عمدة الأحكام - كتاب الطهارة (1)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الحافظ تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن على بن سرور المقدسي -رحمه الله تعالى-:

الحمد لله الملك الجبار، الواحد القهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار، وصلى الله على النبي المصطفى المختار، وآله وصحبه الأخيار، أما بعد:

فإن بعض إخواني سألني اختصار جملة في أحاديث الأحكام، مما اتفق عليه الإمامان: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، ومسلم بن الحجاج، فأجبته إلى سؤاله، رجاء المنفعة به، وأسأل الله أن ينفعنا به، ومن كتبه، أو سمعه، أو حفظه، أو نظر فيه، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، موجباً للفوز لديه فإنه حسبنا ونعم الوكيل.

كتاب الطهارة....

يكفي يكفي.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن التصانيف في هذا العلم الشريف المبارك علم السنة النبوية قد كثرت وتنوعت، واختلفت أهداف ومقاصد مؤلفيها -رحم الله الجميع رحمة واسعة-، فهناك الجوامع التي تجمع جميع أبواب الدين الأصلية التي تروى فيها الأحاديث بأسانيد مصنفيها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنها المصنفات التي تجمع بين الأخبار المرفوعة والموقوفات والآثار، ومنها السنن التي تقتصر غالباً على أحاديث الأحكام، لكنها بأسانيد مؤلفيها كالسنن الأربع وغيرها، وهناك الموطئات، وهي قريبة جداً من السنن، وفيها آثار، ومنها أيضاً المعاجم، وهي أيضاً نوع من أنواع الكتب الأصلية التي تروى بالأسانيد والمشيخات والفهارس وغيرها من كتب السنة التي عني بها أئمة قديماً، ثم لما قصرت الهمم، ورأى أهل العلم أن درك هذا العلم الذي لا ساحل له قد يُشق على كثير من المتعلمين أخذه من الكتب الأصلية بالأسانيد فصنفوا المختصرات، وجردوها من الأسانيد، فكان مما ألفه أهل العلم كتب أحاديث الأحكام، المختصرات المجردة عن الأسانيد، ومن أنفعها وأنفسها لطالب العلم هذا الكتاب الذي انتقاه مؤلفه من أحاديث الصحيحين، هذا الكتاب كتب الله له القبول والرواج بين طلاب العلم منذ تأليفه إلى يومنا هذا، فقل أن تجد ترجمة من رجال أهل القرون من القرن الثامن أو السابع فما دون إلا وتجد في ترجمته أنه حفظ العمدة، والمراد بها عمدة الأحكام هذه، إضافة إلى حفظه للقرآن والمتون المعتمدة المطروقة عند أهل العلم، فهذا من أنفع الكتب وأنفسها مما كُتب وإن كان هناك ما هو أجمع منه كالمحرر والبلوغ، وأجمع منهما المنتقى للمجد ابن تيمية، المقصود أن الكتب كثيرة، وهذا من أنفسها وأهمها، ومؤلفه الإمام أبو محمد الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي، المولود سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، المتوفى سنة ستمائة.

هذا الإمام عُرف بعلمه وعنايته بالقرآن والحديث، فكان يلقن الناس القرآن بعد أن يصلي الصبح يجلس حتى تنتشر الشمس يلقن الناس القرآن الكبار والصغار، وكان له صبر وجلد، على هذا لا يوجد له نظير في عصره ولا ممن جاء بعده، ثم بعد ذلكم إذا انتشرت الشمس جدد الوضوء فأخذ يصلي إلى أن يقرب وقت النهي، بالغوا في ذلك حتى قالوا: إنه كان يصلي في هذا الوقت ثلاثمائة ركعة، على كل حال لو حسبناها بالدقائق، الركعة المجزئة يمكن أن تؤدى بدقيقة فمن ارتفاع الشمس إلى الزوال يمكن خمس ساعات ثلاثمائة دقيقة، ما هو ببعيد يني، لكن يستغرب الناس مثل هذه الأعداد، وقد أثر عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- أنه يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، يعني في اليوم والليلة ما هي بغريبة، لكن بين ارتفاع الشمس إلى الزوال فيها غرابة ثلاثمائة ركعة، لكن أعطوا صبر وجلد، ويسرت لهم العبادة، وعرفنا عن كثير من أهل العلم أنهم يقرؤون القرآن كل يوم، يختمون في يوم، والقرآن ميسر، والعبادات تحتاج إلى جهاد في أول الأمر ثم تصير بالنسبة للإنسان مثل النفس ما تشق عليه ولا تكلفه شيء، لكن هذه بعد مرحلة المجاهدة، والله المستعان.

على كل حال سواء ثبت عنه أو لم يثبت العدد، فالأصل موجود، هو يستغل هذا الوقت من صلاة الصبح إلى انتشار الشمس في تلقين الناس القرآن، ثم بعد ذلك يصلي حتى يقرب وقت النهي، هذا معروف عنه -رحمه الله تعالى-.

وكان مع ذلكم قائماً بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير قيام، بل يصفه بعضهم بالتشديد في هذا الباب، فكان -رحمه الله- يغير بيده، وهذا هو المتعين مع الإمكان؛ لأن التغيير باللسان مرتبة مع عدم الاستطاعة، عدم استطاعة التغيير باليد، لكن أهل العلم يشترطون في ذلك أن لا يترتب على التغيير محظور أعظم منه، لا يترتب عليه مفسدة أعظم، وإلا فالأصل التغيير باليد، ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) متى يغير باللسان؟ إذا لم يستطع، فهو مشروط بعدم الاستطاعة.

على كل حال كل إنسان يونس من نفسه، ويحس أنه في بعض المواضع يغير بيده، وبعض المواضع لا يستطيع أن يغير بيده يأتي إلى المرتبة الثانية وهي اللسان، ثم بعد ذلكم المرتبة الثالثة إذا لم يستطع أن ينطق بكلمة الحق والتغيير يغير بقلبه، والله المستعان.

هذا الإمام العظيم ألف كتب نافعة منها هذا الكتاب المبارك، ومنها: (الكمال في أسماء الرجال) رجال الكتب الستة، كتاب عظيم مبارك، تهذيب الكمال الذي يدور الناس في فلكه حسنة من حسنات هذا الكتاب، تهذيب الكمال للحافظ الحجاج المزي فرع عن هذا الكتاب الذي هو الكمال لرجال الكتب الستة، وكم عني أهل العلم بتهذيب الكمال! فهذبه ابن حجر، وقربه أيضاً في تهذيب التهذيب وتقريب التهذيب، وذهبه الحافظ الذهبي في التذهيب، واختصره في الكاشف، وهناك الخلاصة كلها تدور في فلك هذا الكتاب، فهو كتاب مبارك، أدى فيه هذا الإمام العظيم واجباً كبيراً بالنسبة لطلاب الحديث ورواده، توفي -رحمه الله- بعد عمر حافل بالعلم والعمل سنة ستمائة، على رأس الستمائة -رحمه الله رحمة واسعة، نعم.

كتاب الطهارة

عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات)) وفي رواية: ((بالنية، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).

يقول المصنف -رحمه الله تعالى-:

"كتاب الطهارة" كتاب مصدر كتب يكتب كتاباً، وكتابةً وكتْباً، وهو من المصادر السيالة كما يقول أهل العلم التي تحدث شيئاً فشيئاً، يعني ما يحدث دفعة، يعني ما يمكن كتاب يأتي دفعة مرة واحدة، إنما يحدث شيئاً فشيئاً، تجتمع الكلمات والحروف ثم بعد ذلك الصفحات ثم يأتي الكتاب، وأصل المادة التي هي الكتْب والكتابة الجمع، كما يقال: تكتب بنو فلان إذا اجتمعوا، وجماعة الخيل يقال لها: كتيبة، يقول الحريري في مقاماته:

وكاتبين وما خطت أناملهم

 

حرفاً ولا قرؤوا ما خُط في الكتبِ

ويقصد بذلك الخرازين الذين يجمعون صفائح الجلود ثم يخيطون بعضها إلى بعض بالخرازة، فهم يجمعون، فالأصل في المادة الجمع.

وكاتبين وما خطت أناملهم

 

حرفاً ولا قرؤوا ما خُط في الكتبِ

والمقصود به هنا المكتوب، المصدر يقصد به اسم المفعول، المكتوب الجامع لمسائل الطهارة.

والطهارة مصدر طهر يطهر طهارة، والتطهير مصدر طهر، والمقصود بها النزاهة والنظافة، والإسلام -ولله الحمد- دين النظافة، لكنه من غير مبالغة ولا وسوسة، دين نظافة بالاعتدال، وإن جاء في المقابل مما صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((البذاذة من الإيمان)) يعني عدم المبالغة في الطهارة بحيث يصل إلى حد وسوسة، فالتوسط في الأمور كلها هو الجادة، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] هذا بالنسبة للأمة، وبالنسبة لأهل السنة والجماعة وسط بين المذاهب كلها، فالأمة وسط بين اليهود الذين كُتب عليهم ما كتب من الآصار والأغلال بحيث تقرض النجاسة بالمقراض، ولا يطهرها الماء، وبين النصارى الذين يزاولون بعض النجاسات، بين من لا يضاجع المرأة التي تلبست بالحيض، وبين من يجامعها، فالأمة وسط -ولله الحمد- في هذه الأبواب كلها، وقد أسلم شخص أمريكي غسال يغسل الثياب من غير دعوة، فقيل له في ذلك، قال: السبب الذي دعاني إلى أن أدخل في الإسلام ما أجده من فرق بين واضح بين ثياب المسلمين وثياب غيرهم، المسلمون مأمورون بالاستنجاء بقطع أثر النجاسة وغيرهم لا يتدين بدين، أو يتدين بالنجاسات، ممكن، فهناك فرق بين ملابس المسلمين وملابس غيرهم، تشاهدون الكفار يقف أمام ما يريد أن يقضي حاجته ويلبس سراويله ولا كأن شيئاً صار، والمسلم لا بد أن يستنجي بالماء يقطع أثر النجاسة، أو أقل الأحوال أن يستجمر بالأحجار، المقصود أن ديننا -ولله الحمد- دين النظافة، والمقصود بالطهارة رفع الحديث الذي هو الوصف القائم بالبدن بسبب خروج ما يوجب هذه الطهارة من حدث أكبر أو أصغر، فالطهارة شاملة للحدث الأكبر والأصغر، فالأصغر يرفع بالوضوء أو بالتيمم، والأكبر يرفع أيضاً بالغسل أو بما يقوم مقامه من التيمم.

ثم بد ذلكم الحديث الأول، الحديث العظيم حديث عمر بن الخطاب في النية الذي عظمه أهل العلم، ورفعوا من شأنه، حتى قال بعضهم: إنه ينبغي أن يدخل في جميع أبواب الدين، كل من ألف كتاباً يجعل هذا الحديث في مقدمة كل باب؛ لأنه ما من باب من أبواب الدين إلا ويحتاج إلى النية، فتركه في بعض الأبواب قد يغفل القارئ عن استصحاب هذه النية، ولا شك أن الحديث عظيم حتى جعله بعضهم نصف الدين؛ لأن الدين مبني على الأعمال الظاهرة أو الباطنة، وهذا الحديث مصحح للأعمال مشتمل على الشرط الأول وهو الإخلاص لله -عز وجل-، والثاني المتابعة للنبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) وجعله بعضهم ثلث الدين؛ لأن الدين اعتقاد بالقلب وقول باللسان، وعمل بالأركان فهذا الثلث، وبعضهم جعله رابع أربعة أحاديث يدور عليها الإسلام.

عمدة الدين عندنا كلماتٌ
اتق الله وازهد ودع ما

 

أربع من قول خير البرية
ليس يعنيك واعملن بنية

وهذا الحديث رغم أهميته وحاجة الأمة إليه لم يصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا من طريق عمر بن الخطاب، مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- خطب به على المنبر، فعمر بن الخطاب يقول: سمعت النبي -عليه الصلاة والسلام- على المنبر يقول، ومع ذلكم لم يحفظ إلا من طريق عمر -رضي الله عنه-، ولا يضير ما دام ثبت الخبر بحجة ملزمة فلا يلزم أن تتعدد طرقه أبداً، ولا يثبت عن عمر -رضي الله عنه- مع أنه خطب على المنبر إلا من طريق علقمة بن وقاص الليثي، ولا يروى عن علقمة إلا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي، ولا يروى عنه إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، وعن يحيى بن سعيد الأنصاري انتشر انتشار كبير حتى قال أبو إسماعيل الهروي أنه يرويه عن يحيى بن سعيد أكثر من سبعمائة شخص، مع أن الحافظ ابن حجر يشكك في هذا العدد.

المقصود أنه انتشر، فالحديث فرد مطلق، غريب غرابة مطلقة في أصل سنده، وهو متلقىً بالقبول، مجمع على صحته، وبه افتتح الإمام البخاري كتابه، لكن هل جعله قبل الترجمة أو بعدها؟ باب بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقول الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [(163) سورة النساء]... إلى آخره، قال الإمام البخاري: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص قال: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول: سمعت، إلى آخره، فهو أول حديث في الصحيح حتى أن بعضهم نص على أنه قبل الترجمة، قبل قوله: (باب بدء الوحي) ليكون الكتاب أو الحديث كالخطبة للكتاب، بمثابة الخطبة للكتاب، يبين فيها الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- أن الكتاب في وحي السنة، وقد أوحي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كما أوحي إلى غيره من الأمر بالإخلاص لله -عز وجل-، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [(5) سورة البينة] .

على كل حال هذا الحديث حديث عظيم مفتتح به في كثير من كتب السنة على رأسها أصح الكتب على الإطلاق صحيح البخاري، مشتمل على الشرط الأول من شروط تصحيح العبادة، وهو الإخلاص لله -عز وجل-، وعرفنا أن الثاني هو المتابعة، وإن قال بعض أهل العلم: إنه يكتفى بالشرط الثاني، ولا يلزم الشرط الأول، نكتفي بالذكر في الشرط الثاني، نقول: يشترط لصحة العبادة المتابعة، هل هذا تقليل من شأن الإخلاص؟ لا، ليس مرادهم التقليل من شأن الإخلاص، بل العبادات لا تصح إلا خالصة لوجه الله -عز وجل-، لكن يقول هؤلاء: إن العمل إذا لم يكن على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-..، إذا لم يكن صاحبه مخلصاً لله -عز وجل- لم يكن متابعاً فيه للنبي -عليه الصلاة والسلام-، العمل الذي فيه شوب شرك لم يتابع فيه عامله النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيرى أن المتابعة تكفي، لكن الأولى أن يذكر الإخلاص، وينص عليه، وينبه عليه، ويؤكد عليه؛ لئلا يغفل عنه؛ لأن السامع الذي يسمع أنه لا يشترط لصحة العبادة إلا المتابعة قد يغفل عن الإخلاص، فلا بد من التنصيص على الإخلاص إضافة إلى المتابعة.

"سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات))".

إنما: أداة حصر بمثابة (ما) و(إنّ)، وقد جاء: ((ما العمل إلا بالنية))، و((لا عمل إلا بنية)) كما في بعض الروايات، فـ(إنما) تفيد الحصر، ((إنما الأعمال)) و(أل) هذه جنسية، تشمل جميع الأعمال، بما في ذلك أعمال القلوب، وعمل اللسان وهو القول، وعمل الجوارح، جميع الأعمال، أعمال القلوب، وأعمال اللسان التي هي الأقوال، وأعمال الأبدان التي هي الأفعال، كلها داخلة في أنها لا بد أن تصدر عن إخلاص، استثنى أهل العلم النية من هذه الأعمال وهي عمل القلب لا تحتاج إلى نية، النية لا تحتاج إلى نية، لماذا؟ لئلا يلزم على ذلك إيش؟ التسلسل، يلزم عليه التسلسل؛ لأننا إذا اشترطنا للوضوء نية، ثم اشترطنا لهذه النية نية؛ لأنها عمل قلب، النية التي قبلها تحتاج إلى نية، وهكذا إلى ما لا نهاية، بينما التسلسل في المستقبل..، هذا تسلسل في الماضي ممنوع؛ لأنه لا ينتهي إلى حد، لكن التسلسل في المستقبل مثل الشكر أسبغ الله عليك نعمة من النعم مثلاً، هذه النعمة تحتاج إلى شكر، الشكر أيضاً توفيقك لهذا الشكر نعمة يحتاج إلى شكر، الشكر الثاني والثالث نعم تحتاج إلى شكر، هل نقول: هذا تسلسل؟ أو نقول: إن التسلسل في المستقبل ما في ما يمنع منه، لا سيما وأن كون الإنسان لا يزال شاكراً لله -عز وجل- أمر مطلوب، {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] فهو لا يزال في عبادة، {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [(13) سورة سبأ] {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [(13) سورة سبأ] فلا يزال الإنسان شاكراً لله -عز وجل-، ذاكراً لربه -جل وعلا-.

((إنما الأعمال بالنيات)) الأعمال يعني إيجاد الأعمال لله -عز وجل-، مما يتقرب به إلى الله -عز وجل-، لا تصح إلا بالنيات، والمقصود بالأعمال، الأعمال التي ينبغي إيجادها، ولذا يقولون: التروك لا تحتاج إلى نيات، التروك يعني احتجت إلى إزالة نجاسة، قالوا: هذا من باب التروك ما يحتاج إلى نية، أحتجت إلى سداد دين التروك لا تحتاج إلى نية، إعطاء نفقة لا يحتاج إلى نية، لا يحتاج إلى نية للتصحيح، أما لترتيب الثواب يحتاج إلى نية، يعني كون الإنسان يحتسب ما يضعه في فيّ امرأته من نفقة واجبة عليه يؤجر عليه إذا احتسب، لكن كونه يؤدي لها ما عليه من غير نية، فالعبادات لا بد لها، لا تصح إلا بنيات، العادات تصح من غير النية، لكنها إن وجدت بالنية تحولت هذه العادات إلى عبادات، ولذا حينما قالوا: إنما الأعمال صحيحة أو تصح بالنيات، المراد بالأعمال مما يتقرب به إلى الله -عز وجل-.

((بالنيات)) النيات جمع نية، والنية في الأصل القصد، تقول: نويت الجهة الفلانية، أو نويت فلاناً يعني قصدته، قصدت فلاناً، والمقصود بالنيات هنا أو النية قصد التقرب إلى الله -عز وجل- بعمل ما يرضيه مما طلبه على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-.

((إنما الأعمال بالنيات)) وفي رواية: ((بالنية)).

الجمع والمفرد لا يختلف، لماذا؟ لأن (أل) جنسية، سواءً قلنا: النية، يعني جنس النية، وإذا قلنا: بالنيات، فالنيات مقارنة بالأعمال، كل عمل بنية، من باب مقابلة الجمع بالجمع، تقتضي القسمة أفراد، يعني كل عمل له نية، وإذا قلنا: إنما الأعمال بالنية، فـ(أل) جنسية هذه تشمل جميع النيات المطلوبة لجميع الأعمال.

هذه الجملة تدل على أن العمل لا يصح إلا إذا اقترن بنية، العمل الذي يبتغى به وجه الله -عز وجل-، ويتقرب به إليه لا يصح إلا بالنية.

إذن ما فائدة الجملة الثانية: ((وإنما لكل امرئ ما نوى))؟ يعني ليس لك من عملك إلا ما نويت وما قصدت، ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) ليس لك إلا ما قصدته واستحضرت فيه هذه النية، ولذا الإنسان يأتي إلى الصلاة مخلصاً لله -عز وجل-، ويدخل فيها بنية صالحة خالصة، هنا تصح هذه العبادة، لكن استمرار النية ليس للإنسان من عمله إلا ما عقله، ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) يعني عزبت النية عن باله، غفل وهو يصلي غفل عن الصلاة، ليس له من صلاته إلا ما عقل، ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) يعني إنما يحسب له من الأجر على هذه العبادة بقدر ما حضرته هذه النية، ولذا جاء في الحديث الصحيح أن من الناس من ينصرف من الصلاة وليس له إلا نصفها ربعها عشرها، بقدر ما عقله من هذه الصلاة، فعلى الإنسان أن يحرص أشد الحرص، ولا يترك مجال للشيطان أن يذهب به إلى الآفاق يميناً وشمالاً بحيث يحرمه من آثار عمله الصالح ونتائجه، والأجور المرتبة على هذا العمل؛ فإن الشيطان يحرص أشد الحرص على صرف الناس عن الدين، لا يزال بالمرء حتى يفوته الصلاة، إن استطاع أن يجعله يترك الصلاة بالكلية ذلك المقصود، وإلا فوته الصلاة مع الجماعة، ثم إذا أقيمت الصلاة أدبر، ثوب بالصلاة أدبر الشيطان، ثم إذا فرغ من التثويب جاء ليوسوس إليه الشيطان، اذكر كذا، اذكر كذا، اذكر كذا، يذكره ما كان غفل عنه ونسيه، والسبب ليحرمه الأجر المرتب على هذه العبادة.

((وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) هذه الجملة حذفها الإمام البخاري من الموضع الأول من صحيحه، هذه الجملة حذفها الإمام -رحمة الله عليه-، فقال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) نعم، حذف الجملة الأولى، والحذف من البخاري -رحمه الله-، لماذا؟ يعني ذكرها في المواضع الأخرى؛ لأن الحديث خرجه البخاري في سبعة مواضع من صحيحه، في الموضع الأول حذف هذه الجملة، لماذا حذفها؟ هو ذكر الحديث لماذا؟ ذكر الحديث ليبين أن الأعمال الشرعية التي يتقرب بها إلى الله -عز وجل- ومنها تأليف ما ينفع المسلمين لا بد له من نية صالحة، وحذف هذه الجملة ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله)) لئلا يتوهم أنه -رحمه الله- يزكي عمله، وأن تأليفه هذا الكتاب لله ورسوله.

أولاً: الحذف من الحديث، اختصار الحديث يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز عند أهل العلم يجوز تختصر الحديث، بشرط: أن لا يتوقف فهم المذكور على المحذوف، لا يتوقف فهم ما ذكره من الحديث على ما حذفه، هذا مثال، مثال، ذكر القاعدة ما ذكر مثال، اقتصر على المثال الثاني فقط، فالحذف في مثل هذا الموضع جائز، لكن حذف الجملة الأولى؛ لأنها تدل على..، أو قد يشم منها رائحة التزكية لعمله، وأنه عمل لله ورسوله، وأثبت الجملة الثانية، ((ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها))... إلى آخره، هذه التي قد تجعل الإنسان يحتاط لنفسه أشد الحيطة، ويتحسس هذه النية، فالنية شرود، والشيطان حريص على أن يجعل الإنسان يخسر ما عمله، ولا يستفيد من عمله شيئاً.

((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله)) نيةً وقصداً ((فهجرته إلى الله ورسوله)) ثواباً وأجراً، ولذا اتحاد الشرط مع الجزاء ممنوع، لا يصح في العربية أن تقول: من قام قام، إيش معنى من قام قام؟ يعني جواب الشرط نفس فعل الشرط، وهنا جاء في الحديث نفسه، ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) لكن لا بد من تقدير متعلق يختلف به الشرط عن الجزاء، ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله)) نية وقصداً ((فهجرته إلى الله ورسوله)) ثواباً وأجراً.

((فمن كانت هجرته)) الهجرة في اللغة: الترك.

وهي في الشرع: ترك ما نهى الله عنه -عز وجل-، ((المهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) وبالمعنى الأخص وهو المراد من الحديث: الانتقال وترك بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وهذه هجرة واجبة، لا يعذر في البقاء في بلاد الكفر إلا العاجز، {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} [(97) سورة النساء].

طالب:........

أما المستضعف، لا، مستثنى، إلا المستضعفين، فالمستضعف مستثنى، الذي لا يستطيع ولا بالحيلة، ولا بالحيلة، {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء] هذا الذي لا يستطيع، {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] وإلا فالأصل أن بقاء المسلم بين الكفار محرم، والهجرة من بلاد الكفر إلى ديار الإسلام واجبة.

((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله)) وجاء في الحديث الصحيح: ((لا هجرة بعد الفتح)) وهو محمول عند أهل العلم على أنه لا هجرة من مكة إلى المدينة بعد فتح مكة؛ لأنها صارت دار إسلام، أو لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح.

الهجرة واجبة وباقية إلى قيام الساعة، الهجرة الانتقال من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام هذه واجبة، ولا يعذر فيها إلا المستضعف.

الهجرة من ديار الأشرار ولو كانوا مسلمين إلى ديار الأخيار مستحبة؛ ليعينوه على طاعة الله -عز وجل-، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [(28) سورة الكهف] أما البقاء بين أظهر الأشرار مع أنه لا يستطيع أن يقدم له شيئاً مما ينفعهم، بل قد يخشى على نفسه من التأثر بهم، مثل هذا يرجح في حقه الانتقال، ولذا العزلة والخلطة جاء في الحديث الصحيح: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن)) مثل هذا مطلوب، لكن بالنسبة لمن؟ لمن خشي على نفسه أن يتأثر بالأشرار، ولم يأنسَ من نفسه أنه يؤثر فيهم، فالذي يتأثر ولا يؤثر مثل هذا ينتقل من هذا المجتمع إلى مجتمع أفضل منه، والذي باستطاعته وبمقدوره أن ينفع الناس فمخالطتهم أفضل، ولو كانوا أشرار، يخفف من شرهم، يدفعهم إلى عمل الخير، ولا خوف عليه منهم، مثل هذا يبقى الخلطة في حقه أرجح.

((ومن كانت هجرته)) انتقاله من بلد إلى بلد من أجل الدنيا أو من أجل امرأة يتزوجها ((فهجرته إلى ما هاجر إليه)) السياق الأول: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) هذا سياق مدح، لكن ((من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) سياق إيش؟ ذم، سياق ذم، لكن هل يذم من انتقل من بلد إلى بلد طلباً للعيش والرزق؟ يذم؟ هل يذم من بحث عن امرأة في بلده يتزوجها فلم يجد انتقل إلى بلد آخر؟ يذم وإلا ما يذم؟ ما يذم، بل قد يؤجر، إذا بحث عن امرأة صالحة تعينه على أمور دينه ودنياه لم يجد في بلده، وانتقل إلى بلد آخر بحثاً عن هذه المرأة الصالحة يؤجر على ذلك، فكيف جاء الهجرة من أجل الدنيا ومن أجل المرأة وسيقت مساق الذم؟ نعم؟

طالب:.......

مهاجر أم قيس؟ نعم إذا أظهر للناس أنه هاجر إلى الله ورسوله وهو في الحقيقة مهاجر من أجل الدنيا، أو هاجر من أجل امرأة جاز في مثل هذا البلد الذي يكثر فيه الخير، ويقل فيه الشر، وأهله من الخيار، من خيار الناس، ثم فجأة ينتقل إلى الرياض أو إلى جدة، وين يا أخي؟ وين رحت الرياض؟ يا أخي الرياض بلد العلم، كل العلماء هناك، هيئة كبار العلماء كلهم هناك، أبي أطلب العلم، وهو لا، في قرارة نفسه أن الفرض التجارية هناك، وهو يظهر للناس أنه سافر من أجل طلب العلم، يظهر للناس أنه هاجر من أجل القرب من أهل العلم وأهل الفضل وأهل الخير، وهو في قرارة نفسه أن الفرص التجارية هناك أكثر، نعم، أو يضل الناس أنه هاجر إلى مكة من أجل مضاعفة الأعمال، وهدفه شيء آخر، هدف دنيوي محض، هذا إذا أظهر خلاف ما يبطن يذم، ومثله لو بحث عن امرأة هنا ما وجد، ثم انتقل إلى بلد آخر، نعم، قال: لا والله هذا البلد كلهم أخيار هناك وننتقل عندهم ليعوننا على طاعة الله، وهو ما بقصده هذا، قصده بحث عن امرأة، هذا هاجر من أجل المرأة، ما يذم إذا هاجر من أجل المرأة إلا إذا أظهر للناس خلاف ما أبطن، يعني لو تصور شخص إذا بقي على أذان المغرب ساعة أو نصف ساعة كل يوم اثنين قبل أذان المغرب بنصف ساعة يجي يشيل القهوة والتمر والماء ويروح للمسجد ويفك السماط ويجلس، ومن دخل مع الباب اتفضل يا أبو فلان، والباب الثاني اتفضل يا أبو فلان، والثالث وهكذا، وينتظر ما يأكل، ما صام هو، وينتظر ما يأكل حتى يؤذن، شخص ما صام، الأكل في المسجد ما فيه شيء، مباح، مباح الأكل في المسجد، كونه ينتظر إلى أن يؤذن أيضاً من اللي يأمره أن يأكل في هذه اللحظة أو يقدم أو يؤخر ما يمنع، لكن كونه يظهر للناس ولو لم يقل: إني صائم، وهو ما صام، ما يحتاج، لكن إذا كانت هذه عادته وقاعدته يفل السماط وتعال يا فلان، واتفضل يا أبو فلان، وينتظر إلى أن يؤذن بسم الله الرحمن الرحيم ويأكل، هذا يظهر للناس أنه صائم، وإلا الأكل في المسجد ما فيه شيء، من هنا يذم، فإذا أظهر للناس سواءً كان بكلامه أو بفعله وعادته المطردة هذا يذم، فلا يقول قائل: إن الهجرة من أجل الدنيا ما فيها شيء، نعم ما فيها شيء، أظهر للناس أنك سافرت من أجل أن تجد وظيفة، تجد فرصة عمل ما في شيء، ما أحد يذمك على هذا، نعم؟

طالب:.........

واجبة، واجبة، الهجرة من بلاد الكفر واجبة.

طالب:........

كيف؟

طالب:.......

على كل حال الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام..، وهذا الأصل أنها واجبة، لكن كونه لا يستطيع أن ينتقل هناك حدود، وهناك جوازات، وهناك يعني أمور لا تمكن الإنسان من أن يهاجر هذا مستضعف، يعني كونه يترتب عليه، كونه يتضرر بهذه الهجرة أيضاً هذا عائق على الهجرة لا يلام؛ لأنه مستضعف.

الحديث لو استرسلنا في بيان ما ينطوي عليه من علوم ومباحث، هو يدخل في جميع أبواب الدين، لو أردنا..، بحثنا النية في الطهارة، النية في الصلاة، النية في الزكاة، النية..، يعني ما تكفي دورة الحديث هذا، الحديث هذا لا يكفيه دورة.

لكن نأخذ منه مناسبة هذا الحديث لكتاب الطهارة أن الطهارة بالماء لا بد فيها من النية إجماعاً، الطهارة بالماء، الوضوء والغسل لا تصح إلا بنية اتفاقاً.

طهارة التيمم لا بد فيها من النية عند الأئمة الأربعة، طهارة التيمم، الوضوء عند أبي حنيفة لا يحتاج إلى نية؛ لأنه من باب الوسائل، وفرق بين الوضوء والتيمم؛ لأن التيمم طهارة ضعيفة تحتاج إلى رافد، فتقوى بالنية، ولذا أبو حنيفة -رحمه الله- في هذا الباب ما اطرد قوله، اضطرب قوله، الأصل أن التيمم مثل الوضوء، البدل له حكم المبدل، ما دام لا يشترط النية للوضوء الذي هو الأصل، لماذا يشترطها للتيمم الذي هو الفرع؟ قالوا: لأن التيمم طهارة ضعيفة تحتاج إلى ما يرفدها ويعضدها، والتعبد فيها أيضاً ظاهر، التعبد بالتيمم ظاهر، يعني هل تظهر الطهارة بالتيمم؟ حسياً تظهر؟ التيمم؟

طالب:.......

ليست حسية، بينما الوضوء حسي، يزيل ما على البدن من أوساخ، بينما التيمم، قلنا: إنه يزيد، ما قلنا: إنه ينقص، لكن التعبد فيه ظاهر فهو يحتاج إلى نية، بينما الوضوء وسيلة معقولة المعنى لا تحتاج إلى نية، وجماهير أهل العلم على أن النية لا بد منها، ولذا يدخلون هذا الحديث في كتاب الطهارة رداً على الحنفية، نعم.

وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)).

هذا الحديث الثاني حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ))، ((لا يقبل الله)) جاء نفي القبول في النصوص ويراد به نفي الصحة والإجزاء، هنا ((لا يقبل)) يعني لا تصح صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ.

وجاء نفي القبول ويراد به نفي الثواب المرتب على العبادة مع صحتها، هنا: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) تصح الصلاة من دون وضوء؟ لا تصح، إذن هنا المراد بنفي القبول نفي الصحة، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] الفساق إذا قلنا: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] مفهومه أن الفساق لا يتقبل منهم، فهل المقصود به نفي صحة عباداتهم، أو نفي الثواب المرتب على هذه العبادات؟ بمعنى أن الفاسق إذا صلى نقول: أعد الصلاة {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] المقصود به نفي الثواب المرتب على هذه العبادة، وليس المراد به نفي الصحة، صلاتهم صحيحة مجزئة، مسقطة للطلب لكن الثواب المرتب على هذه العبادة لا يترتب عليها حتى يسلك مسلك التقوى، ويلتزم بها.

((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) يعني المرأة كبيرة بلغت سن المحيض وكلفت تصح صلاتها حاسرة الرأس؟ لا تصح، إذن هذا نفي صحة.

((لا يقبل الله صلاة عبد آبق)) نفي ثواب وإلا نفي صحة؟ نفي ثواب، ((لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر)) ((من أتى كاهناً أو عرافاً لم يقبل الله منه صلاة أربعين يوماً)) هذا نفي ثواب، الصلاة صحيحة، قد يقول قائل: كيف نفرق بين هذه النصوص؟ النص واحد، ((لا يقبل الله)) كيف نقول: هذا نفي صحة وذاك نفي ثواب؟ لماذا؟ متى نقول: إن المراد بنفي القبول هنا نفي الصحة؟ ومتى نقول: إن المراد بنفي القبول نفي الثواب؟ نعم؟

طالب:........

السياق؟

طالب:........

ويش الفرق بين قوله: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) وبين قوله: ((لا يقبل الله صلاة عبد آبق))؟ نعم؟ يعني إذا وجد في النص أمر خارج عن العبادة يمكن أن يحال عليه نفي القبول صار نفي ثواب، إذا لم يكن في النص أمر خارج عن العبادة يمكن أن يحال عليه نفي القبول صار النفي للصحة.

نأتي إلى هنا الآن الطهارة المشترطة في صحة الصلاة هنا لها علاقة بالصلاة وإلا ما لها علاقة بالصلاة؟ هي شرط للصلاة، والنهي عاد إلى الشرط إذن العبادة لا تصح إلا بها، فنفي القبول هنا نفي صحة، إذا عاد أو أمكن إحالة نفي القبول إلى أمر خارج يتضمنه النص أحلنا عدم القبول عليه، والعبادة لا علاقة لها بهذا اللفظ الخارج، ويش معنى هذا؟ لا يقبل الله صلاة عبد آبق، الإباق هذا، هروب العبد من سيده له علاقة بالصلاة وإلا ما له علاقة؟ إذن الإباق هذا ما له أثر على الصلاة في صحتها، صلاته مكتملة الشروط والأركان.

الخمار المطلوب للصلاة هل يمكن أن نقول: إن الخمار مذموم لذاته؟ يعني ترك الخمار لذاته مذموم؟ ليس بمذموم، الإباق؟ مذموم، هروب العبد من سيده مذموم، شرب الخمر، ((لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر)) إذن نحيل عدم القبول على هذا السبب، وهذا السبب لا علاقة له بالعبادة، العبادة مكتملة الشروط والأركان، لكن إذا كان الخبر لا يتضمن شيئاً خارجاً يمكن أن يحال عليه نفي القبول رجعنا نفي القبول إلى العبادة نفسها أو إلى شرطها، فإذا تضمنت العبادة نهياً يخرج عنها وعن شرطها صحت العبادة يعني مع الإثم وعدم ترتب الثواب، إذا عاد النهي إلى ذات العبادة أو إلى شرطها بطلت، يعني هل هناك فرق بين أن يصلي شخص وعليه سترة حرير؟ عليه ثوب حرير يستر به عورته؟ ستر العورة شرط، إذا ستر العورة بثوب حرير هذا الثوب مطلوب للصلاة فكيف يتقرب بشيء محرم؟ عاد النهي إلى الشرط، الشرط مطلوب للعبادة، هذا الشرط كيف يتقرب بشيء محرم؟ الحرير حرام على الذكور، وهذا الشرط مطلوب لأنه يتوافر في هذه العبادة، وهذا الشرط محرم، في الوقت نفسه الشرط هذا، الثوب واجب ومحرم في الوقت نفسه، واجب أن يستر وهو محرم، إذن هذا تناقض؛ لأن الجهة متحدة، إنسان مطلوب أن يستر عورته، لكنه محرم عليه أن يلبس هذه السترة، مطلوب أن يستتر ومحرم عليه أن يستتر بهذه السترة، إذن عاد النهي إلى الشرط فالعبادة باطلة، لكن لو صلى وعلى رأسه عمامة حرير، هل هو مطلوب أن يستر رأسه؟ ليس مطلوباً، إذن عاد النهي إلى أمر خارج عن الصلاة فالصلاة صحيحة، ويبقى أنه آثم في لبسه عمامة الحرير، شخص صلى وبيده خاتم ذهب نقول: صلاته باطلة؟ لا، هذا أمر خارج عن الصلاة، لا علاقة له بالصلاة، فالجهة منفكة لا يمكن أن يأمر الشرع بشيء وينهى عنه في الوقت نفسه، الشرع يأمر بشيء وينهى عن غيره لا بأس إذا انفكت الجهة.

فقوله: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث)) لا يقبل: المراد به هنا نفي الصحة؛ لأن هذا الذي نفي القبول عليه مطلوب للصلاة نفسها، ((صلاة أحدكم)) صلاة مفرد، وهو مضاف، والمفرد إذا أضيف أفاد العموم، المفرد المضاف يفيد العموم، إيش معنى هذا؟ أي شيء يمكن أن يسمى صلاة لا يصح إلا بطهارة، أي شيء يدخل في اسم الصلاة لا يصح إلا بطهارة، الصلوات الخمس صلاة لا تصح إلا بطهارة، الرواتب صلوات ولا تصح إلا بطهارة، صلاة العيد، الكسوف، الجمعة، الجنازة، كلها صلوات، إذن لا تصح إلا بطهارة؛ لأن لفظ صلاة مفرد مضاف فيعم جميع الصلوات.

السجود، سجود التلاوة والشكر صلاة وإلا ليس بصلاة؟ على خلاف، من يقول: صلاة يقول: لا بد من طهور، ويشترط له جميع ما يشترط للصلاة، السترة، واستقبال، وطهارة وكل هذا، وهذا هو المعروف عن جمهور العلماء أن سجود التلاوة والشكر صلاة يطلب لها ما يطلب للصلاة، وذكر البخاري وغيره عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير طهارة, اعتباراً منه أن هذه ليست بصلاة، المقصود بالصلاة ما يشتمل على الأركان، هذا ركن واحد من أركان الصلاة، سجود فقط، ركن واحد، لو وقف واحد قائم نقول له: يصلي؟ نعم؟ ركن واحد ما يصلي، لو ركع ركوع بدون قيام ولا سجود صلاة هذه؟ ليست بصلاة، والسجود وحده كغيره من الأركان لا يسمى صلاة، إذن لا يحتاج إلى طهارة على هذا القول، مع أن الجمهور يشترطون له الطهارة، وأنه لا يسجد إلا على طهارة؛ لأنه نوع خاص لا يستعمل إلا في الصلاة.

((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث)) إذا أحدث إلى غاية ((حتى يتوضأ)).

((إذا أحدث)) سئل أبو هريرة ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط، هذا الحدث، وهذا على سبيل التمثيل وإلا الأحداث كثيرة، ولعله أجاب السائل؛ لأن الظاهر من الحديث أنه إذا أحدث وهو يصلي، ((صلاة أحدكم إذا أحدث)) يعني فيها، وإن كان لفظه لفظ العموم، إذا أحدث فيها، والذي يحدث للمصلي وهو يصلي ويش اللي يحدث؟ ويش يحدث؟ يحدث بول وإلا غائط وإلا إيش يحدث؟ ما يحدث إلا من هذا النوع الريح وهو يصلي، لكن هذا على سبيل التمثيل، وإلا جميع النواقض التي تبطل الطهارة لا يقبل الله الصلاة إلا إذا رفع هذا الحدث.

تمثيل أبي هريرة بالفساء والضراط بالريح يدل على أن الحدث هو نفس الخارج هو نفس الخارج، فالحدث هو ما يخرج من الإنسان، هذا ما يقتضيه تمثيل أبي هريرة، منهم من يقول: إن المراد بالحدث هو الإخراج، إيش معنى الإخراج؟ إخراج ما ذكر من النواقض هو الحدث، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث)) إيش معنى يحدث؟ يخرج، يخرج ما يوجب النقض، فالحدث الإخراج، جمع من أهل العلم يقولون: الحدث هو الوصف، الوصف القائم بالبدن، بسبب ما يخرج من الإنسان، فليس هو الخارج نفسه، ليس هو الحدث، وليس هو عملية الإخراج، وإنما هو ما اتصف به البدن، من أثر إخراج هذا الخارج، يعني إذا قلنا: الوضوء يرفع الحدث، إيش معنى يرفع الحدث؟ يرفع الإخراج؟ نعم؟ هو يرفع الإخراج؟ لا، يرفع الخارج؟ ما يرفع الخارج، لكن يرفع إيش؟ يرفع الوصف، الذي اتصف بالبدن، هذا الحدث، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ ظاهر وإلا لا؟ طيب.

عندنا كلام أبو هريرة، ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: "فساء أو ضراط" يعني الريح، الريح حدث، الإخراج كلام أبي هريرة يدل على أن الحدث نفس الخارج، حديث: ((إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث)) يدل على أن الحدث هو إيش؟ الإخراج، إخراج الخارج، هذا هو الحدث؛ لأنه هذا هو اللي بيد الإنسان، ومنهم من يقول: إن المراد بالحدث هو الوصف، هو الوصف الذي تلبس به الإنسان بسبب هذا الخارج، وهو الذي يمكن رفعه، هو الذي يمكن رفعه، يعني الآن رفع الحدث هو رفع للخارج؟ نعم؟ هو رفع للإخراج؟ لا، هو رفع للوصف الذي اتصف به البدن، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ لكن إذا تصور المجموع عندنا خارج وإخراج ووصف، اتصف به البدن بعد هذه العملية، نعم انتقل من كونه طاهر إلى كونه محدث، فهو محدث أحدث أخرج حدثاً وهو الخارج فاتصف بالحدث الذي هو إيش؟ الوصف، تصورنا المجموع، العملية كاملة وضح لنا الأمر، نعم: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث)) إلى غاية، إلى متى؟ ((حتى يتوضأ)) فإذا توضأ قبل الله صلاته، بل قبل صلواته إذا توضأ، فالغاية إلى أن يتوضأ، هذا بالنسبة لواجد الماء، أما الذي لم يجد الماء حقيقة أو حكماً بأن لا يستطيع استعمال الماء يعدل منه إلى البدل، ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) دل الحديث على أن..، الأول دل على أن النية شرط لصحة الوضوء، والثاني دل على أن الوضوء شرط لصحة الصلاة.

الغاية ((حتى يتوضأ)) تدل على أنه لا يلزم الوضوء لكل صلاة، الغاية هذه ((حتى يتوضأ)) خلاص توضأ ورفع الحدث ويش بقي؟ دل على أن صلاته صحيحة، مفهومه أن صلاة من رفع الحدث صحيحة، ولا يلزم منه أن يتوضأ لكل صلاة، مع أن مفهوم قوله -جل وعلا-: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] كل ما قمتم إلى الصلاة فاغسلوا، وكان هذا في أول الأمر، ثم بعد ذلكم صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الفتح الصلوات الخمس بوضوء واحد، وعموم هذا الحديث يشمل الصلوات والصلاة الواحدة، نعم.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وعائشة -رضي الله عنهم-، قالوا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ويل للأعقاب من النار)).

الحديث الثالث حديث:

عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وعائشة -رضي الله عن الجميع- قالوا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ويل للأعقاب من النار)).

جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد أدركهم وقت الصلاة، أرهقهم وقت الصلاة، يعني ضاق عليهم، فوجدهم يتوضئون وضوءاً خفيفاً، قد لا يتمكنون من إسباغ الوضوء لضيق الوقت، فرفع صوته -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((ويل للأعقاب من النار)) تأكيداً على أهمية إيصال الماء إلى جميع الأعضاء المفروضة، فإذا حرص الإنسان على العقب فهو على غيره أحرص، وأنه لا يجزئ غسل بعض العضو دون بعض، بل لا بد من استيعاب جميع العضو، وفي هذا رد على من يقول بجواز مسح الرجلين؛ لأنه إذا توعد على ترك غسل العقب، فكيف يتصور المسح؟ وجاء في آية الوضوء {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] والكعبان هما العظمان الناتئان في جانبي القدم، فيدخل في ذلك ظهر القدم وبطن القدم والعقب وما ارتفع حتى يغطي الكعبين، ومن يقول: إن الكعبين هما العظمان الناتئان على ظهر القدم عند معقد الشراك لا دليل له، بل حديث الباب يرده، بل المراد بالكعبين العظمان الناتئان في جانبي القدم الواحد.

((ويل للأعقاب من النار)) ويل: كلمة عذاب، بعضهم يقول: وادٍ في جهنم، هذا وعيد شديد لمن تساهل في أمر الوضوء، وبعض الناس تجده لا يلقي بالاً لوضوئه، فيغسل طرف اليد وإلا طرف الرجل، ويمسح شيء ويغسل شيء، الوضوء شرط لأعظم العبادات بعد الشهادتين، فإذا فرطنا في الشرط لم يصح المشروط، وإذا لم يصح المشروط الأمر عظيم، يعني من توضأ على غير ما أمره الله -عز وجل- وضوءاً لا ينفعه، ترك عضو مثلاً وضوءه باطل، ترك جزء من عضو وضوءه باطل، وإذا بطل الوضوء، بطل الشرط بطل المشروط، يعني إذا كان الذي يصلي بغير طهارة عند أبي حنيفة يكفر، نسأل الله العافية؛ لأنه مستهزئ، فالطهارة شأنها عظيم، على المسلم أن يُعنى بها، ويسبغ الوضوء، لكن إذا توضأ وغسل كل عضو ولو مرة واحدة مسبغاً الوضوء عمم جميع العضو بالماء كفى، النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرة مرة، إن توضأ مرتين مرتين فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه توضأ مرتين مرتين، وثبت عنه أيضاً أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، المقصود أنه لا يزيد على الثلاث ولا ينقص عن الواحدة، ولا بد من تعميم العضو بالماء، ولذا جاء هذا الوعيد الشديد لمن ترك شيئاً من قدمه دون غسل، فعلى الإنسان أن يهتم لذلك ويُعنى به؛ لأن هذا الشرط مصحح لأعظم العبادات.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتـثر، ومن استجمر فليوتر، وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟)) وفي لفظ لمسلم: ((فليستنشق بمنخريه من الماء)) وفي لفظ: ((من توضأ فليستنشق)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ أحدكم))" توضأ فعل من أي الأنواع؟ من أي الأفعال الثلاثة؟ ماضي، توضأ فعل ماضي، والفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ، هذا الأصل، كما أنه يطلق ويراد به الإرادة، إرادة الفعل، يطلق ويراد به الشروع في الفعل، يطلق الفعل الماضي الأصل فيه الفراغ من الشيء، يعني متى تقول: قام زيد وهو جالس وإلا إذا انتصب قائماً؟ إذا انتصب قائماً قلت: قام زيد، يطلق ويراد به الفراغ من الفعل، ((إذا كبر فكبروا)) إذا كبر يعني فرغ من التكبير كبروا.

يطلق الفعل الماضي ويراد به إرادة الفعل، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] إيش معنى قمتم إلى الصلاة؟ أردتم القيام، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ} [(98) سورة النحل] إذا قرأت القرآن يعني أردت القراءة، فيطلق الفعل ويراد به الإرادة، يطلق ويراد به الشروع في الفعل، ((إذا ركع فاركعوا)) هل معناه أنه إذا أراد أن يركع نركع؟ لا، هل معناه أنه إذا فرغ من الركوع نركع؟ لا، إذا شرع في الركوع نركع، فالفعل الماضي يطلق ويراد به تمامه، ويطلق ويراد به إرادته، ويطلق ويراد به الشروع فيه.

نأتي إلى ما عندنا ((إذا توضأ أحدكم)) إذا توضأ وفرغ من الوضوء يجعل على أنفه ماءاً؟ نعم؟ إذا فرغ وإلا إذا أراد أو إذا شرع؟ إذا شرع في الوضوء.

((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتـثر)) في لفظ لمسلم: ((فليستنشق بمنخريه من الماء)).

الاستنشاق: هو جذب الماء بالنفس إلى الأنف، جذب الماء إلى داخل الأنف بالنفس، والانتثار: إخراج الماء من الأنف بالنفس أيضاً، بالنفس، هل من مسمى الاستنشاق الانتثار؟ بعضهم يقول: جاء في بعض الروايات، ما في استنشاق ((إذا توضأ أحدكم فلينتثر)) لكنه من لازم الاستنشاق، منهم من يقول: إن الانتثار هنا هو الاستنشاق، لكنه في الحقيقة من لازم الاستنشاق، لا يمكن أن ينتثر حتى يستنشق، فمن لازمه الاستنشاق، ثم الانتثار.

((ومن استجمر فليوتر)) استجمر: استعمل الحجارة في إزالة أثر الخارج، استجمر، عندنا استنجاء واستجمار، الاستنجاء: قطع أثر الخارج بالماء، والاستجمار: بالحجارة ((ومن استجمر فليوتر)) يعني يقطع ذلك على وتر، أقل ما يجزئ في الاستجمار ثلاثة، حديث ابن مسعود لما أمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يأتي بأحجار يستنجي بها جاء بحجرين وروثة، أخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- الحجرين، وألقى الروثة، وقال له: ((ابغني ثالثاً)) فدل على أن أقل ما يجزئ الثلاث، لكن إن احتاج إلى رابع، يزيد خامس ليقطعه على وتر، إن زاد خامس ولا أنقى فاحتاج إلى سادس يزيد سابع تحقيقاً للأمر ((ومن استجمر فليوتر)) يعني يقطعه على وتر، هذا ما فهمه الجمهور من هذه الجملة، فهم مالك -رحمه الله تعالى- وبعض المالكية أن قوله: ((من استجمر)) من استعمل المجمرة المبخرة ((ومن استجمر فليوتر)) إيش معنى هذا؟ أنك تأتي بالمبخرة المجمرة تضع فيها قطعة واحدة من الطيب أو ثلاث قطع، أو خمس قطع، أو سبع قطع، أو إذا تبخرت ثلاثاً ثلاثاً، أما مرة واحدة إن أعيد لك البخور ثاني تقول: لا، أبي ثالثة، لكي توتر، ((ومن استجمر فليوتر)) نعيم بن عبد الله المجمر كان يجمر المسجد، يبخر المسجد، نعيم بن عبد الله المجمر معروف، كان يخبر المسجد في عهد عمر -رضي الله عنه-، فقالوا: استجمر هناك مجمر، إذن من التبخر أو البخور، وضع البخور على الجمر، لكن كلام الجمهور أوضح أن الاستجمار المراد به: قطع أثر الخارج بالحجارة.

((وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه)) ((من نومه)) نوم: جنس يستوفيه القليل والكثير، وإضافته تدل على عمومه، أي نوع كان، وبهذا قال جمع من أهل العلم أنه إذا وجد النوم سواءً كان قليلاً أو كثيراً ليلاً كان أو نهاراً لا يجوز له أن يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً.

((فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟)) ((أين باتت)) عرفنا أن قوله: ((من نومه)) يشمل الليل والنهار، لكن باتت؟ المبيت لا يكون إلا بالليل، وبهذا قال أحمد: إنه لا يلزمه غسل يديه إلا إذا استيقظ من نوم الليل، والعلة في ذلك: ((فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟)) طيب غسل يديه بالماء والصابون ونام، اليد قبل النوم طاهرة وإلا فيها شيء؟ طاهرة ما في إشكال، طاهرة بيقين، هل نرفع هذا اليقين بكونه لا يدري يعني يشك أين باتت؟ هل يرفع اليقين بالشك؟ الشك عند أهل العلم لا يرفع اليقين، منهم من يقول: إن هذا خطاب لأهل الحجاز في البلاد الحارة، وهم يستعملون الحجارة في الاستجمار وتعرق أبدانهم وأيديهم تطيش على مواضع الخارج وهم لا يشعرون، لكن ما يلزم هذا، يعني لو افترضنا المسألة في شخص ساكن مكان بارد ما في عرق، واستعمل الصابون لغسل يديه، واستنجى فقطع أثر الخارج بالكلية، يعطل الحديث؟ نعم؟ لا، لا يعطل الحديث، إذن كيف نرفع اليقين بالشك هنا؟ ((فإنه لا يدري أين باتت يده؟)) نقول: يجب عليه أن يغسل يديه تعبداً لله -عز وجل- امتثالاً لهذا الأمر، ولو لم نطلع على العلة، ما يلزم تكون نجسة، يده طاهرة بيقين، حتى لو أدخلها في كيس وإلا ربطها بحيث لا تطيش ولا تروح ولا تجي، يلزمه أن يغسل يديه ثلاثاً قبل أن يدخلها امتثالاً لهذا الأمر، ((فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟)) وهذا شك هل أصابها نجاسة أو لم يصبها شيء لا يدري، والشك لا يرفع اليقين، لكن يلزمه أن يغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء، لكن لو خالف وأدخل يديه في الإناء قبل أن يغسلهما ثلاثاً أثم، يأثم والماء لا أثر عليه؛ لأن الشك لا يزيل اليقين، هو متطهر بيقين أثم بالمخالفة والماء طهور يرفع الحدث، عند الحنابلة الماء يتأثر، يعني ينتقل إذا كان قليل من كونه مطهر إلى كونه طاهر، لكن لا أثر له على الماء باعتبار أن الذي يغلب على الظن أنها طاهرة وإن لم يدرِ أين باتت.

بعض من استخف بالسنة وهذا شأنه عظيم الاستخفاف بالسنة لما سمع هذا الحديث قال: أنا أدري أين باتت؟ أدري أين تبيت يدي؟ فجاء فأدخلها في كيس وربطها وقال: أبداً يدي أدري أين باتت؟ فلما انتبه من نومه إذا هي قد أدخلت إلى الكوع في دبره نسأل الله السلامة، وهذا من شؤم الاستخفاف بالسنة، وله نظائر الذي إستاك في دبره صار عليه ما صار كما قال أهل العلم، الحافظ ابن كثير، وابن العماد وغيرهما ذكروا قصته، الذي وضع المسامير في نعليه ليطأ أجنحة الملائكة الذين يحفون بطلاب العلم، خسف به، ساخت به الأرض نسأل الله العافية، مثل هذا شأنه عظيم.

((فإنه لا يدري أين باتت يده؟)) وفي لفظ لمسلم: ((فليستنشق بمنخريه من الماء)) وفي لفظ: ((من توضأ فليستنشق)).

هذا الأمر ((فليستنشق)) ((فلينتثر)) ((فليجعل)) هذا اللام في المواضع كلها لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وعلى هذا الاستنشاق واجب، وسواء قلنا: إن الأنف داخل في مسمى الوجه لنقول: إن الاستنشاق داخل في المنصوص عليه: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وجُوهَكم} [(6) سورة المائدة] والأنف من الوجه ومثله الفم، أو قلنا: إن هذا خارج وجاء النص بالزيادة على ما جاء في الآية فالاستنشاق واجب، لا سيما عند الاستيقاظ من النوم؛ لأنه؛ لأن الشيطان يبيت على خيشومي، نعم.

 

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.