الشمائل النبوية (17)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامج الشمائل النبوية من خلال كتاب شمائل النبي للإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي -رحمه الله- مع بداية حلقتنا نرحب بضيف البرنامج صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بقسم السنة وعلومها كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، فأهلاً وسهل بكم يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

في باب ما جاء في صفة درع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال رحمه الله: حدثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده عبد الله بن الزبير عن الزبير بن العوام قال كان على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد درعان فنهض إلى الصخرة فلم يستطع فأقعد طلحة تحته وصعد النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى استوى على الصخرة قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول «أوجب طلحة».

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، حديث الزبير في قصة نهوضه -عليه الصلاة والسلام- إلى الصخرة وعدم استطاعته حتى أقعد طلحة تحته فصعد النبي -عليه الصلاة والسلام- ورقي الصخرة وقوله -عليه الصلاة والسلام- "أوجب طلحة" حديث حسن مخرج عند المصنف في جامعه، وعند الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصححه على شرط مسلم، ويشهد له ما ذكره المصنف بعد من حديث السائب بن يزيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان عليه يوم أحد درعان قد ظاهر بينهما، والدرع بكسر الدال جبة من حديد ويسمى الزرد يصنع حِلقًا وهو من ملابس الحرب، قوله نهض إلى الصخرة أي: أراد أن يرتفع عليها ليراه المسلمون فيعلمون حياته وهذا

يوم أشيع عنه أنه قتل.

لما أشيع أنه قتل، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يرقي الصخرة ويصعد عليها ليراه المسلمون فيعلمون حياته فلم يستطع -عليه الصلاة والسلام- صعود الصخرة لماذا؟

بسبب الجراح.

نعم لما ناله -عليه الصلاة والسلام- من المشقة من شج رأسه وغيره، وقال بعضهم: فعل ذلك لثقل الدرعين؛ لأنهما درعان من حديد .

 

والدرع يلبس على الجسم يا شيخ؟

نعم مثل الجبة ومثل الكوت.

يعني أشبه ما يكون بالواقي.

نعم.

 يعني تدخل الأكمام أو على الصدر فقط ؟.

هو  مثل الجبة قوله "أوجب طلحة" أي وجبت له الجنة، وهو طلحة بن عبيد الله القرشي أحد العشرة المبشرين بالجنة، قتل يوم الجمل سنة ست وثلاثين. وقوله: ظاهر بينهما أي جمع بينهما ولبس أحدهما فوق الآخر كأنه من التظاهر والتعاون، أو كأنه جعل أحدهما ظهارة والآخرة بطانة، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: وكان له سبعة أدرع: ذات الفضول وهي التي رهنها عند أبي الشحم اليهودي على شعير لعياله وكان ثلاثين صاعًا، وكان الدين إلى سنة، وكانت الدرع من حديد، وذات الوشاح، وذات الحواشي، والسغدية بالغين أو العين، وفضة، والبتراء، والخرنِق، وفي شرح البيجوري: سميت ذات الفضول لطولها، والسُغْدية بضم السين المهملة وسكون الغين المعجمة وتقال بالعين المهملة أيضا وبالصاد بدل السين يقول الشراح هي درع سيدنا داود التي لبسها لقتال جالوت، السغدية هكذا قالوا والله أعلم ما مستندهم، وفي شرح المناوي: وفي ذلك    -يعني لبسه للدرع والمظاهرة بين الدرعين- اهتمامٌ بشأن الحرب وتعليمٌ للأمة وإشارةٌ إلى أن الحزم والتوقي من الأعداء لا ينافي التوكل.

المظاهرة يا شيخ هي  أن يلبسهما مختلفين؟

واحد فوق الثاني.

أليس المقصود أن يلبس هذا في جهة وهذا في جهة، مثلاً يلبس هذا في الأمام وهذا في الخلف؟

ليس كذلك، المقصود بالمظاهرة:  أن يظاهر الأول الثاني ويعاونه.

يظاهره.

أو يكون أحدهما ظهارًا والآخر بطانًا، يعني واحد أعلى وواحد أسفل، وفي الحديث إشارة إلى أن الحزم والتوقي من الأعداء لا ينافي التوكل، بل ينبغي أن يكون التوكل مقرونًا بالتحصن لا مجردًا عنه فلهذا لم يبرز -عليه الصلاة والسلام- للقتال منكشفًا متوكلاً، ومراده: أن فعل الأسباب لا ينافي التوكل على الله- عز وجل- بل جاء الأمر بفعل الأسباب والإعداد للحروب بالمستطاع كما قال جل وعلا:وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ } الأنفال: ٦٠  ومع ذلك فالأسباب إنما تأثيرها بجعل الله سبحانه وتعالى فيها الأثر فلا تؤثر بنفسها، بمعنى أنها لا تستقل بالتأثير كما تقول المعتزلة، ولا يُلغى أثرها ويكون وجودها مثل عدمها كما يقوله بعض المبتدعة

هذا مذهب من؟

الصوفية؟

الصوفية يقولون هذا والأشعرية.

والأشاعرة.

الأشاعرة لا يرون للأسباب أدنى أثر، فعندهم مقولة عجيبة يرددونها فيقولون: يجوز أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس، يراه وهو أعمى بالصين؛ لأن البصرعندهم مجرد سبب للإبصار يكون الإبصار عنده لا به، فحينما تشرب إناءً كبيرا من الماء تروى أنت أو ما يرويك؟

بلى.

يرويك لكن هل الذي أرواك هو شرب الماء؟ أو أنك رويت عند وجود هذا الشرب؟ أنت رويت عنده لا به عندهم.

هذا عندهم.

 ومذهب أهل السنة وسط بين مذهب المعتزلة ومذهب الأشعرية، فلا يلغى أثرها ويكون وجودها مثل عدمها كما يقول بعضهم، فكل ذلك مخالف للشرع والعقل كما قال بعضهم ترك الأسباب قدح في العقل، والاعتماد عليها قدح في الشرع، نعم قد توجد الأسباب لكن يتخلف أثرها، قد تلبس في الشتاء جبتين أو ثلاث أو أربع وفوقها أيضًا ملابس أخرى وتحتها ملابس ولا تسلم من غوائل البرد لوجود معارض، فالاعتماد عليها لا شك أنه قدح في الشرع لأن الواقي هو الله      -سبحانه وتعالى- وقد امتن الله سبحانه وتعالى بالسرابيل التي تقي الحر والبرد وأمر بالدواء فقال -عليه الصلاة والسلام- «تداووا عباد الله ولا تتداووا بحرام» ولكنه مدح من ترك الكي والاسترقاء في حديث السبعين الألف الذي يدخلون الجنة بغير حساب مدح من ترك السبب هنا وأمر بفعل السبب «تداووا» ما الملحوظ هنا؟

يعني بالنسبة لمدحه لهم -عليه الصلاة والسلام-؟

بلا شك نعم سبعون ألفًا يدخلون الجنة من غير حساب هم الذين..

لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون.

إذا وُجد تمام التوكل مع عدم التذمر والتسخط لا شك أن ترك مثل هذه الأمور المنصوص عليها في هذا الحديث أكمل، لكن قد يترك الكي، يترك الرقية، يترك طلب الرقية، ثم بعد ذلك كل من جاءه ودخل عليه يشتكي إليه ويتذمر.

يتذمر.

ويقول: أنا تركت الكي، أنا أفعل، أنا أترك، أنا ما أسترقي، أنا متوكل، أنا معتمد على الله، لا يا أخي نقول لمثل هذا استرق واكتو وافعل الأسباب؛ لأن ما ترتكبه أعظم من تركك للسبب، عِمران بن حصين- رضي الله عنه وأرضاه- كان تسلم عليه الملائكة في مرضه- وهذا في الصحيح- ثم لما اكتوى بعد ذلك انقطع التسليم، ثم ندم بعد ذلك فعاد التسليم، فمثل هذه المسائل من المضايق، بعض الناس يؤمر بالدواء لما يعرف من حاله أنه لا يحتمل الصبر على الألم، وبعض الناس يقال له مثلك وفي مقامك اللائق بحقهم حديث السبعين، وشاهدنا من خيار علماء هذه الأمة من لا يسترقون إذا مرضوا لكنهم لا يمنعون من يرقيهم بل بعضهم يتصرف بعض التصرفات مما يدل على أنه يطلب الرقية لكن بأسلوب من غير تصريح .

لا يصرح.

نعم فإذا دخل عليه أحد فتح الأزرار أنه ييريد العافية يريد الشفاء،  ومع ذلك يريد أن يدخل في حديث السبعين، على كل حال بالنسبة للعلاج جاء الأمر به «تداووا» والخلاف بين أهل العلم في الأفضل بين فعله وتركه، إلا أن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يقول: لا أعلم سالفًا أوجب العلاج، وهذه المسألة تحتاج إلى بسط طويل؛ لأنها من المضايق، والنصوص فيها كما ترى وهي واضحة -ولله الحمد- ليس فيها تعارض ولا تضاد، لكن الناس منازل، بعض الناس الأفضل في حقه أن يتداوى وبعض الناس الأفضل في حقه أن يتوكل.

أحسن الله إليك سنتعرض للمِغفر في حلقة قادمة.

نعم المغفر.

لأن بعض النقاط فيما يتعلق مثلاً بالسيف كنا تحدثنا عن نعل السيف وقبيعة السيف وهنا أيضًا صفة الدرع نرجئها للحلقة القادمة لنجمع هذه القضايا في مسألة تسلحه -عليه الصلاة والسلام-.

لا بأس.

 

بهذا نصل وإياكم مستمعي الكرام في ختام هذه الحلقة لقاؤنا في الحلقة القادمة بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

"