كتاب التيمم (03)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "حدثنا محمد بن سنانٍ، قال: حدثنا هشيمٌ –حاء- قال: وحدثني سعيد بن النضر، قال: أخبرنا هشيمٌ، قال: أخبرنا سيارٌ، قال: حدثنا يزيد الفقير".
أنت عندك يزيد؟ يزيد هو ابن صهيبٍ الفقير، ما يُوجد في أكثر النُّسخ لا عند أبي ذر ولا غيره، لكن هو موجود عندنا، نعم.
"قال: حدثنا يزيدٌ الفقيرٌ، قال: أخبرنا جابر بن عبد الله، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي المَغَانِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...
فيقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: في كتاب التيمم: "حدثنا محمد بن سنانٍ، قال: حدثنا هشيمٌ" وهو ابن بشير "حاء، قال: وحدثنا سعيد بن النضر" الحاء هذه حاء التحويل من الإسناد الأول إلى الثاني.
"قال: أخبرنا هشيمٌ" فالإمام البخاري يروي الحديث عن هُشيم من طريقين:
الأول: طريق محمد بن سنان وهو بالتحديث، والثاني: من طريق سعيد بن النضر.
ومحمد بن سنان يرويه عن هُشيم بالتحديث، وسعيد بن النضر بالإخبار، ولم يجمعهما البخاري– رحمه الله تعالى- فيقول: حدثنا محمد بن سنان، وسعيد بن النضر عن هشيم أو قال: الأول حدثنا هشيم، وقال: الآخر أخبرنا هشيم، كما يفعل الإمام مسلم، ولعل الإمام البخاري سمع الحديث منهما متفرقين لا مجتمعين، ولعله كما قيل: أنه سمعه من محمد بن سنان مع غيره، فقال: حدثنا، وعن سعيد بن النضر بمفرده؛ ولذلك قال: حدثني.
هذه الفروق جعلت الإمام البخاري –رحمه الله تعالى- يُفرد كل واحدٍ عن الآخر، وجرت عادته وظهر بالاستقراء من صنيعه أنه إذا روى الحديث عن اثنين، فاللفظ للأخِر منهما، وهذا الحكم أغلبي ليس بكلي، بدليل أنه مر بنا في مواضع يروي عن أكثر من واحد ويكون اللفظ للأول بتتبع الطرق والألفاظ.
أذكر في صفحة ثلاثين من فتح الباري، وهذا بعيد العهد جدًّا "قال: حدثنا عبدان، قال: أخبرنا عبد الله" الحديث رقم خمسة "قال: أخبرنا يونس عن الزهري".
طالب:.......
نعم.
"حاء، وحدثنا بشر بن محمد، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا يونس ومعمر" يونس ومعمر على القاعدة يكون اللفظ لمعمر، لكن الواقع أن اللفظ ليونس؛ ولذا يقول الحافظ ابن حجر: أما باللفظ فعن يونس، وأما بالمعنى فعن معمر، وهذا يدل على أن القاعدة التي ظهرت بالاستقراء لابن حجر أنها أغلبية وليست كلية.
أما بالنسبة للإمام مسلم ما يرد هذا الكلام عليه؛ لأنه في كل موضع يُبين صاحب اللفظ، حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان وانتهى الإشكال ما ترك لأحدٍ اجتهاد، الإمام البخاري ترك الاجتهاد لمن يأتي بعده، وينظر في المواضع كلها ويحكم بالاستقراء كما فعل ابن حجر، ولكن الاستقراء ليس بتام، فصارت القاعدة أغلبيةً وليست بكلية.
وقفتم على الموضع؟ في حديث الخمسة.
طالب:.......
موجود؟
طالب:.......
أخبرنا يونس ومعمر عن الزهري، قال ابن حجر -في السطر الثالث من الشرح- أما باللفظ فعن يونس، وأما بالمعنى فعن معمر، وفيه أمثلة أخرى موجودة مدونة على نسختي، لكن ما هي بهذه.
"قال: أخبرنا هشيمٌ، قال: أخبرنا سيارٌ، قال: حدثنا يزيد" هو ابن صهيبٍ الفقير، الفقير قليل المال؟
طالب:.......
بماذا؟
طالب:.......
مصابٌ في فقار ظهره، فقيل له: الفقير، وهذا من الألقاب التي لا تتبادر إلى الذهن كما في معاوية بن عبد الكريم الضال، الذي يسمع الكلام يقول: نعوذ بالله من ضلاله، هو ضل في طريق مكة، فقيل له: الضال، وإلا فهو من خيار الناس، وهذا فقير؛ لأنه مصابٌ في فقار ظهره، وليس بفقير مُعدم قليل المال هذا هو السبب في تسميته.
"قال: أخبرنا جابر بن عبد الله" ابن عمرو بن حرام.
"أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي»". يعني من الأنبياء، فهي من خصائصه –عليه الصلاة والسلام- ومن خصائص أمته.
«لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ» بالرعب، وفي بعض الروايات «مسيرة شهرين»، وحُملت على أنه شهر للرائح وشهر للقادم، وإلا فالشهر هو الثابت.
«نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ» وهو الخوف الذي يُقذف في قلوب أعدائه –عليه الصلاة والسلام- يُقذف في قلوب أعدائه؛ للهيبة التي تكون له –عليه الصلاة والسلام- مسيرة شهر.
ويُلاحظ بالنسبة لبعض أهل العلم والعمل، أهل التحقيق والتقوى أنه يُقذف في قلوب الناس الهيبة لهم، تُقذف الهيبة في قلوب الناس بقدر إرثه من النبي –عليه الصلاة والسلام- بالعلم والعمل، كم من شخص من أهل العلم ضعيف البنية لا يُقاوم أدنى الناس ومع ذلك يُصاب بالرعب من يراه، وكم من سؤالٍ زورناه؛ لنسأل به بعض أهل العلم، فلما وصلنا نسيناه، وقد رأيت أحد المسؤولين الكبار دخل على الشيخ ابن باز في ليلةٍ شاتية، ويداه تتصببان عرقًا الهيبة من الله يقذفها في قلوب الناس، ولا تُجلب بالقوات، قد يخاف الناس من القوة والشدة والبطش والظلم قد يخافون، لكن إذا غابوا عنه ليس في قلوبهم له شيء.
«نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وهذا هو الشاهد من الحديث للباب «جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» يعني مسجد يُصلى فيه، والمراد بذلك الأرض كلها، وليس هذا خاصًّا بالمساجد، بينما كانت الأمم السابقة يُصلون في مصلياتهم ومعابدهم.
«وَطَهُورًا» يعني في التيمم «جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» والتعميم في هذه الخصيصة عن المسجد مُخصص بما فيه نجاسة حسيةً كانت أو معنوية، الحسية معروف ما وقع عليه نجاسة طارئة فتنجس بها، والمعنوية مثل: المقبرة، فالنهي عن الصلاة فيها لنجاسة الشِّرك المعنوية.
ذكرنا مرارًا أن الحافظ ابن عبد البر وإليه ميل ابن حجر أن الخصائص لا تقبل التخصيص؛ لماذا؟ لأن التخصيص تقليل لهذا الشرف الذي أُعطيه النبي –عليه الصلاة والسلام- فعلى هذا تجوز الصلاة في المقبرة، لكن هل تجوز في محل النجاسة؟ لا، لا يقولون بهذا، إذا قلنا: بأن هذا التخصيص بالنسبة للمقبرة لا يدخله التخصيص، أو هذا المكان لا يدخله التخصيص من الحديث؛ لأنه تقليلٌ لشرف المصطفى –عليه الصلاة والسلام- المعطى لهذه الخصائص.
إذا تعارض حقه –عليه الصلاة والسلام- مع حق الله –جلَّ وعلا- فأيهما المقدم؟ حق الله، وأيضًا من حقه –عليه الصلاة والسلام- أن يُقتدى به ويُتبع، وهذا من حقوقه، والصلاة في المقبرة المؤدية إلى ما نهى عنه النبي –عليه الصلاة والسلام- لا شك أنها خارجة عمَّا قعَّده، فحقه –عليه الصلاة والسلام- التقدير، والاحترام، والتعظيم بما لا يتعارض مع حق الله –جلَّ وعلا-، الصلاة في المقبرة فيها حقٌّ لله –جلَّ وعلا-، فإذا تعارض حقه –عليه الصلاة والسلام- مع حق الله تعالى قُدِّم حق الله على حقه، وإن كان حقه مندرجًا في حق الله تعالى فلا تعارض.
طالب: هو بنفسه –عليه الصلاة والسلام- الذي خصص.
هو خصص، لكن حتى على القول بأن التخصيص تقليل لهذا الشرف فيه تعارض ظاهر مع هذا الشرف المزعوم من قِبل من قال به في عدم التخصيص في الصلاة في المقبرة معارضٌ بحق الله –جلَّ وعلا- وهو أعظم، وفي أعظم الأبواب وهو الشرك المناقض للتوحيد الذي هو حق الله على العبيد.
طالب:........
أين؟
طالب:........
لا لا مُخصص؛ لأنه جاء نص يُخصص لو ما جاء نص أصلاً، ونعرف أن هذا غير مراد للشارع قلنا: عامٌ أُريد به الخصوص.
«وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا» وبهذا قال مالك وأبو حنيفة، أن الأرض وما على وجه الأرض كلها طهور بما في ذلك جميع ما تصاعد على وجهها.
والشافعي وأحمد يقولون: التيمم خاص بالتراب؛ لرواية مسلم: «وجُعلت تُربتها لنا طهورًا».
فهذا النوع من الخاص والعام يُمكن أن يُخص العام به أو لا يُمكن؟ أولاً: هل هذا من باب التقييد أو التخصيص؟ هل التراب فردٌ من أفراد الأرض أو وصفٌ من أوصافها؟
طالب: وصف.
إذا كان وصفًا صار تقييدًا، وإذا قلنا: فرد صار تخصيصًا.
طالب: كأنه فرد.
فردٌ من أفرادها، وجاء بحكمٍ موافق لحكم العام، وحينئذٍ لا تخصيص، فيترجح قول مالك وأبي حنيفة.
من رأى أنه تقييد ويُحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة، قال: لا يُتيمم إلا بالتراب وهو مذهب الحنابلة والشافعية، فالذي يظهر أن التراب فردٌ من أفراد الأرض.
«وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ» فهذه الأمة من خصائصها أن الفرد منهم الرجل منهم وفي حكمه المرأة إذا أدركته الصلاة في أي مكان يُصلي بالشرط المُعتبر، بينما الأمم السابقة يُصلون في كنائسهم وبيَعهم وأماكن عباداتهم.
أورد بعضهم أن عيسى –عليه السلام- كان سياحًا في الأرض، يجوب الأرض ويقطعها، فليس بملازمٍ لمكانٍ فيه كنيسة يُصلي فيها، لكن هذا يحتاج إلى تحقق من ذلك، والتحقيق في هذه المسألة يحتاج إلى مزيد من العناية، وتبقى هذه الخصيصة أنه لو خُص...
طالب:........
بمفرده لا يعني أن أمته كذلك، حتى التثبت من كونه يُصلي في كل مكان، حتى لو صار يسيح في الأرض قد يجد مواضع من عباداتهم أو من أماكن عباداتهم، فلا ينخرم العموم.
«فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ»، وعلى هذا لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها انتظارًا للمسجد أو لمكان العبادة «فَلْيُصَلِّ»، قد يكون المكان الذي أدركته فيه الصلاة هو يخشى من خروج الوقت قبل وجود المكان الذي يؤدي فيها الصلاة كاملة قد يكون لا يستطيع أن يؤدي صلاته إلا على نقص، مثل: الصلاة في سيارة، في طائرة يخرج الوقت وأنت ما نزلت من الطائرة تُصلي على حسب حالك إذا تعارض المكان مع الوقت، المكان الذي يترتب عليه نقص في الصلاة مع الوقت، والوقت شرطٌ من شروط الصلاة؛ لأنه اتقى الله ما استطاع.
طالب:........
إذا كان مسافرًا فما في إشكال.
طالب:........
الأصل أن تُصلى الصلاة في وقتها والجمع لا يجوز إلا في الحالات التي وردت فيها النصوص.
قد يقول قائل: إن مثل هذا من المشقة أو من الحرج الذي نفاه الله عن أمة محمد –عليه الصلاة والسلام- وفي هذا حديث ابن عباس: صلى بالمدينة ثمانيًا وسبعًا من غير خوفٍ ولا مطر، وفي روايةٍ سفر، قال ابن عباس أراد ألا يُحرج أمته، فمن الحرج أن يُصلي الإنسان في مكانٍ لا يتمكن فيه من الصلاة كاملة، لكن المعمول به والفتوى على أنه يُصلي على حسب حاله، ويتقي الله ما استطاع؛ لأن القيام له بدل، والركوع والسجود إذا لم يتمكن منه له بدل، فيُصليها بشروطها على الوجه الذي يتمكن منه.
«وَأُحِلَّتْ لِي المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي» المغانم مما يُغنم من العدو في الغزو والجهاد، وكانت المغانم في الأمم السابقة من كان عندهم قتال وجهاد وغزو تُترك حتى تنزل عليها نار فتأكلها، هذا بالنسبة للأمم السابقة، وبالنسبة لهذه الأمة أُحِلت لهم فتُقسم على الغانمين.
«وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ» والمراد بها الشفاعة العظمى التي فيها تخليص الخلائق مما يُصيبهم من الكرب كما هو مشروح في الأحاديث الصحيحة عن النبي –عليه الصلاة والسلام- في البخاري وغيره.
«وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً» نوح -عليه السلام- لما دعا على جميع أهل الأرض، فهل هم من أمته أو بُعث إليهم أنبياء غيره؟
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
إذا قلنا: إن نوح هو نبي جميع من على الأرض ما صارت خصيصة لمحمد عليه الصلاة والسلام.
طالب:........
نعم، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [الأعراف:59] مفهومه أن غيرهم لم يُرسل إليهم نوح، فماذا يعني أن يدعو على جميع من في الأرض بالهلاك فغرقوا جميعًا إلا نوحًا ومن معه- عليه السلام-؟
طالب:........
جميع الناس يهلكون.
طالب:........
{مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح:26] ولذلك يقولون: هو أبو البشر الثاني بعد آدم -عليه السلام-.
طالب:........
هذا بعد الإغراق، وما قبله فهل هناك أنبياء أُرسلوا أو تُرك غير قوم نوح بلا رسالة ولا نبوة، فدعا على جميع أهل الأرض باعتبار أنهم كلهم كفار؟
طالب:........
كيف؟
مُرسل لأبنائه، لكن هل هو أُرسل لجميع أهل الأرض؟ هذا أُرسل إلى القوم ما أُرسل لجميع أهل الأرض.
طالب:........
الشارح يُشير إلى هذه الأمور فننظر ماذا يقول؟
عندي تعليق على الشيخ: "يحتمل أنه لم يكن بالأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح، فبعثته خاصة لكونها إلى قومه فقط، وهي عامةٌ في الصورة لعدم وجود غيرهم" نقرأ ونرى.
طالب:........
وفي وقته هذا الوقت الطويل تُرك الأقوام الآخرون بدون رسالة؟
طالب:........
{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت:14].
طالب:........
طيب ودعا على جميع الأمم؟
طالب:........
هو معروف أنهم كفار ما تشمل المؤمنين.
طالب:........
يعني ثبت أنه دعا على غير قومه؟
طالب:........
عمومًا سيأتي كلام الشيخ.
طالب:........
ومن معه في السفينة هذا معروف، والغرق عم الأرض كلها.
طالب:........
لكن نوحًا أُرسل إلى قومه، ماذا عن الأقوام الآخرين في وقت نوح؟
طالب:........
الأول نرى كلام الشارح -رحمه الله-.
قال الحافظ –رحمه الله-: " قوله: "حدثني سعيد بن النضر، قال: أخبرنا هشيم" إنما لم يجمع البخاري بين شيخه في هذا الحديث".
شيخيه.
"إنما لم يجمع البخاري بين شيخيه في هذا الحديث مع كونهما حدَّثاه به عن هشيم؛ لأنه سمعه منهما متفرقين، وكأنه سمعه من محمد بن سنانٍ مع غيره؛ فلهذا جمع فقال: "حدثنا" وسمعه من سعيدٍ وحده؛ فلهذا أفرد فقال: "حدثني".
وكأن محمدًا سمعه من لفظ هشيم؛ فلهذا قال: "حدثنا"، وكأن سعيدًا قرأه أو سمعه يُقرأ على هشيمٍ؛ فلهذا قال: "أخبرنا"، ومراعاة هذا كله على سبيل الاصطلاح".
وهل كان البخاري –رحمة الله عليه- يُراعي الاصطلاح في هذا؟ لا يُراعي الاصطلاح في هذا، لا فرق عنده بين التحديث والإخبار، وأظن أنه مضى في صيغ الأداء عند البخاري– رحمه الله- باب قول المحدِّث: حدَّثنا أو أخبرنا وأنبأنا، وقال لنا الحُميدي: كان عند ابن عُيينة: وحدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت واحدًا" يعني لا فرق بينهم.
والإمام البخاري إذا ترجم بترجمةٍ لم يجزم بها إذا أورد أثرًا كان هو اختياره.
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
يقولون: تُنطق كذا حاء، وحدثني كتب المصطلح حاء وحدثني، وهل موضعها قبل الواو أو بعدها في هذه الصورة؟
طالب:........
الآن القائل قال مَن هو؟ البخاري، "قال" يعني البخاري "وحدثني سعيد بن النضر".
طالب:........
أين؟
طالب:........
سعيد بن النضر شيخ البخاري، ومحمد بن سنان شيخ البخاري، فحاء التحويل الأصل فيها أن تكون قبل ملتقى الأسانيد، ولا يُكرر فيها من الإسناد الثاني من مر ذكره في الإسناد الأول؛ لأنها جيء بها للاختصار.
كمل خلنا نرى.
"ثم إن سياق المتن لفظ سعيد، وقد ظهر بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا أورد الحديث عن غير واحدٍ فإن اللفظ يكون للأخير، والله أعلم".
قلنا: إن هذه أغلبية وليست كلية.
"قوله: "أخبرنا سيار" بمهملةٍ بعدها تحتانية مشددة وآخره راء، هو أبو الحكم العنزي الواسطي البصري واسم أبيه وردان على الأشهر، ويُكنى أبا سيار، اتفقوا على توثيق سيار.
وأخرج له الأئمة الستة وغيرهم، وقد أدرك بعض الصحابة، لكن لم يلقَ أحدًا منهم فهو من كبار أتباع التابعين.
ولهم شيخٌ آخر يقال له: سيار، لكنه تابعيٌّ شامي أخرج له الترمذي، وذكره ابن حبان في الثقات؛ وإنما ذكرته لأنه روى معنى حديث الباب عن أبي أُمامة، ولم ينسب في الرواية كما لم ينسب سيارٌ في حديث الباب، فربما ظنهما بعض من لا تمييز له واحدًا فيطن أن في الإسناد اختلافًا وليس كذلك.
قوله: "حدثنا يزيد الفقير" هو ابن صهيبٍ يُكنى أبا عثمان، تابعيٌّ مشهور، قيل له الفقير؛ لأنه كان يشكو فقار ظهره ولم يكن فقيرًا من المال.
قال صاحب المحكم: رجلٌ فقيرٌ مكسور فقار الظهر، ويقال له".
فقِّير.
"فقِّيرٌ بالتشديد أيضًا.
فائدة: مدار حديث جابرٍ هذا على هشيمٍ بهذا الإسناد، وله شواهدٌ من حديث ابن عباسٍ، وأبي موسى، وأبي ذر، ومن رواية عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده، رواها كلها أحمد بأسانيد حسان.
قوله: «أُعطيت خمسًا» بيَّن في رواية عمرو بن شعيبٍ أن ذلك كان في غزوة تبوك، وهي آخر غزوات رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
قوله: «لم يعطهن أحد قبلي» زاد في الصلاة عن محمد بن سنان «من الأنبياء» وفي حديث ابن عباسٍ «لا أقولهن فخرًا»، ومفهومه أنه لم يُختص بغير الخمس المذكورة، لكن روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا «فُضِلت على الأنبياء بستٍّ» فذكر أربعًا من هذه الخمس، وزاد ثنتين كما سيأتي بعد.
وطريق الجمع أن يُقال: لعله اطَّلع أولاً على بعض ما اختُص به، ثم اطَّلع على الباقي".
وهكذا فيما جاء فيه حصر، واختلف هذا الحصر مع المحصور عددًا كما في حديث «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة»، ووصلوا بعد التتبع للروايات إلى سبعة، فكان ما أُعلم به في أول الأمر ثلاثةٌ، ثم زِيد في علمه من الله –جلَّ وعلا- إلى أن بلغوا سبع، وهكذا في حديث الباب.
"وطريق الجمع أن يُقال: لعله اطَّلع أولاً على بعض ما اختُص به، ثم اطَّلع على الباقي، ومن لا يرى مفهوم العدد حجة يدفع هذا الإشكال من أصله، وظاهر الحديث يقتضي أن كل واحدةٍ من الخمس المذكورات لم تكن لأحدٍ قبله، وهو كذلك، ولا يُعترض بأن نوحًا -عليه السلام- كان مبعوثًا إلى أهل الأرض بعد الطوفان؛ لأنه لم يبق إلا من كان مؤمنًا معه، وقد كان مرسلاً إليهم؛ لأن هذا العموم لم يكن في أصله بعثته".
في أصل بعثتِه.
"في أصل بعثتِه، وإنما اتفق بالحادث الذي وقع وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس، وأما نبينا -صلى الله عليه وسلم- فعموم رسالته من أصل البعثة، فثبت اختصاصه بذلك.
وأما قول أهل الموقف لنوحٍ كما صح في حديث الشفاعة: أنت أول رسولٍ إلى أهل الأرض، فليس المراد به عموم بعثته، بل إثبات أولية إرساله، وعلى تقدير أن يكون مرادًا فهو مخصوصٌ بتنصيصه -سبحانه وتعالى- في عدة آياتٍ على أن إرسال نوحٍ كان إلى قومه، ولم يذكُر أنه أُرسل إلى غيرهم".
يُذكر.
طالب:.......
ولم يُذكر.
طالب: هو سبحانه يتكلم عن الله.
ثم قال: أرسله إلى غيرهم.
طالب: "ولم يذكُر أنه أُرسل إلى غيرهم" " فهو مخصوصٌ بتنصيصه -سبحانه وتعالى- في عدة آياتٍ على أن إرسال نوحٍ كان إلى قومه، ولم يذكُر أنه أُرسل إلى غيرهم"
نعم.
"واستدل بعضهم لعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض، فأُهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة، ولو لم يكن مبعوثًا إليهم لما أُهلِكوا؛ لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15].
وقد ثبت أنه أول الرسل، وأُجيب بجواز أن يكون غيره أُرسِل إليهم في أثناء مدة نوح، وعلم نوح بأنهم لم يؤمنوا، فدعا على من لم يؤمن من قومه ومن غيرهم فأُجيب.
وهذا جواب حسن، لكن لم ينقل أنه نُبئ في زمن نوحٍ غير".
طالب:.......
ما نجا إلا أصحاب السفينة.
طالب:.......
أن من آمن منهم ينجو، هو ما دعا إلا على الكفار، فالأصل النجاة.
طالب: لكن يا شيخ سياقة القصة في القرآن في عدة مواضع لم يُذكر أن ثمة أحدٍ من أهل الأرض إلا من ركب السفينة، ولم يُذكر نبيٌّ غير نوح.
لكن من يقول: بأنه أُرسل في وقته إلى الأمم الأخرى الثابت أنه أُرسل إلى قومه فقط، بقية الأمم ماذا عنهم خلال هذه المدة الطويلة التي تقرب فيما يُقال ألف وخمسمائة عام؟ تسعمائة وخمسين وقت الدعوة فقط.
طالب:.......
كان الناس قبل نوح في حديث ابن عباس كانوا على الفطرة عشرة قرون، ثم تغيروا فأُرسل نوح.
طالب:.......
نعم.
"ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا -صلى الله عليه وسلم- في ذلك بقاء شريعته إلى يوم القيامة، ونوحٌ وغيره بصدد أن يُبعث نبيٌّ في زمانه أو بعده فينسخ بعض شريعته، ويحتمل أن يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد بلغ بقية الناس فتمادوا على الشرك فاستحقوا العقاب، وإلى هذا نحا ابن عطية في تفسير سورة هودٍ، قال: وغير ممكنٍ أن تكون نبوته لم تبلغ القريب والبعيد؛ لطول مدته، ووجَّهه ابن دقيقٍ العيد بأن توحيد الله تعالى يجوز أن يكون عامًا في حق بعض الأنبياء، وإن كان التزام فروع شريعته ليس عامًا؛ لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك، ولو لم يكن التوحيد لازمًا لهم لم يقاتلهم.
ويحتمل أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوحٍ إلا قوم نوحٍ، فبعثته خاصةٌ؛ لكونها إلى قومه فقط، وهي عامةٌ في الصورة؛ لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثًا إليهم".
يقول الشيخ في تعليقه، الشيخ ابن باز في تعليقه على الفتح، يقول: هذا الاحتمال الأخير أظهر مما قبله؛ لقول الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود:36].
وقوله تعالى: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح:26] والله أعلم.
يعني كيف كان هذا الاحتمال أظهر؟
طالب:.......
يعني المسألة من أصلها تكون ...........
"وغفل الداودي الشارح غفلةً عظيمة فقال: قوله «لم يُعطهن أحدٌ» يعني لم تُجمع لأحدٍ قبله؛ لأن نوحًا بُعث إلى كافة الناس، وأما الأربع فلم يُعط أحدٌ واحدةً منهن.
وكأنه نظر في أول الحديث وغفل عن آخره؛ لأنه نص -صلى الله عليه وسلم- على خصوصيته بهذه أيضا؛ لقوله «وكان النبي، يبعث إلى قومه خاصة»، وفي رواية مسلم «وكان كل نبي...» إلى آخره".
كلام الداودي لا حظ له من النظر.
"قوله: «نُصرت بالرعب» زاد أبو أُمامة: «يُقذف في قلوب أعدائي» أخرجه أحمد.
قوله: «مسيرة شهر» مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب «ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر» فالظاهر اختصاصه به مطلقًا، وإنما جُعل الغاية شهرًا؛ لأنه لم يكن بين بلده وبين أحدٍ من أعدائه أكثر منه، وهذه الخصوصية حاصلةٌ له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر، وهل هي حاصلةٌ لأمته من بعده؟ فيه احتمال.
قوله: «وجُعلت لي الأرض مسجدًا» أي موضع سجود، لا يختص السجود منها بموضعٍ دون غيره، ويُمكن أن يكون مجازًا عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز التشبيه؛ لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد في ذلك.
قال ابن التيمي: قيل المراد جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا".
أليس هو ابن التِّين؟
طالب: لا، ابن التيمي، قال: هكذا في ألف، وهكذا وقع عند المبارك عندما نقل هذا النص عن ابن حجر في كتابه (تحفة الأحوذي) ثم قال: وفي عين وسين: ابن التين، وفي هامش طبعة بولاق وُجد بهامش بعض النَّسخ في الأصل المُقَابل على المؤلف أخيرًا لفظ التين مُصلَّحٌ بالتيمي.
...... بقاء لفظة ابن قبلها ولعل الكاتب نسي أن يضرب عليها.
"قال ابن التيمي: قيل المراد جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وجعلت لغيري مسجدًا ولم تُجعل له طهورًا؛ لأن عيسى كان يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة، كذا قال، وسبقه إلى ذلك الداودي.
وقيل: إنما أُبيحت لهم في موضعٍ يتيقنون طهارته، بخلاف هذه الأمة، فأُبيح لها في جميع الأرض إلا فيما تيقنوا نجاسته".
لأن الأصل الطهارة.
"والأظهر ما قاله الخطابي، وهو أن من قبله إنما أُبيحت لهم الصلوات في أماكنٍ مخصوصة كالبيع والصوامع، ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظٍ «وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم».
وهذا نصٌّ في موضع النزاع فثبتت الخصوصية، ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباسٍ نحو حديث الباب وفيه: ولم يكن من الأنبياء أحدٌ يصلي حتى يبلغ محرابه".
طالب:.......
المسجد لا بُد تكون لهم، {لَهُدِّمَتْ} [الحج:40] لا بُد أن تكون مبنية.
"قوله: «وطهروًا» استُدل به على أن الطهور هو المطهر لغيره؛ لأن الطهور لو كان المراد به الطاهر لم تثبت الخصوصية، والحديث إنما سيق لإثباتها.
وقد روى ابن المنذر وابن الجارود بإسنادٍ صحيحٍ عن أنسٍ مرفوعًا «جُعلت لي كل أرض طيبةً مسجدًا وطهورًا».
ومعنى طيبة طاهرة، فلو كان معنى طهورًا طاهرًا للزم تحصيل الحاصل، واستُدل به على أن التيمم يرفع الحدث كالماء لاشتراكهما في هذا الوصف، وفيه نظر".
والخلاف في كون التيمم مُبيحًا أو رافعًا رفعًا مطلقًا أو رفعًا مؤقتًا، أقوال لأهل العلم معروفة سيأتي ذكرها.
فيه تعليق يقول: ليس للنظر المذكور وجهٌ، والصواب أن التيمم رافع للحدث كالماء؛ عملاً بظاهر الحديث المذكور، وما جاء في معناه وهو قول جمعٌ غفير من أهل العلم، والله أعلم.
في حديث الطهور «الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسَّه بشرته» هذا الإمساس للماء هل هو لحدثٍ مضى أو حدثٍ مستقبل؟
طالب: مستقبل.
مستقبل ما يحتاج للحديث ما نحتاج إليه؛ لأن كل نصوص الطهارة تدل على أنه يجب إمساس البشرة، وما نحتاج إلى الحديث.
طالب:.......
لماذا ما يُمكن؟ عليك جنابة وتيممت وصليت لقيت ماءً ما تمسه بشرتك؟
طالب:.......
ما أدري عنك.
طالب:.......
مادام عليك جنابة، وأنت تُصلي بتيمم، إذا وجدت الماء تتقي الله وتمسّه بشرتك.
طالب:.......
لا لا، بعد الوقت وخارجه الدَّين في ذمتك؛ لأنهم يقولون: رافع رفعًا مؤقتًا حتى يجد الماء.
طالب: والصلاة الذي صلاها يا شيخ؟
صحيحة مادام ما وجد الماء هذا قدره، إذا وجده فليتق الله وليمسَّه بشرته.
طالب: ويُعيد؟
ما يُعيد شيئًا، لكن لا بُد أن يمسَّه بشرته ما نقول: إنك تيممت كأنك اغتسلت ما عليك شيء، هذا معنى الرفع المؤقت.
طالب:.......
لا لا، فرق بين الرفع المطلق الذي مثل الماء سواءً بسواء والمؤقت.
طالب:.......
معروف؛ لأنه مُبيح عندهم، وليس برافع لا مؤقتًا ولا دائمًا، عند الحاجة إليه عند صلاة أو قراءة قرآن متى ما احتاج إليه.
طالب:.......
لا، فرق بين كونه مُبيحًا أنك تُصلي وأنت على غير طهارة، ليست طهارة هي مجرد مُبيح والحدث لازمٌ لك.
"واستُدل به على أن التيمم يرفع الحدث كالماء؛ لاشتراكهما في هذا الوصف، وفيه نظر، وعلى أن التيمم جائزٌ بجميع أجزاء الأرض، وقد أُكِّد في رواية أبي أُمامة بقوله: «وجُعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجدًا وطهورًا» وسيأتي البحث في ذلك.
قوله: «فأيما رجلٍ» أي مبتدأ في معنى الشرط".
فيه.
"أي مبتدأٌ فيه معنى الشرط و(ما) زائدةٌ للتأكيد، وهذه صيغة عموم يدخل تحتها من لم يجد ماءً ولا ترابًا، ووجد شيئًا من أجزاء الأرض فإنه يتيمم به، ولا يُقال: هو خاصٌّ بالصلاة؛ لأنَّا نقول: لفظ حديث جابرٍ مختصر.
وفي رواية أبي أُمامة عند البيهقي «فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ماءً وجد الأرض طهورًا ومسجدًا»، وعند أحمد «فعنده طهوره ومسجده»، وفي رواية عمرو بن شعيب «فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت»، واحتج من خص التيمم بالتراب بحديث حذيفة عند مسلم بلفظ: «وجُعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجُعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء».
وهذا خاص، فينبغي أن يحمل العام عليه فتختص الطهورية بالتراب، ودل الافتراق في اللفظ حيث حصل التأكيد في جعلها مسجدًا دون الآخر على افتراق الحكم وإلا لعُطف أحدهما على الآخر نسقًا كما في حديث الباب.
ومنع بعضهم الاستدلال بلفظ (التربة) على خصوصية التيمم بالتراب بأن قال: تربة كل مكان ما فيه من ترابٍ أو غيره.
وأُجيب بأنه ورد في الحديث المذكور بلفظ (التراب) أخرجه ابن خزيمة وغيره.
وفي حديث علي «وجُعل التراب لي طهورًا» أخرجه أحمد والبيهقي بإسنادٍ حسن، ويقوى القول بأنه خاص بالتراب أن الحديث سيق لإظهار التشريف والتخصيص، فلو كان جائزًا بغير التراب لما اقتصر عليه".
كل هذا على أن المسألة في الإطلاق والتقييد، وأنه يلزم حمل المطلق على المقيد في هذه الصورة، أما التخصيص، والمعروف عند أهل العلم أنه إذا ذُكِر الخاص في حكمٍ موافق لحكم العام، وهو كذلك عندنا، فإنه لا يُحمل العام على الخاص.
طالب:.......
لماذا؟
طالب:.......
العموم أكثر تشريفًا، وهذا يرد على اختياره واختيار ابن عبد البر أن الخصائص تشريف للنبي– عليه الصلاة والسلام- فلا تقبل التخصيص.
"قوله: «فليُصلِّ» عُرف مما تقدم أن المراد فليُصلِّ بعد أن يتيمم.
قوله: «وأُحِلت لي الغنائم» وللكشميهني: المغانم، وهي رواية مسلم، قال الخطابي: كان من تقدم على ضربين، منهم من لم يؤذن له في الجهاد، فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من أُذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا شيئًا لم يحل لهم أن يأكلوه وجاءت نارٌ فأحرقته.
وقيل: المراد أنه خُص بالتصرف في الغنيمة يصرفها كيف يشاء، والأول أصوب، وهو أن من مضى لم تحل لهم الغنائم أصلاً، وسيأتي بسط ذلك في الجهاد.
قوله: «وأُعطيت الشفاعة» قال ابن دقيقٍ العيد: الأقرب أن اللام فيها للعهد، والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف، ولا خلاف في وقوعها، وكذا جزم النووي وغيره.
وقيل: الشفاعة التي اختص بها أنه لا يُرد فيما يُسأل".
يَسأل.
طالب:.......
يسأل ربه.
"وقيل: الشفاعة التي اختص بها أنه لا يُرد فيما يَسأل.
وقيل: الشفاعة لخروج من في قلبه مثقال ذرةٍ من إيمان؛ لأن شفاعة غيره تقع فيمن في قلبه أكثر من ذلك، قاله عياضٌ.
والذي يظهر لي أن هذه مرادةٌ مع الأولى؛ لأنه يتبعها بها كما سيأتي واضحًا في حديث الشفاعة إن شاء الله تعالى في كتاب الرقاق.
وقال البيهقي في البعث: يحتمل أن الشفاعة التي يختص بها أنه يشفع لأهل الصغائر والكبائر".
في بعض النُّسخ، الشُّعب، نعم.
"وقال البيهقي في البعث: يحتمل أن الشفاعة التي يختص بها أنه يشفع لأهل الصغائر والكبائر، وغيره إنما يشفع لأهل الصغائر دون الكبائر.
ونقل عياضٌ أن الشفاعة المختصة به شفاعةٌ لا تُرد.
وقد وقع في حديث ابن عباس «وأُعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي، فهي لمن لا يُشرك بالله شيئًا»، وفي حديث عمرو بن شعيب «فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله»، فالظاهر أن المراد بالشفاعة المختصة في هذا الحديث إخراج من ليس له عملٌ صالحٌ إلا التوحيد.
وهو مختصٌ أيضًا بالشفاعة الأولى؛ لكن جاء التنويه بذكر هذه لأنها غاية المطلوب من تلك لاقتضائها الراحة المستمرة، والله أعلم.
وقد ثبتت هذه الشفاعة في رواية الحسن عن أنسٍ كما سيأتي في كتاب التوحيد «ثم أرجع إلى ربي في الرابعة، فأقول: يارب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله»، ولا يعكر على ذلك ما وقع عند مسلم قبل قوله: «وعزتي» فيقول: «ليس ذلك لك، وعزتي» إلى آخره؛ لأن المراد أنه لا يُباشر الإخراج كما في المرات الماضية، بل كانت شفاعته سببًا في ذلك في الجملة، والله أعلم.
وقد تقدم الكلام على قوله: «وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة» في أوائل الباب.
وأما قوله: «وبُعثت إلى الناس عامة» فوقع في رواية مسلم: «وبعثت إلى كل أحمر وأسود» فقيل: المراد بالأحمر العجم، وبالأسود العرب، وقيل: الأحمر الإنس والأسود الجن، وعلى الأول التنصيص على الإنس من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى؛ لأنه مرسلٌ إلى الجميع، وأصرح الروايات في ذلك وأشملها رواية أبي هريرة عند مسلم: «وأُرسلت إلى الخلق كافة».
تكميل: أول حديث أبي هريرة هذا «فُضِلت على الأنبياء بست»، فذكر الخمس المذكورة في حديث جابرٍ إلا الشفاعة، وزاد خصلتين وهما «وأُعطيت جوامع الكلم، وخُتِم بي النبيون» فتحصل منه، ومن حديث جابرٍ سبع خصال".
سبعُ.
"فتحصل منه، ومن حديث جابرٍ سبعُ خصال، ولمسلمٍ أيضًا من حديث حذيفة «فُضِلنا على الناس بثلاث خصال: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة» وذكر خصلة الأرض كما تقدم.
قال: وذكر خصلةً أخرى، وهذه الخصلة المبهمة بيَّنها ابن خزيمة والنسائي وهي «وأُعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنزٍ تحت العرش».
يشير إلى ما حطه الله عن أمته من الإصر وتحميل ما لا طاقة لهم به، ورفع الخطأ والنسيان، فصارت الخصال تسعًا.
ولأحمد من حديث علي «أُعطيت أربعًا لم يعطهن أحدٌ من أنبياء الله: أُعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجُعلت أمتي خير الأمم»، وذكر خصلة التراب فصارت الخصال اثنتي عشرة خصلة، وعند البزار من وجهٍ آخر عن أبي هريرة ورفعه: «فضلت على الأنبياء بست: غُفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وجُعلت أمتي خير الأمم، وأُعطيت الكوثر، وإن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه» وذكر ثنتين مما تقدم.
وله من حديث ابن عباس رفعه «فُضِلت على الأنبياء بخصلتين: كان شيطاني كافرًا فأعانني الله عليه فأسلم» قال: ونسيت الأخرى.
قلت: فينتظم بهذا سبع عشرة خصلة، ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع، وقد تقدم طريق الجمع بين هذه الروايات، وأنه لا تعارض فيها".
لأنه أُخبر بالأقل أولاً، ثم زِيد عليه إلى أن بلغت هذا العدد.
"وقد ذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب (شرف المصطفى) أن عدد الذي اختص به نبينا- صلى الله عليه وسلم- عن الأنبياء".
أبو سعيد القرقوشي كتابه طُبع أخيرًا في سبع أو ثمانية مجلدات في شرف المصطفى –عليه الصلاة والسلام-.
"وقد ذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب (شرف المصطفى) أن عدد الذي اختص به نبينا- صلى الله عليه وسلم- عن الأنبياء ستون خصلة.
وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم مشروعية تعديد نعم الله، وإلقاء العلم قبل السؤال، وأن الأصل في الأرض الطهارة، وأن صحة الصلاة لا تختص بالمسجد المبني لذلك.
وأما حديث «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» فضعيفٌ أخرجه الدارقطني حديث جابر.
واستدل به صاحب المبسوط من الحنفية على إظهار كرامة الآدمي وقال: لأن الآدمي خُلِق من ماءً وتراب، وقد ثبت أن كلاًّ منهما طهورٌ، ففي ذلك بيان كرامته، والله تعالى أعلم بالصواب".
اللهم صلِّ على محمد.
"