الدخول على مريض بمرض مُعدٍ

السؤال
ما حكم الدخول على مريض بمرض مُعدٍ؛ لأجل قراءة الرقية الشرعية عليه؟
الجواب

ثبت في الحديث الصحيح من قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا عدوى ولا طيرة» [البخاري: 5772]، وبهذا ينفي النبي -عليه الصلاة والسلام- وجود العدوى مع أنه ثبت عنه أنه قال: «فر من المجذوم كما تفر من الأسد» [البخاري: 5707]، وتختلف أنظار أهل العلم للتوفيق بين الحديثين، فمن أثبت العدوى واستدل بحديث «فر من المجذوم كما تفر من الأسد» قال: «لا عدوى» بمعنى أن المرض لا ينتقل بنفسه ولا يسري بذاته من المريض إلى السليم، بل بتقدير الله -جل وعلا-، والمخالطة سبب للانتقال، ومن ينفي العدوى بالكلية يقول: الأصل أنه «لا عدوى»، ومخالطة الصحيح للمريض كمخالطة الصحيح لا أثر لها، و«فر من المجذوم»؛ لئلا يُمرَض الصحيح بنفس المرض ابتداء من الله -جل وعلا-، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «فمن أعدى الأول؟» [البخاري: 5775]، فيظن أن المرض جاءه من مخالطة هذا المريض، فيقع في مخالفة حديث «لا عدوى»، ويقع في حرج؛ لأنه يقع في مخالفة حديث صحيح، ولذلك قيل له: اجتنب هذا المريض «فر من المجذوم كما تفر من الأسد»؛ لئلا تصاب بالجذام، فتظن أنه انتقل بسبب المخالطة، فتقع في مخالفة حديث «لا عدوى»، وهذا من باب الاهتمام بالنصوص وعدم مخالفتها، فلا يُوجَد في نفسه ما يجعله يخالف الحديث الصحيح.

ومن العلماء من يقول: إن «لا عدوى» هي الأصل، و«فر من المجذوم» أن الجذام فقط هو الذي يُعدي، وهذا من باب التخصيص، ففر من المجذوم وأما غير المجذوم فلا تفر منه؛ لأنه «لا عدوى».

فعلى كل حال سواء قلنا بهذا أو ذاك أقوال العلماء معروفة ومشهورة، فالمرض لا ينتقل بنفسه ولا يسري بذاته بل الله -جل وعلا- جعل المخالطة سببًا في الانتقال، وهذا لا شك أنه هو المنصور المرجح عند الأطباء في العصور الأخيرة، وعلى هذا فعلى الداخل على المريض بالمرض الذي يقرر الأطباء أنه مُعدٍ في الغالب أن يحتاط لنفسه، ويبذل من الأسباب ما يجعل المرض لا يتعدَّى إليه بتقدير الله -جل وعلا-، ويبذل نفع الرقية لأخيه، فيرقيه علَّ الله أن ينفعه بهذه الرقية.

والكلام في هذه المسألة طويل جدًّا، ولابن القيم -رحمه الله- في (مفتاح دار السعادة) كلام كثير ونفيس.