شرح الموطأ - كتاب الطلاق (1)

سم.

أحسن الله إليك.

كتاب الطلاق:

باب ما جاء في البتة

حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رجلاً قال لعبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: إني طلقت امرأتي مائة تطليقة فماذا ترى علي؟ فقال له ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: "طلقت منك لثلاث، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا".

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- فقال: إني طلقت امرأتي ثماني تطليقات، فقال ابن مسعود: فماذا قيل لك؟ قال: قيل لي إنها قد بانت مني، فقال ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: "صدقوا، من طلق كما أمره الله فقد بين الله له، ومن لبس على نفسه لبساً جعلنا لبسه ملصقاً به، لا تلبسوا على أنفسكم ونتحمله عنكم، هو كما يقولون".

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن حزم أن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- قال له: البتة ما يقول الناس فيها؟ قال أبو بكر: فقلت له: كان أبان بن عثمان يجعلها واحدة، فقال عمر بن عبد العزيز: "لو كان الطلاق ألفا ما أبقت البتة منها شيئاً، من قال البتة فقد رمى الغاية القصوى".

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم كان يقضي في الذي يطلق امرأته البتة أنها ثلاث تطليقات.

قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الطلاق:

والطلاق من الإطلاق والإرسال، والتخلية، وهو حل وثاق عقد النكاح؛ لأن أصل العقد الربط، والطلاق من الإطلاق فك، وحل لهذا الربط المعقود.

باب ما جاء في البتة:

يعني إذا طلق زوجته البتة، أو بت طلاقها بالعدد.

حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رجلاً قال لعبد الله بن عباس: إني طلقت امرأتي مائة تطليقة.

يصنع هذا بل أكثر، مائة تطليقة.

فماذا ترى علي؟ الثلاث تبينها، الثلاث تبينها، فقال له ابن عباس: "طلقت منك لثلاث" يعني بانت منك لثلاث، "وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا".

هذا من التلاعب بآيات الله، هذا من التلاعب بآيات الله، والذي يظهر أنه، أن تطليقه المائة بلفظ واحد، تطليقه المائة بلفظ واحد، وهو الذي أجراه عمر على الناس لما تساهلوا وتلاعبوا بكتاب الله، وكان الثلاث في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، واحدة رجعية، لكنه لما رأى الناس استعجلوا في أمر جعل الله لهم فيه سعة، وهذا لا شك أنه من التلاعب، والله -جل وعلا- يجعل لك فسحة واختيار، وفرصة تتأمل وتراجع نفسك، ثم تلغي أنت بنفسك هذه الفسحة، يعني كمن ألغى خيار المجلس، كمن ألغى خيار المجلس، تعاقد اثنان على شراء سلعة وبيعها، واحد يبيع وواحد يشتري، فاتفقا على أن لا خيار للمجلس، اتفقا على أمر جعل الله لهما فيه فسحة، فيجرى عليهما، ومن هذه الحيثية مع أن عمر -رضي الله عنه- أراد أن يعزر من فعل هذا الفعل؛ لأنه بدعة، فأوقع الثلاث، وعمل به جماهير أهل العلم، عمل به جماهير أهل العلم، فالأئمة كلهم على أن الثلاث ولو كانت مجموعة بلفظ واحد أو بألفاظ بمجلس أو مجالس، ولو لم يتخللها رجعة، يوقعون الثلاث.

وقال بمقتضى المرفوع إلى النبي عليه الصلاة و السلام وهو أن الثلاث واحدة إذا لم يتخللها رجعة، قال به شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن يرى رأيه، وعليه الفتوى؛ لأن الثلاث طلاق بدعي، ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد.

فقال ابن عباس: "طلقت منك لثلاث، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزواً" كمن شخص يستهزئ بآيات الله، يجعل سوطه في بيته، وخارج بيته الطلاق، فإذا اختصم مع زوجته طلق، إذا اختصم مع جاره طلق، إذا اختصم مع شريكه طلق، في كل مجال يطلق، هذا تلاعب بكتاب الله، فمثل هذا لو عزر بوقوع الطلاق، كما فعل عمر، لما بعد، والمسألة خلافية، ومن قال بوقوعها عمل بحكم عمر -رضي الله عنه-، بحكم عمر -رضي الله تعالى عنه-، وهو خليفة راشد أمرنا بالاقتداء به.

وهو أمر جعله الشرع للشخص تنازل عنه بطوعه واختياره، يعني مثلما قلنا في إلغاء خيار المجلس، الشرع جعل لهم هذه الفرصة للاختيار ومراجعة النفس، فإذا تواطأ على إلغائها التغت.

قال: وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني طلقت امرأتي ثماني تطليقات، ثماني تطليقات، هل يعقل أنه طلقها ثم راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم، ثماني مرات؟ ما يعقل، فالظاهر من اللفظ أنها بلفظ واحد، الظاهر من السياق أنها بلفظ واحد.

طالب:....

هاه؟

طالب:....

يعني طلقها واحدة وقبل منها راجع، وأعطاها سبع؟

طالب:....

لا، هو لا، في الغالب أنه لا يزيد على الثلاث، في الغالب، فإذا قال ثمان أو مائة، هذا لفظ دافعه الغضب، فالذي يغلب على الظن أنها بلفظ واحد، وكذا لو كانت متفرقة عند من يشترط تخلل الرجعة لاحتساب العدد.

ثماني تطليقات، فقال له ابن مسعود: فماذا قيل لك؟ يعني سألت أحد؟ قال: قيل لي: إنها قد بانت مني، هذا سأل وانتهى وعرف الحكم، وأراد أن يخفف عنه ابن مسعود، تتبع الرخص، وهذا شأن المطلقين إذا ندموا إلى يومنا هذا، تجده يذهب للعالم الفلاني، أو للإفتاء أو إلى المحكمة وشيء من هذا، يحكم عليه بالطلاق، ثم يأتي يستفتي فلان، وفلان وفلان، عله أن يجد من يعيد له زوجته.

فقال ابن مسعود: "صدقوا" ولذا ينبغي أن يتثبت من يسأل عن الطلاق، سألت أحد وإلا ما سألت؟ هل سألت أحداً أو ما سألت؟ إذا قال: ما سألت، ينظر في مسألته، وإلا فينظر فيما حكم عليه به، إن كان ممن يلزم حكمه مثل هذا يلزم بالحكم، سواءً كان من الإفتاء، وإن كان الأصل في الإفتاء أنه ليس بملزم، لكنه الآن وكل إليهم من قبل ولي الأمر فصار ملزماً، أو كان من قاضي.

شخص جاء بتقرير طبي أنه مصاب بحالة نفسية، وأنه قد يمر عليه الوقت وهو لا يعي ما يقول، وأنه يستعمل علاج مهدئ، وكذا، وكذا وأنه طلق زوجته أثناء هذه الحالة، طلاقه يقع وإلا ما يقع؟

طالب:....

كيف؟

طالب:....

لا يقع، فهو استصحب مع هذا التقرير سؤال، يقول: برفقه تقرير مفاده كذا، وكتبنا على التقرير أنه مادام الأمر كذلك، إن كان الأمر كذلك وصدق في قوله فالطلاق غير واقع، ثم ذهب إلى والد المرأة فرفض أن يسلمها، لماذا؟ لأن عنده صك شرعي بوقوع الطلاق، مثل هذا لا شك أنه يتتبع الرخص، ويتلقط الزلات والهفوات، وإلا فالحكم ظاهر، لكن مادام معه حكم شرعي من المحكمة، لا أحد يتطاول على مثل هذا، وهذا كثير في الناس، تجده يسأل فلان، وفلان وفلان، وفي النهاية يأخذ بالقول الذي يناسبه، لكن كثير من أولياء أمور النساء لا يرضون بمثل هذا التصرف، وهذا الباب لا بد من التثبت فيه، لا بد من السماع من الطرفين، لأنه إن سألت المرأة سألت بصيغة تناسب مرادها، وإن سأل الزوج سأل بصيغة تناسب مراده، وهناك أمور لا يمكن تقريرها بدقة إلا بحضور الطرفين، وتصور الواقعة تصوراً تاماً، يعني طلاق الغضبان، الغضب درجات، درجات متفاوتة، يستدل على هذا التفاوت بالظروف المثيرة لهذا الغضب، وأيضاً ما صاحبه من تصرف سواءً كان من الرجل أو من المرأة، شخص يقول لزوجته: أعطيني ماءاً، فتأخرت عليه فطلق، هل هذا يستدعي غضباً لا يقع معه الطلاق؟ لا، وشخصاً آخر لما قال لها: أحضري الماء، قالت، شتمته، وشتمت والديه معه، مثل هذا يغضب، هذا يستدعي غضب لا يقع معه الطلاق، المقصود أن هذه الأمور متفاوتة ومتباينة، ولا بد من السماع من جميع الأطراف.

فقال ابن مسعود: "صدقوا" يعني وقع، بانت منك "من طلق كما أمره الله فقد بين الله له"، "من طلق كما أمره الله {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}، ومن لبس على نفسه لبساً جعلنا لبسه ملصقاً به، هو الذي ألبس نفسه هذه الحادثة، وهذه الواقعة، لا تلبسوا على أنفسكم ونتحمله عنكم، صحيح، المفتي عليه أن يسعى لخلاص نفسه قبل أن يسعى لخلاص غيره، لا تلبسوا على أنفسكم ونتحمله عنكم هو كما يقولون"

وبعض الناس ييسر على حد زعمه على الناس، ويتحمل ويعسر على نفسه، يحمل ذمته ما لا تطيق من أجل التيسير على الناس، أولى الناس بالخلاص نفسك، فليحرص الإنسان على براءة ذمته قبل أن تبرأ ذمة غيره، ولا عليه أن يقال: فلان متشدد، أو متساهل، هذا لا يلتفت إليه، مهما قيل.

قال: وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن حزم أن عمر بن عبد العزيز قال له: البتة، وهمزتها قطع، البتة، كما يقرره أهل اللغة، ما يقول الناس فيها؟ قال أبو بكر: فقلت له: كان أبان بن عثمان يجعلها واحدة، يجعلها واحدة، فقال عمر بن عبد العزيز: "لو كان الطلاق ألفاً ما أبقت البتة منها شيئاً" أبان بن عثمان يجعلها واحدة، إيش معنى البت؟ القطع، البت القطع، والمراد به هنا: قطع الصلة بين الزوج وزوجته، وعلى رأي أبان بن عثمان بجعلها واحدة، أن الواحدة قد تبينها إذا انتهت عدتها، البتة الواحدة تبينها إذا انتهت عدتها، والثلاث تبينها فوراً، فتصلح البتة أن تكون واحدة، وأن تكون للثلاث، فأبان بن عثمان جعلها واحدة باعتبار أن الواحدة إذا تمت العدة أبانتها وقطعت العلاقة بينهما، لكنه هل هو قطع نهائي مثل قطع الثلاثة؟ لا، فالبتة هي أقرب منها إلى الثلاث منها إلى الواحدة.

فقال عمر بن عبد العزيز: "لو كان الطلاق ألفاً" يعني لو أن الله جعل الطلاق ألف تطليقة ما أبقت البتة منها شيئاً؛ لأنها قطعت العلاقة بين الزوج وزوجته، نعم.

طالب:....

أو قال: البتة.

طالب:....

كيف؟

طالب:....

لا، المعنى واحد، المعنى ما يختلف، فإن قال: البتة، ويريد به مجرد الإبانة، ولو كانت رجعية، نعم، يريد بها الإبانة التي تحصل عن واحدة، انتهت العدة، أو أراد بها البتة من الآن، يدين، يقول: "لو كان الطلاق ألفاً ما أبقت البتة منها شيئاً، من قال البتة فقد رمى الغاية القصوى".

ما في لفظ أبلغ من البتة على هذا الكلام.

قال: وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم كان يقضي في الذي يطلق امرأته البتة أنها ثلاث تطليقات.

ومروان من أهل العلم، يعني من الفقهاء، كان يقضي في الذي يطلق امرأته البتة أنها ثلاث تطليقات.

قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك.

ومادام الأمر محتمل للثلاث التي تبينها إبانة تامة، كبرى، وبين الواحدة التي تبينها إذا خرجت من عدتها فيدين، وينظر إلى قصده؛ لأنها إلى الكنايات أقرب منها إلى الصريح كما في الباب الذي يليه، نعم.

أحسن الله إليك.

باب ما جاء في الخليّة والبرية

الخلية، الخلية.

أحسن الله إليك.

باب ما جاء في الخلية والبريّة

والبرية، إذا قال لزوجته: أنت خلية، أو أنت برية، نعم.

أحسن الله إليك.

باب ما جاء في الخلية والبرية وأشباه ذلك:

حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أنه كتَب

كُتب، كتب.

أحسن الله إليك.

أنه كُتب إلى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- من العراق أن رجلاً قال لامرأته: حبلك على غاربك، فكتب عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- إلى عامله: أن مره يوافيني بمكة في الموسم، فبينما عمر -رضي الله تعالى عنه- يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال عمر: "من أنت؟" فقال: أنا الذي أمرت أن أجلب عليك، فقال له عمر: "أسألك برب هذه البنية ما أردت بقولك حبلك على غاربك؟" فقال له الرجل: لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك، أردت بذلك الفراق، فقال عمر بن الخطاب: "هو ما أردت".

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- كان يقول في الرجل يقول لامرأته: أنت علي حرام: إنها ثلاث تطليقات.

قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في ذلك.

وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنه- كان يقول في الخلية والبرية: إنها ثلاث تطليقات كل واحدة منهما.

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلاً كانت تحته وليدة لقوم فقال لأهلها: شأنكم بها، فرأى الناس أنها تطليقة واحدة.

وحدثني عن مالك أنه سمع ابن شهاب يقول في الرجل يقول لامرأته: برئت مني وبرئت منك: إنها ثلاث تطليقات بمنزلة البتة.

قال مالك في الرجل يقول لامرأته: أنت خلية وبرية أو بائنة: إنها ثلاث تطليقات للمرأة التي قد دخل بها، ويدين في التي لم يدخل بها، أو واحدة

أوا، أواحدة.

أحسن الله إليك.

أواحدة أراد أم ثلاثاً؟ فإن قال: واحدة أحلف على ذلك، وكان خاطباً من الخطاب؛ لأنه لا يخلي المرأة التي قد دخل بها زوجها، ولا يبينها، ولا يبريها إلا ثلاث تطليقات، والتي لم يدخل بها تخليها وتبريها وتبينها الواحدة.

قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.

يقول -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في الخلية والبرية وأشباه ذلك:

واللفظان متقاربان، فالخلية الخالية من الزوج، ومن تكاليف الزوج، والبرية، أصلها البريئة، مثلها، تبرأ من عهدة الزوج، وهذان اللفظان من كنايات الطلاق، من كنايات الطلاق، وقوع الطلاق بها يحتاج إلى نية، يحتاج إلى نية.

قال: حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أنه كُتب إلى عمر بن الخطاب من العراق -رضي الله تعالى عنه- وأرضاه أن رجلاً قال لامرأته: حبلك على غاربك

الأصل أن الحبل بيد الزوج، الحبل بيد الزوج، كما أن حبل الدابة بيد قائدها، فإذا ترك حبلها على غاربها، وهذا الأصل في الدابة ذهبت حيث تشاء، فشبهت المرأة حينما يستغني عنها زوجها، بهذه الدابة التي يستغني عنها صاحبها، يجعل حبلها على غاربها فتذهب حيثما شاءت.

"حبلك على غاربك، فكتب عمر بن الخطاب إلى عامله: أن مره أن يوافيني، أن مره مره يوافيني، يوافيني وإلا يوافيَني؟ نعم، أن مره، كتب عليه أن مره يوافيني، أو يوافيَني؟ يوافيني جواب الأمر، جواب الطلب، أو جواب شرط مقدر، إن تأمره يوافيني، مستقيم المعنى وإلا غير مستقيم؟ أو للام التعليل، مره ليوافيَني، مثل: فهب لي من لدنك ولياً يرثني، ما قال يرثْني، ليكون جواب الطلب، وإنما هو للتعليل.

فيكون هنا: أن مره يوافيني على كل حال، لكن لو كانت جواباً للطلب قال: مره يوافني، لو كان الجواب للطلب لقال: مره يوافني، لكنها تعليلية، كما في قوله: يرثني، ولو كانت جواباً للطلب لقال: يرثني.

بمكة في الموسم، فبينما عمر يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال عمر: "من أنت؟" فقال: أنا الذي أمرت أن أُجلب عليك، أن أقدم عليك، فقال له عمر: "أسألك برب هذه البنية" فعيلة، بمعنى مفعولة، مبنية، وهي الكعبة، "ما أردت بقولك حبلك على غاربك؟" فقال الرجل: لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك، لماذا؟ لأنه لا يريد وقوع الطلاق، ومع ذلك إذا كذب الإنسان في بيان مراده، لا سيما في مثل هذه المواضع التي للنية فيها اثر كبير في وقوع الطلاق وعدمه، فإنه حينئذ يعاشر المرأة بغير، من غير حل، يعني طلاق واقع، فقال: إنه ليس بواقع، أو لبس على المسئول من أجل أن لا يوقعه، نعم.

طالب:....

كيف؟

طالب:....

إذا حكم له فإنما يحكم له بقطعة من نار، ((إنما أقضي على نحو ما أسمع)) ليس للمفتي، وليس على القاضي أن يحكم بغير ما يسمع، ولا يحكم بعلمه، مادام أخبره بالخبر؛ لأنه إذا جاء يسأل عن الطلاق مثلاً، وقال: طلقت مرتين، وجحد الثالثة، المسئول ما له علاقة، يتحمل هو، فقال: رجعية، راجعها، وهي في الحقيقة ثلاث لا رجعة فيها، من الذي يتحمل المسئولية؟ السائل، لماذا يسأل وهو يجحد مثل هذا، يجحد ما له أثر في الحكم، ولا تحل له بحكم الحاكم، لا في الأموال ولا في الفروج، وإن كان الحنفية يتساهلون في مثل هذا، حكم الحاكم يبيح ما حكم له به، وإن كان غير مطابق للواقع.

فقال له الرجل: لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك، أردت بذلك الفراق، أردت بذلك الفراق، فقال عمر بن الخطاب: "هو ما أردت".

يعني الذي أردته ونويته هو الذي يقع؛ لأن الكنايات لا بد أن تقترن بنية الوقوع، بخلاف الصريح، الصريح لو تلفظ فقال: هي طالق، خلاص لو قال: ما أردت الطلاق، لو قال: طالق من وثاق، أو قال: أردت أن أقول طاهر، فقلت: طالق، هذا يقع، ما يحتاج إلى نية، ومعناه أنه يقع في الحكم الظاهر، الحكم الظاهر، أما بالنسبة لما بينه وبين ربه يدين.

قال: وحدثني عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب كان يقول في الرجل يقول لامرأته: أنت علي حرام: إنها ثلاث تطليقات.

ثلاث تطليقات، وهذا اللفظ إذا قاله الزوج لزوجته، فيه خلاف طويل بين أهل العلم، بلغت الأقوال فيما ذكره القرطبي في سورة التحريم ثمانية عشر قولاً، ثمانية عشر قولاً، لكن هي كناية، إن أراد بها الطلاق وقع الطلاق، وإن أراد الظهار وقع الظهار، وإن لم يرد شيئاً من ذلك فهي يمين، كفارتها كفارة اليمين، يا ايها النبي لم تحرم ما أحل الله لك، ثم قال: قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم، فهذا حكمه حكم اليمين.

إنها ثلاث تطليقات.

قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في ذلك.

قال: وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول في الخلية والبرية: إنها ثلاث تطليقات، يعني مثل البتة، كل واحدة منهما ثلاث تطليقات مثل البتة، لكنها مع ذلك كناية، الحكم فيها موقوف على نية المتكلم، على نية الزوج.

قال: وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلاً كانت تحته وليدة لقوم فقال لأهلها: شأنكم بها، شأنكم بها، فرأى الناس أنها تطليقة واحدة.

يعني شأنكم بها، خذوها، خذوها لكن مع ذلك هي كناية تحتاج إلى نية.

يعني شخص زوجته في النفاس فلما طهرت من نفاسها أحضرها أبوها أو أخوها إلى زوجها، فقال ماناً على الزوج: أرحناك من التعب، من تعب إحضارها، فقال: أبد، ارجع بها معك، يريد أن يدفع هذه المنة، هل يقع بمثل هذا طلاق؟ لا يقع طلاق، لكن إن أراد بها أرجع بها معك، فلا حاجة لي بها، وينوي بذلك الطلاق، طلاق، مثل شأنكم بها، كناية، تحتاج إلى نية.

قال: وحدثني عن مالك أنه سمع ابن شهاب يقول في الرجل يقول لامرأته: برئت مني وبرئت منك: إنها ثلاث تطليقات بمنزلة البتة.

وهذه أيضاً كناية؛ لأن البراءة من أي متعلق بالنسبة لما بينهما من عقد قد تبرأ منه، برئت مني، في النفقة، وبرئت منك في الخدمة مثلاً، وتبقى علائق النكاح، بقيت؛ لأنها كناية، ليست صريحة في الطلاق، فتحتاج إلى نية تحدد المراد.

قال مالك في الرجل يقول لامرأته: أنت خلية وبرية أو بائنة: إنها ثلاث تطليقات للمرأة التي قد دخل بها؛ لأنها لا تبين إلا بالثلاث، وهذه الألفاظ تعطي البينونة، لا سيما مع النية، ويدين في التي لم يدخل بها؛ لأنها تكون خلية، وبرية، وبائنة بواحدة، إذا طلقت قبل الدخول، لا تحتاج إلى ثلاث، واحدة تبينها.

أواحدة أراد أم ثلاثاً؟ فإن قال: واحدة أحلف على ذلك، هل يحتاج إلى أن يحلف، يعني لو قال: أنت خلية، قال: والله ما أردت إلا أنها خلية من الأمراض مثلاً، خلية من الأمراض، هل يقال له: أحلف أنك ما أردت إلى هذا؟ أو يدين، يقبل قوله ويدين؟ أو أن الجادة أن من يقبل قوله لا بد أن يكون مع يمينه؟

لو قال الأب لولده: صليت؟ قال: نعم، هل يلزمه أن يقول: احلف؟ لا يلزمه، الإنسان مؤتمن على دينه، الإنسان مؤتمن، لا يلزم أن يحلف.

وفي مثل هذه الصورة إذا كان ممن يقبل قوله في مثل هذا ويرجع فيه إلى نيته، هل يستحلف أو لا يستحلف أو يفرق بين من يظن أن عنده شيء من التساهل ومن عنده شيء من التحري؛ لأن بعض الناس يسعى جاهداً، هو يحب زوجته حباً شديداً، ولا يريد وقوع الطلاق، لكنه في هذا الباب أشبه ما يكون بالموسوس، احتياطاً لدينه، فتجده يسأل عن كل شيء يتعلق بما سأله، سواءً كان مؤثر في الحكم أو غير مؤثر، مثل هذا لا يطلب منه يمين، لكن إذا ظهرت علامات التساهل والتراخي والتفريط قد يتجه القول باليمين.

فإن قال واحدة، أحلف على ذلك، وكان خاطباً من الخطاب؛ لأنها بانت منه؛ لأنه لا يخلي المرأة التي قد دخل بها زوجها، ولا يبينها، ولا يبريها إلا ثلاث تطليقات، والتي لم يدخل بها تخليها وتبريها وتبينها الواحدة.

قال الإمام مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.

نعم.

أحسن الله إليك.

نعم، لحظة، لحظة.

طالب:....

واحدة أيوه، طلق ركانة زوجه البتة، طلق زوجته البتة.

طالب:....

كيف.؟

طالب:....

لا، هو إلزام، إلزام تعزير، إلزام تعزير، يعني كأن الله -جل وعلا- جعلها كالخيرة، فأسقطت هذه الخيرة، واجتهاد من عمر، وهو موفق، وله موافقات، ولذا وافقه جمهور أهل العلم، وخالفه من خالف، خالفه من خالف، نعم.

أحسن الله إليك.

باب ما يبين من التمليك:

حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- فقال: يا أبا عبد الرحمن إني جعلت أمر امرأتي في يدها فطلقت نفسها، فماذا ترى؟ فقال عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: "أراه كما قالت" فقال الرجل: لا تفعل يا أبا عبد الرحمن فقال ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: "أنا أفعل، أنت فعلته".

وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-ما كان يقول: "إذا ملك الرجل امرأته أمرها فالقضاء ما قضت به إلا أن ينكر عليها، ويقول: لم أرد إلا واحدة فيحلف على ذلك ويكون أملك بها ما كانت في عدتها".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما يبين من التمليك:

الأصل أن الطلاق بيد الزوج، بيد الزوج، لكن لو جعله بيد الزوجة، لو جعله بيد أبيه، أو بيد ابنه، يعني وكل أمره إلى غيره في هذا، يعني فوض أمر الطلاق إلى غيره، وهنا فوض الأمر إلى الزوجة،

قال: حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن إني جعلت أمر امرأتي في يدها، ما الذي دعاه إلى ذلك؟ لعلها أقلقته، كل يوم تطلب الطلاق، أو كل يوم بينهم مشاكل، فقال لها: متى ما أردت الخروج اخرجي، ناوياً بذلك الطلاق، أو أمرك بيدك، أو طلقي نفسك إن شئت،

إني جعلت أمر امرأتي في يدها، فطلقت نفسها، فماذا ترى؟ فقال عبد الله بن عمر: "أراه كما قالت" خلاص، ما الذي أجبرك على أن تتنازل عن حق جعله الله لك، "أراه كما قالت" فقال الرجل: لا تفعل يا أبا عبد الرحمن، لا تستعجل، لا تفعل، لا توقع الطلاق، من الذي أوقع الطلاق، ابن عمر أو الزوج أو الزوجة؟ الزوج الذي أوقع الطلاق، الزوج هو الذي أوقع الطلاق، قال الرجل: لا تفعل يا أبا عبد الرحمن، لا تستعجل، فقال ابن عمر: "أنا أفعل" يستنكر، أنا ما سويت شيء، أنا بينت لك الحكم، "أنت فعلته" أنت الجاني على نفسك، تتنازل عن حق جعله الله لك، تتنازل لمخلوق ضعيف، لا يتحمل ما يتحمله الرجل في هذه المواقف، فتجد المرأة لأدنى سبب لو كان الأمر بيدها ما بقي –والله أعلم – ولا عقد صحيح، النساء يأتي عليهن أوقات ما في شك أنها سريعة التأثر، سريعة الغضب، العاطفة عندها جياشة، المقصود أنها لا تثبت مثل ثبات الرجل، ولذلك جعل الطلاق في يد الرجل.

وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "إذا ملك الرجل امرأته أمرها" قال: أمرك بيدك، ناوياً بذلك الطلاق، "فالقضاء ما قضت به، القضاء ما قضت به إلا أن ينكر عليها، ويقول: لم أرد إلا واحدة"، يعني إذا قال: أمرك بيدك، فقالت: طلقت نفسي ثلاثاً، الأمر كما جعل، فإن لم ينو شيئاً فقد جعل لها الأمر كل الأمر وهو الثلاث، وإن قال: لم أرد إلا واحدة فيحلف على ذلك ويكون أملك بها ويكون أملك بها ما كانت في عدتها" لأن جعل الطلاق في يد المرأة حكمه حكم نعم الكناية.

لو قال: أمرك بيدك، أمرك بيدك، فقالت: طلقت نفسي، قال: أنا ما أردت طلاق، أمرك بيدك، يعني إن شئت تذهبي إلى أهلك، إن شئت تذهبين إلى السوق، تذهبين إلى الجيران، تذهبين إلى المسجد، أمرك بيدك، ومثله: حبلك على غاربك، اذهبي إلى من شئت، ولم يرد بذلك طلاقاً، فإنه حينئذ لا يقع، نعم.

طالب:....

هاه؟

طالب:....

كيف؟

طالب:....

طيب.

طالب:....

لا هم يقولون ما دام في المجلس، مادام في المجلس يكون الأمر بيده، وإذا فارقوا المجلس سيأتي شيئاً من هذا نعم.

طالب:....

هاه؟

طالب:....

لا هو فيه، في معاوضة، ما في معاوضة، ما قالت: طلقني أو أطلقك على مبلغ كذا، هذا الخلع، نعم

أحسن الله إليك.

باب ما يجب فيه تطليقة واحدة من التمليك:

حدثني يحيى عن مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه أخبره أنه كان جالساً عند زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه-، فأتاه محمد بن أبي عتيق وعيناه تدمعان فقال له زيد: ما شأنك؟" فقال: ملكت امرأتي أمرها ففارقتني فقال له زيد: ما حملك على ذلك؟ قال القدر: فقال زيد: ارتجعها إن شئت فإنما هي واحدة وأنت أملك بها".

وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلاً من ثقيف ملك امرأته أمرها فقالت: أنت الطلاق، فسكت، ثم قالت: أنت الطلاق، فقال: بفيك الحجر، ثم قالت: أنت الطلاق فقال: بفيك الحجر، فاختصما إلى مروان بن الحكم فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة، وردها إليه.

قال مالك: قال عبد الرحمن: فكان القاسم يعجبه هذا القضاء ويراه أحسن ما سمع في ذلك.

قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك وأحبه إلي.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما يجب فيه تطليقة واحدة من التمليك، ما يجب فيه تطليقة واحدة من التمليك:

وهي في حالة ما إذا لم ينو أكثر من واحدة، أما إذا نوى أكثر من واحدة فهو على نيته، ولذا قال: حدثني يحيى عن مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد بن ثابت، خارجة من الفقهاء السبعة، أنه أخبره أنه كان جالساً عند زيد بن ثابت عند أبيه، فأتاه محمد بن أبي عتيق وعيناه تدمعان، يعني بعد الندم من وقوع ما يكرهان تدمع العين بعد ذلك، لكن لات ساعة مندم، الإنسان إذا استعجل في أمر له فيه فسحة لا بد أن يندم، فأتاه محمد بن أبي عتيق وعيناه تدمعان، فقال له زيد: ما شأنك؟" يعني ما الخبر؟ فقال: ملكت امرأتي أمرها ففارقتني ملكت امرأتي أمرها ففارقتني، فقال له زيد: ما حملك على ذلك؟ قال: القدر، قال: القدر؛ لأنه قد يحصل بين الزوجين من الحال والظرف الذي يقتضي إما كمال انبساط وأنس، ويريد أن يكرمها بمثل هذا، وأنه لا فضل له عليها، الفضل كان في الطلاق والآن تساويا، أو يكون في شقاء وملل لكن لا يريد أن يكون الفراق منه، نظراً لمكان أهلها عنده، فيقول: أمرك بيدك، وينتظر الفرصة تسنح أن تطلق، المقصود أن هذا قد يقع وقد وقع، لكن ماذا عما لو قال: أمرك بيدك، ما طلقت، طلق هو، يملك وإلا ما يملك؟ هذا الأمر الذي له ملكها إياه، هل يرجع إليها أو لا يرجع؟ نعم؟

طالب:....

يعني ألغى الوكالة، ولو لم يعلم الموكل، يعني جعل الأمر إليها بالوكالة، يعني ما هو مثل الهبة يثبت بالقبض حكمه حكم الوكالة، فإذا ألغى هذا الذي وكلها فيه التغى، ولو لم تعلم، ما يلزم علم الموكل، فإذا قالت: طلقتك، قال: لا، أنا ساحب الوكالة.

طالب:....

نعم.

طالب:....

كيف.

طالب:....

كل من يقبل قوله لا بد أن يكون مع يمينه، عمر -رضي الله عنه- استحلف عند الكعبة، استحلف عند الكعبة.

فقال له زيد: ما حملك على هذا؟ قال: القدر، فقال: ارتجعها إن شئت فإنما هي واحدة وأنت أملك بها".

أولاً: هذا لا بد فيه من نية الزوج حينما ملكها، هل ملكها واحدة أو ملكها البت طلاق البائن، وأيضاً ينظر في لفظ المرأة، فارقتني ما يدرى على كم، والأصل بقاء النكاح، فلا تبين منه بمجرد المفارقة، لكن لما قالت: أنت الطلاق، أنت الطلاق،أنت الطلاق، قالت ثلاثاً، هذا أظهر في إرادة الثلاث، لا سيما وأن الطلاق بأل يطلق على وقد تكرر ثلاثاً، لما قالت: أنت الطلاق، أنت الطلاق، أنت الطلاق، الذي يغلب على الظن إرادتها البينونة، ومع ذلك اختصما إلى مروان فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة، وردها إليه؛ لأن نيته أقوى من نيتها، وجانبه في هذا الباب أرجح من جانبها، يعني لو قالت: أنا نويت ثلاث، ملكني الطلاق ونويت ثلاث، الطلاق ثلاث، وقال: أنا ملكتها، لكن ما ملكتها إلا واحدة، القول قوله.

قال: وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلاً من ثقيف ملك امرأته أمرها فقالت: أنت الطلاق، فسكت، ثم قالت: أنت الطلاق، فقال: بفيك الحجر، ثم قالت: أنت الطلاق فقال: بفيك الحجر، فاختصما إلى مروان بن الحكم فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة، وردها إليه.

لأن هنا تعارض أصل مع فرع، فالمقدم في هذا الأصل إلا أن يدعي الفرع دعوى ترجح جانبه، لو قال: ما أردت ثم أحضرت ما يدل على إرادته، تمكينها من الطلاق البائن.

قال مالك: قال عبد الرحمن: فكان القاسم يعجبه هذا القضاء ويراه أحسن ما سمع في ذلك.

قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك وأحبه إلي. نعم.

أحسن الله إليك.

باب ما لا يبين من التمليك

حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنه-ا أنها خطبت على عبد الرحمن بن أبي بكر قريبة بنت أبي أمية فزوجوه، ثم إنهم عتبوا على عبد الرحمن وقالوا: ما زوجنا إلا عائشة، فأرسلت عائشة -رضي الله تعالى عنه-ا إلى عبد الرحمن فذكرت ذلك له، فجعل أمر قريبة بيدها، فاختارت زوجها فلم يكن ذلك طلاقاً".

وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، و-رضي الله تعالى عنه-ا زوجت حفصة بنت عبد الرحمن المنذر بن الزبير، وعبدِ

وعبدُ.

أحسن الله إليك.

وعبدُ الرحمن غائب بالشام فلما قدم عبد الرحمن قال: ومثلي يصنع هذا به، ومثلي يفتات عليه، فكلمت عائشة المنذر بن الزبير فقال المنذر: فإن ذلك بيد عبد الرحمن، فقال عبد الرحمن: ما كنت لأرد أمرا قضيته، فقرت حفصة عند المنذر، ولم يكن ذلك طلاقاً.

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- وأبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- سئلا عن الرجل يملك امرأته أمرها فترد ذلك إليه، ولا تقضي فيه شيئاً فقالا: "ليس ذلك بطلاق".

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: "إذا ملك الرجل امرأته أمرها فلم تفارقه وقرت عنده فليس ذلك بطلاق".

قال مالك في المملكة إذا ملكها زوجها أمرها ثم افترقا ولم تقبل من ذلك شيئاً فليس بيدها من ذلك شيء وهو لها ما داما في مجلسهما.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما لا يبين من التمليك:

يعني ما يبين الزوجة من زجها من تمليك الزوج لزوجته الطلاق.

قال: حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنه-ا أنها خطبت على عبد الرحمن بن أبي بكر، يعني خطبت له، عبد الرحمن بن أبي بكر، أخوها، الذي أعمرها من التنعيم، خطبت على عبد الرحمن، يعني خطبت لأخيها عبد الرحمن، قريبة بنت أبي أمية فزوجوه، يعني إذا كانت الخاطبة والوسيط عائشة -رضي الله عنه-ا لا شك أنها تشفع في مثل هذا، ولذلك جاء في الحديث الذي يليه: إنا ما زوجنا إلا عائشة، ما زوجنا المنذر، زوجنا عائشة، وهذه تتردد على ألسنة أولياء الأمور بالنسبة للنساء، إذا خطب منهم من يستحق التقدير قالوا: من أجلك، أو كان والد مثلاً أو والد الزوج ممن يستحق مثل هذا التقدير، قالوا: زوجنا الوالد، ما زوجنا الولد، أو كانت الأم معروفة بصالحها قالوا: والله ما زوجناه إلا عشان أمه، كل هذا في عصرنا لا يصلح، يعني في عصور مضت الأمور متقاربة، تجد الولد قريب من أبية، والبنت قريبة من أمها، لكن في عصرنا فيه التباين، كثيراً ما يقال: فلان بن حمولة، يعني ما يبور، ما يختلف عنهم في الغالب، ويزوج على هذا الأساس ولا يسأل عنه، أما في عصرنا هذا ما فيه، ما في تناسب بين الوالد وولده، تجد التباين إما أن يكون الأب أفضل من ولده بمراحل أو العكس فلا يقاس أحد على أحد؛ لأن المؤثرات حالت بين مراد الآباء وأبنائهم، فالمقصود أن مثل هذا لا يمشي في وقتنا، والله إننا مزوجينها العبد الصالح الوالد، لكن الوالد هو الذي بيعاشر البنت هو اللي بيتعامل مع البنت؟ لا، احتمال أن يأخذها الولد ولا يراها الوالد مرة ثانية، فأنت تزوج الولد هل هو كفؤ وإلا لا؟

فزوجوه، ثم إنهم عتبوا على عبد الرحمن بن أبي بكر، وقالوا: ما زوجنا إلا عائشة، القصد عبد الرحمن ما زوجناه، ما زوجنا إلا عائشة، فأرسلت عائشة إلى أخيها عبد الرحمن فذكرت ذلك له، فجعل أمر قريبة بيدها، هو لما سمع هذا الكلام، ما زوجنا إلا عائشة، يعني أنف من البقاء معها مكرهاً لها، مادام ما زوج من أجله فتكون المسألة عدم الرغبة موجود، مادام ما زوجوه من أجله فالرغبة فيه قليلة، ومادام الأمر ذلك من الطرف الثاني، فليكن الأمر كذلك من الطرف الأول، فجعل أمر قريبة بيدها، قال: قريبة تصنع ما شاءت، إن اختارتني بقيت، وإن اختارت أهلها تذهب، فاختارت زوجها فلم يكن ذلك طلاقاً"، اختارت زوجها.

قال: وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، و-رضي الله عنه-ا زوجت حفصة بنت عبد الرحمن، عبد الرحمن بن أبي بكر، الخبر السابق، زوجت حفصة بنت عبد الرحمن المنذر بن الزبير بن العوام، ابن أختها أسماء، فتكون حفصة بنت عبد الرحمن بالنسبة للمنذر بن الزبير ابنة خالها، وهو ابن عمتها.

وعبدُ الرحمن غائب بالشام، كيف زوجت وعبد الرحمن غائب بالشام، أبوها غائب بالشام؟ يعني تولت العقد، أو أنها وفقت بينهما وتولاه الرجال؟ نعم هذا الذي ظهر، وعبد الرحمن غائب بالشام، ويدل عليه النصوص التي تدل على أنه لا بد من الولي، عبد الرحمن غائب بالشام، فلما قدم عبد الرحمن قال: ومثلي يصنع هذا به، تزوج بنته من غير علمه، ومثلي يفتات عليه، فكلمت عائشة المنذر بن الزبير، الخال غير راضي بزواجك من بنته؛ لأنا ما أخذنا رأيه قبل ذلك، فقال المنذر: فإن ذلك بيد عبد الرحمن، ذلك بيد عبد الرحمن، إن شاء أخذ ابنته، وإن شاء ردها إلي، فقال عبد الرحمن: ما كنت لأرد أمراً قضيته، يعني تقديراً لأخته أم المؤمنين، فقرت حفصة عند المنذر، ولم يكن ذلك طلاقاً.

وقد جعل الأمر بيد أبيها، نعم.

طالب:....

القاسم عبد الرحمن بن القاسم القاسم بن محمد بن أبي بكر عن أبيه محمد بن أبي بكر عن عائشة، أو أن عائشة، يحتمل الاتصال والانقطاع محتمل، المعاصرة موجودة، نعم.

طالب:....

هاه؟

طالب:....

افتيات على الأب؟

طالب:....

هذا تصرف يعني أشبه ما يكون ما يكون بالفضولي، يرجع فيه إلى رضاه فيما بعد.

وعائشة الذي يغلب على الظن أنها في مثل هذه التصرفات كأنها ضامنة للأمر أنهم لن يخرجوا عن مرادها، ومع ذلك الولي لا يفتأت عليه.

قال: وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة سئلا عن الرجل يملك امرأته أمرها فترد ذلك إليه، لا تقبل، إذا لم تقبل ما صار شيء، كأن شيئاً لم يكن، ولا تقضي فيه شيئاً فقالا: "ليس ذلك بطلاق".

قال: وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: "إذا ملك الرجل امرأته أمرها، يعني وجعل الطلاق بيدها، فلم تفارقه وقرت عنده فليس ذلك بطلاق".

قال مالك في المملكة إذا ملكها زوجها أمرها ثم افترقا ولم تقبل من ذلك شيئاً فليس بيدها من ذلك شيء وهو لها ما داما في مجلسها.

يعني التمليك هذا بمجرد المجلس، ولا يقال: إنها بعد سنين تملك أمرها وتطلقه بعد ذلك، والأولى في مثل هذا أن يرد ما ملكها إياه صراحة، يرد ما ملكها إياه صراحة، قال: ترى ما صار شيء، خلاص الأمر بيدي أنا، رجعت.

في الصورة السابقة أم المؤمنين زوجت بنت أخيها ابن أختها، وأخوها غائب ولي الأمر، فهل يصلح مثل هذا التصرف من غير أم المؤمنين، يعني هل للأخت ولو كانت أكبر من أخيها أن تزوج بنت أخيها لولد أختها، أو لغيره من سائر الناس؟ لا شك أن هذا افتئات على ولي الأمر ولا يصح، نعم، لكن هي تصرفت باعتبار أنها ضامنة، أنها ضامنة، وحصل الأمر كما تصورت.

 

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.