المدة والمسافة التي يُترخص بها في السفر

السؤال
هل الإقامة ثمانية أيام في بلد يَبعد ستمائة كيلٍ يجيز لي الترخُّص برُخص السفر؟ أم لا بد أن تكون الإقامة أربعة أيام فقط؟ وأرجو تفصيل الأقوال حتى يتبين القول الصحيح؟
الجواب

المسألة في المسافة والمدة من المسائل الخلافية التي حصل فيها الخلاف بين أهل العلم، وأكثر أهل العلم على تحديد المسافة والمدة، فالمسافة تُقدَّر بمسيرة يومين قاصدين، وتُحسب بالأكيال بما يقرب من ثمانين كيلًا، وأما المدة فالأكثر على أنها أربعة أيام، ومن أهل العلم مَن يرى الإطلاق، فما دام الوصف المؤثر -وهو السفر- قائمًا، فللمسلم أن يترخص ما دام متصفًا بهذا الوصف المؤثر الذي هو السفر، وهذا ينصره شيخ الإسلام ابن تيمية، لكن الجمهور على التحديد، وابن عباس –رضي الله عنهما- يقول: "ما بين مكة والطائف، وما بين مكة وعُسْفان، وما بين مكة وجدة" [الموطأ: 1/148]، وكلها متقاربة- ثمانين كيلًا تقربيًا-، مسيرة يومين، المقصود أن الترجيح في هذه المسألة لا شك أنه يحتاج إلى دليل قوي يُقيِّد النصوص المطلقة، مما جعل شيخ الإسلام يرى عدم التحديد، ويقول بقوله جمع من أهل العلم، لكن ترتب على قول شيخ الإسلام -لا سيما وأن عموم المسلمين لا يستطيع أن يقدِّر هذه الأمور قدرها- فترتب على القول بالإطلاق خلل في هذه العبادات من قِبل ممارسات بعض المسافرين، فتجده يمكث السنين الطويلة لا يُصلي مع الجماعة، ولا يصوم مع الناس، ويترخص فيجمع ويقصر، فهذا ترتب عليه الضياع، مماجعل بعض المهتمين بالدليل يقولون بقول الجمهور، وإن كان الدليل لا شك أنه قد لا ينهض على التقييد إلا من بُعد، فمثلًا: قوله -عليه الصلاة والسلام- للمهاجرين بعد حجهم، ونهيه إياهم عن المُكث أكثر من ثلاثة أيام [البخاري: 3933]، فرخص لهم في المكث ثلاثة أيام لماذا؟ لأن المهاجر ممنوع من الإقامة في البلد الذي هاجر منه، فتحديده الإقامة وإذنه لهم بالإقامة ثلاثة أيام يدل على أن ما فوق الثلاثة إقامة، فالأربعة إقامة، وأيضًا النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قدم صبيحة رابعة [البخاري: 1085] ومكث إلى اليوم الثامن في مكة [مسلم: 1218] يصلي الصلاة في أوقاتها ويقصرها، قالوا: إن هذه المدة هي المدة التي لو أقام أكثر منها لصار حكمه حكم المقيم، مع أن الدليل في هذا لا ينهض، أما تحديد الإقامة لمن هاجر من مكة بعد قضاء النسك بثلاثة أيام، هذا من أقوى الأدلة التي يُستدل بها لقول الجمهور، مع أن الجمهور يختلفون في المدة، لكن الأكثر يحددونها بأربعة أيام، وهذا لا شك أنه يضبط هذه العبادة العظيمة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام التي تعرضت للضياع من قِبل بعض المُطبقين لقول شيخ الاسلام ومن يقول بقوله، ولا شك أن الاحتياط لهذه العبادة واجب، فقول الجمهور أحوط، وأبرأ للذمة وأحفظ للصلاة.