منزلة المستدرَك بين كتب السُّنة

السؤال
ما منزلة (المستدرك) بين كتب السنة؟
الجواب

(المستدرك) لأبي عبدالله محمد بن عبد الله بن البَيِّع المعروف بالحاكم النيسابوري كتاب من كتب السنة المسندة الأصلية وإن كان متأخرًا، في أواخر القرن الرابع وأول الخامس، هذا الكتاب كتاب كبير، ويجمع أحاديث كثيرة مما استدركه الحاكم على الصحيحين، وقال: في مقدمة مستدركه: (وأنا أستعين الله في إخراج أحاديث رواتها ثقات، احتج بمثلها الشيخان)، فالتزم أن تكون الأحاديث صحيحة مثل أحاديث الصحيحين. وجرَت عادته أنه إذا خرَّج لرواة خرَّج لهم الشيخان قال: (صحيح على شرطهما)، وإذا خرَّج لرواة خرَّج لهم الإمام البخاري دون مسلم قال: (صحيح على شرط البخاري)، وإذا خرَّج لرواة خرَّج لهم الإمام مسلم في صحيحه دون البخاري قال: (صحيح على شرط مسلم)، وإذا خرَّج لرواة ثقات عنده ولم يخرِّج لهم أحد الشيخين قال: (صحيح الإسناد) فحسب. وعلى كل حال مع هذا الاشتراط ما وفَّى -رحمه الله- بما اشترط، ولذا وقع في مستدركه كثير من الأحاديث الضعيفة، بل فيه بعض الموضوعات، بل في بعض ما حكم بصحته ما ضعفُه شديد.

وعلى كل حال الكتاب يُستفاد منه، وعلى التساهل الشديد والخطو الواسع في التصحيح يُستفاد منه بعد تعريض هذه الأحاديث وهذه الأسانيد للنقد على طريقة أهل الحديث. والحافظ العراقي يقول:

وخذ زيادةَ الصحيح إذ تُنَصُّ

بجمعه نحو (ابن حِبَّانَ) الزَّكِي

على تساهل، وقال: ما انفردْ

بِعِلَّةٍ، والحقُّ أن يُحْكَمْ بما .

صحته أو من مصنف يُخَصُّ

و(ابن خزيمة) وكالمستدركِ

به فذاك حسنٌ ما لم يُردّْ

يليقُ، والبُسْتِي يداني الحاكما

فذكر الحافظ العراقي أن الأحاديث الصحيحة الزائدة على الصحيحين تُؤخذ من الكتب الثلاثة، وبدأ بـ(ابن حبان) ثم (ابن خزيمة) ثم (المستدرك)، والأصل من حيث القوة والزمن أن يبدأ بـ(ابن خزيمة) ثم (ابن حبان) ثم (الحاكم)، وهي على هذا الترتيب في القوة، أمثلُها (ابن خزيمة) ثم (ابن حبان) ثم (الحاكم)؛ ولذا قال:

على تساهل، وقال: ما انفردْ

به فذاك حسنٌ ما لم يُردّْ .

(وقال) يعني: ابن الصلاح.

(ما انفرد به) سواء الحاكم أو ابن حبان على تساهله، ولعله يقصد بذلك الحاكم؛ لأنه هو الذي رماه بالتساهل، مع أن ابن حبان متساهل لكنه أمثل من الحاكم، أما ابن خزيمة فهو أمثل من الاثنين.

(ما انفرد به فذاك حسن) فإذا انفرد فإنه يُعطى حكمًا متوسطًا لا صحيح ولا ضعيف، فيُعطى الحُسْن.

والذي دعا ابن الصلاح إلى قوله: (ما انفرد به فذاك حسنٌ ما لم يُرد بعلةٍ) رأيه في انقطاع التصحيح والتضعيف، فيرى أنه يُحكم عليها كلها بأنها حسنة، مع أن هذا ليس بصحيح، ففيه صحيح وفيه ضعيف وفيه حسن وفيه موضوع.

يقول الحافظ العراقي: (والحقُّ أن يُحْكَمْ بما يليقُ)، فيحكم على الحديث بما يليق به من صحةٍ أو حُسنٍ أو ضعفٍ تبعًا لصحة إسناده وسلامة متنه من الشذوذ والنكارة، (يُحْكَمْ بما يليقُ) يعني: به، أي: يُحكم بما يليق به مِن نتيجة دراسة الإسناد والنظر في المتن.

(والبُسْتِي يداني الحاكما) أبو حاتم ابن حِبّان البُستي في صحيحه أيضًا متساهل، لكنه يُقارب الحاكم ولا يماثله، فالحاكم أشد تساهلًا منه، والبُستي أمثل منه، وابن خُزيمة أمثل منهما.