الحديث الأول مُخرَّج في (المسند) [9707] والسنن [أبو داود: 2337] من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، وحَكمَ جمعٌ من الحفاظ من الأئمة المتقدمين بأنه حديث منكر، وصححه جمعٌ من المتأخرين، وإذا حصل مثل هذا حينما يكون للمتقدمين قول، فإن اختلف المتقدمون كان للمتأخر حق النظر، وإن اتفق المتقدمون على شيء فمِن أهل العلم من يرى أنه قد يَجدُّ للمتأخر طُرقٌ لهذا الحديث قد تخفى على المتقدم وبها يصححه، ومنهم من يقول: إنه ليس للمتأخر النظر؛ لأن الأئمة هم الأصل وعليهم المعوّل، واجتمع لديهم من الطرق ما لا يجتمع لغيرهم، فهم حفاظ الأثر، ويحفظون مئات الألوف من الأحاديث والأخبار، فالإمام أحمد –مثلًا- يحفظ سبعمائة ألف حديث، مَن يقارب ويداني هذا الحفظ من المتأخرين؟ لكن كما قيل: «رُب مُبلّغ أوعى من سامع» [البخاري: 1741]، و(كم ترك الأول للآخر)، وعلى كل حال الاجتهاد لا يُحْجَر. يبقى أن الأئمة المتقدمين حكموا على الحديث بأنه منكر، ولو لم يكن في ذلك إلا ما قيل في العلاء وما عنده من أوهام، إضافة إلى أنه مُعَارَضٌ بحديثٍ متفق على صحته، وهو حديث: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين» [مسلم: 1082] [ويُنظر: البخاري: 1914] ومفهومه: أن ثلاثة أيام لا شيء في صيامها، وهذا بعد أن ينتصف شعبان بلا ريب، فهو مُعارض بما هو أقوى منه.
قد يقول قائل: إن المنطوق مقدَّم على المفهوم، لكن مسألتنا ليست في أحاديث متساوية الرتبة لنقول: إن المنطوق مقدَّم على المفهوم، بل الأحاديث هنا متفاوتة في الرتبة، هذا متفق على صحته، وذاك فيه كلام طويل لأهل العلم، ومِن أهل العلم مَن يرى أنه لا مانع مِن ثبوته على ما صححه جمع من المتأخرين، لكنه يُحمل على حالة الابتداء بالصيام، كشخصٍ لم يَصم ولا يوم من النصف الأول، نقول: لا تصم من النصف الثاني شيئًا، لكن من صام مِن أوله، وأراد أن يستمر على صيامٍ اعتاده كالاثنين والخميس، وأيام البِيض، وما أشبه ذلك فليس هناك ما يمنعه، فيُحمل على هذه الصورة عند مَن يصححه.
يقول السائل: (ما صحة قوله –صلى الله عليه وسلم-: «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان»؟).
هذا الحديث مُخرَّج في (زوائد عبد الله ابن الإمام أحمد على مسند أبيه) [المسند: 2346]، وهو أيضًا مخرج عند البزار [6496]، وابن السُنَّي [عمل اليوم واليلة: 659]، والطبراني في (الدعاء) [911] وعند غيرهم، لكنه حديث منكر لا يصح.