لما مُرَّ على النبي -عليه الصلاة والسلام- بجنازة فأثنوا عليها خيرًا فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «وجَبَتْ وجَبَتْ» ثم مُرَّ بجنازة أخرى فأثنوا عليها شرًا فقال -عليه الصلاة والسلام-: «وجَبَتْ وجَبَتْ»، ثم قيل له: ما وجبت وجبت؟ قال: «هذا أثنيتم عليه خيرًا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض» [البخاري: 1367/ ومسلم: 949]، هذا إذا كان القصد منه بيان الواقع للإنسان لاسيما من يُخشى منه الضرر فهذا يُتكلم فيه بما يستحقه؛ لئلا يتعدى ضرره ومخالفته وبدعته إلى الناس، وإلا فالأصل النهي عن إبداء مساوئ الأموات، «اذكروا محاسن موتاكم، وكُفُّوا عن مساويهم» [أبو داود: 4900]، أما مَن يُخشى تعدي شرُّه وبدعتُه فلا مانع من تبيينه كما بيَّن العلماء أحوال الرواة جرحًا وتعديلًا، فمثل هذا من باب النصيحة، لكن يتقي الله -جل وعلا- مَن يتصدى لهذا الأمر ويسأل نفسه: هل الحاجة داعية إلى مثل هذا الكلام؟ هل لا يسعه السكوت في مثل هذا؟ وإذا أمكن بيان الحكم متعلقًا بالوصف أغنى عن بيان الحكم المتعلق بالشخص، إنما تُذكر الأوصاف، وتُذم الأوصاف المذمومة من الشرع وتُمدح الأوصاف الممدوحة، ولا يُتعرض للأشخاص بأعيانهم اللهم إلا إذا لم يتم البيان إلا بذكر الشخص الذي يُخشى من ضرره المتعدي فحينذٍ أهل العلم فعلوا ذلك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «بئس أخو العشيرة» [البخاري: 6032]، المقصود أنَّ مثل هذا لا يُتخذ ذريعةً ويُتوسع فيه ويُسترسل فيه فيُقدح في مَن في قدحه مصلحة ومَن لا مصلحة مِن جراء قدحه، فلا شك أن أعراض المسلمين محفوظة، كما قال ابن دقيق العيد: (أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها العلماء والحكام)؛ لأنهم هم الذين يحتاجون في الغالب للكلام في الناس، فعليهم أن يحتاطوا لهذه الأعراض، هذا فهم لبعض أهل العلم لمثل هذا الكلام، ومنهم من يقول: إنَّهم هم أكثر مَن يتكلم فيهم الناس، فهم يقفون على شفير هذه الحفرة يَدفعون مَن يتكلم فيهم في هذه الحفرة، والله المستعان.
على كل حال الغيبة محرمة، وأشدُّ منها النميمة، وأكل لحوم المسلمين لا شك أنه من عظائم الأمور ومن الكبائر التي جاء الوعيد عليها.