التعليق على تفسير القرطبي - سورة الأحزاب (08)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلّ الله وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالي-: "قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا}.  

فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} عَلَى أَقْوَالٍ سَبْعَة: الْأُوَلىُ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالسُّنَّةِ، وَالنَّاسِخُ لَهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-".

الأول؛ لأن المراد من الأقوال لا من المسائل.

 "الْأُوَلُ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالسُّنَّةِ، وَالنَّاسِخُ لَهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الثَّانِي: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةٍ أُخْرَى، رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:» لَمْ يَمُتْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ شَاءَ، إِلَّا ذَاتَ مَحْرَمٍ»، وَذَلِكَ قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلّ-:َ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ}.  قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَوْلَى مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ، وَهُوَ وَقَوْلُ عَائِشَةَ وَاحِدٌ فِي النَّسْخِ".

القولان: الأول والثاني مؤداهما واحد، وأن الآية منسوخة، لكن الأول على أنها منسوخة بالسنة، والثانية على أنها منسوخة بالقرآن، ونسخ القرآن بالسنة مسألة خلافية بين أهل العلم، وأكثر أهل العلم لا يجيزها، {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة:106]، فلا بد أن يكون الناسخ مساويًا للمنسوخ في القوة، وهذا قول أكثر أهل العلم، ويرى جمع من أهل التحقيق أنه لا مانع أن ينسخ القرآن بالسنة؛ لأنه كله وحي من الله -جل وعلا- ولا ضير ولا محظور أن يُنسَخ كلام الله بكلام النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي هو في الحقيقة من الله، ولذا يختلفون في حديث عبادة بن الصامت: »خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة وتغريب عام»، منهم من يقول: إن الحديث ناسخ لآية النساء، ومنهم من يقول: إنه مبين، فالذين يرون النسخ يقول الناسخ لأن الذي في الآية الحبس، وليس فيه جلد ولا رجم، والحديث تضمَّن رفع ذلك الحكم الذي هو مجرد الحبس إلى الجلد بالنسبة للبكر، والرجم بالنسبة للثيب، وهذه حقيقة النسخ رفع الحكم الشرعي بحكم شرعي آخر متراخٍ عنه.

 والذي يقول: هذا ليس بناسخ، إنما هو بيان، قالوا: إن الحكم موجود في الآية مشار إليه إلا أنه موقوت بوقت معين لم يحِن {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}[النساء:15]، وهذا ليس بنسخ، وإنما هو بيانٌ لهذا الإجمال، بيانٌ لهذا الإجمال.

 وعلى كل حال قول أكثر أهل العلم على عدم النسخ، نسخ القرآن بالسنة، وجمع من أهل التحقيق والتحرير يرون أنه لا مانع، والكل من الله -جل وعلا-.

 "وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ أَرَادَتْ أُحِلَّ لَهُ ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ. وَهُوَ مَعَ هَذَا قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَالضَّحَّاك، وَقَدْ عَارَضَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْكُوفِيِّينَ فَقَالَ: مُحَالٌ أَنْ تَنْسِخَ هَذِهِ الْآيَةُ، يَعْنِي { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} { لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ}  وَهِيَ قَبْلَهَا فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ".

 هذا تقدم الكلام فيه في آيتي العدة عدة المتوفى عنها، التربُّص للحول منسوخ بالتربص أربعة عشرًا وعشرة، وإن كانت قبلها في الترتيب، وبعدها في التنزيل.

"وَرَجَّحَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: نُسِخَتْ بِالسُّنَّة. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذِهِ الْمُعَارَضَةُ لَا تَلْزَمُ، وَقَائِلُهَا غَالِطٌ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ بِمَنْزِلَةِ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ، كَمَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَيُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ اعْتِرَاضَ هَذَا الْمُعْتَرِضَ لَا يَلْزَمُ أَنَّ قَوْلَهُ -عَزَّ وَجَلّ-: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}  مَنْسُوخَةٌ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ خِلَافًا بِالْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}.

 الثَّالِثُ: أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- حُظِرَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى نِسَائِهِ؛ لِأَنَّهُنَّ اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْقَوْلُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا ثُمَّ نُسِخ". 
يعني دون قول النحاس هو القول الثالث، القول الثالث: إنه لم ينسخ، يعني لو أدرجنا معه قول النحاس لقلنا: إنه داخل في القولين السابقين.

"الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ بَعْدَهُ حُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهُنَّ، قَالَهُ أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ". 
وهذا هو القول الثالث إلا أن العلة في المنع اختلفت، العلة اختلفت، الأول لأنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، وعلة القول الذي يليه لما حَرُم عليه أن يتزوجن بعده، حرم عليه أن يتزوج غيرهم. 

"الْخَامِسُ: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} أَيْ مِنْ بَعْدِ الْأَصْنَافِ الَّتِي سُمِّيَتْ، قَالَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَعِكْرِمَةُ وَأَبُو رَزِينٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِبَاحَةَ كَانَتْ لَهُ مُطْلَقَةً قَالَ هُنَا: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ}  مَعْنَاهُ لَا تَحِلُّ لَكَ الْيَهُودِيَّاتُ وَلَا النَّصْرَانِيَّاتُ. وَهَذَا تَأْوِيلٌ فِيهِ بُعْدٌ".

لأنه لم يجرِ لهن ذكر، فيه بعد؛ لأنه لم يجرِ لهن ذكر تقدم ذكرهن، لا أحيل على هذا المذكور، لكن لما لم يجرِ لهن ذكر لا تصح الإحالة عليه. 
"وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ أَيْضًا. وَهُوَ الْقَوْلُ السَّادِسُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: لِئَلَّا تَكُونَ كَافِرَةٌ أُمًّا لِلْمُؤْمِنِينَ. وَهَذَا الْقَوْلُ يَبْعُدُ؛ لِأَنَّهُ يُقَدِّرُهُ: مِنْ بَعْدِ الْمُسْلِمَاتِ، وَلَمْ يَجْرِ لِلْمُسْلِمَاتِ ذِكْرٌ. وَكَذَلِكَ قُدِّرَ { وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنّ} أَيْ وَلَا أَنْ تُطَلِّقَ مُسْلِمَةً لِتَسْتَبْدِلَ بِهَا كِتَابِيَّة.

 السَّابِعُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ لَهُ حَلَالٌ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ. قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ -صلى الله عليه وعليهم وسلم-، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ.

 الثَّانِيَةُ:  قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ}  قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هَذَا شَيْءٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: خُذْ زَوْجَتِي، وَأَعْطِنِي زَوْجَتَكَ.

رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: »كَانَ الْبَدَلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: انْزِلْ لِي عَنِ امْرَأَتِكَ، وَأَنْزِلُ لَكَ عَنِ امْرَأَتِي وَأَزِيدُكَ»".

يعني كالسلع، كالسلع، وهكذا كان أهل الجاهلية يعاملون نساءهم، حتى إنهم كانوا يرثون النساء. يرثونها.

"فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- {وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} قَالَ: فَدَخَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ، فَدَخَلَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: »يَا عُيَيْنَة،ُ فَأَيْنَ الِاسْتِئْذَانُ»؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا اسْتَأْذَنْتُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ مُضَرٍ مُنْذُ أَدْرَكْتُ".

وهذا لجهله يظن أن هذا هو الكمال أنه لا يستأذن. والله المستعان.

" قَالَ: مَنْ هَذِهِ الْحُمَيْرَاءُ إِلَى جَنْبِكَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: »هَذِهِ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: أَفَلَا أَنْزِلُ لَكَ عَنْ أَحْسَنِ الْخَلْقِ. فَقَالَ: يَا عُيَيْنَة، إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَحْمَقُ مُطَاعٌ، وَإِنَّهُ عَلَى مَا تَرَيْنَ لَسَيِّدُ قَوْمِهِ»". 

ابن القيم في المنار المنيف يقرِّر أن كل حديث ورد فيه لفظ الحميراء فليس بصحيح، كل حديث ورد فيه هذا اللفظ ليس بصحيح، مع أنه جاء في سنن النسائي حديث تعدّد طرقه يدل على أنه له أصل.

"وَقَدْ أَنْكَرَ الطَّبَرِيُّ وَالنَّحَّاسُ وَغَيْرُهُمَا مَا حَكَاهُ ابْنُ زَيْدٍ عَنِ الْعَرَبِ، مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ تُبَادِلُ بِأَزْوَاجِهَا. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَمَا فَعَلَتِ الْعَرَبُ قَطُّ هَذَا. وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ مِنْ أَنَّهُ »دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ» الْحَدِيثَ، فَلَيْسَ بِتَبْدِيلٍ، وَلَا أَرَادَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا احْتَقَرَ عَائِشَةَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَبِيَّةً، فَقَالَ هَذَا الْقَوْلَ". 
هذا من باب التنازل، يعني كما فعل الأنصار مع المهاجرين، الأنصار مع المهاجرين فعلوا هذا التنازل، تنازل الأنصاري عن زوجته للمهاجر، وعلى كل حال الخبر ضعيف، الذي معنا ضعيف.

"قُلْتُ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَنَّ الْبَدَلَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا أُنْكِرَ مِنْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُبَرِّدُ:  وَقُرِئَ لَا يَحِلُّ بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ. فَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ فَعَلَى مَعْنَى جَمَاعَةِ النِّسَاءِ، وَبِالْيَاءِ مِنْ تَحْتٍ عَلَى مَعْنَى جَمِيعِ النِّسَاءِ. وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ قَالَ: اجْتَمَعَتِ الْقُرَّاءُ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْيَاءِ، وَهَذَا غَلَطٌ، وَكَيْفَ يُقَالُ: اجْتَمَعَتِ الْقُرَّاءُ، وَقَدْ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِالتَّاءِ بِلَا اخْتِلَافٍ عَنْهُ؟

 الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنّ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْس، أَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ مَاتَ عَنْهَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حُسْنُهَا، فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ، وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ".

تزوجها أبو بكر بعد جعفر، ثم بعد أبي بكر تزوَّجها علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم جميعًا-.

"الرَّابِعَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إِلَى مَنْ يُرِيدُ زَوَاجَهَا. وَقَدْ أَرَادَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ زَوَاجَ امْرَأَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-".

وجه الاستدلال من الآية في قوله: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنّ} وأنه لا يتم مثل هذا الإعجاب إلا بعد النظر.

"فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا. وَقَالَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِآخَرَ: » انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا»، أَخْرَجَهُ الصَّحِيحُ. قَال َالْحُمَيْدِيُّ وَأَبُو الْفَرَجِ الْجَوْزِيّ: يَعْنِي صَفْرَاءَ أَوْ زَرْقَاءَ. وَقِيلَ: رَمْصَاءَ.

 الْخَامِسَةُ: الْأَمْرُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ الْإِرْشَادِ إِلَى الْمَصْلَحَةِ".

هذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- لجابر لما أراد أن يتزوج قال: » انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا»، وكان جابر يتخبّأ لها، كان يتخبّأ لها، وهذا دليل على أن الحجاب مفروض؛ لأنه لا يمكن أن تُرى المرأة إلا على غرة منها أو اتفاق مع ولي أمرها عند إرادة الخطبة.

 "الْخَامِسَةُ: الْأَمْرُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ الْإِرْشَادِ إِلَى الْمَصْلَحَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا فَلَعَلَّهُ يَرَى مِنْهَا مَا يُرَغِّبُهُ فِي نِكَاحِهَا. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى جِهَةِ الْإِرْشَادِ".

يعني لا على جهة الوجوب واللزوم.

"مَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ» : إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ». فَقَوْلُهُ: فَإِنِ اسْتَطَاعَ فَلْيَفْعَلْ لَا يُقَالُ مِثْلُهُ فِي الْوَاجِبِ".

ولذا لا يأثم من خُطبت ابنته ورفض النظر، نعم السنة أن ينظر، وجاء الأمر بذلك، لكنه أمر إرشاد، وبعض المجتمعات والأعراف تمنع من مثل هذا، وبعض الآباء يأنفون أن تُرى محارمهم من قِبَل رجل أجنبي لا يُدرى أيقدم أم يحجم، وبعض الناس أيضًا ليس بأهل أن يُمكَّن بمثل هذا النظر؛ لأنه عُرف عنه القيل والقال، والتحدّث في المجالس، فمثل هذا يجعل بعض أولياء الأمور يتردد في مسألة النظر، وقد يرفض، ومع ذلك فهو غير آثم؛ لأن الأمر أمر استحباب، أمر استحباب.

 وبعضهم يرى أنه أمر إباحة، أمر إباحة؛ لأنه بعد حظر، والأمر بعد الحظر إنما هو للإباحة، ولا أحد يقول بأنه واجب.

 على كل حال السنة أن يرى، فإنه أحرى أن يؤدم بينهما، ويرى ما يدعو إلى نكاحها، لكن ليس كل إنسان يُرى، ليس كل إنسان يُمكَّن من الرؤية؛ لأنه فيه أناس ليس بأهل لذلك؛ لأنه صاحب كلام، وقيل وقال، رأيت بنت فلان وفيها كذا، ورأيت بنت فلان وفيها كذا إلى آخره، فمثل هذا لو أنه مُنع من الرؤية لكان هو الأصل؛ لأن المفسدة مقدمة على المصلحة، ويبقى أن السنة التمكين من الرؤية في الجملة.

"وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ. وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ قَوْمٌ لَا مُبَالَاةَ بِقَوْلِهِمْ؛ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ}. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ:  رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ يُطَارِدُ ثُبَيْتَةَ بِنْتَ الضَّحَّاكِ عَلَى إِجَّارٍ مِنْ أَجَاجِيرِ الْمَدِينَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَتَفْعَلُ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ! قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: »إِذَا أَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ أَحَدِكُمْ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا». الْإِجَّار: السَّطْحُ، بِلُغَةِ أَهْلِ الشَّامِ وَالْحِجَازِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَجَمْعُ الْإِجَّارِ أَجَاجِيرُ وَأَجَاجِرَةٌ". 
مسألة المطاردة ليست بالأبدان كما هو معلوم؛ لأن كل قوم لهم سطح، فهذا في سطحه، وتلك بسطحها، إنما هي مطاردة ومسارقة بالنظر.
"السَّادِسَةُ: اخْتُلِفَ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا، فَقَالَ مَالِكٌ: يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا، وَلَا يَنْظُرُ إِلَّا بِإِذْنِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: بِإِذْنِهَا وَبِغَيْرِ إِذْنِهَا إِذَا كَانَتْ مُسْتَتِرَةً".

 يعني لا ينظر إليها على غرة بحيث يرى منها ما لا يجوز النظر إليه، إنما له أن ينظر إليها إذا كانت مستترة، وله أن يتخبّأ لها كما كان يفعل جابر -رضي الله عنه-.

"وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَيَجْتَهِدُ، وَيَنْظُرُ مَوَاضِعَ اللَّحْمِ مِنْهَا".

وهذا لما كان اللحم مرغوبًا فيه عند العرب أما الآن فقد تغيرت الأوضاع.

طالب:.......................

مَن هو؟

طالب:.......................

نعم.

طالب: .....................

لا، هو ينظر النظر الذي يحقِّق المصلحة ولا يزد على ذلك، يعني بحيث يؤدي الغرض، فإن ترجَّح عنده الإقدام أقدم، وإلا أحجب، وكأن شيئًا ما صار.

 "قَالَ دَاوُدُ: يَنْظُرُ إِلَى سَائِرِ جَسَدِهَا، تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ".

يعني كما ولدت، وهذا القول ليس بشيء.

 "وَأُصُولُ الشَّرِيعَةِ تَرُدُّ عَلَيْهِ فِي تَحْرِيمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

السَّابِعَة : قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إِحْلَالِ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى قَوْلَيْنِ: تَحِلُّ لِعُمُومِ قَوْلِ: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ}، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ. قَالُوا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} أَيْ لَا تَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمَاتِ، فَأَمَّا الْيَهُودِيَّاتُ وَالنَّصْرَانِيَّاتُ وَالْمُشْرِكَاتُ فَحَرَامٌ عَلَيْكَ، أَيْ لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَتَزَوَّجَ كَافِرَةً فَتَكُونُ أُمًّا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهَا، {إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ}، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا".

لأنها لن يقال لها: أم المؤمنين، ولو حلت له، على هذا القول.

 "الْقَوْلُ الثَّانِي: لَا تَحِلُّ؛ تَنْزِيهًا لِقَدْرِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْكَافِرَةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِر} ِ[الممتحنة:10]، فَكَيْفَ بِهِ -صلى الله عليه وسلم-. وَ (مَا) فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ}  فِي مَوْضِعِ رَفْعِ بَدَلٍ مِنَ (النِّسَاءِ). وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى اسْتِثْنَاءٍ، وَفِيهِ ضَعْفٌ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، وَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا مِلْكَ يَمِينِكَ، وَ(مِلْكَ) بِمَعْنَى مَمْلُوكٍ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ".

نعم يأتي المصدر ويراد به المفعول، مثل الحمل يراد به المحمول.

" وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ الْأَوَّل".  

يعني استثناء منقطع.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا}.

 فِيهِ سِتَّ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: 

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} (أَنْ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى مَعْنَى: إِلَّا بِأَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ".

يعني على نزع الخافض.

"وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ لَيْسَ مِنَ الْأَوَّلِ. {إلى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ} نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، أَيْ لَا تَدْخُلُوا فِي هَذِهِ الْحَالِ. وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْخَفْضِ عَلَى النَّعْتِ لِلطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَعْتًا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إِظْهَارِ الْفَاعِلِينَ، وَكَانَ يَقُولُ: غَيْرُ نَاظِرِينَ إِنَاهُ أَنْتُمْ. وَنَظِيرُ هَذَا مِنَ النَّحْوِ: هَذَا رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ مُلَازِمٌ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: هَذَا رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ مُلَازِمٍ لَهُ هُوَ".

نعم، ليتبين الفاعل الملازم من الملزوم، والمراد بالمنصوب على الحال (غير) إلى طعام غير حال كونكم غير ناظرين إليه.

"وَهَذِهِ الْآيَةُ تَضَمَّنَتْ قِصَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: الْأَدَبُ فِي أَمْرِ الطَّعَامِ وَالْجُلُوسِ.

وَالثَّانِيَةُ: أَمْر الْحِجَابِ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الثُّقَلَاءِ. فَأَمَّا الْقِصَّةُ الْأُولَى فَالْجُمْهُورُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ: سَبَبَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا تَزَوَّجَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ امْرَأَةَ زَيْدٍ أَوْلَمَ عَلَيْهَا، فَدَعَا النَّاسَ، فَلَمَّا طَعِمُوا جَلَسَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ يَتَحَدَّثُونَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَزَوْجَتُهُ مُوَلِّيَةً وَجْهَهَا إِلَى الْحَائِطِ، فَثَقُلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ أَنَسٌ: فَمَا أَدْرِي أَأَنَا أَخْبَرْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ خَرَجُوا أَوْ أَخْبَرَنِي. قَالَ: فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ مَعَهُ فَأَلْقَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَنَزَلَ الْحِجَابُ. قَالَ: وَوُعِظَ الْقَوْمُ بِمَا وُعِظُوا بِهِ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ}  إِلَى قَوْلِهِ {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} أَخْرَجَهُ الصَّحِيحُ".

وهذا فيه توجيه إلى عدم إطالة الجلوس لا قبل تقديم الطعام ولا بعده، يعني لا تنتظر نضوج الطعام فتأتي قبل أن ينضج، ولا تجلس بعده {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا}، والظاهرية يوجبون الانتشار بعد الطعام، لكن إذا كان هذا لا يثقل على صاحب الدعوة، فضلًا عن كونه يرغب في البقاء، إذا كان يرغب في البقاء فلا إشكال؛ لأن الأمر إليه، وإن كان لا يُثقل عليه فالإباحة، وإلا إذا كان يثقل عليه ويتضرر به فبعض الناس ما ينتهي، ويطيل الجلوس إطالة فاحشة بحيث يتضرر صاحب البيت وأهل الدار، ويُحرَمون من والدهم، وتُحرم الزوجة من زوجها، ويترتب على ذلك أضرار من الغد إذا كان لديه عمل أو دوام أو ما أشبه ذلك، كل هذا يجب أن يُراعَى في مثل هذه الأمور.

طالب:.......................

ماذا فيه؟

طالب:.......................

لأنه قال: ونزل الحجاب، أما قبل ذلك قال: وزوجته مولية وجهها إلى الحائط، تدري كيف بيوتهم؟ بيوتهم البيت غرفة واحدة، فإذا جاء الضيف فلا بد أن تنزوي في زاوية، وتجعل ظهرها إلى الرجال، يعني ما وُسِّع عليهم.

طالب:..............................

ما يلزم أن يكون الحجاب مضروبًا وجه الحائط لا؛ لأن مجرد نظر المرأة إلى الرجال ونظر الرجال إلى النساء هذا تأباه النفوس العفيفة ولو لم يُفرض الحجاب.

" وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ فِي كِتَابِ الثَّعْلَبِيِّ: إِنَّ هَذَا السَّبَبَ جَرَى فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ. وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ، كَمَا رَوَاهُ الصَّحِيحُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يَتَحَيَّنُونَ طَعَامَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَيَدْخُلُونَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ الطَّعَامَ، فَيَقْعُدُونَ إِلَى أَنْ يُدْرِكَ، ثُمَّ يَأْكُلُونَ وَلَا يَخْرُجُونَ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ: هَذَا أَدَبٌ أَدَّبَ اللَّهُ بِهِ الثُّقَلَاءَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَائِشَةَ فِي كِتَابِ الثَّعْلَبِيِّ: حَسْبُكَ مِنَ الثُّقَلَاءِ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَحْتَمِلْهُمْ. وَأَمَّا قِصَّةُ الْحِجَابِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٌ: سَبَبُهَا أَمْرُ الْقُعُودِ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ، الْقِصَّةُ الْمَذْكُورَةُ آنِفًا. وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- وَجَمَاعَةٌ: سَبَبُهَا أَنَّ عُمَرَ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ نِسَاءَكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَنَزَلَتِ الْآيَة وَرَوَى الصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عُمَر َقَال:َ قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِي الْحِجَابِ، وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ. هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي أَمْرِ الْحِجَابِ".

موافقات عمر أوصلها بعضهم إلى العشرين، وفيها منظومة معروفة، لكن هذا الذي في الصحيح هذه الثلاث.

 "وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالرِّوَايَاتِ فَوَاهِيَةٌ، لَا يَقُومُ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى سَاقٍ، وَأَضْعَفُهَا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: » أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ نِسَاءَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِالْحِجَابِ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّكَ تَغَارُ عَلَيْنَا وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ فِي بُيُوتِنَا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْحِجَابَ نَزَلَ يَوْمَ الْبِنَاءِ بِزَيْنَبَ، كَمَا بَيَّنَّاهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ. »وَقِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَطْعَمُ وَمَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَأَصَابَ يَدُ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَ عَائِشَة، فَكَرِهَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-»، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ :وَكَانَتْ سِيرَةُ الْقَوْمِ إِذَا كَانَ لَهُمْ طَعَامُ وَلِيمَةٍ أَوْ نَحْوُهُ أَنْ يُبَكِّرَ مَنْ شَاءَ إِلَى الدَّعْوَةِ يَنْتَظِرُونَ طَبْخَ الطَّعَامِ وَنُضْجَهُ. وَكَذَلِكَ إِذَا فَرَغُوا مِنْهُ جَلَسُوا كَذَلِكَ، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَمْثَالِ ذَلِكَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَدَخَلَ فِي النَّهْيِ سَائِرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْتَزَمَ النَّاسُ أَدَبَ اللَّهِ –تَعَالَى- لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَمَنَعَهُمْ مِنَ الدُّخُولِ إِلَّا بِإِذْنٍ عِنْدَ الْأَكْلِ، لَا قَبْلَهُ لِانْتِظَارِ نُضْجِ الطَّعَامِ.

 الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {بُيُوتَ النَّبِيِّ}  دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَيْتَ لِلرَّجُلِ، وَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ –تَعَالَى- أَضَافَهُ إِلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}  قُلْنَا: إِضَافَةُ الْبُيُوتِ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- إِضَافَةُ مِلْكٍ، وَإِضَافَةُ الْبُيُوتِ إِلَى الْأَزْوَاجِ إِضَافَةُ مَحَلٍّ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَ فِيهَا الْإِذْنَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَالْإِذْنُ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْمَالِكِ. الثَّالِثَةُ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي بُيُوتِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-".
الإضافة كما تكون للملك تكون لغيره، بل قد تكون لأدنى ملابسة، لأدنى ملابسة هناك إضافة اختصاص، كما جاء في معاني اللام:

 اللام للملك وشبهه

 المال لزيد، والجُل للفرس، والمسجد لبني عمرو بن عوف، وهكذا، فاللام لا تقتضي الملك، والإضافة لا يلزم منها أن تكون الصلة من القوة بحيث يُعرف الشيء بذلك، »لأنتن صواحب يوسف«، أمهات المؤمنين صواحب يوسف؟ يعني لأدنى  ملابسة؛ لأنه حصل منهن أن أبدين شيئًا ليس هو السبب الحقيقي، فأشبهن صواحب يوسف في هذا.

 والإذن إنما يكون للمالك، إنما يكون للمالك، عند الحنابلة والشافعية أن الصبي المميز يملك الإذن، لكن يملك الإذن المنضوي تحت أصل، الإذن المنضوي تحت أصل. ما يطرق الباب شخص في غير وقت زيارة ثم يأذن له صبي، لا، لكن يعرف هذا الصبي أن أباه عنده وليمة مثلاً، فإذا طُرق الباب خرج الصبي وقال: تفضل، يملك لأن هذا الإذن تحت أصل، وهو الإذن العام من الأب، أما أن يأتي شخص في غير وقت دعوة، ولم يسبق من الأب أنه دعا أحدًا في هذا الوقت، ثم يأتي الصبي فيأذن، هذا لا يملكه لا صبي ولا غير صبي.

"الثَّالِثَةُ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي بُيُوتِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ كَانَ يَسْكُنُ فِيهَا أَهْلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، هَلْ هِيَ مِلْكٌ لَهُنَّ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَانَتْ مِلْكًا لَهُنَّ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُنَّ سَكَنَّ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى وَفَاتِهِنَّ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهَبَ ذَلِكَ لَهُنَّ فِي حَيَاتِهِ. الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ إِسْكَانًا، كَمَا يُسْكِنُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ هِبَةً، وَتَمَادَى سُكْنَاهُنَّ بِهَا إِلَى الْمَوْتِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَئُونَتِهِنَّ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَثْنَاهَا لَهُنَّ، كَمَا اسْتَثْنَى لَهُنَّ نَفَقَاتَهُنَّ حِينَ قَالَ: » لَا تَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ أَهْلِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» هَكَذَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ.

 قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَسَاكِنَهُنَّ لَمْ يَرِثْهَا عَنْهُنَّ وَرَثَتُهُنَّ. قَالُوا: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُنَّ كَانَ لَا شَكَ قَدْ وَرِثَهُ عَنْهُنَّ وَرَثَتُهُنَّ.

 قَالُوا: وَفِي تَرْكِ وَرَثَتِهِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهُنَّ مِلْكًا. وَإِنَّمَا كَانَ لَهُنَّ سَكَنٌ حَيَاتَهُنَّ، فَلَمَّا تُوُفِّينَ جُعِلَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ نَفْعُهُ، كَمَا جُعِلَ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ لَهُنَّ مِنَ النَّفَقَاتِ فِي تَرِكَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا مَضَيْنَ لِسَبِيلِهِنَّ، فَزِيدَ إِلَى أَصْلِ الْمَالِ، فَصُرِفَ فِي مَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا يَعُمُّ جَمِيعَهُمْ نَفْعُهُ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أَيْ غَيْرَ مُنْتَظِرِينَ وَقْتَ نُضْجِهِ. وَ{إِنَاهُ} مَقْصُورٌ، وَفِيهِ لُغَاتٌ: (إِنَى) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: 

وَكِسْرَى إِذْ تَقَسَّمَهُ بَنُوهُ بِأَسْيَافٍ كَمَا اقْتُسِمَ اللِّحَامُ
  

تَمَخَّضَتِ الْمَنُونُ لَهُ بِيَوْمٍ أَنَى وَلِكُلِ حَامِلَةٍ تَمَامُ
 

وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} مَجْرُورًا صِفَةً لِ (طَعَام). قال الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ، لِأَنَّهُ جَرَى عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ، فَمِنْ حَقِّ ضَمِيرِ مَا هُوَ لَهُ أَنْ يَبْرُزَ إِلَى اللَّفْظِ، فَيُقَالُ: غَيْرُ نَاظِرِينَ إِنَاهُ أَنْتُمْ".

كما تقدم في ملازم له هو.

"كَقَوْلِكَ: هِنْدٌ زَيْدٌ ضَارِبَتُهُ هِيَ. وَأَنَى (بِفَتْحِهَا)، وَأَنَاءَ (بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمَدُّ) قَالَ الْحُطَيْئَةُ: 

وَأَخَّرْتُ الْعَشَاءَ إِلَى سُهَيْلٍ
 

أَوِ الشِّعْرَى فَطَالَ بِيَ الْأَنَاءُ"
  

وأخرتْ

وأخرتْ؟

لعل وأخرتْ العشاء

"وَأَخَّرْتْ الْعَشَاءَ إِلَى سُهَيْلٍ
 

أَوِ الشِّعْرَى فَطَالَ بِيَ الْأَنَاءُ
  

يَعْنِي إِلَى طُلُوعِ سُهَيْلٍ. وَإِنَاهُ مَصْدَرُ أَنَى الشَّيْءَ يَأْنِي إِذَا فَرَغَ وَحَانَ وَأَدْرَكَ.

الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى".

يعني بلغ غايته {حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن:44]، بلغ غايته في الحرارة، وهذا بلغ غايته في النضج وهكذا.

"الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} فَأَكَّدَ الْمَنْعَ، وَخَصَّ وَقْتَ الدُّخُولِ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْإِذْنِ عَلَى جِهَةِ الْأَدَبِ، وَحِفْظِ الْحَضْرَةِ الْكَرِيمَةِ مِنَ الْمُبَاسَطَةِ الْمَكْرُوهَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ وَأُذِنَ لَكُمْ فِي الدُّخُولِ فَادْخُلُوا، وَإِلَّا فَنَفْسُ الدَّعْوَةِ لَا تَكُونُ إِذْنًا كَافِيًا فِي الدُّخُولِ. وَالْفَاءُ فِي جَوَابِ إِذَا؛ لَازِمَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمُجَازَاةِ".

نعم، هي شرطية.

الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} أَمَرَ تَعَالَى بَعْدَ الْإِطْعَامِ بِأَنْ يَتَفَرَّقَ جَمِيعُهُمْ وَيَنْتَشِرُوا. وَالْمُرَادُ إِلْزَامُ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَنْزِلِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْأَكْلِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الدُّخُولَ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا جَازَ لِأَجْلِ الْأَكْلِ، فَإِذَا انْقَضَى الْأَكْلُ زَالَ السَّبَبُ الْمُبِيحُ، وَعَادَ التَّحْرِيمُ إِلَى أَصْلِهِ.

السَّادسة: فِي هَذِهِ الْآيَة". 
لكنه بالإذن الأصلي يملك، أو يحق له أن يبقى بالإذن الأصلي ما لم يثقل على صاحب المنزل، فإذا أثقل عليه اتَّجه قوله: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا}.

يعني مثل زيارة المريض الأصل أنها تُخفَّف بقدر الإمكان؛ لئلا يضيق عليه فيضجر ويمل، إلا إذا كان يعرف من صاحبه أنه يؤنسه، فإنه حينئذٍ لو أطال المقام فلا بأس به، قد يُطلب منه إذا كان مما يؤنسه بقاؤه فيكون مما يُدخل السرور على أخيه المسلم.
"فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الضَّيْفَ يَأْكُلُ عَلَى مِلْكِ الْمُضِيفِ لَا عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا}  فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَكْثَرَ مِنَ الْأَكْلِ، وَلَا أَضَافَ إِلَيْهِ سِوَاهُ، وَبَقِيَ الْمِلْكُ عَلَى أَصْلِه". 

نعم، الملك لصاحب، لصاحب البيت لا يرتفع عنه ملكه إذا قدمه للضيف، فلو أن شخصًا نزل ضيفًا على آخر، فقدم له طعامًا يكفي خمسة، عشرة، كما هو الشأن في حال السعة فقال: أنا لا أريد أن آكل هنا، وأريد أن أكله في بيتي، وأخذ الإناء بما فيه من طعام، وذهب به إلى بيته وأكل هو وأولاده، بناءً على أنه قُدم له فيملكه!، لا، ما تملك إلا شبع بطنك والباقي لأهل البيت، فإذا طعمت فانتشر لا تبقى.  
"السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ}".

هذا إذا كانت دعوة، هذا إذا كانت دعوة، وأما إذا كانت في محل بالقيمة كالمطاعم مثلًا فله أن يأخذ ما بقي، وإن جرت عادة الناس وعرفهم على أنهم يُترك للزبائن وغيرها، لكن له أن يأخذه سواءٌ ذهب به لأولاده، أو ذهب به إلى من يأكله من هو مستحقٌّ لذلك، ولا شك أن مثل هذا خير من أن يترك في المطعم. خير من أن يترك في المطعم. لأنه لا يُؤكل إما أن يترك في الزبائل أو يُغش به زبون ثانٍ بناءً على أنه طعام نظيف ما قُدِّم لأحد. والنفوس تأنف أن تأخذ شيئًا مما بقي، وإن كان هذا هو الأصل.

"السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} عَطْفٌ عَلَى قَوْلِه: ِ{غَيْرَ نَاظِرِين} وَ(غَيْرَ) مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي (لَكُمْ) أَيْ غَيْرَ نَاظِرِينَ وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ، وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ: لَا تَمْكُثُوا مُسْتَأْنِسِينَ بِالْحَدِيثِ كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي وَلِيمَةِ زَيْنَبَ.

{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} أَيْ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ بَيَانِهِ وَإِظْهَارِهِ. وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ يَقَعُ مِنَ الْبَشَرِ لِعِلَّةِ الِاسْتِحْيَاءِ نُفِيَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِذَلِكَ فِي الْبَشَرِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:  »جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ»".

 صفة الحياء بالنسبة للمخلوق، الحياء لا يأتي إلا بخير والله -جل وعلا- لا يستحي من الحق، والله -جل وعلا- حَييٌ كريم، وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه، فهذه تُطلق هذه الصفة على الله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، يعني إذا كان الحياء تغيرًا وانكسارًا يصيب الإنسان يمنعه فإن مثل هذا لا يقال في جناب الله -جل وعلا-، هذا اللائق بالمخلوق، أما الحياء الذي يليق بجلال الله وعظمته فهو ثابت له.

"الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى".

 يُسمع كثيرًا من بعض الناس، بل سُمع من طلبة العلم لا حياء في الدين، إن كان المراد لا حياء في السؤال عما يُشكل في الدين فهذا في حديث أم سلمة: إن الله لا يستحي من الحق. وأم سليم سألت عن شيء الأصل أن يُستحيا منه، لكنه لما كان في أمر من أمور الدين صار لا حياء فيه، وإن كان المراد نفي الحياء عن الدين بالكلية فخلق ديننا الحياء.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا} رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: » وَافَقْتُ رَبِّي فِي أَرْبَعٍ» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ:» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، لَوْ ضَرَبْتَ عَلَى نِسَائِكَ الْحِجَابَ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَتَاعِ، فَقِيلَ: مَا يُتَمَتَّعُ بِهِ مِنَ الْعَوَارِيِّ".

العواري يعني ما يُستعار ويستفاد منه ويعاد.

 "وَقِيلَ: فَتْوَى. وَقِيلَ: صُحُفُ الْقُرْآنِ. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُطْلَبَ مِنَ الْمَوَاعِينِ وَسَائِرِ الْمَرَافِقِ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا".

وجاء الذم لمن يمنع الماعون، فهذه التي تستعار ويستفيد المسلمون منها بعضهم من بعض، هذه يُذم من منعها.

"التَّاسِعَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ فِي مَسْأَلَتِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فِي حَاجَةٍ تَعْرِضُ، أَوْ مَسْأَلَةٍ يُسْتَفْتَيْنَ فِيهَا، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ النِّسَاءِ بِالْمَعْنَى، وَبِمَا تَضَمَّنَتْهُ أُصُولُ الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ كُلُّهَا عَوْرَةٌ، بَدَنُهَا وَصَوْتُهَا، كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَا يَجُوزُ كَشْفُ ذَلِكَ إِلَّا لِحَاجَةٍ كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا".

هذا الأمر ليس بخاص بنساء النبي -عليه الصلاة والسلام- أمهات المؤمنين، بل هو عام؛ لأن العلة مشتركة، العلة مشتركة {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}، وأمهات المؤمنين بحاجة إلى الطهر، ونساء المؤمنين أيضًا بحاجة كذلك إلى الطهر، فالطهر مطلوب من الجميع، وما دام الجميع يشترك في العلة فالحكم واحد.

"فَلَا يَجُوزُ كَشْفُ ذَلِكَ إِلَّا لِحَاجَةٍ كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا، أَوْ دَاءٍ يَكُونُ بِبَدَنِهَا، أَوْ سُؤَالِهَا عَمَّا يَعْرِضُ وَتَعَيَّنَ عِنْدَهَا.

الْعَاشِرَةُ: اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَخْذِ النَّاسِ عَنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْأَعْمَى، وَبِأَنَّ الْأَعْمَى يَطَأُ زَوْجَتَهُ بِمَعْرِفَتِهِ بِكَلَامِهَا. وَعَلَى إِجَازَة شَهَادَتِهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُجِزْهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَة:َ تَجُوزُ فِي الْأَنْسَابِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ إِلَّا فِيمَا رَآهُ قَبْلَ ذَهَابِ بَصَرِه". 
الرواية من وراء حجاب جائزة عند عامة أهل العلم إذا تأكد من صحة الصوت وعد تزويره فهي جائزة، ومنع ذلك شعبة؛ لئلا يكون المتحدث شيطانًا يُلّبس على الناس، لكن مع ذلك عامة أهل العلم على جواز ذلك، مثل ذلك الأخذ عن الأشرطة والخطوط ما لم يغلب على الظن التزوير والتمثيل والتقليد لهذه الأصوات وتلك الخطوط.

طالب: والهاتف؟

وكذلك الهاتف، فالهاتف مثله إذا جزم بأن هذا صوت فلان، وكان الكلام لائقًا به، كان الكلام لائقًا به يصدر عن مثله، فهو سماع على كل حال.
"الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} يُرِيدُ مِنَ الْخَوَاطِرِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلرِّجَالِ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ، وَلِلنِّسَاءِ فِي أَمْرِ الرِّجَالِ، أَيْ ذَلِكَ أَنْفَى لِلرِّيبَةِ وَأَبْعَدُ لِلتُّهْمَةِ وَأَقْوَى فِي الْحِمَايَةِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَثِقَ بِنَفْسِهِ فِي الْخَلْوَةِ مَعَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ، فَإِنَّ مُجَانَبَةَ ذَلِكَ أَحْسَنُ لِحَالِهِ، وَأَحْصَنُ لِنَفْسِهِ، وَأَتَمُّ لِعِصْمَتِهِ". 
يعني هذا هو المتعيِّن »ما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان»، كثير من السلف يقولون: ائتمنوني على الخزائن من الذهب والفضة، ولا تأمنوني على عجوز شمطاء، لا شك أن الشيطان يوقع في صدور بني آدم من الطرفين، حاول بالرجل فإن استطاع وإلا ذهب إلى المرأة وفعل معها، ووسوس إليها حتى يقعا في المحظور، ولذلك جاء التشديد في أمر الخلوة أنه لا يجوز أن يخلو رجل بامرأة، و»لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»؛ خشية أن يعرض لها من الشيطان أو من شياطين الإنس من يتعرض لها ويتحرش بها، والواقع المرير الذي يعيشه كثير من الناس بعد هذا التفريط الذي وقعوا فيه من أن أمر الخلوة أمر سهل، وأنهم عرفوا وتثقَّفوا، لكن لا يكفي هذا، الحدود الشرعية لا يجوز تجاوزها، وتساهلوا في أمر الخدم والسائقين، فالمرأة الأجنبية تخدم في بيوت المسلمين، وقد يخلو بها الشباب فيحصل ما يحصل، وكم من كارثة وقعت بين صاحب البيت وبين الخادمة مما كان سبب في تبعثر الأسرة وتفرقها وتشتتها، كم من وقائع حصلت بين الشباب شباب الأسر مع هذه الخادمات، والعكس السائقين مع النساء مع البنات مع المحارم، وهناك وقائع كثيرة جدًّا يندى لذكرها الجبين، فضلًا عن تصورها، أيضًا الأسفار بدون محارم ولو كن جمعًا من النسوة تساهل الناس فيه، ووُجد من يفتيهم، ووقع من ذلك شر مستطير، وكم من حادثة وقعت وتجد سائق السيارة يجمع النساء واحدة تلو الأخرى من المدن الكبيرة بحيث يجوب الشوارع إلى منتصف الليل؛ ليذهب بهن إلى المدارس البعيدة مائة كيلو، مائتي كيلو، أكثر أو أقل، ثم بعد ذلك تجيء الأسئلة أنه لا يستطيع أن يقف في منتصف الطريق لأداء صلاة الفجر، فيسألون هل يجوز تأخير صلاة الصبح إلى أن يصلوا في السابعة أو السابعة والنصف؟ يعني بعد انتشار الشمس، بعد خروج الوقت بحجة أنه لا يستطيع رجل واحد أن يقف ومعه جمع من النسوة، يعني ظلمات بعضها فوق بعض، وسائل غير شرعية ويريدون نتائج شرعية، لا يمكن أن تتركب.

 قد يقولون: إن هذه المدرسات وهؤلاء العاملات لا يجدن من يذهب بهن فآباؤهن مشغولون، وأزواجهن مشغولون، وإخوانهن مشغولون، ما عند الله لا يُنال بسخطه، أليست تذهب لطلب الرزق من الله -جل وعلا-؟

لا، ما عند الله لا يُنال بسخطه، فعلى المسلم أن يهتم بهذا الأمر، ويحتاط له، وإذا ضاع العرض فماذا بقي بعده؟

 من الضرورات الخمس حفظ الأعراض، ومع ذلك يتساهلون، ويجدون من يفتيهم، يقول بعضهم: سفر لمدة ساعة يُلزم الزوج أو ولي الأمر بتذكرة بألوف، هل هذا معقول؟! نعم هذا ألف معقول، وغير المعقول كلامك أنت وأمثالك. ووجد التحرش في وسائل النقل بين الناس، يعني من غير حياء، إذا عرفوا أن هذه المرأة ليس معها ولي تحرَّشوا بها وبدون خجل ولا حياء ومعها جمع من الرجال ومن النساء، ومع ذلك حصل ما حصل، هذا من غير اتفاق، يعني تحرش من غير اتفاق بينهما، فكيف إذا حصل الاتفاق بينهما؟ وماذا عما لو منعت الأجواء على ما يقولون من الهبوط في مطار البلد المقصود، وذُهب بهم إلى بلد آخر، ونزلت هذه المرأة من دون محرم بين الناس لا تدري أين تذهب، وكم من الوقائع حصل مثل هذا، نسأل الله العافية.

 القطار فيه مئات من النساء ليس معهن محارم، وقد حصل له عطل في ليلة من الليالي المظلمة، وخرجن إلى الصحراء من دون محارم؛ لأنه في ليلة شديدة الحر، وما دام تعطل ما فيه مكيف ولا بد أن يخرجوا إلى الفضاء.

 فعلي الجميع أن يتقوا الله -جل وعلا-، على أولياء الأمور وعلى النساء ذات الشأن، وعلى من يفتيهم لا يكون سببًا من انتهاك الأعراض، فيكون عليه كفلٌ من ذلك ونصيب من الوزر الواقع بسبب ذلك والله المستعان.

طالب: .... داخل المدينة؟

داخل المدينة السيارة خلوه لا بد مما يرفعها، خلوة في السيارة كخلوة في البيت. والإخوان في الهيئات عندهم من ذلك الشيء الكثير، عندهم من ذلك الأمر مما يتفطر له القلب الشيء الكثير، والله المستعان.

طالب.....................

الأصل البلوغ، فإن كان مناهزًا للبلوغ مع الفطنة فبعض أهل العلم يتسامح فيها مع الفطنة، نعم، يختلفون في الأعمال يصلح أن يكون محرمًا أو لا يصلح؟ كثير من أهل العلم لا يراه أهلًا للمحرمية؛ لأنه يحصل بحضوره ما يحصل، ولا يدرى مع أن الواقع يشهد أن بعض العميان خير من كثير من المبصرين، وهم في الغالب أشد حساسية في هذا الباب، بل يصل في بعضهم إلي حد الوسوسة إذا قامت المرأة قام معها وأمسك بيدها لا يتركها تقوم بمفردها، وإذا كان الباب مفتوحًا، باب المجلس أغلق الباب، ردّ الباب هذه طريقتهم، فهم أشد احتياطًا وتحرصًا من غيرهم، فالصواب أنه إذا سلم من الغفلة أنه محرم.

"الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ} الْآيَةَ. هَذَا تَكْرَارٌ لِلْعِلَّةِ، وَتَأْكِيدٌ لِحُكْمِهَا، وَتَأْكِيدُ الْعِلَلِ أَقْوَى فِي الْأَحْكَامِ".

نعم إذا مُنع الشي لأكثر من علة كان أقوى من منعه من أجل علة واحدة، وإن كان الأصل في المنع التوجيه الإلهي بالأمر بالنهى.

"الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: لَوْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَزَوَّجْتُ عَائِشَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} الْآيَةَ. وَنَزَلَتْ: { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ".

عبد الرحمن أم عبد الرحيم اسمه؟ عبد الرحمن أم عبد الرحيم؟ كل الناس يقولون: عبد الرحمن؟

طالب:..............

 نعم، طبعات دار الكتب معنا مثلها، لكن الطبعات الجديدة ماذا فيها؟ 

طالب: .......................

طبعة ابن تركي؟ ابن تركي مات؟

طالب: .......................

الطبعة الأخيرة؟

طالب: .......................

الرسالة معك؟

طالب:..................

لا، أحفظ عبد الرحيم وليس بعبد الرحمن، لكن راجع راجع.

"وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَجُلٌ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ مِنَ الْعَشَرَةِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى حِرَاء فِي نَفْسِهِ لَوْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَتَزَوَّجْتُ عَائِشَةَ، وَهِيَ بِنْتُ عَمِّي. قَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ  قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَنَدِمَ هَذَا الرَّجُلُ عَلَى مَا حَدَّثَ بِهِ فِي نَفْسِهِ، فَمَشَى إِلَى مَكَّةَ عَلَى رِجْلَيْهِ، وَحَمَلَ عَلَى عَشَرَةِ أَفْرَاسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَعْتَقَ رَقِيقًا فَكَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ.

  وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قَالَ: لَوْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لَتَزَوَّجْتُ عَائِشَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَأَذَّى بِهِ، هَكَذَا كَنَّى عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِبَعْضِ الصَّحَابَةِ. وَحَكَى مَكِّيٌّ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ".  

لقول بنت عمي، هو من بني تيم مثل أبي بكر من قبيله أبى بكر تيمي، ولكن هو أرفع وأجل شأنًا من أن يتمنى أن يتزوج زوجة النبي -علية الصلاة والسلام-.

"قُلْت: وَكَذَا حَكَى النَّحَّاسُ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ طَلْحَةُ، وَلَا يَصِحُّ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ : لِلَّهِ دَرُّ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهَذَا عِنْدِي لَا يَصِحُّ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ". 

لله در ابن عباس حيث لم يسمِّه.

"قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامَ أَبُو الْعَبَّاسِ".

أبو العباس القرطبي صاحب المفهم.

 "وَقَدْ حُكِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ بَعْضِ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، وَحَاشَاهُمْ عَنْ مِثْلِهِ! وَالْكَذِبُ فِي نَقْلِهِ، وَإِنَّمَا يَلِيقُ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِالْمُنَافِقِينَ الْجُهَّالِ. يُرْوَى أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَالَ حِينَ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أُمَّ سَلَمَةَ بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ، وَحَفْصَةَ بَعْدَ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ: مَا بَالُ مُحَمَّدٍ يَتَزَوَّجُ نِسَاءَنَا! وَاللَّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ لَأَجَلْنَا السِّهَامَ عَلَى نِسَائِهِ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي هَذَا، فَحَرَّمَ اللَّهُ نِكَاحَ أَزْوَاجِهِ مِنْ بَعْدِهِ".

أجلنا السهام على نسائه يعني بالقرعة. يتزوجون نساءه بالقرعة. الله المستعان.

 "فَحَرَّمَ اللَّهُ نِكَاحَ أَزْوَاجِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَجَعَلَ لَهُنَّ حُكْمَ الْأُمَّهَاتِ. وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ تَمْيِيزًا لِشَرَفِهِ وَتَنْبِيهًا عَلَى مَرْتَبَتِهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ الشَّافِعِيُّ -رحمه الله- وَأَزْوَاجُهُ -صلى الله عليه وسلم- اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ نِكَاحُهُنَّ، وَمَنِ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ كَانَ كَافِرًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا}  وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا مُنِعَ مِنَ التَّزَوُّجِ بِزَوْجَاتِهِ، لِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي الْجَنَّةِ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا. قَالَ حُذَيْفَةُ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ سَرَّكِ أَنْ تَكُونِي زَوْجَتِي".

لكن إن كان الآخر مطلقًا، تزوج الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم طلقها الثالث،

طالب:..................

كان كلهم راغبين عنها، كلهم مطلقين.

تتخير بين أحسنهم في الخُلق، أحسنهم؟

كونها ترغب في أحدهم لا يعني أن أحدهم يرغب فيها، لكن في الجنة يذهب ما في الصدور من غل، يذهب ما في الصدور من غل.

"قَالَ حُذَيْفَةُ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ سَرَّكِ أَنْ تَكُونِي زَوْجَتِي فِي الْجَنَّةِ إِنْ جَمَعَنَا اللَّهُ فِيهَا فَلَا تَزَوَّجِي مِنْ بَعْدِي، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا فِي (كِتَابِ التَّذْكِرَةِ) مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّة.

الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ مَوْتِهِ، هَلْ بَقِينَ أَزْوَاجًا أَمْ زَالَ النِّكَاحُ بِالْمَوْتِ، وَإِذَا زَالَ النِّكَاحُ بِالْمَوْتِ فَهَلْ عَلَيْهِنَّ عِدَّةٌ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: عَلَيْهِنَّ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهُ تُوُفِّيَ عَنْهُنَّ، وَالْعِدَّةُ عِبَادَةٌ. وَقِيلَ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ تَرَبُّصٍ لَا يُنْتَظَرُ بِهَا الْإِبَاحَةُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: »مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ عِيَالِي»، وَرُوِيَ أَهْلِي وَهَذَا اسْمٌ خَاصٌّ بِالزَّوْجِيَّةِ، فَأَبْقَى عَلَيْهِنَّ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى مُدَّةَ حَيَاتِهِنَّ؛ لِكَوْنِهِنَّ نِسَاءَهُ، وَحُرِّمْنَ عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى بَقَاءِ النِّكَاحِ".

لكن إذا جاء الاختلاف في العدة فماذا عن الإحداد؟ هل عليهن من إحداد أربعة أشهر وعشرًا أم لا إحداد عليهن كالعدة، لأن موته -عليه الصلاة والسلام- كالغيبة، وبقيت أحكام النكاح بعده؟ لأنه يقول: لا عدة عليهن، وهو الصحيح. لأن هذا التصحيح يلزم عليه الانفكاك بين العدة والإحداد، وإذا وُجد الإحداد وجدت عدة لا محالة، في مثل هذا بخلاف العدة بدون إحداد، توجد العدة بدون إحداد، والعكس، فعلى هذا لم يلزمهن إحداد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا كان الإحداد من أجل المصيبة التي حلَّت بالمرأة بسبب موتها، فأي مصيبة أعظم من مصيبة أمهات المؤمنين، بل جميع المسلمين بوفاته -عليه الصلاة- والسلام؟ هل أُثر ما يعفيهن من الإحداد؟

 ما عرفنا شيئًا.

طالب: .......................

فيه شيء؟

"وَإِنَّمَا جُعِلَ الْمَوْتُ فِي حَقِّهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَهُنَّ بِمَنْزِلَةِ الْمُغَيَّبِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ؛ لِكَوْنِهِنَّ أَزْوَاجًا لَهُ فِي الْآخِرَةِ قَطْعًا بِخِلَافِ سَائِرِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ مَعَ أَهْلِهِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، فَرُبَّمَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْجَنَّةِ وَالْآخَرُ فِي النَّارِ، فَبِهَذَا انْقَطَعَ السَّبَبُ فِي حَقِّ الْخَلْقِ وَبَقِيَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ قَالَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: زَوْجَاتِي فِي الدُّنْيَا هُنَّ زَوْجَاتِي فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: » كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ إِلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي فَإِنَّهُ بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»".

لهذا قال ابن حزم: إن زوجات النبي -عليه الصلاة والسلام- أفضل من أبي بكر وعمر، أفضل من أبي بكر وعمر؛ لأنهن معه في المنزلة في الجنة في منزلته -عليه الصلاة والسلام-، هذا ما يقوله ابن حزم، والجمهور على خلافه، وأن أبا بكر أفضل من أمهات المؤمنين، عمر أفضل من أمهات المؤمنين، وإن كان دونهن في المنزلة؛ لأن منزلتهن إنما جاءت بالتبعية لا بالأصالة، فرق بين أن يُنزّل الإنسان المنزلة تبعًا لغيره، وبين أن يكون مستقلًا بنفسه رأسًا، مستحقًا لهذا الأمر لذاته.

 والآن إذا نظرنا في حال الناس وجدنا أن كثيرًا من الخدم في بيوت الكبراء والأعيان يعيشون عيشة أفضل من حال كثير من أوساط الناس، فهل نقول: إن هؤلاء الخدم أفضل من أوساط الناس؟

ليس الأمر كذلك، فرق بين أن يُكرم الإنسان لذاته وبين أن يُكرم لغيره، إذا وجدنا مثلًا في وليمة والناس يدخلون على الطعام دفعات، يدخلون على الطعام دفعات، الدفعة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة، وهكذا؛ لأن المكان لا يستوعب مثلًا، فإذا قال شخصٌ من أرباب الدفعة الأولى: أنا فلان سائقي لا أستغني عنه، فجيء به مع الدفعة الأولى، فهل يعني هذا أن هذا السائق أفضل من الدفعة الثانية؟ لا، ليس الأمر كذلك، فرق بين أن يكون ما يناله الإنسان بسببه هو أو بسبب غيره.  
"فَرْعٌ: فَأَمَّا زَوْجَاتُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ فِي حَيَاتِهِ مِثْلُ الْكَلْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَهَلْ كَانَ يَحِلُّ لِغَيْرِهِ نِكَاحُهُنَّ؟ فِيهِ خِلَافٌ. وَالصَّحِيحُ جَوَازُ ذَلِكَ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْكَلْبِيَّةَ الَّتِي فَارَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَزَوَّجَهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي تَزَوَّجَهَا الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ .

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: الَّذِي تَزَوَّجَهَا مُهَاجِرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِجْمَاعٌ.

 الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} يَعْنِي أَذِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَوْ نِكَاحَ أَزْوَاجِهِ، فَجُعِلَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ، وَلَا ذَنْبَ أَعْظَمُ مِنْهُ.

السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: قَدْ بَيَّنَّا سَبَبَ نُزُولِ الْحِجَابِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَقَوْلِ عُمَرَ، وَكَانَ يَقُولُ لِسَوْدَةَ إِذَا خَرَجَتْ".

يعني خرجت لقضاء الحاجة كما هو في وقتهم وعصرهم يخرجون لقضاء الحاجة.

"وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً: قَدْ رَأَيْنَاكِ يَا سَوْدَةَ".

في بعض الروايات قد عرفناك يا سودة.

"حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ. وَلَا بُعْدَ فِي نُزُولِ الْآيَةِ عِنْدَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ كُلِّهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

قد يتعدد السبب لنازلٍ واحد.

 "بَيْدَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ قَالَ: لَا يَشْهَدُ جِنَازَتَهَا إِلَّا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، مُرَاعَاةً لِلْحِجَابِ الَّذِي نَزَلَ بِسَبَبِهَا. فَدَلَّتْهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ عَلَى سِتْرِهَا فِي النَّعْشِ فِي الْقُبَّةِ، وَأَعْلَمَتْهُ أَنَّهَا رَأَتْ ذَلِكَ فِي بِلَادِ الْحَبَشَةِ فَصَنَعَهُ عُمَرُ. وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ صُنِعَ فِي جِنَازَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-".

وهذا مبالغة في الستر والحجب عن أعين الناظرين حتى في حال الممات.

طالب:.................

نعم؟

طالب: .......................

على كل حال القول بأن صوت المرأة عورة قول معتبر عند أهل العلم، وله أدلته، فلا ترفع صوتها بتلبية، ولا بتكبير، ولا بتسبيح، هذا معروف عند أهل العلم. أما صوتها فلا شك أنه يُطمع الذي في قلبه مرض. ولا سيما بعض النساء من جبلت على الصوت الذي فيه شيء من التكسر والخضوع، والقول الثاني: أنه ليس بعورة إذا كان بصوتها المعتاد من غير خضوع، والمسألة خلافية معروفة، وخير ما للمرأة ألا يسمع صوتها الرجال.

طالب: فدلته أسماء بنت عميس.

نعم؛ لأنها هاجرت إلى الحبشة ورأت ذلك. يعني أشارت.     

طالب: دلت عمر؟

نعم.

 طالب: على تغطيتها؟

نعم

طالب:...............

قبة قبة، مثل القبة.

طالب:.......................

نعم هذا الأصل أنه يُستر.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}.

 الْبَارِئُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَالِمٌ بِمَا بَدَا وَمَا خَفِيَ وَمَا كَانَ وَمَا لَمْ يَكُنْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَاضٍ تَقَضَّى، وَلَا مُسْتَقْبَلٍ يَأْتِي. وَهَذَا عَلَى الْعُمُومِ تَمَدُّحٌ بِهِ، وَهُوَ أَهْلُ الْمَدْحِ وَالْحَمْدِ. وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا التَّوْبِيخُ وَالْوَعِيدُ لِمَنْ تَقَدَّمَ التَّعْرِيضُ بِهِ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا، مِمَّنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ}، وَمَنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ فِي قَوْلِه: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} فَقِيلَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ اللَّهَ –تَعَالَى- يَعْلَمُ مَا تُخْفُونَهُ مِنْ هَذِهِ الْمُعْتَقَدَاتِ وَالْخَوَاطِرِ الْمَكْرُوهَةِ وَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا. فَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُنْعَطِفَةً عَلَى مَا قَبْلَهَا مُبَيِّنَةً لَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِ شَيْءٍ شَهِيدًا}.

  فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْأُولَى: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ قَالَ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ وَالْأَقَارِبُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: وَنَحْنُ أَيْضًا نُكَلِّمُهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .

الثَّانِيَةُ: ذَكَرَ اللَّه –تَعَالَى- فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَنْ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ الْبُرُوزُ لَهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْعَمَّ وَالْخَالَ لِأَنَّهُمَا يَجْرِيَانِ مَجْرَى الْوَالِدَيْنِ. وَقَدْ يُسَمَّى الْعَمُّ أَبًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} [البقرة:133]، وَإِسْمَاعِيلُ كَانَ الْعَمَّ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْعَمُّ وَالْخَالُ رُبَّمَا يَصِفَانِ الْمَرْأَةَ لِوَلَدَيْهِمَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَحِلُّ لِابْنِ الْعَمِّ وَابْنِ الْخَالِ فَكُرِهَ لَهُمَا الرُّؤْيَةُ. وَقَدْ كَرِهَ الشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ أَنْ تَضَعَ الْمَرْأَةُ خِمَارَهَا عِنْدَ عَمِّهَا أَوْ خَالِهَا. وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَعْضُ الْمَحَارِمِ وَذُكِرَ الْجَمِيعُ فِي سُورَةِ (النُّورِ)، فَهَذِهِ الْآيَةُ بَعْضُ تِلْكَ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ هُنَاكَ مُسْتَوْفًى، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ".

نعم ذُكر جميع المحارم في آية النور وعُلق عليها في وقتها وأن هؤلاء المحارم باستثناء الزوج الحد بالنسبة لهم واحد فيما تبديه المرأة لهم سواءٌ كان الابن أو الأخ أو ابن الأخ أو العم أو الخال أو النساء أو ما أشبه ذلك فالحكم واحد، تُظهر المرأة ما يظهر غالبًا من الوجه والشعر وأطراف اليدين وأطراف القدمين دون ما خفي منها كالساقين والساعدين، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا لا يظهر، فما تبديه لوالدها وولدها تبديه للنساء، وأما ما يحصل في محافل المسلمين من التعري أمام النساء، فهذا لا شك أنه تبرُّج الجاهلية الأولى الذي مر الكلام عنه قريبًا.
"الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتَّقِينَ اللَّهَ} لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّخْصَةَ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَانْجَزَمَتِ الْإِبَاحَةُ، عَطَفَ بِأَمْرِهِنَّ بِالتَّقْوَى عَطْفَ جُمْلَةٍ. وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَلَاغَةِ وَالْإِيجَازِ، كَأَنَّهُ قَالَ: اقْتَصِرْنَ عَلَى هَذَا وَاتَّقِينَ اللَّهَ فِيهِ أَنْ تَتَعَدَّيْنَهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَخَصَّ النِّسَاءَ بِالذِّكْرِ وَعَيَّنَهُنَّ فِي هَذَا الْأَمْرِ؛ لِقِلَّةِ تَحَفُّظِهِنَّ، وَكَثْرَةِ اسْتِرْسَالِهِنَّ".

فيُذكَّرن بالتقوى، فيذكرن بتقوى الله -جل وعلا- المنجية؛ لأن من لا يتقي الله -جل وعلا- يهلك فلا بد من تذكير من يُظن منهم مخالفة بالتقوى.

"لِقِلَّةِ تَحَفُّظِهِنَّ وَكَثْرَةِ اسْتِرْسَالِهِنَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثم توَّعد تعالى بقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا}.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} هَذِهِ الْآيَةُ شَرَّفَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ، وَذَكَرَ مَنْزِلَتَهُ مِنْهُ، وَطَهَّرَ بِهَا سُوءَ فِعْلِ مَنِ اسْتَصْحَبَ فِي جِهَتِهِ فِكْرَةَ سُوءٍ، أَوْ فِي أَمْرِ زَوْجَاتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ -رَحْمَتُهُ وَرِضْوَانُهُ-، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَمِنَ الْأُمَّةِ الدُّعَاءُ وَالتَّعْظِيمُ لِأَمْرِهِ.

 مَسْأَلَةٌ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: يُصَلُّونَ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الضَّمِيرُ فِيهِ لِلَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَهَذَا قَوْلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى شَرَّفَ بِهِ مَلَائِكَتَهُ".

حيث عطفهم عليه.

"فَلَا يَصْحَبُهُ الِاعْتِرَاضُ الَّذِي جَاءَ فِي قَوْلِ الْخَطِيبِ: »مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»، أَخْرَجَهُ الصَّحِيحُ. قَالُوا: لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْمَعَ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ غَيْرِهِ فِي ضَمِيرٍ، وَلِلَّهِ أَنْ يَفْعَلَ فِي ذَلِكَ مَا يَشَاءُ".

لأن المحظور في الجمع في مثل قوله: »ومن يعصهما» أن مثل هذا الخطيب قد يتطرق إلى ذهنه أو إلى ذهن السامع أن المجموع والمجموع إليه متقاربان في المنزلة، لكن إذا قاله الله -جل وعلا- عن نفسه ومن يعطف عليه فلا يتأتى مثل هذا كما لو قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا معروف كلام الخطيب وقول أهل العلم فيه، وهنا يصلون {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ} جمع الضمير للرب -جل وعلا- وما عُطف عليه، وكما أن الله -جل وعلا- يجوز له أن يقسم بما شاء، ويمنع المخلوق من ذلك، فله أن يجمع الضمير ويمنع المخلوق من ذلك.

 "وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، تَقْدِيرُهُ إِنَّ اللَّهَ يُصَلِّي وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ اجْتِمَاعٌ فِي ضَمِيرٍ، وَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْبَشَرِ فِعْلُهُ. وَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- »بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ» لِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ الْخَطِيبَ وَقَفَ عَلَى وَمَنْ يَعْصِهِمَا، وَسَكَتَ سَكْتَةً. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ »خَطِيبًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يَعْصِهِمَا. فَقَالَ: قُمْ أَوِ اذْهَبْ بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ». إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا خَطَّأَهُ فِي وَقْفِهِ وَقَالَ لَهُ: »بِئْسَ الْخَطِيبُ»، أَصْلَحَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ جَمِيعَ كَلَامِهِ، فَقَالَ: قُلْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كَمَا فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ".

عامة أهل العلم والشراح؛ لأنه إنما ذمه بسبب جمعه الضمير بين ضمير الله وضمير الرسول- عليه الصلاة والسلام-؛ لئلا يُظن أن منزلة الرسول -عليه الصلاة والسلام- مساوية أو مقاربة لمنزلة الله -جل وعلا-.

وَهُوَ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى »وَمَنْ يَعْصِهِمَا». وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ {وَمَلَائِكَتُهُ} بِالرَّفْعِ عَلَى مَوْضِعِ اسْمِ اللَّهِ قَبْلَ دُخُولِ {إِنَّ}. وَالْجُمْهُورُ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْمَكْتُوبَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}  ".

الملائكة بالرفع على موضع اسم إن، اسم الله قبل دخول إن يعني قبل دخول إن {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ} والجمهور بالنصب عطفًا على ؟

طالب: مكتوبة.

مكتوبة، مكتوبة، ما معنى المكتوبة؟ يعني إن المكتوبة المثبتة وهي تنصب الاسم وما عُطف عليه. ولا يُستثنى من ذلك إلا إذا استوفت الخبر، فلو كان السياق إن الله يصلي وملائكته جاز؛ لأن إن استوفت الخبر، وجائز عطفك مرفوعًا على معمول إن وجائزٌ رفعك معطوف على معمول إن بعد أن تستكملا، يعني بعد أن تستكمل الخبر.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. 

 فِيهِ خَمْسَةُ مَسَائِلَ:

 الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- دُونَ أَنْبِيَائِهِ تَشْرِيفًا لَهُ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فَرْضٌ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً".

امتثالًا لهذا الأمر، والأمر يتم امتثاله بمرة، والأمر يتم امتثاله بمرة، ويلتزم الامتثال بقول المسلم -صلى الله عليه وسلم-، امتثال الآية إنما يتم بذلك من غير إضافة شيء آخر، لكن إن أراد أن يضيف من له حق عليه، وأضاف الصاحب والأهل ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فالأمر فيه سعة.

" وَفِي كُلِّ حِينٍ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ الَّتِي لَا يَسَعُ تَرْكُهَا وَلَا يَغْفُلُهَا إِلَّا مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ.

 قال الزَّمَخْشَرِيّ:ُ فَإِنْ قُلْتَ: الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَاجِبَةٌ أَمْ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا؟

 قُلْتُ: بَلْ وَاجِبَةٌ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي حَالِ وُجُوبِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا كُلَّمَا جَرَى ذِكْرُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ» مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ»، وَيُرْوَى أَنَّهُ» قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلّ-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}  فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: هَذَا مِنَ الْعِلْمِ الْمَكْنُونِ، وَلَوْلَا أَنَّكُمْ سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ مَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ، إِنَّ اللَّهَ –تَعَالَى- وَكَّلَ بِي مَلَكَيْنِ، فَلَا أُذْكَرُ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَيُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا قَالَ ذَلِكَ الْمَلَكَانِ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَلَائِكَتُهُ جَوَابًا لِذَيْنِكَ الْمَلَكَيْنِ: آمِينَ. وَلَا أُذْكَرُ عِنْدَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا قَالَ ذَلِكَ الْمَلَكَانِ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَلَائِكَتُهُ لِذَيْنِكَ الْمَلَكَيْنِ: آمِينَ». 
من خرَّجه؟

طالب:......................

"وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تَجِبُ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ مَرَّةً وَإِنْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ، كَمَا قَالَ فِي آيَةِ السَّجْدَةِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ. وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ دُعَاءٍ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا فِي الْعُمُرِ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي إِظْهَارِ الشَّهَادَتَيْنِ. وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الِاحْتِيَاطُ: الصَّلَاةُ عِنْدَ كُلِّ ذِكْرٍ، لِمَا وَرَدَ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ".

والبخيل من ذُكر عنده النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يصلِّ عليه، هذا محروم إذا صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرة، ولا يترك مثل هذا إلا محروم.

"الثَّانِيَةُ: وَاخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَوَى مَالِكٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: »أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيم َوَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ»".

 المعروف أن هذه الصيغة صيغة الصلاة الإبراهيمية إنما هي في الصلاة، داخل الصلاة، وما خارج الصلاة فيتم الالتزام بقولك: صلى الله عليه وسلم، وهذا صنيع أئمة الإسلام يعني في كتبهم كلهم يقتصرون على قولهم: صلى الله عليه وسلم، بخلاف من يتهمهم، يتهم الأئمة ويقول: كلهم داهنوا الحكام، وتركوا الصلاة على الآل، يعني الأئمة كلهم لا تجد في كتبهم صلى الله عليه وآله وسلم، يقول إن هؤلاء كلهم داهنوا الحكام، وتركوا الصلاة على الآل من أجل الحكام، فاتهم أئمة الإسلام بناءً على هذه الصلاة الإبراهيمية الخاصة في الصلاة وإلا فمن يقول: إنك إذا سمعت الأمر {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، قل: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيم بالصيغة الكاملة، ما قال بهذا أحد من أهل العلم. لكن إذا أضيف الآل؛ لأنه وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- ولهم حق على الأمة؛ لقربهم منه -عليه الصلاة والسلام-، وقد أوصى بهم، فهذا حسن. لكن أيضًا ينبغي ألا يقتصر على ذلك فالصحابة لهم من حق حمل الدين وتبلغه إياه في أقصى الأرض وأدناها، وعلى مر الأجيال، يعني ما بلغ الدين إلى هذا المبلغ وإلى هذا المكان وإلى هذا الزمان إلا بواسطة الصحابة الذين حملوه، فلهم من الحق أعظم النصيب، فإذا صلينا على الآل صلينا على الصحب. وأما الصيغة فلا تقتضي اللزوم بشيء، وإن كان الصنعاني والشوكاني والصديق حسن خان يوجبون الصلاة على الآل تبعًا للصلاة عليه، نعم في الصلاة الإبراهيمية لا بد من الصلاة على الآل، لكن في خارج الصلاة امتثال الآية إنما يتم بصنيع الأئمة -صلى الله عليه وسلم-.

 نعم.

"وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ طَلْحَةَ مِثْلَهُ، بِإِسْقَاطِ قَوْلِهِ: »فِي الْعَالَمِينَ» وَقَوْلِهِ: »وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ»، وَفِي الْبَابِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَأَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَبُرَيْدَةَ الْخُزَاعِيِّ وَزَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ، وَيُقَالُ: ابْنُ حَارِثَةَ أَخْرَجَهَا أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي كُتُبِهِمْ. وَصَحَّح التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ  خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مَعَ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ. 

قَالَ أَبُو عُمَرَ: رَوَى شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} » جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْفَ الصَّلَاةُ؟ فَقَالَ: قُلِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ لَا حَدِيثَ شُعْبَةَ، وَهُوَ يَدْخُلُ فِي التَّفْسِيرِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، فَبَيَّنَ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَعَلَّمَهُمْ فِي التَّحِيَّاتِ كَيْفَ السَّلَامُ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُه: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.

وَرَوَى الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي فَاخِتَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: »إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَحْسِنُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ. قَالُوا فَعَلَّمَنَا، قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ وَرَسُولِكَ إِمَامِ الْخَيْرِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ. اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ».

وَرَوَيْنَا بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ فِي كِتَابِ (الشِّفَا) لِلْقَاضِي عِيَاضٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: »عَدَّهُنَّ فِي يَدِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ: عَدَّهُنَّ فِي يَدِي جِبْرِيلُ وَقَالَ : هَكَذَا أُنْزِلَتْ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعِزَّةِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ وَتَرَحَّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا تَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ وَتَحَنَّنْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا تَحَنَّنْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلَ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». 

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ صَحِيحٌ، وَمِنْهَا سَقِيمٌ، وَأَصَحُّهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فَاعْتَمِدُوهُ. وَرِوَايَةُ غَيْرِ مَالِكٍ مِنْ زِيَادَةِ الرَّحْمَةِ مَعَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لَا يَقْوَى، وَإِنَّمَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يَنْظُرُوا فِي أَدْيَانِهِمْ نَظَرَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ فِي الْبَيْعِ دِينَارًا مَعِيبًا، وَإِنَّمَا يَخْتَارُونَ السَّالِمَ الطَّيِّبَ، كَذَلِكَ لَا يُؤْخَذُ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَّا مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- سَنَدُهُ؛ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي حَيِّزِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَيْنَمَا هُوَ يَطْلُبُ الْفَضْلَ إِذَا بِهِ قَدْ أَصَابَ النَّقْصَ، بَلْ رُبَّمَا أَصَابَ الْخُسْرَانَ الْمُبِينَ" .
الحديث معروف ضعفه، حديث الشفاء.

طالب:..................

معروف في الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي فضلها وما ورد بها كتب مؤلفة منها، بل هو أجلها وأعظمها كتاب "جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام" لابن القيم -رحمه الله-، ومنها كتاب اسمه "الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر" للفيروز أبادي، ومنها "القول البديع في الصلاة والسلام على الحبيب الشفيع" للسخاوي، والمؤلفات في هذا كثيرة، وفيها الغث، وفيها الثمين، وأجودها كتاب ابن القيم، وأما كتاب "دلائل الخيرات في الصلاة والسلام على خير البريات" فهذه كلها صلوات موضوعة، ولذا يوصي أهل العلم بإتلاف هذا الكتاب دلائل الخيرات، وكان أئمة الدعوة يحرجونه، قال الصنعاني في منظومته في مدح الشيخ: وحرج عمدًا للدلائل دفترًا فكانوا يحرقونه، ومع الأسف أنه يُطبع في جميع أرجاء الدنيا بطباعة أفخر من طباعة المصحف، أفخر من طباعة المصحف، وبين جمله دوائر مذهبة، وفيها أرقام تشبيهًا له بالمصحف. ورأيت نسخة بقدر حجم الكف، الكتاب صغير طُلبت بستة آلاف ريال اهتمامًا بهذا الكتاب، وعناية بشأنه، وكان الناس إلى وقت قريب يستخفون به مما عنده شيء من التصوف أو الغلو بالنبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أن صار الآن يُباع في الأسواق، ويُقرأ في المجامع والمحافل، بل رأينا من يقرأه في المسجد الحرام من الأتراك وغيرهم، وأكثر ما يُطبع في تركيا، فهم أهل العناية به، والله المستعان. نعم.
"الثَّالِثَةُ: فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثَبَتَ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: » مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وَقَال َسَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ :الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّاهَا هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ، وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ لَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانُ الدَّارَانِيُّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ حَاجَةً فَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَخْتِمُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ الصَّلَاتَيْنِ، وَهُوَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَرُدَّ مَا بَيْنَهُمَا. 

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ-رضي الله عنه- أَنَّهُ قَال: » الدُّعَاءُ يُحْجَبُ دُونَ السَّمَاءِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-»،  فَإِذَا جَاءَتِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رُفِعَ الدُّعَاءُ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: »مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ»".     

حكمه ضعيف؟

طالب:......................

كثير من الناس من الوافدين تجده أي كتاب يمسك به يكتب اللهم صلِّ على محمد عملًا بهذا الحديث، وتجده يكتبون على المصاحف، تجده في المصاحف والمجلس الحرام  والمسجد النبوي؛  لكي تستمر؛ عملًا بما جاء في الحديث الموضوع المكذوب.

"الرَّابِعَةُ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الصَّلَاةِ، فَالَّذِي عَلَيْهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَالْجُمْهُورُ الْكَثِيرُ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَمُسْتَحَبَّاتِهَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: يُسْتَحَبُّ أَلَّا يُصَلِّيَ أَحَدٌ صَلَاةً إِلَّا صَلَّى فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ تَارِكٌ فَصَلَاتُهُ مُجْزِيَةٌ فِي مَذَهِبِ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ جُلِّ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقد حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ أَنَّهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَأَنَّ تَرِكَهَا فِي التَّشَهُّدِ مُسِيءٌ. وَشَذَّ الشَّافِعِيُّ فَأَوْجَبَ عَلَى تَارِكِهَا فِي الصَّلَاةِ الْإِعَادَةَ. وَأَوْجَبَ إِسْحَاقُ الْإِعَادَة مَعَ تَعَمُّدِ تَرْكِهَا دُونَ النِّسْيَانِ".

والمعروف عند الحنابلة أيضًا أن الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأخير من أركان الصلاة لا تصح إلا بها، ولا تسقط لا عمدًا ولا نسيانًا كسائر الأركان. نعم.

 "وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ:  إِذَا لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ أَعَادَ الصَّلَاةَ. قَالَ: وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تُجْزِهِ".

لَمْ تُجْزِهِ، لَمْ تُجْزِهِ.

 "وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تُجْزِهِ. وَهَذَا قَوْلٌ حَكَاهُ عَنْهُ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، لَا يَكَادُ يُوجَدُ هَكَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَتَبُوا كُتُبَهُ. وَقَدْ تَقَلَّدَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَمَالُوا إِلَيْهِ وَنَاظَرُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ عِنْدُهُمْ تَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ. وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرَهُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ إِلَّا الشَّافِعِيّ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهَا قُدْوَةً. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ عَمَلُ السَّلَفِ الصَّالِحِ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ، وَقَدْ شُنِّعَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جِدًّا. وَهَذَا تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَيْسَ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم-".

التشهد شيء، التشهد شيء مستقل، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- شيء أمر مستقل، لا ارتباط له بالتشهد إلا أنه يقال بعده، والاستعاذة بالله -جل وعلا- من أربع بعد تمام ذلك كله شيء مستقل، فهي أمور، والأمر ببعضها لا يعني عدم الأمر بالبعض الآخر الذي ثبت الأمر به.

"وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا تُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ فِي الْكِتَابِ. وَعَلَّمَهُ أَيْضًا عَلَى الْمِنْبَرِ عُمَرُ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-.

 قُلْتُ: قَدْ قَالَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الصَّلَاةِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَصْحَابِنَا، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ؛ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: » إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟» ، فَعَلَّمَ الصَّلَاةَ وَوَقْتَهَا فَتَعَيَّنَتْ كَيْفِيَّةً وَوَقْتًا. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ صَلَّيْتُ صَلَاةً لَمْ أُصَلِّ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَلَا عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ لَرَأَيْتُ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ. 

الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ بُكَيْرٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُمْ أُمِرُوا أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ عِنْدَ حُضُورِهِمْ قَبْرَهُ وَعِنْدَ ذِكْرِهِ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْبِشْرُ يُرَى فِي وَجْهِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّا لَنَرَى الْبُشْرَى فِي وَجْهِكَ! فَقَالَ: إِنَّهُ أَتَانِي الْمَلَكُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ أَمَا يُرْضِيكَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا» وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:» مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِذَا مُتُّ إِلَّا جَاءَنِي سَلَامُهُ مَعَ جِبْرِيلَ يَقُولُ يَا مُحَمَّدُ هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ فَأَقُولُ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:» إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ»، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَالتَّسْلِيمُ قَوْلُكَ: سَلَامٌ عَلَيْكَ".

نعم

طالب:..........................

ماذا فيه؟

طالب:...........................

»أجعل لك صلاتي كلها» هذا عند الترمذي، عند الترمذي.

طالب:..........................

والله لو بحثت الحديث من حيث الثبوت ومن حيث المعنى عند الشراح، على كل حال ولو حسَّنه تنظر في سنده وفي معناه عند أهل العلم.