الله -جل وعلا- امتن على هذه الأمة وجعلها خير أمة أخرجت للناس، ومما امتن الله به على هذه الأمة هذه العبادات العظيمة التي أعلاها قول: لا إله إلا الله، ومنها الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والزكاة التي هي الركن الثالث قرينة الصلاة، ومنها الصيام الذي كُتب علينا كما كُتب على الذين من قبلنا؛ لتحقيق التقوى، والعبادة كلها إنما شُرعت لذلك، وكذلك الحج الذي مَن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ولله المنة على خلقه، {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ} [الحجرات: 17].
هذه العبادات التي وُفِّق المسلم لها وانقاد لها وفرح بها واطمأن إليها، على اختلاف بين المسلمين في أوضاعهم، وما وصلوا إليه بعبادة الله -جل وعلا-، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «يا بلال أرحنا بالصلاة» [أبو داود: 4986]، فكثيرٌ من المسلمين على مرِّ العصور -ولله الحمد- وصل إلى درجة التلذُّذ في العبادات لا سيما في عصر السلف ومَن جاء بعدهم واقتدى بهديهم، فمثل هذا لا يُذَكَّر، وإن كانت الذكرى تنفع المؤمنين، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «يا بلال أرحنا بالصلاة»، وبعض الناس لا يزال في مرحلة المجاهدة، وقد تطول معه، بأن تَثقل عليه العبادات، فمثل هذا عليه أن يتذكَّر النعمة التي أنعم الله بها عليه وحُرم منها كثير من الخلق الذين لا يعبدون الله -جل وعلا-، ولم يُوفقوا لقبول الدعوة، فمثل هؤلاء في شقاء وتعاسة في حياتهم، فضلًا عما ينتظرهم في أخراهم، فالمسلم عليه أن يفرح بهذا الدين، ويفرح بهذه العبادات التي يؤديها. يقول بعضهم: (جاهدنا قيام الليل عشرين سنة، ثم تلذَّذنا به عشرين سنة)، والواقع يشهد بما يحصل لبعض طلاب العلم من التلذُّذ بطلب العلم والقراءة، لا سيما قراءة القرآن، وسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقراءة كتب أهل العلم النافعة، فتجد بعضهم ينسى نفسه وينسى وقت الأكل وينسى وقت النوم، متلذِّذًا بما هو بصدده مما يقربه إلى الله -جل وعلا-.
فعلى المسلم أن يحرص أن يصل إلى هذه المرحلة؛ ليعان على الطاعات، وإن لم يحصل فعليه بالمجاهدة، فيجاهد نفسه على أدائها؛ شكرًا لله -جل وعلا-، ويلهج بقوله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ –رضي الله عنه-: «إني لأحبك، فلا تدعنَّ في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك» [أبو داود: 1522]، والله أعلم.