أخذ القرآن والتجويد ممن لا يتمسَّك بالسنة

السؤال
هل تجوز قراءة القرآن والتجويد والإجازة في القراءات على بعض مَن لا يتمسَّكون بالهدي النبوي الظاهر، أو ينتهجون منهجًا مخالفًا للسُنَّة؟
الجواب

جاء عن جمعٍ من السلف قولهم: (إن هذا العلم دين، فانظر عمَّن تأخذ دينك)، فإذا وُجِد غير مَن وُصِف في السؤال بأنه لا يستمسِك بالهدي النبوي، إذا وُجِد غيره ممن هو أمثل منه كان أولى بالأخذ منه، وينبغي أن يُترك مَن لا يتمسَّك بالسُّنَّة ويُهجر، فإنَّ هجره إماتةٌ له ولذكره حتى يرعوي ويتمسَّك بما شرع الله من أوامر ونواهٍ.

ووُجِد هذا في العصور المتوسطة في أهل الحديث حينما كان الغاية عند كثيرٍ منهم جمع الروايات والإجازات، فتجده لا ينظر إلى عمل المُحدِّث، وإنما ينظر إلى علو سنده، فيُقدِّمه على غيره ولو كان غيره أفضل منه وأتقى وأورع.

 نعم الحديث لا يتأثر بفسق راويه بعد استقرار الأحاديث في المصنفات، ولم يبقَ بعد ذلك إلا إبقاء سلسلة الإسناد، وهذه لا يتأثر بها الحديث أو الروايات صحةً وضعفًا، لكن مع ذلك ينبغي لطالب العلم أن ينتقي من الشيوخ أفضلهم وأورعهم وأتقاهم؛ لأنه كما قالوا: (إن هذا العلم دين فانظر عمَّن تأخذ دينك).

وعلى كل حال ما يحمله الفساق عند كثير من أهل العلم ليس بعلم، فالفاسق جاهل ولو حمل ما حمل من العلم، كما جاء في الحديث «يحمل هذا العلمَ مِن كل خَلَفٍ عُدُولُه» [مسند البزار: 9423]، وبهذا يتقرر أن ما يحمله الفاسق عند أهل العلم ليس بعلم، وإنما هو جاهل ولو حمل من المسائل العلمية بأدلتها، ولو كثُر ذلك ما لم يعمل بعلمه.

ومما يُستدل به لهذه المسألة قوله -جلَّ وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء: 17]، فمن عصى الله فهو جاهل ولو حمل من العلم الظاهر ما حمل؛ لأن العبرة بالعمل، أما أن يعرف الأحكام بأدلتها ويُخالف ويترك المأمورات ويفعل المحرمات فهذا في حقيقته جاهل، ولم يقل أحدٌ من أهل العلم إن العاصي إذا عرف الحكم بدليله لا تُقبل توبته، فلو أن شخصًا -وهذا موجود في عموم المسلمين- يعرف تحريم شُرب الخمر ويشرب الخمر، ويعرف تحريم الزنا ويعرف ما يدل عليه من الكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة ثم يزني، هل نقول: هذا له توبة، أو نقول: ليس له توبة؟ بمعنى لو تاب هل تُقبل توبته أو ما تُقبل؟ تُقبل توبته، ولو طبَّقنا {إِنَّمَا التَّوْبَةُ} حصر {عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ}، نقول: هذا يعرف الحكم ويعرف الدليل، يعني ليس له توبة بمقتضى الآية، لكن نقول: إن هذا جاهل ولو عرف الحكم بدليله، وهذا يدلنا ويُفيدنا أن الذي يُخالف ليس بعالم ولو حمل من العلم ما حمل، والحديث «يحمل هذا العلمَ مِن كل خَلَفٍ عُدُولُه» حسَّنه الإمام أحمد وغيره، والله أعلم.