دعاء المأموم عند قراءة الإمام للفاتحة؛ ليوافق تأمين المصلين

السؤال
بعض الناس عند قراءة الإمام للفاتحة وقبل التأمين يدعو بدعوات له ولمن يُحب؛ لكي يُؤمِّن الناس على دعائه عند قول الإمام: {وَلاَ الضَّالِّينَ}، فهل هذا الفعل مشروع؟
الجواب

هذا ممنوع؛ لأنه يتكلم بكلام والإمام يقرأ، والواجب الإنصات لما يقرؤه الإمام، ولم يُستثنَ من ذلك إلا الفاتحة «مالي أُنَازَعُ القرآن؟» [أبو داود: 826]، «لعلكم تقرؤون خلف إمامكم» -هذا في القرآن!- قلنا: نعم هذا يا رسول الله، قال: «لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب» [أبو داود: 823]، فلم يُستثن من ذلك إلا الفاتحة، وإلا فالواجب الإنصات لقراءة الإمام {وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]، فلا يجوز أن يدعو بهذه الدعوات، ولو دعا بمثلها -على حدِّ زعمه- وأمَّن الناس على قراءة الإمام فلا يشمل هذا التأمينُ دعاءَه، إنما هم يؤمِّنون على الدعاء الذي في الفاتحة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6-7]، فإذا قال: {وَلاَ الضَّالِّينَ} قالوا: آمين، وهو -أي الإمام- يقول: آمين، فهذا التأمين لا يشمل دعاءَه وإن وُجِد بعد هذا الدعاء، مع أنه مخالَفة للأمر بالإنصات في الصلاة، والقيامُ للقراءة ليس محلًّا للدعاء، فلا وجه لمثل هذا الدعاء.

ومن مواطن الدعاء في الصلاة:

- بين السجدتين، وهو معروف مكانه «رب اغفر لي وارحمني» [ابن ماجه: 898] إلى آخره.

- وفي السجود؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح «أما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم» [مسلم: 479].

- وكذلك إذا فرغ من التشهد والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإنه يدعو بما أحب ويتعوذ بالله من أربع.

- أيضًا بعض أدعية الاستفتاح فيها دعاء مثل: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» [البخاري: 744/ ومسلم: 598]، هذا دعاء فهو من مواضعه، لكن لا بد أن يلتزم فيه بالوارد، فلا يجتهد ولا يدعو بخلاف ذلك، وفي الاستفتاحات صيغ وأنواع يُقال بعضها أحيانًا ويُقال بعضها أحيانًا، وكلها صحيحة، وهذا من اختلاف التنوع.

وبالنسبة للدعاء للإمام جاء في الحديث أنه لا يجوز للإمام أن يؤم الناس ويخص نفسه بدعوة دون المأمومين [أبو داود: 90]، مع أنه جاء في الحديث الصحيح في الصحيحين وغيرهما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي»، وابن خزيمة وهو المعروف بالقدرة على الجمع بين الأحاديث المختلفة حكم على حديث ثوبان الذي في النهي عن تخصيص الإمام نفسه بالدعوة دون المأمومين بأنه موضوع، لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال في الحديث الصحيح: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي»، فقال ابن خزيمة: الحديث هذا موضوع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- خصَّ نفسه بين السجدتين فكان يقول: «رب اغفر لي وارحمني» إلى آخره، فخصَّ نفسه بدعوة دونهم، ولا يلزم الإمام في الاستفتاح أن يقول: "اللهم باعد بيننا وبين الخطايا"، فحَكم إمام الأئمة ابن خزيمة بأن الخبر الثاني موضوع؛ لمخالفته ومعارضته ما في الصحيح، ولكن العلماء تمكنوا من الجمع بين هذا وهذا، فشيخ الإسلام له رأي في المسألة وهو أن الدعاء الذي لا يقوله الإمام ويُفرِد به نفسه هو الدعاء الذي يُؤمَّن عليه كدعاء القنوت، فلا يجوز للإمام أن يقول: «اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت» [أبو داود: 1425] والمأمومون يؤمِّنون! لا يجوز له ذلك، فلا يجوز له أن يخصَّ نفسه بدعوة دونهم وهم يؤمِّنون، فخصَّه شيخ الإسلام بالدعاء الذي يُؤمَّن عليه بدليل ما جاء في الصحيح من قوله –صلى الله عليه وسلم-: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي»، والسخاوي له رأي في الجمع والتوفيق بين هذه الأدلة بأن الدعاء الذي لا يجوز للإمام أن يُفرد نفسه فيه ويخصَّ نفسه فيه هو الدعاء الذي لا يَشترك فيه الإمام والمأموم يعني بالنصوص، وأما ما يشترك فيه الإمام والمأموم فللإمام أن يُفرد نفسه؛ لأن المأموم سيقوله، ولكن كلام شيخ الإسلام أوضح وأظهر.