كتاب الجامع من سبل السلام (2)

نعم.

"الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا والسامعين.

أما بعد،

فقال في البلوغ وشرحه في باب الأدب من كتاب الجامع:

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر»، بالجيم والدال المهملة فراء أي أحق.."

وأحرى أحق، وأحرى.

أحسن الله إليك.

ألا تزدروا» تحتقروا، «نعمة الله عليكم» علة للأمر والنهي مع.."

يعني هذا في أمور الدنيا تنظر إلى من دونك؛ لأنك إذا نظرت من فوقك لا شك أنك تتصور أنك مهضوم، وأنك مظلوم، وأن فلانًا مفضَّل عليك، وتزدري نعمة الله عليك، لكن إذا نظرت لى من دونك حمدت الله وشكرته على النعمة التي أسداها إليك وأعطاك إياها من غير حول منك ولا قوة، هذا بالنسبة لأمور الدنيا، لكن في أمور الدين يجب النظر إلى من هو فوق، ولا يجوز النظر إلى من هو دون؛ لأن النظر إلى من هو فوق يحدوك إلى العمل والزيادة فيه، وأما النظر إلى من دون فيثبط همتك ويجعلك تخفف.

أحسن الله إليك.

"متفق عليه.

 الحديث إرشاد للعبد إلى ما يشكر به النعمة، والمراد بمن هو أسفل من الناظر في الدنيا فينظر إلى المبتلى بالأسقام، وينتقل منه إلى ما فضل به عليه من العافية التي هي أصل كل إنعام، وينظر إلى من في خلقه نقص من عمى أو صمم أو بكم، وينتقل إلى ما هو فيه من السلامة عن تلك العاهات التي تجلب الهم والغم، وينظر إلى من ابتلي بحب الدنيا وجمع حطامها، والامتناع عما يجب عليه من الحقوق، فيعلم أنه قد فضل منها على من الحقوق فيعلم أنه قد فضل فيعلم.."

قد فُضِّل بالإقلال.. ماذا عندك؟

أنا عندي فيعلم أنه قد فُضِّل منها عليه من الحقوق، فيعلم أنه قد فُضِّل عليه بالإقلال.

نعم لا بأس.

والزيادة..

فيه تكرار.

أحسن الله إليك.

"فيعلم أنه قد فُضِّل عليه منها من الحقوق، ويعلم أنه قد فضل عليه بالإقلال، وأنعم عليه بقلة تبعة الأموال في الحال والمآل، وينظر إلى من ابتلي بالفقر المدقع أو بالدَّين المفضع، ويعلم ما صار إليه من السلامة من الأمرين، وتقرب ما أعطاه به بما أعطاه ربه العين وما من مبتلى في الدنيا بخير أو شر إلا ويجد من هو أعظم منه بلية، فيتسلى به، ويشكر ما هو فيه مما يرى غيره ابتلي به، وينظر من هو فوقه في الدين فيعلم أنه من المفرِّطين، فبالنظر الأول يشكر ما لله عليه من النعم، وبالنظر الثاني يستحيي من مولاه، ويقرع باب المتاب بأنامل الندم فهو بالأول مسرور بنعمة الله، وفي الثاني منكسر النفس حياء من مولاه، وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا «إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المعالي والخلُق فلينظر إلى من هو أسفل منه»."

وهو في معنى حديث الباب.

طالب: .........

في المال والخلْق.

أحسن الله إليك.

"وقد أخرج من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «إذا نظر أحدكم من فضل عليه في المال والخلْق فلينظر إلى من هو أسفل منه».

 وعن النواس بفتح النون وتشديد الواو وسين مهملة، ابن سمعان بفتح السين المهملة وكسرها وبالعين المهملة ورد أبوه سمعنا الكلابي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزوجه ابنته، وهي التي تعوذت من النبي -صلى الله عليه وسلم-، سكن النواس الشام وهو معدود منهم، وفي صحيح مسلم نسبته إلى الأنصار، قال المازري والقاضي عياض: المشهور أنه كلابي، ولعله حليف الأنصار.

 قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن البر والإثم فقال: «البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس»، أخرجه مسلم، قال النووي: قال العلماء: البر يكون بمعنى الصلة، وبمعنى الصدقة، وبمعنى اللطف والمبرة، وحسن الصحبة والعشرة، وبمعنى الطاعات، وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق، قال القاضي عياض: حسن الخلق مخالقة الناس بالجميل والبشر والتودد لهم، والإشفاق عليهم، واحتمالهم، والحلم عنهم والصبر عليهم في المكاره، وترك الكبر والاستطالة عليهم، ومجانبة الغلظة والغضب والمؤاخذة، وحكى فيه خلافًا هل هو غريزة أو مكتسب؟

والصحيح أنه منه ما هو غريزة، ومنهم ما هو مكتسب بالتخلق والاقتداء بغيره. وقال الشريف في التعريفات قيل: حسن الخلق هيئة راسخة تصدر.."

الجرجاني.

 أقول: الشريف الجرجاني له كتاب التعريفات مشهور مشهور ونافع على اختصاره إلا أنه في آخره شرح فيه اصطلاحات ابن عربي في الفتوحات.

وقال الشريف في التعريفات: قيل: حسن الخلق هيئة راسخة تصدر عنها الأفعال المحمودة بسهولة ويسر من غير حاجة إلى إعمال فكر وتكلف وروية، انتهى.

 قيل: ويجمع حسن الخلق قوله طلاقة الوجه، وكف الأذى، وبذلك المعروف حسن الخلق، وقوله: والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس، أي تحرك الخاطر في صدرك، وترددت هل تفعله أو لا تفعله فلم ينشرح له الصدر؛ لخشية اللوم من الله تعالى أو من الناس، ولم يحصل الطمأنينة في فعله؛ لكونه إثمًا لا لوم فيه، لكونه إثمًا لا لوم فيه.."

يعني ما حصل ما جزمت بأنه حلال أو حرام.

"أو تتركه؛ خشية اللوم عليه من الله سبحانه وتعالى ومن الناس لو فعلته، فلم ينشرح به الصدر، ولا حصلت الطمأنينة بفعله؛ خوف كونه ذنبًا، ويفهم منه أنه ينبغي ترك ما تردد في إباحته أو حظره.

 وفي معناه حديث: «دع ما يريبك..»."

يعني ما تردد في إباحته، ما تردد في إباحته يعني هل هو من الممنوع أو من المباح؟ ترددت فيه اتركه، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

"ويُفهَم منه أنه ينبغي ترك ما تردد في إباحته أو حظره، وفي معناه حديث: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، أخرجه البخاري من حديث الحسن بن علي.

 وفيه دليل على أن الله تعالى قد جعل للنفس إدراكًا لما لا يحل فعله، وزاجرًا عن فعله بمجرد النفس."

قف على هذا.

أحسن الله إليك.

 

اللهم صل وسلم على البشير النذير والسراج المنير...