أما ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يَلْحَظ في صلاته [الترمذي: 587]؛ فقد كان هذا بعينه، وقد نظر إلى الشِّعب مرَّة؛ خشيةً من قدوم عدوٍّ [أبو داود: 916]، فمثل هذا الالتفات عند أهل العلم مكروه، لكن الكراهة تزول بأدنى حاجة عندهم، فالالتفات بالعنق -لا بالبدن- مكروه، وما حصل منه -عليه الصلاة والسلام- فإنه من هذا النوع، أما الانحراف عن القبلة؛ فهذا مبطل للصلاة.
وكانوا يتكلَّمون في الصلاة حتى نزل قول الله -جلَّ وعلا-: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، فسكتوا [البخاري: 1200]. فكونه يتحرَّك، أو يلتفت، فهذا لا يؤثِّر، إنما هو مكروه عند أهل العلم، وإذا احتيج إليه جاز، كمن يَحُكُّ محلًّا يحتاج إلى حَكٍّ من بدنه، فهذا لا يقول أحد بأنه ممنوع.
(وروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه كان يُجهِّز جيشه وهو في الصلاة) [البخاري تعليقًا: 2/67]، هذا تقدَّم الكلام عليه في مسألة التشريك في العبادة.
(ألا ترى أن هذا متعارض مع الأحاديث الدالة على وجوب الخشوع، لا سيما وأن كلمة العلماء أطبقتْ على وجوب الخشوع؟)، أنا أقول: كلمة العلماء: الجمهور على أن الخشوع سُنَّة، وأوجبه من أوجبه، كابن رجب، والغزالي، وبعض العلماء -رحمهم الله-، لكن كون العلماء أطبقوا على وجوب الخشوع هذا ليس بصحيح، نعم الخشوع لُبُّ الصلاة، وهو الذي يترتَّب عليه الأثر، وهو الأصل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا قام إلى صلاته يُسمع في صدره كأزيز المِرْجَل من الخشوع [أبو داود: 904]. على كل حال الكلام هذا ليس بدقيق.