المراد بـ{هنالك} في قول الله تعالى: {هنالك دعا زكريا ربه}

السؤال
ما المراد بقوله: {هُنَالِكَ} في قول الله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}؟
الجواب

قوله: {هُنَالِكَ} [آل عمران: 38] قال المفسرون: إن معناها: عند ذلك، أي: عند رؤية ما رأى عند مريم من رزق الله الذي رزقها، وفضله الذي آتاها من غير تسببِ أحدٍ من الآدميين في ذلك لها. فلمَّا دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا، فسألها عنه، فقالت: هو من عند الله، من غير تسببٍ من آدميٍّ ولا غيره، فهو من عند الله، فلمَّا رأى هذه الكرامة طلب من الله –جلَّ وعلا- عند ذلك -أي: عند رؤية هذه الكرامة- أن يهب له من لدنه ذريةً طيبة، فاستجاب الله دعاءه رغم كِبر سنه، وكون امرأته عاقرًا،  فالله بيده خزائن الأمور كلها، وبيده أمور الدنيا والآخرة، ومفاتيح كل شيء بيده، والخزائن كلها بيده، فإذا سأله العبد بصدق وإخلاص وإلحاح وتعرَّض لنفحاته مع بذل الأسباب ونفي الموانع -موانع القبول-، وكان ذلك في الأوقات التي يُستجاب فيها الدعاء، فإن الله لا يُخيبه، فإما أن يُعطيه ما سأل، أو يدَّخر له ما هو أفضل له في الآخرة وخيرٌ منه، أو يدفع عنه من الشر بقدره، فالله هو الحكيم العليم، وهو أعرف بمصلحة عبده، فعلى الإنسان أن يدعو الله –جلَّ وعلا- فيما يحتاج من أمور الدنيا والاخرة، ويدعو وهو موقنٌ بالإجابة، ويتعرَّض لنفحات الله في أوقات الإجابة، ويبذل أسباب إجابة الدعاء، ويحرص على انتفاء الموانع؛ لأنه قد يدعو ويُوجد بعض الأسباب، ولكن المانع موجود فلا تحصل الإجابة.

وقد ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم–  الرجل الأشعث الأغبر الذي يُطيل السفر «يَمُدُّ يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وَغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك؟» [مسلم: 1015]، «أشعث أغبر» مُنكسر غير متكبِّر ولا متجبِّر؛ لأن الحال لا تُسعف ولا تُعين على الكبرياء مع الشعث والغبرة، و«يَمُدُّ يديه إلى السماء»، ورفع اليدين من أسباب الإجابة، والله -جلَّ وعلا- يستحي أن يرد يدي عبده إذا رفعهما إليه صفرًا، ويقول: «يا رب، يا رب»، والدعاء بهذا من مظنة الإجابة كما ذكر القرطبي وغيره أن من دعا بــ(يا رب) خمس مراتٍ اُستجيب له، واستدل بما جاء في آخر سورة آل عمران حيث كُررت خمس مرات، وفي النهاية {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} [آل عمران: 195]، وهنا {دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي} [آل عمران: 38] بهذا الاسم، فهذه مظنات الإجابة، ولكن الداعي الأشعث الأغبر مطعمه حرام ومشربه حرام وغُذي بالحرام «فَأَنَّى»؟ يُستعبد أن يُستجاب له، كما قال النبي –عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح، والله أعلم.