شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (228)

المقدم:

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة، الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الأخوة المستمعين. 

المقدم: قال المصنف -رحمه الله تعالى- عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:

«قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ العِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ بِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَحَمَلاَ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا فنَامَا، فَانْسَلَّ الحُوتُ مِنَ المِكْتَلِ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي البَحْرِ سَرَبًا، وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ..

ويومِهم.

المقدم: فانطلقا بقية ليلتهما ويومِهما، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا، لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا.

ويومِهما مضبوطة بالفتح.

المقدم: ويومَهما مضبوطة بالفتح نعم يومَهما.. فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا.

يعني اليوم معطوف على البقية أم على الليلة؟

المقدم: لا، على الانطلاق؟

العطف ويومهما معطوفة على بقية أم على ليلة، معطوفه على المضاف أم المضاف إليه؟

المقدم: لا يا شيخ انطلق بقية الليل واليوم كاملًا، فيكون انطلق يومهما وبقية ليلتهما.

إذًا معطوف على البقية، على المضاف وليس على المضاف إليه، ضبطوها في الفتح..

المقدم: ويومَهما.

لا، ويومِهما عطفًا على المضاف إليه، وإن كان المراد بقية الليلة التي شرعا في السير فيها واليوم كاملًا، فهذا لا شك أنه..

المقدم: نعم.

وهذا يُشكل كثيرًا، يعني العطف على المتضايفين يوقع في إشكال كثير إذا كان الإعراب بالحركات، ونبسطه في شرحنا لهذه الكلمة، إن شاء الله تعالى.

 فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا، لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا، وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ المَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ، قَالَ مُوسَى: (ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا)، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ، أَوْ قَالَ: تَسَجَّى بِثَوْبِهِ، فَسَلَّمَ مُوسَى، فَقَالَ الخَضِرُ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا مُوسَى، فَقَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشدًا؟ -وعندنا ضبطت رَشَدًا-  قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لاَ تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ الله لاَ أَعْلَمُهُ، قَالَ: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا، وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ، لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا، فَعُرِفَ الخَضِرُ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَجَاءَ عُصْفُورٌ، فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ من  البَحْرِ، فَقَالَ الخَضِرُ: يَا مُوسَى مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَنَقْرَةِ هَذَا العُصْفُورِ فِي البَحْرِ، فَعَمَدَ الخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ، فَنَزَعَهُ، فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا؟ قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ قَالَ: لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا، فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا.

 فَانْطَلَقَا، فَإِذَا بغُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلاَهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ؟ قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟  فَانْطَلَقَا، حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ، قَالَ الخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ، فَقَالَ مُوسَى: لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ". قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

 أما بعد,

فراوي الحديث الصحابي الجليل أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجى، أبو المنذر، سيد القراء، ويكنى أيضًا أبا الطفيل، أما كنيته بأبي المنذر ففي الحديث الصحيح لما سأله النبي -عليه الصلاة والسلام- عن أعظم آية في القرآن فقال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] فقال: ليهنك العلم أبا المنذر، ويُكنى أيضًا أبا الطفيل، ومعروف أنهم يعددون الكنى أحيانًا يكون للإنسان أكثر من كنية، من فضلاء الصحابة، اختلف في سنة موته اختلافًا كبيرًا قيل: سنة تسع عشرة، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين، وقيل غير ذلك، يعني بينهما ثلاثة عشرة سنة، بين القولين وما بين ذلك محل الخلاف. وهذا الحديث الطويل ترجم عليه الإمام البخاري هنا في كتاب العلم فقط بثلاث تراجم:

الترجمة الأولى: الباب السادس عشر من كتاب "العلم" باب ما ذكر في ذهاب موسى- صلى الله عليه وسلم- في البحر إلى الخضر، وقوله تعالى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}[الكهف:66] باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر، فالمناسبة ظاهرة بين الترجمة والخبر، ظاهرة أم خفية؟

المقدم: ظاهرة.

ظاهرة جدًّا.

الترجمة الثانية: في الباب التاسع عشر باب الخروج إلى طلب العلم، ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أُنيس في حديث واحد، الخروج إلى طلب العلم، الرحلة من أجل طلب العلم، وهذه سنة معروفة ومأثورة عند أهل العلم قاطبة، وتميز بها أهل الحديث، ومناسبة الحديث لهذه الترجمة أيضًا ظاهرة.

الترجمة الثالثة: هنا التي اختارها المؤلف، هذا الموضع الذي اختاره المؤلف تحت هذه الترجمة، الترجمة الثالثة: باب ما يُستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله، كأنه رأى أن هذه الترجمة.

المقدم: إكمالها فيكل العلم إلى الله؟

نعم، فيكل العلم إلى الله، باب ما يُستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله، أعرض المختصر عن الترجمة الأولى ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر؛ لأن مثل هذا أمر ظاهر واضح، ولا يحتاج إلى تنبيه.

الترجمة الثانية الخروج إلى طلب العلم أيضًا كذلك.

لكن ما يُستحب للعالم إذا سئل هذا من أهم المهمات إذا سئل أي الناس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله، فاختار هذا الموضع من بين المواضع؛ لمسيس الحاجة إليه، قد يقول قائل: لماذا المختصر لا يذكر تراجم؟ لماذا لم يورد المختصر الموضع الأول أو الثاني؟

المقدم: لأنه اختار المتن الذي يدل على هذا الموضع.

نعم، وأيضًا الموضع بين التراجم هو هذا؛ لأن الذي قبله الإنصات، فاختار هذا لأهمية هذه الترجمة التي أشار إليها الإمام البخاري -رحمه الله- وانتزعها هذا الحديث.

المقدم: الثلاث ما ساقهم وراء بعض يا شيخ؟

لا، الترجمة رقم ستة عشر، السادسة عشر والتاسعة عشر والرابعة والأربعين، فاختياره لهذه الترجمة دون الترجمتين السابقتين رغم أهميتهما إلا أن الترجمة الثالثة أهم.

يقول العيني: وجه المناسبة بين البابين، يعني باب الإنصات للعلماء الذي قبل هذا استنصت الناس، وهذا الباب ما يستحب للعالم من حيث إن المذكور في الباب الأول الإنصات للعلماء لزوم الإنصات للعالم، وهو في الحقيقة وكول أمره إليه، الطالب إذا أنصت لشيخه مفاده أنه وكل أمره إليه، وإلا لو اعترض عليه لما أنصت، لكنه أذعن ووكل الأمر إليه فأنصت، يقول هنا: من حيث إن المذكور في الباب الأول لزوم الإنصات للعالم، وهو في الحقيقة وكول أمره إليه في حالة السماع، وكذلك هاهنا لزوم وكول الأمر إلى الله تعالى إذا سئل عن علم، لكن فرق بين الوكولين؛ لأن وكول الأمر إلى العالم أمر نسبي كما هي النسبة بين الشيخ والطالب، لكن وكول الأمر إلى الله تعالى وكول مطلق، مطابقة الحديث للترجمة ففي قوله في الحديث «فَسُئِلَ -يعني موسى- أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ العِلْمَ إِلَيْهِ»، وهذا ظاهر جدًّا، هذا في غاية الظهور، في قوله: إِذْ لَمْ يَرُدَّ العِلْمَ إِلَيْهِ هذا الوكول، «قَامَ مُوسَى» هو ابن عمران الكليم نبي بني إسرائيل، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم، خلافًا لما زعمه نوف البكالي، هذا مما حذفه المختصر، وإلا فالحديث في الأصل قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا عمرو قال: أخبرني سعيد بن جبير «قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا البَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ؟ فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيل...».

 نوف البكالي هذا الذي قال: إن موسى غير موسى بن عمران الكليم، يريد أن ينزه منزلة موسى -عليه السلام- من هذا التصرف، ولئلا يُظن أن الخضر أفضل منه كما يوحي بذلك من وجه يوحي بذلك السياق، يعني من وجه من جمع الوجوه كما سيأتي بيانها، إن شاء الله تعالى، فموسى هو الكليم نبي بني إسرائيل المشهور من أولي العزم ومن الرسل المعروفين الذين لا يخفى أمرهم على الخاص والعام، خلافًا لما زعمه نوف.

 البكالي بكسر الموحدة وفتحها وتخفيف الكاف وحكي تشديدها (بِكالي وبكّالي) بكسر الموحدة وفتحها (بِكالي وبَكالي) وتخفيف الكاف، وحكي تشديدها مع فتح الموحدة ( بَكّالي)، وعزاه صاحب المطالع لأكثر المحدثين بَكّالي، من صاحب المطالع؟

المقدم: مطالع الأنوار.

لمن؟

المقدم: مطالع.. ذيك مشارق الأنوار يا شيخ؟

طيب والمطالع؟

لا هو مطالع الأنوار لكن لمن؟

المقدم: لابن قرقول يا شيخ.

نعم الإمام ابن قرقول وهو مختصر من المشارق، وشهرته عند الشراح أكثر من شهرة المشارق، شهرته أكثر وتداوله بينهم والنقل عنه أكثر، وإن كان المشارق كتاب عظيم للقاضي عياض:

مشارق أنوار تبدت بسبتة     …      ومن عجب كون المطالع في الغرب

نعم، كون المشارق مشارق أنوارٍ.

المقدم: تبدت بسبتةٍ.

نعم.

ومن عجب كون المشارقِ.

المقدم: كون المطالعِ.

كون أيش؟

المقدم: كون المطالع في الشرق.

لا ، لا.

كون المشارق في غرب، يعني كون المشارق، مشارق الأنور كونها تشرق.

المقدم: في سبتة.

تشرق في سبتة في المغرب.

المقدم: في المغرب.

نعم.

والمشارق هي المطالع على كل حال، طلوع الشمس وشروقها...

المقدم: هي مطالعها.

 هي مطالعها سواء قلنا: ومن عجب كون المطالع، وهذا الذي أحفظه كون المطالع في الغرب، أو المشارق؛ لأن الحديث عن الكتاب نفسه المشارق، ومن عجب كون المطالع في الغرب؛ لأن المطالع هي المشارق، يعني حث تطلع الشمس حيث تشرق، وعزاه صاحب المطالع لأكثر المحدثين، والصواب التخفيف نسبةً إلى بِكال، بكال بطنٍ من حمير، وكان نوف تابعيًّا عالمًا لاسيما فيما يتعلق بالإسرائيليات، عالمًا إمامًا لأهل دمشق، وهو ابن امرأة كعب الأحبار على المشهور، وقيل غير ذلك، قال ابن حجر: ووهم من قال: إنه منسوب إلى بكيل بكسر الكاف بطن من همدان؛ لأنهما متغايران، همْدان أم هَمَذان؟

المقدم: هَمَذان أم لا؟

همْذان أم هَمَدان؟

هما شيءٌ واحد أو يختلفان؟

بالذال والتحريك هَمَذان هذه بلد في المشرق، وهمْدان بالدال المهملة والتسكين هذه قبيلة.

 ووهِم من قال: إنه منسوب إلى بكيل بكسر الكاف بطن من همدان؛ لأنهما متغايران وهذا الوهم الذي أبهم الواهم فيه ابن حجر عينه العيني، ونسب هذا الوهم إلى أبي بكر بن العربي في شرح الترمذي، وشرح الترمذي اسمه"عارضة الأحوذي" لابن العربي.

 «خَطِيبًا» حال، «فِي بَنِي إِسْرَائِيل» أي قومه، «فَسُئِلَ» موسى -عليه السلام-، «أي الناس أعلم؟» أي منهم أي الناس أعلم أي منهم على حد الله أكبر أي من كل شيء، يعني كأعلم وأكبر أفعل تفضيل، والمفضل عليه أي الناس أعلم منهم، يعني أعلم من الناس، من الذي أعلم من الناس؟!! كما إذا قلت: الله أكبر أي من كل شيء فقال موسى -عليه السلام-: «أنا أعلم» يعني أنا أعلم الناس، وذلك بحسب اعتقاده، وهذا قوله: أنا أعلم أبلغ مما سبق للبخاري في باب الخروج في طلب العلم الترجمة الثانية، الباب التاسع عشر، هذا قوله أنا أعلم أبلغ مما سبق للبخاري في باب الخروج في طلب العلم، هل تعلم أن أحدًا أعلم منك؟ فقال: لا، فإنه إنما نفى هناك علمه، وهنا على البت قال هنا: أنا أعلم، وهناك لما سئل: هل تعلم أن أحدًا أعلم منك؟ فقال: لا. فرق بين العبارتين هو هنا يجزم بأنه أعلم الناس، وهناك ينفي علمه بوجود أعلم منه، وهذا أسهل.

 يعني العالم إذا قال: لا أعلم في هذه المسألة خلافًا أسهل مما قال: حكمها كذا بالإجماع، فعند أهل العلم أن قول: لا أعلم في هذه المسألة خلافًا لا تحكي الإجماع، وإنما ينفي علمه بوجود المخالف، وإن كانت هذه الكلمة إذا صدرت من إمام مطلّع أهل لنقل الإجماع والتثبت فيه أنه ..

المقدم: الأصل فيه أنه إجماع.

أنه إجماع نعم، صار لا يعلمهم من الأئمة المطلعين، لكنها لا تعادل قوله: أجمع العلماء على كذا، فقال: لا فإنه إنما نفى هناك علمه، وهنا على البت، قاله القسطلاني، وفي فتح الباري قال: أنا أعلم، في جواب أي الناس أعلم؟ قيل إنه مخالف لقوله في الرواية السابقة في باب الخروج في طلب العلم قال: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ ويقول ابن حجر: وعندي لا مخالفة بينهما، قررنا أن قوله: أنا أعلم أبلغ من قوله: لا، في قوله: لا،  حينما سئل هل تعلم أن أحدًا أعلم منك؟ يقول ابن حجر: عندي أنه لا مخالفة بينهما، يعني هذه العبارة مع العبارة السابقة في القوة سواء، ومدلولهما واحد، كيف صار ذلك؟ كلام القسطلاني ظاهر، يقول: وعندي أنه لا مخالفة بينهما؛ لأن قوله هنا: أنا أعلم أي فيما أعلم؛ لأنه لا يدعي ما لا علم له به، هذا من كلامه، ما هو من كلامهم، ابن حجر؛ لأنه حينما قال: أنا أعلم، هو أيضًا على حد علمه، لكن الملحوظ في كلام القسطلاني وبعض الشراح المدلول اللفظي للعبارتين بغض النظر عما يظن بموسى -عليه السلام-، لا شك أن المدلول اللفظي لقوله: أنا أعلم...

المقدم: يستدعي العتب.

نعم وهو أبلغ من قوله: لا، في جواب من قال: هل تعلم؛ لأن هذا واضح في كون النفي استنادًا إلى علمه- عليه السلام-، وعندي لا مخالفة بينهما؛ لأن قوله هنا: أنا أعلم أي فيما أعلم، فيطابق قوله: لا، في جواب من قال له: وهل تعلم أحدًا أعلم منك في إسناد ذلك إلى علمه لا إلى ما في نفس الأمر، وعند النسائي من طريق عبد الله بن عبيد عن سعيد بن جبير بهذا السند «قام موسى خطيبًا، فعرض في نفسه أن أحدًا لم يؤت من العلم ما أوتي، وعلم الله بما حدث به نفسه»، مقتضى هذه الرواية أنه لم ينطق بقوله: أنا أعلم، لكنه لما سئل عرض في نفسه أن أحدًا لم يؤت من العلم ما أوتي، وعلم الله بما حدّث به نفسه، فقال يا موسى إن من عبادي من أتيته من العلم ما لم أؤتك، وحديث النفس كما هو معلوم لا مؤاخذة عليه، والله -جل وعلا- عاتبه؛ لعلو منزله، وإلا لو صار في خاطر بعض الناس مثل هذا الجواب ولم يجره ذلك إلى الإعجاب بنفسه، والتعالي على غيره، يؤاخذ أم ما يؤاخذ مادام حديث نفس ما لم ينطق به؟

المقدم: لا يؤاخذ.

لكن قد يقول قائل: إن ظن الإنسان في نفسه أنه أعلم من غيره من عمل القلب، وهذه الأمور التي هي الإعجاب والغرور موطنها القلب، فعليها يؤاخذ عليه، ما معنى الإعجاب؟ يعني كون الإنسان يرى لنفسه منزلة فوق غيره، ويرى أنه يعمل ما لم يعمله غيره، ويعلم ما لم يعلمه غيره، هذا الإعجاب.

والعجب فاحذره إن العجب مجترف **** أعمال صاحبه في سيله العرم

وهل يلزم من ذلك أن تظهر آثار هذا الإعجاب على الجوارح، يعني كما قيل في الحسد؟

المقدم: ومع ذلك يحاسب عليه.

يحاسب عليه الحسد ولو لم تظهر آثاره، لا أعرف قائل بأنه: لا يحاسب عليه إلا ابن الجوزي، يعني نص في صيد الخاطر أن الحسد من حديث النفس، لكن إن تكلم به أو عمل بمقتضاه يؤاخذ عليه، لكن الأعمال المنسوبة إلى القلوب، والتي جاء ذمها في نصوص الكتاب والسنة لا يلزم أن تظهر آثارها على الجوارح، إنما يؤاخذ عليها بمجرد ورودها على القلب وتكررها عليه.

المقدم: أحسن الله إليكم أستأذنكم في أن نستكمل بإذن الله، وننطلق في شرح كامل لألفاظ الحديث في حلقة قادمة؛ لانتهاء هذه الحلقة.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

لقاؤنا بكم بإذن الله في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،