الزبير يتحدث عن قصة لم يشهدها، لكنه نص على أنه أخبره، فانتفى هذا الاحتمال.
أخبره "أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي رسول الله" حرف نداء أي بمعنى يا رسول الله "أرأيت" يعني أخبرني "أمورًا" يعني عن أشياء "كنت أتحنث بها في الجاهلية" التحنث والتأثم يقابله رفع الحِنْث ورفع الإثم يتحنث بها يعني يرفع بها الحِنْث والحِنْث الإثم والتأثم رفع الإثم، ويرفع هذا الإثم بالتعبد، بم يرفع الإثم؟ .. بم يتحنث؟ بالتعبد في الجاهلية يعني ما قبل الإسلام، والجاهلية العامة التي قبل بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهناك جاهلية خاصة لكل شخص استمر فيها حتى يسلم، الذي أسلم في السنة الثالثة الأولى والثانية هو في جاهلية، وقل مثل ذلك فيمن أسلم في الرابعة والخامسة استمر في الجاهلية حتى يسلم ويرفع الوصف القبيح بالوصف الشريف وهو الإسلام.
"من صدقة أو عتاقة" من صدقة بذل المال لمستحقيه في وجوه الخير "أو عتاقة" إعتاق رقبة والعتق جاء الشرع بالحث عليه، وكذلك الصدقة أو صلة رحم" من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم كلها من أفضل الأعمال، وجاءت بها الشريعة، "أفيها أجر؟" يعني قبل أن يسلم ما فيها أجر؛ لأنها هباء منثور سدى، لكن لما أسلم "قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أسلمت على ما أسلفت من خير أسلمت على ما أسلفت من خير»".
قال -رحمه الله-: "حدثنا إسحاق بن إبراهيم" الحنظلي المعروف بابن راهويه "وعبد بن حميد قالا: أخبرنا عبد الرزاق قالا: أخبرنا عبد الرزاق "قال: أخبرنا معمر" بن راشد "عن الزهري" الإمام الزهري الذي تقدم "بهذا الإسناد" يعني الذي سبق قال: أخبرني عروة أن حكيم بن حزام يعني في إلى آخر الإسناد السابق "ح" التحويل من إسناد إلى آخر "وحدثنا إسحاق بن إبراهيم" الحنظلي "قال: أخبرنا أبو معاوية" أبو معاوية اسمه محمد بن خازم الضرير محمد بن خازم الضرير "قال: حدثنا هشام بن عروة" بن الزبير "عن أبيه" عروة بن الزبير "عن حكيم بن حزام قال: قلت: يا رسول الله أشياء كنت أفعلها في الجاهلية" يعني أخبرني أو أرأيت أشياء كما تقدم في الرواية السابقة، أشياء كنت أفعلها في الجاهلية "قال هشام يعني أتبرر" بها، أتبرر بها يعني أطلب فيها البِر والتعبد، ويتحنث بها يتعبد بها، يتبرر بها، المعنى واحد.
"فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أسلمت على ما أسلفت لك.. أسلمت على ما أسلفتَ لك من الخير» قلت: فوالله لا أدع شيئًا" والله لا أدع شيئًا "صنعته في الجاهلية إلا فعلت في الإسلام مثله"؛ لأن الرجل إذا أسلم وهو مذكور بالخير قبل إسلامه فالإسلام لا يزيده إلا برًّا وإحسانًا وتوفيقًا وبذلاً، فهو يريد أن يكون.. ألا ينقص عما كان يفعله في الجاهلية إلا فعلت في الإسلام مثله.
قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه أن حكيم بن حزام أعتق في الجاهلية مائة رقبة، وحمل على مائة بعير، ثم أعتق في الإسلام مائة رقبة" مائة رقبة "وحمل على مائة بعير" يعني نظير ما فعل في الجاهلية، "ثم أتى النبيَّ- صلى الله عليه وسلم- فذكر نحو حديثهم" يعني السابق ثم قال الإمام النووي -رحمه الله- يعني الحكم المستنبَط من الحديث الأصل أن الكافر عمله حابط؛ لتخلف شرط القبول وهو الإسلام والنية لا عمل إلا بنية، والكافر لا نية له، لكن ما جاء في حديث حكيم بن حزام لما أسلم وارتفع السبب المانع من قبول العمل قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: أسلفت.. «أسلمت على ما أسلفت من خير».
يقول النووي: وأما قول الفقهاء: لا يصح من الكافر عبادة ولو أسلم لم يعتد بها فمرادهم أنه لا يُعتد له بها في أحكام الدنيا، وليس فيه تعرض لثواب الآخرة، فإن أقدم قائل على التصريح بأنه إذا أسلم لا يثاب عليها في الآخرة رُد قوله بهذه السنة الصحيحة، وقد يُعتد ببعض أفعال الكفار في أحكام الدنيا وقد قال الفقهاء: إذا وجب على الكافر كفارة.. كفارة ظهار أو غيرها فكفر في حال كفره أجزأه ذلك، وإذا أسلم لم تجب عليه إعادته إلى آخره، ويختلفون فيما إذا لو أجنب في جاهليته واغتسل ثم أسلم، هل يجزي هذا الغسل أو لا بد من إعادته؟ مسألة خلافية بين أهل العلم مردها إلى كتب الفروع، قالوا للنبي -عليه الصلاة والسلام-: إن ابن جدعان يقري الضيف، وله أخبار طويلة في هذا الباب، هل له من أجر؟ قال: «لا، إنه لم يقل يومًا من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين»؛ لأنه مات على كفره، نسأل الله العافية.
قال -رحمه الله- فيما ترجم عليه بقول النووي: "باب صدق الإيمان وإخلاصه" باب صدق الإيمان وإخلاصه: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن إدريس وأبو معاوية" وهو محمد بن خازم الذي تقدم "ووكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله" وكيع بن الجرّاح الإمام الحافظ الزاهد المعروف، عن الأعمش سليمان بن مهران، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس النخعي أيضًا، وهؤلاء الثلاثة كلهم من التابعين، عن عبد الله، وهو ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- "قال: لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [سورة الأنعام:82] لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [سورة الأنعام:82]" شق ذلك على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: أينا لا يظلم نفسه يا رسول الله؟ اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، أينا لا يظلم نفسه؟ {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [سورة الأنعام:82] فيه أحد ما يظلم نفسه إلا المعصوم؟ وقالوا: أينا لا يظلم نفسه يا رسول الله؟ "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ليس هو كما تظنون»".
لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وهذا ينطلق على العظيم والحقير، يعني ولو كان ظلمًا يسيرًا من وضع الشيء في غير موضعه، أينا لا ظلم نفسه؟! بمعنى أن كل إنسان معرَّض لهذا، هم فهموا العموم، وشق عليهم ذلك، معناه أنهم غير آمنين في الآخرة؛ لأنهم يحصل منهم هذا الظلم، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ليس هو كما تظنون، ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان:13]»"، في بعض الروايات: «إنما هو كما قال العبد الصالح لابنه: {لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان:13]»، لقمان الحكيم عبدٌ صالح، وهو حكيم، وعامة أهل العلم على أنه ليس بنبي، وقال عكرمة: نبي، لكنه قول شاذ، وعامة أهل العلم على أنه عبد صالح وحكيم، لكنه ليس بنبي.
فسَّر النبي -عليه الصلاة والسلام- الظلم الوارد في الآية {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [سورة الأنعام:82] بفرد من أفراده، وهو الشرك، وفسَّر القوة في قوله -جل وعلا-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [سورة الأنفال:60] «ألا إن القوة الرمي» بفرد من أفراد القوة، فهل التفسير بالفرد يقتضي التخصيص أو لا؟ في الحديث، في حديث الباب الشرك هو الظلم المقصود في الآية، وإلا لم يكن الأمر هكذا، مازالت المشقة على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني لو تناول الظلم جميع أنواع الظلم فما دونه صار الإشكال باقيًا، هم لم يشركوا، لكن عندهم ظلم، ما يلزم أن يكون الظلم بالقتل وهتك الأعراض ونهب الأموال لا، هو مجرد وضع الشيء في غير موضعه، هذا حد الظلم سواء كان الظلم ظلم المرء نفسه في أمور دينه أو دنياه، أو ظلم العبد غيره بأي ظلم، يعني ولو كان قضيبًا من أراك، كما جاء في الحديث، ينطبق على الكبير والصغير، له أفراد، لفظ عام له أفراد، فسَّره النبي -عليه الصلاة والسلام- بأشد أفراده، وهو الشرك، وفي القوة حيث فسرها النبي -عليه الصلاة والسلام- بالرمي يعني ما نُعدّ للعدو أي قوة غير الرمي؟
طالب: .........
هو فسَّرها بفرد من أفرادها لأهميته، لكن ألا يوجد ما هو أهم منه من أنواع القوة في عصرنا؟ يعني في ذلك الوقت، في وقته -عليه الصلاة والسلام- أهم أنواع القوة الرمي، وعلى هذا فلا تقتصر القوة على الرمي؛ لأنه تفسير بالفرد من أفراد العام، وذكر الفرد بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، كما هو مقرر عند أهل العلم، لكن فيما عندنا في الآية هل الأمن الموعود به في القيامة لمن لم يظلم نفسه لكل من لم يشرك، أو أن من ظلم نفسه بأي ظلم من أنواع الظلم يحصل له من الخوف بقدره؟ والحصة بالحصة، كما قال أهل العلم.
النص جاء علاجًا لقضية بعينها، الصحابة شق عليهم ذلك، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ينتزع هذه المشقة من قلوبهم، أن ينتزع هذه المشقة من قلوبهم، فقال لهم: الظلم الشرك، وأنتم أسلمتم ولم تشركوا، فطمأنهم، ووطَّن قلوبهم، لكن هل معنى هذا أن الذي يظلم نفسه ويظلم الناس أنه آمن يوم القيامة؟ أو نقول: المراد بالأمن الأمن التام، الأمن التام، والأمن التام يكون لمن لم يشرك فقط أو لمن لم يظلم نفسه بجميع أنواع الظلم؟
طالب: .........
الأخير؟ الاحتمال الأخير؟
طالب: .........
يعني من جاء وقد قتل وزنا وفعل ما فعل من الجرائم، هل هذا له أمن تام يوم القيامة؟
طالب: .........
ماذا؟
طالب: .........
إذا طبقنا الآية على على الأصول.. الحديث مع الآية على الأصول ما فيها إلا أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- أراد أن يطمئنهم؛ لأنهم شق عليهم ذلك، قلوبهم لا تحتمل مثل غيرهم، لا تحتمل الوعيد من الله -جل وعلا-، بعض الناس يقرأ هذه الآية وكأنها لا تعنيه ويظلم نفسه في كل لحظة، ويظلم غيره في كل لحظة، ويقرأ الآية وكأنها لا تعنيه، لكن الصحابة بهذه المثابة؟ أبدًا.
في الحديث النبي -عليه الصلاة والسلام- فسَّر الظلم بالشرك، واستدل بقول لقمان في رواية البخاري لما شق على الصحابة بعد نزول قوله -جل وعلا-: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [سورة الأنعام:82] لم يخلطوا إيمانهم بظلم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه يا رسول الله؟ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان:13] رواية مسلم تدل على أن الآية نزلت قبل، ورواية البخاري تدل على أن الآية نزلت جوابًا لقول الصحابة واستشكالهم.
وعلى كل حال سواء هذا أو ذاك لا يمنع أن تكون نزلت من قبل وتنزَّل على القصة بعد، والصحابي يقول: فأنزل الله، ولها نظائر، يعني مثل ما حصل في اللعان في أكثر من قضية حصل اللعان ،وقال الصحابي: فأنزل الله تعالى، فأنزل الله آية اللعان، فالصحابي يجتهد وينزِّل القصة أو الآية على قصة، وقد يتعدد النازل، يتعدد السبب، سبب النزول لنازل واحد يتعدد السبب فهذا أمر مفروغ منه.
والحديثان للصحيحين لا كلام لأحد فيهما يقول النووي: فهاتان الآيتان إحداهما تبين الأخرى، فيكون لما شق أنزل الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان:13] وأعلم النبي- صلى الله عليه وسلم- أن الظلم المطلق هناك المراد به هذا المقيَّد وهو الشرك فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك ليس الظلم على إطلاقه وعمومه كما ظننتم، إنما هو الشرك كما قال لقمان لابنه، الصحابة -رضي الله عنهم- حملوا الظلم على عمومه والمتبادر إلى الأفهام منه، وهو وضع الشيء في غير موضعه ومخالفة الشرع، فشق عليهم إلى أن أعلمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمراد بهذا الظلم، يعني لو يأتي واحد ظالم لنفسه بالمعاصي ومسرف على نفسه، وأراد أحد أن يعظه بكلام الله -جل وعلا- وقال له: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [سورة الأنعام:82] هل لأحد أن يقول له: أخطأت، الظلم هذا الشرك أو يزجر بهذه الآية كغيرها من آيات الوعيد؟
يعني فرق بين شخص وآخر، الناس يتفاوتون، بعضهم يهتم اهتمامًا زائدًا بحيث يشق عليه الأمر، وبعض الناس اهتمامه متوسط، وبعض الناس مضيّع، لا يهتم ولا يكترث، وقل مثل هذا في أحوال الناس؛ منهم المتشدد كالخوارج مثلاً، ومنهم المتساهل كالمرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، وأولئك يقولون: لا ينفع مع المعصية عمل، وأهل السنة وسط بينهم.
جاء شخص من الدعاة من أهل العلم إلى مجتمع يكثر فيه الخوارج، هل يحسن به أن يورد آيات الوعد، هم في الأصل مدبرون، فكونه يورد عليهم آيات الوعد يزيدهم انفلاتًا، ولو كان الأمر بالعكس، وجاء هذا العالم إلى مجتمع فيه مرجئة يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، يرتكبون الجرائم والفواحش، ويتركون الواجبات، ويفعلون الموبقات، هل يورد عليهم آيات الوعد؟
{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} [سورة الزمر:53] يصلح هذا أن يقال لهم؟! وهي من كلام الله -جل علا-! النصوص الشرعية علاج وأدوية لأمراض الأفراد والمجتمعات، العالم الذي يداوي الناس بهذه الأدوية يعطي كل شخص ما يناسبه، ولذلك جاءت النصوص بهذا وبهذا.
والمرجئة يستدلون بأدلة، والخوارج يستدلون بأدلة، لكن التوفيق في الجمع بين هذه الأدلة؛ لأن الخوارج لا ينظرون إلى نصوص الوعد، وبالمقابل المرجئة لا ينظرون إلى نصوص الوعيد، وهذا تعطيل، إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض، لا بد من التوفيق بين الأمرين، فالصحابة -رضوان الله عليهم- لما شق عليهم؛ لحرصهم على إبراء الذمة عالجهم النبي- عليه الصلاة والسلام- بما ليس فيهم، طبَّق الآية على ظلم ليس فيهم لما ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- الإسبال والوعيد الشديد الوارد فيه قال أبو بكر: إن ثوبي يسترخي إذا لم أتعاهده، قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: «أنت لست ممن يجر إزاره خيلاء»، أبو بكر معروف ليس من أهل الخيلاء والتكبر والتعاظم والتجبر، شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل لكل أحد أن يشهد لنفسه أو لغيره بما في قلبه؟ لأن الخيلاء أمر قلبي، فشهد له النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لو أطلق وترك الأمر على ما هو عليه ماذا يصير وضع أبي بكر هو والإزار؟
ولا نتصور الأمور عندهم متيسرة مثل ما عندنا، بعضهم لا يملك إلا هذا الثوب، وإذا أصابه شيء يرقعه، يضع فيه رقعة ويمشي بدل ما يعيش شهرًا شهرين ثلاثة يعيش مدة أطول. على كل حال وضع الصحابة لما جاؤوا قلقين مشفقين قد شق عليهم الأمر، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يزيل ما في أنفسهم، فهمهم الأول صحيح أم ليس بصحيح؟ «ليس هو كما تظنون» بالنسبة لكم وإلا لعموم الناس في فهم الآية العلماء قالوا إن الظلم المذكور في الآية نكرة وفي سياق {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [سورة الأنعام:82] فيه نفي، والنكرة تفيد العموم النبي -عليه الصلاة والسلام- فسَّر هذا العموم بفرد من أفراده، والتفسير بالفرد لا يقتضي التخصيص مثل ما قلنا في الرمي والقوة.
لو جاء شخص ظالم لنفسه مسرف على نفسه وهو ظالم لغيره وقال خائف من {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [سورة الأنعام:82] نقول: الظلم الشرك؟ معناه أنه لن يرتدع خلاص أخذ وثيقة في تفسير الآية، فيرجع ويزيد من ظلمه.
قال: "حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم قالا: أخبرنا عيسى وهو ابن يونس" ابن أبي إسحاق السبيعي "ح وحدثنا منجاب بن الحارث التميمي" قال: أخبرنا "أخبرنا ابن مسهر" علي بن مسهر "ح وحدثنا أبو كريب قال: أخبرنا ابن إدريس كلهم عن الأعمش بهذا الإسناد قال أبو كريب: قال ابن إدريس: حدثنيه أولاً أبي عن أبان بن تغلب عن الأعمش، ثم سمعته منه" قال أبو كريب: قال ابن إدريس: حدثنيه أولاً أبي عن أبان بن تغلب عن الأعمش، ثم سمعته منه، يعني هو سمع الحديث بواسطة، ثم سمعه بدون واسطة، وهذا يحصل كثيرًا فيكون فيه علو في الإسناد بعد أن يكون نازلاً بذكر الواسطة، يحذف الواسطة؛ لأنه سمعه منه مباشرة، فيكون سنده أعلى، وفيه أبان بن تغلب، والراجح أنه مصروف، الراجح أنه مصروف، وفي النسخ التي معكم مصروف أم غير مصروف؟
طالب: .........
مكتوب بالضبطين؟
طالب: .........
كل النسخ كذا؟
طالب: .........
هو مختلف فيه، والأكثر على أنه مصروف حتى قالوا ... ماذا قالوا؟ من منع أبان فهو أتان، مع أن ابن مالك صاحب الألفية الإمام النحوي الشهير يمنعه من الصرف، لكن الكلام الذي يقولونه ما هو بنص، ولا يدل على استخفاف بالقائل، هي مجرد نفثة مصدور يترجح عنده هذا الأمر قال هذه الكلمة.
عن أبان بن تغلب وأبوه أيضًا ممنوع من الصرف، ممنوع من الصرف؛ للعلمية ووزن الفعل، أبان من صرفه قال: إن النون أصلية وليست زائدة، وهو من الإبانة أو من البيان، ومن منعه من الصرف قال: إن النون زائدة، الألف والنون زائدتان، فيكون ممنوعًا من الصرف؛ لاقترانه بالألف والنون الزائدتين، ويكون من الإباء، وحسَّان إما من الحس أو من الحسن، وعلى هذا يكون مصروفًا أو غير مصروف، والأمر فيه سعة في مثل هذا، قال -رحمه الله- في "بيان تجاوز الله تعالى عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر وبيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلِّف ما لا يطاق" الباب طويل جدًّا يعني في خمس صفحات.
لعلنا نأخذ سؤالين أو ثلاثة في الوقت الباقي، ونقف على هذا.
كم باقٍ؟ باقٍ عشر دقائق؟
طالب: .........
ماذا؟
طالب: .........
ما نستطيع على شيء من الحديث نقف على هذا، ونأخذ بعض الأسئلة.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك...
الكتابة ما هي واضحة.
على أصول التفسير.. كيف يصنع.. قول النبي -عليه الصلاة والسلام- حجة، فكيف نصرف الظلم على.. أنه يقيد العموم؟
على كل حال ما فيه إشكال في أن قول النبي -عليه الصلاة والسلام- هو المعوَّل عليه، ووجوه التفسير عند أهل العلم إما بتفسير القرآن بالقرآن، توجد آيات مجملة في موضع ومبيَّنة في موضع، هذه تُفسَّر بالقرآن، وإذا لم نجد تفسيرًا بالقرآن ووجدنا حديثًا يفسره فأولى ما يفسر به قول النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك بأقوال الصحابة، ثم التابعين، إلى آخره..
الحديث الذي معنا فسَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسند الصحيح يعني ما فيه أحد يتردد في تفسير الظلم بالشرك في هذا الموضع، لكن هل له ظرف ومناسبة أم تُجرى الآية على عمومها؟
ما فيه ظلم إلا الشرك في هذه الآية! وأهل العلم ابن القيم وغيره فسروا قالوا هذا في كتاب التوحيد وشروحه قالوا: إن الظلم في هذه الآية على لفظها عام ويبقى أن من ظلم نفسه بأي ظلم يحصل له من الخلل بالأمن بقدره، حتى قالوا: والحصة بالحصة نقص هذا الظلم عشرة بالمائة ينقص.. وجد من الظلم بنسبة عشرة بالمائة ينقص من الأمن بنسبة عشرة بالمائة، وهكذا، وقلنا: إن في توجيه تفسير النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة أنهم قوم لا شك أنهم خافوا ووجلوا وشق ذلك عليهم مشقة شديدة، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يطمئنهم، يعني لو جاء شخص شخص مثل ماعز زنا فجاء تائبًا مقدِّمًا نفسه للحد، وهو الرجم، الرجل تائب ونادم وقدَّم نفسه ليرجم، النبي -عليه الصلاة والسلام- يعرض عنه، يأتي من الجهة، ويعرض الرسول عنه.. ويأتي من هذه الجهة ويعرض ويأتي.. يقول: لعلك قبلت، لعلك غمزت، لعلك لعلك... ومصرّ أن يرجم، ثم قالوا له: بالصريح أفعلت كذا؟ أفعلت؟ يبين له الجماع الصريح ويقول: نعم، ما الداعي لهذا التلقين؟ وما الداعي لهذا الإعراض؟
لأنه جاء خائفًا مشفقًا على نفسه يريد أن يطهر من هذا الذنب بأي شيء بالرجم، لو قبض على شخص، قبض عليه، قبض وله سوابق ومجرم ويخشى من اعتدائه في المستقبل ولا تاب ولا شيء، وعلامات الاستمرار ظاهرة عليه يُعرَض عنه؟ ما يُعرَض عنه، هذا يقام عليه الحد، وإلا ترتب على ذلك تضييع الحدود، فالمخاطَبون يختلفون من شخص إلى آخر.
يعني تفسيره -عليه الصلاة والسلام- القوة بالرمي كيف يُوجَّه إلا أنه فرد من أفراد العام، قد يوجَد في العصور المتأخرة عنه -عليه الصلاة والسلام- كما في قوله -جل وعلا-: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة النحل:8] ما هو أنكى من الرمي، والواقع يشهد، الواقع الذي نعيشه ونحن في وقت فتن ومحن وهرج وسفك للدماء، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ما يناسب عصره ووقته وينزل منزلته ما يقوم مقامه.
البخاري -رحمه الله- لا يرى فرقًا بين حدثنا وأخبرنا سواء، والذين يفرقون يقولون: حدثنا سمع المحدِّث الحديث من لفظ الشيخ، سمعه من لفظ الشيخ، وطريقة التحمل فيه السماع، وأخبرنا قرأ الحديث على الشيخ، وطريق التحمل العرض القراءة على الشيخ.
فيه كتابات سقيمة أشبه ما تكون بالطلاسم..