شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (284)

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين،

أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".

مع بداية حلقتنا نرحب بضيف اللقاء فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: كنا في الحلقة الماضية وعدنا الإخوة والأخوات باستكمال الحديث، حديث ابن عباس، وعدناهم بأن نسوق كلام الإمام الطبري- رحمه الله- في مسألة غسل، أو مسح الرجل.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أمَّا بعد،

في تفسير إمام المفسرين أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ونسوقه باختصار بعدم ذكر الروايات، إنَّما نقتصر على كلامه، والإشارة إلى الروايات؛ لأنَّ كلامه طويل جدًّا في المسألة، فإمام المفسرين يُطلق عليه عند أهل العلم إمام المفسرين، وتفسيره ينبغي أن يعض عليه بالنواجذ، وإن كان طلاب العلم في زماننا قد لا يطيق كثيرٌ منهم هذا التكرار الذي يسوقه بالأسانيد والروايات الكثيرة عن الصحابة والتابعين، لكنه أولى ما يُفسر به كلام الله- جلَّ وعلا-، فالتفسير بالأثر هو الأصل دون التفسير بالرأي، فهذا التفسير تفسيرٌ عظيم، طُبع مرارًا، وعني به أهل العلم قديمًا وحديثًا واختصروه.. من أجل أن يلائم مستويات الطلاب، اختصره ابن صمادح التجيبي، واختصره بعض أهل العلم، وقال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته إلى أهل مكة: إننا نعتمد في تفسير كلام الله- جلَّ وعلا- على تفسير ابن جرير الطبري ومختصره لابن كثير، هو من حيث التشابه في أنَّ كلًّا منهما تفسير بالأثر، وتفسير الطبري أطول من تفسير.. اعتبر كالمختصر له، لكنه في الحقيقة ليس بمختصر له، أفاد منه فائدة كبيرة، لكن مع ذلك فيه إفاضة في النقول عن غيره لا سيما من كتب السُّنَّة مما لا يتعرض له الطبري، فهو تفسير مستقل.

فيه تفسير مختصر جدًّا أشرنا به على طلاب العلم لا سيما المبتدئين، وهو تفسير الشيخ فيصل بن مبارك، من أهل هذه البلاد، تفسير منشور ومعروف، لكنه تداوله بين طلاب العلم ليس بكثير، وهو في الحقيقة عصارة وخلاصة للتفاسير الثلاثة الأثرية، الطبري، البغوي، ابن كثير، فيوصى به طالب العلم؛ لأنَّ طالب العلم ينبغي أن يُربى على التفسير...

المُقَدِّم: بالأثر.

بالأثر، التفسير طُبع مرارًا، طُبع بالمطبعة الميمنية، وطُبع في مطبعة بولاق، وطبعته مطبعة المعارف بتحقيق محمود شاكر، وتخريج الشيخ أحمد شاكر، وطُبع أيضًا في مطبعة الحلبي مرتين، وهم يقولون: الطبعة الثانية والثالثة، فلعلهم يعدون الميمنية أولى؛ لأنَّ الميمنية تفرعت عنها مطبعة الحلبي، وإلا فالطبعة الثانية ثم الطبعة الثالثة؛ أين الطبعة الأولى للحلبي؟ في تقديري أنَّهم يعدون الميمنية هي الطبعة الأولى لهم؛ لأنَّها أصل مطبعة الحلبي. وطبعة بولاق من الكتاب طبعة نفيسة وكاملة، أمَّا طبعة الشيخ محمود شاكر فخرج منها إلى سورة إبراهيم ستة عشرة جزءًا، طبعة محققة ونفيسة جدًّا لو قدر كمالها لأغنت عن غيرها.

في هذا التفسير العظيم، تفسير الطبري المسمى جامع البيان، وذكرنا فيه ما تقدم للطبري، إمام مجتهد توفى سنة عشر وثلاثمائة، إمام مجتهد صاحب منهج مستقل، وله أتباع، لكنه انقرض بعد ذلك.

يقول- رحمه الله تعالى-: القول في تأويل قوله- عزَّ ذكره-: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [سورة المائدة 6] قال أبو جعفر: اختلفت القرَأَة في قراءة ذلك، القرأة..  

المُقَدِّم: جمع قارئ.

جمع قارئ، كالكتبة جمع كاتب، اختلفت القرأة في قراءة ذلك، فقرأه جماعة من قرأة الحجاز والعراق: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [سورة المائدة 6] ، نصبًا، فتأويله: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديَكم إلى المرافق وأرجلَكم إلى الكعبين، وامسحوا برءوسكم، وإذا قرئ كذلك كان من المؤخَّر الذي معناه التقديم، وتكون الأرجل منصوبة عطفًا على الأيدي. وتأول قارئو ذلك كذلك، أنَّ الله- جل ثناؤه- إنَّما أمر عباده بغسل الأرجل دون المسح بها.

ثم ذكر من قال بذلك من الصحابة والتابعين، ولو ذكرنا من ذكر لطال بنا الكلام بالأسانيد، وقرأ ذلك آخرون من قرأة الحجاز والعراق {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ} [سورة المائدة 6] بخفض الأرجل، وتأول قارئو ذلك كذلك: أنّ الله إنَّما أمر عباده بمسح الأرجل في الوضوء دون غسلها، وجعلوا الأرجل عطفًا على الرأس- مخفوضين- فخفضوها لذلك.

ثم ذكر من قال بذلك من الصحابة والتابعين، ثم قال أبو جعفر: والصواب من القول عندنا في ذلك- هذا مهم؛ لأنَّه هو الذي يحرر به كلام...

المُقَدِّم: الطبري.

 ابن جرير، قال أبو جعفر: والصواب من القول عندنا في ذلك أن الله- عزّ ذكره- أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء، كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم. وإذا فعل ذلك بهما المتوضئ، كان مستحقًّا اسم ماسحٍ غاسلٍ؛ لأنَّه لو أخل بشيء منهما ما استحل أن يُقال: غاسل، يُقال: ماسح، فلمَّا أمر بالاستيعاب، يقول: إن الله- عزّ ذكره- أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء، كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم. وإذا فعل ذلك بهما المتوضئ، كان مستحقًّا اسم ماسحٍ غاسلٍ؛ لأنَّ غسلهما إمرار الماء عليهما أو إصابتهما بالماء. ومسحهما، إمرار اليد أو ما قام مقام اليد عليهما. فإذا فعل ذلك بهما فاعل فهو غاسل ماسح. يعني غاسل بالماء ماسح باليد.

المُقَدِّم: ماسح باليد.

فاجتمع الأمران، والغسل بقراءة النصب، والمسح..

المُقَدِّم: بالخفض.

بقراءة الخفض، ولذلك من احتمال المسح "المعنيين اللذين وصفتُ من العموم والخصوص اللذين أحدهما مسح ببعض، والآخر مسح بالجميع اختلف قراءة القرأة، أو اختلفت قراءة القرأة في قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ} [سورة المائدة 6] فنصبها بعضهم توجيهًا منه ذلك إلى أنَّ الفرض فيهما الغسل، وإنكارًا منه المسح عليهما، مع تظاهر الأخبار عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعموم مسحهما بالماء. وخفضها بعضهم، توجيهًا منه ذلك إلى أنَّ الفرض فيهما المسح.

يعني مثل هذا الكلام قد لا يفهمه طالب العلم المتوسط؛ لأنَّه قال: وخفضها بعضهم، توجيهًا منه ذلك إلى أنَّ الفرض فيهما المسح، ومادامت القراءتان متواترتين ثابتتين فلابد من الجمع بينهما، فيكون الغسل بالماء والمسح باليد، لا أنَّه يُجمع بين الغسل بالماء والمسح بالماء كما يُقال: إنَّ مذهب الطبري الجمع أو التخيير.

ولما قلنا في تأويل ذلك إنه معني به عموم مسح الرجلين بالماء كره من كره للمتوضئ الاجتزاءَ بإدخال رجليه في الماء دون مسحهما بيده، يعني لو أدخل رجله، أو غمس رجله في الماء...

المُقَدِّم: ما كفى عنده.

ما يكفي.

المُقَدِّم: لازم يمسح.

نعم، ولما قلنا في تأويل ذلك إنه معني به عموم مسح الرجلين بالماء كره من كره للمتوضئ الإجراء بإدخال رجليه في الماء دون مسحهما بيده، يعني لو أدخل رجله، أو غمس رجله في الماء أو بما قام مقام اليد، توجيهًا منه لقوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [سورة المائدة 6] إلى مسح جميعهما عامًّا باليد، أو بما قام مقام اليد، دون بعضهما مع غسلهما بالماء.

المُقَدِّم: بالماء.

ثم ذكر بإسناده عن طاووس أنَّه سئل عن الرجل يتوضأ ويدخل رجليه في الماء. قال: ما أعدُّ ذلك طائلًا. يعني لابد من الغسل، ولابد من المسح، لكنه ليس غسلًا بالماء ومسحًا بالماء كما يظنه من يقول بالتخيير أو الجمع، غسل بالماء ومسح باليد، يعني أنَّ الماء يحتاج إلى تحريك، ويحتاج الرجل إلى دلك؛ لأنَّها هي التي تباشر، نعم، تباشر الأرض، فاحتاجت إلى مزيد من العناية أكثر مما يُقال في غيرها من أعضاء الوضوء، قال: ما أعدُّ ذلك طائلًا. ومعناه غير نافع ولا مغنٍ ولا فائدة فيه، وأجاز ذلك من أجاز، توجيهًا منه إلى أنه معنيٌّ به الغسل كما روى بإسناده عن الحسن في الرجل يتوضأ في السفينة، قال: لا بأس أن يغمس رجليه غمسًا، يعني على قراءة النصب الغسل يحصل بمجرد الغمس؛ لأنَّه ليس من مسمى الغسل الدلك، ليس من مسمى الغسل الدلك عند الجمهور.

المُقَدِّم: من يقول بهذا، نعم.

لأنَّهم يقولون غسله المطر، وغسله العرق بدون دلك، لكنَّ الإمام مالك يرى أنَّ الدلك من مسمى..

المُقَدِّم: الغسل.

كما روى بإسناده عن الحسن في الرجل يتوضأ في السفينة، قال: لا بأس أن يغمس رجليه غمسًا، يعني على قراءة النصب يكفي، لكن على قراءة الجر مع استصحاب قراءة النصب لابد من ...

المُقَدِّم: الغسل والدلك.

والدلك، وفي رواية عنه قال: يخضخض قدميه في الماء، ثم قال أبو جعفر: فإذا كان المسح المعنيان اللذان وصفنا، فإذا كان المسح خبرًا كان مقدمًا، المعنيان اللذان وصفنا من عموم الرجلين بالماء، وخصوص بعضهما به وكان صحيحًا بالأدلّة الدالة التي سنذكرها بعدُ، أنّ مراد الله من مسحهما العموم، وكان لعمومهما بذلك معنى الغسل والمسح فبيِّنٌ صواب قرأة القراءتين جميعًا، أعني النصب في الأرجل والخفض؛ لأنَّ في عموم الرجلين بمَسحهما بالماء غسلُهما، وفي إمرار اليد وما يقوم مقام اليد عليهما مسحُهما.

انظر الآن الذين نسبوا إلى أبي جعفر الطبري التخيير بين الغسل والمسح فهموا من كلامه هذا أنَّه يخير، لكنه في آن.. أو من فهم من كلامه الجمع بين الغسل والمسح، لا، الغسل كما ذكرنا مرارًا بالماء، والمسح باليد.

فوجه صواب قراءة من قرأ ذلك نصبًا لما في ذلك من معنى عمومها بإمرار الماء عليهما. ووجهُ صواب قراءة من قرأه خفضًا، لما في ذلك من إمرار اليد عليها، أو ما قام مقام اليد، مسحًا بهما. غير أنَّ ذلك وإن كان كذلك، وكانت القراءتان كلتاهما حسنًا صوابًا، فأعجب القراءتين إليّ أن أقرأها...، الآن يرجح بين القرائتين، فأعجب القراءتين إليّ أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضًا، يرجح قراءة الجر؛ لما وصفت من جمع المسح المعنيين اللذين وصفت.

لماذا اختار قراءة الخفض؟ لأنَّها أبلغ من قراءة النصب عنده، يعني على فهمه أنَّ قراءة الجر أبلغ في الغسل من قراءة النصب، وإنَّما قال: فأعجب القراءتين إليّ أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضًا، لما وصفت من جمع المسح المعنيين اللذين وصفت؛ ولأنَّه بعد قوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [سورة المائدة 6] فالعطف به على الرؤوس مع قربه منه، أولى من العطف به على الأيدي، وقد حيل بينه وبينها بقوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [سورة المائدة 6].

فإن قال قائل: وما الدليل على أنَّ المراد بالمسح في الرجلين العموم، دون أن يكون خصوصًا، نظيرَ قولك في المسح بالرأس؟ يعني زيادة توضيح، وزيادة تقرير لمذهبه المتشدد في غسل الرجلين، لا ما يُذكر عنه من ...

المُقَدِّم: التخفيف.

التساهل والتسامح والتخفيف في مسح الرجلين، فإن قال قائل: وما الدليل على أنَّ المراد بالمسح في الرجلين العموم، دون أن يكون خصوصًا، نظيرَ قولك في المسح بالرأس؟

قيل: الدليل على ذلك، تظاهرُ الأخبار عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: «ويل للأعقاب وبُطون الأقدام من النار» ولو كان مسح بعض القدم مجزئًا من عمومها بذلك لما كان لها الويل بترك ما ترك مسحه منها بالماء بعد أن يُمسح بعضها؛ لأنَّ من أدَّى فرض الله عليه فيما لزمه غسلُه منها لم يستحق الويل، بل يجب أن يكون له الثواب الجزيل. وفي وجوب الويل لعَقِب تارك غسل عَقِبه في وضوئه، أوضحُ الدليل على وجوب فرض العموم بمسح جميع القدم بالماء، وصحةِ ما قلنا في ذلك، وفسادِ ما خالفه. ثم ذكر روايات حديث «ويل للأعقاب من النار» وأفاض في ذلك، يعني ذكرها من وجوه وطرق كثيرة بعضها قد لا يوجد عند غيره.

المُقَدِّم: رحمه الله.

فهل بعد هذا يُمكن أن يُقال: إنَّ الإمام أبا جعفر محمد بن جرير الطبري يقول بمسح الرجلين؟ يُمكن أن يُقال بعد هذا؟

المُقَدِّم: أبدًا.

لا يُمكن، ولو قيل: إنَّ مذهب الطبري في الرجلين أشد من مذاهب غيره لكان ظاهرًا من كلامه. ثم قال.. أورد إشكال الطبري على قوله، ثم قال: قال أبو جعفر فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما حدثكم به.. فذكر بإسناده عن أوس بن أبي أوس، قال: « رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على نعليه، ثم قام فصلى»، وحديث حذيفة قال: « أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سُبَاطة قوم فبال عليها قائمًا، ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على نعليه»، «ومسح على نعليه»، «ومسح على نعليه».   

المُقَدِّم: ما تقتضي.

نعم، ما تقتضي الغسل، حديث أوس بن أبي أوس، قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على نعليه، ثم قام فتوضأ»، لكن هذه الرواية الأكثر ما فيها أنَّه بال، وسيأتي في رواية أنَّه فيها أنَّه بال فتوضأ، حديث أوس بن أبي أوس، وحديث حذيفة: «أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سُبَاطة قوم فبال عليها قائمًا، ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على نعليه»، وما أشبه ذلك من الأخبار الدالة على أنَّ المسح ببعض الرجلين في الوضوء مجزئ؟

قيل له: أمَّا حديث أوس بن أبى أوس فإنَّه لا دلالة فيه على صحة ذلك، إذ لم يكن في الخبر الذي روي عنه ذكر أنه رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- توضأ بعد حدَثٍ يوجب عليه الوضوء لصلاته، فمسح على نعليه، أو على قدميه. وجائز أن يكون مسحه على قدميه الذي ذكره أوس كان في وضوء توضأه من غير حدث، هو على طهارة من الأصل، جائز أن يكون مسحه على قدميه الذي ذكره أوس كان في وضوء توضأه من غير حدث، كان منه وجب عليه من أجله تجديد وضوئه؛ لأنَّ الرواية عنه- صلى الله عليه وسلم- أنَّه كان إذا توضأ لغير حدث، كذلك يفعل، يخفف، يدل على ذلك,, ثم ذكر بإسناده إلى علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- شرب في الرحبة قائمًا، ثم توضأ ومسح على نعليه وقال: هذا وضوء من لم يحْدِث، هكذا رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صنع.

وأمَّا حديث حذيفة فإن الثِّقات الحفَّاظ من أصحاب الأعمش، يقول: وأمَّا حديث حذيفة.. فيه أنَّه بال، «أتى سباطة قوم فبال قائمًا» هذا في السبعة، وأمَّا حديث حذيفة فإن الثِّقات الحفَّاظ من أصحاب الأعمش حدثوا به، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة: «أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- أتى سُبَاطة قوم فبال قائمًا، ثم توضأ ومسح على خفيه». ما هو بنعليه؟ «مسح على خفيه» هذا فيه إشكال؟    

المُقَدِّم: أبدًا.

ما فيه إشكال، ولم يُنقل هذا الحديث عن الأعمش، ولم ينقُل هذا الحديث عن الأعمش غير جرير بن حازم، ولو لم يخالفه في ذلك مخالف، يقول: ولم ينقل هذا الحديث عن الأعمش غير جرير بن حازم، يقول: ولو لم يخالفه في ذلك مخالف، لوجب التثبت فيه لشذوذه، يعني يخالف جميع الأدلة التي جاءت بإسباغ الوضوء، وغسل العقبين، لوجب التثبت فيه لشذوذه، فكيف والثِّقات من أصحاب الأعمش يخالفونه في روايته وما روى من ذلك، ولو صح ذلك عن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان جائزًا أن يكون... يقول: ولم ينقل هذا الحديث عن الأعمش غير جرير بن حازم، ولو لم يخالفه في ذلك مخالف، لوجب التثبت فيه لشذوذه، لشذوذه، لمخالفته عموم أحاديث الطهارة، فكيف والثِّقات من أصحاب الأعمش يخالفونه في روايته ما روى من ذلك، يعني فيه شذوذ لمخالفة العامة لنصوص الطهارة.

المُقَدِّم: فيه مخالفة.

فيه شذوذ أيضًا لمخالفته.

المُقَدِّم: لمخالفته النقلة.

لـ عموم من يروي عن الأعمش، فكيف والثِّقات من أصحاب الأعمش يخالفونه في روايته وما روى من ذلك، ولو صح عن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان جائزًا أن يكون مسح نعليه وهما ملبوستان فوق الجوربين، وإذا جاز ذلك لم يكن لأحد صرفُ الخبر إلى أحد المعاني المحتمِلِها الخَبرُ إلا بحجة يجب التسليم لها.

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد أن ذكر رواية جرير بن حازم، ورواية غيره من الحفاظ عن الأعمش قال: يحتمل الجمع بينهما بأن يكون في رجليه خفان وعليهما نعلان، يعني مثل ما قال الطبري: جوربين ونعلين.

ابن كثير يقول: ويحتمل الجمع بينهما بأن يكون في رجليه خفان، وعليهما نعلان، الخفان موجودان في حديث حذيفة، «مسح على خفيه»، والنعلان موجودان في حديث.. 

المُقَدِّم: جرير.

أوس بن أبي أوس، الذي هو حديث جرير.

المُقَدِّم: في رواية جرير.

ثم قال-يعني ابن عباس-: «هكذا رأيت» انتهى كلام الطبري، وبقي..

المُقَدِّم: طبعًا النقل عن ابن كثير ليس قبل قليل لما تقول ابن كثير يرى..

هذا كلام ابن كثير، كأنَّه ينتقد أو يتعقب ابن جرير في تضعيفه لرواية جرير بن حازم، هو يصححها، وهو يقول: تُحمل على أنَّ عليه خفين، وفوقهما نعلان.

نعود إلى الحديث في آخر جملة «ثم قال».

المُقَدِّم: «هكذا رأيت».

ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: «هكذا رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتوضأ»، وتقدم أنَّ أبا داود زاد في أوله من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم: «أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتوضأ، فدعا بإناء فيه ماء»، وللنسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد في أول الحديث «توضأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فغرف غرفة».. الحديث، يعني أنَّ ابن عباس- رضي الله عنهما- كان يصف وضوء النبي- عليه الصلاة والسلام- تارة بالقول.

المُقَدِّم: نعم، وتارة بالفعل.

وتارة بالفعل.

 قال ابن بطال: فيه الوضوء مرة مرة، في الحديث الوضوء مرة مرة، وفيه أنَّ الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهر، وهو قول مالك، مالك يرى أنَّ الماء المستعمل طاهر، حتى نُقل عن المالكية أنَّه أولى بالتطهير؛ لأنَّ الطهور صيغة مبالغة، والمبالغة يعني استعمل كثيرًا في التطهير، وهذه فيها خفاء وغموض سنأتي إليه ولو كان في الحلقة فسحة بسطناها.

المُقَدِّم: لا، لعلنا نبسطها في حلقة إن شاء الله مستقلة.

طيب، فيه الوضوء مرة مرة، وفيه أنَّ الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهر، وهو قول مالك والثوري، والحجة لذلك أنَّ الأعضاء إذا غُسلت مرة فإنَّ الماء إذا لاقى أول جزء من أجزاء الوضوء فقد صار مستعملًا، ثم يمر به على كل جزء بعده وهو مستعمل فيجرئه، فلو كان الوضوء بالماء المستعمل لا يجوز لم يجز الوضوء مرة مرة؛ لأنَّ الغرفة لا تستوعب العضو، تصب على العضو ثم تسال إلى بقيته، فصار مستعملًا، ولمَّا أجمعوا أنَّه جائز استعماله في العضو الواحد كان في سائر الأعضاء كذلك، يعني نستعمل بقية اليد للرأس، وبقية الرأس إن بقي، إن تصور بقاء على كل حال فهذا الماء المستعمل يستعمل من عضو إلى عضو.

قال ابن حجر: وأجيب بأنَّ الماء مادام متصلًا باليد مثلًا لا يسمى مستعملًا حتى ينفصل، وفي الجواب بحث.

وفي شرح الكرماني أقول: لا حجة فيه للإمام مالك، إذ الماء مادام متصلًا بالعضو فهو في نفس الاستعمال فلا يصدق عليه أنَّه صار مستعملًا، نعم إذا انفصل وفرغ من الاستعمال يصدق عليه أنَّه مستعمل، ثم لا نسلم الملازمة بين المجمع عليه وغيره؛ لقيام الفارق بينهما بالانفصال.

ماذا يقول؟ توارد كلام ابن حجر مع كلام الكرماني أنَّه مادام في العضو لا يسمى مستعملًا، يقول: ثم لا نسلم الملازمة في المجمع عليه وهو الماء المستعمل في العضو الواحد، وغيره المستعمل في عضوين من عضو إلى عضو، لا نسلم الملازمة بين المجمع عليه وغيره؛ لقيام الفارق بينهما بالانفصال، في العضو الواحد ما حصل انفصال، في العضوين...

المُقَدِّم: حصل.

حصل انفصال الذي هو دليل الاستعمال وعدمه ثم صورة الإجماع التي هي استعمال الماء المستعمل للعضو الواحد خرجت بالدليل وهو الإجماع، فيبقى الحكم في غيره على أصله وهو الاستعمال. انتهى كلام الكرماني، وسيأتي مزيد بسط لهذه المسألة، وهي الماء المستعمل وغير المستعمل إن شاء الله تعالى في حلقات لاحقة.

المُقَدِّم: الحديث ما ورد في البخاري؟

ما فيه أطراف، ما فيه أطراف.

المُقَدِّم: في هذا الموضع.

نعم.

المُقَدِّم: ولم يرد عند مسلم.

لا، لا.

المُقَدِّم: نعم، جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم.

 

 أيُّها الإخوة والأخوات، بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، نلتقي بخير بإذن الله في حلقة قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.